المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الحج

اشارة

سرشناسه : روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان و نام پديدآور : المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الحج/ السید محمد الحسینی الروحانی، السید عبدالصاحب الحکیم.

مشخصات نشر : بیروت: دارالجلی، 1419ق.= -1377

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500 تومان : 964-5972-33-7

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

مندرجات : ج. 1. تقریر الابحاث.

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : حکیم، عبدالصاحب، 1319 - 1361.

رده بندی کنگره : BP188/8/ر85م4 1374

رده بندی دیویی : 297/357

شماره کتابشناسی ملی : 3015506

المجلد الأول

تقديم

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* الحمد لولي النعم، و الصلاة و السلام على نبيّه هادى الامم، و على آله مصابيح الهدى و أولياء الكرم، و اللعن على أعدائهم ناشرى الضلال و الظلم.

و بعد، هذا الكتاب هو جمع لما ألقاه سماحة آية اللّه العظمى، سيدنا الأستاذ الروحاني اكرم اللّه تعالى مثواه بمستوى الدراسات العالية فى الجامعة الاسلاميّة الكبرى، النجف الأشرف، منذ فترة تتجاوز ربع قرن من الزمن، بقلم أحد أعلام المشاركين فى الحضور، و هو فقيدنا الشهيد السعيد، آية اللّه السيد عبد الصاحب الحكيم طاب ثراه.

[2] لقد شارك المؤلف طاب ثراه في حضوره جلسات سيدنا الاستاذ المعظّم نور اللّه ضريحه مشاركة ممتازة باستيعابه دقائق البحث، و فهمه البالغ فى الإحاطة بجوانبه، و أن لا يترك من فوائد شاردة و لا واردة، و لا تفوته منها نكتة و لو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 8

كانت عابرة، و إن كتاباته طاب ثراه لمحاضر الدرس- حقّا- لتمثل بوضوح تلك الخصيصة، و الميزة التي امتاز بها رحمه اللّه، و من جملتها كتاب الحج، و هو هذا الكتاب.

[3] النسخة الأصليّة من الكتاب، و هي بخطّ يد

المؤلّف رحمه اللّه مودعة في مكتبة آية اللّه العظمى، السيد الحكيم قدّس سرّه فى النجف الأشرف، و قد وصلت منها نسخة مصورة، و خطيت بموافقة سيّدنا الاستاذ المعظم قدّس سرّه على نشرها، لكن المقادير شاءت فكان الأمر كما شاءت، و التحق سيّدنا الاستاذ طاب ثراه بالرفيق الأعلى، و لم يمهّد بعد مقدّمات طبع الكتاب. و سوف يودع- إن شاء اللّه تعالى- نسخة مصورة أخرى منه في مكتبة آية اللّه العظمى النجفي المرعشي طاب ثراه- العامّة- بقم المقدّسة.

[4] الكتاب يقع في جزءين، و قد عرفت- بادئ الأمر- اللجنة الثقافيّة مشرفة على نشر آثار سيدنا الاستاذ المعظّم طاب ثراه أن تستدرك ما جاء فى الكتاب على ضوء ما ألقاه سماحة سيّدنا الاستاذ قدّس سرّه فى الدورة الثانية بقم المقدّسة، ثمّ استقرّ الرأي على إلحاق ذلك بالكتاب في جزء مستقل، إن شاء اللّه تعالى.

[5] تمّ الإعداد لنشر الكتاب، و قد مضى قرابة ستّة عشر عاما من السنين على تاريخ الاستشهاد المؤلف طاب ثراه و لم يكن قدّس سرّه قد اختار لكتابه عنوانا خاصا، و لكن اللجنة مشرفة آنفة الذكر رأت- بعد أخذها الموافقة المبدئيّة من انجال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 9

المؤلّف الأكارم حرسهم اللّه تعالى بعينه الّتي لا تنام- أن يكون العنوان هو ما سبق نشره من تقرير سيّدنا الاستاذ باسم «المرتقى إلى الفقه الأرقى»، و هو العنوان الّذي كان قد نال رضا سيدنا الاستاذ طاب ثراه في حينه. فجاء الكتاب بهذا العنوان، ضمن سلسلة «موسوعة الامام الروحاني قدّس سرّه».

و الحمد للّه أولا و أخرا، و هو المستعان مبدأ و ختاما.

محمد صادق الجعفري 3/ ربيع الاول/ 1419

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 1، ص: 11

كتاب الحجّ

اشارة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 13

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* كتاب الحج و هو يعتمد على ثلاثة أركان:

الركن الأوّل: في المقدمات

اشارة

و هي أربع:

المقدّمة الأولى: فى المعنى

الحجّ و إن كان في اللغة القصد، فقد صار في الشرع اسما لمجموع المناسك المؤدّاة فى المشاعر المخصوصة (1).

______________________________

(1) اختلف القوم في بيان حقيقة الحج الشرعيّة. فعرّفه المصنف بأنه مجموع المناسك المؤدّاة فى المشاعر المخصوصة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 14

و هو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية (2)، من الرجال و النساء و الخناثي. و لا يجب بأصل الشرع (3) إلّا مرّة واحدة (4)، و هي حجّة الإسلام.

و عرّفه غيره «1» بأنّه القصد إلى بيت اللّه تعالى لاداء مناسك خاصة.

و قد صارت هذه التعريفات مجالا للنقض و الإبرام و الإيراد بعدم الطرد و العكس، و بما أن المقصود من هذه التعاريف ليس إلّا شرح الاسم و تقريبه إلى الذهن، مضافا إلى أنه ليس هناك أي أثر في تحقيق حقيقته، لأجل ذلك رأينا ان الإغماض عن سرد الإيرادات و المناقشة فيها- لو كانت- و الاكتفاء بمجرّد الإشارة هو المتعين.

______________________________

(2) لا شبهة في وجوب الحج، بل هو من الضروريات التي لا تقبل الإنكار، كيف و صريح القرآن يدل عليه. و وجوبه على مطلق من اجتمعت فيه الشرائط من رجل و امرأة و خنثى، مما يدل عليه اطلاق الآية الكريمة: ... وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا- الآية «2»، كما يدل عليه الإجماع و الضرورة الفقهية مضافا إلى إطلاق النصوص.

(3) إشارة إلى أنّه قد يجب لعارض، كالنذر و نحوه.

(4) كما عليه إجماع المسلمين. و الآية الكريمة لا تدلّ على أكثر من المرة و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 220، الطبعة الاولى.

(2)- سورة آل عمران، 3: 97

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 1، ص: 15

..........

يشهد له بعض النصوص، ك:

رواية هشام بن سالم، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ما كلف اللّه العباد إلا ما يطيقون إنما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات- إلى أن قال:- و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك «1»».

و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام، قال: «إنما امروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك، لأن اللّه وضع الفرائض على أدنى القوة، كما قال: ... فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- الآية «2»، يعنى شاة ليسع القوي و الضعيف و كذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغّب بعد أهل القوّة بقدر طاقتهم «3»».

و رواية محمد بن سنان: إن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب إليه من جواب مسائله، قال: «علة فرض الحج مرة واحدة لأن اللّه تعالى فرض الفرائض على أدنى القوم قوّة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغّب أهل القوة على قدر طاقتهم «4»».

و لكن نسب إلى الصدوق قدّس سرّه في علله الافتاء بإن الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة «5». و الوجه فيه ما ورد في بعض النصوص مما يظهر في ذلك، ك:

رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: «إن اللّه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام، و ذلك قوله عز و جل: ... وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- سورة البقرة، 2: 196.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب وجوب

الحج، ح 24.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- الصدوق، محمد بن علي: علل الشرائع، ج 2: ص 108/ ح 5، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 16

..........

الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ. قال: قلت:

فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر «1»».

و رواية حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن اللّه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام «2»».

و بهذا التعبير و نحوه وردت بعض الروايات الأخرى، و قسم منها صحيح السند، و لكن لأجل وجود ما يدل بالنص على عدم وجوب الحج إلّا مرّة واحدة و انعقاد إجماع المسلمين عليه، التزم بالتصرف بظاهر هذه الروايات، و حملها على خلاف ما يظهر منها من الوجوب مكررا في كل عام.

و قد قيل في مقام الجمع أوجه:

الأول: ما اختاره صاحب الوسائل رحمه اللّه «3» و استظهر أنه مراد الصدوق قدّس سرّه و هو أن المقصود من الطائفة الدالة على استمرار الوجوب هو الوجوب الكفائي، و ما دل على أن الوجوب مرة واحدة لا اكثر يراد منه الوجوب العيني، فترتفع المنافاة بين المدلولين، و استشهد له بما يأتي من عدم جواز تعطيل الكعبة و وجوب اجبار الناس عليها و لو لم يكن لهم مال.

و ناقشه «4» فى «الجواهر «5»»، بأن هذا يستلزم ما دلت النصوص على خلافه، و هو أن يكون الحج الصادر ممن كان قد أتى بالحج واجبا مع إتيان غيره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر،

ح 3.

(4)- مع أنه يختص بمورد تعطيل الكعبة كما لا يختص باهل الجدة كما تشير إليه النصوص الدالة على الصرف من بيت المال.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 222، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 17

..........

للحج لأول دفعة مع أن النصوص تدل على أن الحج الآخر تطوع.

الثاني «1»: كون المقصود منها هو استحباب الحج مكررا في كل عام على أهل الجدة. و نسبه صاحب الوسائل رحمه اللّه إلى الشيخ قدّس سرّه.

الثالث: كون المقصود الاستحباب المؤكّد بحيث يتناسب مع التعبير بالفرض و الوجوب.

الرابع: ما ذكره الشيخ قدّس سرّه «2» و اختاره صاحب الجواهر رحمه اللّه «3» و هو كون المقصود ثبوت الوجوب على سبيل البدل، بمعنى أن من وجب عليه الحج فلم يأت به وجب عليه في الثانية و لم يسقط عنه، فإذا لم يأت به في الثانية وجب عليه في الثالثة و هكذا يستمر الوجوب في كل عام و لا يسقط حتى يأتي به.

و يحتمل «4» أن يكون المراد من هذه النصوص بيان استمرار تشريع الحج و عدم انقطاعه في سنة من السنين، من دون نظر إلى تعيين مقدار الواجب.

و بالجملة، مما يقطع به عدم إرادة ظاهر هذه الروايات خصوصا انه لو كان للوجوب المكرّر وجود لبان في السيرة العملية للمسلمين، مع أنه لا أثر له في عمل المسلمين فالفقيه بالخيار في حملها على ما يراه أظهر و أقرب إلى المعنى الحقيقي من هذه الاحتمالات المذكورة، فتدبر.

______________________________

(1)- لكنّه خلاف ظاهر الاستشهاد بالآية خصوصا بملاحظة الذيل فإنّها في مقام بيان الوجوب.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 16، ط النجف الأشرف.

(3)- النجفي، الشيخ

محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 221، الطبعة الاولى.

(4)- قواه السيد الخوئي [رحمه اللّه] و ذهب إلى امكان نظرها إلى ما كان يجري عليه أهل الجاهلية من التعطيل في بعض السنين كما تشير إليه آية تحريم النسي ء.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 18

و تجب على الفور. و التأخير مع الشرائط كبيرة موبقة (5).

______________________________

(5) الكلام في مسألتين:

الأولى: كون ترك الحج إلى الموت كبيرة.

الثانية: وجوب الفورية و كون تأخيره عن أول عام من الاستطاعة معصية كبيرة.

أما ترك الحج إلى الموت فهو يتصور على انحاء ثلاثة:

الأول: أن يتعمد المكلف الترك و يبنى على عدم الإتيان أصلا و يموت، و هو على ما بنى عليه و لم يأت بالحج.

الثاني: أن يتهاون المكلف في الحج و يستخف به و يموت و هو لم يحج.

الثالث: أن يؤخر الحج من عام لآخر من دون تهاون، بل لداع عقلائي أو شرعي يراه في نفسه- لا فى الواقع- أرجح من الحج من باب الاستحسان بحيث لا يكون معذّرا له في سقوط الحج ثم يموت و هو لم يأت بالحج.

أما النحو الأول، فهو مما لا اشكال في كونه معصية كبيرة فإنه المتيقن مما دل على أن من ترك الحج بدون أي عذر يموت يهوديا أو نصرانيا. و هكذا.

النحو الثاني، لدلالة بعض الروايات عليه مع أن الاستخفاف في نفسه معصية كبيرة، لذكره من جملة الكبائر في بعض النصوص كما فى «الجواهر «1»».

كما يشمله اطلاق قوله عليه السّلام- في رواية ذريح المحاربي-: «من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17:

ص 224، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 19

..........

سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا «1»».

و أما النحو الثالث، فهو كأخويه في كونه معصية، بل يمكن دعوى شمول اطلاق رواية ذريح له فيكون كبيرة لدلالة بعض النصوص عليه، كرواية زيد الشحام، قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام التاجر يسوّف الحج، قال: «ليس له عذر فإن مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «2»» و نحوها غيرها. و التسويف يشمل التأخير لعذر، كما ورد التصريح به في بعض النصوص، فلاحظه.

أما كونه كبيرة، فهو يبتني على كون مطلق الوعيد على المعصية يقتضي كونها من الكبائر.

و أما التأخير عن عام الاستطاعة، فقد جزم صاحب المتن رحمه اللّه و تبعه غيره «3» في كونه من الكبائر، و الأقوى- بملاحظة النصوص- التفصيل بين ما إذا علم الإنسان و جزم ببقائه إلى العام الآخر و بنى على اداء الحج فيه، فلا يجب عليه الفورية و جاز له التأخير، و ما إذا لم يعلم ذلك و إنما يبني على الحج فى المستقبل بحسب الارتكاز العرفي على البقاء و استصحاب الحياة الاستقبالي الذي هو العمدة في أصل تحقق البناء على الفعل في المستقبل، فيجب عليه المبادرة و لم يجز له التأخير.

بيان ذلك: أن ما تتضمنه النصوص هو التوبيخ و الوعيد على ترك الحج.

نعم، ورد في كثير منها ان من سوّف الحج لا عذر له أو لا يسعه. و هذه الجملة في حدّ نفسها تقتضي عدم جواز التأخير و انه يلزمه البدار، إلا ان هذه الجملة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 7: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص

122، ط مؤسسة المعارف الإسلامية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 20

..........

الحقت بجملة أخرى في جميع مواردها صرفتها عن ظاهرها الأولي و هي قوله عليه السّلام: «... و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ... «1»»

فإن ظاهر هذا الذيل هو أن الملحوظ في نفي العذر هو ترك اداء الحج، و إنه لا عذر له في تركه بعد تسويفه و عدم وجود ما يمنع من ادائه، إلا أن نفس التسويف و التأخير مما لا يعذر فيه الكاشف عن لزوم الفورية. بل رواية معاوية بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال اللّه تعالى: ... وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به «2»» ظاهرة فيما قلناه بدون لحاظ الذيل، لأن الظاهر ان قوله عليه السّلام: «هذه لمن كان ...- الخ» إنما هو تفسير للآية الشريفة، و ليس بيانا لحكم مستقل، فإرادة وجوب المبادرة و عدم جواز التأخير من قوله: «فإن كان سوفه للتجارة فلا يسعه» لا وجه له إذ ليس هذا مفاد الآية، بل لا بدّ أن يكون النظر في قوله عليه السّلام إلى ترك الحج الواجب و أنه لا يسعه تركه تسويفا بدون عذر، فلاحظ.

يبقى هاهنا كلام و هو ما أشار إليه فى «المدارك «3»» من أن الوعيد المطلق يقتضي التضييق، و توضيحه: أن الوعيد على ترك الحج بقول مطلق بحيث يشمل صورة التأخير لداع عقلائي يقتضي أن يكون الحج مضيقا،

لأنه إذا كان واجبا موسعا و أخّره المكلف بانيا على الأداء ثم مات قبل أدائه فلا عقاب عليه لكونه معذورا بعد إن كان الواجب موسعا، و لذلك لا يلتزم أحد باستحقاق من مات

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب وجوب الحج. ح 1.

(2)- المصدر.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 18، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 21

..........

في اثناء وقت الصلاة و لم يؤدها و كان بانيا على أدائها للعقاب، لأنه معذور من قبل الشارع بتوسعة الوقت.

و لكن هذا الكلام لا ينهض دليلا على المدعى و ذلك لأن غاية ما يقتضيه هذا الكلام هو عدم معذورية العبد فى الترك الكاشف عن وجود منجز للتكليف في ظرفه، و هذا إنما يدل على التضييق لو انحصر المنجز بوجوب الفورية و عدم جواز التأخير. أما لو تصورنا منجزا غير هذا الحكم، فلا دلالة له على التضييق، و الأمر كذلك، فإنا نقول: أن الحج و إن كان واجبا موسعا إلا أن تركه الواقعي غير مرغوب لدى الشارع و قد أوضح هذا المعنى بالروايات المزبورة، فإنها تقتضي أنّ المكلف لا يعذر في تركه للحج إذا كان عن تسويف. و هذا لا ينافي كون الحج موسعا في وقته، فالأحكام الثابتة بالروايات ليست إلا أحكاما طريقية لأجل التحفظ عن عدم الوقوع في مخالفة الأمر الواقعي بالحج غير المرغوب شرعا، فهي شبيهة بالأحكام الاحتياطية المجعولة لإدراك الواقع. و مع جعل هذا الحكم الظاهري الطريقي و بيانه يكون التكليف منجزا و لو كان الوقت واسعا.

و بالجملة، الروايات مسوقة لبيان أمر على خلاف القاعدة الاولية فى الواجبات الموسعة و للتنبيه على

أن هذا الواجب الموسع لا يشبه سائر الواجبات الموسعة في الأحكام، و لا يخفى أن الحكم الطريقي لا يثبت في صورة العلم بالبقاء و الجزم به، إذ لا يكون التأخير تسويفا و اهمالا لكونه معذورا بالعلم، فلا ينافي التحفظ المطلوب، فلا يشمل صورة العلم بل يشمل صورة التردد التي هي مجرى الاستصحاب، فهو هاهنا غير معتبر و لا يجدي في المعذورية.

و من الواضح أن هذا الحكم الطريقي لا تكون مخالفته من الكبائر؛ بل لو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 22

..........

استتبع حكما نفسيّا كان كسائر الاحكام فلا دليل على كون مخالفته من الكبائر.

و هذا المعنى الذي ذكرناه هو الظاهر من الروايات لما عرفت من أن الملحوظ فيها نفي المعذورية من جهة ترك الحج، لا من جهة نفس التسويف و التأخير. و عليه فلا وجه لوجوب الفورية.

نعم، ارتكاز المتشرعة على الفورية، فمن جعله دليلا اعتمد عليه فى الحكم و إلا فلا دليل عليه أصلا و هذا هو ظاهر «الجواهر «1»» إذ ذكر ان العمدة فى الفورية كونه كذلك في نظر أهل الشرع، فلاحظ.

ثم أنه بناء على وجوب الفورية لو اخّره في العام الأول وجب فيما يليه فورا ففورا، إذ ما يقتضي الفورية في العام الأول يقتضيها في العام الثاني و الثالث و هكذا. فتدبر و افهم و اللّه العالم.

تذييل:

تعرض بعض الأعلام كصاحب الجواهر «2» و المدارك «3» و تابعهم صاحب العروة الوثقى «4» إلى تحرير فرع و البحث فيه في ذيل مسألة وجوب الفورية و لم يذكره المحقق صاحب الشرائع. و هو أنه بناء على وجوب الفورية و كان هناك قافلتان الاولى منهما يجزم أو يطمئن بادراك الحج معها، و الثانية لا

يطمئن بادراك الحج معها، بل يحتمل عدم وصولها، فهل يجوز تأخير سفره عن القافلة الأولى إلى الثانية، أو لا؟ و هل يعدّ من يؤخره و لا يدرك الحج عاصيا، أو لا؟ و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 224، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 225، الطبعة الاولى.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 18، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- اليزدي، السيد محمد كاظم: العروة الوثقى/ كتاب الحج: [فصل] المسألة 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 23

..........

لم تحقق المسألة في كلامهم كما ينبغي.

فالتحقيق أن يقال ان البحث في مقامين:

الأول: في استقرار الحج في ذمة من لم يسافر مع الأولى، و سافر مع الثانية و لم يدرك الحج فيترتب عليه آثار من كان الحج مستقرا في ذمته.

الثاني: في عصيانه بتأخيره السفر إلى القافلة الثانية و عدم ادراكه الحج.

أمّا استقرار الحج في ذمته، فلا ينبغى الإشكال فيه، لما دل على أن من تمكن من الحج و لم يحج استقر الحج في ذمته. و من المعلوم، أن هذا الشخص ممن تمكن من الحج إذ كان يتمكن من السفر مع القافلة الأولى، فيستقر الحج في ذمته، و لا يختلف الحال في استقرار الحج بين صورة وثوقه بادراك الحج مع القافلة الثانية و صورة عدم وثوقه لصدق التمكن عليه. نعم، يختلف الحال بينهما من ناحية المعذورية و عدمها بناء على عدم معذورية من لا يثق ادراك الثانية في التأخير.

و أمّا عصيانه بالتأخير، فقد يتخيل لأول وهلة عدم تحقق العصيان، لأن الواجب إذا كان موسعا و أخره المكلف ثم انتفت قدرته عليه لم يكن عاصيا.

و

لكن التحقيق تحقق العصيان، و ذلك لأن التأخر عن السفر- مع احتمال عدم ادراك الحج، و ليس هناك ما يرفع هذا الاحتمال تعبدا أو تكوينا ليكون المكلف معذورا، أن التأخر مع ذلك- و عدم ادراكه الحج يعدّ تأخيرا عمديا للحج، لالتفاته إلى إمكان عدم إدراكه الحج و عدم مبالاته به، فيكون قاصدا للتأخير على تقدير عدم الإدراك واقعا، فيكون ذلك عصيانا للتكليف بوجوب الفورية.

و إذا كان التأخير و عدم ادراك الحج بالقافلة الثانية عصيانا تعين السفر مع القافلة الأولى بحكم العقل بدفع الضرر المحتمل، لاحتمال الضرر و العقاب في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 24

..........

تأخيره السفر إلى القافلة الثانية، و هو واجب الدفع عقلا.

و هذا هو الملاك في تطبيق قاعدة الاشتغال هنا- كما أشار إليها صاحب الجواهر «1»- بتقريب: أن التكليف بالفورية يمتثل جزما بالسفر مع القافلة الأولى و لا يعلم بتحقق امتثاله بالسفر مع القافلة الثانية، فيقال أنه يتعين الإتيان بما به فراغ الذمة يقينا و هو السفر مع القافلة الأولى، و الملاك فيه دفع الضرر المحتمل.

و هذا التقريب لقاعدة الاشتغال ليس بالمعنى المعروف لها، فإن موردها المعروف ما إذا شك في تحقق الامتثال فيما أتى به من العمل فيقال بعدم جواز الاكتفاء به، و لزوم تحصيل العلم بالفراغ.

و بالجملة، لما لم يكن لديه معذر عقلي أو شرعي للتأخير مع احتماله عدم الإدراك كان تأخيره و عدم إدراكه عصيانا، لأنه مخالفة عمدية لوجوب الفورية.

و لأجل ذلك لو وثق بوصول الثانية و إدراكها فأخر السفر إليها، ثم انكشف عدم إدراكها لم يكن عاصيا لعدم قصده إلى المخالفة مع كونه معذورا لعلمه بعدم التأخر.

و قد ساق صاحب الجواهر رحمه اللّه «2»

من جملة الأدلة على حرمة التأخير و كونه عصيانا لو صادف عدم ادراك الحج ما دل على ان من ترك الحج و قد تمكن منه مات يهوديا أو نصرانيا.

و لا يخفي ما فيه: لأن موضوع الكلام هو العصيان بنفس تأخير الحج عن هذه السنة مع اتيانه به في العام المقبل لا ترك الحج من رأس و ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه إنما يرتبط بترك الحج ابدا لا بتأخيره عن هذه السنة إلى غيرها. و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 227، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 224، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 25

..........

مثل ذلك يستغرب بصدوره من مثل صاحب الجواهر رحمه اللّه.

ثم إن لصاحب الجواهر كلاما ظاهره ترتب استقرار الحج فى الذمة على عدم جواز التأخير إلى القافلة الثانية، حيث قال: «مع أن الظاهر استقرار الحج بالتمكن من الرفقة الاولى «1»» و قد عرفت ان استقرار الحج لا يرتبط بكون التأخير عصيانا أو لا، بل ملاكه التأخير مع التمكن و لو كان معذورا فيه كما في صورة العلم بإدراك الحج مع القافلة الثانية، فانتبه.

هذا كله فيما إذا كان سفر القوافل كلها بعد دخول أشهر الحج، و أما إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج و احتمل عدم ادراك الحج مع القافلة الثانية التي تسافر بعد دخول اشهر الحج، فهل يجب عليه السفر مع القافلة الأولى، أو لا يجب؟

ذهب صاحب المدارك «2» إلى عدم وجوب السفر مع الأولى عليه، حيث قال: بعد إن احتمل قويا عدم وجوب السفر مع الاولى و المسافرة بعد أشهر الحج، و نسب إلى العلامة

في «التذكرة «3»» اطلاق القول بجواز التأخير عن الرفقة الاولى و استدرك بأن كلامه رحمه اللّه مفروض في حج النائب: «و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج».

و فيه أنه قد تقرر في الأصول حرمة تفويت المقدمات إذا كانت غير دخيلة فى الغرض للزوم تحصيل غرض المولى و حرمة تفويته، و المفروض ان السفر كذلك إذ الدخيل في المصلحة ليس إلا الاستطاعة و هي متحققة، أما السفر فهو

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 226، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 18، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 136، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 26

..........

مقدمة وجودية».

و بالجملة، السفر فيما نحن فيه يكون من المقدمات المفوتة، و قد تقرر وجوب الإتيان بها عقلا.

و لم يرتض صاحب الجواهر ما جاء فى «المدارك»، فقال: «إن ما ادعاه من القطع إنما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق الخطاب المنجز، و هو باطل، و إلّا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر الحج مع الانحصار، و عدم استقرار الحج فى الذّمة بالتمكن من الخروج قبلها، و سقوطه عن البعيد إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة. و اللوازم كلها باطلة فكذا الملزوم، فتجب إناطة التكليف بالخطاب المعلق و لا يختلف الحال بدخول اشهر الحج و عدمه كما هو ظاهر «1»».

و توضيح ما افاده: إنه اما أن تكون الاستطاعة المأخوذة شرطا للوجوب هي الاستطاعة بعد دخول أشهر الحج و إما أن تكون هي الاستطاعة بقول مطلق

في أي وقت تحققت.

فعلى الأول، لا عبرة بالاستطاعة قبل أشهر الحج و لا ينشأ بوجودها خطاب بوجوب الحج لكنه يستلزم اللوازم الثلاثة الباطلة، فإنه مما لا يلتزم بها من قبل أي أحد- و لزومها واضح- فيتعين أن يكون شرط الوجوب هو الاستطاعة مطلقا. فبحصولها قبل أشهر الحج يتعلق التكليف بالحج بنحو الواجب المعلق لاشتراطه بالزمان الخاص، فتجب مقدماته قبل أشهر الحج و لا فرق حينئذ بين المسير قبل أشهر الحج و بعده، فتدبر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 227، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 27

و قد يجب الحج بالنذر (6) و ما في معناه. و بالإفساد (7)، و بالاستيجار (8)

ثم إنه ورد فى «العروة الوثقى «1»» تعين المسير مع الأوثق سلامة و ادراكا من القافلتين، و هو غير واضح و الكلام فيه من جهتين:

الأولى: في عدم وضوح المقصود من السلامة في قبال الادراك، إذ المراد منه إن كان هو السلامة بمعنى عدم الموت، فهو و إن كان واجبا من باب حفظ النفس لكنه لا يرتبط بوجوب الحج، و هكذا إن كان السلامة بمعنى العافية، فإن وجوبه لو سلم فهو من باب حرمة الإضرار و لا ربط له بوجوب الحج و تعينه.

و بالجملة، العمدة هو ادراك الحج و عدم ادراكه دون شي ء آخر.

الثانية: في عدم وضوح تعيّن المسير مع الأوثق، فإنه مما لا يعلم له وجه، إذ بعد ما كان مجرد الوثوق معذرا و حجة للعبد على المولى لم يظهر وجه في تعين الأوثق فإن كلا منهما جائز. نعم، هو أولى عقلا و عرفا كما جاء التعبير به فى «الجواهر»، لا أنه متعين. فتدبر و افهم.

______________________________

(6)

لدليل وجوب الوفاء به.

(7) كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(8) لوجوب الوفاء بالعقود، هذا إن صح الاستيجار على الحج و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- اليزدي، السيد محمد كاظم: العروة الوثقى/ كتاب الحج: فصل [المسألة 2].

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 28

للنيابة، و يتكرر بتكرر السبب (9)، و ما خرج عن ذلك [فهو] مستحب (10).

و يستحب لفاقد الشروط (11)،

______________________________

(9) لأن الأصل عدم التداخل و لا دليل على التداخل هنا كما فى الغسل.

(10) يعني ما لم يكن له سبب يوجبه، كفاقد شرائط الاستطاعة أو واجدها، و لكن كان قد حج حجة الاسلام و لم تلزمه حجة غيرها لسبب من الأسباب الموجبة من نذر، أو إفساد، أو غيرهما. و الوجه في استحبابه النصوص المتظافرة في الحث على الحج و الترغيب فيه و بيان ما يترتب عليه من الثواب، فلتراجع في محلها.

(11) لما عرفت، و قد يشكل: إن ما يدل على اعتبار الاستطاعة يقيّد المطلقات الدالة على استحباب الحج كما يقيد ما يدل على وجوبه.

و يندفع: بأن الظاهر ورود ما دل على اعتبار الاستطاعة في مقام تفسير الآية الدالة على الوجوب و بيان المراد منها، و بعبارة اخرى: الظاهر مما دلّ على اعتبار الاستطاعة اعتبارها شرطا في وجوب الحج لا في أصل مشروعيّة الحج، فهي غير ناظرة إلى أدلة استحبابه فتبقى على اطلاقها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 29

كمن عدم الزاد و الراحلة (12) إذا تسكع، سواء شقّ عليه السعي أو سهل: و كالمملوك إذا أذن له مولاه.

المقدمة الثانية: في الشرائط
اشارة

و النظر في حجة الإسلام، و ما يجب بالنذر، و ما في معناه، و في أحكام النيابة.

______________________________

(12) يدل على استحباب

الحج في هاتين الصورتين مضافا إلى أدلة استحبابه العامّة النصوص الواردة في خصوصهما. فلاحظها.

(13) لحديث رفع القلم عن الصبي «1»، مع التنصيص على ذلك في بعض الأخبار، ك:

رواية اسحاق بن عمار، عن ابي الحسن عليه السّلام: عن ابن عشر سنين يحج، قال: «عليه حجة الاسلام إذا احتلم ... «2»».

و رواية مسمع، عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام «3»».

هذا في المميز، أما غيره فيقبح تكليفه عقلا من دون حاجة إلى الاستدلال عليه من الأخبار.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 4: من ابواب مقدمة العبادات، ح 11.

(2)- المصدر/ باب 12: من أبواب وجوب الحج، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 13: من أبواب وجوب الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 30

[القول في حجة الاسلام و شرائط وجوبها خمسة]
[الأوّل: البلوغ و كمال العقل]

القول في حجة الاسلام و شرائط وجوبها خمسة:

الأوّل: [البلوغ و كمال العقل، فلا يجب على الصبي (13)، و لا على المجنون (14). و لو حج الصبي أو حجّ عنه، أو عن المجنون، لم يجز عن حجة الإسلام (15).

______________________________

(14) المجنون: تارة يكون بنحو لا شعور له اصلا لاداء العمل، فيقبح تكليفه و لا يكون قابلا لتعلّق الخطاب به عقلا.

و أخرى: يكون ذا شعور له في أداء العمل و ذا التفات إليه بأن كان جنونه في غير موارد العمل.

فقد يدعى بعدم وجوب الحج عليه- أيضا- لإطلاق حديث رفع القلم عن المجنون. إلا أن يقال: إن مناسبة الحكم و الموضوع في حديث الرفع توجب ظهور الكلام في اختصاص رفع القلم عن موارد الجنون دون غيرها مما يمكن صدور العمل منه كاملا. فتدبر.

(15) قد يدعى أن الأصل الأولي لمثل هذه الموارد هو الإجزاء، كما لو

صلى الصبي قبل بلوغه ثمّ بلغ بعد صلاته، فإنّه لا تجب عليه الصلاة حينئذ. و الوجه فيه أمران:

الأول: انصراف أدلة الوجوب إلى صورة عدم الإتيان بالعمل و يشهد له ملاحظة موارد الأوامر العرفيّة، فإنها لا تشمل صورة تحقق المتعلق من المأمور.

فلا يكون الصبي بعد اتيانه بالحج مشمولا لأدلة وجوبه.

الثاني: وفاء الفرد المأتي به بالغرض و المصلحة. و تقريب ذلك بوجهين:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 31

..........

أحدهما: إن أوامر الحج كانت شاملة لجميع الأفراد و منهم الصبي، إلا أنه ورد ما يدل على أن جعله في حق الصبى بنحو الاستحباب و في حق غيره بنحو الوجوب، فالمجعول واحد لكنه صنف و كان بنحو الوجوب على بعض و بنحو الاستحباب على آخرين بداعي الإرفاق و التسهيل.

و الآخر: إن أدلة الحج و إن اختصت بغير الصبي، لكن الدليل الدال على استحبابه عليه ظاهر في استحباب نفس الحج الواجب على غيره، و إنما جعل عليه استحبابا ارفاقا و تسهيلا.

و في كلا الوجهين نظر: أما دعوى الانصراف، فيدفعها أنه لا شاهد لها و الاستشهاد بالأوامر العرفية مما يدرك فيه الملاك و أنه يتحقق بذات العمل الموجب للانصراف، لا وجه له، إذ ملاكات الأحكام الشرعية لدينا مجهولة.

و أما دعوى وفاء الفرد المأتي به بالملاك، فيرد التقريب الأول لها وجهان:

أحدهما: منع دعوى كون أدلة الحج بنحو من الإطلاق بحيث تشمل جميع الإفراد حتى غير المكلفين.

و ثانيهما: أنه لو سلم ذلك فلا يعلم ان جعله بنحو الاستحباب على الصبي إنما هو لمصلحة الإرفاق لا غير، بل لعله لمصلحة أخرى تمنع من إدراك مصلحة الواجب.

و من هنا يظهر الإشكال في التقريب الثاني، إذ لا ظهور في كون المستحب هو عين

الواجب من جهة الملاك و إنما جعل مستحبا للإرفاق و التسهيل، فإنه مما لا شاهد له و مجرد دعوى ذلك لا يجدي فى المطلوب.

إذن، فالأصل الأولي هو عدم الإجزاء لشمول دليل الوجوب له و إن أتى بالعمل. و لو سلم أن الأصل الاولي في مثل هذه الموارد هو الإجزاء، فالحج

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 32

و لو دخل الصبي المميّز و المجنون في الحجّ ندبا، ثم كمل كل واحد منهما و أدرك المشعر، أجزأ عن حجة الإسلام (16)، على تردد.

خارج عنه بالدليل الخاص و هو ما تقدم من رواية مسمع و غيرها.

و أعلم أن الكلام المذكور في حج الصبي المميز دون حج الولي بغيره أو بالمجنون، فإن له كلاما آخر سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(16) هذا هو المشهور بين الأصحاب و استدل له بوجوه:

الأول: الإجماع.

الثاني: ما يأتي من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه، الظاهر في صلاحية الوقت لإنشاء الإحرام فكذلك يصلح لقلبه أو انقلابه، فإن من أحرم من مكة و أتى بجملة من الأفعال لا يكون أسوأ حالا ممن أحرم من عرفات و لم يدرك إلّا المشعر.

الثالث: ما دلّ على أنّ العبد لو اعتق في الاثناء أجزأ عن حجة الاسلام، إمّا بدعوى تنقيح المناط و عدم الفرق بين العبد و غيره، أو بدعوى ظهور النصوص في عدم خصوصيّة للعبد، و إنّما الحكم ثابت لكل من اجتمعت فيه الشرائط قبل إدراك المشعر.

الرابع: ما ورد من انّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحج «1».

و قد ذهب البعض «2» إلى عدم الإجزاء. و تردد المصنف قدس سرّه فى الحكم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر،

ح 14.

(2)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 636، ط مؤسسة نشر الإسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 33

..........

بالإجزاء. و التحقيق أن يقال: إنه إذا التزم بأن القاعدة الأولية تقتضي إجزاء الفرد الذي أتى به الصبي ثم بلغ بعده، فالحكم بالإجزاء هنا متعين، لجريان عين التقريب فيه و النص الخاص الدال على عدم الإجزاء لا يشمله لظهوره في كون موضوعه خصوص من جاء بالحج لا من هو في اثنائه.

و إن لم يلتزم بكون القاعدة الأولية تقتضي الإجزاء في مثل هذه الموارد، فالحكم بعدم الإجزاء أوجه، إذ لا دلالة لما ذكر من الوجوه على المدعى.

أمّا الإجماع، لو سلم تحققه، فلعدم إحراز أنه تعبدي بل يمكن أن يكون مستند القائلين بالإجزاء أحد الوجوه المذكورة.

و أما ما دل على أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه، فلأن موضوعه من أراد إنشاء الاحرام و إحداثه من غير مكة، فلا يتجه تعميم الحكم به إلى مورد تلبس فيه الشخص بالإحرام و قصده قلبه و صرف النظر عن احرامه الأول- كما هو ظاهر الدليل-، لاحتمال ثبوت الفرق بين صورة إنشاء الإحرام و صورة قلبه و صرف النظر عما كان متلبسا به من الإحرام.

و أما نصوص العبد، فلأن دعوى تنقيح المناط جزافية، و دعوى ظهور النص في عدم الخصوصية للعبد لا شاهد عليها بعد ان كان موضوع الحكم هو العبد، و احتمال الخصوصية احتمالا عقلائيا.

و أما ما ورد من أن من أدرك المشعر فقد ادرك الحج، فلأن هذه الصيغة تحتمل وجهين:

الأول: أن تكون مسوقة لبيان ركنية إدراك المشعر و أنه من لم يدرك المشعر لا يدرك الحج، فالجملة ناظرة إلى أداء المفهوم

ليس إلا.

و الثاني: أن تكون واردة لبيان أن أدرك الحج يحصل بإدراك المشعر، نظير

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 34

..........

من أدرك ركعة فى الوقت فقد أدرك الصلاة.

و الملحوظ في طرف النفي و المقابلة، تارة: يكون سائر اعمال الحج بأن يكون المراد من لم يدرك شيئا من اجزاء الحج و أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فهي نظير من أدرك ركعة، كما عرفت. و اخرى: يكون نحو خاص من الوقوف بالمشعر، بأن يكون الملحوظ في طرف النفي و الإثبات خصوصيات إدراك المشعر من كونه في الوقت الخاص و إلى الوقت الخاص، فالمعنى يكون من لم يدرك المشعر في هذا الوقت مثلا و أدركه في هذا فقد أدرك الحج، فلا نظر إلى سائر الأجزاء.

و هذه الاحتمالات الثلاثة تضمنت بيانها النصوص باختلاف الموارد. و الجملة المذكورة بالمعنى الأول لا تصلح شاهدا على المدعى، فإنها أجنبية عنه كما لا يخفى، و هكذا بالمعنى الثالث، و لكنها تصلح شاهدا على المدعى بالمعنى الثاني، لأنها تتضمن بيان التوسعة فى الواجب و ان بادراك هذا الجزء يتحقق إدراك الواجب، فيتمسك بإطلاقها لتشمل ما نحن فيه.

إلا أنه يناقش شمولها لما نحن فيه بوجوه:

الأول: أنها إنما تتكفل تصحيح الحج بإدراك المشعر و لا نظر لها إلى العمرة، و هي جزء مقوم لصحة حجة الإسلام و أدائه، فلو صحح حج الصبي بهذه النصوص فبم تصحح عمرته؟ و قد ذكر هذا الوجه صاحب المستند «1».

الثاني: أنها ظاهرة في كون موضوعها من أدرك المشعر و لم يدرك سائر الأجزاء لا من أدركها و لكن كان إتيانه بها بنية اخرى غير نيّة الوجوب كما فيما نحن فيه، فلا تشمل مثل ما نحن فيه.

______________________________

(1)- النراقي،

المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: صص 22- 21، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 35

..........

و بعبارة اخرى: أنها ناظرة إلى تصحيح الحج الناقص لإدراك المشعر، و ما نحن فيه يتكلم في أن الحج الصحيح المفروض صحته هل يجزي عن حجة الإسلام، أم لا؟

الثالث:- و هو عمدة وجوه المناقشة- أن الصبي إذا بلغ يتوجه عليه وجوب إكمال حجه و عدم جواز قطعه و لزوم الاستمرار فيه. و من الواضح أنه يحتمل أن يكون هذا الوجوب مانعا عن تعلق وجوب حجة الإسلام بالبالغ، فهذه النصوص و إن تكفلت التوسعة في متعلق الحكم بلحاظ ثبوت الحكم للفرد المنزّل أو الاعتباري، إلا أنها انما تنظر لثبوت الحكم لهذا الفرد من جهة إلغاء تأثير فقدان بعض الإجزاء و الشرائط، أما جهة وجود مانع آخر يمنع أو يحتمل أن يمنع من تعلق وجوب الحج فهي غير ناظرة لالغائه و إثبات الحكم في مثل هذه الصورة، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة. و قد عرفت ثبوت التشكيك في ثبوت وجوب حج الإسلام من جهة احتمال مانعية وجوب الإكمال له. و هذه الأخبار لا تتكفل بإلغاء هذا الشك و إثبات وجوب الحج لأنها غير ناظرة إليه.

و بعبارة أوضح: أن الشك في ثبوت وجوب الحج للبالغ فى الاثناء، تارة ينشأ من جهة فقدان العمل لبعض الاجزاء. و اخرى ينشأ من جهة احتمال وجود مانع يمنع منه كوجوب الإكمال. و هذه النصوص إنما تتكفل إلغاء الشك من الجهة الأولى و بيان أن هذا العمل الفاقد كالواجد في الحكم، و لا تتكفل الغاء الشك من الجهة الثانية، لأن محط نظرها هو الجهة الأولى، فليست

هي في مقام بيان غيرها.

و قد عرفت تحقق الشك من الجهة الثانية فيما نحن فيه، فلا يجدي التمسك بهذه النصوص لالغائه. و على هذا يظهر أن القول بعدم الإجزاء أوجه، لعدم الدليل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 36

..........

على الإجزاء.

و يقع الكلام بعد ذلك في بعض الفروع التي تعرض لها الفقهاء في ذيل المسألة.

أحدها: أنه لو التزم بالإجزاء، فهل يلزمه تجديد النية و قصد الوجوب بعمله، أو لا يلزمه؟ و الثمرة تظهر فيما لو لم يجدد النية و استمر على نية الندب غفلة «1» أو جهلا ببلوغه أو غفلة عن الحكم أو جهلا به ثم انكشف له الواقع، او قصد القربة المطلقة. فإنه بناء على لزوم تجديد النية لا يقع عمله مجزيا لفقدانه النية المعتبرة، بخلافه لو بنى على عدم لزوم تجديدها، كما لا يخفى.

و على كل، فلا وجه لاعتبار تجديد النية و قصد الوجوب بعمله إلا أمران:

الأول: اعتبار قصد الوجه في صحّة العمل، فيلزم قصد الوجوب في عمله.

و فيه: انه قد تقرر في محله انه لا دليل على اعتبار قصد الوجه و لا شاهد له.

الثاني: أن تكون في حج الاسلام خصوصية قصدية لا تتحقق إلا بالقصد، و لا طريق إلى قصدها سوى قصد الوجوب لتحقق الإشارة إليها، فيكون حالها حال صلاة الظهر و العصر.

و فيه أنه لا شاهد على ثبوت الخصوصية من الاخبار و غيرها، بل الظاهر ان الحج ليس إلا نفس الاعمال الخارجية بذاتها، و أما التسمية بحجة الاسلام فليس لخصوصية فيه قصدية، بل لأجل أنه ما بني عليه الإسلام، فهي منتزع عن أثره.

و من هما يظهر أنه لا وجه للاستدلال على لزوم تجديد النية بما ورد من انه

______________________________

(1)- التقييد بالغفلة أو الجهل لأن الاستمرار بنية الندب مع العلم بالموضوع و الحكم و الالتفات إليهما يكون تشريعا محرّما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 37

..........

لا عمل إلا بنيّة- كما جاء فى «الجواهر «1»»-، إذ ظاهر الخبر لزوم صدور العمل عن قصد إليه و اعتبار قصده في صحته. و المفروض تحقق ذلك فيما نحن فيه، إذ الحج مقصود و لم يأت به غفلة، فلا دلالة له على المدعى إلا بثبوت خصوصية قصدية في العمل، كي يلزم قصدها و نيتها استنادا إلى هذا الخبر. و لا وجه لدعوى استفادة الخصوصية منه، إذ قد اخذ العمل في موضوع الحكم و الخصوصية- لو ثبتت- جزء العمل، فلا تستفاد من الحكم. فتدبر.

فالمتعين هو الالتزام بعدم لزوم تجديد النية و قصد الوجوب بعمله.

و يمكن الاستشهاد له بإطلاق ما دل على إجزاء الحج الصادر من العبد لو اعتق قبل المشعر، لانه يشمل بإطلاقه من لم يعلم بعتقه إلا بعد تمام الحج فلم يجدد النية.

ثانيها: في اعتبار استطاعة الصبي لو بلغ في الاثناء في وجوب الحج عليه و عدم اعتبارها، بمعنى أنه هل يعتبر في وجوب الحج عليه ان يكون مستطيعا من البلد، او الميقات؛ او لا يعتبر ذلك؟ احتمالات و أقوال:

أحدها: عدم اعتبار الاستطاعة في حقه.

و الآخر: اعتبار الاستطاعة من بلده.

و الثالث: اعتبار الاستطاعة حال بلوغه، و بعبارة اخرى: اعتبار الاستطاعة في مرحلة البقاء، لا الحدوث و البقاء كما هو الاحتمال الثاني.

و تحقيق الكلام أن يقال: إنه إذا ثبت فيما يأتي- إن شاء اللّه تعالى- عدم اعتبار الاستطاعة من البلد في وجوب حج الاسلام بحيث إذا أتى المكلّف بالحج و لو بتسكع أجزأ و لم يجب عليه

الحج بعد حصول المال لديه- إذا ثبت فيما يأتي

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 231، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 38

..........

ذلك-، فلا موضوع للنزاع هنا، إذ لا معنى للنزاع في اعتبار استطاعة البالغ فى الأثناء بعد فرض عدم اعتبارها من رأس. و لا اشكال على هذا في صحة الحج فيما نحن فيه و اجزائه عن حج الاسلام. و إذا ثبت اعتبار الاستطاعة في حج الاسلام بحيث لا يجزي حج المتسكع و يجب عليه الحج لو استطاع بعد ذلك، فالنزاع المذكور له وجه.

و حينئذ نقول: إن تصحيح حج الصبي البالغ في الاثناء و الالتزام باجزائه من جهة البلوغ:

تارة: يكون مستندا إلى أنه مقتضى القواعد الأولية من باب إجزاء المستحب عن الواجب، فلا إشكال في إجزاء حجه و لو لم يكن مستطيعا، إذ لو فرضنا اعتبار الاستطاعة في الوجوب و لم يكن مستطيعا بعد بلوغه فحجه و إن لم يكن واجبا لكنه يكون مستحبا، و المفروض ان القاعدة تقتضي إجزاءه عن الواجب.

و اخرى: يكون مستندا لنصوص من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فالوجه هو اعتبار الاستطاعة في صحة الحج، إذ هذه الروايات لا تتكفل سوى التوسعة في متعلق الحكم و فرض العمل الناقص تاما من جهة ثبوت الحكم له، من دون نظر إلى الغاء شرائط الحكم، بل الحكم تابع فى الثبوت لشرائطه، و هذه الأدلة تتكفل تعلق الحكم بالناقص و الغاء احتمال عدم ثبوته من جهة نقصان المتعلق فقط، لا من جهة أخرى، نظير من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الصلاة، فانه لا يشمل مورد عدم الوجوب، كالحائض و نحوها.

و بالجملة: هذه النصوص تتكفل إلغاء

التوقف في ثبوت الوجوب من جهة نقصان المتعلق لا من جهات اخرى، كفقدان الاستطاعة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 39

..........

و ثالثة: يكون مستندا إلى نصوص إجزاء حج العبد المعتق في الاثناء. فإن كان المقصود من تلك النصوص بيان اجزاء العمل المأتي به بعد العتق عن حج الإسلام لا بأن يكون من أفراده، بل يكون من باب اجزاء فرد مستحب عن الواجب لرفعه موضوع الوجوب- و هذا هو ظاهر التعبير بالإجزاء الظاهر في أنه يكتفي به عن حج الإسلام، لا أنه هو حج الإسلام-.

إن كان المقصود ذلك، فلا إشكال في عدم اعتبار الاستطاعة، إذ الاستطاعة غير معتبرة في غير حج الإسلام. و المفروض ظهور النص في عدم كون الحج الصادر من العبد المعتق و الصبي البالغ من افراد حج الواجب.

و إن كان المقصود منها بيان وجوب الحج عليه و انه مجز لأنه من مصاديق حج الإسلام.

فإن اعتبرنا ملكية العبد و تصورنا استطاعته قبل الحج، فلا اشكال في اعتبارها لدليل اشتراطها، و هذه النصوص انما تتكفل الاجزاء من جهة الرّقية في بعض الوقت، فهي تنفي التوقف من هذه الجهة دون سائر الجهات، فالمرجع في غيرها أدلتها.

و ان لم نتصور ملكية العبد فلا اشكال في عدم اعتبار في الاستطاعة، لان الحكم باجزاء حجه مع عدم تصور الاستطاعة له قبل العمل يكشف عن عدم اعتبارها و كفاية الاستطاعة على العمل من حين زوال المانع.

و الخلاصة: انه ان كان الاجزاء على طبق القاعدة، فلا تعتبر الاستطاعة. و ان كان بنصوص من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فهي معتبرة جزما، و ان كان بنصوص العبد، ففيه تفصيل. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 40

و يصحّ احرام الصبي المميّز، و إن لم يجب عليه (17).

______________________________

(17) لا اشكال في مشروعية حج الصبي و إحرامه، إذ يدل عليه مضافا إلى مطلقات مشروعية الحج- لعدم شمول رفع القلم لها لانه يرفع الالزام لا أصل المشروعية- الروايات الخاصة الدالة على أن الصّبي لو حج عشر حجج فلا يجزي عن حج الإسلام، الظاهر في مشروعية العمل و إلا لم يكن وجه لتوهم الاجزاء، بل قد يدعى أنه لا يطلق عليه لفظ الحج.

و انما وقع الكلام في أنه يعتبر في مشروعية الحج المستحب للولد سواء كان كبيرا، أو صبيا إذن أبويه أو لا يعتبر إذنهما؟

قد يستدل على الاعتبار برواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و من بر الولد أن لا يصوم تطوعا، و لا يحج تطوعا، و لا يصلي تطوعا، إلّا باذن ابويه و امرهما «1»».

و لكنها مروية في «الفقيه «2»» و «الكافي «3»» بغير هذه الزيادة. و عليه، فلا يحصل وثوق بوجود هذه الزيادة، خصوصا و ان «الفقيه» و «الكافي» أكثر ضبطا من «العلل»، و لو سلّم وجودها فلا دلالة على اللزوم، أوّلا لذكر الصلاة، و من الواضح انه لا يعتبر في النوافل إذن الوالد، و لم يقل بذلك احد. و ثانيا لذكر اعتبار الامر، و هو مما لا يقول به احد، فيمكن ان يكون المنظور في النص أعلى

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: علل الشرائع، ج 2: ص 86/ ح 4، ط دار الحجة للثقافة.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 154، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(3)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 4: ص 151/ ح 2، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 1، ص: 41

..........

درجة البر، بحيث يكون الولد طوع أمر أبيه، و هو أمر مستحب، لا واجب.

و قد اختلفت كلمات الفقهاء قدّس سرّهم في اعتبار اذنهما، أو إذن الأب خاصة، و عدم اعتباره، و لم يتعرض المصنف قدس سرّه في كتابه إلى ذكر ذلك، و لكن الشروح تعرضت إليه.

و التحقيق: انه ان استلزم ذهابه إلى الحج إيذائهما إما لتشويش البال، أو لاجل النهي عنه، فيكون عصيانه ايذاء، كان الحج محرّما لحرمة الايذاء، و إن لم يستلزم إيذائهما، فلا دليل على اعتبار إذنهما في مشروعية حج البالغ، فيتعين التمسك بالإطلاقات الدالة على المشروعية من دون تقييد.

و أما الصبي المميز، فان ثبتت مشروعية حجه بالمطلقات كالبالغ لم يكن وجه لتقييد المشروعية بصورة الأذن، للاطلاق و عدم النص الخاص على التقييد. و ان ثبتت المشروعية بالنصوص الخاصة المشار إليها تمسكا بدلالتها الالتزامية، فهي غير مطلقة من جهة اعتبار الاذن و عدمه، إذ المسوق له الكلام ليس بيان أصل المشروعية، بل بيان ما يلازم المشروعية، فلا اطلاق لها من جهة خصوصيات المشروعية. و عليه فالثابت بها هو المشروعية في الجملة و القدر المتيقن منه صورة الاذن دون غيرها. فاعتبار الإذن من باب عدم الدليل على المشروعية بدونها.

و أما دعوى اعتبار إذنه، لأن الحج يستلزم مصاريف مالية كالذبح و هي غير مشروعة بدون إذن الولي.

فتندفع: بأن الدليل أخص من المدعى لانه يمكن أن يتكفل شخص بجميع ما ينفقه الصبي في حجه. هذا مع أن هذا المحذور لا يندفع بالاذن، إذ إذن الولي إنما يصحح التصرف في مال الصبي فيما إذا كان الصرف فيه مصلحة للصبي و ليس في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص:

42

و يصح أن يحرم عن غير المميّز وليه ندبا (18)، و كذا المجنون.

و الوليّ: هو من له ولاية المال، كالأب، و الجدّ للأب، و الوصيّ. و قيل للأم ولاية الاحرام بالطفل، و نفقته الزائدة تلزم الولي دون الطفل.

صرف المال في الحج مصلحة للصبي، فاذنه لا يصحح الحج و لا يرفع المحذور. و تحقيق الحال في ذلك ما سيأتي من أن المصرف المالي من مال الصبي أو من مال الولي؟ فانتظر.

هذا بالنسبة الى المميز.

______________________________

(18) و الكلام فى الصبي غير المميز من جهات:

الأولى: في مشروعية احرام الولي به بمعنى توليه للنّية و التلبية إن لم يحسنوها، فإنه أمر على خلاف القاعدة فلا بد فيه من دليل، و هو مما لا اشكال في ثبوته، فالنصوص الكثيرة دالة على أن غير المميز يحرم به الولي، كرواية معاوية بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة، أو إلى بطن مرّ و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه «1»».

الثانية: في اختصاص الحكم المذكور بالصبي أو عمومه للصبية؟ فقد يدعى اختصاصه بالصبي لأجل قصور النصوص عن شموله للصبية، فيقتصر فيه على المتيقن الذي دلت عليه النصوص و هو الصبي، لأن الحكم على خلاف القاعدة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 17: من أبواب أقسام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 43

..........

كما عرفت.

و فيه: ان رواية معاوية المتقدمة تشمل الصبية فان لفظ الصبيان شامل «1» للصبي و الصبية و لا يختص بالصبي. هذا مضافا إلى القطع بعدم الفرق بين الصبي و الصبية فى الحكم.

الثالثة: في

اختصاص الحكم المذكور بالولي أو يجوز أن يتولاه غير الولي؟ و الوجه فى الاختصاص هو أن الحكم على خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على القدر المتيقن و هو الولي.

و فيه: أن رواية معاوية بن عمار مطلقة فإن قوله عليه السّلام: «انظروا من كان معكم من الصبيان» لا يختص بمن للمخاطبين ولاية عليه، بل مقتضى اطلاقه «2» شموله لكل صبي و لو كان مع من لا ولاية له عليه.

و استشكل: في دلالة الرواية بأنها نقل فعل و هو ممّا لا اطلاق فيه.

و يرده: انه ليس نقل فعل، بل نقل قول في واقعة، فيجوز التمسك بإطلاقه و إلا لوقف العمل بسائر المطلقات لأنها أقوال صدرت في وقائع خاصة.

هذا، مع ان عدم تنبيه الراوي إلى التفصيل لو اريد مع امكان استفادة العموم من الكلام يعد خيانة في النقل من الراوي، فيكشف ذلك عن عدم ارادته لأن الأصل عدم الخيانة منه.

و يؤيد ما ذكرناه رواية عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته

______________________________

(1)- لعله يراد ان العرف يفهم عدم الخصوصية، و ان السؤال بلحاظ عدم البلوغ في قبال البلوغ لا الذكورة في قبال الانوثة، و الّا فنفس اللفظ غير شامل للصبية، كما لا يخفى.

(2)- هذا يتأتى لو فرض عدم حرمة مثل هذا التصرف في الطفل من دون اذن وليه، كما عليه السيد الخوئي [رحمه اللّه]- في «معتمد العروة الوثقى» (ج 1: ص 36)-، و الّا فالاطلاق لا يشمل التصرف المحرّم كما هو واضح.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 44

..........

يقول: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برويثة و هو حاج إليه امرأة و معها صبى لها، فقالت: يا رسول اللّه، أ يحج

بمثل هذا؟ قال: نعم، و لك اجره «1»».

فان قولها: «أ يحج بمثل هذا؟»، ظاهر في أنها تحج به لا انها تسأل عن اصل المشروعية من دون معرفة من يشرع له العمل، و ان احتمل ذلك قويّا.

هذا مع أن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و لك أجره» ظاهر في أنها تحرم به، و الّا فلا معنى لثبوت الاجر لها مع كون الغير يقوم بالعمل، فلاحظ.

إلّا أن يقال: إنه لا مانع من ثبوت الاجر للام من دون توليها العمل، كما ثبت أن ثواب صلاة الصبي لوالديه.

الرابعة: بيان من هو الولي، فقد ذكر في المتن أنه الأب و الجد و الوصي، و الأولى ايكال البحث فيه إلى محله، فكل من تثبت ولايته على الطفل يشرع له القيام بالعمل المزبور بمقتضى دليله.

الخامسة: في نفقته، و قد حكم في المتن بان نفقته الزائدة على نفقة الحضر تلزم الولي دون الطفل، و الوجه فيه ان صرف النفقة من مال الطفل صرف له في غير مصلحة الطفل، إذ لا مصلحة له في هذا العمل اصلا. نعم، إذا توقف حفظه على السفر به و احجاجه جاز الانفاق عليه من ماله كسائر موارد الانفاق عليه لمصلحة تعود إليه. فالقاعدة تقضي بما حكم به فى المتن و تسندها رواية زرارة، عن احدهما عليهما السّلام: «... فان قتل صيدا فعلى أبيه «2»».

و بالجملة، نفقة السفر و الهدي على الولي بمقتضى القاعدة و النصوص، و أما الكفارة كما إذا ارتكب الطفل بعض محرمات الإحرام التي عليها الكفارة، فهل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 20: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 17: من ابواب اقسام الحج، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص:

45

..........

هي على الصبي، أو لا؟ قد يدعى أنها تكون على الصبي كضمانه لو اتلف مال غيره، فان اشتغال الذمة لا يفرق فيه بين المميز و غيره، كما ادعي أنها ليست على الصبي «1» بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: انصراف أدلة الكفارة عن مثل الصبي غير المميز. و قد نوقش فيه بأن الأدلة مطلقة و دعوى الانصراف بدون شاهد.

و لكن الإنصاف، أن الصبي غير المميز خارج عن وصف المحرم فلا يطلق عليه أنه محرم حقيقة، بل صورة. و لو فرض أنه يصدق عليه عنوان المحرم، فادلة الكفارة تنصرف إلى خصوص العمل الصادر من المحرم استقلالا دون من يحرم به.

الوجه الثاني: أن احرام الصبي حيث كان بسبب الولي، فالكفارة تكون عليه لأنه هو السبب.

و فيه: أن هذا لو ثبت فإنما يختص بمورد يكون السبب فيه أقوى من المباشر كما لو كان المباشر ذا إرادة ضعيفة جدا، بحيث يعد الفعل صادرا من المسبب. و في مثل ذلك يتوقف ثبوت الكفارة فيما نحن فيه- إذ هي من موارد كون السبب أقوى من المباشر- على أمرين:

الأول: أن يكون الفعل الصادر من الطفل من اللوازم العادية لا حجاج الصبي، بحيث يكون احجاجه تسبيبا إليه دون غيره.

______________________________

(1)- و هو مختار السيد الخوئي- كما في «معتمد العروة الوثقى» (ج 1/ صص 41- 42)- لا لاجل انصراف أدلة الكفارة الى صورة كون الفعل الموجب لها محرّما، لثبوت الكفارة في موارد الضرورة، بل لاجل ارتفاع قلم التكليف عن الصبي، فلا تجب عليه الكفارة، و ثبوتها على الولي لا دليل عليه، الّا في خصوص الصيد، و لا وجه لالغاء الخصوصية مع اختصاص الصيد ببعض الاحكام، كثبوت الكفارة فيه و لو صدر خطأ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 1، ص: 46

..........

الثاني: أن يكون الفعل مما يسند للمسبب بالتسبيب، إذ الأفعال على قسمين:

منها ما يسند إلى المسبب بتسبيبه كالقتل، فيطلق على المسبب بالقاتل، و كالإتلاف فيقال للمسبب متلف. و منها ما لا يسند إلى المسبب و لو صدر من المباشر من دون اختيار، كالأكل و المشي و اللبس و نحوها، فلا يقال لمن أكره غيره على المشي، أو اللبس أنه ماش أو لابس.

و من الواضح أن كثيرا من محرمات الإحرام مما لا يسند إلى السبب، كلبس المخيط و شم الطيب و التظليل و نحوها. فصدورها من الطفل لا يستلزم اسنادها إلى الولي كي تجب عليه الكفارة. هذا مع أن الولي غير محرم، فصدق تحقق الفعل منه، كقتل الصيد- مثلا- لا يجدي في ثبوت الكفارة عليه، لأن الكفارة على المحرم القاتل دون غيره. نعم، لو فرض أنه محرم فصدر من الصبي القتل ثبتت الكفارة في حقه.

لكن هذا اجنبيّ عما نحن بصدده من اثبات الكفارة من قبل الصبي على الولي.

الوجه الثالث: ما ورد من أن عمد الصبي خطأ، فلا تثبت عليه الكفارة لأنها إنما تثبت في صورة العمد دون غيره، و قد نزل عمد الصبي منزلة الخطأ، فلا تترتب عليه أحكام العمد.

و ناقشه فى «الجواهر «1»» بأنه مختص بباب الديات، و لم يبين الوجه فيه.

و لعل الوجه فيه أمران:

أحدهما: أن لسان النص تنزيل العمد منزلة الخطأ في ترتيب آثار الخطأ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 240، الطبعة الأولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 47

[الثاني الحرية]

الثاني: الحرية

فلا يجب على المملوك (19) و لو أذن له مولاه. و لو تكلّفه باذنه صحّ حجّه، لكن لا يجزيه عن

حجة الإسلام، فان أدرك الوقوف بالمشعر معتقا أجزأه. و لو أفسد حجه ثم اعتق مضى فى الفاسد و عليه بدنة و تضاه و اجزأه عن حجة الإسلام. و إن اعتق بعد فوت الموقفين، وجب عليه القضاء، و لم يجزه عن حجة الإسلام.

عليه فيختص بمورد يكون للخطأ فيه أثر كباب الديات، و الأثر فيما نحن مترتب على العمد، و نفيه عن الخطأ من باب عدم تحقق العمد لا بعنوان الخطأ.

و الآخر: ما ذيلت به بعض الروايات مما يظهر منه اختصاص التنزيل بباب الديات و هو قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة «1»». فان قوله: تحمله العاقلة ظاهر في اختصاص الصدر بباب الدية، و لا ترتبط بمسألة كفارة الاحرام. فلاحظ و تدبر.

______________________________

(19) يترك البحث في هذا الشرط و خصوصياته لعدم كونه محل ابتلاء في هذه الأزمنة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 19/ باب 11: من ابواب العاقلة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 48

[الثالث الزاد و الراحلة]

الثالث: الزاد و الراحلة (20) و هما يعتبران فيمن يفتقر إلى قطع المسافة.

______________________________

(20) اختلف الأعلام الفقهاء قدّس سرّهم في اعتبار الراحلة لكل مكلف و لو كان يقدر على المشي من دون كلفة، و قد ادعي اعتباره مطلقا و ادعي الإجماع «1» عليه و الضرورة الفقهية. إلا أنه خالف في ذلك جماعة، كصاحب المستند «2» و استشكل فيه فى «المدارك «3»» و نسبه فى «المستند» إلى ظاهر «الذخيرة «4»» و صريح «المفاتيح «5»» و شرحه «6». و ادعي نسبة شرح المفاتيح ذلك إلى الشهيدين قدس سرّهما، و نسب إلى «التذكرة «7»»، و ادعي صاحب المستند إلى امكان استفادة ذلك من كلام جماعة، حيث قيّدوا شرطية الراحلة بالاحتياج أو الافتقار.

و

على كل، فقد ذهب هؤلاء إلى عدم اعتبار الراحلة لمطلق المكلفين، بل لخصوص المحتاج إليها، فيجب الحج على من يقدر على المشي من دون كلفة، و بذلك يظهر ان الفتوى الأولى ليست بمرتبة الضرورة و البداهة.

و يقع الكلام قبل كل شي ء في مفاد الآية في حد نفسها و من دون ملاحظة الروايات. و هي قوله تعالى: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 27، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 32، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 36، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- السبزواري، العلامة محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 559، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- الفيض، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 297، ط مجمع الذخائر الإسلاميّة.

(6)- حكاه صاحب المستند في «مستند الشيعة» (ج 11/: ص 28).

(7)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 51، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 49

..........

سَبِيلًا.

و قد يدعى دلالة الآية على اعتبار الراحلة، ببيان: ان الأمر بالحج ينصرف إلى المستطيع ببدنه كما تنصرف سائر الأوامر إليه، فلا معنى لتقييده بالاستطاعة إلا بلحاظ إرادة معنى آخر للاستطاعة و ليس هو غير الزاد و الراحلة باجماع الأمة.

و ناقشه فى «المستند «1»» بأن إرادة معنى آخر من الاستطاعة وراء الاستطاعة البدنية لا يعني اعتبار الزاد و الراحلة بقول مطلق، بل يكفي اعتبارها في حق المحتاج و اعتبار تخلية السرب.

أقول: إن الذي ينبغي أن يقال في معنى الآية بحيث يتضح اندفاع

الدعوى المزبورة هو: ان الاستطاعة بالمعنى الدقي هي القدرة على الشي ء و التمكن منه بأي نحو من الأنحاء في مقابل عدم القدرة عليه كالطيران إلى السماء، و لكن لها اطلاق عرفي أضيق من المفهوم العقلي لها، و هو التمكن على الشي ء من دون لزوم مشقة و عسر باتيانه، فمن يرى أن في عمله مشقة عليه يصح له أن يقول لا أقدر على العمل و لا يرى انه متسامح في هذا الاطلاق عرفا. و من الواضح، أن القدرة المأخوذة شرطا للتكليف ليس إلا القدرة العقلية.

و امّا القدرة العرفية، فليست مأخوذة شرطا له، إذ لا يقبح لدى العقل تعلق التكليف بما فيه عسر و لو كان شديدا.

نعم، ورد من الشارع ما يحدّد التكليف بغير مورد العسر و الحرج و ينفيه في موردهما و هو أدلة نفي العسر و الحرج، فانها حاكمة على أدلة التكاليف و مبينة لاختصاص مدلولها بغير مورد الحرج؛ إلا ان أدلة نفي العسر و الحرج لا تشمل

______________________________

(1)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 32، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 50

..........

مورد التكاليف الملازمة للحرج عادة بحيث تكون مواردها مطلقا أو غالبا حرجية نظير التكليف بالجهاد، لاستلزام شمولها لتلك الموارد الغاء تلك التكاليف بعدم المورد لها أو بندرته.

و التكليف بالحج كسائر التكاليف مشروط بالقدرة العقلية فلا يجب على غير القادر عقلا. أما غير القادر عرفا، يعني من يكون الحج ذا مشقة عليه، فقد يتخيل عدم الوجوب عليه أيضا لدليل نفي الحرج، إلا انه من الواضح ان الحج كان فى الأزمنة السابقة من الأفعال الحرجية لغالب الناس، لاستلزامه تعطيل الاعمال مدة السفر الطويلة لعدم

توفر وسائل النقل الفعلية فى العصور السابقة، و هذا أمر لا يهون على كل أحد، بل هو عسر على غالب الناس لما فيه من الكلفة.

و إذا كان أمر الحج كذلك، فلا يكون مشمولا لدليل نفي الحرج، لاستلزامه تخصيص الوجوب بالفرد النادر، فلو لم يؤخذ قيد الاستطاعة في الآية الكريمة، امتنع علينا تقييد وجوب الحج بصورة القدرة العرفية، لعدم شمول دليل نفي الحرج له، فيلزم ان يكون الحج واجبا على كل من يقدر عليه عقلا، كالجهاد.

و أما بعد تقييد الوجوب في الآية الشريفة بالاستطاعة الظاهرة في العرفية منها- كسائر الالفاظ الواردة في الادلة الشرعية فانها تحمل على المعنى العرفي لها- اختص وجوب الحج بمن يستطيع عرفا و لم يكن في الحج أي مشقة زائدة على أصل مشقة اعمال الحج اللازمة لها. ففائدة تقييد الوجوب بالاستطاعة لا تنحصر بما فرضه المدعي من اعتبار الزاد و الراحلة، بل يمكن ان يكون ما عرفت من نفي وجوب الحج على غير المستطيع عرفا. فانه لا يعرف ذلك بغير التقييد المزبور، و هذا المعنى هو المتعين في معنى الآية دون ما ذكر لان فيه تحفظا على ظهور الاستطاعة في معناها العرفي بخلاف حملها على إرادة الزاد و الراحلة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 51

..........

و أمّا ما ذكره فى «المستند» من المناقشة، فهو لا يخلو عن ابهام، فان اختصاص اعتبار الزاد و الراحلة بالمحتاج نتيجته الغاء فائدة قيدية الاستطاعة، لانّ اعتبارهما في حق المحتاج لا يتوقف على البيان الشرعي.

و على أي حال، فالّذي نستظهره من الآية في حد نفسها ليس إلا ما عرفت من بيان التقييد بالاستطاعة العرفية، و فائدته ما عرفته من نفي تعميم وجوب الحج الثابت

بدون التقييد. هذا ما يرتبط بالآية نفسها.

و أما الروايات، فقد ورد في بعضها بيان كون المراد من الاستطاعة هو الزاد و الراحلة، ك:

رواية الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه عليه السّلام- و أنا عنده- عن قول اللّه عز و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج ... «1»».

و رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه عز و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة؟ فقال: «ويحك، انما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن «2»».

و رواية الفضل بن شاذان المروية فى «عيون الاخبار»، عن الرضا عليه السّلام- في كتابه إلى المأمون- قال: «و حج البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب وجوب الحج، ح 4.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 52

..........

السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة «1»». و نحوها غيرها.

و قد استند من ذهب إلى اعتبار الزاد و الراحلة إلى هذه الروايات لظهورها في المدعى. و لكن يخدش ذلك بوجهين:

الأول: انكار ظهور هذه الروايات في اعتبار الزاد و الراحلة، لانها واردة في بيان تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة، و ظاهرها ليس بيان معنى الآية تعبدا، بل بيان معنى الآية عرفا و بحسب المتفاهم العرفي، إذ قد يتبادر إلى الذهن بدوا من الآية إرادة الاستطاعة

العقلية، فيرد اشكال لغوية التقييد- كما هو ظاهر تساؤل القدري-، فأبان عليه السّلام ان المراد منها الاستطاعة العرفية و تعيين الزاد و الراحلة باعتبار انه الفرد الغالب و الواضح.

و يدلّ على ما ذكرناه انه عليه السّلام ذكر ان المراد من الاستطاعة هو الزاد و الراحلة لمن لا يرى التعبد بقوله عليه السّلام كالقدري و المأمون، فلا معنى لحمل التفسير على التعبد، بل لا بدّ من كونه تفسيرا لها بالمعنى العرفي كي يقبله الخصم و غيره.

فليس تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة إلا بيانا لارادة المعنى العرفي لها لان الزاد و الراحلة مقومان للاستطاعة غالبا. فلا ظهور في هذه الروايات في إرادة غير المعنى العرفي لها.

الثاني: انه لو سلم ظهور هذه الروايات في اعتبار الزاد و الراحلة، فلا بد من رفع اليد عنه، لوجود النصوص الدالة على وجوب الحج مشيا لمن أطاقه ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: «نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب وجوب الحج، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 53

..........

و لقد كان أكثر من حج مع النبي صلّى اللّه عليه و آله مشاة ... «1»».

و رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قول اللّه عز و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: «يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشى و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك أعني المشي؟ قال: يخدم القوم و يخرج معهم «2»».

و

رواية محمد بن مسلم- في حديث- قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: «هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر. قال: فان كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «3»» و نحوها.

رواية الحلبي «4» و أبي بصير «5» و أبي اسامة «6»، فان هذه النصوص دالة على وجوب الحج على من يستطيع المشي كل الطريق أو بعضه مع قدرته على ركوب البعض الآخر، و ظاهرها ان ذلك لانطباق عنوان المستطيع عليه كما هو صريح قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم: «هو ممن يستطيع الحج» بعد ملاحظة ذيلها.

و بما ان هذه النصوص نص في وجوب الحج على القادر على المشي و نفي اعتبار الزاد و الراحلة، و تلك ظاهرة في اعتبار خصوصية الزاد و الراحلة، كان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 10: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر، ح 7.

(6)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 54

..........

مقتضى الجمع العرفي الغاء خصوصية الزاد و الراحلة تقديما للنص او الاظهر على الظاهر.

و قد ادعي حمل هذه الطائفة على استحباب الحج لمن يقدر على المشي.

و يدفعه ان بعضها و ان كان لا يأبى الحمل على الاستحباب، إلا ان البعض الآخر يأباه، كرواية معاوية بن عمار للتعبير فيها بالوجوب، و ب: «عليه»، فانه لا يعبّر بهما عن الاستحباب. و كرواية أبي بصير لورودها في مقام تفسير الآية الواردة في ايجاب الحج. و عدم العمل بذيلها- أعني قوله: يخدم القوم و يخرج معهم-

لا يستلزم طرحها أجمع لإمكان التفكيك في مدلول الرواية الواحدة.

و أما ما ذكره صاحب الجواهر قدس سرّه «1» من أن الآية تكفلت بيان كلا الحكمين- أعني وجوب الحج و استحبابه-، فلا مانع من أن تكون هذه الرواية لبيان متعلق الاستحباب فقط.

ففيه: ان ذلك خلاف ظاهر الآية، فان ظاهر لفظ: «عليه» هو خصوص الوجوب لا مطلق الطلب، كما أن ذيل الآية لا يتلاءم مع الاستحباب و هو قوله تعالى: وَ مَنْ كَفَرَ ....

و على كل، فرواية معاوية بن عمار تكفينا في اثبات المدعى.

و قد يدعى ان طريق الجمع بين هاتين الطائفتين عموما و خصوصا مطلقا، فان روايات الزاد و الراحلة ظاهرة في اعتبارهما لمطلق الافراد من يقدر على المشي و من لا يقدر، و هذه الروايات ظاهرة في نفي اعتبار هما لمن يقدر على المشي، فتكون النسبة بينهما نسبة المطلق و المقيد، فتكون هذه الروايات مقيدة لروايات الزاد و الراحلة، فلا تنافي بينهما.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 251، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 55

..........

و هذا الكلام و ان كان لا بأس به بحسب الصورة، إلا انه ناشئ من الغفلة عن منشأ التنافي، فان منشأ التنافي هو ظهور روايات الزاد و الراحلة في ان للزاد و الراحلة خصوصية شأن كل موضوع يؤخذ معروضا للحكم، فبعد الاعتراف بظهورها في ذلك لا بدّ من حلّ هذه العقدة، و ليس التنافي ناشيا من اطلاق الكلام كي يرفع اليد عنه لان المعارض مقيّد. و ليست الخصوصية ناشئة من الاطلاق في الواقع- كما قد يتخيل- حتى يدعى بارتفاعها- بارتفاع منشئها- و هو الاطلاق، بل هي ناشئة من نفس المدلول الاستعمالي.

و يشهد

لذلك: انه لو كان الكلام مجملا بحيث لم تتم فيه مقدمات الحكمة، كان ظهور الكلام في الخصوصية كاشفا عن إرادة الاطلاق لملازمته لها واقعا لا انه متفرع عنه، و إلا لما كان للكلام ظهور في الخصوصية في الفرض. فعليه فما يكون مصادما للاطلاق و ان كان مصادما لظهور الكلام في الخصوصية، إلا انه لا وجه لتقدمه عليه، فكما يكون المقيد دالا على عدم الاطلاق كذلك ظهور الكلام في الخصوصية يدل على إرادة الاطلاق، فما الوجه في تقديم ظهور المقيد على ظهور المطلق فى الخصوصية- لا فى الاطلاق-؟

هذا ما ينبغي حلّه و قد عرفته، إذ عرفت ان المقيد نص في نفي الخصوصية و المطلق ظاهر في الخصوصية، و ظهوره ليس بمرتبة من القوة إذ قد عرفت ما يستلزم الخدشة فيه بالمرة فضلا عن قوته. و من الواضح تقدم النص على الظاهر عند تعارضهما.

و الذي يتحصل: ان الزاد و الراحلة انما يعتبران لمن لا يستطيع عرفا الحج بدونهما دون من يستطيع المشي من دون أي مشقة.

ثم انه لو بني على اعتبار الزاد و الراحلة مطلقا يقع الكلام في فروع:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 56

..........

الأول: انه هل يختص اعتبار ذلك بالنائي أو يعم القريب و البعيد؟

ذهب جماعة إلى اختصاصه بالنائي و هو ظاهر المحقق قدّس سرّه، حيث قال: «و هما (يعنى الزاد و الراحلة) معتبران فيمن يفتقر الى قطع المسافة». و قد اختلف في بيان المقصود بالنائي و القريب.

إلا ان السيد رحمه اللّه «1» في «العروة» أنكر الفرق بين النائي و القريب لاطلاق أدلة اعتبار الزاد و الراحلة من دون تقييد. و ادعى ان ما ذهب إليه جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم-

يعني أهل مكة- لا وجه له.

أقول: لعدم اشتراطه بالنسبة إلى أهل مكة وجه وجيه لان ما دل على اعتبار الزاد و الراحلة وارد في مقام بيان المراد بالآية. و من الواضح اختصاص الآية بغير أهل مكة، و أن قوله تعالى: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ظاهر في المورد الذي يحتاج فيه الحج الى قصد مسافة و انتقال من محل إلى محل و هذا لا يشمل أهل مكة و نحوهم ممن لا ينطبق عليهم هذا العنوان فليس حكم الجماعة حكما جزافيا لا وجه له. نعم، إذا كان المشي على المكي حرجيا ارتفع الوجوب عنه بدليل نفي الحرج.

الثاني: هل يعتبر وجود الراحلة و توفرها بالنسبة إلى الذهاب و الإياب، أو يختص اعتبارها بالذهاب؟

ظاهر الكلمات هو الأول، و لكن الأقوى هو الثاني و ذلك لان دليل اعتبار الراحلة و هو الآية بضميمة تفسيرها بالنصوص لا يدل على اكثر من اعتبارها ذهابا و لا تعرض فيه لحال الرجوع.

و عليه، فالمرجع في حكم الرجوع هو القواعد العامة السارية في كل

______________________________

(1)- اليزدي، السيد محمد كاظم: العروة الوثقى/ الثالث من شرائط الاستطاعة، المسألة 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 57

..........

تكليف، فإذا لم يتمكن المكلف من الرجوع ماشيا و لم يتمكن من المقام في بلاد الحج او غيرها مما يتمكن من المشي إليها، اعتبر في وجوب الحج عليه تمكنه من الراحلة فى الإياب، إذ بدونها يكون الحج عليه حرجيا في نفي بدليل نفي الحرج.

أما إذا كان قادرا على المشي في رجوعه بدون مشقة أو لم يكن قادرا عليه لكنه كان متمكنا من الاقامة بعيدا عن بلده من دون أي مشقة من مفارقة أهله

و نحو ذلك، لم يعتبر تمكنه من الراحلة إيابا لعدم كون وجوب الحج عليه بهذه الصورة مستلزما للحرج كي يحكم دليل نفي الحرج.

الثالث: بناء على اعتبار الراحلة لو ذهب ماشيا و حجّ هل يسقط عنه حج الإسلام بان تكون حجته حجة الإسلام أو لا، فيجب عليه الحج ثانيا لو استطاع؟

ذهب جمع «1» إلى الثاني و لكن الأقوى هو الأول لو تهيأت له الراحلة من الميقات. و ذلك: لأنه حين كان في بلده و إن لم يكن مستطيعا فلا يجب عليه الحج، إلا أنه عند وصوله إلى الميقات يصير مستطيعا على الحج و يصدق عليه أنه يتمكن من الراحلة إلى الحج، فيثبت في حقه الوجوب و يكون ما يؤديه حج الإسلام. و عدم تمكنه من الإياب براحلة لا يضر في ذلك إذا لم يكن فى المشي، أو المكث عليه مشقة لما عرفت من عدم اعتبار الراحلة في مثل هذه الصورة، و هكذا الحال لو انهي أمره إلى أن صار بحكم أهل مكة فلا يكون مشمولا لدليل اعتبار الراحلة أصلا.

______________________________

(1)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهي المطلب، ج 2: ص 652، الطبعة الحجرية؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 14: ص 81، الطبعة الاولى؛ الحلي، المحقق جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 752، ط مؤسسة السيّد الشهداء عليه السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 58

..........

و من الواضح ان الاستطاعة لا تكون سببا لوجوب الحج بمجردها كي يقال: إنه إذا استطاع بعد ذلك يجب عليه الحج لحصول سببه. و انما هي شرط الحج الواجب بمعنى انه لا يجب الحج بدونها، لا أنه يجب بها، فلاحظ.

و أما الرجوع إلى كفاية، فلو سلم، فعدمه في

الفرض لا يضير في وجوب الحج، لأن ظاهر دليل اعتباره هو نفي وجوب الحج فيما يكون الحج سببا في عدم رجوعه إلى كفايته لتعطيل اعماله و نحوها، لا ما يكون عدم الرجوع إليه اجنبيا عن الحج. و ما نحن فيه كذلك، فان الحج لا يصير سببا في عدم الرجوع إلى كفاية لأنه قد سافر على كل حال و تحقق احتياجه عند الرجوع حجّ، أو لم يحجّ.

و على ما ذكرنا يتمكن من يشك في استطاعته من السفر فيصير مصداقا للمستطيع بعد سفره لا محالة، فيريح نفسه بهذه الواسطة، و لا يجب عليه الحج إذا تمكن بعد ذلك لأدائه الحج الواجب.

و قد ظهر لنا أن على هذه الفتوى جملة من الفقهاء قدّس سرّهم «1» بعد إن كنا نتخيل أنا منفردون بها. فلاحظ.

تنبيه: لا يخفى ان الثمرة بين القول بعدم اعتبار الزاد و الراحلة، و انما المعتبر هو الاستطاعة العرفية و القول باعتبارهما، تظهر فيما لو تزاحم الحج مع واجب آخر كما لو نذر زيارة الحسين عليه السّلام في يوم عرفة، فانه على الأول يقدّم وجوب النذر لرفعه موضوع وجوب الحج، إذ لا يتمكن المكلف عرفا من الحج إذا استلزم ترك واجب. و على الثاني لا يقدّم لان موضوع وجوب الحج هو الزاد و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 37، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام؛ العلامة السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 557، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام؛ النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 32، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 59

و لا تباع ثياب مهنته و لا خادمه، و لا

دار سكناه للحج (21).

الراحلة و هما موجودان، فيقع التزاحم بينهما و لا بدّ من ملاحظة مرجحات باب التزاحم.

و من الغريب ان من التزم بان الشرط هو الزاد و الراحلة التزم بتقدم جانب النذر بدعوى: ان المأخوذ في وجوب الحج هو الاستطاعة الشرعية و هي مرتفعة بوجوب النذر و غفل ان المقصود بها ليس الا الاستطاعة بالزاد و الراحلة و هي متحققة. فالتفت و سيأتي الكلام في ذلك مفصلا إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(21) هذه فروع تتفرع على مبحث الاستطاعة و قد اكثر منها صاحب العروة قدّس سرّه و وضوح جملة منها يتوقف على تحقيق أمور:

الأمر الأول: ان الاستطاعة هل تتحقق بمجرد التمكن على تحصيل الزاد و الراحلة أو لا تثبت إلا بالاستيلاء او التملك الفعلي عليهما؟

و لا يخفى انه لا مجال لهذا البحث بناء على ما قربناه من ظهور الاستطاعة فى الآية في المعنى العرفي لها، و كون ذكر الزاد و الراحلة في النصوص من جهة انها مصداق للاستطاعة عرفا، و ذلك لان التمكن من تحصيل المال و لو بالاكتساب يوجب صدق الاستطاعة الى الحج، فيكون واجبا في حقه.

و انما يقع البحث المذكور بناء على صرف ظهور الاستطاعة في الآية عن معناها العرفي من جهة ما يكون به الحج و حملها على إرادة الزاد و الراحلة، إذ قد يدعى أن ظاهر كثير من الروايات كون الشرط ملكية ما يحج به أو الزاد و الراحلة لورود التعبير فيها ب: «له ما يحج به» او: «له زاد و راحلة» و اللّام ظاهرة في الملكية، فمن لا يملك الزاد و الراحلة فعلا لا يصدق عليه انه ممن له زاد و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص:

60

..........

راحلة و ان استطاع تحصيلهما، فيخرج عن موضوع وجوب الحج.

و لكن من الواضح جدا عدم اعتبار خصوص الملكية الفعلية للنصوص الواردة في من بذل له الزاد و الراحلة و عرض عليه الحج الدالة على كونه ممن يستطيع الحج، لا وجوب الحج تعبدا فانها ظاهرة في نفي اعتبار الملكية الفعلية لعدم تحققها بالبذل، فلا بد من رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية ببركة هذه النصوص. و لكن هذه النصوص لا تكفي في بيان اعتبار كفاية التمكن و لو بالاكتساب، إذ لقائل ان يقول ان غاية ما يمكن دعوى كفايته بملاحظة هاتين الطائفتين هو السلطنة و الاستيلاء الفعلي على الزاد و الراحلة فان ذلك ظاهر ثانوي للّام و هو لا ينافي صورة البذل لتحققه به. فلا يشمل صورة ما يتمكن فيها على تحصيل الاستيلاء. و لكن هناك طوائف من الروايات تقتضي الاكتفاء بمجرد التمكن من الزاد و الراحلة و لو بالتحصيل و هي:

أولا: ما دل «1» على ان من قدر على ما يحج به و دفعه بدون عذر فقد ضيع شريعة من شرائع الاسلام، أو أن من مات و لم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا.

فان الظاهر من القدرة هو التمكن العرفي علي ما يحج به و هو يتحقق بالاستيهاب و نحوه. و هكذا ظاهر حصر الموانع فى الرواية الأخرى، ظاهر في انه لو مات لدون هذه الموانع كان آثما و مقتضى اطلاقه شموله حال التمكن العرفي من تحصيل الزاد و الراحلة.

و دعوى: أنها غير ناظرة الى بيان ما به الاستطاعة، بل الى بيان ترك الحج

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 8/ باب 6 و 7: من ابواب وجوب الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 61

..........

الواجب من دون مانع، فهو حكم متفرع على حصول الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، فلا يستفاد منها ما به الاستطاعة.

تندفع: بأن بعض الموانع المذكورة كالمرض، أو الحاجة المجحفة عدمها مقوم للاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، فهي ظاهرة في بيان حكم الحج في نفسه فاطلاقها يدل على المدعى، كما عرفت.

و ثانيا: ما دلّ «1» على اعتبار أن يكون له ما يخلفه على عياله و ما يرجع إليه بعد حجه.

فانه من الواضح عدم اعتبار ملكية مقدار من المال يرجع إليه بعد الحج، بل يكفي تمكنه من تحصيله من دون حرج و عسر و مذلة، كأن يكون له صنعة او نحوها، فلا يراد من: «له» في هذا النص سوى التمكن و القدرة على المال، و من الظاهر ان التعبير ب: «له» هاهنا على حد التعبير به في الزاد و الراحلة، و المقصود بهما واحد، فإرادة مطلق القدرة في هذا الفرض قرينة على إرادة مطلق القدرة فى الزاد و الراحلة.

و ثالثا: ما دل «2» على أن الزاد و الراحلة هو معنى السبيل، فان ظاهرها تفسير السبيل بهما لا لنفس الاستطاعة، فتبقى الاستطاعة معناها العرفي و هو التمكن و القدرة الصادق مع القدرة على التحصيل. و أما ظهور بعض النصوص في كون الزاد و الراحلة معنى الاستطاعة فهو يعرف بهذه الروايات و تحمل تلك على إرادة تفسير مجموع الآية لا خصوص لفظ الاستطاعة، بل استطاعة السبيل. و على هذا فيتعين علينا اختيار كون المعتبر في الوجوب هو الاستطاعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب وجوب الحج.

(2)- المصدر/

باب 8: من ابواب وجوب الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 62

..........

العرفية المتحققة بالقدرة على التحصيل. لا الملكية الفعلية أو الاستيلاء الفعلي، فتدبر.

الأمر الثاني: هل الاستطاعة المأخوذة في موضوع الوجوب هي الاستطاعة حدوثا فقط أو حدوثا و بقاء. فعلى الأول لا يجوز إعدام القدرة لثبوت الوجوب بمجردها. و على الثاني يجوز اعدامها لجواز دفع موضوع الوجوب نظير السفر الدافع لوجوب الصوم؟

و الظاهر من الكلمات هو الأول لافتائهم بعدم جواز اعدام القدرة بعد تحققها. و لكن «1» ليس باليد ما يمكن التمسك به لذلك سوى اطلاق قوله عليه السّلام في رواية علي بن ابي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: «من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس (له) عنه شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيّع شريعة من شرائع الاسلام «2»».

فان مقتضى اطلاقه هو ان مجرد تحقق القدرة يكفي في وجوب الحج بحيث يكون تركه تضييعا لشريعة من شرائع الاسلام، سواء بقي على الاستطاعة، أو أعدمها اختيارا.

و أمّا الآية الكريمة، فلا ظهور لها في ذلك لو لم نقل بظهورها في الثاني

______________________________

(1)- ذكر السيد الاستاذ دام ظله: انا كنا نتخيل ان هناك وجها آخر لذلك و هو ما ورد من عدم جواز صرف المال في النكاح و ترك الحج مع انه اعدام للاستطاعة بقاء، فيدل على ان الشرط الاستطاعة حدوثا، و لكن اتضح لنا اخيرا ان هذا المطلب ليس له في النصوص الواردة في باب الحج عين و لا اثر و ان ذكره في الوسائل في عنوان بعض الابواب لكن لم يرد نص فيه بمقدار ما فحصناه، فتعين الاقتصار في وجه الدعوى

المذكورة على رواية علي ابن أبي حمزة، فالتفت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب وجوب الحج، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 63

..........

لظهورها في موضوعية الاستطاعة الظاهر في دوران الحكم مدارها. و الأصل العملي هو البراءة مع اعدام القدرة، فلاحظ.

الأمر الثالث: في وقت وجوب الحج، جاء في بعض الكلمات تصريحا، أو إشعارا انه أشهر الحج، و لا دليل عليه، بل مقتضى اطلاق الآية ثبوت الحج بمجرد الاستطاعة و هو يعني كون بداية وجوبه أول عام الحج، بل يمكن دعوى ثبوت وجوب الحج بمجرد الاستطاعة و لو كان قبل عام الحج فيما إذا استطاع من الآن الحج بعد سنتين- مثلا- لا في سنته، فان ذلك مقتضى اطلاق الآية، لكن قد يدفعه ما تقدم مما دل على ان الحج واجب في كل عام بناء على صرفه عن ظهوره الأولى و حمله على تكرر الوجوب للمستطيع اذا لم يذهب، فانه ظاهر في حدوث الوجوب في كل عام لا في استمرار الوجوب الثابت أولا من حين الاستطاعة.

الأمر الرابع: لو توقف تحصيل بعض مقدمات الحج على بذل مال اكثر من المتعارف، فهل يسقط عنه الحج أولا فيجب بذل المال؟

التحقيق: انه قد يدعى سقوط الحج لاستلزامه الضرر، فينفي بقاعدة نفي الضرر، و لا يفرق الحال بين كون التفاوت كبيرا أو يسيرا بعد انطباق الضرر عليه.

إلا انه يدفع ذلك ما ورد من الأمر بشراء ماء الوضوء معللا بانّ ما يستحصله من الثواب اكثر مما يفوته من المال، فان مقتضى عموم العلة التعدي من الوضوء إلى سائر العبادات لاشتراكهما فى الثواب. و عليه، فيجب عليه التحصيل و لو كان ذلك ضررا. إلا ان الرواية لما كانت

ناظرة الى جهة الضرر بصرف المال لا تشمل صورة ما اذا كان صرف المال موجبا للاضرار بحاله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 64

..........

بحيث يؤدي الى العسر و الحرج، فيرجع في نفيه الى قاعدة العسر و الحرج.

فالمتحصل: هو التفصيل بين استلزام صرف المال الاضرار بحاله، فلا يجب بذله، بل يسقط وجوب الحج. و بين ما لم يكن موجبا للاضرار بحاله، فيجب بذله، من دون فرق بين كون التفاوت يسيرا أو غير يسير في الصورتين. فالتفت.

و بعد وضوح هذه الأمور لا بأس بايقاع البحث في فروع الاستطاعة و مسائلها المذكورة في «العروة الوثقى» و تطبيق ما تقدم على موارده.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 65

و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب، ذهابا و عودا. و

______________________________

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 3]: المراد بالزاد هنا المأكول و المشروب».

تقييد الزاد و الراحلة المعتبر فى الاستطاعة بما يحتاج إليه بحسب حاله قوة و ضعفا أمر واضح، لأن ذلك مقتضى الاستطاعة العرفية و بدونه لا تتحقق الاستطاعة عرفا. و أما تقييده بما يحتاج إليه بحسب شأنه شرفا و ضعة فهو مما لا وجه له. نعم، إذا كان ركوب الراحلة بالنحو الذي هو دون شأنه مما يستوجب الوقوع فى المشقة و الحرج كان لاعتبار لحاظ الشأن في تحديد مقدار الراحلة وجه، لانتفاء موضوع الوجوب بحصول الحرج فى الراحلة لانعدام الاستطاعة العرفية مع الحرج، فلحاظ الشأن لا وجه له ما لم يؤد عدم لحاظه و الاكتفاء بالأقل إلى العسر و الحرج.

و قد يدعى وجوب الحج مع تهيؤ الاقل من شأنه و إن استلزم الحرج، لما دل على وجوب الحج عند عرض الحج عليه،

و لو عرض عليه حمار أجدع مع استحياء المعروض عليه، فان الاستحياء لا بدّ أن ينشأ من منافاة قبول العرض لشأنه بحيث يكون حرجيا، فإيجاب الحج في هذا الحال دليل على الغاء خصوصية ملاحظة الشأن في تحديد الراحلة و لو كان الأقل حرجيا.

و فيه: انه لو سلم ان هذه النصوص ظاهرة في وجوب الحج مع الاستحياء و ليس نظرها إلى بيان عدم الوجه فى الاستحياء بعد إن كان المعروض عليه هو الحج، و هو أمر أخروي لا بدّ فيه من توطين النفس و عدم ملاحظة شئونها، كما قد يظهر ذلك من قوله عليه السّلام: «و لم يستحيي»، فهي ناظرة إلى رفع التحرج في قبول العرض، لا بيان عدم سقوط الحكم و لو كان حرجيا. لو سلم كون نظرها إلى ما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 66

بالراحلة راحلة مثله. و يحب شراؤهما و لو كثر الثمن مع وجوده، و ادعي من بيان عدم سقوط الحكم و ثبوته و لو كان القبول حرجيا، فهي لا دلالة لها على المدعى من عدم ملاحظة الشأن، لأن الظاهر أن استحياءه ليس لاجل منافاة العرض لشأنه، بل لأجل قبول اصل الهدية من جهة المنة الحاصلة من قبل المهدي، أو لان الهدية لا تتناسب مع ما هو المنتظر اهداؤه، أو تقديمه من المهدي الكاشف عن عدم اعتنائه بالمهدى إليه، كأن يكون له راحلتان فيقدم الأدون منهما و إن كانت مناسبة لشأنه في نفسها، فالرواية نافية لتأثير الحرج الحاصل من جهة نفس الهدية و التقدم أو قلتها بالإضافة إلى المهدي، لا الحرج الحاصل من منافاة نفس الراحلة لشأن الراكب و استلزامها انتقاصه، فيرجع فيه إلى ما تقدم من

أنه يتنافي مع الاستطاعة العرفية.

قوله قدّس سرّه: «و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج».

بل لعدم «1» تحقق الاستطاعة عرفا مع الحرج.

______________________________

(1)- قد يدعى ان هذا خلاف ظاهر تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة، إذ لم يقيد بعدم المشقة فيرجع في صورتها إلى أدلة نفي العسر و الحرج. و يندفع: بان ظاهر كلماتهم- و إن كان ذلك- لكن ليس المقصود هو كون الزاد و الراحلة بخصوصهما معنى الاستطاعة، بل مضافان إلى الاستطاعة العرفية، فكأن نظرهم إلى أن المراد بالاستطاعة معنى أخص من الاستطاعة العرفية لا مباين، و هو القدرة عرفا على الحج مع التمكن من الزاد و الراحلة، أو ملكيتهما، فمع كون الحج حرجيا لا تتحقق القدرة العرفية. و هذا المعنى ينفع في مقام مزاحمة الحج لواجب آخر، فانه لو اعتبرنا كون الاستطاعة خصوص الزاد و الراحلة لا يكون وجوب الواجب الآخر رافعا لموضوع وجوب الحج، فيقع التزاحم، بخلاف ما لو-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 67

قيل: إن زاد عن ثمن المثل لم يجب، و الأول أصح.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 4]: الأقوى عدمه».

هذا يبتني على الالتزام بأن موضوع الوجوب هو الملكية الفعلية، أو الاستيلاء الفعلي على الزاد و الراحلة، فلا يجب تحصيلهما بالاكتساب. اما بناء على ما هو الحق من أن موضوع الوجوب هو القدرة على الزاد و الراحلة، فيجب تحصيلهما بالاكتساب مع قدرته عليه لتحقق الموضوع فعلا.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 5]: وجب عليه و إن».

لكونه- و هو فى الشام- مصداقا لمن يستطيع الحج. و هذا هو الملاك في وجوب الحج عليه لو سافر إلى الميقات متسكعا و كان له هناك ما يستطيع به، لانطباق عنوان المستطيع عليه عند وصوله

إلى الميقات.

قوله قدّس سرّه: «بل لو أحرم متسكعا».

ادعى أن وجوب الحج عليه فى الفرض يبتني على أخذ الإحرام شرطا لا جزء، إذ مع أخذه جزء لا يتعلق وجوب الحج لو قيل به بعد استطاعته و هو محرم، مجموع اجزاء الحج، لتحقق احدها و هو الإحرام، و هو خلاف ظاهر دليل وجوبه إذ ظاهره وجوب الحج عند الاستطاعة و الحج اسم لجميع الاجزاء، أما لو كان مأخوذا شرطا فهو لا يكون موردا لوجوب الحج، فيصح ثبوت وجوب الحج عند الاستطاعة.

______________________________

- كانت القدرة العرفية دخيلة في الاستطاعة فان وجوب الواجب الآخر رافع لها فيرفع موضوع وجوب الحج فلا يقع التزاحم. فالتفت. (مستفاد من المذاكرة)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 68

و لو كان له دين و هو قادر على اقتضائه وجب عليه فإن منع منه و نعم، قد يدعى أنه و إن أخذ شرطا لكنه عند تحققه يجب اكمال العمل للإحلال منه، و وجوب إكمال العمل شرعا يخرجه عن القدرة، فلا يصح تعلق وجوب الحج بالعمل لأنه غير مقدور للزومه عليه.

و قد قيل: ان غير المقدور شرعا كغير المقدور عقلا. لكنه يدفع: بان مانعية الوجوب الشرعي عن القدرة المعتبرة في التكليف ممنوعة، فيصح تعلق التكليف بما هو واجب فعلا. و تحقيقه في غير هذا المحل.

و عليه، فإطلاق الآية الشريفة يشمل الفرض المذكور لثبوت الموضوع فيثبت له الحكم بالإطلاق لعدم ثبوت مانعية وجوب الاكمال الثابت أولا، إذ يمكن اجتماع الوجوبين في المورد الذي نحن فيه، فتدبر.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 6]: و إن تمكن فالظاهر الوجوب».

يتضح حال هذا الفرض من الأمر الرابع من الأمور المتقدمة، و قد عرفت فيه أن الأقرب التفصيل بين صورة ما

إذا كان بذل المال موجبا للعسر و الحرج فيسقط الوجوب عنه و بين ما إذا لم يكن البذل موجبا للعسر فيجب الحج عليه، فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 7]: غلاء أسعار ما يحتاج إليه».

هذا واضح الوجه حتى بناء على التمسك بقاعدة نفي الضرر فيما لو توقف شراء بعض الحوائج إلى بذل ما هو أكثر من القيمة المتعارفة، و لا وجه لتحكيم قاعدة نفي الضرر في المقام، لأن الضرر الناشئ من بذل الاجرة و نحوها غير

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 69

ليس له سواه، سقط الفرض، و لو كان له مال و عليه دين بقدره منفي قطعا لكونه لازما قهريا للحج. و من الواضح اختلاف السنين و الازمنة فى الاجور و الاسعار، فتوطين النفس على بذل الاجور الغالية مما يقطع به من نفس دليل لزوم الحج، لأنه يقتضي بذل الاجرة مع وضوح اختلاف الأحوال من جهة زيادتها و نقيصتها، فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: «بل و كذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل».

قد عرفت وجهه فى الأمر الرابع.

قوله قدّس سرّه: «إلى حد الحرج الرافع للتكليف».

بل الرافع لموضوعه و هو الاستطاعة.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 8]: لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط».

قد تقدم أن الاقامة في غير بلده، أو بلد آخر معين إذا كانت تستلزم الحرج عليه لزمه وجود النفقة إلى بلده، أو البلد الذي يريد الإقامة فيه، لأدلة نفي الحرج. أما إذا لم تكن مستلزمة للحرج، فلا دليل على اعتبار وجود نفقة العود، إذ الاستطاعة المعتبرة هي الاستطاعة إلى الحج و هي ظاهرة في الذهاب دون الإياب. فراجع ما تقدم.

قوله قدّس سرّه: «إذا لم يكن أبعد من وطنه».

هذا

القيد لا وجه له، فإن المدار على ملاحظته من جهة الوقوع في العسر لو لم يرجع إلى ذلك البلد و عدم الوقوع فيه، فيعتبر تمكنه من الرجوع إليه على الأول لدليل نفي الحرج دون الثاني.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 70

لم يجب، إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج. و لا يجب الاقتراض قوله قدّس سرّه: « [المسألة 9]: قد عرفت انه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه».

ملخص الحكم في هذه المسألة هو: ان ما لا يكون بيعه من أثاث داره، أو لباسه، أو نفس داره، أو كتبه و غير ذلك مما يملكه مستلزما لوقوعه فى العسر و المشقة وجب عليه بيعه لوجوب الحج، لصدق الاستطاعة بالنسبة إليه، سواء كان ملائما لشأنه، أو أقل، أو أكثر.

و ما كان بيعه مستلزما لوقوعه فى المشقة لم يجب الحج عليه لعدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوبه. لا لأجل دليل نفي الحرج كما هو صريح المتن. و تمييز كل من الفرضين موكول لنفس المكلف.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 10]: فالظاهر وجوب بيع المملوكة».

هذا ظاهر مما تقدم فى المسألة التاسعة.

قوله قدّس سرّه: «لم يجب عليه ذلك»

لأجل عدم لزوم تحصيل الاستطاعة، و هذا يبتني على تفسيرها بالملكية، أو الاستيلاء الفعليين، و هو غير متحقق إلا بالتحصيل، فلا يجب. لكن الظاهر عدم تمامية هذا الحكم، حتى لو قلنا باعتبار الاستيلاء الفعلي، أو الملكية الفعلية للاستطاعة، إذ الاستيلاء الفعلي و الملكية على مقدار ما يحج به متحقق بالاستيلاء على الدار و ملكيتها. غاية الأمر، انه إذا صرفه في الحج يبقى في عسر من جهة السكنى حال الرجوع، أو سكنى من يتعلق به حال سفره.

و من الواضح،

أنه لا يعتبر ملكية ما يقوّمه حال الرجوع فعلا، بل يكفي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 71

للحج، إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثنيناه.

قدرته على تحصيله من دون وقوع في مشقة كما في صاحب الصنعة أو العامل، و المفروض في ما نحن فيه أنه يتمكن من تحصيل الدار من دون مشقة، فيجب عليه تحصيلها؛ لأنه يملك فعلا ما يستطيع به على الحج و يتمكن أن لا يبقى فى الرجوع في مشقة لتمكنه من تحصيل الدار الموقوفة. فينطبق عليه عنوان المستطيع، فتدبر.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 71

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 11]: لو لم تكن المستثنيات زائدة على اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة».

الوجه في لزوم التبديل هو صدق عنوان الاستطاعة بالنسبة إليه، لأنه يملك ما يحج به.

و الوجه في عدم لزومه أنه ليس لديه عين المال الذي يحج به، لأن الذي لديه هو من المستثنى، و انما لديه مالية ما يحج به زائدا على المستثنى دون عين المال الزائد. و الظاهر من الأدلة هو ملكية المال الذي يحج به.

و لكن هذا الوجه ضعيف، لانه يملك المال الذي يحج به و هو الدار، و هو غير مستثنى إذا كان قادرا على الاستغناء عنها بغيرها بلا أي مشقة. و بعبارة اخرى:

انه لم يرد استثناء الدار برواية، و انما الثابت ملكية ما يحج به، مع عدم اخلال صرفه بوضع حاله، و الحال فيما نحن

فيه كذلك مع قدرته على الاستبدال بدون مشقة. فالاقوى الأول كما جاء فى المتن.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 72

و لو كان معه قدر ما يحج به، فنازعته نفسه إلى النكاح، لم يجر قوله قدّس سرّه: «نعم، لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها امكن دعوى عدم الوجوب «1»».

كأنه لبناء السيرة العملية على عدم ملاحظة التفاوت اليسير في مأكله و مشربه و مسكنه، فلا يجب عليه تقليل المأكل عن النحو المتعارف و لو كان غير مضر بحاله، لاجل جمع مقدار من المال يذهب به إلى الحج. فالتفاوت اليسير في انحاء المأكل و المشرب و المسكن يعفى عنه، و لا يجب الاقتصار على الحد اللائق بنحو الدقة العقلية؛ فانه خلاف السيرة العملية.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 12]: إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به».

المدار في جواز الشراء و عدم جوازه على تحقق العسر و الحرج بعدم الشراء و عدمه، فيجوز فى الأوّل لعدم الاستطاعة و لا يجوز في الثاني، و لتحققها: و لا فرق فى الحكم المذكور بين كونها موجودة فباعها، أو لم تكن موجودة، بل كان ثمنها موجودا من أوّل الامر، و امّا قصد «2» التبديل بغيرها عند بيعها و عدمه فلا دخل له فى الحكم المذكور، فتدبر جيدا.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 13]: إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ».

______________________________

(1)- منع ذلك السيد الخوئي لصدق الاستطاعة بالتمكن من البيع و عدم الحرج، و لو كان التفاوت يسيرا (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 104، الطبعة الاولى).

(2)- قد يقال انه مع عدم قصد التبديل لا يكون العسر ناشئا من التكليف بالحج، فلا

يكون مرتفعا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 73

صرفه فى النكاح، و إن شقّ تركه و كان عليه الحج. و لو بذل له زاد و الأقوى هو اختيار المتن، لانه لم يرد في الفرض دليل خاص يقضي بتقديم الحج على النكاح مطلقا فيرجع فيه إلى القواعد، و قد عرفت ان صرف المال فى الحج إذا استلزم الحرج يرتفع موضوع الاستطاعة دون ما لم يستلزم، فإذا كان عدم التزويج موجبا للحرج، أو المرض، أو الوقوع فى الزنا «1» يصدق عليه انه متمكن من الحج، فيسقط وجوبه دون ما لم يكن كذلك، فيجب عليه الحج.

قوله قدّس سرّه: «نعم، لو كانت عنده زوجة و لم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها»

لأنه خلاف المفهوم عرفا من دليل وجوب الحج و الاستطاعة، و خلاف السيرة العملية، فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 14]: لصدق الاستطاعة حينئذ».

بجميع احتمالاتها، أما احتمال أنها القدرة العرفية فواضح، و أما احتمال أنها الملكية الفعلية لمقدار ما يحج به فلأنه يملك فعلا ما في ذمة المديون. و أما احتمال أنها الاستيلاء الفعلي على مقدار ما يحج به، فلتحققه بالنسبة إلى الدين، لانه متسلط عليه و قادر على استيفائه من دون مانع بعد فرض بذل المديون له، فمطالبة المديون به نظير تكليف آخر باحضار المال الذي فى الصندوق له.

و أما لو لم يكن المديون باذلا له، و لكن أمكن إجباره على دفعه بواسطة إعانة غيره من متسلط أو حاكم شرع أو جور، إذا قلنا بجواز الترافع إليه عند

______________________________

(1)- قد يقال ان الوقوع فى الزنا باختياره لا يمنع من تحقق الاستطاعة، إذ يتمكن من ترك الزنا حتى لو ذهب إلى الحج، فلا

ينافي التكليف بترك الزنا ثبوت التكليف بالحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 74

راحلة و نفقة، له و لعياله، وجب عليه. و لو وهب له مال لم يجب عليه انحصار استيفاء الحق- بمراجعته-، فانه بناء على أن المعتبر هو الاستيلاء الفعلي لا تصدق الاستطاعة، لأن السلطنة على ما في ذمة المديون فعلا غير ثابتة لمدافعة المديون المانعة من تحقق السلطنة الفعلية، و هي انما تحصيل بطلب الإعانة من الغير، فلا تجب، لانه تحصيل للاستطاعة و المعروف عدم وجوبها، إذ لا يلزم تحصيل شرط الحكم. و أما بناء على ان المعتبر هو التمكن العرفي من مقدار ما يحج به، فصدق الاستطاعة فيما نحن فيه متحقق لتمكنه من استيفاء الدين بواسطة من دون حرج، فهو متمكن عرفا مما يحج به. و هكذا الحال لو كان المعتبر هو الملكية الفعلية لمقدار ما يحج به، لانه مالك فعلا لما فى الذمة.

و اعتبار القدرة على التصرف و الاستيلاء، انما هو بحكم العقل لاعتبار القدرة العقلية، و بما أنه قادر على الاستيفاء و الاستيلاء بالواسطة كانت القدرة العقلية متحققة أيضا، فيجب على هذين التقديرين طلب الاعانة من الغير في استيفاء الدين من باب المقدمة لعمل الحج لوجوبه فعلا.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لو كان الدين مؤجلا و كان المديون باذلا قبل الأجل لو طالبه».

فانه تجب المطالبة و قد منع صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» وجوبها بدعوى عدم صدق الاستطاعة بدون المطالبة فلا يجب تحصيلها بالمطالبة.

و قد وجّه ذلك بان البذل قبل الأجل تبرع و لا يجب التسبيب إليه كما لا يجب الاستيهاب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 258، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 1، ص: 75

قبوله.

و وجّه أيضا بان مرجع المطالبة إلى طلب اسقاط حقه فى التأخير المانع من الاستيلاء الفعلي. فيكون من باب تحصيل الاستطاعة، و هو غير واجب.

و لكن كلا الوجهين محل نظر و منع، فانه إنما يتجه كل منهما لو كان المعتبر في باب الاستطاعة هو الاستيلاء الفعلي أعم من الخارجي في قبال منع الغاصب و الشرعي في قبال منع الشارع- كما فيما نحن فيه-، فإنّ تحقق الاستيلاء الفعلي و رفع المانع الشرعي يتوقف على المطالبة، فلا تجب لعدم وجوب تحصيل الاستطاعة كما لا يجب رفع الأمر إلى الحاكم في أخذ الدين من المماطل بناء على هذا الرأي. أمّا بناء على كون المعتبر هو ملكية ما يحجّ به، أو القدرة العرفية فتجب المطالبة لحصول الاستطاعة بالبذل على تقديرها كما يجب رفع الأمر إلى الحاكم لو علم استيفاء الدين به. و لا دليل على أن المعتبر هو الاستيلاء الفعلي، بل يدور الامر بين اعتبار القدرة العرفية و الملكية لمقدار ما يحج به و هو الاستطاعة.

قوله قدّس سرّه: «و أمّا لو كان المديون معسرا أو مماطلا ...».

عدم الوجوب في هذه الفروض واضح الوجه لعدم صدق الاستطاعة الشرعية لو كانت هي التمكن العرفي، أو الاستيلاء الفعلي على مقدار ما يحج به، و عدم صدقها- أيضا- لو كانت هي الملكية الفعلية لمقدار ما يحج به لأنّ المعتبر هو ملكية مقدار يتمكن من الحج به كما هو ظاهر الباء لا مجرد الملكية الفعلية. و من الواضح انه مع الاعسار أو المماطلة و عدم التمكن من استيفاء الحق لا يكون المملوك فعلا مما يتمكن من الحج به، فلا تتحقق الاستطاعة و إن كان مالكا

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 1، ص: 76

و لو استؤجر للمعونة على السفر، و شرط له الزاد و الراحلة، أو لمقدار ما يحتاج صرفه فى الحج. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: «بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقا ببذله مع المطالبة».

فإنّ بذله مع المطالبة محقّق للاستطاعة كما عرفت، كما ان عدمه يقتضي عدم تحقق الاستطاعة. فمع الشك في ذلك يكون الشك في تحقق موضوع الحكم و هو الاستطاعة، فالأصل البراءة من الوجوب، كما لا يخفى.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 15]: لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال».

قد عرفت وجوبه بناء على المختار من أن شرط وجوب الحج هو القدرة العرفية، فيجب الاقتراض لو لم يكن في وفائه مشقة و حرج، لصدق الاستطاعة حينئذ.

قوله قدّس سرّه: «فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا».

فيه تأمل، بناء على كون المعتبر هو ملكية مقدار يحج به- كما هو ظاهر المتن- لأنه فعلا و إن كان مالكا لكنه لما لا يتمكن من الحج بواسطته، فيكون الاقتراض من باب تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 16]: إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعا ...».

الكلام في هذه المسألة تارة: يكون بلحاظ القواعد. و اخرى: بلحاظ الدليل الخاص.

أما القواعد، فتحقيق الحال بلحاظها: أن وجوب الدين إما أن يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 77

بعضه و كان بيده الباقي مع نفقة أهله، وجب عليه، و أجزأه عن كوجوب الحج مشروطا بالقدرة كما يمكن ان يستظهر من قوله تعالى: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «1». و اما أن يكون مطلقا غير مقيد بالقدرة شرعا بحمل اليسر و العسر

على العقليين، فتكون الآية ارشادا الى حكم العقل بالتقييد.

فعلى الأول: يكون وجوب كل منهما رافعا لموضوع الآخر، فيقع التزاحم بينهما و مقتضى القاعدة هو التخيير مع عدم المرجح، و لعل هذا هو الوجه في التزام صاحب المستند «2» بالتخيير في هذه المسألة.

و على الثاني- كما هو المعروف المتداول على الألسنة و الكلمات-: إما ان يكون الدين حالا مع المطالبة أو مؤجلا لكنه لا يثق بالتمكن من وفائه عند حلول أجله لو صرف المال الموجود لديه فعلا في الحج أو مؤجلا، لكنه يثق بالتمكن من وفائه عند حلول أجله و لو صرف المال فى الحج.

ففى الصورة الأولى: يقدم الدين لأن وجوبه الفعلي المطلق رافع لموضوع وجوب الحج و هو الاستطاعة.

و هكذا الحال فى الصورة الثانية، لانه و إن لم يكن فعلا وجوب أداء الدين لكن وجوب حفظ المال عقلا من باب وجوب المقدمة المفوّتة يقوم مقامه في رفع موضوع وجوب الحج.

و لا وجه لدعوى أن وجوب حفظ المال عقلا منوط باحراز واجدية العمل للملاك في ظرفه بحيث يكون عدم حفظ المال تضييعا للغرض الملزم. و لا طريق

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 280.

(2)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 43، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 78

الفرض اذا حج عن نفسه.

إلى احراز ذلك، إذ مع صرف المال فعلا يرتفع الامر بالأداء في وقته و مع عدم الأمر لا طريق إلى احراز وجود ملاكه.

فإنها تندفع: بأن طريقة الشارع في باب المعاملات هي طريقة العرف فإنه قد أمضاها. و من الواضح أن بناء العقلاء و العرف العام على تأنيب المضيع ماله اختيارا مع علمه بانه لا يستطيع الوفاء

في حينه و ليس ذلك إلا لأجل بنائهم على انه تضييع للغرض الملزم، و لم يثبت للشارع طريقة غير طريقة العرف في باب الدين.

فنستكشف من ذلك ان الغرض الملزم ثابت و لو لم يكن أمر، فيقبح تضييعه عقلا.

و في حكم هذه الصورة ما لو كان الدين حالا لكن أخره الدائن إلى أجل يثق بعدم التمكن من أدائه لو صرف المال فى الحج.

و أما فى الصورة الثالثة، فيكون وجوب الحج مقدما لعدم مزاحمته بوجوب فعلي يرفع موضوعه. و المفروض أنه واجد لموضوعه من غير جهة المزاحمة فيجب.

و بالجملة، فى الصورة التي يكون فيها وجوب فعلي شرعي، أو عقلي يسقط وجوب الحج، لما تقرر من تقديم الأمر المطلق على الأمر المشروط شرعا بالقدرة مع التزاحم، بملاك استلزام الأمر المطلق رفع موضوع المشروط، فلا يقع التزاحم فى الحقيقة. و فى الصورة التي لا يكون فيها وجوب فعلي يزاحم وجوب الحج، يكون وجوب الحج فعليا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 79

و لو كان عاجزا عن الحج، فحج عن غيره، لم يجزه عن فرضه، و و قد ورد في بعض كلمات البعض «1» التوقف في تقديم وجوب أداء الدين إذا كان فعليا على وجوب الحج المشروط، لأمرين: أحدهما: إنكار اصل الكبرى الحاكمة بتقدم الواجب الفعلي على الواجب المشروط بالقدرة شرعا. و الآخر: انه لو سلم ذلك فهو إنما ينفع إذا كان الواجب الفعلي رافعا للشرط المأخوذ فى الواجب المشروط حدوثا لا بقاء كما فيما نحن فيه، إذ الاستطاعة فرض تحققها و وجوب اداء الدين يحاول رفعها بقاء، فلا تنطبق الكبرى الكلية- لو سلمت- على المورد.

و كلا الوجهين فاسدان: أما الوجه الأول فبيان فساده موكول إلى محله

من الأصول كما أحالنا عليه نفس القائل. و أما الثاني: فلأن المدعى هو ارتفاع الاستطاعة حدوثا بمعنى أنه بوجود وجوب أداء الدين لا تتحقق الاستطاعة إلى الحج و لا تحدث، لا أنها تكون ثابتة و يرفعها وجوب أداء الدين.

و بعبارة أخرى: أن وجوب أداء الدين أو وجوب حفظ المال عقلا يكون مساوقا لتحصيل المال زمانا، فهو مانع عدم حدوث الاستطاعة بهذا المال، بل سيأتي بيان أن تأخر حدوث الدين عن تحصيل المال مانع من تحقق الاستطاعة حدوثا، فانتظر.

ثم إنّه قد يدعى تقدم الأسبق زمانا من الوجوبين فإنه كما قيل من مرجحات باب التزاحم.

لكنه يشكل بأن تقدم الأسبق زمانا لو سلم، فهو الأسبق زمانا من حيث

______________________________

(1)- و هو السيد الشاهرودي رحمه اللّه كما في تقريرات بحثه (كتاب الحج، ج 1: ص 119).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 80

كان عليه الحج ان وجد الاستطاعة.

الواجب كما يمثل له في تزاحم وجوب القيام للركعة الاولى و وجوبه للثانية مع عدم قدرته إلا على قيام ركعة واحدة. أما الواجبان المتحدان زمانا لكن كان وجوب أحدهما متأخرا عن الآخر فلا يكونان موردا لهذه الكبرى لانتفاء ملاكها المدعى فيهما، لأن الوجه المدعى هو أن الزمان السابق هو زمان فعلية أحد الحكمين، إذ الحكم المتأخر انما يكون فعليا في زمانه لا في أسبق منه، فيكون الحكم السابق بلا مزاحم. و من الواضح، ان زمان فعلية الحكم هو زمان فعلية متعلقه، فمع تأخر متعلقه لا يكون فعليا و داعيا إليه في زمانه السابق. و من هنا قال صاحب العروة: «و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى «1»».

نعم، لو كان الواجب في

أحدهما سابقا عليه في الآخر كان لتقديمه وجه عرفته. لكنه نوقش فيه في محله بانه و إن لم يكن الوجوب اللاحق محركا فعلا نحو متعلقه لكن يحدث في الزمان السابق عليه المقارن لزمان الوجوب السابق وجوب عقلي يحفظ القدرة على الواجب المتأخر من باب حفظ الغرض الملزم، فيقع التزاحم بين الوجوبين الشرعي و العقلي.

و بالجملة، لم يثبت الترجيح بالأسبقية زمانا في باب التزاحم.

ثم إنه لو وصلت النوبة الى التزاحم بين وجوبي الحج و أداء الدين إما بدعوى تقييد كل منهما بالقدرة شرعا، أو بدعوى عدم تقدم وجوب الدين و إن كان فعليا مطلقا لإنكار الكبرى و عدم تمامية دعوى تقدم الأسبق، كما عرفت.

______________________________

(1)- اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى/ الشرط الثالث: الاستطاعة من حيث المال، المسألة 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 81

[الرابع توفر المئونة الكافية]

الرابع: توفر المئونة الكافية

فقد يدعى تقديم أداء الدين لأهميته، فان حق الناس أهم من حق اللّه تعالى، و الدين حق للناس و الحج حق للّه تعالى، و لو أقل من احتمال أهميته الموجب لتعيينه في مقام التزاحم.

و لكنه يشكل، بأن أهمية حق الناس بلحاظ أن من له الحقّ- في مورد حق اللّه- أرحم و أعطف ممن له الحق- في مورد حق الناس-، فالاهتمام يكون بالثاني أشد. و هذا لا يرتبط بأهمية أحد الواجبين من الآخر بملاكه و مصلحته، بل يرتبط بعالم المطالبة و المؤاخذة في يوم القيامة. مع أنه إنما يكون أهم في مورد العصيان بحيث تترتب المؤاخذة على المطالبة، فانّ فرض تقديم الحج لم يكن صرف المال فيه عصيانا لوجوب أداء الدين كي تترتب المؤاخذة على مطالبة الدائن، فيهتم بها اكثر من مطالبة اللّه الرءوف لسقوط وجوب ادائه

بالمزاحمة.

فلا وجه لاخذ الأهمية المترتبة على العصيان مرجحا لإبقاء الأمر به و إسقاط الأمر بالحج. و إذا لم تثبت الأهمية من هذا الوجه فدعوى أهمية وجوب الحج لانه من أركان الاسلام و دعائم الدين قريبة «1» جدا. فتدبر.

هذا تمام الكلام بلحاظ مقتضى القاعدة، أما الكلام بلحاظ الدليل الخاص فتحقيقه:

أنه وردت في المقام روايتان:

إحداهما: رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه

______________________________

(1)- توقف في ذلك السيد الاستاذ للتشكيك في استلزام هذه الآثار الاهميّة من حيث الملاك و الغرض.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 82

أن يكون له ما يمون عياله حتى يرجع، فاضلا عما يحتاج إليه. و دين أ عليه ان يحج، قال: «نعم، إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ... «1»».

و الأخرى: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الحج واجب على الرجل، و إن كان عليه دين «2»».

أما رواية معاوية، فهي ظاهرة في وجوب كلا الامرين وفاء الدين و الحج، و انه يلزمه اداء الدين بالمال و الحج ماشيا، فهي لا دلالة لها على ما نحن فيه لعدم ارتباطها بمورد المزاحمة.

و أما الاخرى، فهي ظاهرة في وجوب الحج مطلقا لمن كان عليه دين، إلا ان اطلاقها يقيد بمقتضى ما عرفت من القواعد، فتحمل على صورة عدم المطالبة فعلا و الوثوق من الاداء فيما بعد، بحيث لا يكون هناك وجوب فعلي باداء الدين أو بحفظ المال. فتدبر.

استدراك: جاء في تعليقة المحقق النائيني قدّس سرّه على «العروة «3»» وجه آخر لتقديم وجوب الدين على الحج، و هو ان الرجوع إلى كفاية معتبر فى الاستطاعة و شرط

في وجوب الحج، و هذا ينتفي بصرف المال فى الحج، إذ يجب عليه وفاء الدين إذا رجع من الحج و هو غير مالك لما يفي به، فلا يكون رجوعه رجوعا إلى كفاية لعدم تمكنه من وفاء دينه. و قد تابعه عليه غيره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 50: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 4.

(3)- النائيني، محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى، ص 109/ المسألة 16، ط مطبعة العرفان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 83

لو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه. و لو حج عنه من يطيق الحج، و لكنه يشكل: بان ذلك انما يتم لو كان ملزما عرفا بأداء دينه بعد رجوعه بحيث يقع في مشقة مطالبة الدائن و حرجها، فانه لا يجب عليه الحج حينئذ لانتفاء شرطه و هو القدرة العرفية، لان في صرف المال في الحج عسرا عليه و مشقة. إلا أن ذلك ليس منظورا في كلامه، بل نظره إلى منافاة نفس وجوب اداء الدين الحادث فيما بعد لحصول شرط وجوب الحج و إن لم يستلزم عدم الوفاء العسر و الحرج. و كلامه على هذا غير تام، لأن وجوب أداء الدين لا يعقل ان يزاحم وجوب الحج و يرفع موضوعه، لأن الحج إذا اقتضى صرف المال فقد اقتضى ارتفاع موضوع وجوب الاداء في وقته، لعدم القدرة على الاداء، فيكون الرجوع رجوعا الى كفاية لعدم وجوب الوفاء بعد الرجوع.

و بالجملة، إذا وجب الحج و امتثل المكلف كان رجوعه رجوعا إلى كفاية، إذ لا يجب عليه الوفاء بعد الرجوع، فلا يعقل ان يكون وجوب اداء الدين مزاحما لوجوب

الحج لارتفاعه به.

قوله قدّس سرّه: «أو كونه مانعا إلا مع التأجيل، أو الحلول مع عدم المطالبة».

لا يظهر الفرق بين هذا القول و القول الثاني الذي عبّر عنه بقوله: «أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة» فان كلا التعبيرين يؤدي المانعية في صورة واحدة و عدم المانعية في صورتين، فالتفت.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 17]: لا فرق في كون الدين مانعا من وجوب الحج بين أن يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة، أو لا».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 84

لم يسقط عنه فرضه، سواء كان واجد الزاد و الراحلة أو فاقدهما. و لا إشكال في اعتبار استمرار الاستطاعة و بقائها بقاء طبعيا، فلو زالت بعارض غير اختياري ارتفع وجوب الحج، لا من جهة اعتبار الاستطاعة بقاء، بل من جهة ان زوالها فى الاثناء لا عن اختيار يكشف عن عدم حصول الاستطاعة من أول الأمر، لان معنى الاستطاعة هو القدرة على الحج بهذا المال أو عرفا على اختلاف الوجوه في تحديدها، فاذا مات أو تلف المال لا عن عمد يكشف عن انه لم يكن قادرا على الحج من أول الأمر.

نعم، لو كان التلف عن اختيار لم يكن ذلك رافعا للوجوب لأنه لا يكشف عن عدم القدرة على الحج من أول الأمر، بل كان قادرا لكنه رفع القدرة، و على هذا فاذا حدث الدين لا عن اختيار، كضمان التلف غير العمدي، كان مانعا عن وجوب الحج كالدين من أول الأمر، لانه رافع لموضوع وجوب الحج على ما تقدم بيانه مفصلا.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 18]: إذا كان عليه خمس ...».

هذا الحكم واضح، إذ لا فرق في الدين بين انواعه من حيث

الدائن و من له الحق.

قوله قدّس سرّه: «و إن كان الحج مستقرا عليه ...».

بما ان وجوب الحج المستقر غير مقيد بالاستطاعة شرعا يقع التزاحم بينه و بين وجوب اداء الدين أو وجوب حفظ المال- في مورد ثبوته- و حيث لم يثبت ترجيح الدين لأهميته لانها غير ثابتة، كما لم يثبت أهمية وجوب الحج و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 85

كذا لو تكلف الحج مع عدم الاستطاعة. و لا يجب على الولد بذل الترجيح بأسبقية الزمان لا دليل عليها، تعين الالتزام بالتخيير كما هو الحال في مطلق موارد التزاحم مع عدم ثبوت المرجح.

نعم، تقديم الدين أحوط لاحتمال أهميته بما هو المعروف و المشهور على الالسنة من أن حق الناس أهم من حق اللّه تعالى. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: «و أما إذا كانا في عين ماله فلا اشكال في تقديمها على الحج».

لعدم تحقق الاستطاعة بالمال الموجود لديه بعد ان كان ببعضه متعلقا لحق الغير أو ملكه جميع معاني الاستطاعة، كما هو واضح.

قوله قدّس سرّه: «سواء كان مستقرا عليه».

لا يخفى أنه مع الاستقرار عليه يقع التزاحم بين وجوب الحج و حرمة التصرف بمال الغير أو المال المتعلق لحق الغير- فانها المانع من صرف المال في الحج-، لان وجوب الحج الفعلي يدعو الى الاتيان بمتعلقه كيفما كان ما دام قادرا عليه عقلا.

كما ان حرمة التصرف في المال تدعو الى تركه المساوق لترك الحج. فليس تقديم الخمس أو الزكاة على الحج مما لا اشكال فيه و من الامور الضرورية، بل هو يبتني على فرض تقدم الحرمة للأهمية.

و دليلنا على أن المقام من موارد المزاحمة أنه لو تزاحم الخمس أو الزكاة مع واجب مهم جدا، كحفظ نفس

الغير، فانه لا اشكال في جواز التصرف بالمال و ارتفاع الحرمة. فارسال المتن الحكم بالتقديم إرسال المسلمات و متابعة المعلقين له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 86

ماله لوالده فى الحج.

لا يخلو عن مسامحة.

قوله قدّس سرّه: «و لو حصلت الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معا فكما لو سبق الدين».

لم يظهر المقصود بهذه العبارة، بعد ان تقدم منه بيان تقدم الدين على الحج سواء كان لاحقا أو سابقا. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 19]: فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة».

لأن وجوب اداء الدين غير ثابت فعلا، كما أنه لا وجوب يتعلق بحفظ المال من باب تحصيل الغرض الملزم، إذ لا يحكم العقل و لا العقلاء بذلك، إذ لا يعلم ببقاء المال هذه المدة و لو مع الحفظ العادي، فيكون وجوب الحج فعلا بلا مزاحم يرفع موضوعه.

قوله قدّس سرّه: «فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة».

لرجوعه إلى اشتراط عدم المطالبة أو إسقاط حق المطالبة، و معه لا يكون وجوب الاداء فعليا كما لا يكون سببا لحكم العقلاء بوجوب حفظ المال، فلا يزاحم وجوب الحج وجوب آخر.

قوله قدّس سرّه: «و كالدين ممن بناؤه على الابراء إذا لم يتمكن المديون من الاداء».

يعنى لا يتمكن في ظرف الاداء. و الوجه فيه: أن وجوب اداء الدين ليس فعليا كما أنه لا يحكم العقل فعلا بلزوم حفظ المال للمحافظة على الغرض الملزم في ظرفه لفرض انه اذا لم يكن لديه مال ببرئه الدائن من الدين، فيكون وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 87

[الخامس إمكان المسير]

الخامس: إمكان المسير

الحج فعليا بلا مزاحم. و معه لا وجه لما ورد في تعليقة المحقق النائيني «1» و تابعه غيره

من الاستشكال بحصول الاستطاعة في الفرض و توقف حصولها على الابراء فعلا، إذ لم يثبت مانعية الدين للاستطاعة بدليل خاص كي يتمسك بإطلاقه، بل ثبتت باعتبار استلزام وجوب الأداء أو وجوب الحفظ الذي يستتبعه ملاك وجوب الاداء لارتفاع الاستطاعة، فيرتفع الحج. و قد عرفت انتفاء المانع في الفرض، فالالتزام بما فى المتن متعين.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 20]: هل يجب عليه الفحص أم لا؟».

الوجه في عدم وجوب الفحص هو كون الشبهة موضوعية. و المقرر في محله عدم لزوم الفحص فيها و كون المرجع فيها البراءة.

و الوجه في وجوبه أمران:

احدهما: ما تعرض له الشيخ قدّس سرّه في رسائله «2» من استثناء بعض الواجبات عن قاعدة عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية، و هي الواجبات التي يغلب عدم العلم بموضوعاتها بدون الفحص و مثّل له بالحج و الخمس و الزكاة، فيلزم من اجراء البراءة في الشبهة الموضوعية فيها قبل الفحص ثبوت الحكم في موارد نادرة و هو تعطيل للحكم.

و لكن هذا المعنى كبرويا مسلم لكنه ممنوع صغرويا، اذ ليس العلم بثبوت

______________________________

(1)- النائيني، محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى، ص 111/ المسألة 19، ط مطبعة العرفان.

(2)- الأنصاري، المحقق الشيخ مرتضى: فرائد الاصول، ص 310، الطبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 88

و هو يشتمل على الصحة، و تخلية السرب، و الاستمساك على الاستطاعة يتوقف غالبا على الفحص بحيث يلزم اختصاص الحكم بوجوبه بالافراد النادرة لو جرت البراءة مع الشك بدون الفحص، فكثير من الناس يعلم بثبوت استطاعته، كأن يصل إليه مال كثير أو كان من عادته حساب أمواله دائما و ليس ذلك فردا نادرا كما لا يخفى. فلا يلزم من اجراء البراءة تعطيل الحج.

الثاني:

ما التزم به المحقق النائيني «1» من ان المورد الذي يمكن رفع الشك فيه بدون إتعاب و مئونة اصلا لا يكون مشمولا لأدلة الاصول العملية، فلا يقال لمن لا يعلم بطلوع الشمس إذا كان قادرا على المعرفة بمجرد رفع رأسه او فتح عينيه انه غير عالم، فلا يشمله دليل الاستصحاب.

و لا يخفى ان هذا الوجه لو سلم في نفسه فانما يتم فيما نحن فيه لو فرض ان الفحص لا يحتاج الى مئونة أصلا، كأن يكون له وكيل يعرف مقدار ماله فيتوقف علمه بمقدار ماله على سؤال وكيله فقط. أما إذا احتاج الى مئونة فلا يتم فيه الوجه المذكور، و لعله الغالب في موارد اشتباه الموضوع. و على هذا، فمع الشك يرجع الى البراءة نعم الفحص أحوط بلا كلام.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 21]: فهو كما لو شك في امواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا؟».

تابع كثير من المحشّين على الكتاب فتوائيا الماتن في هذا الحكم. و خالف بعضهم «2» بدعوى: ان الفرق بين الصورتين واضح، و التحقيق يقتضي ذلك، لأن

______________________________

(1)- الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الاصول، ج 4: ص 302، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- هو السيد البروجردي رحمه اللّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 89

الراحلة، و سعة الوقت لقطع المسافة.

المعتبر في تحقق الاستطاعة بالرجوع الى كفاية ليس ملكية مقدار من المال كي يستصحب بقاء المال الغائب كما يستصحب الحاضر. و إنما المعتبر هو ملكية المال مع الاستيلاء الفعلي عليه بالتصرف فيه في أمر معاشه حتى يصدق الرجوع الى كفاية.

و هذا المعنى أعني الاستيلاء الفعلي يمكن اثباته في المال الحاضر بالاستصحاب الاستقبالي دون المال الغائب. و ذلك لأن الاستيلاء

الفعلي و السلطنة أمر ينتزع عن الاستيلاء الخارجي على المال و الاستيلاء الشرعي عليه كبيعه و إجارته و الصلح عليه، و غير ذلك مما يعود على صاحب المال بالنفع الذي ينهض بحاجته لو رجع و هو متحقق فعلا بالنسبة الى المال الحاضر كما لا يخفى، فاذا شك في بقائه الى ما بعد الرجوع الملازم للشك في تحقق الرجوع الى الكفاية، استصحب ثبوته فيثبت بالاستصحاب بقاء السلطنة الى ما بعد الرجوع من الحج، فيثبت موضوع «1» الوجوب بالاستصحاب.

أما المال الغائب المشكوك بقاؤه فهو فعلا غير مستول عليه لا خارجا لان موضوعه تكوينا المال الموجود و المفروض عدم احراز وجوده. و لا شرعا لان بيع هذا المال أو الصلح عليه أو غير ذلك من انواع المعاملات العائدة بالنفع على

______________________________

(1)- قد يقال: ان موضوع الوجوب هو الرجوع الى كفاية و هو اثر تكويني للسلطنة لا شرعي فلا يثبت بالاستصحاب إلا بنحو الاصل المثبت و دفعه سيدنا الاستاذ- دام ظله- بان المأخوذ في موضوع وجوب الحج واقع الرجوع الى كفاية لا عنوانه. و واقعه ليس الا الاستيلاء على مال يمكنه الاستفادة منه و هو نفسه ثابت بالاستصحاب. فتدبر جيدا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 90

فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب. و لا يسقط المالك مما لا يتحقق من قبل العقلاء و لجهالة وجود المال، و استصحاب بقائه لا يرفع الجهالة و كون المعاملة غررية جدا لا يقدم عليها عاقل. و اذا لم يكن للمالك استيلاء فعلي على المال حتى بعد استصحاب بقائه، لم يتجه استصحاب الاستيلاء الى ما بعد الرجوع، لليقين بعدم ثبوته فعلا، فكيف يستصحب؟!

و لا معنى لاستصحاب الاستيلاء الثابت قبل

الشك في بقاء المال لارتفاعه باليقين بعدمه في حال الشك، فينفصل زمان اليقين عن زمان الشك.

نعم، لو فرض أن المال المشكوك بقاؤه كان كثيرا بحدّ يصحح إقدام العاقل على المعاملة عليه بثمن يسير يكفي في تحقق الرجوع الى كفاية، كان الاستيلاء الفعلي على المال ثابتا، فيستصحب بقاؤه كالمال الحاضر.

و جملة القول: أنه لا وجه لنفي الفرق بين الصورتين، بل الفرق بينهما واضح، فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 22]: يجوز له قبل أن يتمكن من المسير ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة».

لأن موضوع الوجوب مؤلف من التمكن من الزاد و الراحلة و التمكن من المسير. فقبل حصول أحد اجزاء الموضوع يمكن اعدام الجزء الموجود لعدم فعلية الوجوب و عدم لزوم المحافظة على الفرض بعد أن لا يكون في ظرفه ملزما لفقدان شرط الوجوب.

و عليه، فاذا حصل لديه مال بمقدار الزاد و الراحلة و لكنه كان ممن لا يتمكن من المسير فعلا، كما لو كان مريضا أو محبوسا، جاز له صرف المال فيما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 91

باعتبار المرض مع امكان الركوب. و لو منعه عدو، أو كان معضوبا يخرجه عن الاستطاعة المالية لعدم حصول الجزء الآخر من الموضوع، فليس الوجوب فعليا.

هذا هو المنظور في العبارة- كما لا يخفى- و ليس المنظور فيها الى بيان أن الاستطاعة شرط حدوثا أو حدوثا، بقاء، فلا يجوز الخروج عنها على الأول و يجوز على الثاني.

فلا وجه لما ذكره البعض «1» من صرف العبارة إلى ذلك و اختيار أن الشرط هو الاستطاعة حدوثا و بقاء مستشهدا على ذلك بسقوط الوجوب لو مات فى الاثناء قبل اداء الحج.

و هذا الاستشهاد على المدعى غريب جدا، إذ

الأثر الذي يترتب على كون الشرط هو الاستطاعة حدوثا أو حدوثا و بقاء هو عدم جواز الخروج عنها اختيارا على الأول و جوازه على الثاني، نظير السفر الموجب للقصر. أما الخروج عن الاستطاعة قهرا بالموت أو بتلف المال بعارض سماوي، فلا كلام في انه مسقط لوجوب الحج لا من باب أن الاستطاعة شرط حدوثا و بقاء و إنما من جهة أن ذلك يكشف عن عدم تحقق الاستطاعة على الحج من أول الأمر، فالاستطاعة الحدوثية لم يتحقق لا أنها تحققت و زالت، كما أشرنا إليه فيما تقدم «2». فلا تصلح صورة الموت شاهدا على كون المعتبر في موضوع الوجوب

______________________________

(1)- هو السيد الشاهرودي رحمه اللّه كما في تقريرات بحثه (كتاب الحج، ج 1: ص 129)، إلّا انه لم يستشهد على ذلك بالموت و إنما استشهد على المدعى بتلف المال في اثناء الاعمال.

(2)- لاحظ التعليقة على مسألة 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 92

لا يستمسك على الراحلة، أو عدم المرافق مع اضطراره إليه، الاستطاعة حدوثا و بقاء. فالتفت.

تنبيه: ثم إنا قد تعرضنا فيما تقدم لبيان وقت وجوب الحج. و قد ذكرنا أن مقتضى اطلاق الآية هو حصول الوجوب بمجرد الاستطاعة المالية.

و الذي نريد أن نقوله الآن: أن وقت الوجوب هو الزمان الذي يتمكن فيه الشخص من المسير الى الحج مع انضمام التمكن من الزاد و الراحلة و لا يتحقق الوجوب قبله، لأنه كما يعتبر في وجوب الحج التمكن من الزاد و الراحلة كذلك يعتبر التمكن من المسير من جهة صحة البدن و الأمن من الطريق. و من الواضح أن الوجوب لا يتحقق إلا بفعلية موضوعه بجميع أجزائه.

و اذا عرفت ذلك، فنقول- أيضا-: أنه

مما لا إشكال فيه أنه بمجرد ملكية المال فعلا يصدق ملكية الزاد و الراحلة و يتحقق الجزء من موضوع وجوب الحج و هو استطاعة المال مع أن مصرف هذه الاستطاعة و اعمالها انما يكون فى الحج. فهل القدرة على المسير في ظرف الحج اذا علم بتحققها مع الصحة يصدق تحققها فعلا أولا؟، بمعنى: أن المكلف إذا كان فعلا صحيح البدن يعلم بانه بعد شهر يفتح الطريق للحجاج و لكنه فعلا مغلوق، فهل يصدق من الآن أنه متمكن من المسير الى الحج كما يصدق تمكنه من المال فعلا، مع أن أعمال الاستطاعة المالية و غيرها لا يكون إلا في ظرف الحج؟ أو لا يصدق أنه متمكن من المسير إلا في حال انفتاح الطريق؟

التحقيق هو الثاني. و الفرق بين الاستطاعة المالية و غيرها هو أن المال أمر قارّ باق يمكن صرفه بنفسه في شئون الحج في حينه، فيصدق فعلا أنه متمكن من

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 93

سقط الفرض.

زاد الحج و راحلته، يعني من الزاد الذي يصرف في الحج و الراحلة كذلك. أما الصحة فهي أمر تدريجي، فالصحة الفعلية لا تعمل بنفسها في الحج عند انفتاح الطريق و إنما الّذي يعمل في وقته هو الصحة في ذلك الوقت. و عليه فالصحة التي هي شرط وجوب الحج هو الصحة التي يمكن إعمالها في طريق الحج و السفر إليه كالمال. فلا تتحقق في فرض الحال إلا عند انفتاح الطريق.

و بالجملة: إن كلا من التمكن من الزاد و الراحلة و المسير من حيث الصحة يعمل في وقت المسير لا فعلا إلا أن أحدهما يصدق فعلا و هو الزاد و الراحلة عند وجود المال دون الآخر.

و

بعبارة أخرى: الوجوب يتحقق عند صدق التمكن الفعلي من المسير إلا أن التمكن من المسير من جهة الصحة لا تتحقق إلا عند انفتاح الطريق بخلافه من جهة الزاد و الراحلة. فالاختلاف ليس في نحو تعليق الحكم على كل جزء و نحو أخذ الجزء في الموضوع، بل في نحو ثبوت كل جزء خارجا.

و على هذا، يتفرع جواز اعدام المال قبل انفتاح الطريق، لعدم حصول الجزء الآخر من الموضوع و هو التمكن من المسير من جهة الصحة. فلا يكون الوجوب فعليا كما تقدم الاشارة إليه.

و من هنا يظهر الوجه في فتوى السيد رحمه اللّه فى «المدارك «1»» بجواز اتلاف المال قبل خروج الرفقة. فالتفت و تدبّر فإن المقام حقيق بالتدبّر.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 44، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 94

..........

قوله قدّس سرّه: «و إن كان فعل حراما».

لعله لأجل أنه ترك لمقدمة الواجب و هي واجبة، أو فعل لمقدمة الحرام و هو ترك الحج و هي حرام اذا كانت من الاسباب التوليدية للحرام.

قوله قدّس سرّه: «لأن النهي متعلق بأمر خارج».

لا بنفس «1» التصرف بعنوانه، و قد تقرر أن النهي المتعلق بالشي ء بعنوان أمر خارج عن عنوانه الأولي لا يستلزم الفساد كتعلق النهي بالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة.

قوله قدّس سرّه: «أمكن أن يقال بعدم الصحة».

لا يعرف له وجه سوى أنه يكون من أكل المال بالباطل، و لكن هذا مخدوش كبرويا و صغرويا.

أما كبرويا، فتحقيقه في محله حيث يبين المقصود من أكل المال بالباطل و حرمته.

و أما صغرويا، فلأن الباطل المقصود ما يجعل في قبال المال لا ما يرتبط بالغرض و الداعي و المفروض أن

الهبة لا مقابل لها فلا يكون المورد من موارد أكل المال بالباطل.

قوله قدّس سرّه: «لم يمنع عن جواز التصرف».

______________________________

(1)- يمكن أن يكون مراده التفصيل بين صورة الهبة لا بقصد الفرار، فانها غير محرمة و إن كان الترك محرما، فالهبة ملازمة للعنوان المحرم و هذا معنى تعلق النهي بأمر خارج. و بين صورة الهبة بقصد الفرار، فانها تكون محرمة. فتقع فاسدة بناء على ان النهي عن المعاملة تقتضي الفساد، فأنتبه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 95

..........

هذا بناء على دعوى أن وقت الوجوب أول كل عام مع اجتماع سائر الشرائط، و قد عرفت البحث فيه و أنه لا دليل عليه سوى ما يذكر من حمل بعض الروايات عليه و هو لا يركن إليه، إذ الحمل تبرّعي لا عرفي كي يكون من الظواهر.

قوله قدّس سرّه: «فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين».

إذ يعلم هنا بعدم سقوط الحج عن مثل هؤلاء و أنه يجب عليهم كما يجب على غيرهم، فيلزمهم السفر الى الحج قبل سنتين لإدراكه.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 23]: إذا كان له مال غائب ...».

الحكم في هذه المسألة بفرعيها واضح لا يحتاج إلى بيان.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 24]: إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة، لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه».

حكم المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة باستقرار الحج في ذمته لانكشاف تعلق الوجوب بذمته.

و في قباله حكم المحقق القمي «1» في اجوبة مسائله- كما حكي عنه المصنف رحمه اللّه- بعدم الوجوب، لانه عند جهله لا يكون مشمولا للوجوب و موردا له و بعد ارتفاعه ليس واجدا للموضوع.

و التحقيق يقتضي بالتفصيل بين صورة الجهل

المركب و صورة الجهل البسيط، فلا يستقر الحج في ذمته في الأولى لأنه و إن كان واقعا مالكا للزاد و

______________________________

(1)- القمي، الميرزا ابو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 62، الطبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 96

..........

الراحلة لكنه مع جهله المركب و اعتقاده بعدم ملكيته للمال لا يكون متمكنا من التصرف بالمال عقلا، فلا تتحقق الاستطاعة لان شرطها التمكن من التصرف بالمال. و يلحق به صورة الغفلة لنفس الملاك المزبور و يستقر الحج في ذمته في الثانية لتمكنه من التصرف بالمال فعلا، و اجراؤه البراءة لا ينفي ذلك و إنما يكون معذّرا له فقط، فهو واجد للموضوع في صورة الجهل البسيط و التردد.

قوله قدّس سرّه: «لأن عدم التمكن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافى الوجوب».

قد عرفت منافاته لعدم الموضوع في حال الجهل المركب و الغفلة لفقدان التمكن من التصرف عقلا.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 25]: إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا فان قصد ...».

ينبغي الكلام في جهات ثلاث مترتبة:

الجهة الأولى: أن الاستطاعة في صورة اعتقاد عدم الاستطاعة غير ثابتة، كما عرفت في المسألة المتقدمة، فلا محل لهذه المسألة، لان الحج غير واجب عليه بعد عدم موضوع الوجوب. و إذا التزمنا بما التزم به المصنف من ثبوت الوجوب حال الجهل المركب فيقع الكلام في

الجهة الثانية «1» و هي: انه إذا كان قصده امتثال الأمر الندبي من باب الخطأ في التطبيق أجزأ عن حجة الاسلام. و الوجه فيه هو أنه في هذه الحال قاصد في الحقيقة امتثال الأمر الفعلي المتعلق بذمّته لكن كان يتخيل أنه الأمر الندبي و هو

______________________________

(1)- قد يقال: بانه لا معنى للتقييد في الموجود

الجزئي و انما هو من شئون المفاهيم الكلية، و عليه فبما ان الامر الثابت في الواقع واحد و قد قصده. بعنوان انه ندبي، فلا يكون إلا بنحو الخطأ و تخلف الدّاعي و هو لا يضر في صحة العمل، لان الامر الواقعى مقصود حقيقة و إن تخيّل القاصد أنه ندبي، لا وجوبي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 97

..........

لا يضير، بل يكون من ضمّ الحجر الى جنب الانسان. و بالجملة، فالأمر الوجوبي بالحج مقصود واقعا.

أما اذا كان قصده من باب التقييد يعني يقصد امتثال الأمر الفعلي اذا كان ندبا بهذا القيد، فقد حكم المصنف بعدم اجزائه و لكنه يبتني على شي ء، و هو:

الجهة الثالثة من الكلام و هو: ان المعتبر في تحقق الامتثال بالعبادة و صحتها عبادة هل الاتيان بها مضافة الى المولى بالطريق الواقعي لها التي هي مضافة إليه بواسطته.

و بعبارة اخرى: يلزم في صحتها الاتيان بها مضافة إليه من طريق الأمر الذي يراد امتثاله، او أنه يكفي ربطها بالمولى بنحو ربط و ان كان غير الطريق الذي يربطها به واقعا؟

فعلى الأول، لا يجزي العمل لو أتى به بقصد امتثال الأمر الندبي بنحو التقييد، إذ لم يؤت بالعمل مرتبطا بالمولى و مضافا إليه من طريق الأمر الوجوبي بالحج.

و على الثاني، يجزي العمل لو أتى به كذلك، للاتيان بالعمل بنحو عبادي لربطه بالمولى، لأنه قد أتى به بقصد امتثال أمره، فقد وقع بنحو عبادي فيكون مصداقا للمأمور به، فيكون مجزيا. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «و إن كان حجه صحيحا».

لا وجه لصحته بعد عدم إجزائه عن حج الاسلام و عدم وجود الأمر الندبي «1».

______________________________

(1)- التزم السيد الخوئي بوجوده بنحو الترتب، فيصح الحج و لا يجزي

عن حجة الاسلام لعدم القصد (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 139، الطبعة الاولى).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 98

..........

قوله قدّس سرّه: «لأنه يرجع إلى التقييد».

لتمكنه من قصد أمر الحج الوجوبي، فعدوله عن ذلك و قصده الأمر الندبي يرجع إلى التقييد.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 26]: هل تكفي فى الاستطاعة الملكية المتزلزلة ...».

أقول: الخيار المشترط:

تارة: يمنع من بيع العين، كبيع الشرط، فإن المتعارف أنه يسلّمه العين على أن يدفع البائع الثمن في المدة المحددة و يسترجع العين منه. فهذه الصورة خارجة عن محل الكلام إذ لا يملك ما يصرفه في الحج لعدم جواز بيع العين.

و اخرى: لا يكون مانعا من البيع.

فإن كان الخيار من الحقوق المتعلقة بالعين بأن كان لذي الخيار استرجاع العين أين ما كانت، منع ذلك عن الاستطاعة، لأن العين و ان كانت مملوكة و لكن ملكيتها غير طلقة لانها متعلقة لحق الغير، فلا يصدق عرفا ان «له ما يحج به» لظهور ذلك في ان: «له» ذلك بقول مطلق.

و إن كان من الحقوق المتعلقة بالعقد بان كان لذي الخيار فسخ العقد. فإن كان يعلم أنه يستطيع أداء المال الى البائع لو فسخ في وقته من دون أي مشقة كان مستطيعا بلا كلام، و إن كان يعلم أنه لو فسخ يبقى في كلفة لعدم تهيؤ مال لديه عوض الثمن المطلوب منه، فلا يكون مستطيعا بنظر العرف.

فهذه الصورة هي موضوع الكلام من المعاملة الخيارية فيما نحن فيه.

و قد ذهب المصنف الى التفصيل بين صورة الوثوق بعدم الفسخ، فيجب الحج. و صورة عدمه، فلا يجب.

و الوجه فيه: أنه مع الوثوق بعدم الفسخ يحرز تحقق الاستطاعة، لملكيته مال

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 1، ص: 99

..........

يفي بالحج مع استيلائه عليه و هو واثق بانه لا يطالب به بعد ذلك، و أما بدون الوثوق فهو لا يحرز تحقق الاستطاعة إذ مع الفسخ عرفت أنه لا استطاعة إذ لا يعد العرف مثل هذا الشخص مستطيعا، فإذا شك في الفسخ استلزم ذلك الشك في تحقق الاستطاعة، فلا يجب عليه الحج، لعدم احراز موضوعه.

قوله قدّس سرّه: «و يمكن أن يقال بالوجوب هنا حيث أن له التصرف فى الموهوب فتلزم الهبة».

بل يتعين القول بالوجوب. و لا وجه لدعوى ان التصرّف يحقّق الاستطاعة، ففعله تحصيل للاستطاعة و هو غير لازم.

و ذلك لأن الاستطاعة حاصلة قبل التصرف و بدونه، إذ المفروض أنه يملك مقدار ما يفي بالحج مع تمكنه من التصرف فيه في الحج و لم يتصور شي ء رافعا لذلك و مانعا عنه سوى وقوع المكلف في كلفة المطالبة لو رجع أو فسخ، إذ لا مال يؤدي منه. و هذا المعنى يعلم بعدم تحققه بالنسبة إليه، إذ مع صرف المال لا يطالبه أحد، فهو نظير ما لو كان ذا مال يفي منه البائع لو فسخ بعد التصرف في العين و مطالبته بقيمتها.

و بالجملة، المقتضي للاستطاعة في الفرض موجود و المانع عنها مفقود. فلا وجه للتردّد أو الاشكال.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 27]: يشترط في وجوب الحج».

مرّ الكلام في ذلك مكررا، فلا نعيد.

قوله قدّس سرّه: «فالظاهر كونه كإتلاف الزاد»

لأنه ايجاد للمانع الرافع للاستطاعة باختياره، فلا يكشف عن عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 100

..........

الاستطاعة على صرف المال الموجود لديه فى الحج، بل كان مستطيعا لكنه أزال ذلك باختياره. و قد تقدم أن الاستطاعة الحدوثية شرط، لا الحدوثية

و البقائية.

ففي مثل الفرض يستقر الحج في ذمته.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 28]: إذا تلف بعد تمام الاعمال مئونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية».

بما أن الرجوع إلى كفاية مأخوذ في موضوع وجوب الحج دون مئونة عوده إلى وطنه، إذ لا دليل عليها- كما عرفت- سوى دليل نفي الحرج لا بدّ من إيقاع البحث في تلف كل منهما على حدة.

أما لو تلف مئونة عوده إلى وطنه و كان مما لا بدّ منه الرجوع إلى وطنه، بحيث يكون البقاء عليه حرجيا- فإنه مع عدم كون البقاء حرجيا عليه فلا شبهة فى الإجزاء-، فتقريب الإجزاء في هذه الصورة بأحد وجوه ثلاثة:

الأول: إجزاء المحكوم بالحكم الظاهري عن الواقع، إذ اقدامه على الحج مع احتمال تلف ماله للرجوع عقلائيا لا بدّ و أن يكون مستندا إلى استصحاب بقاء المال، فكان وجوب الحج عليه وجوبا ظاهريا. فإجزاؤه عن الواقع لا بدّ أن يكون من باب إجزاء المأمور بالأمر الظاهري عن الواقع.

الثاني: واجدية الفعل المأتي به للملاك، إذ لا فرق بينه و بين غيره إلا بعدم تعلق الأمر به لاجل استلزامه العسر، و هو إنما يكون لاجل الامتنان لا لقصور في نفس العمل؛ و إلا فالعمل الحرجي كغيره في كونه واجدا للملاك، فيجزي عن الواقع لحصول فرض المولى به.

الثالث: انه مأمور به بالأمر الواقعي و عدم كون استلزامه للعسر المتأخر مع عدم العلم به من أول الأمر لارتفاع الأمر به. إذ أدلة رفع العسر و الحرج انما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 101

..........

تجري في المورد الذي يكون في اجرائها امتنان على العبد برفع المشقة عنه. و جريانها فيما نحن فيه ينافي الامتنان، إذ ارتفاع

الأمر عن العمل مع الإتيان به لتخيل تعلقه به يستلزم الإتيان به ثانيا، و وقوع العبد في كلفة العمل مرة ثانية لعدم كون ما أتى به واقعا، و هذا ينافي التسهيل بلا اشكال.

فخلاصة هذا الوجه: هو عدم شمول أدلة نفي العسر لمثل المورد، فيكون العمل مأمورا به، إذ لا دليل على ارتفاع الأمر به.

و أما تلف ما به الرجوع إلى الكفاية في وطنه، فالذي يتأتى فيه من الوجوه المذكورة هو الأول لا غير، إذ بعد دخالة الرجوع إلى كفاية في موضوع الحكم يكون دخيلا فى الملاك أيضا، فانعدامه يكشف عن عدم تحقق الملاك فى العمل كما أنه يكشف عن عدم الأمر واقعا لعدم موضوعه.

نعم، هنا وجه آخر و هو ما أشرنا إليه من ظهور أدلة اعتبار الرجوع إلى كفاية في منافاة عدم الرجوع إلى الكفاية الناشئ من الحج لوجوبه، بمعنى ان عدم الرجوع إلى الكفاية إن كان من جهة نفس أداء الحج و لولاه لما كان كذلك، كان ذلك مانعا عن وجوب الحج، أما إذا كان من جهة أخرى غير الحج بحيث تتحقق و لو لم يحج لم يمنع ذلك من وجوب الحج.

و حينئذ نقول: إن تلف ما به الرجوع إلى الكفاية إن لم يستند إلى أداء الحج بحيث كان بسبب تكويني يتحقق سواء ذهب إلى الحج أو لم يذهب، فلا يكون ذلك كاشفا عن عدم الوجوب، لما عرفت من عدم كونه مانعا عنه. و إن استند إلى اداء الحج بحيث لو لم يذهب لم يتحقق التلف، كشف تحققه عن عدم وجوب الحج عليه لعدم تحقق موضوعه.

قوله قدّس سرّه: «و يقرّ به ما ورد».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 102

..........

هذه النصوص

«1» أجنبية عما نحن فيه، لكون محط النظر فيها بيان إجزاء هذا المقدار من الأعمال عن الحج لا غير، من دون نظر إلى بقاء الرجوع إلى كفاية و نحوه. هذا مضافا إلى انتفاء الرجوع إلى الكفاية و مئونة العود إلى وطنه بالنسبة إلى الميت، كما لا يخفى، فلا يقاس عليه ما نحن فيه.

قوله قدّس سرّه: «بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في اثناء الحج».

لا يخفى أن الوجه الأول لا يتأتى في هذا الفرض لانكشاف الخلاف قبل تمامية العمل، فلا حكم ظاهري حينئذ، إذ لا مجال للاستصحاب بعد انكشاف الخلاف. نعم، غيره من الوجوه يجري، كما لا يخفى. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 29]: فلو حصلا بالإباحة اللازمة».

لا يخفى أنه مع عدم اعتبار الملكية في تحقق الاستطاعة لا وجه لاعتبار اللزوم في الإباحة، إذ الوثوق بعدم الرجوع فى الإباحة غير اللازمة يكفي في تحقق الاستطاعة، فالتفت.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 30]: فالظاهر وجوب الحج عليه».

الظاهر من المتن ثبوت الحكم و لو التزم بتوقف الملكية على القبول، و هذا يتنافي مع ما يأتي منه من عدم لزوم القبول عليه فى الهبة، لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. نعم، هذا الحكم متجه على ما بنينا عليه من كون المعتبر مطلق التمكن على الزاد و الراحلة و لو بالواسطة فيلزمه القبول هنا، كما يلزمه القبول فى الهبة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 26: من ابواب وجوب الحج و شرائطه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 103

..........

قوله قدّس سرّه: «فانه ليس له الرد.».

لأنه اعدام للاستطاعة، و هو غير جائز.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 31]: إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السلام».

لا يخفى

أن كلا من المتزاحمين إذا كان مطلقا لم يقيد بالقدرة أو كان منهما مقيدا بالقدرة، فالقاعدة الأولية في باب التزاحم تقضي بتقديم الأهم لو كان و بالتخيير لو لم يكن أهم في البين. و أما إذا كان أحدهما مطلقا و الآخر مقيدا بالقدرة شرعا كان الوجوب المطلق مقدما على الوجوب المقيد لأنه رافع لموضوعه.

و من أجل ذلك يلتزم بتقدم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج لأن الأول مطلق و الآخر مقيد بالاستطاعة و هي ترتفع بوجوب الوفاء بالنذر.

و لكن المحقق النائيني «1» لم يلتزم بتقدم وجوب الوفاء بالنذر، بل التزم بتقدم وجوب الحج لوجوه ثلاثة:

الأول: أن وجوب الوفاء كوجوب الحج مقيد بالقدرة، فيقدم عليه وجوب الحج لأهميته.

الثاني: أن وجوب الوفاء إنما يكون فيما لم يكن النذر موجبا لتحليل الحرام أو تحريم الحلال فى المرحلة السابقة على الوجوب. و النذر هاهنا كذلك، لأنه يستلزم تحليل ترك الواجب و هو الحج و هو حرام، فلا يكون موضوعا لوجوب الوفاء.

الثالث: أن متعلق النذر يشترط أن يكون راجحا في نفسه و زيارة

______________________________

(1)- الكاظمي، الشيخ محمد علي: فوائد الاصول، ج 1: ص 330، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 104

..........

الحسين عليه السّلام غير راجحة لعدم الأمر بها مع وجوب الحج. فوجوب الحج رافع لموضوع وجوب الوفاء بالنذر.

و كل هذه الوجوه مخدوشة:

أما الأول، فلأنه لا دليل على تقيد وجوب الوفاء بالنذر بالقدرة و تحقيقه موكول إلى محله.

و أما الثاني، فلأنه لا دليل على التقييد المذكور، و لو سلّم فزيارة الحسين عليه السّلام ليست حراما لأنها ضد خاص للحج، و هو لا يكون منهيا عنه مع الأمر بضده.

هذا مع أنا ننقل نظير هذا الكلام

في وجوب الحج، فنقول: أن المأخوذ في موضوع وجوب الحج الاستطاعة بحيث يلزم فرض الاستطاعة فى المرحلة السابقة على تعلق الوجوب، و هي غير متحققة لمانعية وجوب الوفاء بالنذر عنها، فكل من الوجوبين يرفع موضوع الآخر.

و أما الثالث، فلرجحان زيارة الحسين عليه السّلام مطلقا، فإنه لا يستشكل أحد في رجحانها لمن ترك الحج لو قلنا بتقديم وجوبه. هذا مع أن عدم الرجحان لو سلم فهو من جهة وجوب الحج، و قد عرفت انه معلّق على الاستطاعة المرتفعة بوجوب الوفاء بالنذر، فيكون كل منهما رافعا لموضوع الآخر، فلاحظ «1».

______________________________

(1)- قد يقرب تقديم الحج على النذر بحكم القاعدة لو قيل بانه لم يؤخذ في موضوع الحج القدرة الشرعية، بل مجرد ملك الزاد و الراحلة مع صحة البدن و تخلية السرب، فلان وجوب الوفاء بالنذر ليس وجوبا ابتدائيا، بل هو الزام بما التزمه الناذر، و بما أنه أخذ في التزام الناذر كونه للّه، فلا يمكن أن يلتزم إلّا بما يقبل الإضافة للّه- و لذا اعتبر الرجحان في متعلق النذر-. و من الواضح أن العمل المستلزم لتفويت الواجب لا يمكن اضافته إليه تعالى، و المفروض أن النذر هاهنا تعلّق بما هو مستلزم لتفويت الواجب، فالقصد إليه ملازم-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 105

..........

و على هذا، فالقاعدة تقضي بتقديم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج، لارتفاع موضوع وجوب الحج بوجوب الوفاء دون العكس. هذا بالنظر إلى القاعدة المقررة في باب التزاحم، إلا أن فى المقام أمرا يوقفنا عن الأخذ بالقاعدة و هو: أنه لو فرض تقديم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج لأجل كونه رافعا لموضوعه لزم لغوية وجوب الحج، إذ كل مكلف يستطيع أن ينذر

أن يصلي ركعتين في مسجد بلده يوم عرفة من كل سنة، فيرتفع وجوب الحج عنه مطلقا، و هذا المعنى لا يتلائم مع أهمية الحج و التأكيد الكبير على الإتيان به حتى بنحو الاستحباب، بل يكون جعل وجوب الحج لغوا لتمكن كل مكلف من التخلص من تعلقه به بواسطة النذر. لأجل ذلك لا محيص عن القول بعدم مشروعية النذر و عدم وجوب الوفاء به.

فما نحن فيه نظير تصحيح المعاملات الربوية ببعض المصححات، كالضميمة و نحوها مما يخرجها عن الربا المنصوص على تحريمه، فإن الالتزام بصحة ذلك يستلزم لغوية تحريم الرباء لعدم الإقدام عليه من عاقل حينئذ و هو ينافي شدة التأكيد على حرمة الربا. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: «يكون من باب المزاحمة».

لا يخفى أن الوجوب المطلق السابق إذا كان تقديمه على وجوب الحج لأجل رفعه موضوع الحج، و نفيه وجوبه بلحاظ أن المنع الشرعي كالعقلي، لم يختلف الحال بين صورة تقدمه على الاستطاعة و صورة تأخره عنها، لأنه إذا حدث

______________________________

- لقصد ترك الواجب للتلازم بين القصدين ثبوتا. و من الواضح أنه لا معنى لاضافة ذلك إليه تعالى، فدليل الوفاء لا ينطبق في هذه الحالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 106

..........

متأخرا يمنع من استمرار الاستطاعة فيكشف عن عدم تحقق الاستطاعة حدوثا، لما تقدم من اعتبار استمرار الاستطاعة الحدوثية، بأن لا يحدث ما يرفعها كتلف المال. فحدوث الوجوب كذلك يكشف عن عدم الاستطاعة حدوثا. فما ذكره فى المتن من صيرورة المورد من موارد المزاحمة لا يخلو عن خدشة بعد التزامه بكون الوجوب السابق رافعا لموضوع وجوب الحج، فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «فيقدم الأهم منهما».

دون الأسبق زمانا، إذ الأسبقية من جهة زمان الوجوب ليست من المرجحات،

كما تقرر في محله حتى عند من يلتزم بالترجيح بالأسبقية، فان نظره إلى ترجيح الأسبق من جهة زمان الواجب لا الوجوب، مع أن الترجيح بذلك ممنوع- كما تقرر في محله- و قد أشرنا إلى وجه الترجيح بها و منعه فيما تقدم.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 32]: النذر المعلق على أمر قسمان».

بعد أن فرّق المصنف قدّس سرّه بين صورة تقدم الوجوب على الاستطاعة و تأخره عنها فلا اشكال يظهر الأثر لقسمي النذر، فان الوجوب على الأول لا يتحقق إلا بعد مجي ء المسافر. بخلافه على الثاني فانه يتحقق قبل ذلك لكنه يتعلق بالعمل على ذلك التقدير كالواجب المعلّق. فلو حصلت الاستطاعة قبل مجي ء المسافر وجب الحج على الأول دون الثاني لمانعية الوجوب الفعلي من انعقاد الاستطاعة بخلاف الأمر على الأول لعدم الوجوب الفعلي.

و أما ما استشكل به المحقق النائيني «1» على التفرقة المذكورة بأن الواجب المعلق على التحقيق ليس إلا قسما واحدا. و ليس ما سمّاه بعضهم بالواجب

______________________________

(1)- النائيني، محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى/ كتاب الحج: المسألة 32، ط مطبعة العرفان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 107

..........

المعلّق إلا قسما من الواجب المشروط لا قسيما له، فلا ثمرة فى التفرقة بين القسمين.

فلا يرجع إلى محصّل، لأن نظر المصنف قدّس سرّه ليس إلا إلى اثبات سابقية الوجوب على حصول المعلق عليه في فرض دون آخر و استفادة الثمرة من ذلك، و إرجاع الواجب المعلق إلى الواجب المشروط لا يضير في ذلك، لأن من يرجع المعلّق إلى المشروط انما يدعي كون الوجوب فيه مشروطا بالمعلق عليه بنحو الشرط المتأخر، و لازم ذلك سبق الوجوب على الشرط، فلا يختلف الحال في هذا النحو من النذر بين

إرجاعه إلى الواجب المشروط بالشرط المتأخر أو جعله من الواجب المعلّق لا المشروط.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 33]: إذا لم يكن له زاد و راحلة، و لكن قيل له حج و عليّ نفقتك».

تعرض المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة إلى صورة بذل المال للحج.

و تحقيق الكلام فيها بنحو يرتفع عنها الإجمال أن يقال: أن الوجوه المحتملة في ما هو المعتبر في باب الاستطاعة ثلاثة:

الأول: أن يكون المعتبر مطلق التمكن العرفي من الزاد و الراحلة، و قد مرّ تقريب هذا الوجه و اختياره سابقا.

الثاني: أن يكون المعتبر هو الاستيلاء الفعلي على الزاد و الراحلة و لعل ذلك يمكن دعوى استفادته من التعبير ب: «أن يكون عنده زاد و راحلة» لظهور عنده في معنى غير الملكية، بل فى السلطنة، كما ذكره الشيخ الأعظم في بعض كلماته فى «المكاسب».

الثالث: أن يكون المعتبر هو الملكية الفعلية للزاد و الراحلة مع الاستيلاء

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 108

..........

الفعلي عليهما، لا مجرد الملكية؛ و لذا لا تتحقق الاستطاعة بملكية مال ممنوع من التصرّف فيه من قبل غاصب أو نحوه.

ثم إن البذل تارة يكون بنحو الإباحة. و اخرى يكون بنحو التمليك.

فإن بنينا على كون المعتبر هو الأولى، كانت صورة البذل بنحويها من مصاديق الاستطاعة، للتمكّن العرفي من الزاد و الراحلة بالبذل سواء كان بنحو الإباحة أو التمليك، فتكون روايات البذل متضمنة لحكم مصداق من مصاديق الاستطاعة.

و إن بنينا على الثاني، كان البذل بنحو التمليك خارجا عن الاستطاعة لعدم الاستيلاء الفعلي بمجرد التمليك، بل هو يتوقف على القبول. بخلاف صورة البذل بنحو الإباحة لأن الاستيلاء على المال يتحقق بمجرد الإباحة، فيكون مصداقا من مصاديق الاستطاعة.

و عليه، فنصوص البذل

إن كانت تتكفل بيان حكم البذل بنحو الإباحة كانت متضمنة لبيان حكم على وفق القاعدة. و إن كانت تتكفل بيان حكم البذل بنحويه كانت متضمنة لبيان حكم على خلاف القاعدة.

و بما أن النظر في بعضها إلى بيان حكم من لم يحج مع البذل من دون نظر أولي إلى البذل و حكمه، كما ورد في بعضها تطبيق عنوان المستطيع على من عرض عليه الحج، فلا ظهور لها في كونها مسوقة لبيان حكم يخالف القاعدة، بل لا إطلاق لها من جهة نفس البذل و حكمه لعدم كونه موضع النظر فى البيان، بل التطبيق المذكور يمكن أن يكون قرينة على التقييد بغير صورة التمليك لو فرض ثبوت الإطلاق، لظهور التطبيق في كونه تطبيقا حقيقيا لا تعبديا و ملائمة ذلك مع بعض أفراد البذل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 109

..........

لأجل ذلك يتعين الاقتصار على صورة البذل بنحو الإباحة، لأنه القدر المتيقن، فلا يسري الحكم إلى البذل بنحو التمليك.

و إن بنينا على الثالث، فالبذل بكلا صورتيه خارج عن الاستطاعة المعتبرة، لعدم الملكية الفعلية بالبذل، فالنص المتكفل لحكمه يتكفل حكما على خلاف القاعدة. و لا محيص حينئذ عن الالتزام بكون تطبيق الاستطاعة الوارد في بعض نصوص البذل تطبيقا تعبديا لا حقيقيا.

و عليه، فيتجه الحكم بلزوم الحج في صورتي البذل لظهور: «عرض عليه الحج» فى الأعم «1» منهما دون خصوص صورة الإباحة مع عدم الصارف. و على هذا، لو ملّكه المال لأجل الحج وجب عليه القبول.

و الذي يظهر من المصنف قدّس سرّه هو البناء على الوجه الثالث لاختياره عموم الحكم لصورتي الإباحة و التمليك، مع عدم التزامه بالوجه الأول قطعا، لأنه لا يلتزم بلوازمه- كما لا يخفى على

من لاحظ فتاواه في مسائل الاستطاعة التي بأيدينا- و لكنه صرّح ان ثبوت الحكم لأجل صدق الاستطاعة و هو خلف التزامه بأن معنى الاستطاعة ما عرفت. و لا نعرف له توجيها لانحصار وجوه الاستطاعة بما ذكرنا.

قوله قدّس سرّه: «و لا بين كون الباذل موثوقا به أو لا».

قد يستشكل في صحة الحكم في صورة عدم الوثوق بعدم الرجوع، لأن نصوص البذل و إن كانت مطلقة من هذه الجهة، إلا أن ظهورها في كون الموضوع

______________________________

(1)- الوجه فيه هو ترك الاستفصال من السائل الدال على إرادة العموم بعد تردد المفهوم بين فردين و لا متيقن منهما بحسب الإرادة و لا الدلالة، لا الإطلاق لانتفائه كما عرفت. ذكر ذلك سيدنا الاستاذ- دام ظلّه-.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 110

..........

هو عرض الحج المستمر مما لا يخفى، فمع الشك فى الاستمرار يشك في حصول موضوع الحكم.

و التحقيق أن يقال: إنه إن بنينا على أن ثبوت الحكم في صورة إباحة النفقة على مقتضى القاعدة، كما هو مقتضى الوجه الأول و الثاني، فلا بد من التفصيل بين صورة الإباحة التدريجية، كأن يدعوه للحج معه و يبذل له النفقة تدريجا بتدريجية السفر و العمل. و صورة الإباحة الدفعية بأن يدفع له مبلغا من المال يكفيه للحج و يبيح له التصرف فيه.

ففى الثاني يجب الحج، لأنه مستول فعلا على مقدار الزاد و الراحلة و يشك في بقاء الاستيلاء عليه لشكه في رجوع الباذل فيستصحبه، فيثبت الموضوع تعبدا.

و فى الاوّل لا يجب الحج، لعدم تأتي الاستصحاب لعدم الاستيلاء الفعلي على المال كي يستصحب بقاءه لأن إباحة المال تدريجية، كما هو الفرض.

و أما لو بنينا على أن ثبوت الحكم على خلاف القاعدة،

فحيث انه لا اطلاق للنص من جهة الوثوق بعدم الرجوع عن الإباحة و عدمه لان النظر فيه إلى جهة أخرى، و القدر المتيقن منه صورة الوثوق، فصورة عدم الوثوق لا دليل على ثبوت الحكم فيها لإجمال النص الموجود فى المقام، فهي خارجة من أول الأمر عن الحكم فلا مجال حينئذ للأصل و نحوه. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا».

هذا يتم لو كان ثبوت الحكم في صورة البذل بمقتضى القاعدة، لصدق الاستطاعة ببذل بقية النفقة. أما لو كان ثبوته بالنص على خلاف القاعدة، فيشكل الحكم المذكور لعدم صيرورته مستطيعا ببذل البقية، و عدم كونه ممن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 111

..........

عرض عليه الحج لظهوره فيمن عرض عليه تمام نفقة الحج لا بعضها.

و من هنا يظهر الحكم فيما لو بذل له نفقة الذهاب دون الاياب، بظهور عرض الحج في العرض المتعارف و هو عرض نفقة الذهاب و الإياب دون نفقة خصوص الذهاب. و لعل تقييد عدم وجوب القبول بما إذا لم يكن لديه نفقة العود، كما في المتن- فلعله- لأجل صدق العرض عليه بمجرد بذل نفقة الذهاب، كما يصدق ببذل ببعض النفقة، فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لو لم يبذل نفقة عياله».

لأن ملكية ما يخلفه على عياله معتبرة في وجوب الحج فمع عدمها لا يجب و إن تحققت الاستطاعة.

قوله قدّس سرّه: «أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج».

هذا لا يمنع من عدم الوجوب لما عرفت من اعتبار ذلك بعنوانه في موضوع وجوب الحج، فمع عدمه لا يجب الحج لعدم تحقق تمام موضوعه.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 34]: وجهان».

الأقوى هو المنع، لأنه يجب

عليه العمل لتحصيل ما يفى به دينه و لا يجوز له التواني عن ذلك، فهو غير متمكن من المسير و إن تمكن من الزاد و الراحلة بالبذل.

و وجه عدم المنع: أن ثبوت وجوب الحج عند البذل بالتعبد لا على وفق القاعدة، فلا يشترط فيه سائر شروط الحج.

و يندفع: بأن غاية ما ثبت هو تنزيل البذل منزلة الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة دون سائر الجهات، فهي تبقى معتبرة فى الحج و عدمها رافع لوجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 112

..........

الحج لعدم موضوعه. فلاحظ.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 35]: لا يشترط الرجوع إلى كفاية فى الاستطاعة البذلية».

لأن اشتراطها انما يكون في الفرض الذي يكون الحج سببا لعدم الكفاية و الأمر فى الاستطاعة البذلية ليس كذلك، كما لا يخفى.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 36]: وجب عليه القبول».

لما تقدم من نصوص البذل، لصدق عرض الحج عليه.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لو وهبه و خيّره بين أن يحج به، أو لا».

الظاهر إرادة التخيير في صرف المال في الحج أو في شي ء معيّن آخر، كالزيارة مثلا، بحيث يكون الحج واجبا تخييريا ليصدق عرض الحج عليه. و العبارة لا تؤدي ذلك لكون الظاهر منها إرادة التخيير بين صرف المال فى الحج و عدم صرفه و هذا يرجع إلى الإطلاق و عدم الإلزام بالحج و لو تخييرا و حكمه عدم وجوب القبول لا وجوبه.

قوله قدّس سرّه: «فالظاهر عدم وجوب القبول».

لعدم صدق الاستطاعة بهذه الهبة، كما لا ينطبق عليه عنوان من عرض عليه الحج. فلاحظ. و هذا يبتني على كون الحكم في صورة البذل على خلاف القاعدة.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 37]: لو وقف شخص لمن يحج أو

أوصى ...».

هذا الفرع يتصور على نحوين:

الأول: أن يكون الوقف للحج بمعنى يصرف النماء في اداء فريضة الحج، فللولي بذله لمن يشاء، فإذا بذله وجب الحج على المبذول له لأنه من مصاديق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 113

..........

عرض الحج عليه.

الثاني: أن يكون الوقف لمن يريد الحج و يقصده، فالمكلف إذا لم يقصد الحج كان خارجا عن موضوع الوقف و لم يكن من مصاديق الموقوف عليه و له ذلك، إذ لا يلزمه أن يصيّر نفسه من أفراد موضوع الوقف و معه لا يجوز للولي بذل المال له، لأنه غير مورد الوقف.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لو أوصى له بما يكفيه الحج بشرط أن يحج».

لا يخفى أنه ليس المقصود من الشرط الضمني كونه التزاما ظرفه العقد، إذ قد يكون أداؤه بلفظ خارج عن إنشاء العقد، كان يقول: «بعتك هذا الكتاب و اشترطت عليك أن تطالعه كل يوم». فإن جملة «بعتك هذا الكتاب» هي إنشاء العقد و هي غير جملة «اشترطت ...». كما انه لا يرجع إلى تقييد الموضوع فى العقد، بحيث يكون موضوع المعاملة فى المثال السابق هو الشخص المطلع كل يوم، فإنه مما لا يلتزم به شرعا و لا عرفا لعدم بطلان العقد بتخلف الشرط مع استلزام ذلك للبطلان.

إذن، فما هو ارتباط الشرط بالعقد؟ الظاهر كون ارتباطه برجوع الاشتراط إلى بيان ان له حق الخيار في فسخ العقد عند تخلف الشرط، فهو من باب اشتراط حق الخيار على هذا التقدير.

و لا يخفى- أيضا- أن الوصية انما تنفذ فيما كان الموصى به أمر يرتبط بباب سلطنة الموصي على ماله فيجعل الوصي كالوكيل في التصرفات. أما إذا كان الموصى به أمر على الوصي و

من اعماله الخاصة، كأن يوصيه بأن يصوم عنه أو يصلي عنه، فلا تنفذ هذه الوصية.

و على هذا، فشرط الحج على الموصى له بما يكفيه للحج:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 114

..........

تارة: يكون المقصود منه ما هو خلاف ظاهر العبارة من تقييد موضوع الموصى له، فيجب عليه الحج، لانه يصدق عليه انه ممن عرض عليه الحج.

و اخرى: يكون المقصود منه ما هو ظاهرها من إرادة الاشتراط الضمني خارجا عن أصل التمليك، فهو لا وجه له من جهتين:

الأولى: أنه عمل يقوم به نفس الشخص و عليه خاصة، فلا تنفذ في حقه الوصية و لا يلزمه القبول.

الثانية: انه لا معنى لاشتراط الخيار على تقدير تخلف هذا الشرط لموت الموصي في ذلك الفرض إلا أن يدعى ثبوت ذلك الحق لورثته.

هذا من جهة نفوذ نفس الوصية و صحة الشرط، أما جهة وجوب الحج عليه بذلك من باب عرض الحج عليه، فالحق أنه لا يجب عليه، إذ لا يصدق عليه أنه ممن عرض عليه الحج، لأن تمليك المال أو بذله كان بقول مطلق بدون تقييد له بصرفه فى الحج لأنه هو المفروض. و الاشتراط قد عرفت أنه غير ملزم بالوفاء به و هو لا يصحح صدق عرض الحج عليه، فتدبر.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 38]: لو أعطاه ما يكفيه الحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به».

لا بدّ أولا من الكلام في صحة جواز اعطاء الخمس و الزكاة غير سهم سبيل اللّه للصرف فى الحج، فإنه لا دليل على جوازه.

و القدر المتيقن جواز اعطائه الفقير لصرفه في شئون معاشه لا السفر به إلى الحج. و على تقدير الجواز يوجب هذا الشرط الحج من باب عرض

الحج عليه أو لا؟

و لا يخفى أنه لا أثر لهذا الشرط، لأن المال يصير ملك الفقير بالقبض فلا حق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 115

..........

للمالك فى الرجوع فيه. و لكن يجب على الفقير الحج، لصدق عرض الحج عليه باشتراط و إن كان لغوا، إذ تمليكه المال و تطبيق العنوان الكلي عليه كان بشرط الحج فيكون ممن عرض عليه الحج عرفا.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 39]: الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام».

الكلام في ذلك تارة بملاحظة القواعد الأولية. و اخرى بملاحظة خصوص النصوص الواردة في هذا الفرع.

أما الكلام بملاحظة القواعد الأولية، فتحقيقه: أن وجوب الحج بالبذل ان كان على طبق القاعدة و من باب صدق الاستطاعة، فلا إشكال بالإجزاء كسائر افراد المستطيع، لأدائه حج الاسلام و دلالة النصوص على وجوبه مرة واحدة، كما تقدم في أوائل الكتاب.

فإن كان وجوبه بالبذل من باب التعبد لا القاعدة، فيشكل الإجزاء، لان دليل وجوب الحج بالبذل و ان كان على هذا الرأي يتكفل اعتبار المبذول له من افراد المستطيع، إلا ان غاية ما ثبت نظر الدليل إليه هو اثبات حكم وجوب الحج عليه و ان المبذول له كالمستطيع في هذا الأثر. أما نفي وجوب الحج عليه لو استطاع فلا ينظر إليه دليل التنزيل.

و توضيح ذلك: أن دليل التنزيل ناظر الى التوسعة في موضوع الحكم الثابت بالآية الشريفة و هو وجوب الحج على المستطيع، فيثبت للمبذول له بواسطة تنزيله منزلة المستطيع. و ليس الوجوب مرة واحدة مفاد الآية كي يثبت أيضا بدليل التنزيل، و إنما ثبت بدليل آخر حاكم على الآية الشريفة لبيانه المراد منها. و لم يثبت نظر ذلك الدليل الحاكم الى مفاد دليل تنزيل

المبذول له منزلة المستطيع بل المتيقن منه هو النظر الى حكم المستطيع الواقعي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 116

..........

و بالجملة، لدينا دليلان حاكمان على الآية أحدهما دليل البذل و الآخر دليل تحديد الواجب بالمرة الواحدة و لا ظهور لأحدهما في نظره إلى الآخر، فلا يثبت الاكتفاء بالحج في صورة البذل بحسب الدليل الآخر المحدد للواجب بالمرة.

و أما الكلام بملاحظة النصوص الخاصة فتحقيقه: ان هناك روايتين تدلان بظاهرهما على لزوم الحج عند الاستطاعة المالية و هما:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ... «1»».

و رواية الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل لم يكن له مال، فحج به اناس من أصحابه أقضي حجة الاسلام؟ قال: نعم، فان أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج قلت: هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة اذا لم يكن حج من ماله؟ قال: نعم، قضي عنه حجة الاسلام و تكون تامة و ليست بناقصة و ان أيسر فليحج «2»».

و قد حملت هاتان الروايتان على الاستحباب جمعا بينها و بين ما دل على الاجزاء، كرواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يكن له مال فحج به رجل من اخوانه أ يجزيه ذلك عنه عن حجة الاسلام أم هي ناقصة؟

قال: «بل هي حجة تامة «3»».

و لكن الانصاف ان هذا الحمل غير وجيه لإباء لفظ «عليه» معنى الاستصحاب و لو بنحو الظهور الثانوي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب وجوب الحج، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 10:

من ابواب وجوب الحج، ح 6.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 117

..........

و في قبال هذا الحمل حمل آخر مقتضاه عدم الإجزاء و ذلك ببيان: أن ما دل على الإجزاء انما يدل عليه في مدة محدودة و لغاية معينة و هي حصول المال و اليسر. نظير ما ورد: «من ان الصبى اذا حج فقد قضى حجة الاسلام حتى يبلغ و المملوك اذا حج فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق «1»».

فالنص الدال على لزوم الحج بعد اليسر مقيد لاطلاق النص الدال على الإجزاء.

و هذا الجمع موهون أيضا، فإن الظاهر كون المسئول عنه في صورة البذل هو الاجزاء عن الحج الواجب الذي علي المكلفين، إذ حجة الاسلام بعنوان الندب لا اشكال في مشروعيتها للمبذول له مطلقا و إن حج، فهي لا ترتفع بالحج البذلي. مضافا إلى عدم كون ذلك منظورا فى السؤال.

و لا يقاس ذلك بمسألة حج الصبي أو المملوك، إذ لعل النظر في تلك النصوص إلى كون الصبي و المملوك قضيا حج الاسلام الندبي، فلا يشرع لهما حينئذ. و هذا لا يثبت فيما نحن فيه، لان مشروعية الحج الندبي لمن حج بالبذل لا اشكال فيها.

إذن، فالسؤال عن الاجزاء و تمامية الحج بعنوان كونه واجبا فلا وجه لتحديد قضاء الواجب و تماميته بوقت خاص لكون الواجب واحدا لا يتعدد.

فالصحيح أن نقول: ان إحدى الروايتين و هي رواية أبي بصير غير سليمة السند. أما رواية الفضل فهي معارضة بما دل على الاجزاء و هو رواية معاوية بن عمار المتقدمة كما انها معارضة- بناء على أن وجوب الحج على المبذول له على القاعدة و من باب صدق الاستطاعة- بما دل على ان الحج

لا يجب غير مرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب وجوب الحج و شرائط، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 118

..........

واحدة في العمر، فتنتهي النوبة الى التخيير لعدم المرجح أو عدم الالتزام بالترجيح، فيمكن اختيار دليل الاجزاء دون غيره. فالاجزاء هو الأقوى فتدبر.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 40]: يجوز للباذل الرجوع عن بذله ...».

لمقتضى سلطنته على المال و عدم تأتي الوجوه المانعة عن الرجوع في هذه الصورة و سيأتي ذكرها، و سيأتي بعض الكلام فيه في المسألة الآتية.

قوله قدّس سرّه: «و في جواز رجوعه عنه بعده وجهان».

وجه الجواز قاعدة السلطنة المقتضية لجواز الرجوع عن البذل كسائر أنواع الإباحة.

أما وجه عدم الجواز، فهو تارة بلحاظ الحكم التكليفي و اخرى بلحاظ الأثر الوضعي.

أما وجه الحرمة التكليفية، فهو أن الرجوع بعد الاحرام يستلزم وقوع المبذول له في الضرر المالي، فيحرم ذلك لحرمة الاضرار بالغير.

و أما وجه الحرمة الوضعية، فهي قاعدة الضرر بناء على رفعها الحكم المستتبع للضرر، لا نعني أن حق الرجوع يستلزم الضرر فهو مرتفع بالقاعدة، فأن حق الرجوع ليس حكما وضعيا مجعولا في نفسه و انما هو من توابع سلطنة الشخص على ماله و انما نعني ان حرمة التصرف في المال من قبل المبذول له بعد الرجوع مستلزمة للضرر، فهي مرفوعة بقاعدة الضرر.

و دعوى: معارضة هذا الضرر بضرر الغير فان في تصرف المبذول له في المال ضررا على الباذل فيتعارض الضرران.

تندفع: بان هذا الضرر عليه لا تشمله أدلة نفي الضرر كي يلزم التعارض

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 119

..........

لأنه من قبله، فهو نظير ما لو وجه شخص نارا فوصلت الى متاع شخص فمنعها

من الوصول فاستلزم ذلك وصولها الى متاع ذلك الشخص الموجّه فأتلفته فانه لا يكون هذا الضرر مشمولا للقاعدة لانه من قبله و لا منافاة في شمول القاعدة لأحدهما للامتنان كما لا يخفى. كما أنّه مع الغض عن ذلك يمكن إثبات ضمان الباذل لما يصرف المبذول له بعد الرجوع بوجهين:

أحدهما: قاعدة الغرور المتكفلة لرجوع المغرور على من غرّه. فان بذل الباذل مع وثوق المبذول له بقوله و رجوعه بعد ذلك يعد تغريرا للمبذول له فيعود عليه بخسارته.

الثاني: قاعدة الإتلاف. و توضيح انطباقها على ما نحن فيه أنّ قاعدة الإتلاف تتكفل تضمين من يتلف مال غيره و يضيّعه و مصداقها الواضح الذي لا يحتاج الى كلام هو صورة المباشرة للإتلاف.

و يلحق بهذه الصورة التسبيب للاتلاف بنحو يكون تأثير السبب أقوى من المباشرة- كما في صورة الإكراه إذ إرادة المكره كلا إرادة في نظر العرف- فيكون المكرّة في نظرهم كالآلة التكوينية التي يتحقق بها الإتلاف، فيصدق على المسبب بأنه أتلف مال غيره. و هذا من الأمور المسلمة لدى الفقهاء و العرف.

و يلحق بهذه الصورة ما إذا كان عمل الشخص مستلزما لفعلية الحكم الشرعي الالزامي على الغير الذي لا مفرّ منه الموجب لصرف المال، فإنه يعدّ من مصاديق إتلاف مال الغير، و نظيره في التكوينيات أن يؤجج شخص نارا و يذهب فيأتي آخر فيوجّه النار الى مال الغير فتحرقها، فإنّه لا فرق بين هذه الصورة بين صورة ما إذا أجّج هو بنفسه نارا و أحرق بها المال الغير.

و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الحكم الشرعي بلزوم الحج على المبذول له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 120

..........

و لزوم المضي في الإحرام بعد تحققه

مجعول من قبل الشارع في نفسه، فإذا بذل الباذل المال للغير لأجل الحج فقد صار الحكم فعليا قهرا، فإذا أمره كان لزوم المضي في الاحرام ثابتا في حقه و لا اختيار في رفعه. و المفروض أن امتثال هذا الحكم يستلزم صرف المال، فيكون صرف المال مستندا الى بذل الباذل لكون إرادة الممتثل كإرادة المكره ضعيفة و عدم كون الفعلية اختيارية للشارع لأنها لا ترتبط به بل هي ترتبط بتحقق الموضوع لأن الشارع يجعل الحكم على تقدير وجود الموضوع، فإذا وجد الموضوع ثبت الحكم قهرا و كان فعليا و ليس صرف المال بإزاء منفعة عقلائية تعود على المبذول له و يحتاجها الصارف في نفسه فإنه كان في غنى عنها و لا حاجة له فيها لو لا البذل.

و بالجملة: فالبذل و الرجوع يعدّ إتلافا للمال و إن كان بإرادة المالك لكنها إرادة ضعيفة كإرادة المكره، فتشمله قاعدة الإتلاف.

و لا يخفى أن هذا الوجه كما يجري في صورة الوثوق بعدم الرجوع يجري في صورة عدم الوثوق و إجراء الاستصحاب الموجب لفعلية الحكم، فإنه بالبذل أوجب صيرورته موضوعا للاستصحاب فيثبت في حقّه الحكم الاستصحابي فعلا، كما في صورة العلم بلا إختلاف.

نعم، تفترق صورة الوثوق بعدم الرجوع و صورة عدمه في الوجه الأول، فإن قاعدة الغرور تجري في صورة الوثوق من كلامه. و لا تجري في صورة الشك و عدم الوثوق، إذ مع الشك لا يعدّ البذل تقريرا للالتفات الى امكان الرجوع كما لو صرّح له بأني من الجائز أن أرجع عن بذلي. أما قاعدة الضرر فهي تجري في الصورتين أيضا لصدق الاضرار على الرجوع في كلتيهما. و من ذلك يظهر أنه لا يجوز له الرجوع و أن اللازم الالتزام

بهذا الرأي دون جوازه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 121

..........

قوله قدّس سرّه: «فالظاهر جريان حكم الهبة».

لعدم الفرق بين هذه الهبة و غيرها.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 41]: إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا، وجهان».

المقصود بهذه الصورة ما إذا رجع الباذل في اثناء الطريق قبل الإحرام لجواز الرجوع كما عرفت أو بعده لو التزم بترتّب الأثر على رجوعه و إن كان حراما، فهل تجب عليه نفقة العود أو لا؟. الظاهر وجوبها لقاعدة الغرور و انطباقها واضح، و قاعدة الإتلاف في فرض ضرورة رجوعه و لو عرفا، لأنّه سبب لصرف المال برجوعه فيكون ضامنا.

و بالجملة، الكلام في ضمان هنا عين الكلام فيه في صورة الرجوع أثناء الاحرام.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 42]: إذا بذل لأحد اثنين او ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية».

توقف في ذلك المحقق النائيني «1» بدعوى أن المبذول له طبيعة المكلف و لا يصدق على كل واحد منهم أنه ممن عرض عليها الحج، كما لا تصدق الاستطاعة بالنسبة الى كل واحد. و من الواضح أن موضوع الحكم استطاعة نفس الشخص و عرض الحج عليه نفسه لا استطاعة طبيعي المكلف المردد بين الثلاثة.

و تندفع هذه الدعوى: أن قياس الفرض بالوجوب الكفائي قياس مع الفارق، فإن الالتزام بتعلق الوجوب الكفائي بطبيعة المكلّف لا بكل فرد لأجل

______________________________

(1)- النائيني، محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى/ كتاب الحج: المسألة 42، ط مطبعة العرفان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 122

..........

منافاة، التعلق بكل فرد للوجوب و آثاره كما هو موضح في محله، و ليس الأمر كذلك في البذل، فإن إباحة المال لأحد اثنين تكون إباحة فعلية لكل

منهما في عرض واحد، إذ لا محذور في ذلك فيقول المالك كل من يريد منكما التصرف في هذا المال فهو مجاز من قبلي، إلّا أن تصرف أحدهما يمنع من تحقق تصرف الآخر لكون المال لا يقبل الصرف في حجتين.

و عليه، فتصدق الاستطاعة على كل منهما كما يصدق عرض الحج على كل منهما، فإذا تصرف أحدهما انتفت استطاعة الآخر و انتفى موضوع العرض و هو المال، فيرتفع الوجوب. فالحكم بالوجوب الكفائي متعين.

قوله قدّس سرّه: «فإن تيمم الجميع يبطل».

يعني لو لم يسبق احد منهم إلى الماء فيتوضأ به لصدق واجدية الماء بالنسبة الى كل منهم لقدرته على تحصيله. فيرتفع موضوع التيمم و هو عدم القدرة على الماء.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 43]: الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل».

لا يخفى أنه بناء على وجوب الهدي بنحو التخيير بينه و بين الصوم لا وجوب على الباذل في دفع ثمن الهدي لتمكن المبذول له من تفاديه بالصوم، و هكذا لو كان وجوب الصوم مترتبا على عدم وجود ثمن الهدي و لم يكن لدى المبذول له مال أصلا، فإنه يمكنه الصوم و عدم الخسارة.

أمّا لو كان لديه مال بحيث لو لم يبذل الباذل الثمن تعين عليه شراء الهدي من ماله، فيجب على الباذل بذل الثمن للبيان السابق في مصرف الحج و نفقة العود، لأن ثمن البذل من مصارف الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 123

..........

و لأجل ذلك لم يظهر الوجه في جزم المصنف بالحكم هاهنا و تردّده فيه هناك، فانتبه.

قوله قدّس سرّه: «فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه».

الأقوى التفصيل بين ما إذا كان الإتيان بالموجب من اللوازم العادية للسفر و الإتيان بالحج، فتكون على الباذل، لأنه مسبّب

فيكون ضامنا. و ما إذا كان الإتيان به ليس كذلك فتكون على المبذول له لعدم الوجه في وجوبها على الباذل، كما لا يخفى. فهو نظير ما لو أتلف المبذول له مال الغير اختيارا فإن ضمانه عليه لا على الباذل.

و هكذا الحكم فى الاتيان بموجب الكفارة لا عن عمد و اختيار، فإنه تكون الكفارة على الباذل لو كان الاتيان به من اللوازم العادية للحج. و لا تكون عليه لو لم يكن الإتيان به كذلك، إذ لا موجب لذلك، كما هو واضح. فهو نظير ما لو أتلف مال الغير بغير اختيار في حال النوم فإن الضمان عليه لا على الباذل، و هو واضح. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره».

اما مع وجود الفرق فلا تجب الكفارة، فلا محل للبحث المذكور.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 44]: إنّما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته».

لأنّ محط النظر في السؤال في صورة البذل عن وجوب الحج الذي يجب على المكلف لو كان مستطيعا لا عن أصل وجوب الحج.

و بتعبير آخر: دليل البذل ينزّل البذل منزلة الاستطاعة و ينظر الى اثبات وجوب الحج من جهة شرطية الاستطاعة بلا نظر الى سائر شرائط الوجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 124

..........

المعتبرة، فهي على اعتبارها في حق المبذول له.

هذا، بناء على أن دليل البذل من باب القصد. أمّا بناء على كون دليله من باب القاعدة، فالأمر واضح جدّا. و لا يخفى أن العبارة لا تخلو عن قصور لظهورها في نفي توهّم تخيير المكلف المبذول له بين انواع الحج و تعيين وظيفته الأصلية عليه، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر. فكان الأولى أن يقال:

البذل الموجب

للحج هو بذل للحج الذي يكون وظيفة المبذول له على تقدير الاستطاعة دون غيره و نحو ذلك ممّا يؤدي هذا المعنى. فأنتبه.

قوله قدّس سرّه: «لم يجب عليه ثانيا».

لسقوط وجوب الحج عنه بعد إتيانه مرة واحدة فهو لا يزيد على ما لو استطاع مرة ثانية.

قوله قدّس سرّه: «و صار معسرا وجب عليه».

بلا اشكال لعدم اعتبار القدرة في موضوع حكمه شرعا بل عقلا و قد حصلت بالبذل.

قوله قدّس سرّه: «و لو كان عليه حجة النذر أو نحوه و لم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه».

المقصود بهذه العبارة وجوب حج الاسلام مع بذل الباذل له مع اشتغال ذمته بحجة النذر أو نحوه.

و عليه، فتحقيق الكلام في ذلك: أنّ المنذور:

تارة: يكون مطلق الحج بحيث يمكن تداخله مع حج الإسلام، فلا إشكال في المسألة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 125

..........

و اخرى: يكون مقيدا بحج آخر غير حج الإسلام، كالحج الندبي، بحيث يمتنع التداخل بينهما، و هو محل الكلام.

و حينئذ، فالمقصود من عدم التمكن إمّا أن يكون عدم التمكن عرفا أو عدم التمكن عقلا، فإذا كان المراد عدم التمكن عرفا فلو بذل له باذل لحج الاسلام أو لمطلق الحج صار مستطيعا فوجبت عليه حجة الاسلام، و بوجوبها يرتفع وجوب حجة النذر لاعتبار مشروعية متعلقه في ظرفه و مع وجوب حج الاسلام لا يشرع الحج الندبي كما لا يخفى، و لا يكون وجوب حجة النذر رافعا لموضوع وجوب حج الاسلام إذ لا نظر له إلى الاستطاعة و المال المبذول، لفرض تمامية موضوعه في نفسه و هو التمكن العقلي. و عليه، فيتعين في هذه الصورة تقديم حج الاسلام لارتفاع موضوع وجوب حج النذر بوجوبه.

و إن اريد من عدم التمكن

عدم التمكن العقلي فإمّا ان يكون وجوب حج النذر مضيّقا في هذا العام أو موسعا.

فإن كان مضيّقا، فإن كان البذل بعنوان حجة الإسلام كان مقدما لا محالة لانتفاء وجوب حج النذر لعدم القدرة عليه عقلا، و إن كان بعنوان الحج مطلقا وقع التزاحم بين الوجوبين، فإن وجوب الوفاء بالنذر يستدعي صرف المال في متعلقه لعدم القدرة عليه بدونه، فيرتفع موضوع وجوب حج الإسلام و هو الاستطاعة، كما أن وجوب حج الإسلام ينفي مشروعية الحج الندبي في هذا العام فيرتفع موضوع وجوب الحج النذري، فلا بدّ من إجراء قواعد التزاحم بينهما.

و إن كان الحج النذري موسعا، و لا إشكال في تقديم وجوب حج الإسلام، لأنه مضيق لفوريته و الواجب المضيق مقدّم على الموسع في صورة التزاحم.

و على ما ذكرناه يتّجه التعليل لوجوب حج الإسلام بشمول التعليل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 126

..........

بالاستطاعة الوارد في الأخبار و صدق الاستطاعة عرفا. فلا وجه لما جاء في «المستمسك «1»» من انكار ذلك على المصنف، فإنه يبتني على حمل كلامه على إرادة البذل للحج النذري، و هو غير وجيه.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 45]: إذا قال له بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحجّ به أو تزور الحسين عليه السّلام وجب عليه الحج».

توقف في ذلك المحقق النائيني رحمه اللّه «2» ببيان: أن التخيير يرجع إلى بذل أحدهما بهذا العنوان، و هو لا يوجب صدق عرض الحج بل هو عرض للطبيعي المنتزع و هو غير موضوع للحكم بوجوب الحج.

و فيه: أنه لا وجه لقياس المقام بباب الوجوب التخييري، فإن الالتزام بتعلق الوجوب بعنوان أحدهما في باب الوجوب التخييري لاجل خصوصية في نفس الوجوب لا مطلق

موارد التخيير. و من الواضح عدم امتناع تعلق الإباحة بكل من الموضوعين- أعني الحج و الزيارة- فالمال مباح صرفه فعلا في الحج كما أنه مباح صرفه فعلا فى الزيارة و لا محذور فيه، و عليه فعرض الحج متحقق في هذه الصورة، فيجب لتحقق موضوعه.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 46]: سقط الوجوب».

لانتفاء الاستطاعة و عدم استمرار العرض- و هو معتبر- لانتفاء موضوعه و هو المال. فلا يجب الحج حينئذ لعدم موضوعه.

______________________________

(1)- الحكيم، الفقيه السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 10: ص 148، الطبعة الاولى.

(2)- النائيني، المحقق الشيخ محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى/ كتاب الحج: المسألة 45، ط مطبعة العرفان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 127

..........

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 47]: لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي».

لا بدّ أن يكون المقصود بالفرض صورة ما إذا كان يجوز له الرجوع و يترتب عليه أثره، و إلا فلا معنى للكلام في هذا الفرض؛ كما لا يخفى.

و تحقيق الكلام فيه: أنه إن كان وجوب الحج بالبذل من باب صدق الاستطاعة و على مقتضى القاعدة صحّ حجه و أجزأ عن حجة الاسلام، لكونه حجّ عن استطاعة لبذل بعض النفقة له و تمكنه من البعض الآخر.

أما إذا كان وجوب الحج بالبذل ليس من باب صدق الاستطاعة حقيقة، بل تعبّدا و تنزيلا. فبالرجوع عن البذل ترتفع الاستطاعة التعبدية، و يكون من مصاديق من استطاع بعد الإحرام. و حينئذ:

فإن قلنا بأن الإحرام شرط للحج صح حجه لما تقدم فى المسألة الخامسة.

و إن قلنا بأنه جزء للحج لم يصح حجّه لأن إحرامه كان في ظرف عدم وجوبه واقعا لعدم استطاعته و عدم

استمرار العرض و هو معتبر.

و قد تقدم توضيح ذلك في التعليق على المسألة الخامسة، فراجع.

و قد توجّه صحة الحج: بأنه قد تقدم من المصنف أن بذل بعض النفقة مع تمكنه من البعض الآخر موجب للحج مع أن مبناه على كون الوجوب بالبذل على خلاف القاعدة، و هذا المورد من هذا القبيل.

و يندفع: بوجود الفرق بين الموردين فإن الشخص إذا كان واجدا فعلا لبعض النفقة، فبذل البعض الآخر يكون تهيئة للجزء الأخير للحج، فيصدق عرض الحج عليه، بخلاف ما إذا لم يكن واجدا فعلا، فإن بذل البعض لا يعدّ عرضا للحج و إن تجدد ملكية البعض الآخر. نعم، يمكن أن يدّعى ذلك في صورة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 128

..........

العلم بتجدد ملكية البعض في اثناء العمل. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 48]: لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا».

لصدق الاستطاعة ببذل متعدد، كما يصدق عرض الحج عليه مع تعدد الباذل فيكون مشمولا لأدلة وجوب الحج بالعرض كما لا يخفى. و يدل عليه- أيضا- النص الخاص «1»، فراجع.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 49]: وجب عليه الإتمام في الصورة الّتي لا يجوز».

لنفس الملاك السابق من قاعدة الغرور و قاعدة الضمان.

هذا إذا كان التعيين من باب الخطأ في التطبيق بأن قصد بدلا جميع النفقة لكنه كان يعتقد كفاية هذا المقدار.

أمّا إذا كان التعيين من باب التقييد بأن قصد بذل هذا المقدار على تقدير كفايته، فهو غير ملزم بالإتمام لعدم الموجب له إذ لا يصدق التغرير، كما لا يكون سببا في إتلاف المال بنحو يصدق عليه أنّه متلف فيضمن.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 50]: إذا قال: اقترض و حجّ و عليّ دينك

ففي وجوب ذلك عليه نظر».

بل منع لعدم صدق الاستطاعة، كما لا يصدق عرض الحج، إذ المفروض أنه يحج من مال نفسه و إنما القائل تعهد له بوفاء الدين. و ظاهر العرض بذل المال له بحيث يكون الحج بالمال المبذول لا بماله نفسه.

نعم، لو التزمنا بأن الموضوع لوجوب الحج هو التمكن العرفي على الزاد و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من ابواب وجوب الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 129

..........

الراحلة تعيّن الحج عليه فى الفرض لتمكنه عرفا بلا اشكال.

قوله قدّس سرّه: «نعم، لو قال: اقترض لي و حجّ به وجب».

قد يتوقف بأن العرض تقديري لا فعلي لأنه على تقدير الاقتراض و الاستطاعة البذلية غير متحققة فعلا فلا يثبته الوجوب حينئذ، لصدق عرض الحج عليه لكونه الإحجاج من ماله. و توقفه على الاقتراض غير مانع، نظير توقف المال المملوك فعلا على تسلمه من يد الوكيل.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 51]: وجهان أقواهما العدم».

وجه العدم: أنّ المال إذا كان مغصوبا لم تتحقق به الاستطاعة لحرمة التصرف فيه كما أنّه لا يصدق عرض الحج إذ ظاهر عرض الحج و هو بذل ماله لا مال الغير.

و وجه الوجوب: هو تحقق الاستطاعة لأنه يصح له التصرف بالمال مع جهله بالغصب، فالاستيلاء عليه محقق. كما أنه يصدق عرض الحج به- كما يقال:

«أضافني اليوم بأكل حرام»- فيجب عليه الحج واقعا لثبوت موضوعه.

غاية ما هنا لك: دعوى مزاحمة وجوب الحج بحرمة التصرف بالمال، و هي تندفع بأن الحرمة غير فعلية مع الجهل، فلا تزاحم الوجوب.

و تفرقة المصنف بين صورتي البذل مخدوشة، لأن عرض الحج لا يتحقق بمجرد إنشاء البذل، بل إنما يتحقق ببذل المال خارجا، و المفروض أن

المال المبذول خارجا في الصورتين أنما هو المال المغضوب، فإذا كان ذلك موجبا لعدم تحقق الاستطاعة و عدم تحقق البذل في الصورة الأول فهو كذلك فى الصورة الثانية، و إلا فهو موجب لتحقق موضوع الحج في كلتا الصورتين.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 130

..........

و بالجملة: لا فرق من الصورتين في الحكم و قد عرفت تقريب احتمال الوجوب.

قوله قدّس سرّه: «و قرار الضمان على الباذل في الصورتين».

إذ مع علمه يصدق التغرير و قد عرفت أنه سبب لرجوع المغرور كما أنه سبب في الإتلاف بنحو يصدق أنه متلف. فيضمن للمبذول له. و مع جهله يرجع المبذول له للوجه الثاني فقط لعدم صدق التغرير مع الجهل، كما لا يخفى.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 52]: لو آجر نفسه للخدمة».

الحكم في هذه المسألة واضح لا يحتاج الى بيان «1».

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 53]: إذا استؤجر و لأنّه مالك لمنافعه».

وقع الكلام في ملكية الحر لمنافعه و ذكر بها آثار: كضمان المنفعة بتفويتها عليه بحبس أو نحوه لقاعدة الإتلاف، و صحة إجارة نفسه مدة من الزمن، لأن الاجارة تمليك المنفعة.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 130

و الحقيقة أنه لا حاجة لنا الى البحث في ذلك، فهو موكول إلى محله.

و لكن الذي نقوله هنا- مختصرا- هو: أن الحر له سلطنة حقيقة واقعية على منافعه، فلا حاجة الى اعتبار الملكية في حقه، فأنها- على بعض الاقوال- لا تعدو

______________________________

(1)- لكن قرّب السيد الحكيم فى «المستمسك» (مستمسك العروة الوثقى، ج

10: ص 153) وجوب قطع الطريق نفسيا بظهور آية وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ- الآية في ذلك، و ناقشه السيد الخوئي (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 194) بالقطع بعدم لزوم السفر من بلاده نفسيا بحيث لو لم يسافر من بلده و سافر من غيره عدّ عاصيا. و اعتبار وجوب السفر من الميقات لا قرينة عليه من الآية الشريفة. هذا مع ظهور رواية معاوية بن عمار في عدم الوجوب (وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب وجوب الحج، ح 2).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 131

..........

اعتبار السلطنة و جعلها له و المفروض أنها ثابتة له واقعا فيكون الاعتبار لغوا و الضمان ثابت بذلك لأن موضوع الضمان هو إتلاف مال الغير. و من الواضح صدق المال على المنفعة و هي مضافة الى الغير بالإضافة الواقعية. كما تصح المعاوضة عليها للاكتفاء في صحتها بمالية العوضين و ارتباط كل منهما بطرف معين و المفروض ارتباط المنفعة بذيها ربطا واقعيا.

إذن، فالحر له استيلاء على منفعته، فقد يدّعى استطاعته بذلك لاستيلائه على ما يحج به. لكن «1» الحق أنه لا يجب عليه الحج بذلك، لأنّه و إن كان فعلا مستول على ما يحج به إلا أن الانتفاع به في سبيل الحج لمّا كان يتوقف على اتعاب النفس بالخدمة لا يكون بنظر العرف مستطيعا بل يكون من مصاديق تحصيل الاستطاعة، و إن أبيت إلا عن دعوى صدق الاستطاعة بذلك فأدلة وجوب الحج على المستطيع منصرفة عن مثل هذا الفرد.

نعم، اذا كان من عادته اجارة نفسه للخدمة بحيث لا يعدّ ذلك اتعابا له غير اعتيادى، بل هو أمر يتحقق منه على أي حال، و الفرق أنه تزاد أجرته

لخدمة الحج كان بنظر العرف مسئول على تلك الزيادة من دون عناء و تعب، فقد يدعى كونه مستطيعا بنظر العرف و ان كانت دعوى الانصراف قويّة. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: «كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للاسفار».

قد عرفت وجه حكمه.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 54]: يجوز قدّم الحج النيابي».

______________________________

(1)- إذا كان الموضوع أن يكون عنده ما يحج به اشكل الوجوب من هذه الجهة أيضا لعدم الصدق بلحاظ المنفعة. كذا ذكر السيد الخوئي في «معتمد العروة الوثقى» (ج 1: ص 196).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 132

..........

إن كان مقيدا بعام الاستطاعة المالية، و إلا فيقدّم الحج الواجب على الحج النيابي لعدم مزاحمته له.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 55]: إذا حج لنفسه».

إذا قلنا بأن من يصل إلى الميقات لا يعتبر في حقه الاستطاعة كان هذا الحج مجز عن حجة الاسلام لأنه من أفراده و مصاديقه، كما مرّ.

و إن قلنا باعتبار الاستطاعة في حقه و كان حجه تسكعيا مستحبا، فقد يدّعى اجزاؤه عن حجة الاسلام باعتبار أنّه واجد للملاك أو بلحاظ انصراف أدلة الوجوب عمن جاء بالعمل نظير ما تقدم في حج الصبي.

و لكن يدفعه: أن اخذ الاستطاعة في الموضوع كاشف عن دخله في الملاك، فلا وجه لدعوى واجدية العمل للملاك.

و الفرق بين المقام و بين حج الصبي واضح، اذ قد يدّعى ان رفع التكليف عنه لأجل الامتنان و التسهيل لا لأجل دخل البلوغ في تحصيل ملاك العمل. مع أنّا ناقشنا هذا الوجه، فراجع.

هذا مع أن النص ورد في عدم اجزاء حج الصبي عن حجة الاسلام، فلا يصح التشبيه. نعم، التشبيه بصلاة الصبي في الوقت و بلوغه بعد ذلك صحيح لالتزامهم بالإجزاء فيه، و

لكن عرفت أنه قياس مع الفارق.

و أما دعوى الانصراف، فقد تقدم الاشكال عليها فيما تقدّم خصوصا فيما نحن فيه مما كان العمل فاقدا للشرط الدخيل في الملاك فالمتعين القول بعدم الإجزاء كما فى المتن.

قوله قدّس سرّه: «أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 133

..........

الكلام في الحج التبرعي كالكلام في الحج الاستحبابي، إذ المأتي به هو الحج المستحب نيابة عن الغير. و يضاف إليه أنّ النيابة لو كانت عبارة عن اتيان العمل الثابت في ذمة الغير بحيث ينزّل النائب نفسه منزلة المنوب عنه و يقصد كون العمل عملا للمنوب عنه- كما لعلّه يظهر من التعبير عن الحج بأنه دين اللّه، فإنه ظاهر في ثبوت العمل في ذمة الميت كالدين فيكون ما يأتي به النائب تفريغا للذمة، نظير وفاء الدين-، لم يكن وجه للإجزاء حينئذ إذ العمل ليس عمله بل عمل الغير.

نعم، لو كانت النيابة عبارة عن الاتيان بالعمل عن نفسه و إهداء الثواب الى الغير لم يكن اشكال من هذه الجهة لأن العمل عمله.

أمّا الحج النيابي الاجاري فلو فرض كونه مستطيعا و كانت النيابة عبارة عن إهداء الثواب تعين القول بالإجزاء لأنه جاء بالعمل الواجب عليه و إهداء ثوابه الى الغير لا يخل بالامتثال. أمّا لو كانت النيابة بالمعنى الآخر الذي عرفته لم يكن وجه للإجزاء لعدم كون العمل عملا له بل هو عمل الغير. هذا بالنسبة الى ما هو مقتضى القاعدة.

أما بالنسبة الى النصوص الخاصة، فقد وردت بعض النصوص التي قد يستظهر منها الاجزاء «1» و هي كما يلي:

رواية آدم بن علي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «من حج عن انسان و لم يكن له مال

يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه اللّه ما يحج به و يجب عليه الحج «2»».

______________________________

(1)- العمدة في طرح نصوص الاجزاء الصحيحة السند هو تسالم الكل على عدم الاجزاء و عدم العلل بها و هو الذي أشار إليه في «المدارك»- كذا ذكر السيد الخوئي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 134

..........

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «حج الصرورة يجزى عنه و عمن حج عنه «1»».

و رواية عمرو بن إلياس- في حديث- قال: دخل أبي على أبي عبد اللّه عليه السّلام- و أنا معه- فقال: «أصلحك اللّه، إنّي حججت بابني هذا و هو صرورة و ماتت أمه و هي صرورة فزعم أنّه يجعل حجته عن أمه، فقال: أحسن هي عن أمه أفضل و هي له حجة «2»».

و رواية ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: «نعم،- الحديث «3»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لو أنّ رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج «4»».

و رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعا «5»». و لكن الجميع لا ينهض على المدعى.

أما الأولى: فهي ظاهرة في اجزاء الحج النيابي و لكنها مقيدة بصورة عدم المال فلو وجده وجب عليه الحج. و مثلها الرواية الخامسة

لو سلم نظرها الى الحج النيابي لكنها ليست ظاهرة في ذلك بل هي ظاهرة في الحج البذلي، فالتفت.

و أما الثانية: فهي ظاهرة في الإجزاء مطلقا، فتفيد بروايتي آدم و أبي بصير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 135

..........

و أما الثالثة: فهي غير ظاهرة في الاستنابة و إجزاء الحج النيابي عن حج الإسلام، بل هي ظاهرة في إهداء الثواب، فهي أجنبية عما نحن فيه.

و أما الرابعة: فهي ظاهرة في اجزاء الحج النيابي كالثانية، لكنّها مطلقة فتقيد بالروايتين. هذا مع احتمال ان يراد بضمير «يجزيه» المنوب عنه لا النائب، فيكون الحديث بصدد تشريع النيابة و بيان صحتها في باب الحج.

و أما السادسة: فهي صريحة في الاجزاء حتى فى صورة وجدان المال فتعارض روايتي آدم و أبي بصير.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 56]: اشترط في الاستطاعة مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله».

هذا فى الجملة مما يقتضيه شرطية الاستطاعة بلا احتياج الى دليل خاص و هو مئونة الانفاق الضرورية على عياله الواجبي النفقة، أو غيرهم ممن يكون لازم الانفاق عليه عرفا بحيث يكون عدمه مستلزما للحرج و المشقة. فإن لزوم وجود هذه المئونة للانفاق على مثل هؤلاء مقوم للاستطاعة عرفا، إذ بدونه لا يعدّ عرفا مستطيعا لوقوعه في الحرج و المشقة.

أما الإنفاق على غير هؤلاء مما لا يستلزم عدم الإنفاق عليهم محذورا عرفيا، و هكذا كيفية الإنفاق الزائدة على مقدار الضرورية العرفية و إن لم تزد على المتعارف، فلا يستفاد اعتباره من اشتراط الاستطاعة، إذ

لا تنتفي الاستطاعة بعدمه، فلا بدّ في اعتباره من دليل خاص و لو كان بلسان اعتبار مئونة العيال بحمله حينئذ على المتعارف من المئونة و العيال الفعلي.

و قد ادعي استفادة ذلك من بعض النصوص، ك:

رواية أبي الربيع الشامي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 136

..........

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال: «ما يقول الناس؟ قال:

فقلت له: الزاد و الراحلة قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا فقال: هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذ فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضا لقوت عياله- الحديث «1»». روى هذا الحديث بهذا النحو المشايخ الثلاثة.

و رواية «الخصال» عن الأعمش «2» عن جعفر بن محمد عليه السّلام- في حديث- (شرايع الدين) قال: «و حج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و ان يكون للانسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع إليه بعد حجه».

و لا يخفى انه لا يمكن الاستدلال بهاتين الروايتين على اعتبار اكثر من المقدار اللازم عرفا انفاقه بحيث يقع بدونه في المشقة، فانّهما واردتان في مقام بيان تفسير الآية و مفادها العرفي و تخطئة من فهم منها غير ذلك خصوصا رواية ابي الربيع المصرح فيها باعتبار وجود ما يستلزم عدم وجوده الهلاك.

فلا تفيدان شيئا زائدا على ما هو مقتضى

القاعدة، لعدم كون التفسير تعبديّا كما لا يخفى.

هذا مضافا الى الاشكال في سندهما خصوصا رواية «الخصال». فالتفت.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 57]: الأقوى وفاقا لاكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 137

..........

لا يخفى أن هذا الشرط مما تقتضيه القاعدة الأولية من دون احتياج الى نص خاص، لأن الحج إذا كان مستلزما للرجوع لا الى كفاية كان مستلزما للمشقة و الحرج، فلا يكون المكلف بذلك مستطيعا عرفا.

فلا فائدة في البحث في ذلك من جهة النص الخاص إلا بلحاظ ما يتوهم ترتبه لو كان اعتباره مفاد دليل خاص في مسألة ما إذا كان عليه دين مؤجل لا يطالب به فعلا. فقد عرفت أن المحقق النائيني يرى مانعيته من وجوب الحج لأنّ صرف المال فيه يستلزم عدم الرجوع الي كفاية و هو شرط، بخلاف ما إذا كان اعتباره من جهة الاستطاعة فإن المكلّف مستطيع فعلا و لا يقع بعد الحج في الحرج لعدم جواز المطالبة مع الاعسار. و نفس ثبوت الدين في الذمة لا يستلزم العسر و الحرج. و لكنك عرفت عدم مانعية ذلك من الاستطاعة و لو كان معتبرا بدليل خاص، فراجع ما تقدّم تعرف.

و على كل حال، فيدل على اعتباره بعنوانه رواية الخصال و لكن عرفت ضعف سندها. و رواية ابي الربيع الشامي برواية المفيد قدّس سرّه «1» لها فى «المقنعة» حيث ورد فيها بعد قوله: «و يستغني به عن الناس»، «يجب عليه أن يحج بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا» و ورد فيه «يقوت به نفسه و عياله».

فإن قوله

عليه السّلام: «ثمّ يرجع فيسأل ...» ظاهر في اعتبار الرجوع الى كفاية.

و هكذا قوله: «يقوت به نفسه» فإنه لا بدّ ان يراد به ما بعد الرجوع لا حال الحج، إذ هذا معلوم الاعتبار لدى الناس و لا يحتاج الى التنبيه، كما هو ظاهر الكلام لظهوره في الإنكار على فهم الناس للرواية و التنبيه على خطئهم.

و لو فرضنا أننا استطعنا اثبات رواية المفيد بأصالة عدم الزيادة و إثبات

______________________________

(1)- المفيد، الشيخ محمد بن النعمان: المقنعة، ص 384، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 138

..........

صحة سند الرواية لما افادتنا شيئا زائدا على ما هو مقتضى القاعدة، لأنها كما عرفت مسوقة لبيان المعنى العرفي للآية لا لبيان المعنى تعبدا، فهي لا تدلّ على اكثر مما تفيده الآية و قد عرفته.

كما أنه قد يستدل عليه بما ورد من تفسير الاستطاعة باليسار في المال الظاهر في الغنى و حسن الحال، فلا يصدق على من لا يرجع الى كفاية.

و يرده أن المقصود به هو الزاد و الراحلة لتفسير الاستطاعة به فيحمل ذلك عليه. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «وجب عليهم».

لا بدّ أولا من تحقيق جواز صرف هذا المال في الحج و التعيش بعد الرجوع بالخمس أو نحوه أو أنّه يجب صرفه في احوال معيشته؟ ثمّ إنه لو ثبت جواز صرفه في الحج فهل يجب عليهم الحج أولا؟

ذكر المحقق النائيني «1»: ان الأقوى عدم وجوبه. و لعل وجهه استظهار كون موضوع الحج من يكون من ذوي اليسار، كما تصرح به بعض النصوص «2». و لا يصدق على مثل ما نحن فيه أنّه من ذوي اليسار في المال كما لا يخفى.

و يدفعه: أنه قد فسرت الاستطاعة في بعض

النصوص بملكية الزاد و الراحلة و عليه تحمل النصوص المعبرة باليسار في المال. و من الواضح أن ما نحن فيه يصدق عليه أن له زادا و راحلة. فأنتبه.

______________________________

(1)- النائيني، المحقق محمد حسين: تعليقة العروة الوثقى/ شرائط الاستطاعة: المسألة 57، ط مطبعة العرفان.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 3: ص 176، ح 9- 3668.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 139

..........

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 58]: لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده».

لمنافاته لحرمة التصرف في مال الغير باذنه.

قوله قدّس سرّه: «كما لا يجب على الوالد».

إذ لا دليل عليه و غاية ما ثبت وجوب النفقة على الوالد و الحج ليس منها.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ...».

لعدم الدليل عليه، فالأصل البراءة.

قوله قدّس سرّه: «و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحجّ».

المشهور عدم الجواز، كما في المتن، لكن المنسوب إلى الشيخ قدّس سرّه «1» و المفيد قدّس سرّه «2» هو الجواز أو الوجوب. و منشأ القول بالجواز روايتان ظاهرتان بدوا في الجواز و هما روايتا سعيد بن يسار:

الأولى: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير، قال: نعم، يحجّ منه حجة الاسلام، قال: و ينفق منه، قال: نعم،- ثم قال:- إنّ مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو و والده الى النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقضى أنّ المال و الولد للوالد «3»».

و الثانية: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أ يحج الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم، قلت يحج حجة الاسلام و ينفق منه؟ قال: نعم، بالمعروف- ثمّ

قال:- نعم، يحجّ منه و ينفق منه أنّ مال الولد للوالد و ليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا باذنه «4»».

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 204، الطبعة الاولى.

(2)- حكاه عنه صاحب الحدائق في «الحدائق الناضرة» (ج 14: ص 109).

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 36: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(4)- المصدر، ج 12/ باب 78: من ابواب ما يكتسب به، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 140

..........

و قد أدعي إعراض المشهور عنهما، فيسقطان عن الاعتبار.

كما أدعي معارضتهما لما دل على عدم جواز التصرف بمال الولد لغير الضرورة.

و قد نوقشت كلتا الدعويين: بأن ما دل على عدم جواز التصرف بمال الولد لغير الضرورة مطلق قابل للتقييد بهذا الخبر الصحيح.

و أما الإعراض، فالإنصاف أنه غير مجزوم به لقوة احتمال أن يكون عدم أخذهم به من باب التخيير بعد ما رأوا التعارض بينهما و تكافئهما في مقام الترجيح.

ثم قال المناقش «1»: «و كيف كان فلا موجب للأخذ بهذا الخبر إما للإعراض و إما لرجحان الأخذ بما هو موافق لفتوى المشهور».

و بطلان هذا القول واضح جدا، فإن المفروض في كلامه السابق التشكيك في صحة دعوى الإعراض و عدم الجزم بها كما هو مقتضى الإنصاف، ثم إن الترجيح بموافقه فتوى المشهور- لو سلم كبرويا- فإنما هو في مورد تعارض الخبرين، و قد عرفت أن القائل ذهب الى عدم التعارض و أن النسبة بينهما هي العموم المطلق. و الجمع يقتضي التقييد- و إن كان ذلك محلّ اشكال كما سيجي ء-، فلا يعرف لكلامه الأخير وجه صحيح أصلا.

و التحقيق: أن بعض الروايات ظاهرة في جواز تصرف الوالد في مال ولده و بعضها ظاهر

في عدم جواز التصرف المجاني فيه إلا بمقدار الضرورة، و هذه الروايات هي:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه، قال: يأكل منه ما شاء من غير صرف، و قال في كتاب علي عليه السّلام: إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء

______________________________

(1)- و هو السيد الشاهرودي رحمه اللّه كما في تقريرات بحثه (كتاب الحج، ج 1: ص 184).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 141

..........

... «1»».

و رواية الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل انت و مالك لابيك ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام ما أحبّ [لا نحب، خ ل] أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه ان اللّه لا يحب الفساد «2»».

و رواية ابن سنان، قال: «سألته (يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام): ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال: أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا و إن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلا أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه ... «3»».

و رواية علي بن جعفر، عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده. قال: «لا، إلّا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذن والده «4»».

و رواية الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما يحل للرجل من مال

ولده قال: قوته [قوت] بغير سرف إذا اضطر إليه ... «5»».

و المستفاد من مجموع هذه النصوص أمران:

أحدهما: جواز تصرف الأب في مال الابن من دون توقف على أذنه كما هو الحال في تصرف الشخص في ملك غيره، لا جواز التصرف فيه من دون ضمان، فإنّه ينافي صريح بعضها. و هذا يظهر من كتاب علي المحكي في رواية محمد بن مسلم و رواية ابن سنان و غيرهما.

و الثاني: جواز التصرف فيه من دون ضمان إذا كان مضطرّا إليه، كما هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 12/ باب 78: من ابواب ما يكتسب به، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 142

..........

ظاهر رواية ابن أبي العلاء و علي بن جعفر و الثمالي.

و أما ما اشتهر من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «انت و مالك لأبيك»، فالمراد به معنى اخلاقي كما يظهر ذلك من ذيل رواية ابن أبي العلاء، فلاحظها.

و أما روايتا سعيد بن يسار الواردتان في خصوص الحج بمال الولد، فيمكن ان يكون المنظور فيما هو السؤال عن جواز التصرف بمال الولد من دون اذنه في قبال اعتبار إذنه لا التّصرف فيه من دون عوض، و حينئذ لا تعارضان سائر الروايات الدالة على عدم جواز الأكل من مال الولد إلا بمقدار الضرورة و لا تكونان دالتين على المدعى.

و يؤكد هذا المعنى أنه قد صرح في الرواية الثانية بلزوم كون الإنفاق بالمعروف المفسّر في بعض النصوص بالمشروع و هو يقتضي ان يكون هناك تصرفان: تصرف غير مشروع ليس الا، و هو التصرف من دون تعويض، و إلّا فلا وجه للتقييد بذلك

بعد فرض جواز التصرف المجاني.

و لو أنكر ذلك و أدعي ظهورهما بإرادة التصرف المجاني و كون المراد بالمعروف هو الإنفاق بمقدار الاحتياج بلا اسراف.

فقد يدعى أن النسبة بينهما و بين ما دل على عدم جواز التصرف إلّا بمقدار الضرورة هي العموم من وجه لانهما دالتان على جواز التصرف في الحج ضروريا كان أولا، و تلك النصوص دالة على عدم جواز التصرف لغير الضرورة حجا كان أو غيره.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 59]: لا يجب أن يحج من ماله».

إذ لا دليل عليه فإن الثابت أخذ الاستطاعة شرطا دون صرف نفس المال الذي استطاع به.

قوله قدّس سرّه: «بل لو حج من مال الغير غصبا صحّ و أجزأه».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 143

..........

لأن اعمال الحج غير مالية، فلا يتعلق بها التحريم سوى ما استثناه المصنف رحمه اللّه.

قوله قدّس سرّه: «نعم، إذا كان ثوب احرامه و طوافه و سعيه من المغصوب لم يصح».

أما ثوب الإحرام فلأجل اشتراط الإحرام بالثوبين، فيمتنع أن يتحقق بالمغضوب منهما لاجتماع الامر و النهي. و لعدم صلاحية التقرب بالمحرم.

و أما ثوب الطواف، فلاشتراطه بالستر، و يمتنع أن يكون المقيد بالتستر واجبا و التستر محرما.

و أما ثوب السعي، فلأن الحركة مقدمة توليدية للتصرف بمال الغير فيكون حكمها على الخلاف في تعلق النهي النفسي بالسبب مباشرة أو الأمر الغيري أو لا هذا و لا ذاك. و تحقيقه في غير هذا المجال.

قوله قدّس سرّه: «و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا».

لا يخفى أن الغالب في ثمن الهدي كونه كليا في الذمة، فلا يضر فيه غصبية المدفوع لصحة البيع، إلا أن يلتزم- كما عليه المصنف رحمه اللّه- ببطلان البيع في مثل هذه الصورة لأن

بناء المعاملة على التسلم و التسليم. و التسليم بالحرام لا يعدّ تسليما للثمن و إن كان كليا، فالحكم المذكور يبتني على كون دفع الثمن من الحرام يتنافي مع وضع المعاملة.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 60]: يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية».

اشتراط الصحة يقتضيه اشتراط الاستطاعة لعدم الاستطاعة العرفية مع المرض. كما تقتضيه النصوص الخاصة المفسرة للاستطاعة العرفية، كرواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله عزّ و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 144

..........

اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعنى بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى سر به له زاد و راحلة».

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 61]: و يشترط- أيضا- الاستطاعة الزمانية».

لعدم صدق الاستطاعة العرفية بدونها، بل العقلية في الصورة الاولى.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 62]: و يشترط- أيضا- الاستطاعة السربية».

لعدم صدق الاستطاعة عرفا بدونها بل عقلا في بعض صورها، مضافا الى التنصيص عليه في بعض الروايات، كرواية هشام المتقدّمة، فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «بأن يخاف على نفسه».

فإنّ السفر في هذه الحال حرجي، فلا تصدق الاستطاعة العرفية.

قوله قدّس سرّه: «اقواهما عدم الوجوب».

قد يشكل بأن المقصود بالسرب إن كان هو المتعارف، فلزوم الذهاب بواسطة الأبعد لا وجه له، لأنه غير متعارف. و إن كان الاعم منه و من غيره لزم الدوران في البلاد لمن لا يعثر عليه ذلك.

و يدفعه: أن المقصود بالسرب ما يكون طريقا للحج بنظر العرف و ان لم يكن متعارفا. و من الواضح أن طريق الحج عرفا لا يكون بالدوران اصلا و لا يعد الدوران من طرق الحج حتى غير المتعارفة بخلاف الأبعد، فلا ملازمة بين حكميهما. فالتفت «1».

______________________________

(1)-

ذهب السيد الخوئي الى الوجوب، للقدرة على طبيعي الحج للقدرة على الدوران، و لا يعتبر فيه ازيد من ذلك (معتمد العروة الوثقى 1/ 214).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 145

..........

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 63]: إذا استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب».

الأقوى التفصيل بين ما كان التالف مخلا بحاله و شأنه بحيث يستلزم الحرج، فلا يجب الحج. و بين ما لم يكن كذلك، فيجب و لو كان بمقدار معتد به.

و دعوى: انتفاء وجوب الحج مطلقا لأجل الضرر.

مدفوعة: بما تقدّم من تخصيص قاعدة نفي الضرر بما ورد من تعليل لزوم دفع المال لتحصيل ماء الوضوء من أنّ ما يحصله من الثواب اكثر ممّا يدفعه من المال.

قوله قدّس سرّه: «و كذا إذا كان هناك مانع شرعي».

قد تقدّم الكلام في ذلك مفصلا في «مسألة 31» فلا نعيد.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 64]: قد علم أحدهما إذا اعتقد تحقق ...».

هذا الأمر تندرج فيه صور متعددة:

الأولى: إذا اعتقد البلوغ او الحرية فحج ثمّ بان الخلاف مع تحقق سائر الشرائط المعتبرة.

و الحكم فيها عدم الاجزاء لعدم كونه مأمورا به و شمول دليل الواجب له و قد تقدم- في شرطية البلوغ- أنّ الإجزاء على خلاف القاعدة.

هذا مع وجود النصوص الخاصة على عدم الاجزاء في الصبي و المملوك و قد تقدم ذكرها في اوائل الكتاب، فراجع.

الثانية: إذا اعتقد عدم البلوغ أو الحرية فحج مع اجتماع سائر الشرائط ثمّ بان أنّه بالغ أو حر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 146

..........

و حكمه تقدّم في «مسألة 25» و ليس الاشكال فيه سوى جهة النية، فراجع البحث في تلك المسألة.

و لو تركه

و الحال هذه، فهل يستقر عليه الحج كما في المتن أولا سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيق ذلك في بحث سبب الاستقرار و أنّه هل يتحقق بمجرد الاستطاعة الواقعية أو مع تنجز التكليف بالحج فقط؟ فانتظر «1».

الثالثة: لو اعتقد أنه مستطيع من جهة المال، فحج ثمّ بان الخلاف.

حكمه أنه لا يجزي عن حجة الاسلام إذ لم يتحقق منه الحج الواجب، لفقدان شرطه. و سيأتي في الأمر الثاني توضيح الحكم و بيان أن مقتضى القاعدة عدم الإجزاء لا الإجزاء كما يظهر من المصنف قدّس سرّه.

الرابعة: إذا اعتقد أنه غير مستطيع مالا، فبان انه مستطيع و لم يحج.

و حكمه تقدم بيانه في «مسألة 24» و قد بيّنا هناك أنّ اعتقاد عدم الاستطاعة المالية يسلب الاستطاعة عرفا، فلا يجب عليه الحج حينئذ و لا وجه للاستقرار. فراجع.

الخامسة: إذا اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج، فحج ثم بان أنه ضرري أو

______________________________

(1)- ذكر السيد الخوئي في بعض هذه الفروع ان استقرار الحج على من استطاع و ترك الحج ثم زالت استطاعته ليس لاجل دليل الحج نفسه- أعني الآية-، لان الموضوع مقيد بالاستطاعة و قد زالت، بل لاجل ما دل على ان من ترك الحج خيّر بين ان يموت يهوديا او نصرانيا، و هذا الدليل انما يتأتى مع عدم العذر، اما مع اعتقاد عدم الاستطاعة فلا يتأتى، مع انه مع اعتقاد عدم الوجوب يستحيل ثبوت الوجوب، فكيف يستقر؟

مضافا الى ما دل على نفي الوجوب مع وجود العذر. و اعتقاد عدم الوجوب عذر بلا اشكال. و قد اجرى هذا البيان في جملة من هذه الفروع، فلاحظ. (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 218)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص:

147

..........

حرجي.

و حكمه الإجزاء، كما في المتن، لأن غاية ما يتوهم لعدم الإجزاء هو شمول أدلة نفي الضرر و نفي الحرج للعمل فلا يكون واجبا و هو توهم فاسد، فإنّ دليل نفي الحرج و نفي الضرر لا يشمل العمل المذكور لأن شموله يتنافي مع الامتنان، كما لا يخفى، لاستلزامه تكرار العمل و المفروض انها واردة مورد الامتنان، فلا تجري حينئذ.

السادسة: إذا اعتقد الضرر او الحرج أو العدو المانع، فلم يحجّ ثم بان الخلاف.

و حكمه: أنه إذا كان اعتقاد الضرر او الحرج موجبا لكون الإقدام حرجيا لم يكن يجب عليه الحج لفقدان شرطه و هو الاستطاعة العرفية. و هكذا اعتقاد وجود العدو، بل قد يستلزم ذلك انتفاء القدرة العقلية باعتقاده كما لو اعتقد وجود المانع من الاجتياز و كون الطريق مغلقا، و هو يوجب فقدان الاستطاعة العرفية واقعا بلا اشكال، كما لا يخفى.

السابعة: إذا اعتقد عدم المانع الشرعي، فحج فبان وجوده.

و الحكم فيها الإجزاء، إذ لا مزاحمة للتكليف المجهول لوجوب الحج، لأنه غير منجز مع الجهل به، فيكون وجوب الحج بدون مزاحم فلا يرتفع.

الثامنة: لو اعتقد وجود المانع الشرعي، فلم يحجّ ثم بان عدمه.

و الحكم فيها عدم الاستقرار لانتفاء الاستطاعة باعتقاد مزاحمة الواجب أو الحرام الأهم، و مزاحمة التكليف انما هي بوجوده العلمي لا الواقعي، فلا ينفع عدم المانع الشرعي واقعا، إذ لا تكليف للحج بعد اعتقاد وجوده لارتفاع الاستطاعة العرفية كما هو واضح. فما في المتن من استظهار الاستقرار ممّا لا وجه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 148

..........

له فانتبه.

قوله قدّس سرّه: «مع بقاء الشرائط الى ذي الحجة».

المقصود بقاؤها الى انتهاء وقت الحج لأنه شرط في الاستقرار، كما سيجي ء، لا بقاؤها

الى أول ذي الحجة و ان انتفت بعد ذلك. فالتفت.

قوله قدّس سرّه: «لإن المناط فى الضرر الخوف».

هذا لا وجه له، فإنّ الادلة العامة موضوعها نفس الضرر و الحرج. أما الخوف، فقد اخذ موضوعا في بعض الموارد الخاصة، كالوضوء و الصوم.

قوله قدّس سرّه: «إلا إذا كان اعتقاده على خلاف روية».

لعل ذلك لأجل أن الموضوع هو خوف الضرر العقلائي فإذا لم يكن ناشئا عن سبب عقلائي بل كان ناشئا عن مثل الوسوسة، فلا يكون مشمولا لدليل نفي الضرر. فتدبر.

قوله قدّس سرّه: «فلا إشكال في عدم إجزائه».

قد عرفت وجهه، فلا نعيد.

قوله قدّس سرّه: «و إن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فظاهرهم مسلمية عدم الإجزاء و لا دليل عليه إلا الاجماع».

الذي يظهر من المتن أن مقتضى القاعدة هو الإجزاء. و قد تقدّم ما يمكن أن يدعى في وجه الإجزاء قياسا على صلاة الصبي في الوقت ثم بلوغه في الاثناء من دعوى الانصراف و ثبوت الملاك.

و قد عرفت المناقشة فيهما و بيان أن دعوى وجود الملاك لو تمت في مثل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 149

..........

صلاة الصبي، فلا تتم في ما نحن فيه لتقييد الموضوع بالاستطاعة الظاهر في دخالتها في الملاك و ليس البلوغ كذلك، إذ يحتمل ان يكون رفع الحكم عن غير البالغ للتسهيل.

ثم إنه لو سلمت دعوى الانصراف في مثل الصلاة، فلا تسلم فيما نحن فيه، لان الصلاة في الوقت ماهية واحدة و مطلوب واحد بنحو الاستحباب من صنف و بنحو الوجوب من صنف آخر، فاذا جاء بالمستحب فقد جاء بذلك العمل، فلا يلزمه الاتيان به مرة أخرى لفرض كونه عملا واحدا و ليس لدينا عملان.

فيكون الدليل منصرفا عمن جاء بالعمل و غير

شامل له لأنه جاء بالعمل المطلوب. أما الحج فهو في كل عام عمل مستقل متعلق لحكم خاص من استحباب أو وجوب، فلا معنى لاجزاء ما أتى به في هذا العام عما هو مشمول للحكم في العام الآخر بمقتضى دليل الحكم.

فليس الحج مثل الصلاة في الوقت عملا واحدا في العمر، بل هو في هذا العام غيره في العام الآخر لانه متعلق للحكم في كل عام بنحو الاستقلال، فلا يقال لمن جاء بالحج في عام ثم استطاع أنه قد جاء بما هو الحج الذي يكون متعلقا للوجوب فينصرف عنه الدليل، بل هو جاء بفرد من الحج غير ما يتعلق به الوجوب فلا ينصرف عنه دليل الوجوب، فقياس الحج بصلاة الصبي قياس مع الفارق لتعدد الماهية في الحج و اتحادها في الصلاة.

و عليه، فمقتضى القاعدة هو عدم الاجزاء و الاجماع على طبق القاعدة و ليس على خلافها كي يؤخذ بما هو المتيقن منه مع الشك.

و أما ما وجّه به المصنف الإجزاء من: أن حجة الاسلام هي الحج الأول فاذا أتى به كفى و لو كان ندبا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 150

..........

ففيه أنه لم يؤخذ في موضوع الحكم عنوان حجة الاسلام كي يقال عنه انه الحج الأول و لو كان ندبا، بل أخذ عنوان الحج مقيدا بالاستطاعة. و حجة الاسلام عنوان اصطلاحي يصطلح به على الحج المطلوب في الاسلام و كون تركه مستلزما للكفر، فالتفت.

قوله قدّس سرّه: « [المسألة 65]: إذا حج لم يجزه عن حجة الاسلام».

لفقدان الشرط و هو الاستطاعة لان وجود المانع الشرعي رافع للاستطاعة.

نعم اذا قلنا بجريان الترتّب في مورد تزاحم الواجبين اللذين يكون احدهما مقيدا بالقدرة الشرعية كان القول باجزاء

العمل متّجها. و لكنه خلاف التحقيق كما حققناه فى الاصول.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 151

و هل يجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل: نعم، و هو المروي، و قيل، لا (22). فان أحج نائبا و استمر المانع، فلا قضاء و إن زال و تمكن، وجب عليه ببدنه، و لو مات بعد الاستقرار و لم يؤد قضي عنه.

______________________________

(22) قال في «المسالك «1»»: «و موضع الخلاف ما اذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب أما لو استقر ثم عرض المانع وجبت الاستنابة قولا واحد».

و رجح قدّس سرّه الوجوب عند عروض المانع قبل الاستقرار، و حكاه فى «المدارك «2»» عن الشيخ قدّس سرّه «3» و أبى الصلاح رحمه اللّه «4» و ابن الجنيد رحمه اللّه «5» و غيرهم، كما حكى القول بعدم الوجوب عن ابن ادريس رحمه اللّه «6»، و رجح قدّس سرّه الوجوب للاخبار الكثيرة.

ثم إنه لو وجبت الاستنابة، فهل تجب مطلقا و لو مع رجاء ارتفاع المانع، أو تجب في صورة اليأس خاصة؟.

ادعى فى «المدارك «7»» الاجماع على الثاني، و حيث ان المستند في الحكم

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 138، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 55، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 299، الطبعة الاولى.

(4)- الحلبي، أبي الصلاح: الكافي في الفقه، ص 219، ط مكتبة الامام امير المؤمنين عليه السّلام.

(5)- حكاه عنه العلامة في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 11).

(6)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 516، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(7)- العاملي، السيد محمد: مدارك

الاحكام، ج 7: ص 56، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 152

..........

بلزوم الاستنابة في صورة الاستقرار أو غيره، و في صورة اليأس أو عدمه، هو الاخبار، فلا بد من ذكرها و بيان مدلولها ثم الحكم بما يستفاد منها. و هي:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ عليا عليه السلام رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره ان يجهّز رجلا فيحج عنه «1»».

و هي ظاهرة في لزوم الاستنابة عند اليأس، إذ مانعية الشيخوخة مستمرة عادة، كما أنها مطلقة من حيث الاستقرار و عدمه إذ لم يفرض فيها إحدى الصورتين. و نحوها:

رواية ابن سنان «2»، و رواية الحلبي «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه، فأنّ عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له».

و هي ظاهرة «4» في صورة عدم الاستقرار لحصر سبب عدم الحج بالمانع القهري دون التسويف و الاختيار الموجب للاستقرار «5». و مطلقة من جهة اليأس و عدمه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 24: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- هذا يبتني على ان يكون سبب الاستقرار هو التسامح و التسويف و انه لا يتحقق بالأمر القهري كعدم العلم بالاستطاعة.

(5)- لكن السيد الخوئى قرّب كون النظر صورة اليأس، لان الحج المطلوب ليس الحج في هذا العام، بل طبيعي الحج، و الفورية واجب آخر، فامتناع الحج يراد به امتناع الطبيعي، و هو يساوق الامتناع المستمر، و استشهد على ذلك

بانه لو علم من نفسه ارتفاع العذر في العام القابل لا تجب عليه الاستنابة في هذا العام قطعا، و لم يقل به احد، فيكشف عن إرادة الامتناع المستمر (- معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 245).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 153

..........

كما انها ظاهرة في تقييد النائب بالصرورة و الفقر و ان يحجه من ماله و هو مما لا يلتزم به و نحوها:

رواية علي بن أبي حمزة «1»، لكنها لم تقيد باليسار، فهي مطلقه من حيث الاستقرار و عدمه، فتدبر فيها تعرف، كما أنها غير ظاهرة في الاستنابة.

و رواية سلمة أبي حفص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن رجلا أتى عليا و لم يحج قط فقال: إني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سني فقال: فتستطيع الحج؟ فقال: لا، فقال له علي عليه السّلام: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك «2»».

و هي ظاهرة في صورة الاستقرار لفرض التفريط، كما انها ظاهرة في اليأس عن التمكن لظهورها في كون المانع هو الكبر و هو مستمر و مانع عادة، كما ان الظاهر كون السؤال عن التمكن في المستقبل فجوابه كان نفيا.

و لكنها ظاهرة في عدم لزوم الاستنابة للتعليق على المشيئة و هو ينافي الالزام، و نحوها في التعليق على المشيئة رواية ميمون القدّاح، لكنها مطلقة من حيث الاستقرار و عدمه.

و رواية الفضل بن العباس، قال: «أتت امرأة من خثعم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابته فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحجّي عن أبيك «3»».

و هي ظاهرة

في موت الأب لأن الأمر توجه إليها بالحج، فهي أجنبية عما نحن فيه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 24: من ابواب وجوب الحج، ح 7.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 154

..........

و قد يدعى أنها تكشف عن استقرار الحج على الأب لعدم النيابة، إذ لم يستطع إلا و هو شيخ كبير لا يتمكن من الذهاب، فلا سبب له إلا عدم النيابة فيكشف عن لزومها.

و رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يقول: لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه «1»» «2».

و هي مطلقة من حيث الحج المقصود فتشمل الحج المندوب، كما أنها غير ظاهرة في الاستنابة، فتأمل «3».

فيمكن أن تكون ظاهرة في استحباب ادراك الثواب بإحجاج شخص آخر خصوصا مع تعليق الحكم على إرادة الحج.

و الذي يمكن ان ندعيه: هو عدم ظهور النصوص المذكورة في لزوم الاستنابة حتى مع الاستقرار، بل هي تدل على أن الثواب الذي يدرك بالحج يمكن إدراكه بنحو آخر و هو إحجاج شخص أو استنابته.

و هذا يتأيد بوجوه:

أحدها: منافاة الاستنابة لشرطية شروط حج الاسلام لظهورها في كونها شروط أصل الحج لا شروط المباشرة.

و الثاني: تعليق الاستنابة على المشيئة في بعض النصوص و هو كما عرفت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 24: من ابواب وجوب الحج، ح 5.

(2)- حملها السيد الخوئي على الحج النيابي بقرينة الإرادة (معتمد العروة الوثقى، ج 1:

ص 245).

(3)- لعله لدعوى ظهور مكانه في الاستنابة لكنّه لا يخلو عن مناقشة كما لا يخفي عن من لاحظ الامثلة العرفية.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 155

..........

ينافي لزوم العمل.

و الثالث: تعليق الحكم في رواية محمد بن مسلم على إرادة الحج بقول مطلق و هو يشمل مطلق الرغبة الى الحج، كما أنه أعم من الحج الندبي و لا يلتزم أحد بلزوم الاستنابة فيه، بل هي في نفسها ظاهرة في المدعى كما عرفت. و نظيره في العرفيات أن يقال: «إذا كنت ترغب في زيارة الحسين عليه السّلام و لم تتمكن فأرسل شخصا يتمكن و ابذل له النفقة».

و الرابع: تقييد النائب في بعض النصوص بالصرورة الذي لا مال له و أن يكون الحج من ماله، فإنها قيود غير لازمة، و هي إنما تناسب المعنى الذي ذكرناه فإن استنابة من لم يحج أولى من استنابة غيره.

فبملاحظة هذه الوجوه، بضميمة أنّ مفاد النصوص واحد و إن اختلف التعبير يثبت المدّعى، و تكون بعض هذه الوجوه الثابتة في بعض الروايات قرينة على المراد في البعض الآخر و عمدتها الأول و الثاني. فالتفت.

ثم إن بعض هذه الروايات و إن كانت مطلقة من حيث اليأس من زوال العذر و عدمه إلا أن المنصرف منها و بملاحظة غيرها من الروايات صورة اليأس. كما أن وجوب الاستنابة لو قيل به لا يختص بصورة الاستقرار لإطلاق بعضها بل ظاهر بعضها صورة عدم الاستقرار.

و حينئذ فلو ارسل نائبا مع اليأس ثم زال العذر، فهل يجزي الحج النيابي أو يجب عليه الحج بعد زوال العذر.

فإن قلنا بوجوب الاستنابة، فظاهر الدليل بيان أن الحج الواجب على المكلف هو الذي يستنيب فيه، و أن المرتفع جهة المباشرة لفقدان شروطها، فالحج يجب عليه إما بنفسه أو بغيره.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 156

..........

فعليه إن

كان اليأس مأخوذا بنحو الموضوعية أجزأ الحج النيابي و لم يلزمه الحج بنفسه لتحقق موضوعه، و انكشاف الخلاف لا يضر فيه.

و إن كان «1» اليأس مأخوذا بنحو الطريقية و الكاشفية عن استمرار العذر، فقد انكشف الخلاف بارتفاعه، فيكشف عن عدم مشروعية الحج النيابي فلا يكون مجزيا.

و أما بناء على المختار من استحباب الاستنابة مع اليأس و كونه مأخوذا بنحو الموضوعية، فللإجزاء في صورة الاستقرار وجه، لظهور الدليل في استحباب تفريغ الذمة بالاستنابة و استحباب التوسل الى اداء ما هو في الذمة بطريق النيابة، فيكون الحج النيابي هو ما في الذمة فيرتفع اشتغالها و لو كان مستحبا لأداء ما عليه بل ما أداه النائب هو الحج الواجب و ما هو في الذمة. و انما المستحب الاستنابة لا نفس الحج، فيقصد النائب النيابة عن المنوب عنه فى الحج الواجب عليه. فتأمّل.

و أما في غير صورة الاستقرار، فلا وجه له لعدم ظهور الدليل في غير استحباب الاستنابة في الحج، لكن ما يؤدي عنه ليس ما هو الواجب عليه لعدم اشتغال الذمة به و توجه التكليف إليه، فلا يكون قد أدّى حجة الاسلام، بل يكون حجا مندوبا كحج غير المستطيع. فتدبّر. و من هنا يتضح حكم جهات هذا الفرع الّتي تعرض لها في المتن.

______________________________

(1)- بنى على ذلك السيّد الخوئي في بحثه، لظهور النصوص في كون الموضوع هو امتناع الحج واقعا، و الياس او استصحاب بقاء المانع مع رجاء العذر من الطرق الظاهرية إليه (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 246).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 157

و لو كان لا يستمسك خلقة (23)، قيل: يسقط الفرض عن نفسه و ماله، و قيل: يلزمه الاستنابة، و الأول

أشبه. و لو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق أو الفرار فضعف سقط الوجوب في عامه، و توقّع المكنة فى المستقبل و لو مات قبل التمكن و الحال هذه، لم يقض عنه. و يسقط فرض الحج، لعدم ما يضطر إليه (24) من الآلات، كالقربة و أوعية الزاد. و لو كان له طريقان (25)، فمنع من إحداهما سلك الاخرى، سواء كانت أبعد أو أقرب. و لو كان فى الطريق عدو لا يندفع إلا بمال (26).

______________________________

(23) إفراد هذا العذر في الذكر و الحكم لعله لأجل استظهار إرادة المانع العرضي و أن الموجب للاستنابة هو عروض العجز لا العجز الاصلي المرتبط بالخلقة.

و بعبارة اخرى: المراد من المانع هو المانع الذي يمنعه من الحج لا عجزه خلقة و عدم تمكنه منه.

و فيه أن إطلاق قوله: «أوامر يعذره اللّه فيه» في رواية الحلبي تشمل المانع الخلقي فالحكم فيه كغيره. فالتفت.

(24) لانتفاء الاستطاعة بعدمها.

(25) فقدم البحث فيه في «مسألة 62» من «العروة» فراجع.

(26) قيل بعدم وجوب دفع المال و سقوط الحج عنه لوجوه:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 158

..........

الأول: أنه تحصيل للاستطاعة لأنه لا يكون مخلّى سربه الّا بدفع المال، فلا يجب لعدم وجوب تحصيل الاستطاعة.

الثاني: أنه إعانة للظالم على ظلمه و تقوية له.

الثالث: أن الحج في صورة خوف فقدان المال و سرقته ساقط، فهنا أولى للقطع بنقصان المال.

و يرد الأول: أن تخلية السرب مأخوذة من باب اشتراط الاستطاعة، و من الواضح أنه لا يقصد بها التخلية من دون واسطة، بل لو توقفت على واسطة مقدورة عدّ عرفا مخلّى سربه.

و يرد الثاني: أن إعانة الظالم إنما تحرم لو قصد بدفع المال إليه ذلك و المقصود هنا

التوصل الى الواجب نظير دفع المال لمن يمنع عن الاتيان بالصلاة، فإنه لا اشكال في جوازه.

و يرد الثالث:

أولا: أن الحكم غير مسلم في المقيس عليه و إن ادعي الاجماع عليه، لكن ناقشه في «كشف اللثام «1»» و «المدارك «2»».

و ثانيا: لو سلّم الحكم فيه فهو قياس مع الفارق لما في الاخذ القهري من الضعف النفسي و كشفه عن عدم الاعتبار و التقدير بخلاف ما يدفعه الإنسان اختيارا.

هذا و الحق في المسألة هو التفصيل بين ما يكون محجفا فيكون دفعه عسرا فتنتفي الاستطاعة، فلا يجب الحج. و بين ما لا يكون كذلك، فيجب دفعه.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 119، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 62، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 159

قيل يسقط و إن قلّ. و لو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا. و لو بذل له باذل، وجب عليه الحج لزوال المانع (27). نعم، لو قال له: اقبل و ادفع انت، لم يجب (28).

و لم يتعرض الأصحاب في هذا الفرض الى حديث الضرر و نفيه و لعله إما لأجل عدم استفادتهم تكفلها نفي مشروعية الحكم الضرري، بل تتكفل تحريم الإضرار بالغير. أو لأجل تقييدها بما ورد في باب الوضوء من لزوم بذل المال لتحصيل الماء معللا بأكثرية الثواب من المبذول، فيتمسك بعموم العلة. فانتبه.

______________________________

(27) هذا ممّا لا إشكال فيه، لأنه قد ارتفع المانع بالبذل من الغير، فيجب الحج عليه.

(28) لا يخفى أن البحث في وجوب القبول و عدمه يبتني على كلا الوجهين في الدفع منه و لا يبتني على القول بعدم وجوبه

فيه. بل لو قلنا بوجوب الدفع منه قد يدعى عدم وجوب قبول الهبة و دفعها.

و موضوع الكلام لا بدّ أن يفرض عدم تمكن المكلف من المال، إذ لو كان واجدا له وجب عليه البذل كما هو المفروض.

و وجه عدم وجوب قبول الهبة هو أن المأخوذ في وجوب الحج هو الاستطاعة المالية بنحو يشمل جميع المصارف المالية و إن لم يكن من شئون الزاد و الراحلة. و المراد بالاستطاعة هو الاستيلاء الفعلي على المال لا خصوص ملكيته و لا مطلق التمكن منه.

و عليه، فلا يكون الشخص مستطيعا لأنه لا يستولي على المال الذي يحج به

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 160

..........

إلا بعد القبول، فيكون قبوله تحصيلا للاستطاعة و هو غير واجب.

و دعوى شمول أدلة عرض الحج له، تندفع بوجهين:

أحدهما: أنها واردة على طبق القاعدة، فلا تشمل صورة التمليك، بل تختص بصورة الإباحة، او لأجل أن القدر التيقن منها صورة الإباحة.

و الآخر: ما مرّ من أن الظاهر من أدلة وجوب الحج بالعرض أنها تتكفل تنزيل البذل منزلة الاستطاعة المالية لا غير فلا نظر لها الى الشرائط الأخرى أو الاستطاعة من غير المال، كما لا يخفى.

هذا و لكن الوجه المذكور سقيم، للإشكال في المقدمة الأولى منه و هو اعتبار الاستطاعة المالية بالمعنى المذكور، بل المعتبر ليس إلا الاستطاعة المالية من حيث الزاد و الراحلة لا غير، فإن تخلية السرب قد اخذ في مقابل الزاد و الراحلة. و الموارد من مصاديقه، فلا يعتبر فيه سوى التمكن العرفي و هو حاصل بالهبة.

و لو لم نلتزم بوجوب الدفع على الشخص من ماله، فالحكم بالوجوب في صورة الهبة و عدمه يختلف باختلاف مبنى عدم الوجوب هناك.

فإن نفي

الوجوب هناك لأجل أنّه تحصيل للاستطاعة أو لأجل إعانة الظالم، فلا يجب القبول و الدفع هنا لاشتراكهما في وجه عدم الوجوب كما لا يخفى.

و إن نفي الوجوب بدليل نفي الضرر او الحرج، فلا ضرر و لا عسر هنا، فيجب القبول و الدفع. إلّا أن يكون في القبول منة بحيث يكون عسرا و حرجا فلا يجب.

و قد يدعى الوجوب هنا مطلقا لو قيل بعدمه هناك على اختلاف المباني، لأنّه من مصاديق من عرض الحج عليه فيجب عليه بمقتضى أدلة وجوب الحج على من عرض عليه الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 161

و طريق البحر كطريق البرّ (29)، فإن غلب ظن السلامة، و إلا سقط (30). و لو امكن الوصول بالبرّ و البحر، فإن تساويا في غلبة السلامة كان مخيّرا. و ان اختصّ احداهما تعيّن، و لو تساويا في رجحان العطب سقط الفرض.

و فيه ما عرفت من ظهور أدلة البذل في بيان او تنزيل المبذول له منزلة المستطيع من حيث المال من دون نظر الى سائر الجهات، فلا تشمل صورة عرض رفع المانع من الطريق، فالتفت.

______________________________

(29) لا أثر لطريق البحر بخصوصه نفيا او إثباتا، فلم يعلم الوجه في تعرضه له بالخصوص و لعله في قبال العامة حيث يحكى عنهم توقفهم فيه في الجهاد، فقد يتوهّم ذلك في الحج أيضا.

(30) المراد من الظن هو الظن الاطمئناني كما يصرح به الفقهاء، و المراد بالسلامة السلامة عما يمنع من وجوب الحج.

و قد اعتبر فى المتن ظن السلامة فبدونه يسقط الفرض، و قيل إن الظن بعدم السلامة مانع فلا يعتبر الظن بها.

و التحقيق: إن ما يحتمل عدم السلامة منه مما يعتبر في وجوب الحجّ.

إن كان اعتباره في

الحج بمقتضى القاعدة و من باب اشتراط الاستطاعة، كعدم المرض و عدم العدوّ و نحوهما، فالشك فيه يكون شكا في تحقق الاستطاعة، فلا بد فى الحكم بوجوب الحج من احراز نفيه و السلامة منه باصل أو اطمئنان و بدونه يكون المحكّم أصل البراءة للشك في وجوب الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 162

و من مات بعد الإحرام و دخول الحرم برئت ذمّته، و قيل: يجتزئ بالاحرام، و الأول أظهر (31).

و إن كان اعتباره بدليل نفي العسر، فنفس احتماله إذا كان موجبا للعسر كفى في نفي وجوب الحج بدليل نفي العسر و الحرج.

و إن كان اعتباره بدليل نفي الضرر، فلا ينفع الاحتمال، بل لا بدّ من احراز تحقق الضرر، لأن الحكم بنفي الضرر مرتب على نفس الضرر بعنوانه الواقعي و هو غير محرز فتشمله العمومات الدالة على الوجوب لعدم ثبوت الحاكم عليها.

إلا أن يكون احتمال الضرر موجبا لعسر الإقدام على الحج و السفر إليه فيكون المورد مشمولا لدليل نفي العسر، و لو لم يكن الإقدام مع احتماله وقوع ما يستلزم الحرج حرجيا، كان الحال فيه كالحال مع احتمال الضرر من شمول دليل الوجوب للمورد لعدم ثبوت الحاكم لان موضوعه نفس الحرج و هو غير محرز. فتدبر جيدا.

______________________________

(31) مقتضى القاعدة في الفرع المذكور- أن الاستطاعة إن كانت في نفس تلك السنة بحيث لم يستقر الحج في ذمته- عدم لزوم القضاء عنه و عدم الاجزاء.

أمّا الأول، فلانكشاف عدم الاستطاعة بالموت، فلم يثبت الحج في ذمته.

و أمّا الثاني، فلعدم الإتيان بالعمل بتمامه.

و إن كان الحج مستقرا في ذمته، فحيث عرفت عدم الاجزاء، فلا بد من القضاء عنه لعدم أدائه الحج، إلا ان يكون قد أتى

ببعض الأركان و دل الدليل على الاجتزاء بها.

و أما الحكم بلحاظ النصوص الخاصة، فتحقيق الحال فيه بعد ذكر النصوص و هي:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 163

..........

رواية ضريس، عن أبي جعفر عيه السّلام، قال: «في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام و إن مات دون الحرم فليقص عنه وليّه حجة الاسلام «1»».

و رواية بريد العجلي، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد، فمات في الطريق قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الاسلام و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام «2»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «إذا أحصر الرجل بعث بهدية- إلى أن قال:- قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه ان كان حجة الاسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «3»».

و المتيقن من مفاد هذه النصوص هو الإجزاء لو مات داخل الحرم بعد الإحرام- و احتمال اعتبار دخول مكة منفي و إن صرح به في النص، إذ هو محمول على إرادة الحرم كناية-. فتأمل «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 26: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- ذكر السيد الخوئى (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 256) ان ظهور أدلة الحرم اقوى من هذا الظهور، فيحمل على مكة و توابعها، و يمكن ان يناقش بان تقديم رواية زرارة لا

يستلزم سوى تخصيص الروايات الاخرى بالحرم الخاص، و هو مكة، أما تقديم تلك الروايات فهو يستلزم الغاء خصوصية مكة، فمقتضى القاعدة تقديم رواية زرارة.

هذا و لكن يمكن ان يقال: ان الموضوع المفروض في كلام زرارة هو عدم دخول مكة، و هو أعم من دخول الحرام و عدم دخوله فتقييده بما قبل دخول الحرم لا يستلزم الغاء عنوانه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 164

..........

و يقع البحث في جهات:

الأولى: هل يعتبر ان يكون موته حال إحرامه أو يتحقق الإجزاء مع موته بعد إحلاله؟

الظاهر هو الثاني لإطلاق النصوص، إذ لم يعتبر فيها سوى الموت بعد الإحرام لا حال الإحرام.

الثانية: هل يختص الحكم بحج التمتع أو غيره أو يعم جميع أفراده؟

الظاهر العموم لمطلق أفراد الحج لإطلاق النص.

الثالثة: هل يعتبر أن يكون موته في نفس الحرم أو يثبت الحكم لو مات في الحلّ بعد دخول الحرم بأن خرج منه بعد الدخول؟

الظاهر الأول، و قيل بالثاني، كما فى «المدارك «1»».

و فيها: أنه مما قطع به المتأخرون، و علّل ذلك بظهور الأخبار. و قد نوقش إسناد القول المزبور إلى المتأخرين، و لا يهمّنا ذلك.

و أما الأخبار، فهي ظاهرة في الأول للتعبير فيها ب: «مات في الحرم» و هو ظاهر في كون الموت داخل الحرم، و لا نعرف الوجه في استظهار الاحتمال الثاني منها. فانتبه «2».

______________________________

- و انما يستلزم تقييده لا اكثر، لانه عدم دخول الى مكة بخصوصية. و بما أن الاطلاق ناشئ عن ترك الاستفصال لانه في كلام زرارة لا في كلام الامام عليه السّلام كانت اطلاقات الاجزاء بعد دخول الحرم اظهر، فتقدم عليه بلا اشكال.

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 65، ط مؤسسة آل

البيت عليهم السّلام.

(2)- قد يستظهر ذلك من التعبير بلفظ «دون الحرم» و لفظ «قبل ان ينتهى إلى مكه» بظهورهما في كون المدار على اصل الدخول الى الحرم و لو خرج بعده. و لكن اللفظ الاخير-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 165

..........

ثم إنه هل يعتبر أن يموت في الحرم عن احرام أو يكفي الموت فيه و لو لم يكن محرما لنسيان او جهل؟

قد يقال بالأوّل تمسّكا برواية زرارة، و روايتي بريد و ضريس، لفرض الموضوع من خرج حاجا، فلا بد أن يراد به المحرم.

و فيه أن التقييد في رواية زرارة بالإحرام فى السؤال لا الجواب، فلا مفهوم له إلّا أن يقال بظهور ذلك بمفروغية الحكم لدى زرارة و هو مشكل.

و أما عنوان الخروج حاجا فهو غير ظاهر في التلبس بالحج، بل يراد به قصد الحج، فيصدق على من نسي الاحرام، و يشهد له أنه جعل من مات قبل الاحرام من اقسامه في رواية بريد، فلاحظ.

الرابعة: هل يثبت الحكم بالإجزاء بمجرد الإحرام أو يعتبر دخول الحرم؟

نسب إلى الشيخ قدّس سرّه «1» اختيار الاول، و ذكر العلامة له وجها و أجاب عنه و لا حاجة الى ذكره لأنه وجه استحساني، و لأجل ذلك حصر في «الجواهر «2»» الوجه فيه بمفهوم رواية بريد و هو قوله عليه السّلام: «و إن كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم» فإنّه بمفهومه ظاهر في أنه لو مات بعد أن يحرم أجزأ.

لكنه يشكل بأن الرواية لا مفهوم لها لمعارضته «3» بمفهوم الصدر، و منطوق

______________________________

- في كلام السائل و هو زرارة فلا يمكن ان يستفاد منه الحكم من باب المفهوم. فلاحظ.

و أمّا الاول: فان كان المراد به قبل

الوصول الى الحرم كان ظاهرا في المدعى، و ان كان المراد به غير الحرم و قبله مكانا- لا وصولا و زمانا- فلا ظهور له في التقييد. (المقرّر)

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 429/ المسألة 244، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 296، الطبعة الاولى.

(3)- و عليه فتسقط للإجمال و يرجع الى سائر النصوص. و قد ذكر السيد الخوئي انّها ليست

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 166

..........

رواية ضريس، إذ ورد فيها: «و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» و صريح منطوق رواية زرارة. فالتفت.

الخامسة: هل يلزم القضاء في خصوص مورد استقرار الحج في ذمته أو مطلقا و لو لم تتحقق منه الاستطاعة قبل ذلك؟

قيل بالعموم- كما فى «المدارك «1»»-، لإطلاق النصوص المتقدمة.

و قيل بالاختصاص بمورد الاستقرار لأن القضاء تابع للأداء فلا يثبت في مورد لا يثبت فيه الأداء، و مع الموت يكشف عن عدم تحقق الاستطاعة فلا يكون الحج واجبا عليه في غير صورة الاستقرار.

و نوقش بانتفاء التبعية و المفروض قيام الدليل.

لكن التحقيق «2» هو اختصاص النصوص بمورد الاستقرار، إذ ورد التعبير فيها بقضاء حجة الاسلام و الإجزاء عنها و هو ظاهر في ثبوتها عليه كي يجزى العمل عنها أولا يجزي، إذ لا معنى للإجزاء عنها لو لم تكن ثابتة عليه. فتختص النصوص بمورد استقرار الحج دون غيره. فما جاء في المتن هو المتجه بحسب ظاهر النص.

______________________________

- بصدد بيان عدم الإجزاء، بل بصدد بيان لزوم جعل جمله و ماله و زاده في الحج و مفهومها أنّه إذا مات بعد الاحرام لا نجعل ذلك في الحج، بل يرجع الى ما تقتضيه

الأدلة العامة، و هذا غير ما نحن فيه. (المقرّر)

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 67، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- في هذا الاستظهار تأمل خصوصا بملاحظة ان غالب الناس في تلك العصور كان يحج حجة الاسلام في اوّل سنة استطاعته، كما افاد السيد الخوئي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 167

و إن كان قبل ذلك، قضيت عنه إن كانت مستقرة، و سقطت إن لم تكن كذلك. و يستقر الحج في الذمة، إذا استكملت الشرائط و اهمل (32).

______________________________

(32) البحث في هذا الفرع من نواحي:

الناحية الأولى: في وجه استقرار الحج على من فقد الاستطاعة «1». و هل يلزمه الذهاب متسكعا.

و تحقيق الكلام: إنك قد عرفت أن شرط وجوب الحج ليس هو الاستطاعة بنحو الاستمرار، بل يكفي فيه الاستطاعة الحدوثية فإذا حصلت الاستطاعة فقد وجب عليه الحج و لا يرتفع وجوبه بارتفاعها.

ثم إنه يجب عليه الحج و إن استلزم العسر و الحرج إذا كان ذلك من اللوازم المتعارفة للحج و ذلك لأنّك عرفت فيما تقدم أنه لو لا أخذ الاستطاعة في موضوع وجوب الحج، لم يكن دليل نفي الحرج نافيا لوجوب الحج في الموارد الحرجية لغلبة ذلك فيه، فيلزم من شموله تخصيص الحكم بالفرد النادر. فأخذ الاستطاعة يفيد فائدة نفي الحرج من دون لزوم محذوره لأن الحكم على الفرد النادر بدوا لا استهجان فيه.

و حيث عرفت أيضا أن شرط الوجوب هو الاستطاعة حدوثا، فإذا زالت و ثبت وجوب الحج لم يكن دليل نفي الحرج ناظرا إليه و نافيا لوجوبه في موارد

______________________________

(1)- ذهب السيد الخوئى إلى ان ثبوت الوجوب بعد فقد الاستطاعة ليس لاجل الآية الشريفة بظهورها فى اخذ الاستطاعة حدوثا

و بقاء. و انما هو لاجل النصوص الدالة على ان من مات و قد فوّت الحج يموت يهوديا او نصرانيا، فهو وجوب آخر بدليل مستقل و عليه فيرتفع بادلة نفي الحرج لو كان حرجيا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 168

..........

الحرج لغلبة العسر، كما عرفت.

فلو أنكرت غلبة العسر بدعوى: أنه بعد إخراج المستطيع لا يكون العسر على غير المستطيع و لم يحج ممن استقر عليه الحج غالبيا كي يمتنع شمول دليل نفي الحرج لوجوب الحج، فلا مانع من شموله. و حينئذ فلا يجب الحج بدون الاستطاعة.

فنقول في دفعها أنه لو سلم عدم غلبة العسر، فلا ينفع في شمول دليل نفي العسر، لأنّ ظهور الآية في ثبوت الحج من دون الاستطاعة- كما هو مقتضى كون الاستطاعة شرطا حدوثا لظهور «1» الآية في ذلك لتعليق الحكم على مجرد تحقق الاستطاعة، كما لا يخفى، فيثبت الوجوب بدونها- ينافي شمول دليل نفي العسر لها، بل تكون نسبة الآية حينئذ إلى دليل نفي العسر نسبة المخصص لأنها تتكفل ثبوت الحكم في المورد الحرجي خاصة.

و على هذا، فيلزم على من استقر عليه الحج الذهاب إليه و إن استلزم الحرج إذا كان الحرج غالبيّا يتعارف تحققه في الحج. نعم الحرج غير المتعارف يرفع وجوب الحج بدليل نفيه، إذ لا يلزم منه تخصيص الحكم بالفرد النادر.

و من هنا تعرف أنه لا وجه لما هو المشهور من لزوم ذهابه متسكعا و لا أثر له في النصوص. فالتفت.

الناحية الثانية: بعد أن ثبت عليه الوجوب يجب عليه أداء الحج ما دام قادرا عقلا على أدائه، فإذا انتفت عنه القدرة العقلية ثم عادت، فهل يجب عليه الحج أولا؟

______________________________

(1)- هذا يتنافى مع ما سبق منه-

دام ظله- من انكار ذلك و الاستدلال على الدعوى بغير الآية، فراجع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 169

..........

الحق هو الوجوب لإطلاق دليل الوجوب. و عدم شموله له في حال عدم القدرة لا ينافي شموله له في حال قدرته، كما لو نام في اثناء وقت الصلاة، فأنه يكون مشمولا لدليل وجوبها بعد النوم.

الناحية الثالثة: إذا مات قبل أداء الحج يجب القضاء عنه لو كان الحج مستقرا في ذمته، فوقع الخلاف في ما به يتحقق الاستقرار و يجب القضاء عنه به و عمدة الآراء ثلاثة:

الأول: أن يمضي زمان يتمكن فيه من إدراك جميع افعال الحج و شرائطه و هو قول الأكثر.

الثاني: أن يمضي زمان يتمكن فيه من ادراك الاركان فقط و هو رأي العلامة في التذكرة.

الثالث: مضي زمان يتمكن فيه من ادراك الاحرام و دخول الحرم و هو ممّا احتمله العلامة فى «التذكرة «1»».

و وجه الأول: أن عدم ادراك الوقت الذي يتمكن فيه من اتيان جميع افعال الحج و شرائطه يكشف عن عدم تعلق الوجوب بالأداء و مع عدم وجوب الاداء لا يجب القضاء.

و وجه الثاني: أن عدم مضي وقت يدرك فيه غير الأركان يستلزم تعلّق الأمر بخصوص الأركان، فيكون الوجوب ثابتا لو كان يتمكن من إدراك الأركان فقط. و هذا إنما يتم لو ثبت أن من لم يتمكن من إدراك جميع أجزاء الحج يجب عليه الإتيان بالأركان، فيكون هناك أمر اضطراري متعلق بالأركان، و لكنّه قد ادعي أنه إنما يجب الأركان على من تلبس بالحج و لم يستطع إدراك

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 102، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج،

ج 1، ص: 170

..........

غيرها، فلا يجب الحج على من كان يعلم قبل تلبسه به انه لا يدرك غير الأركان.

و عليه ففيما نحن فيه لا يتوجه الأمر بالأداء.

و أما الوجه الثالث: فهو إنما يتم لو كانت الروايات الدالة على الإجزاء بالإحرام و دخول الحرم تقتضي كون ذلك حجا مأمورا به اضطرارا، و لكن لا دلالة لها على ذلك، كما أنه يتم لو كانت الروايات ناظرة الى من لم يستقر عليه الحج ممن تلبس بالإحرام فإنها تدل على لزوم القضاء على من لم يمت في الحرم بضميمة القطع بعدم الفرق بين من تلبّس بالإحرام- الذي موضوعها- و بين غيره. فتتكفل «1» لزوم القضاء فيما نحن فيه.

فالاقوى هو الأول بمقتضى ما دل «2» على أن القضاء لا يكون عما لم يجعله اللّه تعالى. نعم لو ثبت الأمر الاضطراري بالأركان و لو لمن يعلم أنه لا يدركها قوي الوجه الثاني، لأنه قد ثبت عليه الحج فلم يحج فيجب عليه القضاء.

و قد بنى فى «المدارك «3»» الوجه الأول على تبعية وجوب القضاء لوجوب الأداء.

و أورد عليه: أولا: بانكار التبعية. و ثانيا: بأن المستفاد من كثير من الاخبار

______________________________

(1)- ينبغي على هذا عدم اشتراط مضي الزمان المزبور لكون المفروض أنها تدل على وجوب القضاء لمن لم يتلبس بالإحرام و لو لعدم تمكّنه منه، كما لو كان في طريقه الى الحج قبل الوصول الى الميقات. (المقرّر)

(2)- هو موثق أبى بصير، قال: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال فاوصتني أن اقضي عنها قال هل برئت من مرضها قلت ماتت فيه قال لا يقضى عنها فإن اللّه لم يجعله عليها قلت فأني أشتهي أن اقضى عنها و قد أوصيتني بذلك

فقال كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها» (النجفى، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام/ في هذا الفرع).

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 68، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 171

..........

ترتب القضاء على عدم الإتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا، كما في صحيحتي بريد و ضريس (يريد بهما ما تقدّم في مسألة لو مات بعد الاحرام و دخول الحرام).

و ناقشه صاحب الجواهر بقوله: «إذ لا يخفى ما فيه من عدم بناء ذلك على ذلك بل القاعدة العقلية و النقلية و هي عدم صحة التكلف بفعل يقصر الوقت عن أدائه «1»».

أقول: مناقشة صاحب الجواهر غير وجيه، إذ ليس البحث في امكان التكليف بفعل يقصر الوقت عن أدائه و عدمه، بل البحث في أنه بعد الفراغ عن عدم التكليف لأجل ذلك فهل يثبت القضاء أو ينفى لأجل التبعية؟

و لكن الوجه الأول من مناقشة صاحب المدارك غير وجيه، فإن انكار التبعية لا يلازم ثبوت القضاء ما لم يثبت وجود الدليل عليه، فإنه لا بدّ من دلالة دليل عليه و ان لم يكن بأمر جديد.

و التحقيق: أن التبعية لها معان ثلاثة:

أحدها: دلالة دليل الواجب في الوقت على ثبوته في خارجه و هذا المعنى باطل جدا، كما ذكر فى الاصول.

الثاني: دلالة دليل القضاء على أنّ الأمر بالموقت بنحو تعدد المطلوب، فلا يكون الأمر بالقضاء أمرا جديدا، بل يكون كاشفا عن ثبوت الأمر بذات العمل بقول مطلق و لو في خارج الوقت. و هذا هو المختار كما بيّناه فى الاصول.

الثالث: أن القضاء إنما يثبت في المورد الذي يكون فيه الأداء ثابتا فلا قضاء على من لم يثبت في حقه

الاداء. و هو بهذا المعنى محل الكلام فيما نحن فيه لا

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 299، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 172

و الكافر يجب عليه الحج (33).

بالمعنيين الاوليين.

و الحق هو التبعية، فلا قضاء إلا في مورد يكون للأداء نحو ثبوت و إن لم يصل الى حد الفعلية، نظير الحكم في حق النائم، فإن المقتضي فيه موجود لا مثل المجنون و غير المميز مما لا يوجد فيه مقتضي التكليف لا أنّه موجود فيه، لكن يمنع عنه مانع، كالنوم؛ أو الوجه فيه موثق أبي بصير الوارد في قضاء الصوم عن المريض الذي استمر به المرض، فلاحظه. و من هنا بيننا على تقوية الوجه الأول من الوجوه المذكورة لتحقق الاستقرار.

و أما الوجه الثاني من مناقشة صاحب المدارك، فقد عرفت بطلانه مما تقدم من اختصاص الروايتين بمن استقر عليه الحج. فالتفت.

______________________________

(33) ذهب في «المدارك» إلى أن هذا الحكم اجماعي و خالف فيه أبو حنيفة.

و يستدل له- مضافا إلى الإجماع- بإطلاق الآية الكريمة: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، مع ما ورد في الكتاب المجيد من تعليل عذاب الكافرين بترك الفروع، حيث جاء في القرآن مجيد: إِلّٰا أَصْحٰابَ الْيَمِينِ* فِي جَنّٰاتٍ يَتَسٰاءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ* وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ «1». فإن قولهم وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ يفيد بإرادة الكفار من «المجرمين».

______________________________

(1)- سورة المدثر، 74: 39- 46.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 173

..........

و من الواضح ظهور الآية الشريفة لَمْ نَكُ مِنَ

الْمُصَلِّينَ في التعذيب على ترك الصلاة.

أقول: الحق عدم صحة تكليف الكافر و ذلك لان التكليف إنما هو باعتبار جعل الداعي نحو العمل. و من الواضح أن من لا يعترف بمولوية الآمر و ينكرها أو لا يعترف بوجود الآمر او صدور الأمر منه لا يكون جعل الحكم في حقه مؤثّرا في ترتب الأثر المرغوب و هو إمكان الدعوة، إذ لا يمكن أن يكون الحكم داعيا في حق من لا يؤمن بوجود الحاكم أو بصدوره منه.

و هذا المعنى ثابت حتى على رأي من يرى أن حقيقة الحكم هي جعل الفعل في عهدة المكلف، إذ هو لا يلتزم بذلك بنحو لا يختلف التكليف عن الوضع، بل يرى أن التكليف ذلك و لكن بداعي التحريك، فمع عدم قابلية المجعول للتحريك يمتنع جعله لا محالة.

و بالجملة، فتكليف الكافر نظير تكليف العاجز في عدم ترتب الغرض منه و هو امكان الدعوة. و عليه، فيكون ممتنعا كما يمتنع تكليف العاجز.

و أما ما سيق من الادلة على اثبات ثبوت التكليف في حق الكافر، فهو قابل للمناقشة.

أما الإجماع، فلو تم فهو غير تعبدي، إذ الحكم المذكور يعلل غالبا في كلمات الفقهاء بإطلاقات الادلة.

و أما إطلاق الآية و ظاهرها هي من آيات الاحكام، فلنا أن نقول: إن المنصرف منها عرفا توجه الخطاب الى المسلمين بالخصوص و إن كان اللفظ في نفسه عاما، و أن الظاهر عرفا من الخطاب الصادر ممن له أتباع مخصوصون توجهه إلى خصوص أتباعه و إن كان لفظ خطابه عاما في نفسه. و لو أنكر هذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 174

و لا يصح منه (34).

الظهور فما ذكرناه من امتناع تكليفه قرينة عقلية على تقييد المطلقات.

و أما

ما ورد من تعليل عذابهم بترك الفروع كما ادعي فهو غير ظاهر في المدّعى، إذ لم يرد التعبير بالكافرين بل عبّر بالمجرمين و لا ظهور له في الكافرين، بل يمكن أن يراد به الفاسقين.

و أما قولهم: وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ فيمكن أن يراد به إنهم كانوا يكذّبون بالقيامة عملا لا اعتقادا، بمعنى أنهم يرتكبون أعمال من لا يعتقد بوجود المعاد و العقاب، كترك الصلاة و الزكاة. و لعله يشير إلى ذلك قولهم: وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ الظاهر في عدم تقيّدهم بعمل خاص و طريقة مستقيمة- هذا أولا.

و ثانيا: أن العذاب على ترك الفروع لو سلّم أنه ثابت للكافرين بمقتضى هذه الآية، فلا يكون دليلا على تكليفهم بها، إذ لا ملازمة بين التكليف و العذاب على ترك المكلف به، إذ يمكن أن يكون العقاب على الترك لأجل أنّه تفويت الغرض المولى الملزم الذي كان المولى بصدد تحصيله، إذ يحكم العقل بلزوم تحصيله و مع الشك يلزمه الفحص و المفروض أنه مقصر، فيصح عقابه و إلا فالقاصر لا يعاقب قطعا.

و بالجملة، لا دليل على توجه التكليف للكافر يناهض ما ذكرناه من الدليل على استحالة توجهه إليه. فالتفت.

______________________________

(34) هذا من الاحكام الإجماعية كما فى «المدارك «1»» و يستدل له ببعض

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 69، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 175

..........

الوجوه القاصرة، كعدم تأتي نية القربة من الكافر، و عدم قابليته للقرب لبعده عن الساحة المقدسة بكفره.

و فى الأخير ما لا يخفى، فإن بعد العبد عن مولاه من جهة لا يتنافى مع قربه من جهة أخرى.

و أما الأول، فهو غير مطرد

بالنسبة الى جميع أصناف الكفرة كما هو واضح.

نعم، قد يدّعى عدم صحة العمل من الكافر باعتبار أن بعض أجزائه مشروط بالطاهرة كالطواف و هو غير طاهر، لكنّه يبتني على القول بنجاسة مطلق الكافر و هو محل خلاف، كما قد يستدل له بما ورد من اشتراط صحة العمل بالإيمان الملازم لاعتبار الاسلام و مانعية الكفر لأنه أخص منه. و سيأتي تحقيق ذلك عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنه لو بني على وجوب الحج على الكافر و عدم صحته منه، فلو مات في حال كفره، فهل يجب على وليّه القضاء عنه.

ادعي عدم وجوبه لأن القضاء إحسان الى الميت و هو لا يستحق الإحسان.

و على أي حال، فالظاهر أن عدم وجوب القضاء عنه مسلّم، و لعله- كما قيل- لأجل قصور أدلة لزوم القضاء عن شمول مثل هذه الصورة لعدم وجود مطلق يدل عليه حتى في هذه الصورة. و سيأتي تحقيق الكلام في محله، إن شاء اللّه تعالى.

و أما لو أسلم فهل يجب عليه الحج، أو لا؟

لا إشكال في وجوب الحج لو كان مستطيعا في حال إسلامه، لشمول دليل الوجوب له بلا كلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 176

..........

و أما لو لم يكن مستطيعا بأن زالت الاستطاعة في حال كفره.

فقد ذهب صاحب المدارك الى وجوبه عليه لأظهر الوجهين. و لم يذكر ما هما هذان الوجهان.

و من الغريب منه قدّس سرّه أنه نقل عن العلامة رحمه اللّه فى «التذكرة «1»» القول باختصاص الوجوب بالصورة الأولى و عدم وجوبه عليه في هذه الصورة. ثمّ قال عنه: «إنّه غير واضح».

و وجه الغرابة: أنّه ذهب الى وجوب الحج في هذه الصورة لأظهر الوجهين:

مما يكشف عن وجود وجه ظاهر

للقول بعدم الوجوب، فلعل منشأ قول العلامة هو هذا الوجه، فكيف يقول عنه أنّه غير واضح مع اعترافه بوجود وجه ظاهر له.

و على كل، فوجه وجوب الحج هو استقرار الحج في ذمة الكافر بعد ان وجب عليه و كان متمكنا من ادائه فأهمل.

و أما وجه عدم وجوبه عليه، فهو النبوي المشهور: «الاسلام يجبّ ما قبله «2»». و لا بأس بالتكلم حول النبوي و مقدار ربطه بالمقام، فنقول:

هذا النبوي ممّا اشتهرت روايته، و لكن رواياته ضعيفة سندا و متنا، كما لا يخفى على من لاحظها في موطنها. إلا أنه يعلم بصحة هذا المضمون من مجموع النصوص بحيث يظهر منها أنّه أمر مفروغ عنه و يؤكده السيرة العملية، فإنها جرت على عدم الزام الكافرين بقضاء اعمالهم و مؤاخذتهم على آثامهم بعد

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 102، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النوري، ميرزا حسين: مستدرك الوسائل، ج 7: ص 448، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام؛ ابن حنبل، احمد: المسند، ج 4: ص 199، ط المكتب الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 177

..........

اسلامهم. و لكن الذي يظهر منه بدوا أنه ناظر إلى محو سيئات الاعمال الصادرة في حال الكفر و أنّها بالاسلام تفرض كأن لم تحدث، نظير التوبة. بل ورد في بعض النصوص: «إن الاسلام و التوبة يكونان سببا لمحو السيئات». أما الآثار العملية المترتبة على بعض الاعمال فلا نظر له إليها، و لو سلم أنها تنظر الى مثل القضاء، فالمفروض أنه بترك الأداء يثبت الأمر بالقضاء من حينه الى أبد الدهر، فلا ينفي الإسلام وجوب القضاء بعد اسلامه. و أمّا ما قبله فهو منتف قطعا

لذهاب وقته، فالحال في القضاء كالحال فى الأداء لو أسلم في اثناء الوقت. إلّا أن يقال: إن القضاء حيث إنه يثبت مترتبا على مخالفة الواجب و تركه، فالإسلام يلغي هذه المخالفة، بمعنى أنه يلغي أثرها و يفرضها كالعدم، فلا يترتب عليها وجوب القضاء. فالحديث إنما يرتفع به القضاء الذي جرت عليه السيرة العملية بهذا الاعتبار أعني نظره الى الغاء سببية الاسباب الشرعية لآثارها، إلّا أنه لا يلتزم بإلغاء مطلق الاسباب فإنه مما لا يلتزم به أحد و إلا لزم فراغ ذمة الكافر من الدين لو أسلم و نحو ذلك، بل قد لا يلتزم بانتفاء مثل غسل الجنابة عليه.

فالضابط للآثار الملغية بالاسلام يمكن أن يحدد بالآثار المترتبة على ما فيه نحو من مخالفة الشارع و عدم المبالاة بأحكامه المجعولة و منها القضاء.

و حيث ثبت إلغاء وجوب القضاء بالاسلام، فهل ينفى وجوب الحج عن الكافر بعد إسلامه. الحق أنه لا ينتفي بالإسلام، لما عرفت من أن الاستطاعة شرط بحدوثها لوجوب الحج في العمر. غاية الأمر، أنه تلزم الفورية بها، فاذا لم تتحقق لم ينتف الوجوب الأول إذ لم يحدد بوقت خاص، كالصلاة و الصوم، و بما أن الكافر كان قد استطاع فقد وجب عليه الحج في عمره و حيث إنه لم يؤده في حال كفره وجب عليه أداؤه في حال اسلامه، و ليس وجوبه في حال الإسلام

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 178

فلو أحرم ثم اسلم، أعاد الإحرام. و إذا لم يتمكن من العود إلى الميقات، أحرم من موضعه (35). و لو أحرم بالحج و أدرك الوقوف بالمشعر لم يجزه، إلا أن يستأنف إحراما آخر، و إن ضاق الوقت أحرم و لو

بعرفات (36).

من باب القضاء كي يكون ملغى بالإسلام لالغاء سببه، فيكون الإسلام بالنسبة إلى الحج نظير الاسلام في أثناء وقت صلاة الظهر و العصر غير رافع لوجوب الصلاة، إذ لم تتحقق القبلية. و قد عرفت أنّه لا يرفع سببية مطلق الأسباب الحاصلة في حال الكفر و إلا لما وجبت عليه الصلاة لو أسلم في اثناء وقتها و لا يلتزم به أحد.

فالحق إذا مع صاحب المدارك في اختياره وجوب الحج بعد انتقاء الاستطاعة، فتدبر جيدا.

______________________________

(35) بما أنّه لا يصح إحرامه حال كفره عليه أن يعود الى الميقات، فيحرم منه ثانيا للزوم كون الاحرام منه، و مع عدم التمكن من الرجوع الى الميقات، قيل إنّه يحرم من مكانه الذي هو فيه، إلحاقا له بالناسي و الجاهل.

فلا بد من معرفة أن الدليل الدال على جواز الاحرام من مكانه عند عدم التمكن من العودة الى الميقات هل يعم جميع من لم يتمكن أو أنّه يختص بالناسي و الجاهل. و تحقيق ذلك في محله إن شاء اللّه تعالى. فانتظر.

(36) يظهر منه أن غاية إحرامه عرفات.

و أورد عليه في «المسالك» بأنه ينبغي أن يقول: «أحرم و لو بالمشعر»، إذ هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 179

..........

الفرد الخفي و مقتضى الترقي و التعميم ذلك، و هو لا وقع له إذ لعله لا يرى ذلك و يرى بأنّ غاية مكان الاحرام هي عرفات و هو المشهور. و على كل، فمحل الكلام هو أن غاية الاحرام هل هو المشعر أو عرفات؟ و لا بدّ من معرفة ذلك من ملاحظة دليله و هو يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنه بناء على لزوم الاحرام من عرفات و لم يتمكن

منه و كان بالمشعر قد يدعى إجزاء عمله لوجود ما دل على ان «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج «1»».

و فيه: مع تسليم عمومها و عدم اختصاصها بموردها و هو المملوك أن النص المزبور غير ناظر الى عدم الاحرام، بل الى عدم الاجزاء و الشرائط الأخرى للحج، فلا تشمل من لم يحرم من محله «2».

ثمّ إنه لو أحرم من عرفات و صحّ حجه، فهل عليه أن يعتمر بعد الحج أو يكتفى بذلك؟.

قيل «3» عليه أن يعتمر و ينقلب حجه إلى حج الإفراد لانه من موارد الضرورة التي ينقلب الحج فيها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 9 و 13.

(2)- قد يشكل بأنّه لو كان النص المزبور ناظرا الى عدم الاحرام فهو غير نافع، لأنّه يلغى اثر عدم الاحرام في السابق، امّا اللاحق فلا، و عليه، فيلزمه الاحرام لاحقا، و هو غير متمكن منه، للزومه من عرفات- كما هو الفرض- و المفروض أنّه لا يتمكن منه فيها، كما أنّه لو قلنا بعدم نظره الى عدم الاحرام في الزمان السابق، لم يصح حجه، و لو أحرم فعلا من عرفات، لانه قد مضى زمان لم يكن فيه محرما، مع اعتباره.

و قد وقع الكلام مع السيد الاستاذ- دام ظله- حول هذا الاشكال، و أوكل وضوح بطلانه و صحته إلى محله و تحقيق نحو اعتبار الاحرام. (المقرّر)

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 145، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 180

و لو حج المسلم ثم ارتدّ لم يعد على الاصحّ (37).

و قد يقال بالاكتفاء به لروايات: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» و هو- أي

الحج- اسم لمجموع العمرة و الحج. و تحقيق ذلك في محله إن شاء اللّه تعالى.

فانتظر.

______________________________

(37) قد يلتزم بلغوية حجه السابق و لزوم الحج عليه لو استطاع بعد اسلامه لوجهين:

الأول: أن ارتداده يكشف عن كفره الواقعي حال اسلامه الأول فيكون حجه باطلا لعدم صحة الحج من الكافر.

و فيه: أنّه لا دليل على ذلك، بل الدليل على خلافه و هو الآية الشريفة المثبتة للكفر بعد الايمان فضلا عن الاسلام و هي قوله عزّ و جل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً «1».

الثاني: ما دل من الكتاب المجيد على إحباط عمل من يكفر و هو قوله تعالى:

مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ «2»- الآية

و فيه: أنه إنما يدل على نفي الثواب لا على بطلان العمل. مضافا الى امكان دعوى ظهورها فيمن استمر كفره الى الموت، فلا تشمل من أسلم بعد كفره. هذا من حيث الدليل الخاص.

و أما القاعدة الأولية، فهى تقتضي الاجزاء. لأنه جاء بالعمل مطابقا للأمر فيسقط.

______________________________

(1)- سورة النساء، 4: 137.

(2)- سورة البقرة، 2: 217.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 181

و لو لم يكن مستطيعا فصار كذلك في حال ردته، وجب عليه الحج و صحّ منه إذا تاب. و لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب، لم يبطل احرامه على الاصحّ (38)، و المخالف إذا استبصر، لا يعيد الحج إلا أن يخلّ بركن منه (39).

______________________________

(38) احتمال بطلان إحرامه و لزوم تجديده تستند الى الوجهين السابقين في بطلان حج من يرتد و قد عرفت ما فيهما. و الى دعوى لزوم النية الاستمرارية المستمرة بالاستدامة الحكمية، كالصلاة و الصوم، و هو مما لا وجه له، بل

لازمه عدم صحة الاحرام من مثل المغمى عليه في الاثناء و نحوه و هو مما لا يلتزم به أحد.

(39) قد ادعي اشتراط العمل بالايمان، فلا يصح بدونه. و استدل له بما ورد من عدم قبول الأعمال بدون الولاية و أنّها تكون بدونها كالرماد في مهبّ الريح، و أنّها كأن لم تكن و نحو ذلك من المضامين، ك:

رواية محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «كلّ من دان اللّه عزّ و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و اللّه شانئ لاعماله- إلى أن قال:- و ان مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد إنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلوا و أضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 1/ باب 29: من ابواب مقدمة العبادات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 182

..........

و رواية أبي حمزة الثمالي- في حديث- عن علي بن الحسين عليه السّلام: «... و لو ان رجلا عمّر ما عمر نوح في قومه الف سنة الّا خمسين عاما يصوم النهار و يقوم الليل في ذلك المكان (يعني بين الركن و المقام الوارد في صدر الحديث) ثم لقى اللّه بغير و لا يتنا لم ينفعه ذلك شيئا «1»».

و رواية المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا معلّى، لو أن عبدا عبد اللّه مائة عام ما بين الركن و المقام يصوم النهار و يقوم

الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه و يلتقي تراقبه هرما جاهلا بحقنا لم يكن له ثواب «2»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضا الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته أمّا لو أن رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته إليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه و لا كان من أهل الايمان «3»». و غير ذلك من الروايات المختلفة المضامين الواحدة المرمى، فراجعها في مظانها.

هذا، و لكن المشهور على خلاف ذلك و قد ادعي أنّ نفي القبول مرجعه الى نفي الثواب لا عدم الاجزاء و عدم سقوط الأمر.

و التحقيق ان يقال: إنّ قوله عزّ من قائل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «4» يدل على ترتب الجزاء على فعل الخير و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 1/ باب 29: من ابواب مقدمة العبادات، ح 12.

(2)- المصدر، ح 13.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 182

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- سورة الزلزال، 99: 7 و 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 183

..........

أنّه يرى اثره و لو كان ذلك الخير مثقال ذرة، و هي صريحة تقريبا في ترتب الجزاء على فعل الخير و لو صدر من فاسق مرتكب للمعاصي. إذ لو اريد الفرد العادل

لم يكن وجه للتأكيد على الجزاء على الخير و لو كان الصادر مثقال ذرة.

و بعبارة أخرى: أنّها ظاهرة في ترتّب الجزاء على الخير و أنه لا يضيع فعل الخير عند اللّه و لو كان مثقال ذرة لا غير. و هذا المعنى يتصادم مع مفاد قوله تعالى: إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «1» فإنه ظاهر في عدم القبول من غير المتقين كما لا يخفى.

و طريقة الجمع أن نقول: باب القبول مرتبة خاصة من مراتب العمل بأن يكون مورد الرضى النفسي و ليس هو مجرد إعطاء الثواب.

و هذا في العرفيات كثير، فقد يترتب على العمل جزاؤه و لكنّه لا يرضى به و لا يقع موقع القبول من نفسه لعدم كماله، فالمستأجر قد يرى نفسه ملزما بدفع الأجر للاجير على خياطة ثوبه و لكن الخياطة لا تكون مورد رضاه لعدم كونها بنحو كامل من الهندسة الخياطية و الجمال و الدقّة. فالقبول مرتبة أعلى من مرتبة استحقاق الثواب.

فلدينا للعمل مراتب ثلاث: مرتبة موافقة الأمر به و مرتبة ترتب الثواب عليه و مرتبة القبول. و بذلك يظهر أنه لا تصادم بين الآيتين.

و إذا ثبت بذلك أن القبول عبارة عن معنى واقعي و إن لم ندرك حد تلك المرتبة بل يكفي معرفة وجودها بنحو الإجمال، فكل ما ورد من التعبير بالقبول يحمل عليه.

و عليه، فما ورد من عدم قبول العمل من المخالف يراد به ذلك و لا يراد به

______________________________

(1)- سورة المائدة، 5: 27.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 184

..........

بطلان عمله كما ادعي و لا نفي الثواب عليه كما عليه المشهور.

و أما ما ورد من أنه كأن لم يكن أو أنّه كالرماد في مهبّ الريح، فلا يدل

على بطلان العمل، بل على خلافه، إذ يدل على وجود الثواب و الجزاء لكنه في معرض العاصفة القوية التي لا تبقيه و تجعل وجوده كعدمه و ذلك لا ينافي حصول الكسر و الانكسار فيخفف عنهم العذاب و لكن لا تصل النوبة الى تحصيل الثواب، فلا يكون عملهم مؤثرا في ذلك.

و هذا هو المراد ممّا جاء في بعض النصوص من أنّه لم ينفعهم عملهم شيئا يعنى فيما ينتظرونه في المثوبة لا في تخفيف العقوبة.

و لو أراد من ذلك بطلان العمل لكان اللازم أن يعبر بأن عملهم باطل لا أنه كالعدم الظاهر في التنزيل لا في كونه عدما حقيقة.

و بالجملة، فالالتزام بترتب الأثر على عمل المخالف الخيري و لو بمقدار تخفيف العذاب عنهم بالكسر و الانكسار لا ينافيه نص و لا دليل و يكون ذلك موافقا لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.

و إذا لم يثبت بطلان العمل بالدليل الخاص، فمقتضى القاعدة صحته و تحقق الاجزاء، بل حصول الأثر بمقتضى الآية الكريمة. فتدبر.

ثمّ إنه بعد ذلك يقع البحث في الفرع الذي ذكره المصنف من إجزاء حج المخالف بعد استبصاره- و إن كان مخالفا لما هو المعتبر عندنا- و هذا لا اشكال فيه في الجملة لدلالة النصوص عليه ك:

رواية بريد بن معاوية العجلي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الاسلام و قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضة أو لو حج لكان أحب إليّ. قال: و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 185

..........

سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الاصناف

من أهل القبلة ناصب متديّن ثمّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الاسلام؟ فقال: يقضي أحب إليّ «1»».

و رواية عمر بن اذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل حج و لا يدري و لا يعرف هذا الأمر ثمّ منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الاسلام؟ قال: «قد قضى فريضة اللّه و الحج أحب إلي «2»».

و في رواية الكليني زيادة: «انه سأله عن رجل هو في بعض هذه الاصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثمّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر أ يقضى عنه حجة الاسلام أو عليه ان يحج من قابل؟ قال: يحج أحب إلي «3»».

اما رواية علي بن مهزيار، قال: كتب ابراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر عليه السّلام: «انّي حججت و انا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة الى الحج؛ قال: فكتب إليه: أعد حجك «4»».

فهي تحمل على الاستحباب ببركة غيرها الصريحة في استحباب الاعادة و عدم الوجوب.

و يقع البحث في جهتين:

الجهة الأولى: ما استثناه المصنف رحمه اللّه من صور الإجزاء و هو صورة الاخلال بركن منه، و قد وقع البحث في ان المراد الاخلال بركن عندنا أو عندهم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 23: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- الكليني، محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 4: ص 273/ ح 4، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 23: من ابواب وجوب الحج و شرائطه، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 186

..........

و قيل: بأنّ المراد بالركن الركن عندنا، و استقرب فى «المدارك «1»» إرادة الركن عندهم. و

ادعى خلو النصوص من حديث الركن، بل هي مطلقة.

و تحقيق الكلام: أن المحتمل في الروايات الدالة على الاجزاء وجوه أربعة:

الأول: ان يكون النظر فيها الى الغاء جهات النقص الموجودة في العمل بأيّ نحو كانت من الاخلال بالجزء أو الشرط عمدا أو جهلا باعتبار المخالفة ركنا كان او غيره عندنا أو عندهم، و من جهة فقدان الولاية أيضا بناء على دخالتها في الصحة و لو باستظهار ذلك من نفس هذه النصوص.

الثاني: أن يكون النظر فيها الى الغاء جهة النقص الحاصلة من عدم الولاية فقط.

الثالث: أن يكون النظر فيها الى الغاء جهة النقص الحاصلة من فقدان الجزء أو الشرط الناشئ من اختلاف المذهب من دون نظر الى عدم الولاية و يترتب عليه أنه لو جاء بالعمل على وفق المذهب الحق لم ينفع لعدم الولاية- بناء على اعتبارها في الصحة- و النصوص غير ناظرة إليها، بخلاف الحال على الاحتمال الثاني. فالتفت.

الرابع: أن يكون النظر فيها الى الغاء جهة النقص الحاصلة من عدم الولاية و من عدم الجزء او الشرط الناشئ من اختلاف المذهب.

و الأوجه هو الأخير، إذ هي ظاهرة في كون المسئول عنه إخلال جهة النقص الناشئة من المخالفة في المذهب لا مطلق النقص الحاصل حال عدم الولاية و لو كان عن علم و عمد فلا يتّجه الأول.

كما أنّها لا يقتصر فيها على النظر الى مجرد عدم الولاية، فإنه لم يثبت

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 74، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 187

..........

شرطيتها مضافا إلى الحكم بالاجزاء مطلقا مع أن الفرد الظاهر الغالب هو صدور العمل ناقصا و مخالفا عمّا عليه أهل الحق و

لا أقل الاختلاف في مثل الوضوء و الصلاة للطواف و بعض الاعمال الاخرى.

و مقتضى إطلاقها شمولها للإخلال بالركن عندنا لشمولها لمطلق المخالفة الناشئة من اختلاف المذهب. كما أن النظر غير مقصور على الاخلال بما هو معتبر غير الولاية، إذ هي ظاهرة في النظر الى جهة عدم الولاية، و كون عمله صدر في حال الخلاف، فتدبر.

و من هنا يظهر أن الحق هو تقييد الركن بالركن عندهم و عندنا، إذ المخالفة هاهنا لم تنشأ عن الاختلاف في المذهب فلا تلغى إلا على الوجه الأول و هو ضعيف كما عرفت.

الجهة الثانية: في شمول الحكم بالاجزاء لمن حكم بكفره من فرق المسلمين كالنواصب. و يقع الكلام فيه:

تارة: بلحاظ مقتضى القاعدة من جهة كفره بناء على عدم صحة عمل الكافر و جريان حكم الكافر عليه.

و أخرى: بلحاظ النصوص الخاصة.

أما مقتضى القاعدة، فالمسلم المحكوم بكفره يختلف عن الكافر في ثبوت أصل الحكم بالنسبة إليه، فإنّه قابل لتعلق التكليف به و توجهه إليه لإمكان انبعاثه بعد اعتقاده بالحكم، بخلاف الكافر على ما عرفت. فهذا النوع مكلّف بالحكم.

كما أنّه لا يمكننا إجراء حكم الكافر بالنسبة إليه في نفي القضاء عنه لو أسلم بدعوى شمول النبوي «الاسلام يجبّ ما قبله» له، إذ قد عرفت عدم ظهوره في نفي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 188

..........

القضاء بل هو ظاهر في محو السيئات كالتوبة، و نفي القضاء عن الكافر كان بالسيرة و لم يثبت قيامها في من حكم بكفره.

فالقدر المتيقن منها غير هذا النوع من الكفار.

فلا تقتضي القاعدة نفي وجوب قضاء أعماله الباطلة لوقوعها حال كفره كما تقتضي نفي القضاء عن الكافر الذي يسلم.

مضافا الى ما عرفت من عدم فائدة النبوي في

نفي إعادة الحج لأنّه ليس من قبيل القضاء بل من قبيل الواجب للواسع.

و أما النصوص المتقدمة، فقد يدّعى عدم شمولها لمثل الناصب لظهورها في الغاء جهة المخالفة و عدم الولاية و ما ينشأ عن ذلك من مخالفات في نفس العمل فقط، و لا نظر لها الى جهة اخرى لا ترتبط بذلك توجب البطلان و هي الكفر.

و يدفعها: أنّه قد ورد التصريح في نصوص متعددة باجزاء ما صدر من الناصب من حج- كما تقدم- و غيره «1»، لصحيحة محمد بن مسلم و بريد و زرارة و الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء كالحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحس رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة بالشي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة- الحديث «2»». و ذلك يكشف عن إرادة مطلق المخالفين و لو كان محكوما بكفره فتدبر.

و قد يدعى معارضة هذه النصوص برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،

______________________________

(1)- ذكرها فى «المدارك» في هذا الفرع (- مدارك الاحكام، ج 7: ص 74).

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 3: ص 545/ ح 1، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 189

و هل الرجوع إلى الكفاية من صناعة، أو مال، أو حرفة شرط في وجوب الحج؟ قيل: نعم، لرواية أبي الربيع، و قيل: لا، عملا بعموم الآية و هو الاولى (40). و إذا اجتمعت الشرائط فحج متسكّعا، أو حج ماشيا، أو حج في

نفقة غيره، أجزأه عن الفرض (41). و من وجب عليه الحج، فالمشي أفضل له من الركوب (42).

قال: «و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج «1»»؛ و لكن قيل إنها ضعيفة السند، مع أن كثرة تلك النصوص الدالة على الاجزاء توجب الاطمئنان لو لا القطع بمضمونها، فتطرح هذه الرواية مضافا الى امكان دعوى حملها على الاستحباب. فتأمل «2».

______________________________

(40) قد تقدم ترجيح اعتباره بمقدار يكون عدمه مخلا بالاستطاعة عرفا. و عرفت أنّه مضمون الرواية لا أكثر. فراجع «مسألة 57» من مسائل «العروة».

(41) لكون شرط الوجوب هو الاستطاعة دون أعمالها خارجا فأنه لا يشترط في الحج أكثر من ذلك، فالإجزاء لأجل أنه جاء بالعمل مطابقا للأمر من دون مخالفة.

(42) من النصوص «3» ما يدل على أفضلية المشي بقول مطلق، ك:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 23: من ابواب وجوب الحج، ح 5.

(2)- اشارة إلى منافاة ذلك بظهور «فعليه».

(3)- ذكر جميعها في «وسائل الشيعة» (ج 8/ باب 32 و 33: من ابواب وجوب الحج).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 190

..........

رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ما عبد اللّه بشي ء أشد من المشي و أفضل».

و في رواية «الخصال»، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ما عبد اللّه بشي ء أفضل من الصمت و المشي إلى بيته».

و منها ما يدل على أفضلية الركوب بقول مطلق، ك:

رواية رفاعة قال: «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل الركوب أفضل أم المشي؟

فقال: الركوب أفضل من المشي، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركب».

و رواية ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه سئل عن الحج

ماشيا أفضل أو راكبا؟ فقال: بل راكبا، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجّ راكبا».

و منها ما يقيد أفضلية الركوب لأجل القوة على الدعاء و العبادة، ك:

رواية سيف التمار، عن أبي عبد اللّه- في حديث-: «... فقلت: أي شي ء أحب إليك نمشي أو نركب؟ فقال: تركبون أحبّ إلى فإن ذلك أقوى على الدعاء و العبادة».

و منها ما ورد فيها أفضلية الركوب إذا كان الحامل على المشي تقتير المال و توفيره و عدم صرفه، ك:

رواية أبي بصير، عن الصادق عليه السّلام: «أنّه سأله عن المشي أفضل أو الركوب؟

فقال: إذا كان الرجل موسرا فمشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل».

و منها «1» ما ورد فيها أفضلية المشي إذا كانت تساق معه محامله و رحاله، ك:

رواية عبد اللّه بن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا نريد الخروج إلى مكة مشاة، فقال: لا تمشوا و اركبوا. فقلت: أصلحك اللّه، إنه بلغنا أن الحسن بن

______________________________

(1)- هذا التفصيل لم يتعرض إليه السيد الاستاذ- دام ظله- و قد كتبته سهوا. فالتفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 191

اذا لم يضعفه (43)، و مع الضعف الركوب أفضل.

مسائل أربع
[الاولى اذا استقرّ الحج في ذمته ثم مات، قضي عنه من أصل تركته]

الاولى: اذا استقرّ الحج في ذمته ثم مات، قضي عنه من أصل تركته. فان كان عليه دين و ضاقت التركة، قسمت على الدين و على اجرة المثل بالحصص (44).

علي حج عشرين حجة ماشيا، فقال: إن الحسن بن علي عليه السّلام كان يمشي و تساق معه محامله و رحاله».

و لأجل اختلاف النصوص اختلفت الاقوال من حيث إطلاق أفضلية الركوب أو المشي أو التفصيل بأنحائه الثلاثة.

و الحق هو الالتزام بالتقيدات الثلاثة حملا للمطلق على المقيد. فيلتزم بأفضلية المشي ما لم

يضعفه عن الدعاء أو كان لأجل شحّ النفس أو مع مظهر الذلة أو التعرض للخطر و الأذى كما هو مقتضى التقييد الثالث و هناك تقييد آخر رابع و هو أفضلية الركوب لو كان لأجل الوصول سريعا و المقام هناك لأجل العبادة. و تدل عليه رواية هشام بن سالم، أنّه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «أيّما أفضل: نركب إلى مكة فنعجل فنقيم بها الى أن يقدم الماشى أو نمشى؟ فقال: الركوب أفضل». و الأمر سهل ما دام الحكم استحبابيا.

______________________________

(43) يعني عن الدعاء.

(44) هذه المسألة اشتملت على حكمين:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 192

..........

أحدهما: وجوب قضاء الحج عمن مات و قد استقر عليه الحج من أصل تركته.

و الآخر: توزيع التركة بالحصص على الدين و اجرة مثل الحج لو ضاقت عنهما.

أما الحكم الأول، فهو ممّا لا إشكال فيه نصا و فتوى، فإن النصوص الدالة على لزوم القضاء عنه من اصل التركة متعددة، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يقضى عن الرجل حجة الاسلام من جميع ماله «1»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه قال: إن كان صرورة فمن جميع المال و إن كان تطوعا فمن ثلثه «2»».

و نحوها روايته الاخرى و فيها: «إنه بمنزلة الدين الواجب «3»».

و في بعض آخر التعبير ب: «أنّها دين عليه «4»».

و أما الحكم الثاني: فهو الموجود في كلمات الفقهاء و يقع البحث في جهتين:

الجهة الأولى: فيما هو مقتضى القواعد الأولية، فنقول: أن المورد يكون من موارد التزاحم فإن وجوب قضاء الحج و وجوب اداء الدين

عن الميت يزاحم كل منهما الآخر، لعدم القدرة على امتثالهما معا بعد قصور التركة. و الثابت في باب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 25: من ابواب وجوب الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 193

..........

التزاحم هو التخيير بين المتزاحمين لو لم يكن أحدهما أهم و مع أهمية أحدهما يتعين تقديمه على الآخر.

و عليه، فإذا لم تثبت أهمية أحد الحكمين فيما نحن فيه، فالتخيير متعين.

فللولي أن يصرف المال في أداء الحج و له أن يصرفه في أداء الدين مخيّرا في ذلك، إلا أنه قد ورد في بعض النصوص تقديم الحج على الدين، كرواية بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث-: «... و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فإن فضل عن ذلك شي ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين «1»».

الجهة الثانية: في ما ورد في كلمات الفقهاء من التوزيع بالحصص، فإنه غير سديد كبرويا و صغرويا.

أما كبرويا: فلأنه لا دليل عليه سوى ما يدعى من قاعدة العدل و الانصاف المتصيدة من بعض الموارد و لعل منها مورد الارث إذا اقصرت التركة عن وفاء الديون، فإنه يحكم بالتوزيع بين الغرماء بالحصص.

و من الواضح أنها لو ثبتت فهي ثابتة بالنسبة الى حقوق الناس فيما بينهم و لا ثبوت لها بالنسبة الى حقوق اللّه تعالى، و هو حكم على خلاف القاعدة. فإنك عرفت أن القاعدة في مورد التزاحم هي التخيير مع عدم الأهمية و لو لا هذه القاعدة أو الدليل الخاص لاتجّه الحكم بالتخيير في باب

المفلّس و نحوه لا الحكم بالتوزيع بالحصص، فإنه لا يتلاءم مع مقتضى قواعد المزاحمة.

و أما صغرويا: فلأنه لا معنى للتوزيع فيما نحن فيه؛ لأنّه من الواضح أن ما يجب قضاؤه هو الحج بمعنى المجموع المركب من الحج و العمرة. و أما أحد العملين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 26: من ابواب وجوب الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 194

[الثانية يقضى الحج من أقرب الاماكن]

الثانية: يقضى الحج من أقرب الاماكن، و قيل: يستأجر من بلد الميت (45)، و قيل: ان اتسع المال فمن بلده، و إلا فمن حيث يمكن، و الأول أشبه.

فلا دليل على لزوم قضائه كونه من أصل المال.

و حينئذ نقول: إن الحج الواجب إن كان هو الحج من أقرب المواقيت، فلا يجدي التوزيع المدّعى، إذ حصة أجرة الحج لا تفي به كما هو الفرض، و بعض العمل لا يجب قضاؤه.

و إن كان هو الحج من البلد، فهو إنما يجب مع سعة المال و مع عدم سعته لا يجب الحج إلا من الميقات، و المفروض عدم السعة في المال فيما نحن فيه بعد فرض وجوب أداء الدين و ضيق التركة لانتفاء التمكن عرفا حينئذ، فيكون الواجب هو الحج من الميقات و يكون التوزيع بنسبة اجرته فيعود المحذور السابق.

و بالجملة «1»، لا نتعقل للتوزيع مضى يجدى في الاتيان بالحج كما يفرضه الاصحاب حيث يقولون: «إنّه إن وفت حصة الحج به فهو و إلّا فكذا «2»».

______________________________

(45) هذه المسألة وقعت محلا للخلاف، فالمشهور على أن الواجب هو الحج من الميقات ببيان: أن الواجب نفس الاعمال و الذهاب مقدمة إليه فيجب من

______________________________

(1)- لعل الوجه فيما ذكره الاصحاب هو أن التوزيع على الدين و اجرة المثل

لا ينافي وفاء الحصة بالحج كما لو حصل شخص يذهب الى الحج نيابة بأقل: من اجرة المثل، فموضوع التوزيع ليس أقل افراد الاجرة بل اجرة المثل فيمكن ان تكون حصتها وافية بالحج بالنحو الذي عرفت. (المقرر)

(2)- اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى/ كتاب الحج، المسألة 83: في شرائط وجوب الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 195

..........

باب المقدمة عند الاحتياج إليه، فمع وجود النائب من الميقات لا يحتاج إليه، فلا يلزم سوى النيابة من الميقات.

و قد ذهب ابن إدريس «1» الى وجوب الحج من البلد محتجا بوجهين:

الأول: أن المحجوج عنه كان يجب عليه الحج من البلد و نفقة طريقه، فمع الموت لا تسقط النفقة.

الثاني: تواتر الاخبار بذلك.

و ناقشه المحقق «2» فى «المعتبر»: بأن دعوى التواتر غلط فإنه لم نقف في ذلك على خبر شاذ، فكيف يدعى التواتر، و أن دعوى وجوب الحج من البلد على المحجوج عنه ليست بشي ء، فإنه لو أفاق المجنون عند بعض المواقيت أو استغنى الفقير وجب ان يحج من موضعه و لا يجب عليه أن يرجع من بلده ثمّ ينشئ سفر الحج.

أقول: التحقيق يقضي بموافقة ابن ادريس في كلا وجهيه.

أمّا الأول: فلأن الظاهر من أدلة وجوب الحج في مواردها المختلفة سواء في ذلك الآية و النصوص أن الواجب هو الذهاب الى مكة و السفر إليها، كما هو ظاهر لفظ الحج الذي هو بمعنى القصد. و أما الاعمال المخصوصة فهي واجبة في هذا الذهاب، فالحج اسم للذهاب الى مكة المقيد بالاعمال الخاصة، لا أنه اسم لنفس الاعمال و الذهاب مقدمة إليه. و لذا يعبّر عن الحج بالفارسيّة ب: «مكه رفتن».

و دليل القضاء يدل على لزوم قضاء ما هو الواجب، فيجب

قضاء الذهاب

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 516، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 760، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 196

..........

الى مكة و السفر إليها.

فيندفع ما ذكره فى «المدارك «1»» من أنه لو سلمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضاءه لان القضاء، إنما يجب بدليل من خارج و هو إنما قام على وجوب قضاء الحج خاصة.

فانه قد عرفت ان الحج اسم للذهاب و ليس هو واجبا آخر غير الحج.

و أما الثاني: فلأن من يتتبع الاخبار يراها متظافرة في اداء هذا المعنى و دالة بنحو قطعي على أن القضاء من البلد. و هي طوائف:

الطائفة الأولى: ما دل على لزوم الاستنابة في حال الحياة لو لم يتمكن من الحج فأنه قد ورد الأمر فيما بتجهيز رجل و هو ظاهر في ارساله من البلد لا من الميقات.

و لو أبيت إلا عن انكار ظهوره في ذلك و أنه ليس ظاهر الا بتهيئة الرجل للحج، فقد ورد في بعضها: «فجهّز رجلا ثمّ ابعثه يحج عنك»، فأنها صريحة في النيابة من البلد لصراحة البعث في ذلك و هذا يكون قرينة على أن المراد بالتجهيز هو التهيئة من البلد.

و قد يشكل الاستدلال بهذه الطائفة من جهتين:

الأولى: أنّها- على التحقيق- تتكفل حكما استحبابيا لا إلزاميا، فلا ظهور لها في لزوم الاستنابة من البلد.

الثانية: أنها حكم على الحي، فالتعدي الى الميت قياس.

و تندفع الجهة الأولى من الاشكال: بأنها إنما تدل على استحباب اصل العمل، فلا ينافي ذلك لزوم بعض الخصوصيات فيه، بمعنى اعتباره فيه و عدم

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك

الاحكام، ج 7: ص 84، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 197

..........

صحته بدونه، كلزوم الركوع في الصلاة الاستحبابية، و لا موجب لرفع اليد عن ظهور الدليل في اللزوم.

و تندفع الجهة الثانية: أنها خلاف الظاهر فإن الظاهر كون الحكم المذكور هو الثابت في باب النيابة لا أنه لخصوص الحي.

الطائفة الثانية: ما ورد في باب الوصية من كون لزوم الحج من البلد في ذهن السائل و تقرير الامام عليه السّلام له، و هو رواية عبد اللّه بن بكير، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال:

فيعطى في الموضع الّذي يحج به عنه «1»».

فأنه لو لم يكن الحج من البلد لازما لبين الإمام عليه السّلام للسائل ذلك و رفع ما هو مرتكز في ذهنه، فعدم ذلك تقرير منه عليه السّلام للسائل.

الطائفة الثالثة: ما ورد من لزوم الحج من البلد مع سعة المال، و هو رواية محمد بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: «على قدر ماله إن وسعه ماله فمن منزله و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة «2»».

الطائفة الرابعة: ما ورد فيمن أوصى ان يحج عنه كل سنة فلم يسعه ماله من البلد من أنّه يجعل مال سنتين في حجة واحدة من البلد. أو نحو ذلك، كرواية ابراهيم بن مهزيار، قال و كتبت إليه عليه السّلام: «ان مولاك علي بن مهزيار أوصى ان يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك في كلّ سنة حجة

إلى عشرين دينارا و أنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب النيابة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 198

..........

و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم. فكتب عليه السّلام: يجعل ثلاث يحج حجتين إن شاء اللّه تعالى «1»» فأنه لو كان اللازم هو الحج من الميقات و عدم لزوم كونه من البلد، لكان المتجه امره ان يحج عنه من الميقات و بيان عدم لزوم كونه من البلد «2».

الطائفة الخامسة: ما ورد فيمن مات في الطريق قبل الاحرام من أنه يجعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام الظاهر في الاستنابة من مكان الموت بقرينة جعل الجمل في الحج. مع أنه قد يموت المسافر قبل الميقات بمراحل، فلا يتّجه الحكم إلا باعتبار الحج من البلد الذي مات فيه. و هو رواية بريد العجلي المتقدمة فيمن مات قبل الاحرام.

و قد يستشكل في النصوص الواردة في باب الوصية من وجوه:

الأول: ما ذكره فى «المدارك «3»» انه حكم في مورد الوصية، فلعل ظاهر الوصية كون الحج من البلد فلا يصح التعدي منه الى غيره.

و فيه: ما ذكره فى «الجواهر «4»»: من عدم الفرق عرفا بين قول الموصي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب النيابة، ح 2.

(2)- هاهنا اشكال حاصل: إن الذي يلتزم به الفقهاء لزوم الحج: من الميقات لو لم يكف المال فليتم لم يأمر الامام عليه السّلام بذلك في هذه المسألة، فالحكم المذكور لا يستقيم على كلا القولين.

و الجواب أن الحج المفروض هو الحج الاستحبابي إذ لا يجب

الحج في كل عام، فاذا لم يكف المال للحج في كل سنة يدور الأمر بين الحج: من الميقات في كل سنة و الحج: من البلد في كل سنتين و نحوه فرجّح الامام عليه السّلام الثاني و هو يكفينا في الاستدلال، لانه يكشف عن وجود خصوصية في الحج: من البلد إذ لو لم يكن في نفسه هو اللازم الأولي و لا خصوصية لقطع المسافة لم يكن وجه لترجيحها على نفس الحج، فالتفت.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام ج 7: ص 86، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 324، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 199

..........

حجوا عني و بين قول الشارع حجوا عنه في انصراف الأول الى الحج من البلد دون الثاني.

الثاني: أنه حكم تعبدي في باب الوصية، فلا وجه للتعدي منه الى غيره لامكان وجود خصوصية للوصية و لو لم تكن ظاهرة في إرادة الحج من البلد.

و فيه: أن هناك نصوصا «1» دلت على لزوم الحج في مورد الوصية من أصل المال معللة ذلك بأنه بمنزلة الدين، فإنّه بقرينة التعليل نستكشف أن الحج الذي يلزم أداؤه في مورد الوصية و المفروض أنه من البلد بمنزلة الدين و لذا يخرج من اصل المال لا من الثلث.

فهذه النصوص ظاهرة في كون الحكم بالحج من البلد ليس تعبديا في باب الوصية فقط، بل هو الثّابت على الميت و لاجل ذلك كان دينا و إلا كان الدين خصوص الحج من الميقات لا الحج من البلد. فتدبّر جيّدا.

الثالث: ما ذكره فى «الجواهر «2»» معارضتها بما دل على جواز الحج من الميقات و هو رواية زكريا بن آدم،

قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال: «أمّا ما كان دون الميقات فلا بأس «3»».

و فيه: أن النسبة بينها و بين رواية محمد بن عبد اللّه نسبة العام و الخاص فتقيدها بصورة عدم وفاء المال بالحج من البلد، لأنها مطلقة من هذه الجهة و رواية محمد مقيدة. فلا وجه لدعوى التعارض و الالتزام بتساقطهما و الرجوع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 29: من ابواب وجوب الحج.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 324، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب النيابة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 200

..........

الى الأصول، كأصالة البراءة.

و المتحصل: أنه بملاحظة هذه الطوائف من النصوص مضافا الى الوجه الأول يحصل الجزم بأن الثابت هو لزوم الحج من البلد لا من الميقات، و إنّما هو ثابت مع عدم وفاء المال.

و هذا الحكم موافق للاحتياط و إن كان يخالفه فيما إذا كان الوارث صغيرا لكنه مؤدّى الأدلة فلا محيص عنه.

ثم إنه يقع الكلام في المراد بالبلد هل هو بلد السكنى أو بلد الموت؟

الظاهر أنه بلد الموت أما بناء على استفادة الحكم من القاعدة- يعني من الدليل الاولي لثبوت الحج-، فواضح «1» لأن الواجب هو النيابة بما كان لازما على الميت.

و من الواضح أنه يلزمه الحج من المكان الذي هو فيه اين ما توجّه، إذ يتوجه إليه أين ما كان خطاب اذهب الى مكة و ظاهره لزوم الذهاب من مكانه الذي هو فيه.

فإذا مات و الحال هذه كان الواجب عليه هو الذهاب الى مكة من مكانه

لأنه قبل الموت كان مورد الخطاب، فتلزم النيابة من مكان الموت.

و هكذا الحكم لو كانت النيابة من البلد مستفادة من النصوص الخاصة لظهور رواية بريد العجلي في ذلك، كما عرفت، و ظهور رواية زكريا بن آدم،

______________________________

(1)- هذا غير مطرد، لانه إذا مات في أثناء السنة يكشف عن عدم كونه مكلفا بالحج في السنة التي مات فيها، بل هو مكلف بالحج في السنة التي فاتته فلا بد ان يلاحظ البلد الذي كان فيه في آخر أزمنة تمكنه: من الحج في السنة الماضية، فقد يكون هو البلد الذي مات فيه، و قد يكون غيره، فالتفت. (المقرر)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 201

[الثالثة من وجب عليه حجة الاسلام لا يحج عن غيره]

الثالثة: من وجب عليه حجة الاسلام لا يحج عن غيره، لا فرضا و لا تطوعا (46)، و كذا من وجب عليه بنذر أو إفساد.

لأنها ظاهرة في كون المركوز في الاذهان من البلد هو بلد الموت، و رواية «السرائر «1»» ظاهرة في ذلك أيضا، فيكون ذلك قرينة على كون المقصود من «بلده» أو «منزله» في الروايات الاخرى هو بلد الموت و إن كانت ظاهرة في نفسها في بلد السكن، فلاحظ.

______________________________

(46) استدل لهذا الحكم في الأول بوجهين:

الأول: أن الأمر يقتضي النهي عن ضده على وجه يقتضي الفساد.

الثاني: أن وجوب الحج فوري، فيكون موقتا، و مع التوقيت لا يصح غيره في وقته، نظير الصوم في شهر رمضان، حيث لا يصحّ أن يكون غير الصوم الواجب لاختصاص الوقت به.

و ناقش صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» كلا الوجهين بعد ذكرهما.

أما الأول: فبأن التحقيق أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده.

و أما الثاني: فبأن الفورية لا تستلزم التوقيت و لو سلم، فلا دليل على عدم قبول

الوقت لغير حج الاسلام و الحكم بذلك يحتاج الى دليل.

و تحقيق الحال فيما هو مقتضى القاعدة الأولية في كلتا الصورتين: أن الحج الندبي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب النيابة، ح 4.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 328، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 202

..........

تارة: يلتزم بأنّه عمل آخر غير الحج الوجوبي، بمعنى أنه يختلف عنه حقيقة و إن اتفق معه صورة، فيكون الفارق بينهما جهة قصديّة، كالفارق بين صلاة الظهر و العصر و صلاة الصحيح و نافلتها.

و اخرى: يلتزم بأنه لا فرق بين العملين اصلا سوى أن هذا مأمور به بنحو الوجوب للموضوع الخاص و هو المستطيع و ذاك مأمور به بنحو الندب.

فعلى الأول، يكون الاتيان باحدهما مانعا من تحقق الآخر، فيتحقق التضاد بينهما و التزاحم بين حكميهما، فيقدم الوجوب لا محالة إلا أنه لو جاء بالعمل بقصد الأمر الندبي يكون صحيحا لتعلق الأمر به ندبا بنحو الترتب، فإنّه قد ثبت امكان القول به في الحكمين المتزاحمين. بل لو لم يلتزم بالترتب فقد التزم بصحة العمل لاجل وجود الملاك فيه و إن ارتفع عنه الأمر بالمزاحمة، و هو يكفي في صحة العمل بلا احتياج الى قصد الأمر.

و على الثاني: فبما أن إطلاق دليل الندب يشمل مورد ثبوت الوجوب و اجتماع الحكمين في مورد واحد محال، فأنه من اجتماع المثلين يلزم أن يتعلق بالعمل وجوب مؤكد، فالحكم الاستحبابي ثابت بواقعه و إن زال بحدّه.

فإذا جاء المكلف- في هذا الحال- بالعمل بقصد الأمر الندبي الثابت بواقعه صحّ منه العمل و أجزأ عن حجة الاسلام الواجبة لأنه جاء بفرد منها صحيح بنحو قربي، فيتحقق الامتثال لانطباق

المأمور به على المأتي به قهرا، فيتحقق الاجزاء بحكم العقل، و لا يعتبر في التقرب اضافة العمل الى المولى في الطريق الذي يقصد امتثاله.

و الظاهر من الأدلة هو كون العمل الندبي لا يختلف عن العمل الوجوبي، بل هو عمل واحد يتعلّق به الوجوب بلحاظ موضوعه، فأنه لا يظهر من الادلة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 203

..........

وجود الفرق الواقعي بينهما، و ثبوت الفرق الواقعي في أفراد الصلاة المتشابهة لاجل قيام الدليل عليه و لترتيب بعض الآثار و الاحكام المقتضية لوجود الفرق حقيقة بينها، و لولاه لما اتّجه دعوى وجود الفرق. و ليس في مورد الحج ما يقتضي ذلك اصلا.

و من هنا ظهر صحة فتوى «المبسوط «1»» بأنه لو حج ندبا انقلبت حجة اسلام، و لا وجه لما فى «الجواهر «2»» من القطع بفساده.

هذا بالنسبة إلى الحج الندبي، و أمّا بالنسبة الى الحج عن الغير، فالظاهر أنه عمل آخر غير حجة الاسلام عن نفسه، لأن اضافة العمل إلى الغير وجهة النيابة فيه جهة واقعية توجب وجود الفرق الواقعي بين العملين بحيث يكون أحدهما غير الآخر- إلا أن يلتزم بأن حقيقة النيابة إهداء الثواب بحيث يكون العمل عن نفسه فإنّ له حكما آخر-، فيقع التزاحم بين وجوب الوفاء بالاجارة و وجوب الحج فيكون وجوب الحج مقدما لأهميّته، و لا يثبت الأمر بالاجارة بنحو الترتّب لما قرّر محله من الأمر بالوفاء بالعقود الوارد في الآية الكريمة ظاهر في مسببية العقد للأثر بمعنى أنّه لا ينفك عنه، فهو حين يقع يقع صحيحا و إلا فهو باطل، و لا يقبل التعليق بمعنى أنه بعد وقوعه قد يصير صحيحا على تقدير و قد يصير باطلا على تقدير

آخر.

نعم، في الشرائط الشرعية يثبت هذا المعنى و لذا تعلق صحة العقد من الفضولي على رضا المالك إلا أن ذلك لقيام الدليل عليه و بدونه لا يصح الالتزام به، لأنه خلاف ظاهر الأمر بالوفاء بالعقد، فأنه ليس على حدّ سائر الاوامر التي

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 302، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 328، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 204

..........

يجري فيها الترتب.

و بالجملة، فالأمر الناشئ من الاجارة ساقط لكنه لا يتنافي مع صحة العمل عن الغير في نفسه لأنه مندوب في حد ذاته و وجوب الحج عن نفسه و إن نفي استحبابه لكنه يمكن الالتزام به بنحو الترتب، فيمكن الاتيان بالعمل عن الغير لمشروعيته و يكون صحيحا.

هذا بالنسبة إلى ما تقتضيه القاعدة الاولية في الموردين.

أما الدليل الخاص فلم يرد في نفي صحة العمل التطوعي دليل، فالعمل بما تقتضيه القاعدة متعين.

و أما العمل النيابي و الحج عن الغير، فقد وردت فيه روايتان وقع الكلام في دلالتهما و هما:

رواية سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال: «نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحج من ماله. و هي تجزي عن الميت ان كان للصرورة مال و ان لم يكن له مال «1»».

و رواية سعيد بن عبد اللّه الأعرج: أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ قال: «نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فإن كان له مال

فليس له ذلك حتّى يحجّ من ماله و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال «2»».

و هاتان الروايتان مجملتان من جهة الدلالة للتناقض الحاصل بين أجزائها،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 205

..........

إذ ظاهر قوله عليه السّلام في رواية سعد: «فليس يجزي عنه» عدم الاجزاء عن الميت لأن السؤال عن صحة نيابة الصرورة عنه و هو يناقض قوله بعد ذلك: «و هي تجزي عن الميت ...». و هكذا ظاهر قوله عليه السّلام في رواية سعيد: «و ليس له ذلك» عدم مشروعية النيابة عن الميت إذا كان له مال و هو مناقض لقوله بعد ذلك: «و هو يجزي عن الميت ...».

و قد تصدّى صاحب الجواهر «1» إلى توجيههما بنحو يرتفع التناقض الظاهر و بنحو تكونان دالّتين على عدم مشروعية النيابة مع الاستطاعة.

و لكن ما أفاده قدّس سرّه لا يعدو أن يكون توجيها تبرّعيا لا يظهر من الكلام نفسه، فلا يمكن الاعتماد عليه.

و من الغريب أنه بعد أن ذكر التوجيه البعيد عن الظاهر قال: «و لعل ذلك هو المنشأ لاتفاق الاصحاب ظاهرا على ذلك- يعني: عدم صحة النيابة مع الاستطاعة لحج الاسلام-».

و قد يدعى رجوع ضمير «يجزى عنه» في الرواية الاولى الى النائب لا الميت، فتكون دالة على نفي إجزاء الحج النيابي عن حجة الإسلام في ظرف الاستطاعة.

كما يدعى أن المقصود من «ليس له ذلك» في رواية سعيد نفي الجواز تكليفا لا وضعا، و على هذا، فلا ينافي ذلك حكمه بالاجزاء عن الميت، فتكون الروايتان دالتين على الاجزاء لا عدمه.

و هذه الدعوى مخالفة للظاهر- أيضا-

فلا تصلح للركون إليها و ذلك لأن السؤال في صدر الروايتين عن صحة حج الصرورة عن الميت، فلا معنى للاجابة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 329، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 206

[الرابعة لا يشترط وجود المحرم في النساء]

الرابعة: لا يشترط وجود المحرم في النساء، بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة (47)،

بانه لا يجزي عن الصرورة و يجزي عن الميت، فانه أجنبي عن محط السؤال و ليس قوله «فان كان له ما يحج ...» كلاما مستأنفا، بل هو متفرع عما تقدم.

كما أنه لا معنى للإجابة بانه يحرم عليه ذلك خصوصا مع كون فورية الحج من الامور الواضحة التي لا يتوقف فيها. و على كل فهى ليست مورد السؤال.

و المتحصل: ان الروايتين مجملتان دلالة، فيسقطان عن الاعتبار. إلا أن هذا لا يسوّغ لنا الرجوع الى ما هو مقتضى القاعدة لوجود ما يدل على عدم صحة النيابة من المستطيع و اشتراط عدم الاستطاعة و ثبوت الحج في صحة النيابة و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الاسلام و له مال قال: يحج عنه صرورة لا مال له «1»».

و هذه الرواية و إن وردت في مقام توهم الحظر لاحتمال عدم صحة نيابة الصرورة كما تشير إليه بعض النصوص بلحاظ أنه لا يعرف أحكام الحج فلا ظهور لها في الوجوب. إلا أن ورودها مورد التحديد يكفينا في اثبات المدعى، لأن مفهوم التحديد أقوى المفاهيم، فتكون دالة على عدم صحة نيابة الصرورة الذي له مال، فالتفت.

______________________________

(47) مقتضى القاعدة هو وقوع التزاحم بين وجوب اطاعة الزوج و أداء حقّه و وجوب الحج فيما إذا

كان الحق الذي يطالب به الزوج أمرا وجوديّا لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب النيابة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 207

..........

يجتمع مع الحج، كالاستمتاع في أيام الحج.

و وقوع التعارض بين دليلي وجوب الحج و وجوب أداء الحق فيما إذا كان الزوج يمنع الزوجة من الذهاب الى مكة لو قيل بأنه له الحق في ذلك و لو لم يزاحم استمتاعاته، لأن الزوج ينهى عن السفر و اللّه سبحانه يأمرها بالسفر.

لكن وردت بعض النصوص الدالة على عدم جواز منعها من السفر إذا كانت مأمونة و أنّ حق اللّه هو المقدم- مضافا الى النص العام الدال على أنّه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «1»، ك:

رواية صفوان الجمال، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «قد عرفتني بعملي تأتيني المرأة أعرفها باسلامها وجيها إياكم و ولايتها لكم ليس لها محرم، قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها فان المؤمن محرم المؤمنة ثمّ تلا هذه الآية:

وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «2»».

و رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج فقال: «نعم، إذا كانت مأمونة «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تحج الى مكة بغير ولي، فقال: «لا بأس تخرج مع قوم ثقات «4»».

و رواية معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة لها زوج فأبى أن يأذن لها في الحج و لم تحج حجة الاسلام فغاب عنها زوجها و قد نهاها أن

______________________________

(1)- البرقي: كتاب المحاسن، ج 1: ص 246.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/

باب 58: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 58: من ابواب النيابة، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 208

..........

تحج، فقال: لا طاعة له عليها في حجة الاسلام و لا كرامة لتحج إن شاءت «1»».

فهذه النصوص و غيرها دالة على جواز الحج و عدم جواز اطاعة الزوج إذا زاحمت حقوقه الحج و لكن بشرط الامان، إلّا انها إنّما تدل على اشتراط الامان من جهة الصحبة و عوارض الطريق، كما هو ظاهر تقييده بخروجها مع قوم ثقات أو صالحين.

أما إذا لم تكن مأمونة من جهة نفسها كما لو كان يخشى أن تمكّن من نفسها باختيارها لم يكن للزوج و لا لغيره حق المنع، بل إن خاف من ذلك فليسافر معها.

و هكذا إذا كان سفرها بدون محرم مما يجلب له النقد عرفا و يعدّ على خلاف الموازين العرفية في مقام حفظ الاعراض، فأنه ليس له حق منعها في هذا الحال لدلالة النصوص المزبورة على جواز سفرها إذا كانت مأمونة من الاعتداء المرتفع ذلك بمصاحبة قوم ثقات لا يخشى منهم عليها، بل بعضها صريح في عدم جواز منع الزوج أو الاخ أو ابن الأخ لها من الحج.

ثم إنه لو وقع الاختلاف بين الزوج و الزوجة فادعت الامان و نفاه هو.

قيل: عليه البينة، فإذا لم يقم البينة لم يكن له أن يحلفها.

و التحقيق: أن موضوع الحكم و الدعوى، تارة: يكون هو الامان من جهة الطريق. و اخرى: يكون عدم الخطر.

فعلى الأول، كانت الزوجة هي المدعي و الزوج هو المنكر لأن الأصل في جانبه، إذ الاصل عدم الامان لأن المرأة قبل سفرها لم تكن متصفة بالامان من جهة الطريق لأنّها ليست

في معرض الخطر كي تتصف بالامان- و هو إنما يطلق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 59: من ابواب النيابة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 209

و لا يصحّ حجها تطوعا إلا بإذن زوجها (48)- و لها ذلك فى الواجب كيف كان-.

مع قابلية المحل للخطر- فعند سفرها يشك في اتصافها به، فيستصحب عدمه فيصدق أنها ليست مأمونة.

و عليه، فلا بد أن تقيم البنية على مدّعاها.

و على الثاني: كان المدعي هو الزوج لأن الاصل في جانب الزوجة، إذ يستصحب عدم الخطر لانه أمر حادث يشك في حدوثه فيبنى على بقاء عدمه، فلا بد للزوج حينئذ من إقامة البينة.

و بما أن الظاهر من النصوص أخذ الأمان في موضوع الحكم- و هو عنوان وجودي- فلا بد للزوجة من إثباته بالبينة، لأن الاصل في جانب الزوج كما عرفت.

أما ثبوت اليمين عند فقدان البينة، فمعرفته ليس في هذا المقام بل له مقام آخر نتعرف فيه على أن اليمين يثبت على المنكر في مطلق الدعاوي أو في خصوص بعض الدعاوي.

______________________________

(48) استدل بوجوه ترجع الى منافاة الحج الى حقوق الزوج على الزوجة، و هي:

أولا: أن مقتضى العلاقة الزوجية أن يكون أمر الزوجة بيد الزوج في جميع امورها بحيث لا يكون لها حق في أيّ أمر بدون إذنه و هو مما قرره الشارع بقوله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 210

..........

الكريم: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ «1».

و فيه: أنه لا دليل على هذه الدعوى و لا شاهد من العرف و العقلاء. و أما قوله عز و جل فلم يظهر أنه يراد به المعنى المدعى.

و ثانيا: أن من حقوق الزوج على الزوجة حق السكن، بمعنى أن

أمر سكناها بيده، فله أن يمنعها من أي مكان شاءت المكث فيه.

و فيه: أن هذا يبتنى على عموم الحق بنحو يحق له أن يمنعها من الخروج و لو لم يناف استمتاعاته، و إلّا فلا يتم لو أريد من حق السكن لزوم تبعيتها له في سكنى البلد الذي يروم السكن فيه لا أكثر، و تحقيقه في غير هذا المقام.

مضافا الى أنه أخص من المدعى، إذ يمكن أن يكون هذا الحق ساقطا بالاشتراط في ضمن العقد، فلا يمنع من الحج.

و ثالثا: أن الذهاب الى مكة ينافي حق الزوج في الاستمتاع بزوجته.

و فيه: أنّه أخص من المدعى، إذ يمكن أن يفرض عدم قدرة الزوج على الاستمتاع لمرض أو حبس و نحوهما. و المدعى أنّ له الحق في المنع مطلقا.

فالتحقيق: أن في المقام نصا يدل على جواز منعه الزوجة من الحج الندبي و هو رواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام تقول لزوجها أحجني من مالي أله أن يمنعها من ذلك قال: نعم،- الحديث «2»» «3».

______________________________

(1)- سورة النساء، 4: 34.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 59: من ابواب وجوب الحج، ح 2.

(3)- هذا الحديث ظاهر في جواز منع الزوج زوجته من الحج الندبي، لا توقف صحتها على إذنه، كما هو ظاهر المتن، فالمرجع في ذلك الى مقتضى القواعد و قد عرفتها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 211

و كذا لو كانت في عدّة رجعيّة (49). و في البائنة لها المبادرة من دون إذنه.

هذا بالنسبة الى الحج الندبي. أما الحج الواجب الموسع، فالرواية لا تشمله لظهورها «1» في الحج الندبي و ليس هناك نص خاص فيه.

فالمرجع

فيه هو القاعدة و هي تقضي جواز منعه لها فيما ينافي حقه الثابت له شرعا، لان الوجوب الموسع ليس له اقتضاء بالنسبة الى مورد التزاحم لأنّه موسّع، فيتخير العبد بين أفراد متعلقه عقلا و وجوب إطاعة الزوج له اقتضاء في مورد التزاحم لأنه ينهى عن السفر، و قد تقرر أن ما ليس له اقتضاء لا يزاحم ماله اقتضاء، بل الثاني مقدّم بلا كلام.

فالمتحصل: أن الحج إذا كان واجبا مضيقا لم يكن له منعها لقوله عليه السّلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مضافا الى النصوص الواردة في خصوص حجة الاسلام. و إن كان مندوبا أو واجبا موسعا كان له منعها مطلقا في الأول. و فيما إذا كان ينافي حقه الشرعي في الثاني. فالتفت و تدبّر.

______________________________

(49) يعني لا يجوز لها الحج من دون إذن زوجها، لرواية منصور بن حازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المطلقة تحجّ في عدتها؟ قال: إن كانت صرورة حجت في عدّتها، و إن كانت حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها «2»».

و بها تقيد المطلقة الدالة على أن لها الحج مطلقا، و هي رواية محمد بن مسلم،

______________________________

(1)- كما هو المستظهر: من قولها «أحجني» فانه ظاهر في عدم لزوم الحج عليها.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 60: من ابواب وجوب الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 212

[القول في شرائط ما يجب بالنذر، و اليمين و العهد]
اشارة

القول في شرائط ما يجب بالنذر، و اليمين و العهد (50):

عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «المطلقة تحج في عدتها «1»».

و أما المعتدة عدة الوفاة، فلها الحج لدلالة النصوص المتعددة على ذلك فراجع «2».

و أما البائنة، فقد ذهب المصنف قدّس سرّه الى جواز حجها من دون إذنه و علل

ذلك فى «المدارك «3»» بانقطاع الصحة بينه و بينها و صيرورته أجنبيا عنها، فلا يعتبر إذنه كسائر الاجانب.

لكن قد يشكل بظهور النصوص في منع المطلّقة عن الحج من دون إذن الزوجة بقول مطلق و لم تقيد بالرجعية.

______________________________

(50) بما أن النذر و أخويه مما يكثر الابتلاء به رأينا من الراجح التعرض لمعرفة بعض أحكامها و إن كان خارجا عن محل الكلام و هو الحج.

فنقول و من اللّه نستمد العصمة و التوفيق: يقع الكلام في مسائل:

المسألة الأولى:

في معرفة حقيقة النذر و اليمين و الحلف أما النذر، فهو لغة بمعنى الوعد على شي ء مطلقا بخير أو شر. و لكنّه في الاصطلاح الشرعي بمعنى الالتزام بشي ء على تقدير شي ء آخر و أضيف إليه في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 60: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 93، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 213

..........

بعض العبارات بما يكون للّه سبحانه و تعالى.

و أما الحلف، فقد يتبادر الى الأذهان وحدة معناه مع اليمين و القسم و لأجل ذلك أثبت البعض من الفقهاء أحكام اليمين للنذر بدعوى إطلاق الحلف عليه و هو بمعنى اليمين.

إلا أن الذي نستظهره هو أن الحلف بمعنى التعاهد و التعاقد و هو أمر مسبب عن اليمين و عن النذر لا أنه نفس اليمين. فإن الحلف يستعمل في عرفنا اليوم فيما ذكرناه له من المعنى و نسبته الى اليمين و النذر نسبة المسبب الى السبب. و هو ظاهر مما ورد في بعض الروايات من التعبير ب: «حلف باليمين» و «حلف بالنذر».

و عليه، فلا يتجه تسرية أحكام اليمين الى

النذر بدعوى وحدة معناهما شرعا لأجل إطلاق الحلف و هو اليمين على النذر إذ عرفت أن الحلف مستعمل في معناه العرفي و ليس للشارع اصطلاح خاص به فيه.

و أما اليمين و القسم، فمفهومه يكاد يكون غامضا لأول وهلة و لا يعرف ما هو المنشأ بجملة القسم نظير مفهوم «الصدقة» الذي لم نعرف تحديده لحد الآن، و لكن بعد التأمّل يظهر لنا أن مفهوم القسم و اليمين هو جعل ارتباط خاص بين المقسم به و المقسم عليه بحيث لو لم يكن للمقسم عليه ثبوت خارجا يرجع الى سلب تلك الصفة الملحوظة في المقسم به.

فحين يقسم بحياة عزيزه على وقوع شي ء يرجع قسمه الى ربط حياة عزيزه بالشي ء، بحيث تنتفي حياته بانتفاء وقوع ذلك الشي ء. و حين يقسم باللّه الجليل على شي ء يرجع قسمه الى إنكار جلالة اللّه و عظمته لو لم يكن ذلك الشي ء واقعا.

و من هنا يتضح وجه القسم من اللّه تعالى بالنّجم و الليل و نحوهما فإنّه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 214

..........

يرجع إلى إنكار خالقيته له لو لم يكن ذلك الشي ء المقسم عليه واقعا.

و بالجملة، فالقسم عبارة عن ربط ما يقسم به بما يقسم عليه بنحو يرجع الى انتفاء الاول بانتفاء الثاني. و هو لأجل ذلك يفيد التأكيد على ثبوت الشي ء الذي يراد إثباته.

و ممّا يشهد لنا على كون معنى القسم و اليمين ذلك هو أنه كثيرا ما يعبّر الانسان في موارد القسم بنفس مفهومه لا بالجملة القسمية، فيقول: «يموت أبي لو كنت فاعلا كذا» و نحو ذلك، كما أنه حين يقسم شخص بآخر ينكر عليه الآخر قسمه و أنّه لا فائدة فيه في اثبات المدّعى، إذ لا

يرى المقتسم به له أهميّة بنظر المقسم بحيث يعظم عليه القسم به على خلاف الواقع و أنّه ظاهر في أن المنظور في القسم جهة الربط المزبورة.

كما ورد في رواية صفوان الجمال «1» الحاكية لقصة الامام الصادق عليه السّلام مع المنصور حين وشى البعض به عنده فحلفه الصادق عليه السّلام بغيرها حلف به هو و قال له: «... و لكن قل برئت من حول اللّه و قوته و الجأت الى حولي و قوتي فحلف بها الرجل فلم يستتمّها حتى وقع ميتا، فقال أبو جعفر المنصور: لا أصدق عليك بعد هذا أبدا و أحسن جائزته و ردّه».

فأنه ظاهرها كون مفهوم القسم ذلك.

المسألة الثانية:

في ما يشترط فى الناذر و قد ذكر اشتراط أمور:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 33: من ابواب الايمان، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 215

..........

الأول: البلوغ

فلا ينعقد نذر الصبي و أستدل «1» له بوجوه:

أحدها: أن الصبي مسلوب العبارة، فلا يتأتى منه الانشاء. و فيه: أنه قد تبين عدم صحة ذلك و أنه لا فرق بين الصبي و البالغ في إمكان الانشاء، و أن الفرق توقف عقد الصبي على الإجازة لا أكثر، و ليس هو لغوا محضا.

الثاني: ما ورد من أن عمد الصبي خطأ، فأنه ظاهر في الغاء قصد الصبي و نفي أثره و أنه كالخطإ. و فيه: ما أفاده الشيخ الاعظم قدّس سرّه «2» من: أن المنظور فيها إلى نفي الآثار المترتبة على الفعل العمدي في عمد الصبي و ترتيب آثار الفعل الخطئي على عمده.

و بتعبير آخر: هي واردة في مورد يكون لكل من العمد و الخطأ أثر خاص به، فهي تفيد تنزيل الفعل العمدي للصبي منزلة الخطأ

في الآثار، كالدية في القتل و نحوها، فلا نظر لها الى باب العقود و إلغاء قصده. فلاحظ.

الثالث: ما ورد من رفع القلم عن الصبي فأنه لا يثبت في حقه وجوب الوفاء بالنذر. و فيه: أن هذا إنما ينفع لو كان ظرف النذر و المنذور قبل البلوغ، أمّا لو كان النذر قبل البلوغ و لكن كان المنذور موسعا، كما لو نذر صوم يوم على الاطلاق فبلغ بعد حين، فإنّه يشمله الحكم بوجوب الوفاء من حين البلوغ و إن لم يشمله قبله. فنفي التكليف لا ينافي صحة النذر.

______________________________

(1)- قد يستدل برواية عمار المروية في «التهذيب» (ج 2: ص 382) تمسكا بمفهوم قوله: «فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم»، فان مقتضاه الغاء إنشاء الصبى اذا كان موجبا لثبوت تكليف عليه و لو بعد بلوغه لان المقصود: من القلم مطلق الكتابة فنذره في حال الصبا لا يكتب، و للمناقشة فيه مجال. فتدبر تعرف.

(2)- الانصاري، الشيخ مرتضى: المكاسب، ص 115/ في شروط المتعاقدين، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 216

..........

و أوضح من ذلك ما لو حصل الشرط المعلق عليه المنذور بعد البلوغ، فان وجوب الوفاء يثبت عند حصوله في حال البلوغ. فلا وجه حينئذ لدعوى ان الظاهر سببية النذر للحكم نظير سببية العقد للزوم الوفاء به، فلا يمكن التفكيك بينه و بين الحكم و إما أن يكون صحيحا أو باطلا من أول الأمر، كما قد يدعى ذلك نفي صحة النذر الموسع من الصبي، و إن كانت هذه الدعوى باطلة في نفسها و لا شاهد عليها.

الثاني: العقل

فلا يصح النذر من المجنون و المراد منه من يمكن تأتي القصد الى

الانشاء منه و إلا فلا شبهة في بطلان نذره لعدم القصد.

و الوجه في عدم عدم انعقاد النذر من المجنون هو رواية رفع القلم عن المجنون «1».

فإنها تنفي وجوب الوفاء عنه. و الاشكال فيها كما تقدم في اشتراط البلوغ فلا نعيد.

الثالث: الإسلام

فلا ينعقد النذر من الكافر. و استدل عليه مضافا الى الاجماع باعتبار قصد القربة في النذر و هو لا يتأتى من الكافر لانه مع إنكاره المبدأ الأعلى كيف يتأتى منه قصد التقرب إليه؟

مضافا الى عدم صلاحيته للقرب ممن المبدأ الأعلى، فلا يستطيع قصد التقرب منه، لأن المراد بالقصد في قصد القربة ما يكون بمعنى الداعي لا ما يكون بمعنى الرغبة و الإرادة الذي يمكن أن يتعلّق بغير المقدور.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 1/ باب 4: من ابواب مقدمة العبادات، ح 12 و 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 217

..........

و هذا الوجه أخص من المدعى لأنه يختص بالملحد. أما الكافر من جهة إنكاره الرسالة، كاليهودي المعتقد بدينه و لو عن تقصير فيمكنه قصد التقرب الى اللّه تعالى، كما لا يخفى.

و أما عدم صلاحية الكافر للتقرب، فهي ممنوعة، مع أنها لا تنفي صحة القصد ممن يعتقد بدينه، و صحة العمل لا تتوقف على صلاحية الفاعل، بل على صلاحية الفعل.

فليس الوجه في نفي نذر الكافر سوى ما تقدم من استحالة تكليفه و انصراف أدلة التكليف عنه، فلا يشمله وجوب الوفاء بالنذر.

لكن حاله يكون كحال الصبي و المجنون لا يشمله الحكم ما دام كافرا، فاذا أسلم و كان نذره موسعا أو حصل المعلق عليه المنذور بعد إسلامه شمله الحكم بوجوب الوفاء حينذاك.

و يدل على ذلك ما ورد من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله

لعمر بوفائه بنذره الذي نذره أيام الجاهلية «1».

الرابع: إذن الزوج للزوجة

فلا ينعقد نذرها بدون إذنه و استدل له بوجوه:

الوجه الاول: رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج، أو زكاة، أو برّ والديها، أو صلة رحمها «2»».

______________________________

(1)- النيشابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، ج 3: ص 1277/ ح 1656، ط بيروت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 15: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 218

..........

الوجه الثاني: ما دلّ على اعتبار إذن الزوج في اليمين بضميمة كون المراد باليمين ما يعم النذر لشيوع إطلاق اليمين على النذر في النصوص سواء وقع في كلام السائل، أو الامام عليه السّلام.

فالأول، كرواية: «لي جارية ليس لها مني مكان و هي تحتمل الثمن إلا أنّي كنت حلفت فيها بيمين فقلت للّه عليّ أن لا أبيعها أبدا و بي إلى ثمنها حاجة فقال:

ف للّه بقولك «1»» و غيرها.

و الثاني: رواية سماعة: «إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه في الشكر إن هو عافاه من مرض أو عافاه من أمر يخافه أو ردّ عليه ماله أو رده من سفره أو برد رقه، فقال: للّه عليّ كذا و كذا شكرا فهو الواجب على صاحبه أن يفي به «2»».

فان اطلاق اليمين على صيغة النذر ظاهر في هاتين الروايتين و غيرهما.

و قد حملت بعض الروايات «3» المصرحة باليمين على النذر، كروايات اعتبار قصد القربة إذ لا يعتبر في

اليمين ذلك إجماعا، كما فى «الجواهر «4»».

الوجه الثالث: اشتراك النذر و اليمين في كثير من الاحكام الشرعية الثابت بالاستقراء حتى قيل أن النذر هو اليمين بعينه.

و لكن الوجوه الثلاثة مخدوشة:

أما إطلاق اليمين على النذر في بعض الموارد و هو لا يدل على المدعى لأنه لم

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام ج 8: ص 310/ ح 1149، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 17: من ابواب النذر و العهد، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 14: من ابواب كتاب الايمان، ح 1 و 2 و 5 و 10.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 254، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 219

..........

يثبت أنه إطلاق حقيقي، بلى هما بحسب الفهم العرفي مختلفان، فالاطلاق يمكن أن يكون مسامحيا من باب المجاز، فلا يكون دليلا على كون النذر من أفراد اليمين.

كما أنه لم يرد دليل يتكفل تنزيل النذر منزلة اليمين كتنزيل الطواف منزلة الصلاة، كما أن ظاهر بعض الروايات المشار إليها عدم إرادة المعنى المصدري من النذر الذي اطلق عليه اليمين، بل يراد بالنذر هو المنذور بمعناه اللغوي، كالدرهم الذي يقع عليه الوعد. فلا ظهور لها في اطلاق اليمين على النذر، كرواية مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد اللّه و قد سئل عن الرجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه الّتي حلف عليها درهم أو أقل؟ قال: «إذا لم يجعل للّه فليس بشي ء «1»». فالتفت و لا تغفل.

و أما الاشتراك في كثير من الاحكام، فهو لا يعدو كونه وجها استحسانيا، إذ الاشتراك في كثير من الاحكام لا يوجب الجزم بثبوت الاشتراك في جميعها.

و أما رواية ابن سنان، فقد أورد

عليها بعدم عمل الاصحاب في بعض فقراتها كالمستثنى، إذ لا يصح الحج التطوعي من دون إذن الزوج، فلا بد من حمله على الحج الواجب. و هكذا العتق و الصدقة و التدبير و الهبة فإنها تصح و لو لم يأذن الزوج.

و اجيب عنه بأن التفكيك بين فقرات الخبر الواحد ممكن بل ثابت في كثير من الموارد، فلا يضر بحجية الخبر في ما نحن فيه.

و لكن «2» نقول: أن استثناء الحج و الزكاة و ما تبعها في الرواية لا يستقيم إلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 1: من ابواب النذر و العهد، ح 4.

(2)- على هذا بنى السيد الخوئي- دام ظلّه- (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 375) لكن-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 220

..........

بتقدير حكم عام يكون ما ذكر من العتق و الصدقة بيانا لمصاديقه، إذ الاستثناء من نفس هذه الامور لا معنى له لأن المستثنى ليس بعضا من المستثنى منه بل هو حقيقة اخرى في قباله، فصحة الاستثناء تتوقف على تقدير عام بان يكون المراد: «ليس للمرأة مع زوجها في كل شي ء أمر ...» و يكون ما ذكر من العتق و الصدقة و غيرهما بيانا لمصاديق العام فى الجملة، فليس لدينا سوى جملة واحدة تتكفل الحكم المتعلق بالعام لا جمل متعددة.

و من الواضح أنه لم يعمل الاصحاب بها بهذا النحو و لم يلتزموا بوجود كلية كذلك، فتطرح الرواية لعدم عمل الاصحاب بها و هي ذات مدلول واحد لا مداليل متعددة كي لا يضرّ فيها التفكيك أو تحمل على بيان حكم أخلاقي بين الزوج و الزوجة.

و يتحصّل: أن الوجوه المتقدمة غير صالحة للنهوض على تقييد صحة نذر الزوجة باذن زوجها. و

عليه، فالمرجع هو مطلقات وجوب الوفاء بالنذر لو كانت.

و قد كنّا نتخيل عدم وجودها و أن ما يتخيل كونه مطلقا ليس في مقام البيان من هذه الجهة بل من جهة أخرى، بل كان احتمال عدم انعقاد النذر من المرأة يدور في أذهاننا باعتبار أن ما يقع نظرنا عليه من روايات النذر مقيد بالرجل. إمّا سؤالا، أو جوابا.

______________________________

- الظاهر كون الاستثناء من النذر في المال و لا أقل من الاحتمال المال من رفع اليد عن ظهور قوله: «أمر في عتق» في كونه هو موضوع الحكم بما هو لا بما بيان العموم. فتدبّر و لعلّه ممّا يؤيّد ذلك أن قوله: «إلا باذن زوجها» لا يتناسب مع إرجاعه إلى كل أمر، لأنه مستفاد من نفي الأمر مع الزوج كما صرح به السيد في لا يمين للولد مع والده فلا يتّجه ذكره فيتعين رجوعه إلى النذر و يكون قوله: «و لا نذر ...» جملة و مستأنفة، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 221

..........

و لكن زال هذا الاحتمال بعثورنا على روايات متعددة واردة في نذر المرأة، ك:

رواية زرارة، قال: «إن امي كانت جعلت عليها نذرا ... «1»».

و رواية ابن راشد، قال: قلت لأبي جعفر الثاني: «أن امرأة من أهلنا اعقل لها صبي، فقالت: اللّهم إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة ... «2»».

كما «3» عثرنا على رواية مطلقة مقتضاها وجوب الوفاء مطلقا للرجل و المرأة مع إذن الزوج و عدمه، و هي رواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من جعل للّه عليه أن لا يركب محرّما سماه فركبه، قال: لا، و لا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين،

أو ليصم ستين مسكينا «4»».

و على هذا، فالقاعدة الاولية تقضي بوجوب الوفاء ما لم يثبت المخصص، فالتشكيك غير كاف لاعتبار الاذن بدعوى أنه القدر المتيقن من الحكم بوجوب الوفاء و غيره مجرى البراءة.

الخامس: إذن الوالد للولد فلا ينعقد نذره من غير إذنه، و هو ممّا لا دليل عليه بخصوصه، بل يستدل له بما ورد من اعتبار الإذن في يمين الولد بالنحو الذي تقدم في نذر الزوجة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 13: من ابواب النذر و العهد، ح 2.

(2)- المصدر، ج 16/ باب 7: من ابواب النذر و العهد، ح 2.

(3)- سيأتي منه- دام ظله- التشكيك في تمامية اطلاق هذه الرواية و انكار وجود مطلق في هذا الباب.

(4)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 19: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 222

..........

و قد عرفت ما فيه، فنذر الولد من جهة اعتبار إذن والده كنذر الزوجة من جهة اعتبار إذن زوجها، إلّا أنه يختلف الحال بينهما أنه لو شككنا في اعتبار إذن الوالد و لم نلتزم بثبوت مطلق يدل على وجوب الوفاء بقول مطلق لا نرجع الى أصل البراءة، كما في نذر الزوجة، لما ورد في بعض الروايات من سؤال الشخص عن لزوم وفائه بنذره و لم يسأله الامام عليه السّلام من وجود والد له و عدم وجوده فأنه ظاهر في عدم اعتبار الاذن، لأن ترك الاستفصال دليل العموم، كرواية جميل بن صالح، قال: «كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها فجعلت للّه عليّ نذرا أن هي حاضت فعلمت أنها حاضت قبل أن اجعل النذر فكتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة فأجابني: إن كانت حاضت قبل

النذر فلا عليك، و إن كانت حاضت بعد النذر فعليك «1»». كما قد يتمسك بإطلاق «الرجل» الوارد في جملة من الروايات. فليلاحظ.

ثم إنه حيث أشرنا لروايات اليمين لا بأس بالخوض فيها و استنتاج المطلب منها منقحا كما ينبغي.

و الأقوال في يمين الزوجة و الولد مع الزوج و الوالد مختلفة.

فظاهر «الشرائع «2»» أولا اعتبار الاذن فيه.

و ذهب بعض إلى كفاية لحوق الإذن و هو عجيب، لان الايقاعات «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 5: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 3: ص 154، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(3)- توقف في اطلاق الحكم المذكور صاحب العروة قدّس سرّه و وافقه السيد الخوئي- دام ظله- فلم يمنع من لحوق الاجازة لليمين و النذر، لعدم تمامية الإجماع على عدم الفضولية فى الايقاع-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 223

..........

لا تقبل الاجازة المتأخرة، بل هي إما أن تقع صحيحة أو باطلة و ليست هي كالعقود التي تصح بالاذن اللاحقة، كعقد الصبي أو غير المالك و هو مقرّر في محله و اليمين من الايقاعات، كما لا يخفى.

و بعض يذهب الى أن للوالد حلّ يمين الولد و هو ظاهر «الشرائع «1»»- أيضا- و لكنه لا يتلاءم مع صدر عبارته، لأن جواز الحل ظاهر في صحة اليمين بدون الاذن لأنه لو كان باطلا لا معنى لحلّه.

و قد استدل على اعتبار إذن الزوج في انعقاد يمين الزوجة و إذن الوالد في انعقاد يمين الولد برواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه،

و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة «2»»، بتقريب ظهورها في نفي الصحة بعد تعذر حملها على الحقيقة و هي نفي الماهية.

و خالف في ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه «3» فذهب إلى أن ظاهرها اعتبار عدم معارضة الزوج لا الاذن، فله الحلّ حينئذ.

و ملخص ما أفاده قدّس سرّه في تقريب مدعاه: أن الأمر يدور بين تقدير الوجود و تقدير المعارضة. و الثاني هو الأولى للعمومات الدالة على لزوم الوفاء باليمين،

______________________________

- إلّا فيما يرجع إلى التصرف في مال الغير أو حقوقه. و اعتبار إذن الوالد لا يرجع إلى أحدهما، ثم قرب ذلك بروايات نكاح العبد المعلّلة صحة العقد بعدم عصيان اللّه و أنه عصى سيده، فأنه يفهم من التعليل أنّ الإنشاء المنوط صحته برضا الغير يصح إذا تعقبه الرضا (معتمد العروة الوثقى، ج 1: ص 367).

(1)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 3: ص 154، ط مؤسسة المعارف.

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 10: من ابواب الايمان، ح 2.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 261، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 224

..........

فإن الرواية تكون مخصصة لها، فيدور الأمر بين تخصيص الأكثر لو قدّر الوجود و تخصيص الأقل لو قدّر المعارضة. فالتخصيص بمورد المعارضة متيقن و غيره مشكوك، فيتمسك فيه بأصالة العموم.

و يتأكد ذلك بفهم الاصحاب منها ذلك حيث ذهبوا إلى صحة اليمين مع الإذن و ليس فى النصوص ما يدل عليه و ما يمكن أن يستند إليه غير هذه الرواية و نظيرها و هي خالية عن الإذن، فلا بد أن تكون قد فهم منها تقدير المعارضة إذ

مع الإذن لا معارضة. و تقدير الوجود لا يستدعي تصحيح اليمين مع الإذن كما لا يخفى.

كما أنّه ادعي أنه المنساق من مثل التركيب المذكور ذلك- أعني تقدير المعارضة- ثم وجّه كلام الشرائع بأن المراد بأوله أنها يمين متزلزلة و هي يصدق عليها أنها غير منعقدة و ليس مراده فسادها كي يكون منافيا لجواز حلّها.

و لكن ما أفاده لا يخلو عن مناقشة:

أما حديث ارجحية تقدير المعارضة لانه المتيقن من دليل التخصيص و ما زاد فهو مشكوك، فهو إنما يجدي لو لم يكن ظاهر الكلام تقدير الوجود و إلا تعين و لا دوران حينئذ بين الأقل و الاكثر. و من الواضح ظهور مثل هذا التركيب في إرادة وجود الزوج و الوالد و المملوك.

و أما حديث ذهاب الأصحاب فهو لا يدل على المدّعى، إذ لم يتضح أنّ ذهابهم إلى ما ادعي لأجل فهمهم ذلك من الرواية كي يدّعى كون ذلك ظاهرا عرفا لانهم من أهل العرف، إذ يمكن استنادهم في ذلك إلى رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة الواردة في باب النذر بضميمة تعميم حكم النذر باليمين. أو عدم ثبوت إطلاق لديهم يقتضي التعميم في الحكم، فيكتفون فى الاعتبار بمجرد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 225

..........

التشكيك.

كما إنهم مختلفون في الحكم، فبعضهم يذهب الى جواز الحلّ لا اعتبار الاذن، كما أنه لا ظهور لفتواهم في تقدير المعارضة، بل هو ظاهر في تقدير عدم الإذن كما لا يخفى. إلا أن يدّعى ان الأمر دائر بين تقدير الوجود و تقدير المعارضة فإذا انتفى الأول ثبت الثاني، و لكن عهدة هذه الدعوى على مدعيها.

لكن «1» الانصاف أنّه لا يمكن تقدير الوجود، إذ هو مما لا يلتزم به

أحد لأن مقتضاه أن وجود الوالد و الزوج مانع من انعقاد يمين الولد و الزوجة أذن أم لم يأذن و هو غير ثابت لالتزامهم بصحة اليمين مع الإذن.

إذن، فلا بد من تقدير غير الوجود و يرجّح تقدير المعارضة و لكن لا بالبيان المتقدم من صاحب الجواهر، بل ببيان آخر و هو: أنه مع يمين الولد أو الزوجة و

______________________________

(1)- قد يقال إنّه لا حاجة الى تقدير الوجود فانه مفروض بمقتضى كلمة «مع» الدالة على الاشتراك و الاقتران في الزمان فيصير المعنى لا يمين للولد مقترنا بوجود والده، و لا يقتضي ذلك نفي اعتبار اليمين حتّى مع الاذن؛ لأن هذا التركيب يستعمل عرفا في بيان عدم الاستقلال فى الأمر فلا يدلّ على الغائه بالمرة فهو كما يقول الشخص لا أمر لي مع أخي الاكبر يريد بذلك عدم الاستقلال لا الالغاء المطلق، و لو مع الاذن أو الاجازة و هذا ما أفاده السيد الخوئي و بنى على بطلان اليمين بدون إذن أو إجازة مطلقا حتى إذا لم يناف حقوق المذكورين تمسكا بالإطلاق و عدم وجود المقيّد خلافا لصاحب العروة. ثم إنه بنى على اختصاص النص باليمين فلا يشمل النذر لعدم إطلاق اليمين عليه عرفا. و إطلاقه عليه في بعض النصوص أعم من الحقيقة؛ و ناقش ما ذكره فى «المستمسك» تقريبا لتقدير المعارضة بان فرض الولد لازم لفرض وجود الوالد و هكذا فرض الزوجة و المملوك، فتقدير الوجود لغو، بانه لو لم يقدّر الوجود يكون النفي متعلقا بيمين الولد فيدل على الغائه بالمرة حتى مع الاذن و هذا بخلاف ما إذا قيّده بوجود الوالد فانه ظاهر عرفا في عدم الاستقلال لا الغاء المطلق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 1، ص: 226

..........

معارضة الزوج- في مورد يحق له المعارضة- و الوالد يقع التنافي بين الحكم بوجوب الوفاء و الحكم بوجوب إطاعة الوالد و الزوج و كلّ من الحكمين يرفع موضوع الآخر لأن وجوب الوفاء موضوعه عدم استلزامه لتحليل الحرام فيرفعه وجوب إطاعة الوالد و وجوب اطاعة الوالد موضوعه غير الواجب فيرفعه وجوب الوفاء بالنذر. و لا يختلف الحال في ذلك بين نهي الزوج و الوالد عن متعلق اليمين أو أمرهما بشي ء لا يجتمع مع إتيان متعلق اليمين.

نعم، تجري في الصورة الثانية قواعد التزاحم بين الواجبين الذين يرفع أحدهما موضوع الآخر. و الحكم هو التخيير.

و في الصورة الثانية لا تجري قواعد المعارضة حتى الجمع الدلالي و إن كانت من باب اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد لعدم التكاذب بينهما لأن أحدهما يرفع موضوع الآخر بل الحكم هو تساقط الحكمين و إباحة الفعل و الترك للزوجة و الولد.

فنتيجة التزاحم و المنافاة في مورد معارضة الزوج و الوالد للزوجة و الولد هي إلغاء لزوم الوفاء باليمين و تعيينه. و الرواية على ما يظهر ناظرة الى هذه الصورة أعني صورة المعارضة و مبينة لنتيجة المعارضة و هي عدم اليمين بمعنى عدم ترتب أثره الظاهر و هو تعين الوفاء عليه. و تضيف على ذلك ترجيح جانب الوالد و الزوج و السيّد فأنّ ظاهر التركيب المزبور تقديم حقهم، فيمكننا أن نقول: أنّها تتكفل جهة إرشادية و هي بيان نتيجة المزاحمة و النظر إلى صورة التعارض و جهة تأسيسية و هي ترجيح جانب الوالد و الزوج و السيد.

فالحكم بإلغاء تعين الوفاء باليمين على طبق القاعدة و إن كان ترجيح الجانب الآخر على خلافها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج،

ج 1، ص: 227

..........

و هذا الكلام- أعني جهة المعارضة و وقوع التنافي- بعينه يجري في نذر الولد و الزوجة مع معارضة الزوج و الوالد، فأن الحكم بوجوب الوفاء يتنافي مع الحكم بوجوب الاطاعة و كل منهما يرفع موضوعه لأن موضوع وجوب الوفاء بالنذر مقيد بالقدرة شرعا، فيرفعه وجوب إطاعة الزوج و الوالد، و وجوب إطاعة الزوج و الوالد موضوعه غير الواجب فيرفعه وجوب الوفاء بالنذر، فالحكم هو التخيير فى الصورة الثانية و الاباحة فى الصورة الأولى، و هي صورة تعلق النهى بما تعلق به النذر.

أما ترجيح حق الزوج و الوالد، فلا دليل عليه لاختصاص النص المتقدم بباب اليمين، إلا أن يدعى إرادة ما يعم النذر من لفظ «اليمين» بقرينة إقحام قوله:

«لا نذر في معصية» مع كون الحكم مشتركا بين اليمين و النذر.

فتخصيص النذر بالذكر مع كونه في مقام بيان أحكام اليمين يكشف عن إرادة ما يعمها من لفظ اليمين و النذر خصوصا بملاحظة قوله بعد ذلك: «و لا يمين في قطيعة»، مع أنه لا خصوصية للقطيعة، بل هى من مصاديق المعصية، فلا بد أن يكون من عطف الخاص على العام.

فإن ركن الفقيه إلى هذه القرائن و اطمأن إليها كان حكم النذر حكم اليمين.

و إلا فالمرجع هو مقتضى القاعدة في مورد المعارضة، و مقتضى الإطلاق- لو كان- في غير مورد المعارضة.

و يمكن أن يتأيد نظر هذه الرواية الى مورد المعارضة بعد استظهار إرادة ما يعم اليمين من قوله: «لا نذر في معصية»، بدعوى: أن المراد بالمعصية ليس كون متعلق اليمين، أو النذر معصية في نفسه، بل ما يعم ذلك و صورة ما إذا كان ملازما للمعصية و إن كان في نفسه مباحا. و منه صورة معارضة

الوالد و الزوج فان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 228

..........

متابعة النذر تستلزم مخالفتهما و هي معصية، فيتقدم حقهما بمقتضى هذه الرواية لأنها تتكفل الغاء النذر في هذه الصورة. فالتفت و تأمل.

السادس: القصد فلا يصح ممن لا قصد له. و اعتباره واضح إن اريد به ما يرادف الإرادة و الالتفات لأن النذر من الأمور الانشائية.

و من الواضح أن قوام الانشاء بالقصد لأنه استعمال اللفظ في المعنى بقصد إيجاده في عالم الاعتبار، فبدون القصد لا إنشاء.

و أما إذا اريد به ما يقابل الإكراه و هو طيب النفس، فهو مما لا ينتفي بانتفائه الانشاء لكنّه معتبر أيضا بما دل على رفع الاكراه و غيره من الأمور التسعة.

و أما السكران، فإن كان بنحو لا يتأتّى منه القصد، فلا إشكال في عدم صحة نذره و إن كان بنحو يتأتّى منه القصد بمعنى الإرادة، فلا دليل على نفي صحة نذره.

و توهّم: أن النذر عبادة و هي لا تصح من السكران. مندفع: بوقوع الإشكال في الصغرى و سيأتي تحقيقها.

كما أن الكبرى ممنوعة، إذ لا دليل على عدم صحة العبادة من السكران.

و أما الغضبان، فان لم يكن له قصد و شعور، فلا يصح نذره. و إن كان له قصد أشكل الأمر في صحة نذره لوجود ما يستند إليه في نفي صحة النذر في حالة الغضب و سيأتي تحقيق ذلك في البحث عن اعتبار إضافة المنذور للّه تعالى فانتظر.

و أما ما جاء فى «الشرائع «1»» في مورد اعتبار القصد من قوله «و القصد فلا

______________________________

(1)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 3: ص 167، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 229

..........

يصح

من المكره و لا السكران و لا الغضبان الذي لا قصد له».

فهو غير ظاهر، إذ تقييد الغضبان بالذي لا قصد له ينفي خصوصية الغضب، إذ عرفت أن القصد معتبر مطلقا، فأي خصوصية للغضبان تقضي إفراده بالذكر.

و أما السكران فقد عرفت حكمه.

ثم إنه سيأتي البحث في مدلول بعض الروايات الواردة في نفي اليمين و النذر في الغضب عند التعرض لشرائط متعلق النذر. فانتظر.

المسألة الثالثة:

في شرائط النذر و قد ذكر اشتراطه بأمور:

الأول: أن يكون نذر برّ، أو زجر

و يراد من الأول ما يكون لأجل الشكر للّه على نعمة أولاها أو نقمة دفعها، و يراد من الثاني ما يكون لأجل الانزجار عن شي ء يريد تركه فتكون صعوبة المنذور داعية لتركه كأن يقول إن عملت كذا فعليّ كذا مقدار من المال. فلو كان النذر نذر تبرع لم ينعقد.

و استدل له برواية سماعة، قال: «سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي الى الكعبة، أو صدقة، أو نذرا، أو هديا إن هو كلّم أباه، أو أمه، أو أخاه، أو ذا رحم، أو قطع قرابة، أو مأثما يقيم عليه أو أمر لا يصلح له فعله، فقال: لا يمين في معصية اللّه؛ إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه فى الشكر إن هو عافاه اللّه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو ردّ عليه ماله، أو ردّه من سفر، أو رزقه رزقا، فقال: للّه عليّ كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 230

..........

صاحبه الّذي ينبغي لصاحبه أن يفي به «1»».

و قد عقد فى «الوسائل» بابا بعنوان: «لا ينعقد النذر في معصية و لا مرجوح

و حكم نذر الشكر و الزجر» و لم يذكر من الروايات المتضمنة لغير النذر فى المعصية و المرجوح سوى هذه الرواية.

أقول: إن كان قصد المستدل الاستدلال بهذه الرواية على نفي صحة النذر التبرعي باعتبار مفهوم الحصر المستفاد من قوله: «إنما اليمين ...»، فهي تقتضي صحة نذر الشكر فقط و نفي صحة نذر الزّجر، إذ ليس لنذر الزجر فيها عين و لا أثر.

و أن يلتزم بالرواية، فالإطلاق كما يقتضي صحة نذر الزجر يقتضي صحة النذر التبرع، فلم يعلم الوجه في التفصيل المزبور.

الثاني: اللفظ فلا يكفي فيه الوعد القلبي من دون إنشاء لفظي. و لا وجه للاستدلال عليه بما جاء من نفي انعقاد النذر بدون التسمية، فانه وارد في لزوم التسمية و التعيين في ما وقع منه و هو النذر اللفظي و أنّ الابهام مانع من صحة النذر، و ليس واردا في اعتبار التسمية بقول مطلق و لو لم يكن النذر باللفظ. فالتفت.

فالوجه في اعتبار هذا الشرط، هو أنّ النذر من الأمور الانشائية و الانشاء إنما يتحقق بمبرز، فمجرد الاعتبار القلبي من دون مظهر لا يعدّ نذرا عرفا، كما لا يعدّ اعتبار الملكية من دون مظهر بيعا.

و لكن هذا الوجه لا يعيّن اللفظ بل إنما يقتضي إبراز الالتزام و لو لم يكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 17: من ابواب النذر و العهد، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 231

..........

بلفظ. فلاحظ و لا تغفل.

الثالث: التعليق فلو وقع بغيره لم ينعقد، كأن يقول: «للّه عليّ كذا»، بل لا بدّ في انعقاده من أن يقول- مثلا-: «إن عوفيت من مرضي فللّه عليّ كذا».

و قد يستدل لمن اعتبر التعليق برواية سماعة المتقدمة لظهورها في

حصر النذر الذي يجب الوفاء به و قد أخذ فيه التعليق، كما لا يخفى.

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا قال الرجل عليّ المشي إلى بيت اللّه و هو محرم بحجة أو عليّ هدي كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول: للّه عليّ المشي إلى بيته، أو يقول: للّه أن احرم بحجة، أو يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا إن لم أفعل كذا «1»».

مضافا إلى التشكيك في صدق النذر على المطلق، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالنذر.

كما قد يستدل على عدم اعتبار التعليق- و هو المشهور بين الاصحاب- بروايات ذكرها فى «الجواهر «2»». و نحن نذكر جملة منها و هي:

رواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من جعل للّه عليه أن لا يركب مجرما سمّاه فركبه، قال: لا، ... «3»».

و رواية الحلبي، عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «إن قلت: للّه عليّ،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 1 في ابواب النذر و العهد، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام 35: ص 366، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 19: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 232

..........

فكفارة يمين «1»».

و رواية اخرى «2»: «ما جعلته للّه فف به».

و رواية الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام: «في رجل جعل على نفسه للّه عتق رقبة فأعتق أشل أعرج، قال: إذا كان ممّن يباع أجزأ عنه إلا أن يكون سماه فعليه ما اشترط «3»».

فإنها ظاهرة في لزوم الوفاء بمجرد الجعل للّه لاطلاقها و عدم تقييدها بما يكون معلقا على

أمر.

و لكن في الاستدلال بالنصوص لكلا القولين نظر.

أما الاستدلال على اعتبار التعليق بروايتي سماعة و منصور، فلأن الظاهر من رواية سماعة أنها في مقام بيان ما يجب الوفاء به من النذر في قبال ما لا يجب الوفاء به من جهة كونه نذر معصية، مع غض النظر عن جهة التعليق و عدمه، و ورود التعليق في مقام الحصر لا ظهور له في ثبوت خصوصية له، بل هو وارد باعتبار كون الغالب من أفراد النذر ذلك.

و لو أبيت عن ظهور الجواب في ذلك في نفسه، فهو ظاهر فيه بملاحظة السؤال. فإن مورد السؤال النذر المعلّق، فالحصر في الجواب يكون حصرا إضافيا ملحوظا فيه النذر المفروض في السؤال.

فيكون المعنى أن النذر المعلق الذي يجب الوفاء به ما جعل للّه شكرا لا ما جعل للّه على تحقق معصية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 15/ باب 23: من ابواب الكفارات، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ج 16/ باب 23: من كتاب العتق، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 233

..........

فلا ظهور لهذه الرواية في تقييد النذر المشروع بكونه معلقا، بل الملحوظ فيها التقييد بعدم المعصية دون سائر الشروط. و لأجل ذلك لا يكون اعتبار سائر الشروط تقييدا لهذه الرواية مع أنه لم يتعرض فيها الى ذكر شرط منها.

و أما رواية منصور بن حازم، فالملحوظ فيها لزوم تقييد النذر بكونه للّه تعالى و أن النذر غير المقيد بذلك ليس بشي ء. و ذكر التعليق باعتبار أنه الفرد الغالب لا لخصوصية فيه، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر، مع احتمال أن يكون التعليق راجعا الى الجملة الأخيرة، فالتفت.

و أما الاستدلال على نفي اعتبار التعليق بالروايات المزبورة، فيخدش بوجهين:

________________________________________

قمّى،

سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 233

أحدهما: أن هذه النصوص ليست في مقام البيان من جهة التعليق و عدمه كي يتمسك بإطلاقها، بل بعضها في مقام البيان من جهة لزوم الوفاء عند إنشاء النذر بجعله للّه في قبال ما لم ينشأ بهذا النحو، بل بمثل: «عليّ كذا». و هو ظاهر.

و رواية عبد الملك في مقام بيان حكم جعل ترك المحرّم و ارتكابه.

و رواية الساباطي ظاهرة جدا في كون السؤال عن إجزاء ما أعتقه عن المنذور و ليس النظر فيها إلى جهة تحقق النذر بتعليق أو بدونه و معه لا وجه لما يظهر من «الجواهر «1»» من- تقريرا لصاحب الرياض «2»- دعوى: أن ترك الاستفصال يفيد العموم، لأن ترك الاستفصال إنما يفيد العموم لو كانت الجهة التي يحاول استفادة العموم بلحاظها محط نظر السائل، و ترديده، بحيث يكون إرادة الخاص من دون التنبيه عليه القاء له في الجهل و هو غير وظيفة الامام عليه السّلام. أما لو

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 367، الطبعة الاولى.

(2)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 2: ص 254، الطبعة الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 234

..........

علم كون جهة السؤال جهة خاصة معينة فلا يكون ترك الاستفصال عن سائر الجهات موجبا لاستفادة العموم.

كما أن ما يظهر من «الجواهر»- أيضا- من- تقريرا لصاحب الرياض- كون بعض هذه الروايات عامة لغة بمعنى أنها مشتملة على لفظ العموم، فلا تستقيم الخدشة فيها بأن المتكلم ليس في

مقام البيان من جميع الجهات.

لا نعرف له وجها، إذ ليس في الروايات رواية مشتملة على لفظ موضوع للعموم نظير «كل»، بل هي مشتملة على الالفاظ المطلقة كاسم الموصول.

الثاني: إن هذه النصوص اخذ في موضوعها النذر ببيان: أن ما يجب الوفاء به من الالتزامات ليس إلا اليمين و النذر و العهد، و إلا فلا يجب الوفاء بكل التزام.

و بما أنه يعلم عدم نظر الروايات إلى الالتزام باليمين و بالعهد، بل هو المفروض في كلام المستدل مع أنه لا يعتبر في اليمين كونه للّه. ينحصر نظرها الى الالتزام النذري، فكأنه يقول: «ما جعلته للّه نذرا فف به». و عليه فلا يحتج بها على من يشكك في صدق النذر على الالتزام التنجيزي، فلا يشمله الاطلاق لو تمّ، لان الاشتباه في مصداق المطلق. و هذا الوجه قرّره فى «الجواهر «1»».

و لكن العمدة في الاشكال هو الوجه الأول.

أما هذا الوجه، فقد يخدش بانكار أساسه و هو عدم لزوم الوفاء بغير هذه الثلاثة، إذ هذا الأمر إنما يقال به باعتبار استفادته من النصوص، فإذا كانت عامة دلت على لزوم الوفاء بمطلق الالتزام للّه كان من الثلاثة أو لم يكن منها. و على كل فهو قابل للمناقشة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 367، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 235

..........

و إذا لم يكن هناك دليل على نفي التعليق، فإن جزم بأن الالتزام المنجّز من أفراد النذر كان المرجع في صحته هو المطلقات لو كانت. و إن شكّك في أنه نذر أو ليس بنذر، فلا مجال للرجوع الى المطلقات، و التشكيك في ذلك يكفي في نفى صحته بالأصل و إن كان ذلك خلاف الاحتياط

في بعض الاحيان خصوصا مع أن الحكم بصحته هو المشهور.

و أما الاستدلال على كونه نذرا بالآيتين الكريمتين و هما قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً «1» و قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ أن لا أكلّم اليوم إنسيّا «2»، فإنّ ظاهرهما كون النذر منجزا.

فغير وجيه، لان الآيتين في مقام حكاية الحال و بيان صدور النذر من المحكي عنه أما كيفية النذر و أنها بنحو التعليق أو بنحو التنجيز فلا دلالة لهما عليها و لا ظهور لها في إنشاء النذر بالجملة المحكية، بل الظاهر أنّها جمله خبريّة تتكفل الاخبار عن تحقق النذر، و هذا موجود عرفا في استعالاتنا فإن الشخص يقول: إنّي نذرت الشي ء الفلاني للنبي صلّى اللّه عليه و آله أو للامام عليه السّلام، مع أن نذره كان تعليقيا.

الرابع: قصد القربة

و هو بنحو الاجمال من المسلمات، إذ يذكر اعتباره كل من يتعرض لاحكام النذر. و تفصيل القول فيه بنحو يرتفع عنه الاجمال و يعرف المراد منه: أنّ قصد القربة بالنذر بمعنى الإتيان بالنذر قربة الى اللّه تعالى و بداعى أمر اللّه سبحانه بحيث يلزم تعقيب كل نذر بهذه الجملة- أعنى: «قربة الى اللّه تعالى»- أو ما

______________________________

(1)- سورة آل عمران، 3: 35.

(2)- سورة مريم، 19: 26.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 236

..........

يؤدي مؤداها و لو قصدا لا لفظا، غير معتبر عند أي أحد.

و لأجل ذلك ذهب الشهيد الثاني رحمه اللّه فى «الروضة «1»» إلى كفاية قوله: «للّه» عن ذلك لتأديته هذا المعنى.

و لكنه مما لم يقم دليل على اعتباره. و القاعدة تقضي بعدم اعتباره لاحتياجه الى ثبوت الأمر بالنذر و رجحانه بحيث يكون صالحا للمقربية. و لم يثبت

ذلك، بل ثبت في بعض أفراده الكراهة و هو النذر الدائم كما في رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «قال: إنّي لاكره الايجاب أن يوجب الرجل على نفسه «2»». و موردها النذر الدائم.

و عليه، فيكون قصد القربة بالنذر تشريعا و قد قيل أنّه حرام.

و أما قصد القربة بالمنذور، كما حكي عن كاشف اللثام «3»، بمعنى قصد الاتيان بالمنذور بنحو قربي.

فيشكل أنّه يستلزم أن يختص النذر بنذر ما هو راجح شرعا، لأن ما ليس براجح شرعا لا يمكن قصد الاتيان به بقصد القربة لاستلزامه أخذ قصد القربة في متعلق نفس الأمر، إذ لا بدّ ان يكون قصد الناذر قصد التقرب بالمنذور من جهة الأمر النذري، فيكون متعلق وجوب الوفاء هو العمل بقصد الأمر بالوفاء. و قد ثبت في محله عدم إمكان أخذ قصد القربة الناشئ من الأمر في متعلق نفس

______________________________

(1)- قال رحمه اللّه: «إنّ القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونه غاية للفعل كغيره من العبادات، بل يكفي تضمّن الصيغة لها و هو هاهنا موجود بقوله: «للّه علي»، و إن لم يتبعها ذلك بقوله: «قربة الى اللّه، أو للّه، أو نحوه»- الخ» (اللمعة الدمشقية، ج 3: ص 39، الطبعة الحديثة).

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 6: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(3)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 2: ص 52، الطبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 237

..........

الأمر.

فلا يمكن نسبة هذا الأمر الى الأصحاب لالتزام كثير منهم بصحة النذر في غير الراجح شرعا إذا كان راجحا عرفا أو غير راجح.

فيتعين أن يكون المراد بقصد القربة معنى آخر غير ما هو المعروف

له و هو ما يؤديه لفظ «للّه» من معنى الاختصاص، فان اللام تستعمل في موارد متعددة كالملكية الحقيقية، فيقال: «السموات للّه» و ملكية التصرف، كما يقال: «الدار لزيد»، إذا كان مالكا للتصرف فيها فقط، كما يقال: «الجلّ للفرس»، مع عدم تصور الملكية للفرس.

و الجامع في هذه الاستعمالات و الذي تستعمل فيه اللام و يراد منها مفهومه هو الاختصاص الناشئ من وجود إضافة خاصة بين مدخول اللّه و شي ء آخر.

و عليه، فالمقصود بقول الناذر «للّه» إما تخصيص الالتزام به جل شأنه بمعنى أنّه يلتزم له في مقابل الالتزام لغيره، فإن هذا أمر مألوف في عالم الافعال، فيلتزم زيد لعمرو بكذا و هكذا. فيكون للملتزم له حق المطالبة بالعمل و يعدّ عدم أداء العمل من قبل الملتزم منافاة لحق الملتزم له، فالناذر يقصد الالتزام للّه جلّ شأنه بالعمل الخاص، و قد صار هذا الالتزام سببا لوجوبه بمقتضى الأدلة. و أمّا تخصيص العمل الملتزم به تعالى، بأن يلتزم في نفسه أن صدور العمل منه يكون للّه عز و جل بحيث يكون مقصرا تجاهه لو لم يأت به لأنه من حقوقه عليه و قد سار هذا سببا لإمضاء الشارع و لزومه عليه بمقتضى دلالة الدليل عليه.

و الذي يظهر من النصوص هو الأول و أن المضاف إلى اللّه تعالى هو الالتزام لا الملتزم به، فإنّ صريح مثل رواية منصور بن حازم:؛ ...، أو يقول: للّه عليّ أن احرم بحجة»، فأن معنى: «عليّ» هاهنا ليس الا الالتزام. و رواية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 238

..........

عبد الملك بن عمرو: «من جعل للّه عليه أن لا يركب ...».

و أما مثل رواية سعيد الأعرج: «ما جعل لندب فهو واجب

عليه». فهو يحتمل الأمرين، فيحمل على ما هو صريح غيره من كون المضاف هو الجعل لا المجعول.

و بالجملة، فلا يعتبر في النذر سوى إضافة الالتزام للّه في مقابل الالتزام للغير و من هنا لا خصوصية لهذه الصيغة- أعني: «للّه»- و ما شاكلها من أسمائه تعالى، بل كل صيغة تضمنت هذا المعنى كانت نذرا لازم الوفاء به.

كما يشهد لذلك رواية علي بن راشد، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام: «إنّ امرأة من أهلنا اعتلّ لها صبي، فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة و الجارية ليست بعارفة فأيما أفضل تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر، فقال: لا يجوز إلا عتقها «1»».

الخامس: أن يكون شرط النذر راجحا إذا كان من الأفعال الاختيارية

و توضيحه: أن الشرط الذي يعلّق عليه المنذور.

تارة: يرجع الى فعل اللّه سبحانه من شفاء من مرض أو توفيق لفعل خير، أو فعل يرغبه الشخص فيكون النذر نذر شكر، فهذا لا إشكال في انعقاده، فانه مورد الأدلة الخاصة.

و اخرى: يرجع الى فعل من أفعال الشخص الاختيارية التي لا يرغب الشخص في تحقّقها، فيلتزم بالنذر بأمر من الأمور الصّعبة لو جاء به، فيكون نذره نذر زجر عن هذا العمل و يحاول بنذره ترك العمل لصعوبة المنذور كما لو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 7: من ابواب النذر و العهد، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 239

..........

قال: «إذا شربت سيكارة فأتصدق بدينار»، و هذا المعنى هو الملحوظ في شرط الرجحان في الشرط، فإن مثل هذا النذر لا ينعقد لوجوه عديدة:

الأول: التشكيك في شمول الحكم بوجوب الوفاء لمثل هذه الصورة، إذ ليس لدينا اطلاق يقتضي ثبوته في مطلق موارد

النذر، فالمرجع حينئذ أصالة البراءة أو أصالة عدم ترتب الأثر و عدم انعقاد النذر.

الثاني: أن النذر كما عرفت هو الالتزام للّه بشي ء على تقدير شي ء. فلا بد من تحقق الالتزام من كون المعلّق عليه أمرا متوقع الحصول، أما إذا لم يكن كذلك فهو في الحقيقة لا يعدو كونه إنشاء لفظيا و لا يتحقق الالتزام النفسي.

و ما نحن فيه من هذا النحو لان الناذر إذا كان يتوخّى بنذره عدم تحقق الشرط، فهو بان على عدم الإتيان بالشرط. فالتزامه بشي ء على تقدير إتيانه يكون مجرد لفظ سواء قلنا بأن التعليق لنفس الالتزام أو للملتزم به و الالتزام فعلي، إذ مع بنائه على الترك يعلم بعدم تحقق الملتزم به، فبأي شي ء يلتزم؟ فالنذر المزبور خارج في الحقيقة عن مصاديق النذر.

الثالث: ما دل على أن النذر لا بدّ و أن يكون في طاعة، و المراد منه ما يعم الشرط و متعلق النذر، و ذلك بقرينة جعله في قبال النذر في معصية المعلوم إرادة الاعم من الشرط و المتعلق منه لتطبيقه في كلا الموردين- أعني: مورد كون الشرط معصية و مورد كون المتعلق كذلك-، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

الرابع: رواية سماعة المتقدمة- في اشتراط كون النذر نذر شكر أو زجر- فأنّ ظاهرها حصر النذر الذي يجب الوفاء به بما كان نذر شكر. فلاحظ.

و هذه الوجوه الثلاثة تدل على المدعى و إن التزم بوجود مطلق يقتضي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 240

..........

انعقاد مطلق النذر، لأنها توجب تقييد المطلق، بل الثاني يقتضي عدم كون محل الكلام من أفراد النذر كي يشمله الاطلاق.

ثم إن عدم انعقاد النذر لو كان زجرا عن طاعة واجبة مما لا إشكال

فيه لأنه مورد رواية سماعة و غيرها من الروايات، كما أنّه مشمول لما جاء في النصوص من أنّه: «لا نذر في معصية»، فالتفت.

المسألة الرابعة:

في شرائط متعلق النذر و قد ذكر اشتراطه بأمور:

الشرط الأول: الرجحان فيلزم فيه أن يكون راجحا أخرويا واجبا كان أو مستحبا، و يدل عليه وجوه:

الأول: عدم وجود مطلق يدل على انعقاد مطلق النذر. و ما يستفاد من الأدلة الواردة في الموارد المختلفة لا يقتضي انعقاد غير النذر المتعلق بالراجح.

فالتشكيك يكفي في نفي الصحة رجوعا الى الاصل العملي.

الثاني: أن النذر كما تقدم هو الالتزام للّه. و من الواضح أنّ الالتزام للغير بشي ء إنما يتحقق فيما لو كان الشي ء الملتزم به مرغوبا للملتزم له و محبوبا إليه، أما إذا كان وجوده و عدمه على حدّ سواء في نظره، فلا معنى للالتزام له بفعله أو بتركه. فلا معنى لأن التزم لزيد بأن أنام ليلا مع عدم تعلق غرضه به أصلا.

و عليه، فالالتزام للّه إنما يتحقق فيما لو كان متعلقه أمرا راجحا عنده تعالى و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 241

..........

لا يتحقق في غيره، و الى هذا المعنى أشار فى «الجواهر «1»».

كما أنه ذكر وجها آخر مرجعه الى: أن أدلة النذر تقتضي كون المنذور في نفسه ثابتا و مطلوبا فيوجبه الناذر على نفسه بنذره و يصيّره لازما عليه بالتزامه، و لكن هذا غير ظاهر من الأدلة، إلا أن يكون مقصوده ان القدر المتيقن من الأدلة ذلك لا ظهورها فيه.

الثالث: ما دل على ان النذر لا يكون الى في طاعة دون غيرها.

و قد يستدل على انعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين بروايتين:

إحداهما: رواية الحسن بن علي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

قلت له: «إن لي جارية ليس لها منى مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن إلّا إني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: للّه عليّ أن لا أبيعها أبدا و لي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة؛ فقال: ف للّه بقولك له «2»».

و هي كما يستدل بها على محل الكلام بلحاظ ان عدم البيع ليس من الراجحات يستدل بها على صحة النذر التبرعي من دون تعليق لأن الصيغة المنقولة خالية عن التعليق.

و الأخرى: رواية يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام: «إنّ امرأة نذرت أن تقاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعير فخرم أنفها فأتت عليّا عليه السّلام تخاصم فأبطله فقال إنما نذرت للّه «3»».

فإن القود بزمام ليس من الامور الراجحة. و لكن كلتا الروايتين لا تدلان

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 371، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 17: من ابواب النذر و العهد، ح 11.

(3)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 242

..........

على المدّعى.

أما الأولى: فلأن محط النظر في السؤال ليس هو صحة نذر عدم البيع و عدمه، بل جواز مخالفة النذر فيما اذا احتاج الى الثمن. و انعقاد النذر مفروض في السؤال فلعل عدم البيع كان راجحا في خصوص الواقعة بلحاظ كونه إحسانا للجارية لأنّ بيعها يؤدي الى تعاقب الأيدى عليها، فيمكن أن تقع في يد من لا يعتنى بشئونها. فلا يمكن جعلها دليلا على عدم اعتبار الرجحان لعدم ظهورها في ذلك.

كما أن ترك الاستفضال لا مجال له هنا، لأنّ محل الكلام ليس محط السؤال كي يكون عدم الاستفضال دليلا على العموم.

هذا مع أنّ

مضمون الرواية لا يعمل به عند الاصحاب لوجود ما يخالفه في الروايات الدالة على جواز البيع مع الاحتياج الى الثمن.

و أما الاستدلال بها على صحة النذر من غير تعليق.

ففيه: أنه لا ظهور للرواية في كون إنشاء النذر بالصيغة المزبورة، بل لعله من حكاية الحال بنحو الاجمال. فالتفت.

و أما الثانية: فمع الغض عن إجمال ذيلها و عدم معرفة ما هو المقصود منه نقول: أن نذر القود بزمام ...

تارة: يرجع الى نذر الهيئة الخاصة لأجل الزيادة في الخشوع و التذلل فهو من نذر الراجح.

و اخرى: لا يرجع الى ذلك، فهو غير منعقد جزما لاستلزامه الضرر و هو ثقب الانف من دون داع عقلائي يجبر الضرر، بل لو لم يستلزم ذلك بان كان الانف مثقوبا لفرض آخر كوضع الخزامة لم ينعقد أيضا لأنّه عمل غير عقلائي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 243

..........

فهو مرجوع قطعا.

هذا إذا لم يكن المنذور راجحا دنيويا، فان كان كذلك فالوجوه المتقدمة تقتضي عدم انعقاد النذر فيه.

لكن قد يستدل على انعقاده برواية زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أي شي ء لا نذر في [فيه، خ ل] معصية قال، فقال: كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه «1»».

و لكنها أجنبية عن المدعى، فانها في مقام بيان ما يمنع من انعقاد النذر و يوجب عدم صحته و ليست في مقام بيان ما هو شرط في صحته و ما هو معتبر في متعلقه، فلا دلالة لها على نفي اعتبار الرجحان الاخروي و كفاية الرجحان الدنيوي في انعقاده. فالتفت.

و اما الخدشة في سند الرواية، فهي ضعيفة، كما ستعرفه إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنّه بناء على

عدم انعقاد نذر غير الراجح قد يشكل انعقاد نذر الراجح بخصوصية غير راجحة أصلا، كما لو نذر الصلاة في هذه الدار. أو في مسجد المحلة الكذائية مع تساوي مساجد المحلات في الثواب و لا خصوصية لمسجد هذه المحلة.

فهل يلزمه الوفاء بالمنذور بخصوصية المنذورة، أو لا؟ بل يصح أن يأتي بالعمل أين ما شاء من المساجد.

ذهب صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» الى الأول و ادعى الاتفاق عليه، و دفع الاشكال بعدم كون الخصوصية راجحة، فالالتزام بانعقاد النذر فيها خلاف ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 17: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 408، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 244

..........

فرض من عدم انعقاد غير الراجح بما محصله: أن الرجحان و إن كان في كلي الطبيعة إلا أنّه لا وجود للطبيعة إلا في ضمن الفرد المعين المتشخص بالزمان الخاص و المكان و الفاعل و غيرها من مشخصاته. فالفرد الموجود بالخارج راجح فاذا تعلق النذر به تعيّن.

و استشهد لذلك بتحقق الطاعة بالفرد مع أن المأمور به هو الطبيعة كحصول إطاعة الأمر بالصلاة بالفرد المعين.

ثم إنه قال: «إن فتح هذا الباب (يعنى الغاء خصوصية المنذور) يؤدي الى عدم تعين شي ء بالنذر حتى صوم يوم معين و الحج في سنة معينة و غير ذلك فان الصوم و الحج في أنفسهما طاعة و تخصيصهما بيوم أو سنة مخصوصين من قبيل المباح و ذلك باطل اتفاقا».

و قد دفع قدّس سرّه ما أيد به الاشكال من فتوى الكثير بجواز أداء الصلاة المنذورة في مسجد معين في مسجد أفضل منه مزية كمسجد الحرام، بان هذا الرأي ضعيف لأن

الارجح لم يتعلق به النذر و انما تعلق بالراجح فلا يجزي عنه الأرجح، كما أنه لو تعلق بعبادة معينة لا يجزي عنها غيرها مما هو أفضل منها.

أقول: ما ذكره قدّس سرّه إنما يتم في ما كان متعلق الأمر و الرجحان هو الطبيعة بنحو العموم الاستغراقي لان مرجع ذلك الى كون كل فرد فرد متعلقا للأمر فيكشف عن رجحانه بخصوصه. أما إذا كانت الطبيعة مأخوذة في متعلق الأمر بنحو العموم البدلي فلا يتم ما ذكره لان الراجح ليس كل فرد بخصوصيته، بل هو الطبيعة، و رجحان الفرد باعتبار أنّه وجود للطبيعة، فالخصوصية الفردية غير دخيلة في الرجحان كما لا يخفى، فاذا تعلق النذر بفرد مما هو راجح بنحو العموم البدلي لم ينعقد النذر في الخصوصية الفردية لانها غير راجحة، فيكون الحال كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 245

..........

لو نذر الصلاة و الجلوس ساعة في الشارع بنحو المجموع. فانه لا ينعقد بالنسبة الى الجلوس لانه ضميمة غير راجحة و ينعقد بالنسبة الى الصلاة خاصة.

بل لنا أن ندعي عدم انعقاده مطلقا لكون المنذور هو المجموع المركب و لا دليل على الانحلال لو بطل في بعض الاجزاء. فالاشكال المزبور متجه و لا بدّ من الالتزام به.

و أما ما أفاده قدّس سرّه من أن الالتزام به يؤدي الى عدم تعين شي ء بالنذر مع أنّه باطل اتفاقا.

فهو مندفع: بان ما ساقه من الأمثلة التي لا إشكال في تعين الخصوصية فيها بالنذر كلها من قبيل تعلّق الحكم بالطبيعة بنحو العموم الاستغراقي، فإن الصوم مستحب في كل يوم و ليس له بدل. و هكذا الحج مستحب في كل عام فكل فرد راجح في نفسه و متعلق للحكم بخصوصه.

و مثله ما لو نذر التصدق بمال معين فانه يتعين عليه ذلك و لا يجوز تبديله، لان الصدقة بكل نوع و فرد من أفراد المال مستحبة، فالصدقة مستحبة بنحو الاستغراق.

و من هنا يظهر أن ما جاء في رواية علي بن مهزيار: قلت لأبى الحسن عليه السّلام:

رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى اللّه عزّ و جل حاجته أن يتصدق في مسجده بالف درهم نذرا فقضى اللّه عزّ و جل حاجته فصيّر الدراهم ذهبا و وجّهها أليك أ يجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد «1»»، من عدم صحة تبديل المال و عدم إجزائه لا ينافي إنكار انعقاد النذر في المباح و لو كانت خصوصية في المنذور، لان التصدق بالدراهم مستحب بخصوصيته، فلا وجه للتبديل، للزوم الوفاء بالخصوصية لانعقاد النذر فيها. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 9: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 246

..........

ثم إنه دلت بعض النصوص في باب اليمين على جواز مخالفته إذا كان فيها خير الدنيا. و تدلّ عليه رواية زرارة المتقدمة و هي و إن كانت ضعيفة السند إلا أن وجود هذا المضمون في الروايات الواردة في باب اليمين بضميمة إلحاق النذر باليمين في كثير من الاحكام و إطلاقه على النذر في كثير من المقامات مما قد يوجب الاطمئنان بالحكم المذكور و تأتيه في باب النذر.

و مما يقتضي هذا الحكم في اليمين- مضافا الى الروايات الصريحة- كرواية سعيد الاعرج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يحلف على اليمين فيرى إن تركها أفضل و إن لم يتركها خشي ان يأثم أ يتركها؟ قال: «أ ما سمعت قول رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها «1»»، و نحوها غيرها.

رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له الرجل يحلف أن لا يشتري لاهله من السوق الحاجة؟ قال فليشتر لهم، قال: قلت له: من يكفيه؟

قال: يشتري لهم، قلت له: أنّ له من يكفيه و الذي يشتري له أبلغ منه و ليس عليه فيه ضرر؟ قال: يشتري لهم «2»»، فان قول السائل: «و الذي يشتري له أبلغ منه» ظاهر في دفع تخيل أن في شراء الغير فوات نفع لعدم مهارته في الشراء أو لزوم ضرر لذلك و هو ظاهر في أن ذلك يوجب عدم انعقاد اليمين و كونه مركوزا في ذهن السائل، و قد قرّره امام عليه السّلام، كما لا يخفى.

و ليس الضرر الدنيوي الحاصل من عدم معرفة الشراء مرجوحا كي يكون نفيه راجعا الى نفي كون متعلق النذر كذلك. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 18: من ابواب كتاب الأيمان، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 13: من ابواب كتاب الأيمان، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 247

..........

الشرط الثاني: أن لا يكون محللا للحرام لا بمعنى أن لا يكون حراما، فانه ظاهر من اشتراط الرجحان، بل بمعنى أن لا يكون مستلزما للوقوع في الحرام و إن كان المنذور نفسه راجحا، كما لو نذر إيقاع صلاة يعلم بملازمتها للنظر إلى الأجنبية.

و قد يستدل لاشتراطه برواية زرارة المتقدمة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أي شي ء لا نذر في معصية؟ قال: فقال: كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه»، بتقريب: أن في ترك المتعلق الملازم للحرام منفعة دينية فالنذر

غير منعقد.

إلا أن الاستدلال بالرواية يتوقف على أن لا يكون المراد منها أن يكون الترك نفسه منفعة دينية كما لو نذر نفس المعصية. بأن يكون المراد منها أن يكون في مورد الترك منفعة دينية سواء كانت باعتبار نفس الترك، أو ما يلازمه الترك.

و بما أن الظاهر منها هو الأول و لا قرينة تدل على إرادة المعنى الثاني بعد أن كان المعنى الأول شائع الافراد كانت الرواية قاصرة عن إفادة المدعى.

فالوجه الصحيح في اعتبار هذا الشرط هو رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له: رجل كان عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج فقيل له تزوج ثم حج، فقال: ان تزوجت قبل أن أحج فغلامي حرّ فتزوج قبل أن يحج قال أعتق غلامه فقلت لم يرد بعتقه وجه اللّه، فقال: إنه نذر في طاعة اللّه و الحج أحق بالتزويج و أوجب عليه من التزويج، قلت: فان الحج تطوع، قال: و إن كان تطوعا فهي طاعة للّه قد أعتق غلامه «1»».

بيان ذلك: أنّه عليه السّلام جعل النذر المزبور نذرا في طاعة اللّه مع ان شرط المنذور

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 7: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 248

..........

ليس كذلك لأن شرط المنذور ترك التزويج، و هو ليس بطاعة. نعم، لازمه الطاعة و هي الحج، فجعل النذر نذرا في الطاعة باعتبار لازم الشرط لا نفس الشرط، فيكشف عن كون المراد من النذر في المعصية المنفي فى النصوص، النذر في مورد المعصية و لو باعتبار كونها لازم المنذور لا نفس المنذور، لوقوع اعتبار النذر فى الطاعة في مقابل نفي النذر في معصية

فيكون المراد من الجملتين نحوا واحدا.

و ليس قوله عليه السّلام في الرواية: «أنه نذر في طاعة اللّه» حكما تعبديا و تطبيقا شخصيا، بل هو بيان لكون المورد من مصاديق النذر في الطاعة المعتبر. فالتفت.

و قد يستشكل في الرواية من وجوه:

أحدها: أنّ الصيغة المزبورة ليست صيغة نذر، بل هي إما وعد أو شرط ابتدائي، مع أن الموعود ليس فعلا اختياريا بل نتيجة الفعل الاختياري و هي الحرية لا العتق و نذر النتيجة لا يقع صحيحا.

الآخر: قوله: «السائل لم يرد بعتقه وجه اللّه»، فإنه غير ظاهر المراد، إذ نظره إذا كان عدم قصد التقرب بالعتق، فأي طريق له الى معرفته. كما أنه لم يثبت كون العتق مما يعتبر فيه قصد القربة.

الثالث: قوله عليه السّلام: «أعتق غلامه» فان ظاهره الأمر بالعتق مع أن المنذور هو نتيجة العتق لا نفس العتق.

و لكن الوجوه المزبورة مخدوشة:

أما الوجه الأول، فلأنه لا ظهور للرواية في كون الانشاء بنفس الصيغة و قد فرض كون الواقع هو النذر كما هو ظاهر قوله عليه السّلام: «أنّه نذر في طاعة اللّه»، فانه ظاهر في أنّه عليه السّلام فهم من السائل وقوع نذر لا مجرد وعد أو شرط. و من هنا لا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 249

..........

ظهور في كون المنذور هو النتيجة إذ ليست الصيغة المنقولة هي صيغة النذر. و بذلك يظهر الجواب عن:

الوجه الثالث، إذ المنذور إذا كان هو العتق فالأمر به متجه. و الظاهر كونه هو المنذور لان ظاهر السؤال صحة النذر من جهاته كلها سوى جهة السؤال و هي عدم كونه في مورد الطاعة.

و أما الوجه الثاني، فلأن نظر السائل الى كون المعلّق عليه ليس امرا من مصاديق

الطاعة و راجحا شرعا حتى يكون المقصود بالعتق الجهة الالهية. فكان جواب الامام عليه السّلام أنه نذر في الطاعة باعتبار انتهائه الى الحج و هو أمر راجح سواء كان واجبا أو تطوعا.

نعم، الرواية ظاهرة في صحة نذر الزجر إذا كان لأجل الزجر عمّا يمنع من تحقق الراجح و هو يتنافي مع الوجه الثاني الذي ذكرناه في نفي صحة نذر الزجر، و إن لم يتناف مع سائر الوجوه، كما لا يخفى.

الشرط الثالث: ان يكون مقدورا و قد ذكر كون المراد من اعتبار القدرة هو اعتبار القدرة العقلية.

و وجه اعتبارها واضح لامتناع تعلق التكليف بغير المقدور. مضافا إلى منافاته لأصل الالتزام، فان الالتزام بغير المقدور مما لا محصل له.

إلا أن المحقق النائيني رحمه اللّه «1» ذهب في بعض مباحث الاصول- و هو مبحث التزاحم- الى كون متعلق النذر مشروطا بالقدرة الشرعية، و وجهه: بأن النذر إنما يتبع قصد الناذر، و هو إنما يقصد المقدور إذ لا معنى لالتزامه بغير المقدور.

______________________________

(1)- المحقق الخوئي، السيد ابو القاسم: أجود التقريرات، ج 1: ص 272، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 250

..........

و أورد عليه: بان هذا الوجه إنما يقتضي اعتبار القدرة عقلا. و المقصود بالقدرة شرعا هو القدرة المأخوذة في لسان الدليل لفظا و الوجه المزبور لا يقتضيه كما هو واضح، و انتهى المورد الى نفي اعتبار القدرة شرعا لعدم الدليل عليه.

و لكن الغريب ممن خصّ القدرة المعتبرة بالقدرة العقلية، كصاحب الجواهر رحمه اللّه و من المحقق النائيني رحمه اللّه حيث استدل على اعتبار القدرة الشرعية بما عرفت و اكتفاء المورد بنفي اعتبارها بمجرد نفي دليله. مع أن اعتبار القدرة الشرعية مما تقتضيه النصوص المتكثرة الواردة

في نذر المشي الى بيت اللّه تعالى، ك:

رواية محمد بن مسلم، قال: «سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع قال: يحج راكبا «1»». و نحوها روايته الاخرى.

و رواية رفاعة و جعفر، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نذر أن يمشي الى بيت اللّه حافيا، قال: فليمش فإذا تعب فليركب».

و رواية عنبة بن مصعب، قال: «نذرت في ابن لي إن عافاه اللّه أن أحج ماشيا فمشيت حتى بلغت العقبة فاشتكيت فركبت ثم وجدت راحة فمشيت فسألت أبا عبد اللّه عن ذلك، فقال: إني أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة فقلت معي نفقة و لو شئت أن أذبح لفعلت فقال: إني أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة فقلت أ شي ء واجب أفعله، قال: لا من جعل للّه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي ء «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 8: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 251

..........

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال: «ايّما رجل نذر نذرا أن يمشي الى بيت اللّه الحرام ثم عجز أن يمشي فليركب و ليسق بدنة إذا عرف اللّه منه الجهد «1»».

كما ورد مثل ذلك في نذر الصوم، ك:

رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا يقوى، قال: «يعطي من يصوم عنه في كل يوم مدين «2»».

و رواية محمد بن منصور: أنّه سئل موسى بن جعفر عليه السّلام عن رجل نذر صياما فثقل الصيام عليه، قال: «تصدق لكل يوم بمدمن حنطة «3»».

و ورد نظير ذلك في

نذر الاهداء الى الكعبة، كرواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يقول: هو يهدي الى الكعبة كذا و كذا ما عليه، إذا كان لا يقدر على ما يهديه، قال: إن كان بجعله نذرا و لا يملكه فلا شي ء عليه، و إن كان مما يملك غلام، أو جارية، أو شبهه باعه و اشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة، و إن كانت دابة فليس عليه شي ء «4»».

فأنه يستفاد من مجموع هذه النصوص أنّ عدم القدرة شرعا و حصول المشقة باتيان المنذور يوجب عدم انعقاد النذر في مطلق الموارد سواء كان نذر المشي في الحج، أو غيره؛ و يقوّى ذلك بملاحظة الكبرى الكلية الواردة في ذيل رواية عنبة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 20: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 12: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 18: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 252

..........

كما أنّ قوله عليه السّلام- في ذيل رواية الحلبي-: «إذا عرف اللّه منه الجهد» مشعر نحو إشعار بكونه علة الحكم و ملاكه، فيسري في غير موارد نذر الحج ماشيا.

فلا تتجه مع هذا دعوى اختصاص النصوص بنذر مشي الحج. فإن سائر النصوص ظاهرة في المطلوب خصوصا رواية علي بن جعفر عليه السّلام المفصلة بين ملك الدابة و ملك الغلام و الجارية فليس عليه شي ء في الأول حيث إنّها مما يحتاجه الانسان دائما فبيعها يوجب الوقوع في المشقة.

و بالجملة: فالحكم واضح كما تقدم.

استدراك: كنا قد وعدنا التعرض لما دل على نفي صحة النذر في حال الغضب وفاتنا ذلك في

محله.

فنقول: وردت في باب النذر روايتان موضوعهما الغضبان:

الأولى: رواية محمد بن بشير، عن العبد الصالح عليه السّلام، قال: «قلت له جعلت فداك، إني جعلت للّه علي أن لا أقبل من بني عمي صلة و لا اخرج متاعي في سوق منى تلك الايام، قال: فقال: إن كنت جعلت ذلك شكرا فف به و إن كنت قلت ذلك من غضب فلا شي ء عليه «1»».

و هي- بعد فرض كون متعلق النذر كان راجحا في نفسه لخصوصية ثانوية و إلا فهو بعنوانه الاولي مرجوح، لأنّه خلاف صلة الرحم لو لم يكن قطيعة- تحتمل وجهين:

الأول: أن يكون المقصود التفصيل بين تحقق القصد الواقعي للنذر و كونه للّه تعالى و بين عدم تحققه و إنما كان مجرد الانشاء لغضب و من دون قصد جدي الى مدلوله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 23: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 253

..........

و هي بهذا المعنى لا تفيد اعتبار عدم الغضب بعنوانه في صحة النذر، بل تفيد اعتبار عدمه لو كان ملازما لعدم القصد لاعتبار القصد الجدّي، كما تقدم.

الثاني: أن يكون المفروض تحقّق القصد الجدي للالتزام و كونه للّه عز و جل، إلا أنه إن كان بداعي الشكر فهو منعقد. و إن كان بداعي الغضب و الانتقام و إيصال الاذى لا غير فلا ينعقد.

و ظاهر الرواية المعنى الثاني، فهي تفيد اعتبار عدم نشوء النذر بداعي الغضب و قصد الانتقام صحة و لا تنفي النذر الحاصل في حال الغضب إذا كان بداعي إلهي، كالشكر.

الثانية: رواية محمد بن علي بن الحسين، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أغضب؟ فقال: عليّ المشي الى بيت اللّه

الحرام، قال: إذا لم يقل: للّه عليّ فليس بشي ء «1»».

و الجواب بظاهره أجنبي عن السؤال، لأن السؤال عن النذر في حال الغضب، فالجواب بالتفصيل بين قول: «للّه عليّ» و عدمه لا يرتبط به.

فالتأمل يقضي أن توجّه الرواية بنحو ينسجم السؤال مع الجواب فيها بأنّ الناذر قال: «للّه علي» في حالة الغضب فالامام عليه السّلام يجيبه بأنه إن صدر ذلك من دون قصد جدي فلا شي ء عليه، فالمراد بقوله: «لم يقل» عدم القول واقعا لا لفظا.

فغاية ما تدل الرواية عليه هو اعتبار القصد الجدي فلا خصوصية للغضب.

و قد ورد في باب اليمين ما ظاهره نفي انعقاد اليمين في مورد الغضب و عدم الحالة الاعتيادية للانسان و هو رواية عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 1: من ابواب النذر و العهد، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 254

..........

«لا يمين في غضب و لا في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في إكراه «1»»، و ظهورها فى المدّعى لا يخفى خصوصا بملاحظة قوله: «و لا في جبر و لا في إكراه»، الظاهر إرادة موردهما.

فبملاحظة إطلاق اليمين على النذر كثيرا و اشتراكهما في كثير من الاحكام و عدم وجود إطلاق في باب النذر يقتضي الصحة مطلقا، يحصل الظن بثبوت الحكم المزبور في باب النذر.

و لكن الذي يوقفنا عن العمل بمقتضى الصناعة عدم اعتبار هذا الشرط في الفتاوى المتداولة بين أيدينا. و يؤكده تقييد الشرائع الغضبان بالذي لا قصد له كما مرّ.

فالاحتياط يقتضي انعقاد النذر في مورد الغضب و الصناعة تقتضي عدم انعقاده. فلاحظ.

هذا تمام الكلام في مسائل النذر و فروعه المهمّة.

ثم لا

بأس بذكر بعض مسائل «الوسيلة» للمرحوم الاصفهاني و تطبيق ما افيد سابقا عليها و الاشارة الى بعض نقاط الخلاف و غيرها. و هي جهات:

الأولى: ما ذكره قدّس سرّه من عدم اعتبار قول للّه بالخصوص بل يجزي غير هذه اللفظة من أسمائه المختصة «2».

و هذا تام، ببيان أنه و إن ورد في النصوص الكثيرة ما هذا مضمونه: «إذا لم يقل للّه عليّ فليس بشي ء» الموهم لاختصاص الصحة بما اشتمل على هذه اللفظة فقط جمودا على ظاهر النص. لكن من يلاحظ هذه النصوص يراها ظاهرة في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 16: من ابواب كتاب الإيمان، ح 1.

(2)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 9/ المسألة 1، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 255

..........

عدم الاختصاص، بل المقصود منها اشتمال الانشاء على ما يدل على كون الالتزام له جلّ اسمه في قبال خلّوه عن ذلك و ذكر لفظ «للّه» لكونه الفرد الظاهر.

الثانية: عدم اختصاص الصحة بالإنشاء بالعربية «1». و هو صحيح أيضا للقطع بعدم الفرق و أنّه لا خصوصية للإنشاء بالعربية.

الثالثة: عدم انعقاد النذر لو قال: «عليّ كذا» و إن نوى في ضميره معنى للّه «2». و الوجه فيه: ظهور النصوص في لزوم إبراز الالتزام للّه بالقول، كما هو ظاهر قوله عليه السّلام: «إذا لم يقل للّه عليّ فليس بشي ء».

الرابعة: الاستشكال في انعقاد النذر فيما لو قال: «نذرت للّه أن أصوم مثلا»، أو قال: «للّه عليّ نذر صوم يوم مثلا «3»». و لم نوافق على ذلك:

أما الصيغة الاولى، فلأنّها صحيحة لا جهة للاشكال فيها، لأن النذر و إن كان بمعنى الوعد لغة لكنه عرفا و اصطلاحا بمعنى الالتزام، فقوله:

«نذرت» بمعنى التزمت، و هو بمعنى: «عليّ»، إذن فلا اشكال في صحة الصيغة الاولى.

و أما الثانية، فلأن «عليّ» ظاهرها الالتزام، فيكون ظاهر الصيغة الالتزام للّه بالنذر لا بنفس الصوم. و لكن لما كان المقصود هو نذر الصوم و الالتزام به لا بالنذر و الالتزام انعقد النذر، إذ غاية ماهنا من الاشكال هو كون النذر بصيغة مغلوطة بحسب القواعد العربية، و هو لا يضير في صحة النذر بعد العلم بالقصد و إبراز المقصود باللفظ. فلا وجه للتوقف في انعقاد النذر فيها.

______________________________

(1)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 9/ المسألة 1، الطبعة الاولى.

(2)- المصدر.

(3)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 256

..........

الخامسة: ما ذكره قدّس سرّه من عدم صحة نذر الزوجة مع منع الزوج «1». و لو نذرت بدون إذنه كان حلّه كاليمين و إن كان متعلقا بمالها و لم يكن العمل به مانعا عن الاستمتاع بها. و لو أذن لها في النذر انعقد و ليس له بعد ذلك حلّه و لا المنع عن الوفاء به.

لا يخلو عن إشكال، بيان ذلك: أنّ المستند في ما ذكره بالنسبة الى نذر الزوجة إما أن يكون هو الرواية الواردة «2» في باب اليمين، و هي: «لا يمين للزوجة مع الزوج» بناء على التعدي من اليمين الى النذر. و إما أن يكون هو الرواية الواردة في خصوص النذر و هي رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة.

فإن كان المستند هو الأول، فقد عرفت ظهورها في نفي صحة اليمين و النذر مع معارضته، أو مزاحمته لحقوق الزوج و أنّ الرواية لا تتكفل إلا بيان حكم مورد التزاحم أو التعارض بين الحكمين. و عليه، فلا وجه للقول بجواز

الحلّ و المنع مع عدم كون العمل مانعا من الاستمتاع.

و لو تنزل عن ذلك و سلم دعوى استظهار نفي الانعقاد مع المنع مطلقا، فلا وجه لنفي جواز المنع بعد الاذن، إذ له المنع بقاء كما له المنع حدوثا، و لذا يجوز له الحلّ مع نذرها بدون إذنه.

و لو تنزل عن ذلك بدعوى استظهار مانعية المنع عن حدوث النذر و لو كان المنع متأخرا، فلا يجوز له المنع بعد الاذن، فلا يتجه التفكيك الذي ذكره بين نذر الزوجة بالنسبة إلى الزوج و بين نذر الولد بالنسبة إلى والده، مع أن النص يتضمن نفس الحكم بنفس البيان.

______________________________

(1)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 10/ المسألة 3، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 16/ باب 10: من ابواب كتاب الأيمان، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 257

..........

و إن كان المستند هو الثانى، كان الأولى تقييد الانعقاد بالاذن و مع عدمه يبطل لا أن للزوج حلّه كما ورد في العبارة. نعم، لو أذن لم يكن له المنع لانعقاد النذر فلا يكون له حق المنع عن أداء الواجب. فالتفت.

السادسة: التزامه بانعقاد نذر الزجر إذا كان الزجر عن معصية أو مكروه أو ترك مستحب، و بانعقاد نذر التبرع «1».

أما الاخير، فقد عرفت الكلام فيه و عرفت التشكيك في كونه من أفراد النذر.

و أما الأول، فقد عرفت الاستشكال في تحقق الالتزام في نذر الزجر، مع وجود ما يدل على حصر النذر الذي يجب الوفاء به بنذر الشكر، و عدم إطلاق يدل على وجوب الوفاء بقول مطلق.

و لو تنزل، فلا مانع من انعقاده، إذ الوجه الآخر لا يشمل مثل هذا النحو من نذر الزجر. و يتأيد

الحكم بالصحة بملاحظة رواية اسحاق بن عمار الواردة في نذر ترك التزويج قبل الحج، فراجع.

السابعة: ما ذكره قدّس سرّه في صحة نذر المباح لو قصد به معنى راجحا «2»، كنذر الأكل بقصد التّقوي.

خالف فيه صاحب الجواهر «3» مدعيا كون الظاهر لزوم كون متعلق النذر طاعة بعنوانه الأولي لا بعنوان ثانوي.

و لكنه مما لا وجه له، إذ الظاهر اعتبار كونه مما يمكن أن يقصد به وجه اللّه كما

______________________________

(1)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 10/ المسألة 4، الطبعة الاولى.

(2)- المصدر، ص 11/ المسألة 5، الطبعة الاولى.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 35: ص 378، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 258

..........

يظهر من بعض الروايات و هو كما على الطاعة بالعنوان الاولي ينطبق على الطاعة بالعنوان الثانوي.

الثامنة: ما ذكره قدّس سرّه من لزوم صلاحية المعلّق عليه في نذر الشكر لان يشكر عليه «1». و هو مما لا إشكال فيه لتقوم قصد الشكر به، إذ بدونه لا يتحقّق ذلك كما لا يخفى.

التاسعة: ما أفاده قدّس سرّه في نذر الزجر من لزوم كون المعلق عليه صالحا لان يزجر عنه «2»، كفعل حرام أو مكروه.

هذا قد عرفت تحقيقه و أن المعلّق عليه إذا كان من المباحات لا ينعقد النذر فراجع. و يتأيد هذا بإمكان كونه المراد من عبارة «الشرائع «3»» من قوله: «و لو نذر الزجر لا للّه لم ينعقد» فلا يكون حكما مبتكرا و انفراديا. فلاحظ.

العاشرة: ما أفاده قدّس سرّه في بعض المسائل «4» من أنه لو نذر الصلاة، أو الصوم، أو الصدقة في زمان معين، تعيّن، فلو أتى به في زمان آخر مقدم أو مؤخر لم يجز.

و كذا لو نذرها في مكان فيه رجحان فلا يجزي عن غيره و إن كان أفضل. و أمّا لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ففي انعقاده و تعينه وجهان بل قولان أقواهما الانعقاد.

قد تقدم بعض الكلام فيه و قد عرفت أن اساس الالتزام بالتعين و لو لم تكن الخصوصية راجحة هو الرواية الواردة في نذر التصدق بالدراهم و عدم جواز

______________________________

(1)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 11/ المسألة 6، الطبعة الاولى.

(2)- المصدر، ص 12/ المسألة 6، الطبعة الاولى.

(3)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 3: ص 168، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(4)- الأصفهاني، السيد ابو الحسن: وسيلة النجاة، ج 3: ص 12/ المسألة 8، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 259

..........

تبديلها الى دنانير.

لكن عرفت أن الرواية أجنبية عن محل الكلام، لأنّها واردة في ما كان الرجحان في نفس الخصوصية باعتبار ثبوت الحكم بنحو العموم الاستغراقي، لا العموم البدلي.

و عليه، فلا بد في تحقيق الكلام أن نقول: أن الخصوصية المنذورة، تارة:

تكون راجحة، كنذر الصلاة في المسجد الكذائي. و اخرى: لا تكون راجحة كنذرها في الغرفة.

فان كانت راجحة، فالرجحان و إن تعلق بنفس الطبيعة لا بكل فرد بخصوصه إلا أن الفرد الموجود في الخارج لما كان وجودا للطبيعة فهو بذاته راجح مع غض النظر عن خصوصيته الفردية و لذا يقع به الامتثال. و عليه فيصح نذر الصلاة في المسجد الخاص، لأن الخصوصية راجحة بنفسها، فيكون النذر نذرا للراجح.

و إن لم تكن راجحة، فتارة: يكون متعلق النذر هو العمل المقيد بهذه الخصوصية بنحو يكون التقيد دخيلا في متعلق النذر، ففي مثله لا ينعقد النذر لعدم كون التقيد

راجحا فالنذر لم يتعلق بالراجح بجميع أجزائه، و لا دليل على الانحلال فيبطل النذر من أساسه.

و اخرى: يكون المتعلق هو ذات العمل المتقيد بالخصوصية بنحو يكون القيد و التقيد خارجا عن متعلق النذر و إنما يؤخذ مشيرا الى الحصة التي يتعلق بها النذر، ففي مثل ذلك يصح النذر لأن ذات العمل و الحصة الخاصة منه من الراجحات لأنّه مصداق الطبيعة الراجحة، فيتعين عليه الاتيان بالعمل فى المكان الخاص مثلا. و لا يجزيه غيره لكونه غير متعلق النذر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 260

[شرائطها]
[الاول كمال العقل]

و شرائطها: اثنان

الاول: كمال العقل فلا ينعقد نذر الصبي، و لا المجنون (51).

[الثاني الحرية]

الثاني: الحرية (52) فلا يصح نذر العبد إلا باذن مولاه. و لو أذن له في النذر فنذر، وجب و جاز له المبادرة و لو نهاه، و كذا الحكم في ذات البعل (53).

هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالنذر و نعود بعد ذلك الى موضوع البحث و هو الحج النذري.

______________________________

(51) قد عرفت عدم الدليل على عدم انعقاد نذرهما مع القصد في بعض الصور، فلا يتجه نفي الانعقاد إلّا بدعوى عدم وجود الاطلاق الدال على وجوب الوفاء مطلقا، فالتشكيك يكفي في نفي الانعقاد للأصل.

(52) قد أشرنا الى هذا الشرط و لكن تحقيق البحث فيه ممّا لا طائل تحته لعدم كونه محل الابتلاء في هذا العصر.

(53) أي لا يصح نذرها إلا باذن بعلها، و قد عرفت تحقيق الكلام في نذرها و نتيجته ترجع الى عدم مشروعية الحج لها في صورة المعارضة مع حقوق الزوج.

فراجع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 261

[مسائل الثلاث]
[الاولى اذا نذر الحج مطلقا، فمنعه مانع، أخّره حتى يزول المانع]

مسائل الثلاث:

الاولى: اذا نذر الحج مطلقا، فمنعه مانع، أخّره حتى يزول المانع (54).

______________________________

(54) وقع البحث في أن نذر الحج مطلقا من دون تعيين له بسنة معينة هل مقتضاه الفورية أو أنه يجوز تأخيره كالواجب الموسع؟

قد يدعى الفورية باعتبار انصراف دليل الأمر إليها، و لكنه خلاف التحقيق في علم الاصول، كما أن للفورية وجوها أخرى لا تنهض على المدعى. و الوجه القوي هو قاعدة الاشتغال لاحتمال عدم الحياة أو القدرة في غير السنة الأولى، فيحكم العقل بلزوم الاتيان به فورا تحصيلا لفراغ الذمة.

و دعوى: إجراء استصحاب القدرة أو الحياة بنحو الاستصحاب الاستقبالي فيكون مؤمنا و يرتفع الحكم بالاحتياط لارتفاع موضوعه.

تندفع: بأنّ إجراء الاستصحاب الاستقبالي يلزم الغاء الوجوب و عدم كونه محركا إلزاميا للعبد، لأن العبد

يجري استصحاب القدرة ما دام يرى نفسه قادرا، فلا يلزمه العمل فعلا حتى تنسلب عنه القدرة، فيسقط الوجوب حينذاك فلم يكن للوجوب وقت يكون فيه ملزما للعبد باتيان العمل. و هذا بخلاف الموقت الموسع فانه لا مانع من اجراء الاستصحاب الاستقبالي لوصول الحكم فيه الالزام الذي لا محيص عنه عند تضيق الوقت.

و هذا الاشكال على الاستصحاب الاستقبالي في مثل هذه الموارد متين جدا و لم نصل لحد الآن على ما يدفعه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 262

و لو تمكن من ادائه ثم مات، قضي عنه من أصل تركته (55) و من العجب أن صاحب الجواهر «1» أشار إليه و لم يتعرض لدفعه فكأن اندفاعه في نظره قدّس سرّه بحد من الظهور بحيث لا يحتاج الى كلفة البيان.

______________________________

(55) ذهب صاحب المدارك «2» الى عدم وجوب القضاء عنه لانه يحتاج الى أمر جديد و لا دليل عليه، فالأصل ينفيه. و هذا هو الحق و لو سلم لزوم القضاء فهل هو من أصل التركة أو من الثلث؟

ذهب الأكثر إلى وجوبه من أصل التركة، بدعوى: أنه واجب مالي و هو يخرج من أصل التركة.

و لكنه غير وجيه، إذ نفس الحج ليس من الواجبات المالية و إن توقف على بذل المال غالبا، فالاولى أن يوجه بأنه إذا ثبت وجوب القضاء كان كالدين يجب أداؤه من نفس المال، إلا أن يقوم دليل خاص على خروجه من الثلث كما في قضاء الصلاة و الصيام.

و قيل: إنه يخرج من الثلث استنادا الى بعض الروايات التي استدل بها على أصل وجوب القضاء و كونه من الثلث. و هي:

رواية ابن أبي يعفور، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نذر للّه

إن عافي اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الأب، فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 340، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 96، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 263

..........

فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه «1»».

و رواية ضريس: سأل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل عليه حجة الاسلام و نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الاسلام و من قبل أن يفي بنذره الّذي نذر؟ قال: «إن ترك مالا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد وفى بالنذر و إن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الاسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه «2»».

كما استدل على إخراجه من أصل التركة برواية مسمع، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «كانت لي جارية حبلى فنذرت للّه عزّ و جل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال: إن رجلا نذر للّه عزّ و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه فمات الأب و أدرك الغلام بعد ذلك فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الغلام فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يحج عنه

مما ترك أبوه «3»».

و لكن جميع هذه الروايات لا تنهض لاثبات المدعى لظهورها فى الاستحباب قطعا، كما أنها واردة في نذر الإحجاج، فلا تشمل ما نحن فيه و هو نذر الحج.

و لا وجه لدعوى أن الحكم يثبت في نذر الحج بالاولوية، لوجود الفرق الظاهر بين الصورتين لأن نذر الإحجاج يرجع الى نذر بذل المال فيكون واجبا ماليا و ليس كذلك نذر الحج كما لا يخفى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 29: من ابواب وجوب الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ج 16/ باب 16: من ابواب النذر و العهد، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 264

..........

و أليك تفصيل القول في كل رواية:

أما رواية ابن أبي يعفور، فليس فيها ما يدل على تنجز التكليف النذري على الأب لو لم تكن ظاهرة في عدم تنجزه عليه، لعدم تمكنه منه قبل الموت و أنه مات قبل أن يتمكن.

و من الواضح أن القضاء ليس بلازم في هذه الحال إجماعا. مع أنّه حكم فيها بأنّ الذي يؤديها عنه بعض ولده مع أنه لا يجب على غير الولي بالاجماع و هو صريح قوله عليه السّلام: «أو يتطوع» فإنّه ظاهر في عدم لزومه عليه و أن أداءه عن الأب مستحب. و حينئذ فيكون المراد من التعبير بالوجوب هو الثبوت كما يعبر عن المستحبات بذلك، فيقال واجبة بمعنى ثابتة.

و أما رواية ضريس، فهي- أيضا- لم يفرض فيها تنجز الوجوب إلا أن يدعى ظهور قوله: «قبل أن يفي بنذره» في ذلك و لكنه أعم، إذ يستعمل- أيضا- في صورة عدم التمكن من الوفاء. مع أن الاخراج من الثلث إن كان مع عدم الايصاء به فلا وجه له لأن

المال يرجع كله للورثة في غير الدين و الوصية، و مع الايصاء باخراجه، فان كان قد أوصى بصرفه في موارد خاصه فلا وجه له أيضا، إذ لا وجه لتقديم في الخيرات، فيكون ظاهر الحديث الاستحباب من باب تطبيق الخير على المورد و أنه أحد مصاديقه.

كما أنّه لم يفهم المراد من قوله: «و قد وفى بالنذر» كما ان الحج لا يجب على الولي مع عدم المال قطعا خصوصا بملاحظة التعليل، لان الميت لو كان عليه دين و لم يكن لديه مال لم يجب على وليه أداؤه من ماله، و إذا ثبت إرادة الاستحباب في صورة فقدان المال لم يثبت ذلك في صورة وجدانه لوحدة السياق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 265

و لا يقضى عنه قبل التمكن (56). فان عين الوقت، فأخل به مع القدرة، قضي عنه (57). و ان منعه عارض لمرض أو عدو حتى مات، لم يجب قضاؤه عنه.

و أما رواية مسمع، فهي ظاهرة في عدم تنجز التكليف لموت الأب قبل الادراك و لا إشكال في عدم لزوم القضاء مع أنّ الجواب لا يتلاءم مع السؤال، إذ لم يفرض الموت في السؤال لأن الناذر هو السائل لا غيره، و لا وجه لتوجيه ذلك بأنّ السؤال عن مشروعية النذر إذ لا وجه لتوهم عدم مشروعيته.

و بالجملة، لا ظهور لهذه الروايات في الوجوب، بل هي ظاهرة في استحباب القضاء و لعله دفعا للمكروه الذي يترتب مع عدم الوفاء، بالنذر، فهو نظير ما ورد من استحباب ذبح بقرة مع عدم التمكن من الوفاء بالنذر. و لو سلم ظهورها في الوجوب فموضوعها يختلف عما هو المتنازع فيه. فالتفت.

______________________________

(56) لعدم الدليل عليه. فالاصل البراءة.

(57) هذا مما

لا دليل عليه إلّا ما ورد من قوله عليه السّلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته «1»»، و أما في صورة عدم التمكن من الأداء فعدم وجوب القضاء أوضح، لعدم وجوب الاداء في حقه.

______________________________

(1)- الاحسائي، محمد بن علي: عوالي اللئالي، ج 2: ص 54/ ح 143، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 266

و لو نذر الحج أو أفسد حجه و هو معضوب، قيل يجب أن يستنيب (58) و هو حسن.

[الثانية اذا نذر الحج، فان نوى حجة الاسلام، تداخلا]

الثانية: اذا نذر الحج، فان نوى حجة الاسلام، تداخلا. و إن نوى غيرها لم يتداخلا. و إن اطلق (59)، قيل إن حج و نوى النذر أجزأه عن حجة الاسلام، و إن نوى حجة الاسلام لم يجز عن النذر، و قيل لا يجزى احداثهما عن الاخرى، و هو الأشبه.

______________________________

(58) أقول: لا دليل على وجوب الاستنابة مع عدم التمكن من أداء المنذور، و يكون النذر باطلا لعدم القدرة على متعلقه، أما مع الافساد فلزوم الاستنابة و عدمه تقدم البحث فيه، و قد عرفت فيما تقدم أن الظاهر من الروايات هو استحباب الاستنابة لا وجوبها، فراجع.

(59) إذا نذر المكلف الحج، فله صور ثلاث، لانه إما أن ينوي حجة الاسلام أو ينوي غير حجة الإسلام، أو يطلق من دون تعيين إحداهما

أما إذا نذر و قصد حجة الاسلام، فلا إشكال في انعقاد النذر و التداخل، و قد يتوقف في صحة النذر لعدم الاثر له و لغويته لوجوب حجة الاسلام بدون النذر، و لكنه في غير محله لأن أثر صحة النذر تأكد الوجوب لانه بتعلق النذر بحجة الاسلام يزول وجوبها بحدّه، و ينشأ وجوب واحد شديد مؤكد لاجتماع ملاكي الوجوبين فيه. كما أنه بعدم الاتيان

بالحج تلزمه الكفارة لمخالفة النذر و هو لا يثبت مع عدم تعلق النذر.

و أما الاستشكال فيه بأنه يلزم اجتماع علتين على معلول واحد و هو محال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 267

..........

كما تقرر في محله.

فيندفع: بأن المعلول متعدد، فان كل سبب يؤثر في مسببه و إنما نتيجة التداخل هو زوال حد الوجوبين لا واقعهما و هذا ثابت في العلل التكوينية بالوجدان.

و أما جواب «الجواهر «1»» عنه: بأن الاسباب الشرعية معرفات لا علل، فهو لا يجدي في رفع الاشكال، لانها و إن كانت معرفات لكن كلا منها يكشف عن غير ما يكشف عنه الآخر، فان ذلك هو الظاهر من ترتب الأثر عند الفقهاء، فالمعرّفان يكشفان عن علتين فيعود المحذور.

و أما إذا نذر و قصد غير حجة الاسلام، فإما أن ينذر الحج في عام الاستطاعة أو في غيره، أو يطلق في نذره، و هو تارة: يكون مستطيعا حال النذر، و اخرى: تحدث الاستطاعة بعد نذر الحج.

أما لو نذر الحج في عام الاستطاعة، فان كانت الاستطاعة سابقة على النذر، فقد قيل ببطلان نذره لان حج الاسلام يرفع موضوع النذر و هو مشروعية الحج، لعدم مشروعية غير حج الاسلام. و أما لو تأخرت الاستطاعة على النذر، فقيل بتقديم النذر لان كلا منهما يرفع موضوع الآخر فان وجوب حج النذر يمنع من الاستطاعة المعتبرة في حج الاسلام.

و قد عرفت كيفية رافعية وجوب حج الاسلام لموضوع وجوب النذر. و إذا كان الامر كذلك قدّم وجوب النذر لانه أسبق زمانا.

و إنما لم يتأت هذا البيان في صورة تأخر النذر، و لم يلتزم بتقديم حج الاسلام من باب الأسبقية لأن النذر لا يرفع موضوع الحج لانه بالاختيار و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 348، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 268

..........

ارتفاع الاستطاعة بقاء بالاختيار لا يمنع من وجوب الحج، لان الموضوع هو الاستطاعة حدوثا فقط.

و التحقيق: أن النوبة لا تصل الى هذه البيانات، فان وجوب الحج مع الاستطاعة السابقة او اللاحقة رافع لموضوع وجوب النذر و لا عكس، لان المعتبر في موضوع الحج شرعا هو استطاعة الطريق لا الاستطاعة على نفس الاعمال فان المعتبر فيها ليس إلا القدرة العقلية. و من الواضح أن وجوب الحج النذري لا يزاحم الحج الاسلامي في استطاعة الطريق لان الطريق واحد. و عليه، فهو لا يرفع موضوع حج الاسلام.

أما وجوب حجة الاسلام، فهو يرفع موضوع الوجوب النذري من جهات:

من جهة نفيه لمشروعية الحج في سنة الاستطاعة غير حجة الاسلام.

و من جهة نفيه للاستطاعة الشرعية على الحج المنذور، و هي معتبرة فيه- كما تقدم بيانه-.

و من جهة كون الحج النذري مستلزما لتحليل الحرام و هو ترك الحج و عدمه مأخوذ في موضوع انعقاد النذر.

و أما ما ذكر من تقديم الحج النذري في صورة تأخر الاستطاعة لانه أسبق زمانا فهو- مع الغض عما ذكرناه- ممنوع أيضا، فان مرجحية السبق الزماني لو سلمت- في بعض صوره- ففيما كان السبق في زمان الواجب لا الوجوب، مع اتحاد زمان الواجب، كما فيما نحن فيه. فالمتعين في مثل ذلك الالتزام بالتخيير.

و لكن عرفت عدم وصول النوبة الى ذلك و أن الحج مقدم على النذر فى الصورتين.

نعم، لو نذر- في صورة وجود الاستطاعة- الإتيان بالحج على تقدير فقد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 269

..........

الاستطاعة فصادف فقدها انعقد نذره لعدم المانع

من انعقاد النذر.

و منه يظهر الحال لو فقدت الاستطاعة بعد حصولها في صورة تقدم النذر كما لا يخفى.

و إذا نذر الحج في غير عام الاستطاعة، فالحكم واضح لا غبار عليه. و إذا نذر غير حج الاسلام لكنه اطلق بالنسبة الى سنة الاستطاعة و غيرها بمعنى أنه نذر الاتيان بطبيعة الحج و لم يقيده بعام دون آخر، كان النذر منعقدا، لان طبيعة الحج مقدور شرعا كما أنه لا يستلزم تحليل الحرام و هو مشروع راجح.

نعم، يقدّم حج الاسلام لأنه مضيق و هو يتقدم على الموسع بلا وقوع أي تزاحم بينهما، كما حرّر في محله من الاصول. إلا أنه لو أتى بالحج النذري و لم يأت بحج الاسلام عصيانا صح عمله لانعقاد نذره، كما عرفت، لتمامية شروطه و قد جاء بفرد من المنذور و إن عصى حكما آخر. فالتفت.

و أما إذا نذر و أطلق بالنسبة الى حج الاسلام و غيره، فتحقيق الحال فيه:

أن النذر لما كان تابعا للقصد، فان قصد الاطلاق بمعنى أنه قصد الاتيان بحج ما، سواء كان حج الاسلام أو غيره، فلا اشكال في إمكان التداخل، فيستطيع أن يقصد بحج الاسلام الوفاء بنذره.

و مع التشكيك فيما هو المقصود أو الغفلة عن القصد فالقدر المتيقن إرادة غير حج الاسلام، فيتعين عدم التداخل، لان غير حجة الاسلام مقطوع القصد. أما هو فغير معلوم، فلا يحرز تحقق الوفاء مع الاتيان بحج الاسلام. فقاعدة الاشتغال محكمة.

هذا هو حكم الصورة. و عليه، فلا وجه لإطالة الكلام من الاعلام، فقد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 270

..........

ذهب بعضهم «1» الى عدم التداخل باعتبار أن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب، و نفاه غيره- هو صاحب المدارك «2»- بأن

الاسباب الشرعية معرفات و ليست بعلل حقيقة.

و ذهب البعض «3» الى التداخل، لصدق الامتثال لو جاء بحج الاسلام لصدق الاتيان بالحج.

و من الواضح أنه لا اعتبار بهذه الكلمات و نحوها بعد أن كان المناط في النذر هو القصد و قد عرفت الحكم فيه.

هذا بحسب القاعدة الاولية في باب النذر. و أما بحسب النصوص، فقد ادعي دلالتها على التداخل. و هي:

رواية رفاعة بن موسى عليه السّلام: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام فمشى هل يجزيه عن حجة الاسلام؟ قال: نعم، «4»». و نحوها.

رواية محمد بن مسلم «5». لكن الظاهر أنها غير ناظرة الى نذر الحج و حكم التداخل و عدمه، بل هي ناظرة الى صورة ما إذا نذر المشي إذا أراد أن يحج و مشى بقصد الوفاء بالنذر، فالسؤال عن أن الاتيان بالمشي بقصد النذر هل يكفي في امتثال حكم حج الاسلام أو أنه لا بدّ أن يأتي به بداعي حج الاسلام؟ و لا ربط له بما نحن فيه أيضا، و يشهد له أن السؤال عن الإجزاء عن حجة الاسلام لا عن حجة النذر الذي هو موضوع الكلام. فتدبر و التفت.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 1: ص 376/ المسألة 20، الطبعة الاولى.

ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 518، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 100، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- المصدر، ص 101.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 27: من ابواب وجوب الحج، ح 2.

(5)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 271

[الثالثة اذا نذر الحج ماشيا وجب أن يقوم في مواضع العبور]

الثالثة: اذا نذر الحج ماشيا (60)، وجب

أن يقوم في مواضع العبور. فإن ركب طريقه قضى. و إن ركب بعضا، قيل يقضي، و يمشي مواضع ركوبه، و قيل بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة، و هو أشبه. و لو عجز قيل يركب و يسوق بدنة، و قيل يركب و لا يسوق، و قيل ان كان مطلقا توقع المكنة من الصفة، و إن كان معينا بوقت سقط فرضه لعجزه، و المروي الاول، و السياق ندب.

______________________________

(60) الكلام في هذه المسألة في جهات:

الجهة الأولى: في انعقاد نذر الحج ماشيا، و هو مما لا إشكال فيه فى الجملة بحسب القاعدة الاولية في باب النذر، كما تدل عليه الروايات الكثيرة، كرواية رفاعة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نذر أن يمشي الى بيت اللّه قال: فليمش- الحديث «1»». و غيرها مما تضمن حكم النذر.

نعم، قد يتخيل عدم الانعقاد استنادا لرواية أبي عبيدة الحذاء، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: «عن رجل نذر أن يمشي الى مكة حافيا فقال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الابل فقال؟ من هذه؟ فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي الى مكة حافية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ى 14 عقبة، انطلق إلى اختك فأمرها فلتركب فإن اللّه غني عن مشيها و حفاها. قال: فركبت «2»».

و لكنها لا تضر بالمدعى، لاحتمال أن يكون السؤال فيها عن نذر الحفاء لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 34: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 272

..........

أصل المشي فتختص بنفي مشروعية نذر المشي حافيا.

الجهة الثانية:

في مبدأ المشي فهل هو

بلد الناذر، أو البلد الذي يقصد منه الحج، أو الميقات؟. وجوه:

قيل: بأنه الميقات، لأنه مبدأ الحج، و ظاهر النذر كون المشي في حال الحج، لأن ماشيا حال من فاعل الحج في قول الناذر: «احج ماشيا».

و فيه: أن الظاهر منه كون الحج عن مشي، لا الحج حال المشي.

هذا، مع أن الاحرام لم يثبت كونه جزء الحج بل يمكن أن يكون شرطا، فهو خارج عن أعمال الحج، و لو كان جزء شرعا فهو بنظر العرف شرط، فلا يعد من أفعاله بل من شرائطه، فيكون خارجا عن دائرة القصد.

و التحقيق: أن هذا يتبع القصد. نعم، مع الغفلة أو الا يكال الى ما هو المفهوم عرفا من التعبير و نظائره، يمكن دعوى أن المبدأ ارتكازا و بحسب المتعارف هو البلد الذي يقصد الحج منه. فان الظاهر من الحج ماشيا أنه عند ما يتوجه إلى الحج و يقصد في سفره الحج يمشي بدل الركوب. فالتفت و تأمل.

الجهة الثالثة:

في حكم مواضع العبور غير القابلة للمشي، فهل يجب عليه القيام في المعبر، أو لا؟.

قولان، ظاهر المتن الوجوب و مستند القول بالوجوب وجهان:

الاول: قاعدة الميسور، بتقرير أن المشي مركب من أمرين قيام و حركة، فإذا تعذرت الحركة يجب الجزء الآخر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 273

..........

و فيه:

أولا: عدم تمامية الدليل على قاعدة الميسور بقول مطلق.

و ثانيا: أنها لو تمت فانما تثبت في مورد يعد الباقي ميسورا بالنسبة الى الواجد، و ليس الأمر كذلك فيما نحن فيه، و لعله لأجل قوام المشي بالحركة و عدم اعتبار القيام أصلا فيه و إنما هو مقارن له في الغالب. أو لأجل أن اعتباره- لو كان- بنحو الشرطية لا الجزئية.

الثاني: رواية السكوني، عن جعفر،

عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام: «إن عليا سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فعبر في المعبر، قال: فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه «1»». و هي لا تنفع في إثبات المدعى لضعف سندها.

و الحق هو عدم الوجوب لوجهين:

أحدها: عدم المقتضي، فإن قصد الناذر في نذره هو المشي في مواقع المشي.

أما ما لا يمكن فيه المشي فلا يتعلق قصد المشي فيه، فهو خارج عن متعلق النذر.

و الآخر: وجود المانع، لانه يعتبر في جهة النذر القدرة على المنذور. و المفروض عدم القدرة على المشي في مواضع العبور، فلا ينعقد فيها النذر. نعم، لو تعدد الطريق تعين عليه اختيار ما يمكن المشي فيه للقدرة عليه شرعا. و المفروض أنه قصد المشي في الطريق الذي يمكن فيه المشي، فينعقد نذره.

الجهة الرابعة:

فيما لو ركب طريقه أجمع، ذهب في المتن إلى أنه يقضي. و قال في «المدارك «2»»: «إن كانت السنة معينة، فالقضاء بمعناه المتعارف، و يلزمه مع ذلك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 37: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 104، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 274

..........

كفارة خلف النذر. و إن كان النذر مطلقا، فالقضاء بمعنى الفعل ثانيا، و لا كفارة».

و تحقيق الحال: أن نذر المشي يتصور بأنحاء ثلاثة:

الأول: أن يكون متعلق النذر هو المشي الى الحج على تقدير إرادة الحج، فيؤخذ الحج مفروغا عنه. و المنذور هو المشي فقط.

الثاني: أن يكون متعلق النذر هو الحج عن مشي بأن يؤخذ المشي من شروط الحج المنذور و يكون المنذور هو الحصة الخاصة من الحج.

الثالث: أن يكون كل من

الحج و المشي متعلقا للنذر بنحو التركيب، فكل منهما جزء المنذور.

فعلى الأول: لو ركب الطريق يتحقق منه الحنث لو كان قد نذر المشي في وقت معيّن و تجب عليه الكفارة دون القضاء، إذ لا دليل على لزوم قضاء المشي المنذور. و لو لم يقيده بحج خاص، بل قصد المشي في حج ما لم تتحقق منه المخالفة لأنه موسع.

و على الثاني: لو ركب الطريق كان مخلا بالحج المنذور للاخلال بقيده فإذا كان النذر معينا تحقق منه الحنث و لزمت الكفارة و يجب عليه القضاء لو قام الدليل على لزوم قضاء الحج المنذور. و أما إذا كان مطلقا، فلا حنث لانه موسع.

و على الثالث: لو ركب الطريق و حج، فقد يدعى عدم وفاءه بالمنذور بكلا جزئيه قياسا على باب العبادات، حيث لا يتحقق الامتثال فيها إلا بالإتيان بجميع أجزائها.

و قد يدعى وفائه بجزء منه و هو الحج، قياسا على باب المعاملات، حيث يلتزم بالتفكيك بين الاجزاء التي وقعت المعاملة على مجموعها، فيلتزم بصحة المعاملة في بعض المبيع دون بعض.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 275

..........

و الحق هو الثاني، فإنّ الالتزام بالارتباطية في باب العبادات من جهة فهم ذلك من قرينة خارجية، بحيث لم ير توجيها لها إلا القول بأنه قد أخذ في العبادة تقيد كل جزء بالآخر، و لولاها لما التزم بذلك بل كان يلتزم في العبادة بما يلتزم في المعاملة من إمكان التفكيك بين أجزائها.

و بما أن النذر من الايقاعات، فالمقصود به ارتكازا في مثل هذه الصورة ما يقبل التفكيك فيكون متعلق نذره أمرين من دون ارتباط احدهما بالآخر في مقام الامتثال، فكأنه نذر نذرين فإذا جاء بالحج و لم يجي ء بالمشي

كان ممتثلا من جهة نذر الحج و غير ممتثل من جهة نذر المشي، فعليه الكفارة لو كان قيد المشي بعام الحج الذي جاء به و لا قضاء، و إلا لم يكن مخالفا و كان عليه الإتيان بالمشي في حج آخر. فاعلم.

ثم إنه وقع الكلام في صحة الحج الذي يجي ء به في ما لو نذر الحج ماشيا- كما هو الحال في الصورة الثانية- بعد الفراغ عن عدم وقوعه وفاء للنذر.

فقرب صاحب المدارك «1» عدم صحته و استظهر ذلك من المتن و وجّهه بأن ما قصد لم يقع، إذ قصد الوفاء بالنذر، فلم يقع للاخلال بالقيد و هو المشي. و غيره لم يقصد، و الحج من الاعمال العبادية التي يتوقف صحتها على قصد القربة.

و هناك وجه آخر أشار إليه في «الجواهر «2»» و هو انتفاء مشروعية غير الحج المنذور مع النذر بحيث يكون النذر سببا لاشتراط الحج المشروع بالمشي.

فهنا وجهان لعدم الصحة.

و قد اختار في «الجواهر» الصحة و دفع هذين الوجهين:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 105، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 352، ط الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 276

..........

أما الأول: فلأن قصد الوفاء بالنذر في طول قصد القربة لأن النذر إنما يتعلق بالعمل العبادي فهو يأتي بالعمل بقصد القربة بداعي الوفاء بالنذر، نظير الاتيان بالعمل العبادي المستأجر عليه بداعي الوفاء بالاجارة. فإذا كان قصد الوفاء بالنذر لغوا كان العمل صحيحا للاتيان به بنحو عبادي و قد قصد به التقرب.

و أما الثاني: فلأنه لم يحتمل فقيه ما ذكر من استلزام النذر تقييد الحج مطلقا بالقيد المأخوذ في المنذور. و

من هنا يتعين الالتزام بصحة العمل و إن لم يقع وفاء، فالعمل صحيح في جميع «1» صور النذر الثلاثة كما لا يخفى.

الجهة الخامسة:

فيما لو ركب بعض طريقه. و الأقوال «2» فيه ثلاثة:

قول بلزوم القضاء و المشي في جميع الطريق لان ما أتى به لم يتحقق به الامتثال، فيتعين في القضاء الاتيان بالواجب بخصوصياته. و هذا هو اختيار صاحب الجواهر «3» و ادعى أنه أشبه باصول المذهب.

و قول بلزوم القضاء و المشي في مواضع الركوب فقط، لأن المطلوب هو تحقق الحج و قبله مشي الطريق و هو يصدق بالتلفيق لعامين. و قد حكي هذا القول عن الشيخ «4» و صاحب السرائر «5».

______________________________

(1)- إذ لا مجال لتوهم البطلان في غير هذه الصورة.

(2)- لا يخفى ان الموضوع في البحث هو نذر الحج ماشيا.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 353، الطبعة الاولى.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 247، الطبعة الاولى.

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 565، الطبعة الاولى.

(5)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 3: ص 61، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 277

..........

و قول بالتفصيل بين ما إذا كان راكبا بعد التلبس بالحج فيلزمه المشي، لأنه لا يصدق عليه أنه حج ماشيا. و بين ما إذا كان ركوبه قبل التلبس فيجزي التلفيق، لأن المقصود قطع هذه المسافة بالمشي و قد حصل ذلك و لو في عامين. و هذا مما قرّبه صاحب المدارك «1» و إن ذهب إلى أن الأول هو الاصح تبعا للمتن.

و التحقيق: أن النذر و إن كان يتبع قصد الناذر، إلا أن المتعارف في القصد هو قصد قطع الطريق

أجمع ماشيا في عام الحج لا في أوقات مختلفة. و يظهر ذلك بملاحظة نظائر الحج مما ينذر فيه المشي كزيارة الحسين عليه السّلام، و لذا يعد مثل هذا النذر مهمّا و إيقاعا للنفس في كلفة مهمة من دون سؤال عن القصد مع أنه لو كان القصد هو قطع المسافة في أوقات متعددة لم يكن فيه مزيد كلفة، كما لا يخفى فانتبه. فالمتعين هو القول الأول تبعا للمتن و صاحب الجواهر رحمه اللّه.

الجهة السادسة:

فيما لو عجز عن المشي في بعض الطريق أو في جميعه و الاقوال في حكمه خمسة:

الأول: الركوب و سوق الهدي لزوما.

الثاني: الركوب و عدم وجوب الهدي.

الثالث: سقوط الفرض إن كان معيّنا و توقع المكنة إن كان مطلقا.

الرابع: الركوب إن كان معينا و توقع المكنة إن كان مطلقا.

الخامس: سقوط الفرض مع التعيين لو كان العجز قبل التلبس بالاحرام و عدم سقوطه لو كان بعده و هو اختيار صاحب المدارك «2».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 105، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- المصدر، ص 108.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 278

..........

و التحقيق: أن مقتضى القاعدة الأولية هو القول الثالث، لان العجز عن القيد يستلزم العجز عن المنذور المقيد فيسقط الأمر به إذا كان معينا لاعتبار القدرة عليه شرعا.

إلا أن في المقام نصوصا «1» يدور مفادها بين القولين الأولين و لا شاهد فيها على أحد الاقوال الاخرى و لأجل ذلك يتعين علينا البحث في ترجيح أحد القولين الأولين.

فنقول: إن ظاهر بعض النصوص وجوب الهدي، كرواية الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه و عجز عن المشي، قال:

فليركب و ليسق بدنة

فان ذلك يجزي عنه إذا عرف اللّه منه الجهد».

و نحوها رواية ذريح المحاربي، إلا أن فيها «فليركب و ليسق الهدي».

و صريح بعض آخر عدم الوجوب، و هو رواية عنبسة بن مصعب، «2» قال:

قلت له (يعني لأبي عبد اللّه عليه السّلام): «اشتكى ابن لي فجعلت للّه عليّ إن هو برئ أن أخرج الى مكة ماشيا و خرجت أمشي حتى انتهيت الى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل عليّ شي ء. قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إليّ، قال: قلت له: أي شي ء هو إلي لازم أم ليس بلازم؟ قال: من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه و كان اللّه أعذر لعبده «3»». كما أن بعض الروايات لم يأمر فيها الامام عليه السّلام السائل بالهدي، كرواية رفاعة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 34: من ابواب وجوب الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 279

[القول في النيابة]
اشارة

القول في النيابة (61)

و شرائط النيابة ثلاثة: الاسلام، و كمال العقل، و أن لا يكون عليه حج واجب.

قال: فليمش قلت فإنه تعب قال: فاذا تعب فليركب «1»».

إلا أن صاحب المدارك «2» لم يرتض هذه المعارضة بدعوى: أن رواية عنبسة ضعيفة السند لأن راويها واقفي، و الروايات الاخرى الساكتة لا تنافي الوجوب الثابت بغيرها كما لا يخفى.

و ناقشه صاحب الجواهر «3»: بأن الرواية موثقة و ذلك يكفي في الحجية، فتكون صارفة لظهور غيرها في الوجوب و تحمل روايات الهدي على الندب، مضافا إلى أن سكوت

النصوص الأخر عن إيجاب الهدي مع كونها في مقام بيان حكم العجز ظاهر في عدم الوجوب و إلا لبيّن ذلك.

فالمتعين بحسب النصوص هو القول الثاني، و من الواضح أن الروايات مطلقة من جهة كون النذر معينا أو مطلقا و من جهة كون العجز قبل التلبس بالاحرام أو بعده. فتدبر جيدا.

______________________________

(61) لا بأس قبل الدخول في فروع الحج النيابي من تحقيق معنى النيابة و ما يدور حوله من كلام، فإنّ الإعلام لم يتعرضوا لذلك في بحث مستقل و إنما يشار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 34: من ابواب وجوب الحج، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 107، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 355، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 280

..........

إلى معناها في الموارد المختلفة بنحو كأنه مفروغ عنه، ثم يحاول دفع الإشكالات الواردة عليها.

و على أيّ حال، نقول: إنه ليس للنيابة معنى شرعي مختص به فان الظاهر من الأدلة هو إمضاء الشارع للنيابة المألوفة لدى أهل العرف و لأجل ذلك يتعين علينا أن نفهم معنى النيابة من العرف. و قد ذكر لها معان ثلاثة ذهب الى كل فريق و هي:

الاول: تنزيل الشخص نفسه منزلة المنوب عنه و يأتي بالعمل بعد ذلك.

الثاني: تنزيل العمل الصادر من النائب منزلة العمل الصادر من المنوب عنه أو بتعبير آخر إسناد العمل الى المنوب عنه و اضافته إليه.

الثالث: إهداء ثواب العمل الصادر منه الى المنوب عنه، فيأتي بالعمل عن نفسه ثم يهدي ثوابه الى المنوب عنه. و هذا القول إنما التزم به من التزم به لأجل عدم سلامة المعاني الأخرى عن

الاشكال لا لأجل أنه معنى النيابة عرفا.

و الذي نراه أن معنى النيابة عرفا أجنبي عما ذكر. و قبل بيان ذلك لا بأس بالتنبيه على شي ء و هو: أن التنزيل غير الاعتبار، فإن واقع التنزيل ليس إلا ترتيب الأثر الثابت للمنزل عليه على المنزل، ففي ما نحن فيه يتوقف على ثبوت أثر للمنوب عنه حتى يفرض ترتبه على النائب. أما الاعتبار، فواقعه جعل الشي ء و فرضه و هو يتوقف على ثبوت الأثر للفرد الاعتباري كى لا يكون الاعتبار لغوا، ففيما نحن فيه يتوقف على ثبوت الأثر للفرد الاعتباري للمنوب عنه لا الواقعي.

و المدعى في باب النيابة هو الأول أعني تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه لا اعتبار نفسه المنوب عنه. فالتفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 281

..........

و بعد هذا نقول إن موارد النيابة خارجا منحصرة في:

الف: موارد المعاملات الاعتبارية من عقد بيع أو نكاح أو غيرهما من العقود و الايقاعات.

ب: في موارد الوظائف المقررة للشخص خارجا، كإمامة الجماعة في المسجد المعين.

ج: في موارد الدعوات الى حضور وليمة و ما شابهما.

د: فى الإعمال الاجتماعية الأخلاقية، كالتعزية و التهنئة و نحو ذلك.

و نحن نرى عند استعراض النيابة في هذه الموارد أن شيئا منها لا ينطبق عليه التعريف الأول للنيابة فإن من يجيزه المالك في إجراء العقد البيعي لا ينزّل نفسه حين البيع منزلة المالك، بل لا يقصد انه يوقع البيع نيابة عن المالك، بل يوقعه من نفسه باجازة المالك، و هكذا من يجاز من قبل الزوجة في إجراء عقد النكاح.

و هكذا من ينوب عن الامام في إمامة المسجد، فانه لا يقصد حال الصلاة تنزيل نفسه منزلة الامام الأصلي و لا يلتفت إلى ذلك أصلا

و في أي أثر يقصد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في صلاته، أو في إشغاله المكان الخاص؟ مع أنهما ثابتان له تكوينا بلا تنزيل.

و الكلام نفسه يجري في النيابة في إجابة الدعوة إلى الوليمة، فإن النائب فى الحضور و الأكل لا ينزل نفسه منزلة المنوب عنه، بل لا يقصد الإتيان بذلك نيابة عنه و إنما يأتي بها نفسه باعتبار إرسال المنوب عنه.

و أما النيابة في التهنئة فمنها ما هو خارج عن حقيقة النيابة، كما إذا كان رسولا في إبلاغ التهنئة، و منها ما هو من مواردها و هو ما إذا كان نائبا في التهنئة بأن تصدر منه التهنئة نيابة عن غيره. و هذا النحو يتوقف على قصد كون العمل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 282

..........

نيابة عن الغير، و بدونه لا يحسب العمل من الغير بل يحسب العمل من نفس الشخص، إلا أنه لا يتوقف على قصد تنزيل الشخص نفسه منزلة المنوب عنه. و مثله النيابة في باب الدعاوي.

و جملة القول: إن النائب في هذه الموارد لا يلتفت إلى التنزيل أصلا، بل قد عرفت أنها تتحقق في بعض هذه الموارد من دون قصد النيابة أصلا.

و الذي يمكن أن ندّعيه في معنى النيابة في هذه الموارد و نظائرها- بعد أن كان معنى النيابة عرفا هو حلول شي ء محل آخر و خلافته له فيه المعبر عنه في الفارسية ب: «جانشين»، أو «جا گرفتن»، و هو مما لا يتوقف على القصد أصلا و لذا ينسب إلى ما لا يعقل، كما يقال نائب الفاعل في عمله و هو الرفع- هو إتيان النائب ما هو وظيفة المنوب عنه من العمل بقصد البدلية عنه و بداعي تطبيق

ما هو في ذمته على ما يأتي به. فهي معنى انتزاعي ينتزع عن نفس العمل المأتي به بعنوان أنه وظيفة المنوب عنه، و هذا المعنى ينطبق على مطلق الموارد، فالنائب في إجراء العقد يأتي بما هو وظيفة ولي العقد الأصلي من مالك و نحوه. و النائب في إمامة المسجد يأتي بما هو وظيفة المنوب عنه في قبال من لا يأتي بالعمل بهذا العنوان، بل بعنوان إشغاله بنفسه. و النائب في إجابة الدعوة يأتي بما هو وظيفة المدعو من الحضور. و النائب في التهنئة يأتي بما هو وظيفة الأمير و نحوه- و لو بحسب ما قرره نفس الأمير على نفسه- من مواساة الناس في أفراحهم و اتراحهم، و هذا المعنى للنيابة معنى وجداني عرفي لا خدشة فيه، كما أنه الموافق لما جاء في بعض النصوص «1» من تشبيه قضاء الصلاة بقضاء الدّين و أن الصلاة دين اللّه تعالى و هو أحق بالقضاء، فان من يقضي الدّين لا يجد من نفسه أنه

______________________________

(1)- المجلسي، العلامة محمد بن باقر بن محمّد تقي: بحار الانوار، ج 88: ص 316/ ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 283

..........

ينزل نفسه منزلة المدين ثم يقضي الدين، بل هو يفي الدين الذي في ذمة المدين، فيقصد الاتيان بما على المدين و تطبيق ما في ذمته على ما أعطاه.

و بعد معرفة ضابط النيابة تعرف أنها تتوقف على ثبوت الوظيفة على المنوب عنه.

و تحقيق ذلك في التكاليف الشرعية: أن المنوب عنه إذا كان ميّتا فلا معنى للالتزام بان الثابت عليه هو التكليف بالعمل، لاستحالة التكليف في حقه، لانه جعل ما يمكن أن يكون داعيا. و من الواضح انه لا يتصور في

الميت إمكان الداعوية. فلا بد من الالتزام بان الثابت في حقه من سنخ الاحكام الوضعية و هو اشتغال ذمته بالعمل.

و حينئذ، فإن كان العمل توصّليا، فلا يحتاج في مشروعيّة النيابة إليّ دليل، إذ ثبوت اشتغال ذمّته بالعمل بنحو لا يلزم صدوره منه لعدم المكنة على ذلك يكفي في صحة إتيان الغير به بقصد تطبيق ما في ذمته على المأتي به، كوفاء الدين عن الميت. و لذا قيل إن الوفاء عن الغير على طبق القاعدة لو لا قاعدة السلطنة القاضية بكون أمر التطبيق بيد الدائن، لأنه مالك ما في الذمة، فيعتبر رضاه.

و إن كان العمل تعبديّا، بمعنى أن ذمة الميت مشغولة بعمل تعبدي، فإمكان النيابة يتوقف على ثبوت أمر بالعمل متعلق بالحي النائب، إذ بدونه كيف يقصد القربة حتى يحاول تطبيق ما في ذمة المنوب عنه على عمله، لان الاتيان بذات العمل لا يجدي في تفريغ الذمة المشغولة بالعمل القربي، و ما قيل في تصحيح النيابة بلا أمر سيأتي ما فيه.

و عليه، فإذا دل الدليل على مشروعية النيابة، فهو يدل بالاقتضاء على تعلق أمر بنفس العمل متوجه إلى الغير. فإذا جاء الغير بالعمل بداعي امتثال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 284

..........

الأمر و قصد تطبيق ما في ذمة المنوب عنه على عمله و أن ما يأتي به هو وظيفة المنوب عنه تفرغ ذمة المنوب عنه عن العمل. و ما ذكرناه لا يختص بما إذا كان المنوب عنه ميتا، بل يثبت ذلك فيما إذا كان حيّا و عجز عن الإتيان بالعمل لسقوط التكليف عنه.

و قد ذكر في دفع اشكال عدم التمكن من قصد التقرب بالعمل النيابي مع عدم الأمر به وجوه:

الأول: إن النائب

يمكنه أن يقصد بعمله امتثال الأمر الثابت على المنوب عنه، لأن العمل الذي يجي ء به لما كان يوافق الأمر و يسقطه، فيتمكن من الإتيان به بهذا الداعي.

و فيه:

أولا: أن المنوب عنه إذا كان ميّتا يستحيل ثبوت الأمر له، كما عرفت.

و ثانيا: أن قصد الأمر الثابت للمنوب عنه في طول إمكان تفريح ذمته بالمأتي به و إسقاط الأمر عنه بواسطته، و هذا إنما يكون لو كان في نفسه عباديا، فلا معنى لتأتي العبادية من قبل الأمر الثابت للمنوب عنه، لانه في طولها.

و ثالثا: أن الأمر الثابت لأحد يمتنع أن يكون محركا و داعيا لإتيان غيره بالعمل.

الثاني: ما ذكره المحقق صاحب الكفاية «1» من: أنه لا يعتبر ان يتحقق قصد القربة من النائب، بل هو يتحقق من نفس المنوب عنه، فانه إن كان حيّا يقصد التقرب بتسبيبه الى حصول العمل. و إن كان ميّتا حيث يكون عمل النائب متعلقا لرضاه- لبقاء الروح- يحصل له التقرب بالعمل.

______________________________

(1)- حكاه عنه المحقق الاصفهاني كما في «كتاب الاجارة» (ص 331).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 285

..........

و فيه: أن الرضا لا يستلزم كون الفعل بنفسه مقربا ما لم يصر بنحو الداعي الى الفعل. هذا مع أن الرضا الذي يحصل به القرب هو الرضا المسانخ للعمل في عالمه، فمع تعدد العالم- كما فيما نحن فيه- لا يصير مقربا. فهو كالرضا الحاصل في عالم الحلم.

الثالث: و هو ما ذكره المحقق الاصفهاني «1» من: أن الاتيان بداعي الأمر لا وجه له، إذ الداعي الى العمل ما يكون بوجوده التصوري سابقا على العمل و بوجوده الخارجي مترتبا عليه و متأخّرا عنه. و من الواضح أن الأمر غير متأخّر عن العمل، كما انه

لا يترتب عليه، بل هو ثابت قبل العمل. إذن فالإتيان يكون بداعي امتثال الأمر و موافقة المأتي به للمأمور به.

و عليه، فإذا جاء بالعمل الموافق للمأمور به و لم يكن ذلك بداعي موافقة المأمور به أو كان بداعي موافقة ما تعلق به الأمر و لكن لا بما أنه مأمور به، بل مع عدم لحاظ تعلق الأمر به، لم يتحقق التقرب بالعمل. و إنما يتحقق التقرب به إذا جاء بالعمل بداعي موافقة المأمور به بما هو كذلك.

فإذا جاء بالعمل و لم يضفه إلى المنوب عنه لم يجد، لأنه غير مأمور به؛ و أما إذا أضافه إليه، فقد أسند إلى المنوب عنه عملا موافقا للمأمور به، فيكون مجزيا عن المنوب عنه.

و فيه:

أولا: ما تقدّم من عدم تعقل تعلق الأمر بالميّت.

و ثانيا: أن الأمر الثابت للمنوب عنه، إما أن يكون متعلقا بما هو أعم من

______________________________

(1)- الاصفهاني، المحقق الشيخ محمد حسين: كتاب اجارة، ص 231، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 286

..........

الفعل المباشري و ما استند إليه أو متعلقا بخصوص الفعل المباشري.

فعلى الثاني: لا يقع المأتي به موافقا للمأمور به، لأن المأمور به هو الفعل بقيد المباشرة.

و على الأول: فهو غير صحيح، كما اعترف به قدّس سرّه، لانه يمنع من تعلق الأمر بالجامع بين العمل الاختياري و غيره. و فعل الغير ليس اختياريا للمنوب عنه.

الرابع: أن أوامر النيابة بنفسها كافية في قصد التقرب، فالنائب يأتي بالعمل بداعي الأمر بالنيابة.

و فيه: أنه لو سلم وجود أمر بالنيابة- إذ قد يدعى أن غاية ما يدلّ عليه الدليل هو مشروعية النيابة لا الأمر بها-، فالأمر لا يتعلق بالعمل النيابي على جميع المسالك في تفسير

النيابة.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 286

أما على المسلك القائل بأن النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، فلأن النيابة أمر قلبي- و لذا صححت الأجرة على العبادة بذلك فادعي أن النيابة غير العمل-. و عليه فمتعلق الأمر ليس هو العمل المأتي به كي يقصد امتثاله به.

و أما على المسلك القائل بأنها إضافة العمل إلى المنوب عنه و إسناده إليه، فلأن متعلق الأمر النيابي غير العمل، لأن النيابة تغاير العمل على هذا المسلك، فإنها إضافة العمل إلى الغير لا نفس العمل.

و أما على المسلك القائل بأنها إهداء الثواب، فواضح، لأن إهداء الثواب غير العمل المأتي به الذي يترتب عليه الثواب.

و أما على ما اخترناه من معنى النيابة من كونها عنوان انتزاعي ينتزع عن حلول الشي ء محل آخر، فسواء كان ذلك بالقصد كما في بعض الاعمال أم بدونه، فلأن الأمر النيابي يتعلق بالعمل الذي يحل محل العمل الذي هو وظيفة المنوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 287

..........

عنه و هو العمل القربي، فقصد القربة مأخوذ في متعلق الأمر النيابي فانه يتعلق بالعمل المأتي به بقصد القربة، فكيف يكون قصد القربة متأتيّا منه، فانه خلف.

فالتفت.

يبقى إشكال آخر في صحة النيابة في العمل العبادي و هو: التساؤل عما يوجب حصول القرب للمنوب عنه و يمكن تحريره بنحوين:

الأول: أن نسبة القرب و التقرب نسبة الإيجاد و الوجود. و عليه فكيف يصدر التقرب من النائب و يحصل القرب للمنوب عنه؟

و قد أجاب عنه المحقق الاصفهاني «1»

رحمه اللّه: بأن من يحصل له القرب من يسند إليه التقرب، فبما أن التقرب الحاصل من النائب مسند إلى المنوب عنه فيحصل القرب له قطعا. و الممتنع إنما هو حصول القرب للمنوب عنه مع اسناد التقرب إلى نفس النائب.

الثاني: أن القرب المستلزم للثواب من توابع الحكم العقلي بحسن العمل بحيث يستحق فاعله المدح و هو من اللّه تعالى الثواب. و من الواضح أن موضوع الحكم بالحسن هو العمل الاختياري للفاعل دون غيره.

و عليه، فيمتنع الحكم باستحقاق المنوب عنه للثواب باتيان النائب للعمل و تمتنع صيرورته قريبا من المولى بذلك لإن العمل غير اختياري له فلا يستحق المدح عقلا. و إضافة التقرب إليه لا تجدي بعد عدم كون العمل من اختياراته.

و هذا الإشكال لا حلّ له إلا بأن يقال: إنه لا دليل على اعتبار حصول القرب للمنوب عنه و استحقاق الثواب على العمل النيابي، بل غاية ما يدل عليه دليل النيابة إنما هو دفع العقاب عنه بالعمل النيابي و هو يحصل باتيان ما في ذمته

______________________________

(1)- الاصفهانى، المحقق الشيخ محمد حسين: الإجارة، ص 233، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 288

..........

من العمل و إن لم يحصل له التقرب.

ثم إن ما اخترناه من معنى للنيابة و إن كان هو المفهوم العرفي للنيابة و الموافق لما هو الظاهر من كلمة «عنه» الواردة في النصوص من معنى البدلية، لكنه لا يمكن الالتزام به بملاحظة نصوص المقام، فان ظاهرها كون النيابة بمعنى إهداء الثواب و إن لم يرد فيها لفظ النيابة، و ذلك لوجوه:

الأول: ما ورد من النيابة في المستحبات، مع أنه لا يتصور اشتغال الذمة فيها، إذ ليس لدينا نحوان من اشتغال

الذمة نحو بنحو الوجوب و آخر بنحو الاستحباب. فلا وظيفة مستحبة على الميّت كي ينوب فيها غيره عنه.

الثاني: ما ورد من التعبير بإتيان العمل عن نفسه و التعبير ب: «يجزى عنه».

و من الواضح أنه لا يمكن إرادة معنى البدلية من لفظ «عن» مما يكشف عن عدم إرادة ذلك من لفظ «عن» في «يقضى عنه»، لوضوح كون المراد منهما واحدا لإرداف أحدهما بالآخر في بعض النصوص.

الثالث: ما ورد من الإتيان بحج واحد عن جماعة متعددين، كاهل بلده أو قريته. و من الواضح أنه لا يتصور اشتغال ذمة متعددين بفعل واحد.

الرابع: ما ورد من تحقق النيابة باهداء الثواب.

الخامس: ما ورد من تحقق النيابة بعد العمل باهداء الثواب، فانه لا يتلاءم مع كون النيابة قصد البدلية و تفريغ الذمة.

و بالجملة، فمن ملاحظة مجموع ذلك نستطيع أن نقول: أن النيابة شرعا هي إهداء الثواب فان ذلك معنى جامع لمطلق الموارد و لا يكون هناك إشكال فيه.

و هي بهذا المعنى لا تحتاج في الأعمال المستحبة إلى ثبوت أمر آخر غير الأمر الاستحبابي الثابت في نفسه، لكفاية قصده، لفرض أن العمل يؤتى به عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 289

فلا تصحّ نيابة الكافر (62)، لعجزه عن نيّة القربة.

نفسه ثم يهدى الثواب الى الغير.

نعم، مشروعيتها يحتاج فيها إلى دليل، لأنها بهذا المعنى من سنخ الحوالة، فقبولها يتوقف على دليل كاشف.

أما الواجبات، فلا بد من ثبوت تعلق الأمر بها كي يؤتى بها و يهدى ثوابها إلى الغير، و يمكن استكشاف ذلك من دليل مشروعية النيابة لتوقفها على تعلق الأمر بالعمل. و بذلك يفترق هذا المعنى للنيابة عن المعنى العرفي لها، فإن النيابة على المعنى السابق تتوقف صحتها على

ثبوت الأمر مطلقا حتى فى المستحبات لان الأمر الاستحبابي الثابت في نفسه للعمل لا يجدي قصده في تحقق النيابة؛ لان ظاهره كونه متعلقا بالعمل الذي يأتي به الشخص عن نفسه لا عن غيره، فلا يصح قصده في إتيان العمل عن الغير. فلاحظ.

هذا ملخص الكلام في النيابة، و يقع الكلام بعده في الحج النيابي و احكامه.

______________________________

(62) اعتبار الإسلام في النائب لوجوه:

الأول: ما يقال من أنه لا يتأتى منه قصد القربة. و هو لا يتم على رأي صاحب الكفاية من عدم اعتبار قصد القربة عن النائب، لكن يشكل ذلك بالنسبة إلى حصول الطهارة التي يشترط بها الطواف و صلاته و هي لا تتحقق بدون قصد القربة. أما أصل تحقق قصد القربة من الكافر فقد مر مكررا إمكانه بنحو الموجبة الجزئية.

و الثاني: أن عمله لا يترتب عليه الثواب، فلا تتحقق منه النيابة بمعنى إهداء الثواب.

و الثالث: أن النيابة كما عرفت تتوقف على تعلق الأمر بالعمل النيابي و هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 290

و لا نيابة المسلم عن الكافر، و لا عن المسلم المخالف (63).

مستحيل في حق الكافر، كما تقدم بيان وجه ذلك من أن الأمر لا يكون داعيا للكافر نحو العمل و قوام الأمر بامكان الداعويّة.

و الرابع: أن مشروعية النيابة تحتاج إلى دليل خاص و ليس لدينا إطلاق يقتضي المشروعية بقول مطلق، فنفس التشكيك في مشروعية النيابة في مورد ما- و منها ما نحن فيه- يكفي في عدم المشروعية؛ بل لدينا دليل لفظي على عدم المشروعية بقول مطلق و هو ما ذكره فى «المدارك «1»» و تبعه فى «الجواهر «2»» من قوله تعالى: أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ «3».

و أما اعتبار

إسلام المنوب عنه، فلعدم الدليل على المشروعية. و عدم ثبوت الأمر في حقه في حال حياته كي يقال بانقلابه إلى اشتغال ذمته بعد الموت. و لعدم ثبوت الثواب له حتى يهدى إليه- كما قيل-. و لحرمة موادته و برّه، كما قيل أيضا «4».

______________________________

(63) ادعي اعتبار الايمان في النائب و المنوب عنه.

اما الأول: فقد وجّه بعدم استحقاقه الثواب حتى يهديه إلى المنوب عنه، لكون الإيمان شرطا في قبول الأعمال. و قد مرّ أن القبول غير استحقاق الثواب و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 110، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 361، الطبعة الاولى.

(3)- سورة النجم، 53: 39.

(4)- و لما ورد من النهي عن الحج عن الناصب إذا لم يكن أبا للنائب فيثبت الحكم لغيره بالاولوية- كذا ذكر السيد الخوئى: (معتمد العروة الوثقى، ج 3: ص 22)- فتأمل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 291

إلّا أن يكون أبا النائب (64). و لا نيابة المجنون، لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد. و كذا الصبي غير المميّز.

أن مقتضى الآية الكريمة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ «1» ثبوت الثواب له.

غاية الأمر، أنه لا يثاب فعلا لشدة مرتبة عذابه فيكون ذلك سببا لتخفيف العذاب عنه.

فالوجه الذي يصح التمسك به هو عدم الدليل على النيابة في غير هذه الحال و الرجوع إلى الدليل اللفظي الدال على عدم مشروعية النيابة بقول مطلق.

و أما الثاني: فلعدم الدليل على المشروعية فيما كان المنوب عنه مخالفا. و قد قيل «2» انه كافر حقيقة أو منافق. و هناك من الآيات ما يدل على عدم جواز الاستغفار للمنافق، فيشمل كل ما

كان سببا للمغفرة دعاء أو غيره و منه النيابة عنه. و تحقيق ذلك نفيا أو إثباتا لا يجدينا بعد عدم الدليل.

______________________________

(64) لرواية وهب بن عبد ربه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قلت: فإن كان أبي؟ قال: إن كان أباك، فنعم «3»».

و لا ينافيها ما ورد عن علي بن مهزيار، عنه عليه السّلام، من قوله عليه السّلام: «لا يحج عن الناصب و لا يحج به «4»»، لكونها مطلقة فتقيد برواية وهب.

و يؤيدها ما ورد في رواية إسحاق بن عمار في جعل الرجل حجه عن بعض

______________________________

(1)- سورة العاديات، 100: 7.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 14: ص 163، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب النيابة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 292

..........

أهل بلده من قوله: «قلت فان كان ناصبا ينفعه ذلك؟، قال: نعم، يخفف عنه «1»».

و ذهب صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» إلى عدم الاعتناء بالنص في مقابل ما دل من الآيات على نفي علاقة الابوّة و النبوّة بين الكافر و المسلم، كقوله تعالى في قصة نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ «3». و ما دل على عدم صحة الاستغفار لهم و لو كانوا اولى قربى، كقوله عزّ و جل: مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ «4». و نحو ذلك مما دل على شدة عذابهم و عدم التخفيف عنهم؛ بضميمة ان المخالف حقيقة و في الواقع كافر منافق.

أقول: ما ذكره قدّس سرّه غير سديد، لأن نفي علاقة الأبوّة لا يستلزم عدم صحة النيابة عنه، فإن السائل يسأل

عن النيابة عمن هو أب له عنوانا و من يعنون بهذا العنوان من دون فرض العنوان دخيلا.

و أما آيات النهي عن الاستغفار، فيمكن دعوى اختصاصها بالمشركين و بالمنافقين في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و هم غيرهم في هذا الزمان.

ثم المراد بالاستغفار يمكن أن يكون الاستغفار الماحي للذنوب مطلقا، فلا ينافي الحج المخفف بعض الشي ء. و لو سلم إرادة ما يعم المخفف بعض الشي ء، فهي مطلقة تقيد بالرواية الدالة على جواز ذلك بالنسبة إلى الأب، و ما دل على حصول التخفيف بالنسبة إلى الناصب. فالحق مع المصنف في فتواه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 25: من ابواب النيابة، ح 5.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 358، الطبعة الاولى.

(3)- سورة هود، 11: 46.

(4)- سورة توبه، 9: 113.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 293

و هل يصحّ نيابة المميّز (65)؟ قيل: لا، لاتّصافه بما يوجب رفع القلم، و قيل: نعم، لأنه قادر على الاستقلال بالحج ندبا. و لا بد من نيّة النيابة (66)،

______________________________

(65) الاحتمالات في عمل المميز ثلاثة:

الأول: أنها تمرينية محضة. و على هذا الاحتمال لا تصح نيابته، لعدم الأمر بالعمل و عدم ترتب الثواب عليه.

الثاني: أنها شرعية مستحبة و الحكمة فيها التمرين. و على هذا تصح- هذا إذا كان دليل النيابة في نفسه شاملا للصبي-، نيابته لتوفر شروطها.

الثالث: أنها تمرينية و متعلق المشروعية و الرجحان هو التمرين- و هو رأي صاحب الجواهر «1»-.

و عليه، فلا تصح النيابة لأن متعلق الأمر غير العمل لكنه يكفينا في نفي صحة نيابته مطلقا هو عدم الدليل المطلق على مشروعية النيابة. و إن ناقش في هذا التشكيك صاحب الجواهر لو بني على

شرعية أعماله.

(66) الوجه فيه أنه لو لم يقصد النيابة وقع العمل عن نفس من جاء به و لا يختلف الحال في ذلك على جميع معاني النيابة، لان التنزيل يتوقف على القصد.

نعم، النيابة بمعنى إهداء الثواب لا يعتبر فيها ذلك من أول العمل. لكن عدم الدليل على المشروعية بدونه يكفي في اعتباره. و أما ما ورد من تحقق الاهداء بعد العمل فهو يختص بالمستحب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 361، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 294

و تعيين المنوب عنه بالقصد (67). و تصحّ نيابة المملوك باذن مولاه (68). و لا تصحّ نيابة من وجب عليه الحج و استقر (69)،

______________________________

(67) ليتعين العمل له و ينصرف إليه و لا يعتبر ذكر المنوب عنه باسمه. و ما ورد من اعتبار ذكره محمول على الندب بقرينة رواية البزنطي المذكورة فى «المدارك»، قال: «سأل رجل أبا الحسن الأول عليه السّلام عن الرجل يحج عن الرجل يسمّيه باسمه، قال: اللّه لا يخفى عليه خافية «1»».

(68) المدار في ذلك نفيا أو إثباتا على الجزم بعدم الفرق بينه و بين غيره و عدم الجزم. و لعل مما يوجب التشكيك ما ذكره بعض العامة «2» من أن حجه لا يجزي عن حجة الاسلام عن نفسه فكيف يجزي عن حجة الاسلام لغيره.

(69) نيابة من وجب عليه الحج غير معقولة بناء على كون معنى النيابة إهداء الثواب، لانه إذا جاء بالعمل لنفسه فقد وقع امتثالا لأمره، و يمتنع أن يكون الفعل الواحد امتثالا لامرين.

و أما على الرأي الآخر العرفي في معنى النيابة، فهي معقولة لكن لا دليل على المشروعية في هذه الحال. و قد تقدّم البحث فيه

على مقتضى القاعدة و بحسب النصوص مفصلا، فراجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب النيابة، ج 5.

(2)- الحلي، حسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 116/ المسألة 86، ط مؤسسة آل بيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 295

إلّا مع العجز عن الحج و لو مشيا (70). و كذا لا يصحّ حجه تطوعا و لو تطوع، قيل يقع حجة الاسلام، و هو تحكّم (71)،

______________________________

(70) لسقوط التكليف بالحج عنه حينئذ.

ثم إنه لو استنيب ثم استطاع بعد ذلك فأي الحجين مقدم؟

ذهب في «الجواهر «1»» إلى تقديم الحج النيابي، كما لو لم يكن بذمته حج ثم استطاع. و الوجه فيه تقديم الاسبق زمانا من المتزاحمين.

و لكن تقرّر في الأصول عدم اقتضاء الأسبقيّة الزمانية للترجيح مع وحدة زمان الواجبين.

و الوجه هو تقديم حج الاسلام على الحج النيابي في كلتا الصورتين، لأن وجوب حج الاسلام يرفع موضوع مشروعية الاجارة و النيابة و هو استحباب الحج. و وجوب الحج الاجاري لا يرفع موضوع الحج لأن موضوعه هو استطاعة الطريق و الإجارة لا تنافي استطاعة الطريق. هذا بالنسبة إلى ما لو لم يكن مستطيعا أصلا ثم استطاع، و أما بالنسبة الى من كان بذمته الحج فأوضح، لعدم اعتبار الاستطاعة الشرعية في موضوعه كما مرّ. فالتفت.

(71) عدم إجزاء الحج الاستحبابي عن حج الاسلام إنما يتم لو قلنا بأن الحج الندبي و الواجب فردان كالنافلة و الفريضة، إذ الندبي لا يشرع مع وجوب حج الإسلام مع أنه لا ينفع لعدم قصد حج الإسلام و إنما المقصود غيره. و إن كانا طبيعة واحدة تكون واجبة تارة و مندوبة اخرى- كما هو الحق-، فيمكن دعوى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ

محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 363، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 296

و لو حج عن غيره، لم يجز عن أحدهما (72).

و يجوز لمن حج، أن يعتمر عن غيره (73)، إذا لم يجب عليه العمرة، و كذا لمن اعتمر، ان يحج عن غيره، إذا لم يجب عليه الحج.

و تصحّ نيابة من لم يستكمل الشرائط، و ان كان حجه صرورة.

و يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، و عن المرأة (74).

الإجزاء مع قصد الأمر الندبي. إما من باب أن قصد الأمر الندبي من باب الخطأ في التطبيق، أو من باب الاكتفاء في العبادة بمطلق الإضافة إلى المولى و إن لم يكن بالطريق الإضافة به إليه واقعا. فليس القول بالإجزاء- كما عن الشيخ «1»- تحكّم. و قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك مفصّلا.

______________________________

(72) بناء على عدم مشروعية النيابة مع استقرار الحج بذمته و إلا أجزأ عن المنوب عنه. و هو لا يجزي عن نفسه على كلا التقديرين لعدم قصده امتثال الأمر المتعلق به و الفرض أن الحج النيابي غير حج الإسلام.

(73) هذا واضح و كذا ما بعده.

(74) الاحتمالات في نيابة الصرورة أربعة:

الأول: صحة نيابته مطلقا، يعني سواء كان رجلا أم امرأة عن رجل أو امرأة و هو ظاهر المتن و قول معظم الأصحاب، كما في «المدارك» و إليه ذهب «2».

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 302، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 116، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 297

..........

الثاني: عدم صحة نيابة المرأة عن الرجل و يصح فيما عدا ذلك و هو قول

الشيخ رحمه اللّه في «الاستبصار «1»».

الثالث: عدم صحّة نيابة المرأة مطلقا عن الرجل او عن المرأة، و هو قول العلّامة في «النهاية «2»» و ظاهر «التهذيب «3»».

الرابع: لزوم كون النائب صرورة و هذا الاحتمال لا قائل به، و إنما احتملناه لما يدعى من ظهور بعض الروايات في ذلك.

و الاختلاف في هذه الأقوال ينشأ من إختلاف الأخبار الواردة في الباب، فالمتعين التعرض لها بالتفصيل، و هي:

رواية سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميّت؟، قال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله و هي تجزي عن الميّت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال «4»».

و قد مرّ أنها مجملة، لكن نقول الآن: إن ظاهر الضمير في قوله: «فليس يجزي عنه»، هو النائب.

و عليه، فهي تدلّ على أمرين: مشروعية حج الصرورة، و عدم إجزائه عن النائب إذا كان له مال و إجزاؤه عن الميت مطلقا. و لا تناقض بين الصدر و الذيل كما تقدم بيانه.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الاستبصار، ج 2: ص 323، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: النهاية، ص 280، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: التهذيب، ج 5: ص 414، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب النيابة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 298

..........

و رواية سعيد بن عبد اللّه الأعرج، أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصرورة:

«أ يحج عن الميّت؟ فقال، نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فإن كان له

مال، فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال «1»».

و قد مرّ أنها مجملة كسابقتها، إلا أنا نستظهر منها فعلا ما استظهرناه من سابقتها و يكون المراد من قوله: «فليس له ذلك»، عدم جوازه للزوم امتثال حج الإسلام، أو عدم إجزاء ما يأتي به عن حج الإسلام لو كان له مال.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال؛ قال: يحج عنه صرورة لا مال له «2»».

و هي ظاهرة في لزوم كون النائب صرورة لا مال له، و لكن يرفع اليد عن هذا الظهور و يدعى أن محطّ النظر في اللزوم كونه لا مال له لا صرورة، لوجوه:

الأول: عدم فهم الأصحاب منها ذلك و هم من العرف.

الثاني: أنها واردة مورد توهّم الحظر، فلا يحرز أن الجملة الخبرية في مقام البعث، بل في مقام بيان نفس المشروعية لا أكثر.

الثالث: أنها معارضة بما هو صريح الدلالة على عدم اللزوم، فيرفع اليد لذلك عن ظهورها في اللزوم لو سلم.

و من هنا يسقط الاحتمال الرابع لأن دليله هذه الرواية فقط.

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا بأس أن يحج الصرورة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب النيابة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 299

..........

عن الصرورة «1»».

و رواية زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة «2»». و هما دالتان على جواز نيابة الصرورة لا أكثر و الثانية مختصة بالرجل.

و

رواية ابراهيم بن عقبة، قال: «كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الاسلام أو لا، بيّن لي ذلك- يا سيدي- ان شاء اللّه. فكتب عليه السّلام: لا يجزي ذلك «3»».

و المراد بقوله: «لا يجزي ذلك» إن كان كون الحج لغوا كانت ظاهرة في عدم إجزاء حج الصرورة و إن كان أنه لا يجزي عنهما معا كما هو مورد السؤال و إنما يجزي عن أحدهما و هو المنوب عنه كانت ظاهرة في مشروعية نيابة الصرورة، إلّا أنها تنافي رواية ابن أبي خلف و الأعرج الدالة على الإجزاء عن النائب في صورة عدم المال، فتقيد بهما لانها مطلقة من هذه الجهة.

و رواية بكر بن صالح، قال: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: أن ابني معي و قد أمرته أن يحج عن أمي أ يجزي عنها حجة الاسلام؟ فكتب: لا و كان ابنه صرورة و كانت أمه صرورة «4»».

و قد يدعى ظهورها في عدم مشروعية نيابة الصرورة لنفيها الإجزاء عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ج 8/ باب 6: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 300

..........

المنوب عنه، لكن الحق أنها لا تصلح لمعارضة ما تقدم، لانها واردة في قضية شخصية لا يعلم كيفيتها فقد تكون الأم حية قادرة فلا تشرع النيابة في حقها، مع احتمال أن يراد من عدم الإجزاء عدم الإجزاء بالمرتبة الكاملة منه بقرينة ما دلّ على الاجزاء بالصراحة و هو ما تقدّم من الروايات بالصراحة.

و رواية أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه

عليه السّلام: «امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة و قد حجت المرأة، فقالت: إن كان يصلح حججت أنا عن أخي و كنت أنا أحق بها من غيري، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس بان تحج عن أخيها و إن كان لها مال فلتحج من مالها فانه أعظم لأجرها «1»».

و هي ظاهره في جواز نيابة المرأة في ظرف كونها حاجّة.

و رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يحج عن المرأة و المرأة تحج عن الرجل قال: لا بأس «2»».

و هي ظاهرة في مشروعية نيابة الرجل عن المرأة و بالعكس. و هي و إن كانت مطلقة من جهة كون النائب صرورة و لكن لا يمكن التمسك بذلك في إثبات مشروعية نيابة الصرورة، إذ الظاهر كون محطّ السؤال هو جهة اعتبار المماثلة و عدمه.

و الذي يثبت لدينا من مجموع هذه النصوص هو مشروعية نيابة الصرورة سواء كان رجلا، أو امرأة عن رجل، أو عن امرأة، كما هو مقتضى إطلاق رواية محمد بن مسلم.

لكن وردت بعض الروايات الدالة على عدم جواز نيابة المرأة الصرورة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 301

..........

عن الرجل الصرورة و هي:

رواية مصادف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة فقال: إن كانت قد حجت و كانت مسلمة فقيهة فرب امرأة أفقه من رجل «1»». و نحوها روايته الاخرى لكن لم يقيّد فيها الرجل بالصرورة.

و رواية زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة و لا

تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة «2»».

و على هذا، فيقيد اطلاق رواية محمد بن مسلم و يكون الثابت بعد التقييد جواز نيابة الرجل الصرورة مطلقا و عدم جواز نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة و غيره و جواز نيابتها عن المرأة الصرورة. فالصحيح هو الاحتمال الثاني.

و أما الاستدلال على الاحتمال الثالث و هو نفي مشروعية نيابة المرأة الصرورة مطلقا برواية سليمان بن جعفر، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة فقال: «لا ينبغي «3»».

فغير وجيه، لعدم ظهور «لا ينبغي» في أكثر من الكراهة. و يكفينا إجمال هذا اللفظ في عدم رفع اليد عن الاطلاق الوارد في صحيحة محمد بن مسلم.

مضافا إلى وجود ما دل على أفضلية نيابة الرجل عن المرأة الصرورة لا تعيينه، كرواية بشير النبال، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن والدتي توفيت و لم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب النيابة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 6: من ابواب النيابة، ح: 3.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب النيابة، ح: 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 302

..........

تحج؛ قال: يحج عنها رجل أو امرأة. قال: قلت: أيهما أحبّ أليك؟ قال: رجل أحبّ إلي «1»».

و أما الوجه في الاحتمال الأول، فهو التمسك بالإطلاق و دعوى عدم صلاحية الروايات الخاصة المزبورة للتقييد، للطعن في سندها و حملها على الكراهة.

أما حملها على الكراهة، فلا وجه له بعد كون النسبة بينها و بين غيرها نسبة المقيد الى المطلق.

و أما ضعف «2» سندها، فقد ذهب إليه صاحب المدارك «3» رحمه اللّه و لا اعتماد على تضعيفه لان مبناه على عدم قبول غير الخبر الصحيح الاعلائي، و هو مما

لا نلتزم به، بل نلتزم بقبول الخبر الموثق. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب النيابة، ح 8.

(2)- بنى عليه السيّد الخوئي- أيضا- و التزم بالاحتمال الأول أخذا بإطلاق رواية حكم بن حكيم. نعم، في النيابة عن الحي العاجز التزم بلزوم كون النائب صرورة رجلا لظهور النصوص في ذلك إن بعض النصوص دل على لزوم الصرورة في النائب مطلقا حتى عن الميّت و لكن الاعتماد ......، و هو نفاه السيد الخوئي بوجود النصوص الاخرى الدالة على جواز نيابة غير الصرورة عن الميت في حجة الاسلام كرواية الاخت و غيرها و حمل رواية الاخت على حجة الاسلام ... بلحاظ ثبوت الاجزاء الحج بمالها و أنه أفضل إذ لو كان الحج الموصى به حجا ندبيا لم يسقط ... تبرعا بل لا بدّ من العمل بالوصية، هذا و لكن جميع ما ذكره من النصوص ... بنيابة الارحام عن الميت و الخصوصية محتملة لأحتمال استحباب البر بالرحم فلا لم تصلح لنفي اعتبار الصرورة مطلقا. و الخلاصة أنه لا معنى لكراهة النيابة للصرورة بل يدور أمرها بين الوجوب و الاستحباب. (معتمد العروة الوثقى 2/ 24).

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 117، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 303

و من استؤجر فمات في الطريق، فان احرم و دخل الحرم، فقد أجزأت عمّن حج عنه (75).

______________________________

(75) الوجه في الإجزاء أمور ثلاثة:

الأول: الإجماع. و هو لو ثبت لم يحرز كونه تعبديّا بعد وجود الوجهين الآخرين.

الثاني: ما دل على الإجزاء بالنسبة إلى نفس الشخص لو حج عن نفسه كما تقدّم.

و فيه: أنه حكم تعبّدي في مورد خاص فلا وجه للتعدّي

عنه إلى غيره إلا أن يستظهر من تلك الادلة أن هذا المقدار من العمل يجزي عن الحج مطلقا و أنه فرد من أفراد الحج و كيفية من كيفياته و دون ذلك خرط القتاد.

الثالث: ما ورد في خصوص النائب، كرواية الحسين بن يحيى (عثمان) عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أعطى رجلا مالا يحج عنه فمات، قال: «فان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه «1»».

و فيه: أن ظاهر هذه الرواية و غيرها مما ورد في هذه المسألة أن تمام الموضوع هو الخروج عن المنزل لا الإحرام و دخول الحرم. و من الواضح أنه لم يفت بذلك أحد و لازم هذا طرح هذه النصوص.

و عليه، فلا وجه للقول بالاجزاء لو مات بعد دخول الحرم الذي هو رأي الأصحاب «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 15: من ابواب النيابة، ح 4.

(2)- الرواية المعتبرة و هي رواية اسحاق بن عمّار و قد اعتبرت الموت في الطريق، أو في مكة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 304

و لو مات قبل ذلك لم يجز، و عليه أن يعيد من الاجرة ما قابل المتخلّف من الطريق، ذاهبا و عائدا (76).

______________________________

(76) البحث في التقسيط يقع على التقديرين- أعني: تقدير الاجزاء و تقدير عدمه-.

أما على القول بعدم الإجزاء، فلا وجه للتقسيط، إذ الالتزام بالتقسيط في موارد تبعض الصفقة في البيع أو الاجارة إنما يكون لأجل أنّ للجزء الذي تصح المعاملة فيه قسطا من الثمن في نفسه، كالخروف في بيع الخروف مع الخنزير و نحو ذلك حتى في مثل بيع عضادتي الباب، فإن لكل من العضادتين قسطا

من الثمن في نفسه و إن كان لوصف الانضمام قسطا من الثمن أيضا.

و ما جاء به من العمل لا أثر له أصلا و لا قيمة له بعد فرض عدم الإجزاء، فهو ليس نظير الإتيان ببعض الخياطة لأن بعضها له قيمة عرفا. و عليه فلا يتّجه التقسيط.

و أما على القول بالإجزاء، فقد ادعي استحقاقه تمام الأجرة حتّى إذا وقعت الإجارة على الفرد الكامل، إذ الفرض للمستأجر هو إبراء الذمة، و التصريح بالفرد الكامل من باب أنه أوضح الأفراد و أظهرها لا لخصوصيته، فهو مأخوذ

______________________________

- قبل قضاء المناسك؛ و المراد بالقضاء هو الانهاء فتدل على التلبّس بالحج بسبب الاحرام، فان رجع القيد إلى الموت في مكة و في الطريق فلا تدل على أزيد من الإجزاء بعد الإحرام أو بعد دخول الحرم، اما قبل الإحرام فلا دلالة لها على الاجزاء، و هكذا لو احتمل رجوع القيد إلى كليهما لأنّها تكون مجملة، و بذلك تتقيّد رواية عمّار المتكفلة لعدم الاجزاء إذا مات في الطريق، فتحمل على الموت قبل الإحرام. هذا ملخّص ما افاده السيد الخوئى في المقام (معتمد العروة الوثقى، ج 2: ص 40).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 305

..........

بنحو الطريقية.

و هذه الدعوى ادعاها صاحب الجواهر «1»؛ و لكن الجزم بذلك مشكل.

و عليه، فنقول: إن ظهر من حال المستأجر إرادة الحج المبرئ للذمة استحق الأجير تمام الأجرة، و إن ظهر منه إرادة الفرد الكامل لم يستحق من الاجرة المسماة شيئا و ذلك لان تخلف الوصف إنما لا يضر في صحة المعاملة فيما كانت المعاملة واقعة على الشخصي، كبيع هذا العبد الكاتب، فتبين أنه غير كاتب.

أما إذا وقعت على الكلي، فلا بد من تسليم الفرد

التام و لو لم يمكن بطلت المعاملة لعدم القدرة على التسليم.

و عليه، فالإجارة وقعت- فيما نحن فيه- على الإتيان بالفرد الكامل- بنحو الكلي كما لا يخفى-، فمع تخلف الوصف و الموت تبطل المعاملة لعدم القدرة على العمل المستأجر عليه. و لا يستحق من الاجرة المسماة شيئا. نعم، قد يدعى استحقاقه اجرة المثل من باب أنه جاء بعمل محترم و هذا شي ء آخر ليس محل تحقيقه هنا.

و هكذا الحال فيما لو وقعت الاجارة على الطريق و ليس على خصوص المناسك، لوضوح أن المراد بالطريق المطلوب هو الطريق الموصل إلى الحج لا غيره، لعدم تعلق غرض المستأجر بمجرد سفر الأجير كما لا يخفى، و وصف الإيصال لم يتحقق فتبطل الإجارة. إلّا أن يدعى أنه عمل محترم فيستحق اجرة المثل عليه، و هو شي ء آخر غير ما نحن فيه.

و المتحصّل، أنه لا وجه للالتزام بالتوزيع في الاجرة على كلا التقديرين.

فافهم.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 368، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 306

..........

عود على بدء:

قد عرفت أن من وجوه القول باجزاء عمل النائب لو مات بعد الإحرام و دخول الحرم وجود الروايات في خصوص المقام، و عمدتها موثقة اسحاق بن عمار «1» لان غيرها غير تام السند و هي روايته عنه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصى بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثم اعطي الدراهم غيره، فقال: إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فانه يجزي عن الأول ...- الحديث».

فقد استدل بها على المطلب، و لكن هناك قرينتين تستلزمان نفي دلالتها على المدعى:

إحداهما: ما أشرنا إليه من ظهورها

في موضوعية الطريق و هو مما لم يلتزم به أحد.

الأخرى: تقييد الحكم بما قبل قضاء المناسك و هو مما لا وجه له لو اريد بها براءة ذمة المنوب عنه، فانه لو مات بعد قضاء المناسك يجزي قطعا. و عليه فلا بد من تفسير الرواية بمعنى يتلاءم مع هذين الامرين.

فنقول: إن ظاهرها بملاحظة هاتين القرينتين الإجزاء عن الوصي بلحاظ تكليفه بتنفيذ وصية الميت، بمعنى أنه لا يكون ضامنا لو ذهب المال بالسفر في قبال ما لو كان موت النائب قبل سفره فان ماله بعد لم يصرف فعليه استرداده. و أما تقييد الحكم بما قبل قضاء المناسك، فلأنه لو مات بعد قضائها أجزأ عن الميت و النائب، و لم يكن النائب مشغول الذمة بالمال كما هو الحال فيما لو مات قبل أداء المناسك، فيختص الاجزاء في هذه الحال بالاول يعني الميت بالمعنى الذي عرفته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 15: من ابواب النيابة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 307

و من الفقهاء من اجتزأ بالإحرام (77)، و الأول أظهر.

و هو الاجزاء عن الوصي فيما هو وظيفته بالنسبة إلى الميت و أنه لا يبقى مكلفا بشي ء. هذا مع ظهور الإجزاء في سقوط ما في الذمة أو الكفاية عما هو الوظيفة و لا ظهور للرواية في كون الوصية بحج الاسلام، بل مقتضى إطلاقها العموم، فيشمل الحج المستحب. و لا معنى لإرادة الاجزاء عنه بالنسبة إلى الميت، إذ هو غير مشغول الذمّة به، فلا يتجه الاجزاء إلا بحمله على الاجزاء على الوصي بالنسبة الا تكليفه بتنفيذ الوصية. و إن كان قد يدعى أن ظهور الاجزاء في المعنى المزبور يكون قرينة على كون المراد من

الصدر هو خصوص الحج الواجب لا الاعم. فتدبر.

______________________________

(77) نسب هذا الرأي إلى الشيخ رحمه اللّه «1»، و الوجه فيه ما عرفت من النصوص الواردة في المقام بعد حمل المراد منها على ما بعد الإحرام و هو ممّا لا وجه له، فإن ظاهرها موضوعية الكون في الطريق و الخروج من المنزل بنفسه لا الإحرام أو غيره. و إلغاء ذلك الغاء للعمل بها لا تقييد، و حينئذ يبقى القول بلا دليل، كسابقه.

ثم إنّه لو مات النائب بعد الاستنابة و قبل أداء أي عمل، فهل يجزي مجرد الاستنابة عن المنوب عنه أو لا؟

وردت بعض النصوص الظاهرة في الإجزاء، كرواية ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئا، فقال: إن كان حج الأجير اخذت حجته و دفعت الى

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط ج 1: ص 323، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 308

و يجب أن يأتي بما شرط عليه: من تمتع، أو قران، أو إفراد (78). و روي: اذا امر أن يحج مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز، لعدوله إلى صاحب المال و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج «1»» «2».

و نسب فى «الجواهر «3»» العمل بها إلى بعض متأخري المتأخرين، و عبر عن هذا بأنه: «غير مستأهل للالتفات كغيره من مخالفاته الناشئة عن اختلال الطريقة نعوذ باللّه منه».

و لكنه قدّس سرّه لم يأت بشي ء في دفع ظهور الرواية سوى دعوى القطع بخلافه.

و عليه، فالمدار عليه و إلا فالرواية ظاهرة في المدعى. و لعلّ مما يوجب القطع بخلافها

و لزوم طرحها أو حملها على غير المدعى- كما ارتكبه فى «الجواهر» عدم العمل بها من أحد من الفقهاء فانه يوجب الاطمئنان بعدم إرادة ظاهرها لو لم يوجب القطع. فتدبر.

______________________________

(78) الكلام تارة بحسب مقتضى القاعدة، و اخرى بحسب النصوص الواردة في خصوص المقام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 23: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- و قد حملها السيد الخوئي على غير حجة الاسلام لأن المفروض فيها النيابة عن الحي و قد فرض في بعض صورها كون النائب غير صرورة و المفروض أن النصوص دلت على اعتبار كونه صرورة في حجة الاسلام، فيكشف ذلك عن عدم كون الحج واجبا؛ بل مستحبا مع ضعف السند. و مثلها مرسلة الصدوق رحمه اللّه. و المراد بقوله عليه السّلام فيها: «اجزأت عن الميت»، هو النائب لا المنوب عنه و الأجزاء هاهنا بمعنى السقوط و الكفاية للمعذورية. (معتمد العروة الوثقى، ج 2: ص 25).

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 369، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 309

الأفضل، و هذا يصحّ إذا كان الحج مندوبا، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل، لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد.

أما بحسب مقتضى القاعدة، فيجب تعيين أحد انواع الحج في عقد الاجارة و بدونه تبطل الاجارة لصيرورتها معاملة غررية، لاختلاف هذه الانواع بحسب الاغراض النوعية.

فإذا عيّن الافراد مثلا، لزم الاتيان به عملا بمضمون الإجارة و هل يجوز التعدي الى الأفضل أو لا؟ الوجه هو التفصيل بين:

صورة ما إذا علم بتعلق غرض شخصي للمستأجر بالنوع المفضول بحيث لا يرضى بتبديله إلى الأفضل، فلا يجوز.

و صورة ما إذا علم برضا المستأجر بالتبديل و إنما ذكر المفضول في العقد لجهة

مقتضية له فيجوز التبديل، إذ مرجع ذلك، الى سنخ معاملة على ما في ذمة الأجير بتبديله إلى غيره، نظير ما إذا اشترى منه شعيرا و أراد البائع تبديله بحنطة، فإنه يجوز مع الرضا. و مرجعه إلى المعاملة على ما في ذمة البائع بتبديله إلى الحنطة. لكنه يعتبر ظهور هذا الرضا القلبي بمظهر و لا يكتفي بالعلم الوجداني، إذ لا يكتفى بالتصرف المعاملي بمجرد العلم بالرضا ما لم يظهره مظهر، كالإذن و نحوه بحيث يفهم العرف منه ذلك. هذا بالنسبة إلى جواز التعدي و عدمه.

أما بالنسبة إلى إجزاء ما يأتي به عن المنوب عنه في صورة عدم جواز التعدي، فهو مما لا إشكال فيه، لقصد النائب في حجه النيابة و يكون نظير التبرع في النيابة و إن لم يستحق الأجرة، لمخالفته مضمون الإجارة و عدم إتيانه بمتعلقها.

و أما بحسب النصوص، فقد وردت رواية الحسن بن محبوب، عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 310

و لو شرط الحج على طريق معين، لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض، و قيل: يجوز مطلقا (79).

علي عليه السّلام «1»: «في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة، قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم «2»».

و هي ظاهرة في عدم جواز العدول الى الافضل و لزوم العمل بمقتضى الاجارة. و قد عرفت أنه حكم على مقتضى القاعدة.

و في قبالها رواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، قال: «نعم، إنما خالف إلى الفضل «3»». لكنها بقرينة التعليل ظاهرة في مورد العلم بالرضا.

و بالجملة، فليس

في النصوص ما ينافي القواعد الأولية في باب المعاملات.

فتدبر.

______________________________

(79) الكلام تارة، فى الحكم التكليفي للعدول. و اخرى فى الحكم الوضعي و ما يرتبط باستحقاق الأجرة.

أما الحكم التكليفي للعدول، فهو عدم الجواز للزوم الوفاء بالعقد أو الشرط، إلّا أن يعلم أنه لا غرض له بالطريق المعين و إنما ذكره من باب المثال الراجع ذلك في الحقيقة إلى عدم التعيين.

______________________________

(1)- و هذه الرواية لا يعرف منها المقصود ب: علي، هل المقصود منها الامام عليه السّلام لتكون حجة أم علي بن رئاب، كما احتمله في المدارك، فلا تكون حجة لانه نقل لفتوى ابن رئاب.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب النيابة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 311

..........

و أما الاستدلال على الجواز، كما ينسب إلى الشيخ رحمه اللّه عن «المبسوط «1»» برواية حريز بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة، فقال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه «2»».

فهو غير وجيه، لعدم نظر الرواية إلى جواز العدول و عدمه، بل المنظور فيها هو الإجزاء و عدمه و الحكم بالإجزاء لا يلازم جواز العدول كما لا يخفى.

و أما استحقاق الاجرة، فهو محل كلام بين الأعلام رحمهم اللّه من حيث الاطلاق و التفصيل، و قد تعرض إلى سرد كلمات الأصحاب فى «الجواهر «3»» و تهجم على الفاضل الاصبهاني في كثرة تشقيقاته و نسب ذلك إلى الزمن الذي لم يعضّ فيه على العلم بضرس قاطع. ثم إنه فرض صور المقام التي يختلف الحكم باختلافها ثلاثة:

الأولى: أن يؤخذ الطريق بنحو الجزئية في متعلق

الإجارة.

الثانية: أن يؤخذ بنحو القيدية و الإشارة إلى الحصة الخاصة التي تكون متعلقة للإجارة، بمعنى أن يكون متعلق الإجارة هو الحج عن الطريق المعين دون غيره من الحصص.

الثالثة: ان يؤخذ شرطا في ضمن العقد بأن تقع المعاملة على كلي الحج و يشترط عليه الذهاب من الطريق المعين، فيكون ذلك التزام في ضمن التزام.

ففي الصورة الأولى: يتّجه التقسيط بمعنى ردّ مقدار التفاوت بين الطريقين لتبعض الصفقة بعد أن وقعت على مجموع الأمرين.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 325، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب النيابة، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 377، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 312

..........

و في الصورة الثانية: ذهب- أيضا- إلى التقسيط، لصدق إتيانه ببعض العمل عرفا. و أنكر ما ذهب إليه صاحب المدارك رحمه اللّه «1» من عدم استحقاقه شيئا، لانه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لأخذ الطريق مشخصا لمتعلق الاجارة و لم يتحقق.

و في الصورة الثالثة: يكون للمستأجر حق خيار الفسخ لتخلف الشرط و بدون الفسخ يستحق الأجير تمام الاجرة.

هذا ملخص ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه و هو لا يخلو من إشكال و مناقشة.

فإن ما ذكره في الصورة الاولى من التقسيط، بمعنى ردّ التفاوت بين الطريقين إنما يتم لو كان الملحوظ في الطريق المعين مقدار مسافته لا غير، أما لو كان الملحوظ خصوصية الطريق لغرض ما كما هو ظاهر التعيين، إذ لو لا لحاظ خصوصيته لم يكن وجه لتعيينه، بل ينبغي تعيين مقدار الطريق من أي جهة كان لا أكثر فلا يتجه التقسيط المزبور، إذ لم يأت بأحد الجزءين بتمامه بعد

أخذ وصفه قيدا بل كان المتجه هو التقسيط على مجموع الطريق و الاعمال. فتدبر.

و أما ما ذكره في الصورة الثانية، فهو محل منع، لان نظر العرف إنما ينفع بلحاظ أنه يكون طريقا الى تعيين نحو المعاملة كما يوجه التسالم على صحة البيع في مورد تخلف الوصف في المبيع الشخصي برجوع أخذ الوصف إلى جعل حق الخيار مع عدمه لا أكثر، فيكون متعلق المعاملة مأخوذا بنحو تعدّد المطلوب. و لا يجري هذا الكلام فيما كان المبيع كليا في الذمة فانه لا بدّ من أداء الموصوف لاخذ الوصف فيه مشخصا. و فيما نحن فيه قد فرض تعيين نحو المعاملة و أن القيد اخذ مشخصا لا شرطا في ضمن العقد، فيثبت له حكمه. و نظر العرف في المقام لا عبرة

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 124، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 313

و اذا استؤجر لحجة، لم يجز أن يؤجر نفسه لاخرى، حتى يأتي بالاولى (80). و يمكن أن يقال بالجواز ان كان لسنة غير الاولى.

فيه، إذ عرفت أنه طريق محض لتعيين نحو المعاملة و المفروض تعيينها فيما فلا اعتبار بالنظر المسامحي العرفي.

و عليه، فما ذهب إليه صاحب المدارك «1» هو المتجه، فلا يثبت التقسيط.

نعم، ما ذكره قدّس سرّه في حكم الصورة الثالثة لا إشكال لنا فيه و هو تام غير مورد للمناقشة.

______________________________

(80) الكلام في مقامين:

الأول: مقام الثبوت، و تحقيقه أن الشخص إذا آجر نفسه للحج مباشرة في سنة معينة لم يصح أن يؤجر نفسه في تلك السنة بعينها للحج مباشرة، إذ بالاجارة الأولى يملك المستأجر في ذمة الأجير الحج في السنة المعينة و المفروض

أن السنة الواحدة ظرف لحج واحد لا أكثر، فلا يمكن وقوع حج آخر في السنة المعينة كي يكون موضوع الإجارة الثانية، و يملّك للمستأجر الثاني. نعم، لو كانت الاجارة الثانية موسعة لا مانع من صحتها كما لا يخفى.

و قد عبّر صاحب الجواهر «2» عن المحذور الموجب لبطلان الاجارة الثانية بعدم القدرة على التسليم.

و ما ذكرناه أدق و أوجه، إذ اعتبار القدرة على التسليم باعتبار أنه شرط

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 124، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 378، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 314

..........

ضمني في العقد. و من الواضح أن تخلف الشرط لا يوجب البطلان و إنما يوجب الخيار.

و على كل، فلم يتوقف أحد في بطلان الاجارة الثانية و إن اختلفت التعليلات.

و على هذا، فلو وقعت الإجارتان في ظرف واحد بطلتا، لعدم إمكان الالتزام بصحتهما كليهما و الالتزام بصحة أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح.

هذا لو كانت الإجارة الثانية على الحج مباشرة و أما لو لم يؤخذ فيها قيد المباشرة، بل أخذ فيها المعنى الأعم من المباشري و التسبيبي، فهل تصح أولا؟

احتمل صاحب الجواهر عدم الصحة بدعوى أنه و إن تمكن من الاتيان بها بالاستنابة لكن يعتبر فى الإجارة تمكن الاجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الاعمى على قراءة القرآن على إرادة الاستنابة. ثم إنه ذكر هنا أنه ذكر في كتاب الاجارة احتمال الصحة.

و نحن فعلا في بدو النظر لا نرى موجبا لبطلان الاجارة الثانية و لا نرى وجها لاعتبار تمكن الأجير من العمل بنفسه، فإن الإجارة تمليك فى الذمة، فيصح له أن يملك فى

الذمة عمل الغير ثم يملكه باستنابته و يسلّمه للمستأجر.

نظير ما لو باع فى الذمة ما لا يملكه فعلا ثم يشتريه و يسلمه للمشتري.

و لكن تحقيق الحال و معرفة الحق من الطرفين في باب الاجارة و ليس محله هنا.

ثم إن الإجارة الثانية إنما تبطل في مورد التزام بطلانها لو اخذت السنة المعينة فيها بنحو التقييد و تشخيص متعلق الإجارة بأن كان المستأجر عليه هو الحصة الخاصة من الحج، و أما إذا اخذت من باب الشرط في ضمن العقد بأن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 315

..........

كان متعلق الإجارة كلي الحج و لكنه اشترط عليه الإتيان به في هذه السنة، فلا تبطل الإجارة الثانية، إلا بناء على بطلان العقد ببطلان الشرط- إذ لا يمكن الالتزام بالشرط-. و لكن تبطل الثانية إذا اخذت السنة المعيّنة فيها بنحو التقييد، سواء كان أخذها في الاولى كذلك، أو كان بنحو الاشتراط لعدم القدرة على متعلق الثانية في كلتا الصورتين. هذا كله بالنسبة، إلى مقام الثبوت. و أما:

الثاني: بالنسبة إلى مقام الإثبات، فمع التصريح بالتعيين لا إشكال و إنما الإشكال فيما إذا اطلق اللفظ و لم يقيد، فهل مقتضى الاطلاق التعجيل؟

حكي عن الشهيد رحمه اللّه «1» أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الاجارة التعجيل فيجب المبادرة مع الامكان.

و نوقش بأنه مما لا وجه له بعد أن تحقّق في محله عدم اقتضاء الأمر للفور، فلا ظهور للأمر الاجاري فى الفور، و لا ظهور فى الاجارة بكون قصد المستأجر ذلك.

لكن ذهب صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» إلى إمكان دعوى أن المتعارف في باب الحج هو ذلك، فيدل الاطلاق على التعجيل ما لم يصرح المستأجر بجواز التأخير.

و هذه الدعوى قريبة إلى

نظر العرف و لعلّ منشأ التعارف و الانصراف هو عدم الداعي إلى بذل المال فعلا للحج في السنة الآتية و عدم إحراز عدم حصول المانع للأجير في غير السنة الفعلية.

و على كل، فالدعوى ليست بدعوى جزاف. إلّا أنه قدّس سرّه ذهب إلى ظهور كون

______________________________

(1)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 323، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 378، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 316

..........

المراد من التعجيل أول أزمنة الامكان، فلا تنافي الإجارة الاولى المقيدة مع علم المستأجر ذلك.

و بالجملة، فالتعجيل المستفاد من الاطلاق لا يرجع إلى تقييد متعلق الإجارة و تشخيص متعلق الإجارة، بل هو شرط آخر في ضمن العقد، فلا يلزم من تخلفه بطلان العقد.

أقول: التعبير بالفورية و أول أزمنة الامكان، تارة يقصد به تقييد متعلق الإجارة و أنه لا يريده بدون ذلك، كما لو كان غرضه يترتب عليه في أول الأزمنة، بحيث يفوت مع عدم تحقق متعلق الإجارة فورا. و اخرى لا يقصد به ذلك، لتحقق الغرض منه بدون الفورية لكن فوريته مرغوبة و حصوله بنحو العجلة مطلوب مهما أمكن، فتخلف الفورية لا يوجب تخلف متعلق الاجارة.

و هذا مما لا إشكال فيه و الأمثلة العرفية له كثيرة، إلا أن هذا لا يعنى أن المستفاد من الاطلاق هو التعجيل بالنحو الثاني أو مرددا بينهما، بل الظاهر أن المقصود به هو المعنى الأول، فلو تمت دعوى الإطلاق، فظاهره تقييد الاجارة بالحج في هذه السنة بحيث يرجع ذلك إلى تشخيص متعلق الإجارة لا اشتراط التعجيل فيه، فالعرف يفهم من الإطلاق أن المراد هو الحج هذه السنة، فتخلفه يرجع

الى تخلف متعلق الاجارة لا شرط العقد.

و بالجملة، فاما أن ينكر ظهور الإطلاق فى التعجيل و إلا فهو ظاهر في إرادة الحج في خصوص هذه السنة لا غير.

ثمّ إنه لو عيّن له سنة فقدّم الحج عليها، فهل يستحق الاجرة، أو لا؟

الحق أنه إن اخذت السنة المعينة بنحو التقييد و تشخيص متعلّق الإجارة لم يستحق شيئا، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه. و إن اخذت بنحو الاشتراط كان للمستأجر الخيار لتخلف الشرط. فالتفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 317

و لو صدّ قبل الإحرام و دخول الحرم، استعيد من الاجرة بنسبة المتخلّف (81).

______________________________

(81) قد عرفت أنه لا وجه للتقسيط بالنسبة إلى الطريق لعدم دخالته في متعلق الإجارة و إنما متعلقها الأعمال المخصوصة، و لأنه على تقدير أخذه جزء من المتعلق فإنما هو الطريق الموصل لا مجرد الطريق، و مع الصد لم يتحقق الطريق المستأجر عليه. فراجع.

ثم إن شرّاح الكتاب اوقعوا البحث فى الوجه في تقييد الحكم بما إذا كان الصد قبل الإحرام و دخول الحرم مع أن الحكم واحد، سواء كان الصد قبل ذلك أم بعده، فان التقسيط ثابت- لو قيل به- في كلتا الصورتين.

فذهب صاحب المسالك رحمه اللّه «1» إلى أنّ الوجه فيه إن الصد لو كان بعد الإحرام لا تتحقّق استعادة الاجرة مطلقا، بل يبقى على الإحرام إلى أن يأتي ببقية المناسك مع الإمكان؛ إلا أن قيد دخول الحرم لا مدخل له في ذلك، بل مجرد الإحرام كاف فيه.

و ذهب فى «المدارك «2»» إلى أنه غير جيد، لانه إن أراد بقوله مع الإمكان إمكان الإتيان ببقية المناسك في ذلك العام، فهو آت مع الصد قبل الاحرام. و إن اريد به ما

هو أعم من ذلك لم يكن مستقيما، فإن المصدود يتحلل بالهدي و لو صابر ففاته الحج تحلل بالعمرة.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 176، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 318

..........

و ذكر فى «الجواهر «1»» أنه قد يدفع بما أشار إليه الكركي «2» في فوائده على الكتاب من أن المحرم في بعض الأحوال يبقى على إحرامه حتى يأتي بالمناسك، لعدم تمكنه من الهدي أو العمرة التي يتحلل بها. و مثله قد يقال بعدم استعادة الاجرة فيه و إن استمر على ذلك إلى السنة القابلة و كان أجيرا على الحج في السنة الماضية و ذلك لأن تلبسه بالحج في هذه السنة كمن كان حج فيها و إن انتقل تكليفه اضطرارا الى السنة القابلة ببقية المناسك، فهو كمن أدرك اضطراري الحج.

و قد ذهب إلى توجيه العبارة بنحو آخر و هو كونها إشارة إلى وجود الخلاف فيما لو صد بعد الاحرام و دخول الحرم أو بعد الاحرام فقط حيث حكي عن الشيخ فى «الخلاف «3»» الذهاب إلى إجزاء العمل عن الحج كما لو مات، فلا تستعاد منه الاجرة حينئذ. و قد ظن البعض إلى أن التقييد المذكور ظاهر في الإشارة إلى اختيار الاجزاء لو صد بعد الاحرام و دخول الحرم. و هو لا دليل عليه بعد إمكان كونه إشارة إلى الخلاف في ذلك.

ثم إن صاحب المدارك «4» قال: «و متى انفسخت الاجارة و كان الاستئجار واجبا استأجر من موضع الصد مع الإمكان إلّا أن يكون بين الميقات و مكة فمن الميقات لوجوب

إنشاء الاحرام منه».

و تابعه صاحب الجواهر «5» حتى أنه عبّر بنفس التعبير بلا أي إختلاف.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 381، الطبعة الاولى.

(2)- المحقق الثاني، على بن الحسين: جامع القاصد، ج 3: ص 286، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 1: ص 429، الطبعة الاولى.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 381، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 319

و لو ضمن الحج فى المستقبل لم يلزم اجابته، و قيل يلزم. و إذا استؤجر فقصرت الاجرة لم يلزم الإتمام. و كذا لو فضلت عن النفقة، لم يرجع المستأجر عليه بالفاضل (82).

و هو لا وجه له، إذ لا دليل على مشروعية الاستنابة بهذا النحو بعد أن كان الحج الواجب هو الحج البلدي، فانه لا دليل على مشروعية تعدد النائب في الحج الواحد.

______________________________

(82) هذا الحكم ممّا لا إشكال فيه و ليس خلافه مورد التوهم.

و لعل الوجه في تعرض المصنف رحمه اللّه لذكره مع وضوحه هو ما ينقل عن أبي حنيفة «1» من زعمه بطلان الاجارة حينئذ.

و لعل هذا هو الوجه في تعرض النصوص له، إذ ورد فيها بيان حكم ما لو فضل عن النفقة.

و قد ذهب في «النهاية «2»» و «المنتهى «3»» و «المبسوط «4»» إلى استحباب الاتمام مع النقص لكونه إعانة على البرّ و التّقوى.

و ذهب في «التذكرة «5»» و «المنتهى «6»» و «التحرير «7»» إلى استحباب رد

______________________________

(1)- الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الاربعة، ص 708، ط بيروت.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن

الحسن: النهاية، ص 279، الطبعة الاولى.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 869، ط الحجريّة.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 322، الطبعة الاولى.

(5)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 160/ المسألة 120، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(6)- الحلي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 869، الطبعة الاولى.

(7)- الحلي، الحسن بن يوسف: تحرير الاحكام، ص 127، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 320

و لا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر؛ إلّا مع العذر، كالاغماء و البطن و ما شابههما (83)، و يجب أن يتولى ذلك بنفسه.

الفاضل تحقيقا للاخلاص في العبادة.

و قد استظهر فى «المقنعة «8»» الاستحباب في صورة التوسعة من رواية مسمع قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أعطيت الرجل دراهم يحج بها عني ففضل منها شي ء فلم يردّه عليّ. فقال: هو له لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة «9»»، فإنّ ظاهر التعليل أنه يرد الفاضل لو لم يقتر على نفسه.

و لكنه بعيد، فإن ظاهرها رفع جهة الندامة الحاصلة للمستأجر بتخيله إعطائه أكثر من اللازم و أن ما يتخيله أمر غير صحيح لاحتمال كون الزائد لأنه قتّر على نفسه لا من جهة إعطائه الكثير. و هذا أمر عرفي يرد كثيرا فى الكلام و المحاورة.

و يؤكّده ما ورد في رواية محمد بن عبد اللّه القمي «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام، عن الرجل يعطى الحجة يحج بها و يوسّع على نفسه فيفضل منها أ يردها عليه؟ قال: لا، هي له «10»». فلاحظ. و الأمر سهل.

______________________________

(83) الوجه في عدم جواز النيابة عن الحاضر في الطواف هو احتياج

______________________________

(8)- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 442، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(9)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من ابواب النيابة، ح 1.

(10)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 321

..........

مشروعية النيابة فيه إلى دليل و هو مفقود، بل ورد ما يدل على الخلاف. ففي رواية عبد الرحمن بن أبي نجران عمن حدّثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له:

الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة، قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة- الحديث «1»».

و قد استثنى المصنف قدّس سرّه صورة العذر كالاغماء و البطن و ما شابههما كالحائض كما قيل «2».

أقول: وردت رواية فى المريض ظاهرة في لزوم الطواف به، و هي رواية صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السّلام «عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، قال: يطاف به محمولا يخطى الارض برجليه حتى تمس الارض قدميه في الطواف «3»».

كما وردت رواية فى خصوص المبطون ظاهرة في الاستنابة عنه و هي رواية معاوية بن عمار «4»: « (الكبير خ ل) الكسير يحمل و يطاف به و المبطون يرمى و يطاف عنه»، فخروج المبطون عن أصل عدم المشروعية في محله.

و أما المغمى عليه، فقد جاءت فيه رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه «5»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 18: من ابواب النيابة، ح 3.

(2)- الشهيد الثانى، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 177، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 169- ط

مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 47: من ابواب الطواف، ح 2.

(4)- المصدر، باب 49: من ابواب الطواف، ح 6.

(5)- المصدر باب 49: من ابواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 322

..........

و قد نقلت بنحو آخر و هي «يطاف به»، بدلا عن «عنه».

و قال فى «الجواهر «1»»: «الموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب المعتبرة يطاف عنه كما ذكرناه سابقا. نعم، كتب عليها نسخة «يطاف به»، ثم قال: «و الظاهر أن المعتبرة الاولى فانه لا وجه للطواف به مع عدم طهارة له».

أقول: ما ذكره في الترجيح لا يوجب الجزم باعتبار النقل الأول، فيتعارض النقلان عن حريز، فيتساقطان. و الحكم هو الاحتياط بالجمع للعلم الاجمالي بثبوت أحد الحكمين له، إذ التعارض بين النقلين في الخصوصية و ما هو متعلق الطواف، و إلّا فأصل الطواف مسلّم في النقلين.

كما أنه لا وجه للرجوع للاخبار العلاجية من ترجيح و تخيير، لظهورها فيما كان منشأ الاختلاف كذب أحد الراويين لا اشتباهه كما هو الحال فيما نحن فيه.

فتأمّل و تدبر جيدا.

و أما الحائض فقد الحقت بالمبطون لعدم قدرتها على الطهارة. و لكن قد ورد فيها صحيح أبي أيوب الخزاز، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل فقال: أصلحك اللّه، إن معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء فأبى الجمّال أن يقيم عليها؛ قال: فأطرق و هو يقول لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمّالها ثم رفع رأسه إليه، فقال: تمضى فقد تمّ حجها «2»».

و هي ظاهرة في سقوط الطواف عنها.

و لكن قال فى «الجواهر»: «إنّه بقرينة عدم القائل به يجب حمله على

______________________________

(1)- النجفي،

الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 384، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 84: من ابواب الطواف، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 323

..........

الاستنابة «1»».

و لكن لا دليل على إرادة الاستنابة و هي حاضرة كي تكون خارجة عن عموم عدم مشروعية النيابة عن الحاضر، إذ يمكن أن يكون القصد الاستنابة بعد خروجها و غيبتها عن مكة، فتندرج في موضوع جواز الاستنابة و هو الغائب، و تكون الرواية في مقام الإذن في الخروج للضرورة. فلا دلالة في الرواية على ما ينافي رواية ابن ابي نجران و ما يخالف الأصل. فتدبّر جيدا.

و بالجملة، الخارج عن الأصل ليس إلا المبطلون دون غيره من ذوي الأعذار، فلا يتجه ما جاء فى المتن من الإطلاق، فتدبر.

ثمّ إنه قد أشرنا إلى عدم جواز النيابة فى الطواف عن الحاضر و جوازه عن الغائب و هو مما لا اشكال فيه.

و لكن وقع الكلام في المراد بالغائب و الحاضر، فحدّده بعضهم الغيبة بالبعد عشرة أميال عن مكة.

و لكن لا نرى لذلك وجها بعد اطلاق الأخبار الواردة في هذا الباب. نعم، ورد التقييد بالعشرة أميال في رواية ابن أبي نجران المتقدمة، و لكنها غير صالحة لتقييد المطلقات لإرسالها، فالمتعين هو العمل بالإطلاق و كون المدار هو صدق الحاضر أو المقيم- يعنى من كان فعلا بمكة- و عدمه.

نعم، إن تبيّن بعد ذلك أخذ عنوان المقيم و غيره بنحو خاص في باب الحج كما قد يدعى ذلك بلحاظ بعض الآثار فله كلام آخر. فانتظر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 384، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 324

و لو حمله حامل

فطاف به، أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه (84).

______________________________

(84) فينوي المحمول الطواف بحركته و دوره حول البيت و ينوي الحامل الطواف بمشيه الدائر حول البيت.

و هذا لا اشكال فيه لو كان وظيفة المحمول النية في الطواف بحيث يستند الطواف إليه و إنما وظيفة الحامل هي الحمل لا غير.

أما لو كانت وظيفة الحامل الطواف بالمحمول بأن ينوي عنه، كالطواف بالصبي أو بالمغمى عليه، فقد وقع ذلك محل الإشكال لو كان الطواف متعلق الإجارة دون التبرع، فإنه مع التبرع لا كلام فيه، إذ الحمل و الإدارة بالمشي غير المشي فينوي الطواف عن غيره بالأول و عن نفسه بالثاني، فهما فعلان متغايران تتحقق نيتهما معا.

و يشهد له رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المرأة تطوف بالصبيّ، و تسعى به هل يجزي ذلك عنها و عن الصبي فقال: «نعم «1»،»

و الأقوال في صورة الإجارة ثلاثة:

أحدها: عدم الاحتساب مطلقا لكون الحركة مملوكة للمستأجر، فلا يمكن نية الامتثال بها عن نفسه.

ثانيها: التفصيل بين وقوع الاجارة على الحمل في الطواف، فيجوز احتساب الطواف عن نفسه. و وقوعها على الطواف به، فلا يجوز، لمملوكية الحركة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 50: من ابواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 325

و لو تبرع انسان بالحج عن غيره بعد موته، برئت ذمته (85).

للمستأجر و هو المحكي عن «المختلف «1»» و استحسنه فى «المدارك «2»».

و ثالثها: جواز الاحتساب مطلقا، لان طواف الغير يتحقق بادارته محمولا حول الكعبة مع نية ذلك و هو غير حركة الاقدام الحاصلة من الحامل التي يحاول أن ينوي بها الطواف، فهما عملان متغايران يجوز نيتهما معا.

و ما

وقعت عليه الإجارة هو الاول دون الثاني، فليس هو كالاستئجار للحج كما قرّب به القول بالتفصيل.

و يدل عليه جوازه في حال التبرع مع أنه لو كان عملا واحدا غير قابل للتعدد لم يصح الاحتساب عن نفسه في صورة التبرع.

و هذا هو مختار «الجواهر «3»» و هو المتجه. و قد ذكر قدّس سرّه أنه دقيق. و هو كذلك بعض الشي ء. فالتفت.

______________________________

(85) التبرع، تارة: عن الميت. و أخرى: عن الحي.

أما التبرع عن الميت في ما اشتغلت ذمته من الحج الواجب، فلا إشكال في إجزائه عنه نصا و فتوى. فقد اتفقت كلمة الفقهاء عليه، كما وردت به النصوص المتعددة في الموارد المختلفة.

و لا فرق بين كون الميت قد أوصى بالحج و عدمه، كما لا فرق بين كونه خلّف شيئا يحج به له و عدمه، و لا بين كون المتبرع هو الولي أو غيره.

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 4: ص 186، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 131، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 386، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 326

..........

و مما ورد من النصوص رواية رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و لم يوص بها أ تقضى عنه، قال: نعم، «1»».

و أما التبرع عن الحي في الحج الواجب، فمع تمكنه من الاداء، فلا إشكال في عدم إجزائه لتوجه التكليف إليه و طلب الفعل منه. و مع عدم تمكنه من الأداء، فتجوز له الاستنابة كما تقدم. أما التبرع، فلا دليل على جوازه لاحتمال دخل خصوصية الاستنابة

في الحكم بالبراءة.

و عليه، فمقتضى القاعدة الأولية عدم الاجزاء لعدم الدليل عليه، بل الدليل على عدم الاجزاء، لعموم قوله تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ «2».

و أما التبرع في الحج المندوب، فلا اشكال في مشروعيته عن الميت و الحي لورود النصوص به، إلّا أنه:

قد يستشكل في مشروعيته عن الحي الذي في ذمته واجب باعتبار أنه نفسه لا يتمكن من الإتيان بالحج الندبي فكيف يصح اتيان غيره به.

و يندفع: بأن عدم مشروعية الحج الندبي من باب أنه يزاحم الحج الواجب، فلو فرض انه لا يتمكن من الحج الواجب او يتمكن و جاء به و تبرع عنه غيره في تلك السنة فلا اشكال فيه، إذ لا مزاحمة، كما لا يخفى.

نعم، لو كان يتمكن من الحج و لم يجي ء به و تبرع عنه الغير استحبابا اجزأه قهرا.

أما تبرع من بذمته حج واجب من الغير ندبا، فقد مرّ البحث فيه و ظهر حكمه مما تقدم في إتيان الندبي مع اشتغال الذمة بحج واجب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 28: من ابواب وجوب الحج، ح 6.

(2)- سورة النجم، 53: 41.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 327

و كلّ ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله (86). و لو أفسده، حجّ من قابل. و هل يعاد بالاجرة عليه؟ يبني على القولين (87).

______________________________

(86) هذا الحكم لا اشكال فيه، إذ لا وجه في كونه على المستأجر، كما لا يخفى.

(87) المقصود من القولين القول بأن الحج الأول فريضة و الثاني عقوبة. و القول بأن إتمام الاول عقوبة و الثاني فريضة.

فعلى الاول لا تعاد الاجرة. و على الثاني تستعاد الاجرة.

و قد استشكل في اطلاق المتن، فادعي انه انما يتم لو

كانت سنة الاجارة معيّنة و مقيدة بالسنة التي وقع فيها الافساد.

أما مع الاطلاق، فلا يصح التفصيل، إذ يستحق الأجير الأجرة لو كانت الإجارة مطلقة سواء كانت الاولى فرضه أو الثانية، لاتيانه بمتعلق الاجارة.

و نسب إلى «القواعد «1»» دعوى لزوم الاتيان بحجة ثالثة مع الاطلاق لعدم تداخل السببين- الإفساد و الإجارة-. و لأجل وجود هذه الجهات فى المقام تشتت الآراء و تعددت الاقوال.

و عدّها فى «الجواهر «2»» ثمانية، و الذي اختاره هو كون الاولى عقوبة و الثانية فريضة، فتبطل الإجارة مع التعيين و لا تبطل مع الإطلاق و يستحق الاجرة باتيان الثانية و لا تلزمه حجة ثالثة. قال قدّس سرّه: «و التحقيق أن الفرض الثاني لا الأول الذي اطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوى و احتمال ان هذا

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 414، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 389، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 328

..........

الاطلاق مجاز لا داعي إليه، بل هو مناف لجميع ما ورد في بيان المبطلات في النصوص من انه قد فاته الحج و لا حج له و نحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه، بل مقتضاه ان الحج لا يبطله شي ء أصلا و انما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم و الإعادة عقوبة و هو كما ترى. و خبرا المقام اللذان ستسمعهما و إن كانا ظاهرين في أن الفرض الأول، إلا انه يجب حملهما على إرادة إعطاء اللّه تعالى للمنوب حجة تامة و تفضلا منه ...».

و مقصوده بالخبرين الواردين في المقام هما خبرا اسحاق بن عمار- فقد

ورد في أحدهما- عن الصادق

عليه السّلام: «... قلت: فان ابتلي بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؛ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج قال: نعم، «1»».

و ورد الآخر عنه عليه السّلام: «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؛ قال: هي للاول تامة، و على هذا ما اجترح».

و قد عرفت ان الأول منهما ناظر إلى الإجزاء عن الوصي و أنه أدّى ما هو وظيفته بالنسبة إلى الميت، فليست هي ناظرة إلى براءة ذمة الميت بالعمل خصوصا بملاحظة تعليل الإجزاء بضمان الاجير للحج، و أنه أمر صار في ذمته و انتهى عن الوصي.

نعم، الرواية الثانية ظاهرة في كون الفريضة هو الأولى و التصرف فيها لا وجه له، كما ستعرف.

و ما ذكره من تضمن النصوص الكثيرة لبيان فساد الحج، فلا وجه لصرفه عن ظاهره و لا بدّ من القول بأن الثاني هو الفريضة التزاما بظهور هذه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 15: من ابواب النيابة، ح 1 و 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 329

..........

النصوص.

مما لا اساس له، فإنه ليس في النصوص الواردة في بيان هذا الحكم للتعبير بالافساد و نحوه عين و لا أثر، بل لم يرد فيها إلّا أن عليه الحج من قابل و نحوه. و هذا و إن ظهر بعض الشي ء في بطلان الحج إلّا أنه يدفع ظهوره في ذلك ما ورد في بعض هذه النصوص من بيان أن الاول فريضة و الثاني عقوبة بالصراحة، فلا مجال حينئذ للتشكيك في كون الاولى هي الفريضة.

فقد ورد في ذيل رواية زرارة المتضمنة للحكم المذكور في صدرها: «...

قلت: فأي الحجتين

لهما؟ قال: الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا و الاخرى عليهما عقوبة «1»».

و على هذا، فتصح الإجارة معيّنة كانت أو مطلقة و يستحق الأجير الأجرة لإتيانه بالعمل المستأجر عليه.

و لو بني على كون الثانية هي الفريضة، فلا إشكال في بطلان الاجارة لو كانت مقيدة بسنة الافساد لفوات العمل المستأجر عليه. أما لو كانت مطلقة، فقد عرفت وقوع البحث في لزوم الإتيان بثالثة و عدمه، لتعدد الاسباب. و الاصل عدم تداخلها أو تداخلها في المقام.

و الذي نراه أنه لا وجه لإيقاع البحث في التداخل و عدمه بالنحو المحرر في كتب القوم، بل المسألة خارجة عن ذلك.

و الوجه فيه: أن الحج الذي وقعت عليه الإجارة إما أن يكون هو الحج الواجب، كحجة الإسلام، أو يكون الحج المندوب.

فإن كان حجة الاسلام- و هو المهم في المقام-، فمع الإتيان بالثانية عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 3: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 330

..........

المنوب عنه كما هو المفروض تبرأ ذمته. و عليه، فلا موضوع لوقوع البحث في لزوم ثالثة و عدمه لفراغ ذمة المنوب عنه، فلا مجال لاتيان حج ثالث عنه بعنوان حج الاسلام.

يبقى الكلام في استحقاقه الاجرة بإتيانه الحج الثاني مع الإطلاق.

و تحقيق الكلام فيه: انه إما أن نقول بعدم صحة الاجارة على الواجبات أو نقول بصحتها.

فان قلنا بعدم صحة الإجارة على الواجب، كان الحج الثاني خارجا عن دائرة متعلق الإجارة فإنه و إن كان مطلقا لكنه لا يشمله لعدم صحة الإجارة فيه للزومه بالإفساد. و عليه، فلا يستحق الاجرة عليه و إن برئت به ذمة المنوب عنه لعدم كونه من أفراد متعلق الإجارة.

و إن قلنا بصحة الإجارة

على الواجب، فشمول الإطلاق لهذا الفرد يتوقف على أن لا يكون المنصرف العرفي منه هو الإتيان بما هو غير الواجب. و الظاهر ثبوت الانصراف المزبور، إذ الظاهر كون الإجارة لتحقيق العمل من جهة الاجارة و بذل المال لا لثبوت العمل من أي طريق تحقّق و على أي وجه وقع و لو كان ملزما به من طريق آخر. و عليه، فلا يكون مشمولا لمتعلق الإجارة فلا أجرة عليه. نعم، لو شمله الإطلاق استحق الاجرة عليه لكنّه فرض في فرض.

و من هنا يظهر أن إطلاق الماتن رحمه اللّه في محلّه و لا إشكال فيه، إذ عرفت أن الأجير لا يستحق الاجرة على القول بكون الثاني فريضة سواء كانت الإجارة معينة أو مطلقة.

و من هنا ظهر الكلام في المستحبات، فإن الإتيان بالحج الثاني لا يرفع موضوع البحث في لزوم ثالثة لكن ينبغي بناء ذلك على ما عرفت من كون الحج

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 331

و إذا اطلق الإجارة، اقتضى التعجيل (88) ما لم يشترط الأجل.

الثاني مشمولا للاطلاق أو غير مشمول لا البحث في أن تعدد السبب يقضي بتعدد المسبب أو لا يقضي، فإنه لا تصل النوبة إليه بعد بيان عدم اندراج الحج الثاني في متعلق الإجارة و لا مجال إليه قبل تحقيق هذا المطلب.

و أما استحقاق الأجرة، فلا يكون إلا بالاتيان بحجة ثالثة لعدم إتيانه بما هو متعلق الاجارة بدونها. فالتفت جيدا فانه لا يخلو عن دقة و لم يسبقنا أحد فيما نعلم إلى هذا النحو من تحرير المسألة و تحقيقها.

______________________________

(88) هذا الحكم محل خلاف، كما أشرنا إليه سابقا. و الاحتمالات فيه أربعة:

الأول: عدم اقتضاء الإطلاق التعجيل بوجه من الوجوه. و يكون

مقتضاه نفي خصوصيتي التعجيل و التأجيل.

الثاني: انصراف الاطلاق إلى الإتيان به في السنة الاولى بنحو التقييد الموجب للبطلان عند التخلف.

الثالث: انصرافه إلى الإتيان به عاجلا بنحو الاشتراط الموجب للخيار عند التخلف.

الرابع: اقتضاء الاطلاق التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل على حد سائر المعاملات الواقعة على الاموال و المرتبطة بها، كالبيع. فان إطلاقه يقتضي حلول الثمن و الثمن و لذا يجوز لكل من المتعاملين مطالبة الآخر بماله بعد وقوع المعاملة، و كضمان الدين و نحوهما.

و الفرق بين هذا الوجه و سابقه إن سابقه يتضمن دعوى انصراف الاطلاق إلى التعجيل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 332

..........

أما هذا الوجه، فلا يتضمن شيئا من ذلك، بل يرجع الى تطبيق قاعدة حق المطالبة بالمال لمالكه، فلاحظ.

و قد عرفت أن دعوى الانصراف في باب الحج غير بعيدة لتعارف الاستئجار على الحج في السنة الأولى و هذا يصير منشئا لانصراف المطلق. كما عرفت أن الانصراف لو تم، فظاهره كون التعجيل مأخوذا بنحو التقييد فتبطل الإجارة مع التخلف.

و أما الوجه الرابع، فهو غير صحيح فيما نحن فيه و إن سلم في باب الأعيان المالية. و ذلك لأن العين المالية كالدار أو الكتاب أو الدينار أو غيرها ذات واحدة في مختلف الزمن و لا يوجب إختلاف الزمن تحصصا فيها، فإن العين في هذا اليوم نفسها في اليوم الآخر و ليست فردا مغايرا لها في اليوم الآخر. و عليه فهي لا تقبل التقييد بزمن دون آخر، فلا معنى لان يكون موضوع الملكية هو الكتاب في هذا اليوم.

نعم، تقييد نفس الملكية بالزمن المعين له وجه و هو غير ما نحن فيه.

و عليه، فاذا كان متعلق الملكية هو الذات من دون تقييد لها

بزمن معين.

فبمجرد وقوع المعاملة على العين تدخل في ملك المشتري أو البائع، فيكون له حق المطالبة بها.

و الأمر فى الاعمال يختلف عنه في الأعيان، إذ الأعمال تتفرد بالزمان، فالعمل في هذا اليوم غيره في غيره و في السنة غيره في السنة الأخرى، فهي قابلة للتقييد بالزمان، فبوقوع المعاملة على العمل الخاص لا يستحق مالكه المطالبة به حالا ما لم يظهر كون متعلق المعاملة هو العمل الحالي، إذ لم يثبت بدون ذلك أن ملكه هو العمل الحالي كي يحق له المطالبة به فعلا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 333

و لا يصحّ أن ينوب عن اثنين في عام (89).

و بالجملة، موضوع حق المطالبة فعلا هو المملوك و حيث إن الملك في باب الاعيان يتعلق بالعين من دون تقييد لها بزمن معين لعدم تعددها بالتقييد كان للمالك المطالبة بها في أي وقت شاء إذ هي محفوظة في مطلق الأزمنة.

و أما الاعمال، فهي تتعدد باختلاف الزمن، فالمطالبة الفعلية بالعمل تتوقف صحتها على كون المملوك هو العمل في الوقت الفعلي و بدونه لا يحق للمالك المطالبة به فعلا، إذ لم يثبت ملكيته للعمل الفعلي. فلاحظ، فانه لا يخلو عن دقة.

______________________________

(89) هذا الحكم بالنسبة إلى الحج الواجب تام، لعدم الدليل على مشروعية مثل هذه النيابة، فيبطل العمل قهرا، لعدم وقوعه عنهما و لا عن أحدهما بعد كون الأصل عدم المشروعية و لا وقوعه له لعدم نيته ذلك.

و أما الحج المستحب، فيجوز الاتيان به عن متعدد، للنصوص «1» الدالة على جواز ذلك.

______________________________

(1)- و هي النصوص المروية في «وسائل الشيعة» (ج 8/ باب 28: من ابواب النيابة)، لكن ظاهرها هو اشراك المتعدد في حجة نفس الشخص. و قد ادعى

السيد الخوئي (معتمد العروة الوثقى، ج 3: ص 105) القطع بعدم الخصوصية، بل ذهب إلى أن الحج عن الغير يسند إلى النائب، فقول السائل في رواية محمد بن اسماعيل: «كم اشرك في حجتى» تشمل الحج النيابي، و لا تختص بالحج عن نفسه.

و لكن الذي يظهر من مراجعة نصوص الباب إن الاسئلة كلها عن اشراك الغير في حج الإنسان عن نفسه فيكون قرينة على تعيين المراد في هذه الرواية، هذا مع أن السؤال فيها عن عدد من يشركه لا عن اصل مشروعية الاشراك. و عليه فلا اطلاق لها من حيث نوع الحج الذي يقبل الاشراك لأنّها ليست في مقام البيان. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 334

و لو استأجراه لعام صحّ للأسبق (90)، و لو اقترن العقدان، و زمان الايقاع، بطلا (91).

و عليه، فيجوز لشخصين استئجار رجل واحد للحج عنهما كما يجوز لشخص واحد استئجار واحد للحج عن نفرين كأبيه و أخيه.

______________________________

(90) لما تقدم، إنما الكلام في امكان تصحيح الثانية باجازة الأول و عدمه.

فقد يدعى امكانه، نظير ما لو آجر نفسه لشخص لعمل يوم ثم آجر نفسه لآخر لعمل ذلك اليوم، فانه تصح الاجارة الثانية باجازة الأول.

و فيه: وجود الفرق بين الموردين، فان الاجارة الثانية في المقيس عليه وقعت على ما هو ملك المستأجر الأول و هو منفعة اليوم المعين، فيكون الأجير في ايقاعه الاجارة فضوليا، فيكون للمستأجر الأول حق الامضاء، فتصح باجازته.

و ما نحن فيه ليس كذلك إذ ما هو ملك المستأجر الأول هو العمل عن المنوب عنه المعين و متعلق الاجارة الثانية ليس هو هذا العمل، بل هو العمل عن شخص آخر و هذا ليس بمملوك للمستأجر الأول كي يكون

العقد فضوليا يصح باجازته، بل الاجارة الثانية وقعت على غير ملكه.

(91) اذ لا يمكن تصحيحهما معا بعد أن لم يكن الزمان قابلا لعملين، فهو لا يقبل ملكيتين لانتفاء موضوعهما. و تصحيح أحدهما ترجيح بلا مرجح و التخيير مما لا مجال له. فيتعين البطلان.

و أما لو اختلف زمان الايقاع، فكان متعلق إحدى الاجارتين الحج في سنة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 335

..........

و متعلق الاخرى الحج في سنة غيرها، فلا مانع من انعقاد الإجارتين.

و قد استثنى فى «المدارك «1»» ما إذا كان الحج المستأجر على إيقاعه في السنة الثانية فوريا و امكن استئجار من يأتي به في السنة الأولى، فإنه ذهب إلى بطلان الإجارة الثانية في هذا الحال.

و استقربه صاحب الجواهر «2»، فقال: «و إلا يشير بالنفي الى ما نحن فيه» فالأقرب بطلان المتأخر كما عن «الدروس «3»».

أقول: الخصوصيات التي يتعنون بها الحج كخصوصية حج الإسلام، أو النذري، أو الاستحبابي، أو غيرها:

تارة: تكون مأخوذة في متعلق الإجارة بأن يستأجره للإتيان بحجة الإسلام بهذا العنوان، فيتعين على النائب قصدها حين العمل كي يتعنون عمله بها، لانها اخذت في متعلق الإجارة.

و اخرى: لا تكون مأخوذة في متعلق الإجارة كما هو الغالب، فإنّ الإجارة تقع على الإتيان بحج و لا يذكر للأجير نوع الحج ما لم يكن قصده معتبرا شرعا في مقام الامتثال. فيأتي الأجير بالحج و يحتسبه المستأجر بقصده عما في ذمته.

فعلى الثاني، لا وجه لبطلان الإجارة الثانية، إذ متعلق الإجارة أصل الحج و هو مشروع في السنة الأخرى و الأجير لا يقصد الإتيان بالحج بالعنوان الذي اشتغلت به ذمة المستأجر في السنة الأولى كي يقال: أنه فات بفوات وقته، فلا معنى لقصده، بل

يأتي بالحج بأمره الندبي و هو مشروع، فتصح الإجارة الثانية.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 136، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 394، الطبعة الاولى.

(3)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 321، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 336

و اذا احصر تحلل بالهدي، و لا قضاء عليه (92). و من وجب عليه حجان مختلفان كحجة الاسلام و النذر، فمنعه عارض، جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد (93).

و على الأول، إما أن يكون الحج المتخصص بالخصوصية المفروضة مقيدا بالسنة الاولى بنحو وحدة المطلوب بحيث لا يشرع في غيرها. و إما أن يكون مقيدا بها بنحو تعدد المطلوب، فيشرع في غيرها و لكن تجب المبادرة إليه فيها نظير حج الاسلام.

فعلى الثاني، لا وجه لبطلان الإجارة الثانية لمشروعية متعلقها في السنة الثانية.

نعم، على الأول تبطل لعدم مشروعية متعلقها في غير العام الأول، فلا معنى لإيقاع الإجارة عليه في غيره.

فظهر أن الاجارة الثانية باطلة في خصوص هذه الصورة و بطلانها واضح لا ريب فيه، فلا وجه للحكم به بعنوان الاستقراب؛ بل لا بدّ من الجزم به و نفي غيره. فلاحظ.

______________________________

(92) أما التحلل، فلما سيأتي في أحكام المحصور إن شاء اللّه تعالى.

و أما عدم القضاء، فلانفساخ الإجارة لو كانت معيّنة في سنة الحصر، فلا وجه لثبوت القضاء في ذمته. و مع اطلاقها يجب اتيان الحج في سنة أخرى إلا أنه ليس بعنوان القضاء، كما لا يخفى.

(93) نفى فى «الجواهر «1»» وجدان الخلاف فيه بيننا. و وجهه واضح، لكونهما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج

17: ص 393، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 337

و يستحب أن يذكر النائب من ينوب عنه باسمه، فى المواطن كلها (94).

عملين مختلفين ثابتين في الذمة و ليسا مرتبين شرعا كصلاتي الظهر و العصر. و انما يجب تقديم حجة الاسلام مع المباشرة لأجل كونها فورية و عدم التمكن من أداء حجين في زمان واحد و هذا المانع في الاستنابة مفقود.

و قد نسب إلى الشيخ «1»- بالنظر إلى قضية كلامه- أنه مع تقدم احرام غير حجة الاسلام ينصرف إلى حجة الاسلام و لو قصد غيرها.

و هو لا وجه له بعد وقوعهما في عام واحد، إذ الانصراف إلى الفرض لو ثبت فهو فيما لو أخلّ بالواجب. و لا دليل على لزوم وقوع حجة الإسلام سابقة على النذر، بل الثابت لزوم وقوعها في هذا العام لا غير. مع انه لا عبرة بالسبق فى الإحرام بل لا بدّ أن يجعل المناط هو السبق في افعال الحج، إذ الاحرام من الشرائط. فتدبر.

ثم إنه لو التزم بالانصراف، فهل يستحق الاجرة المسماة أولا؟

وجه الاول: أنه جاء بمتعلق الإجارة و الانقلاب من الشارع.

و وجه الثاني: أنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه بعد فرض الانقلاب خصوصا مع التفاته إلى تأخّر احرام من استؤجر على اداء حجة الاسلام، و هذا هو المتجه، إذ ما استؤجر عليه لم يقع منه و لو لم يكن ذلك باختياره. فلاحظ.

______________________________

(94) جمعا بين ما دل «2» بظاهره على الوجوب و ما هو نص في عدم الوجوب

______________________________

(1)- بعد الفحص و التدقيق لم نعثر على الناسب بل ما يظهر من راي الشيخ خلاف ذلك فليراجع «الخلاف» (ج 1: ص 431/ م 254) و «المبسوط» (ج 1:

ص 325).

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب النيابة، ح 1 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 338

و عند كل فعل من أفعال الحج و العمرة؛ و أن يعيد ما يفضل معه من الاجرة بعد حجّه (95). و أن يعيد المخالف حجه إذا استبصر (96)، و إن كانت مجزية. و يكره أن تنوب المرأة اذا كانت صرورة (97).

و قد تقدم.

أما نيّة النيابة، فلا يعتبر إخطارها في كل فعل، بل تكفي النية التفصيلية في بدء العمل بحيث يكون كل جزء منبعثا عنها ارتكازا، كما حقق في محلّه بالنسبة إلى كل عمل مركب تعتبر فيه النية.

______________________________

(95) تقدم الكلام في ذلك، فراجع.

(96) الوجه في استحباب الاعادة رواية بريد العجلي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الامر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته و لو حج كان أحب إليّ «1»» و نحوها غيرها، فراجع.

(97) قد عرفت دلالة بعض النصوص على عدم مشروعيته في بعض الصور.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 338

و حملت على الكراهة لدعوى قصور سندها، فلا تكفي للتحريم.

و قد عرفت المناقشة في هذه الدعوى و لو سلّمت فيبتنى القول بالكراهة على ظهور اخبار «من بلغ» في اثبات الكراهة بما لا يعتبر من الاخبار.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 23: من ابواب وجوب الحج، ح 1 و 2

و 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 339

[مسائل ثمان]
[الأولى اذا أوصى أن يحج عنه و لم يعين الاجرة انصرف ذلك إلى اجرة المثل]

مسائل ثمان:

الأولى: اذا أوصى أن يحج عنه و لم يعين الاجرة، انصرف ذلك إلى اجرة المثل (98). و تخرج من الأصل إذا كانت واجبة (99)، و من الثلث إذا كانت ندبا (100).

______________________________

(98) لا يخفى أنه لو أمكنت الاستنابة بأقل من أجرة المثل لزم و لم يصح الاستنابة بأكثر منه، إذ لا وجه له بعد ان كان الزائد عليه يرجع إلى الورثة، مع أن الظاهر من الوصية إرادة النحو المتعارف في مقام الاداء، كالتوكيل. و من الواضح انه لا يجوز الاداء بالزائد مع التوكيل. و لذا فاطلاق الحكم بالانصراف إلى اجرة المثل لا يخلو عن مسامحة، إلا أن يقصد التحديد به من جهة نفي جواز دفع الزائد عليها لا من جهة نفي الزائد عليها و الناقص عنها.

ثم المراد من اجرة المثل ليس على حد المقصود منه في بعض الاعمال مما لها فى العرف أجر معين قد يزيد و ينقص بلحاظ بعض خصوصيات العامل و غيرها. إذ ليس للحج أجر معين محدود، بل يختلف الافراد فيه غالبا. إذن فالمقصود منه ما كان مقدارا يتعارف دفعه للأجير و إن كان ذا مراتب لاختلاف الأجزاء و لكن يكون بحيث يكون الزائد عليه و الناقص عنه خلاف ما هو المتعارف في اجور النوّاب للحج.

(99) تقدم بيان ذلك و أن الروايات فيه واردة، فراجع.

(100) تقدم أنه مفاد النصوص- أيضا- و هو في الجملة مما لا كلام فيه و إنما فيما إذا توقف تحقق الحجة على بذل الثلث بكامله و كان ذلك زائدا على اجرة المثل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 340

..........

و بعبارة اخرى: يقع البحث

في ما اذا كانت اجرة الحج اكثر من اجرة المثل فهل يلزم دفعها، أولا؟

و ذهب صاحب الجواهر «1» إلى لزوم دفعها و لو استغرقت الثلث بكامله، فإنه بعد إن ذكر وجهي التردد، قال: «اللهم إلا أن يقال: إن اجرة المثل مع فرض الانحصار هي مقدار الثلث، بل لعل ذلك كذلك و إن كان من جهة فورية امتثال أمر الوصية مع إمكانه. ثم قال: و منه ينقدح وجوب بذل المال كله في حج الإسلام- مثلا- لو فرض توقف أدائه عليه و لو من جهة فورية التأدية».

و لا وجه لما ذكره قدّس سرّه في كلا الموردين:

أما مورد الوصية بالحج الندبي، فلأن الظاهر هو الايصاء بالحج بالنحو المتعارف و هو ظاهر في تأديته بالاجرة المتعارفة، فمع زيادة الاجرة على المتعارف يكون الفرض خارجا عن متعلق الوصية، فلا معنى للاستدلال على بذله بلزوم اداء الوصية فورا.

و أما دعوى كون اجرة المثل مع فرض الانحصار هي مقدار الثلث، فهي واضحة المنع بعد أن عرفت أن المقصود باجرة المثل هي الاجرة المتعارفة بلحاظ أجور النوّاب و الظرف الخاص و نحو ذلك.

و أما مورد حج الاسلام، فلأن غاية ما يستدل به على الدعوى هو ظهور النصوص في كونه واجبا ماليا و بمنزلة الدين، فيلزم أداؤه فورا بأي نحو كان.

و لكن النصوص و إن كانت ظاهرة في ذلك لكن ظاهرها أن الاداء العادي و المتعارف للحج كذلك، فلا يستثنى من الأصل سوى المقدار المتعارف من اجرة الحج فإنه الخارج عن متعلق حق الورثة لا غير.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 397،- الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 341

و يستحقها الأجير بالعقد (101). فان خالف

ما شرط (102)، قيل: كان له اجرة المثل، و الوجه أنه لا أجرة.

[الثانية من اوصى ان يحجّ عنه و لم يعين المرّات اقتصر على المرّة]

الثانية: من اوصى ان يحجّ عنه و لم يعين المرّات، فان لم يعلم منه إرادة التكرار، اقتصر على المرّة. و ان علم إرادة التكرار، حجّ عنه حتّى يستوفي الثلث من تركته (103).

______________________________

(101) يعني يتملكها بالعقد لانها مقتضاه. و هذا لا اشكال فيه.

و إنما الكلام في جواز دفعها إليه قبل أداء العمل، فقد يدعى عدم جوازه و ان ملكها بالعقد، للاشتراط الضمني الارتكازي لعدم لزوم التسليم قبل تسلّم المعوّض، كما هو الحال في مطلق المعاوضات.

و هذه الدعوى صحيحة و مقتضاها انه لو سلم الوكيل الاجرة قبل اداء العمل كان ضامنا، لكن قد يدعى استثناء باب الاجارة على الحج، فان المتعارف دفع الاجرة للنائب قبل الحج، و هذا التعارف يصير قرينة على إلغاء الشرط الضمني المأخوذ في مطلق موارد المعاوضات. فالتفت.

(102) قد تقدم أنه ان كان الشرط مأخوذا بنحو التقييد و تشخيص متعلق الاجرة لم يستحق مع المخالفة الاجرة المسماة، لعدم ادائه متعلق الاجارة. و إن كان مأخوذا بنحو الاشتراط في ضمن العقد، فللمستأجر الخيار مع التخلف. أما حديث استحقاق اجرة المثل و عدمه فله مجال آخر.

(103) هذا الحكم على طبق القاعدة، و قد علّله في الجواهر «1» بان ظاهر

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 398، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 342

..........

الاطلاق إرادة صرف الوجود، و هو يتحقق بالمرة الواحدة، فيكتفى بها، إذ ما زاد على مقدار الوصية يرجع إلى الورثة فلا يجوز التصرف فيه. و منه يظهر عدم جواز اداء حجتين عنه دفعة واحدة، إذ لا ملزم له بعد امكان الاكتفاء بالواحدة،

فيكون حق الورثة في المال بلا مزاحم.

و التحقيق: إن هذا الوجه لا يخلو عن اشكال، إذ اللفظ لا يدل إلا على نفس الطبيعة، أما كون المراد صرف وجودها أو جميع وجوداتها فهو مقتضى قرينة أخرى، و استفادة إرادة صرف الوجود من متعلق الأمر إنما هو لأجل غلبة ذلك في مراداته بحيث يكون قرينة عامة على ذلك بخلاف مورد النهي، فإنه يستفاد إرادة جميع الوجودات.

و لا يمكن قياس مورد الوصية بمورد الأمر، إذ لم يثبت أن الغالب في باب الوصية إرادة صرف الوجود، بل قد يوصي بالواحد و بالاثنين و بالأكثر. فلا ضابطة للوصايا.

و عليه، فلا وجه لحمل كلامه على إرادة صرف الوجود.

نعم، حيث يشك في الوصية بالزائد على المرة ينفى بالأصل و تكون المرة قدرا متيقنا. و منه يظهر أنه لا وجه للاتيان بحجتين في سنة واحدة لعدم ثبوت الوصية بأكثر من الحجة الواحدة و مقتضى الأصل نفي الزائد عليها، فيكون المال للورثة. و هذا أوجه مما ذكره صاحب الجواهر لسلامته عن الإشكال. فتدبر.

و هكذا الحكم بلزوم التكرار مع العلم بإرادته فإنه حكم على طبق القاعدة عملا بمقتضى الوصية، و اللازم هو الإتيان بما علم إرادته من الافراد. هذا بالنظر إلى القاعدة الأولية في كلتا الصورتين.

و أما بالنظر إلى النصوص الخاصة، فقد ورد ما يوهم منافاته بظاهره

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 343

..........

للقاعدة. و هي روايات ثلاث:

الأولى: رواية محمد بن الحسن (الحسين)، أنه قال لأبي جعفر عليه السّلام: «جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك، فقال: هات، فقلت: سعد بن سعد أوصى حجوا عني مبهما و لم يسم شيئا و لا يدرى كيف ذلك فقال: يحج عنه ما دام له مال

«1»».

الثانية: رواية محمد بن الحسين بن أبي خالد، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل: أوصى أن يحج عنه مبهما، فقال: يحج عنه ما بقى من ثلثه شي ء «2»».

الثالثة: رواية محمد بن الحسن الأشعري، قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام:

جعلت فداك، إني سألت أصحابنا عمّا أريد أن اسألك فلم أجد عندهم جوابا و قد اضطررت إلى مسألتك و إن سعد بن سعد أوصى إلي فأوصى في وصيته حجوا عني مبهما و لم يفسر، فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابي في كتابك، فكتب:

يحج ما دام له مال يحمله «3»».

فإنه قد يدعى ظهور هذه الروايات في لزوم التكرار و لو لم يعلم ارادته لكون المفروض فيها إبهام الموصى به؛ إلا انه لا بدّ من حملها على غير هذا الظاهر لوجوه:

الأول: ان لزوم التكرار مع كون الموصي في الواقع قد أوصى بحجة واحدة و كان مراده الواقعي ذلك مستبعد جدّا. خصوصا بعد ملاحظۀ أن لزوم العمل بالوصية مرجعه في الحقيقة إلى إمضاء الوصية، و الجري على طبقها، لا أنه حكم تعبدى محض.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 4: من ابواب النيابة في الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الاستبصار، ج 4: ص 137/ باب 84: ح 513.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 344

..........

الثاني: إن ظاهر السؤال عن حكمه الشرعي بلحاظ الفهم العرفي لا حكمه و لو كان تعبدا محضا.

الثالث: إن مثل هذا الحكم ينافي ما يظهر من القرآن الكريم من استثناء خصوص الوصية من الميراث، فإنه تعبد باستثناء غير ما اوصى به في الواقع عند الشك في مقصوده. و مثل هذا الحكم لو كان مقصودا لتعين صدوره بنحو الرواية

عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و نسبته إليه لا صدوره بنحو التعبد و التشريع، فانه يبعد جدّا أن يتحقّق ذلك من الامام الجواد عليه السّلام لعدم كون عصره مما يتلاءم مع حمل فكرة ثبوت حق التشريع لهم حتّى من قبل كثير من الشيعة. فصدور الأحكام منهم إنما هو بعنوان بيان الحكم الصادر و الثابت، فمثل هذا الحكم يناسب نقله عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أو عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

و بالجملة، فبملاحظة هذه الوجوه يحصل الجزم أو الاطمئنان بعدم إرادة ما هو الظاهر من لزوم التكرار مع الشك في مقصود الموصي و لو كان يريد الحجة الواحدة في الواقع.

إذن، يتعين حملها على صورة ما إذا كان ظاهر الوصية و لو بلحاظ المتعارف إرادة التكرار. و سؤال الوصي لغفلته عن ذلك و عدم التفاته، أو لغير ذلك.

و يقرّب الحمل على هذا المعنى التعبير بالمبهم الظاهر في قابلية مضمون الوصية لمعنيين، فإنه يقرب كون متعلق الوصية ليس ذات الحج لعدم إبهامه، بل الحج المتعدد فيبهم المراد منه، إذ المتعدد له مصاديق متعددة.

و على هذا، فيكون تعيين التكرار بمقدار الثلث- مع أنه قد يقال بلزوم الأخذ بالقدر المتيقن و نفي الزائد عليه بالأصل- إنما هو لاستظهار إرادة ذلك من نفس الوصية بالثلث- فإن ظاهر الوصية إرادة إخراج ثلثه- و ذكر الحج و عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 345

[الثالثة اذا أوصى الميّت أن يحج عنه كل سنة بقدر معين فقصر جمع نصيب سنتين و استؤجر به لسنة]

الثالثة: اذا أوصى الميّت أن يحج عنه كل سنة بقدر معين فقصر، جمع نصيب سنتين و استؤجر به لسنة، و كذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة (104).

ذكر غيره فكانه أوصى بأن يحج عنه بثلثه. و بهذا البيان

تكون الرواية متكفلة للحكم المتفق مع القاعدة لورودها في صورة فهم إرادة التكرار من الوصية.

و منه يظهر أنه لا وجه لحمل الرواية على معان اخرى، كحملها على إرادة لزوم الحج إذا كان له مال فلا ظهور لها في التكرار. و التعبير بما دام له مال يطلق في مورد لا يراد فيه التكرار، بل يقصد به بيان عدم فوات العمل ما دام هناك مال يؤدى العمل به.

و هذا الحمل لا يتلاءم مع الرواية الثانية و لذلك حملها البعض على إرادة بيان لزوم أداء الحج ممّا يبقى من الثلث بعد أداء غيره ممّا يوصى به.

و هذا الحمل غير صحيح، إذ لا وجه لتقديم الوصايا الاخرى على الحج مع التزاحم فإن مقتضاه التخيير مع عدم الأهمية، و لم يفرض أهمية غير الحج من الوصايا.

و على أيّ حال، فالأمر سهل بعد ما عرفت حملها على ظاهرها بنحو لا يتنافي مع مقتضى القاعدة الأولية، فالتفت.

______________________________

(104) الحكم في هذه المسألة تارة: بلحاظ مقتضى القواعد الاولية، و أخرى:

بلحاظ الدليل الخاص.

أما الكلام بحسب القواعد الأولية، فتحقيقه: إن الاحتمالات الثبوتية في مراد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 346

..........

الموصي متعددة و هي:

الأول: أن يكون مقصوده الحج في كل سنة و تقييده بالمبلغ المعين كان من جهة تخيّله كفايته. و على هذا الاحتمال يلزم أن يضاف من الثلث على المبلغ المعين ما يؤدى به الحج لو كان لديه ما يزيد عليه.

الثاني: أن يكون مقصوده صرف هذا المبلغ المعيّن في الحج و تخيل أنه يكفي للحج في كل سنة. و على هذا الاحتمال يكون اللازم جمع مبلغ سنتين أو أكثر و يؤدى عنه الحج.

الثالث: أن يكون مقصوده الحج عنه في كل سنة

بهذا المبلغ لكنّه كان يتخيل أنه يكفي من الموضع الذي عيّنه. و على هذا الاحتمال يكون اللازم الحج عنه مما يمكن الحج به عنه.

الرابع: أن يكون مقصوده الحج عنه في كل سنة بهذا المبلغ و كان تعيينه كون الحج من البلد لأجل أفضليته، فتكون الوصية بنحو تعدد المطلوب. فمع عدم الامكان يحج عنه من الميقات.

الخامس: أن يكون مقصوده الحج عنه في كل سنة بهذا المبلغ من الموضع الخاص بحيث لو لم يف المبلغ بذلك لا يريد الحج.

هذا بحسب مقام الثبوت. أما مقام الإثبات، فليس لدينا ما يعيّن أحد الوجوه الخمسة، فلا وجه لما فرضه فى «الجواهر «1»» أمرا مفروغا عنه و هو الاحتمال الثاني، فانه لم يتعرض إلى التشكيك و تعدد المحتملات.

و لو خلينا نحن و ظاهر الوصية، فهو يرجح الخامس من الوجوه، و حينئذ فيقع الكلام في أن المبلغ هل يصرف في وجوه البرّ أو يعود ميراثا باعتبار عدم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 400، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 347

..........

نفوذ الوصية فيه، فلا يكون مستثنى مما يرثه الوارث و يدخل تحت عموم «ما ترك الميت فهو لوارثه «1»».

قد يدعى أنه يصرف في وجوه البرّ، بتقريب: أن الموصي حين أوصى به في الحج كان نظره إيصال الخير إليه من هذا الطريق، فهو أوصى به في الحج لأنه مصداق من مصاديق البرّ و الخير. فيكون للوصي مطلوبان أحدهما الصرف في البرّ و الثاني تطبيقه على الحج، فاذا تعذر تنفيذ الثاني بقي الأول على حاله لا بدّ أن ينفّذ.

و نظير ذلك ما يقال في الوقف الذي يتعذر صرفه على الموقوف عليهم من أنه لا يخرج

عن الوقفية، بل يصرف في الأقرب فالأقرب إلى الموقوف عليهم أو في مطلق البرّ بدعوى تعدد المطلوب في قصد الواقف.

و هذه الدعوى لو تمت في الوقف فهي تتم فيما نحن فيه لكونهما من واد واحد، و تحقيقه في محل آخر إن شاء اللّه تعالى.

و هذا الكلام يتأتى أيضا لو التزم باحد الاحتمالات الأربعة الأول و لكن كان المبلغ قاصرا عن أداء الحج به بوجه من الوجوه، فانه يقع الكلام في صرفه في وجوه البرّ أو عوده ميراثا. هذا كله بحسب القواعد الأولية.

و أما بحسب النص، فقد ورد ما يعين الاحتمال الثاني و هو رواية ابراهيم بن مهزيار، قال: «كتب إليه على بن محمد الحصيني: أن ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة و ليس يكفي، ما تأمرني في ذلك فكتب عليه السّلام يجعل حجتين في حجة فان اللّه تعالى عالم بذلك «2»». و نظيرها مكاتبة ابراهيم نفسه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 17/ باب 3: من ابواب ولاء ضمان الجريرة، ح 4 (مع اختلاف يسير).

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب النيابة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 348

[الرابعة لو كان عند انسان وديعة، و مات صاحبها و عليه حجة الاسلام]

الرابعة: لو كان عند انسان وديعة، و مات صاحبها و عليه حجة الاسلام، و عرف أن الورثة لا يؤدّون ذلك، جاز أن يقتطع قدر اجرة الحج فيستأجر به، لأنه خارج عن ملك الورثة (105).

و لكن الروايتين ضعيفتا «1» السند و إن ادعي صحتهما بطريق آخر، فلا اعتماد عليهما، كما أن دعوى أن عمل المشهور بها جابر لضعف سندها. مندفعة:

بانه لو سلم جابرية عمل المشهور فهو لم يثبت، إذ لم يثبت أن التزام المشهور من جهة الرواية،

بل يمكن أن يكون لاجل تخيلهم أنه مقتضى القاعدة، كما ذهب إليه فى «الجواهر «2»» مستظهرا ذلك من الوصية. فالمرجع هو القاعدة الأولية.

______________________________

(105) تحقيق الكلام في هذه المسألة على طبق القواعد الأولية: إن الميت إذا مات كان حق التصرف في أمواله لاداء ما عليه من الديون بيد الورثة، سواء قلنا بانتقال المال إليهم بمجرد الموت و تعلق حق للغرماء فيه من قبيل الشركة في المالية أو غيره من أنحاء تعلق الحق. أو قلنا: بعدم انتقاله إليهم إلا بعد تنفيذ ما عليه و أدائه. فانه لا يستشكل أحد في أن حق التصرف بيدهم و ليس لاحد غيرهم حق فيه بدون إذنهم، فان السيرة العملية على ذلك بلا ريب. و عليه فليس للودعي التصرف بالمال باداء الحج منه من دون مراجعتهم.

نعم، لو فرض امتناعهم من أداء الحج عن الميت و عدم مبالاتهم بابراء ذمته، كان له التصرف بالمال في أداء الحج باذن الحاكم الشرعي، لما هو المتسالم

______________________________

(1)- لعله لاجل ابراهيم، و هو من رجال كامل الزيارات.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 401، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 349

..........

عليه من أن الحاكم ولي الممتنع، فله الحق حينئذ في التصرف بالمال أو الاذن فيه لامتناعهم فهو وليهم.

و مع فقد الحاكم أو تعذر الوصول إليه و الاستئذان منه ليس له التصرف، إذ لم يثبت كون أداء الحج من الامور الحسبية التي يعلم من الشارع إرادة تحققها على كل حال، فيقوم بها مع فقد الحاكم غيره. بل نحن صححنا تصرف الحاكم فيما نحن فيه بما دل على أن الحاكم ولي الممتنع، و لا وجه للتعدي منه الى غيره لعدم الدليل.

ثم

إن الرجوع الى الحاكم و التصرف في المال باذنه إنما يجوز في فرض إحراز امتناع الورثة، فإنه لا يجوز دفع المال إليهم، لأنه تفويت لحق الغير، أما مع عدم إحرازه فلا ولاية للحاكم لعدم ثبوت امتناعهم بعد، إذ لا موضوع له قبل دفع المال إليهم، كما أنه لا يحرز كون دفع المال تفويتا كي يجب حفظه من باب وجوب حفظ المقدمة المفوتة.

و هكذا الحال لو أحرز عدم أدائهم الحق لا لامتناع منهم، بل لانكارهم وجوب الحج عليه، أو لكون الوارث لا يعلم بالحال و غافلا عنه، كما لو كان طفلا. إذ لا يصدق الممتنع على الوارث في هذه الحال، فلا ولاية للحاكم عليه.

و بالجملة، في المورد الذي يتنجز عليه التكليف بحسب الموازين الخارجية و لا يؤدي الحق يكون ممتنعا. أما لو لم يكن التكليف منجزا عليه في نظر الناس و لو كان منجزا عليه واقعا كأن يعلم بثبوت الحج في ذمة الميت لكنه ينكر ذلك و لا بيّنة تثبته، لا يصدق عليه الممتنع، فلا ولاية للحاكم الشرعي عليه.

هذا حكم المسألة و منه يظهر أن الحكم يسري في غير الحج من الديون، كما يسري في غير الوديعة من الأموال الموجودة لدى الحي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 350

..........

و أما بحسب النص، فقد استدل على الدعوى برواية بريد العجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل استودعني مالا و هلك و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الاسلام. قال: حجّ عنه و ما فضل فأعطهم «1»».

و هذه الرواية بظاهرها أجنبية عن محل الكلام، إذ هي ظاهرة في السؤال عن ترجيح الورثة الذي لا يملكون شيئا على الحج و دفع

المال إليهم، و هذا لا يرتبط بما نحن فيه.

نعم، ورد في «الجواهر «2»» روايتها بنحو آخر، فقد جاء بدل «ليس لولده شي ء»، «و ليس لولده علم بشي ء»، فتكون مرتبطة بما نحن فيه. و حينئذ فالمراد:

إن كان أنه ليس لولده علم بالوديعة- كما هو الظاهر- كان الحكم باداء الحج مطلقا غير مقيد بامتناع الوارث و عدمه، و كون الامتناع ناشئا عن إنكار وجوب الحج، أو عن عدم مبالاتهم به، مع اعترافهم بوجوبه، و مثل هذا الحكم على إطلاقه مما لم يلتزم به أحد.

و إن كان المراد أنهم لا يعلمون بثبوت الحج في ذمته بضميمة أن نحو إثباته مشكل، فيلزم من إعطاء المال إليهم تضييع الحق، كان الحكم بادائه ليس بتلك السعة بل هو مقيد بهذه الصورة.

لكنه فرض في فرض، فان ثبوت هذه الرواية بهذا النحو مشكل بعد روايتها فى «الوسائل» و غيرها من كتب الحديث و الفقه بالنحو الأول، و لو ثبت فإرادة هذا المعنى المخالف للظاهر لا دليل عليه، و المعنى الأول لا يلتزم به أحد بإطلاقه. فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 402، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 351

[الخامسة إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه، ثم نقل النيّة إلى نفسه لم يصحّ]

الخامسة: إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه، ثم نقل النيّة إلى نفسه لم يصحّ. فاذا اكمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه، و يستحق الاجرة. و يظهر لي أنها لا تجزي عن أحدهما (106).

______________________________

(106) الكلام يقع تارة: في نقل نيّة الإحرام فى الأثناء. و اخرى: في نقل نية أعمال الحج بعد الاحرام.

أما نقل نية الإحرام في الاثناء، فهي توجب عدم صحة الاحرام عن المنوب عنه،

كما لا يصح عن النائب نفسه.

و تحقيق ذلك: أن حقيقة العمل النيابي- كما مرّ- إما إتيان العمل بتنزيل نفسه منزلة المنوب عنه، و إما إتيان ما هو وظيفة الغير، و إما إتيان العمل و إهداء ثوابه إلى الغير. و هو على الأولين مغاير للعمل غير النيابي، و على الثالث و إن لم يكن مغايرا لعدم اشتماله على خصوصية زائدة، لكن من قيام الدليل على قصد النيابة بالعمل و عدم كفايته عن النائب يعلم بانه يكون متعلقا لأمر غير الأمر الذي يتوجه للنائب باتيان العمل عن نفسه.

و عليه، فان أحرم بنية غيره و عدل في الاثناء بنيته لم يقع الاحرام عنه، لأن ما تقدم منه إما عمل آخر غير إحرامه و إما قصد به امتثال أمر آخر غير الأمر المتوجه إليه.

كما أنه لا يقع عن المنوب عنه لاعتبار استمرار القصد، فمع انتفائه ينتفى، و يكشف ذلك عن عدم انعقاد الإحرام من الأول عن المنوب عنه لأنه مراعى بالتمام، و ثبوت بعض أحكام الاحرام لا ينافي إحلاله واقعا.

و قد قيل في تصحيح وقوعه عن المنوب عنه وجهان:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 352

..........

الأول: أن نقل النية إذا كان فاسدا لا يؤثر شيئا و المفروض فساد النقل فى الأثناء.

و فيه: أنه يعتبر استمرار القصد، فمع التبدل كما لا يقع عن النائب لا يقع عن المنوب عنه.

الثاني: ما فى «الجواهر «1»» من أن المستأجر يملك ما يقع من المستأجر من العمل، فوقوعه عن المنوب عنه قهري، فهو كالأجير الخاص الذي يملك المستأجر ما يقع منه من عمل.

و فيه: أن الاجارة المستلزمة لملكية المستأجر عمل الأجير و لو مع عدم نيته له غير ثابته إلا في

موردين:

أحدهما: ما لو كانت الاجارة على العمل بلحاظ أثر خاص في العين المملوكة للمستأجر، فانه يقع للمستأجر و لو قصد الاجير الاتيان به لغيره، كخياطة ثوبه و صياغة خاتمه.

و الآخر: ما لو كان غرضه تحقق العمل بأي وجه اتفق، كما لو نذر كنس المسجد أعم من المباشرة و التسبيب. فلو آجر شخصا لكنسه، فقصد الأجير الكنس نيابة عن غير المستأجر فانه تبرأ ذمته و يتحقق الامتثال، إذ لم يعتبر في الكنس شيئا زائدا عليه، فلم يؤثر القصد في شي ء.

و ما نحن فيه ليس كذلك، إذ لم يثبت أن الاجارة في باب الحج من قبيل أحد هذين الموردين، مع أن المطلوب فيه هو إتيان العمل بقصد النيابة عن الغير. فمع تبديل النية لا يكون المأتي به هو المستأجر عليه، بل هو عمل آخر لاختلاف القصد المفروض تأثيره، فهو نظير ما لو عمل النائب عملا غير الحج.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 404، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 353

[السادسة اذا أوصى أن يحجّ عنه و عين المبلغ، فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقلّ صحّ]

السادسة: اذا أوصى أن يحجّ عنه و عين المبلغ، فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقلّ صحّ، واجبا كان أو مندوبا. و إن كان أزيد و كان واجبا و لم يجز الورثة، كانت اجرة المثل من أصل المال، و الزائد من الثلث. و إن كان ندبا حجّ عنه من بلده، إن احتمل الثلث. و إن قصر حجّ عنه من بعض الطريق. و إن قصر عن الحج حتّى لا يرغب فيه أجير، صرف في وجوه البرّ، و قيل: يعود ميراثا (107).

و أما صحة وقوع الحج عن نفسه لو فرض صحة الإحرام عن المنوب عنه بدعوى عدم اعتبار استمرار القصد

فى الاحرام.

فقد تقرب: بأن الاحرام مأخوذ شرطا للحج لا جزء و المفروض تحققه. فهو نظير ما لو توضأ عن نفسه و صلى عن الغير لحصول الطهارة و هي مستمرة.

و لكنه يدفع: بانه يعتبر في الحج النيابي مقيد بالاحرام المقصود به النيابة عن الغير، كما أن الحج الشخصي مقيد بالاحرام المأتي به بداعي امتثال أمر نفسه فالشرط هو حصة معينة. و المفروض أن الاحرام وقع عن الغير، فلا يصح الحج عن نفسه للاخلال بشرطه، فشرطية الاحرام تختلف عن شرطية الطهارة من هذه الجهة.

و أما صحة وقوع الحج عن غيره مع قصده امتثال أمر نفسه، فلا وجه لها بعد لزوم قصد النيابة في صحة العمل عن المنوب عنه. فلاحظ.

______________________________

(107) تحقيق الكلام في المسألة بايقاع البحث في جهات:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 354

..........

الجهة الأولى:

أنه لو عيّن الأجير، فهل يلزم الأجير القبول، أو لا؟

قد يقال بلزوم قبوله بدعوى: أنه وصي إذ الخطاب متوجه إليه حقيقة و لا يجوز للوصي الرد. و فيه:

أولا: انكار أنه وصي، فان الظاهر توجه الخطاب إلى الوصي باستئجار زيد- مثلا.

و ثانيا: لو سلم كونه وصيا، فلا يجب عليه القبول، إذ لا دليل على لزوم قبول الوصي مطلقا، بل الدليل على خلافه، إذ لا اشكال في عدم لزوم قبول وصيته بالحج عنه تبرّعا و نحو ذلك. بل المقدار المتيقن من موارد لزوم قبول الوصية هو الوصية بما يرتبط بالتصرف فيما للموصي السلطنة عليه من ماله و نفسه. أما ما لا يرتبط بذلك كما فيما نحن فيه فلا يلزمه القبول. نعم، لو قبل الأجير المعيّن لم يكن له الرّد بعد ذلك- كما هو ثابت مقرر في باب الوصية-.

الجهة الثانية:

أن الاجرة المعيّنة تخرج

من أصل المال إن كان الحج واجبا أو خصوص حجة الاسلام- على الخلاف السابق في أن خروج اجرة الحج من أصل المال يختص بحج الاسلام أو يعمّ كل حج واجب-.

نعم، إذا زادت عن اجرة المثل كان الزائد من الثلث. و إن كان ندبا خرجت من الثلث إن لم يجز الورثة. و إن قصر المبلغ و كان الحج واجبا وجب تكميله من الأصل بمقدار لا يزيد على اجرة المثل كما مرّ سابقا. و لو قصر بحيث لا يمكن أداء الحج منه و لا من غيره فقد مرّت الاحتمالات فيه في المسألة الثالثة.

الجهة الثالثة: لو قصر المبلغ عن أداء الحج بأي وجه من الوجوه، فهل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 355

[السابعة إذا أوصى في حجّ واجب غيره قدّم الواجب]

السابعة: إذا أوصى في حجّ واجب غيره، قدّم الواجب. فإن كان الكل واجبا و قصرت التركة، قسمت على الجميع بالحصص (108).

[الثامنة من عليه حجة الاسلام و نذر اخرى، ثم مات بعد الاستقرار، اخرجت حجة الاسلام من الأصل، و المنذورة من الثلث]

الثامنة: من عليه حجة الاسلام و نذر اخرى، ثم مات بعد الاستقرار، اخرجت حجة الاسلام من الأصل، و المنذورة من الثلث.

و لو ضاق المال إلّا عن حجة الاسلام، اقتصر عليها و يستحب ان يحجّ عنه النذر، و منهم من سوّى بين المنذورة و حجة الاسلام فى الإخراج من الأصل، و القسمة مع قصور التركة، و هو أشبه. و في الرواية: ان نذر أن يحجّ رجلا، و مات و عليه حجة الاسلام، اخرجت حجة الاسلام من الأصل، و ما نذره من الثلث، و الوجه يصرف في وجوه البرّ أو يعود ميراثا؟ و قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة فلا نعيد.

هذه هي جهات المسألة التي ينبغي البحث عنها، فلا وجه لتكثير الأقسام كما ورد فى «المدارك «1»» و نقله فى «الجواهر «2»» عنه.

______________________________

(108) تقدّم الكلام في ذلك في تزاحم الحج مع الغرماء و عرفت أنه لا وجه للتقسيط فراجع.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 148، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 17: ص 406، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 356

التسوية لأنهما دين (109).

المقدّمة الثالثة: في أقسام الحج
اشارة

و هي ثلاثة (110): تمتع، و قران، و افراد.

______________________________

(109) أما خروج حجة الاسلام من الأصل، فلما تقدم من ورود النصوص فيه. و أما إخراج المنذورة من الثلث، فلما تقدم من ورود الروايات بذلك الواردة في نذر الإحجاج بناء على إلغاء الخصوصية و تعميمها لنذر الحج و إلا فلا دليل على لزوم قضاء المنذورة، فلا موضوع للبحث.

و لو لم يكف المبلغ إلا الحجة الاسلام قدّمت على حجة النذر لامكان دعوى قصور دليل لزوم قضاء المنذور عن شمول

مثل هذه الصورة، لعدم إطلاقه من هذه الجهة، فلا يتجه القول بالتقسيط، كما لا وجه للتخيير بدعوى تحقق التزاحم بينهما، لعدم وصول النوبة إليه بعد ما عرفت.

نعم، إذا أمكن الإتيان بهما من الميقات، فقد يدعى تعين ذلك بلا توقف. و هو مبني على فهم لزوم قضاء المنذور في مثل هذه الصورة و هو مشكل. و قد تقدم منّا إنكار دلالة الروايات على لزوم قضاء المنذور.

و الأصل ينفيه تبعا لصاحب المدارك «1». فلاحظ و تدبّر و اللّه وليّ التّوفيق.

(110) كما تدل عليه النصوص المتعددة، فمنها: رواية معاوية بن عمار «2»:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 154، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 1: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 357

[التمتع]

أما التمتع:

فصورته: أن يحرم من الميقات بالعمرة التمتع بها، ثم يدخل بها مكة، فيطوف سبعا بالبيت، و يصلي ركعتيه بالمقام. ثم يسعى بين الصفا و المروة سبعا، و يقصّر.

ثم ينشئ احراما آخر للحج من مكة يوم التروية على الأفضل، و إلا بقدر ما يعلم أنه يدرك الوقوف؛ ثم يأتي عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثم يفيض إلى المشعر فيقف به بعد طلوع الفجر، ثم يفيض إلى منى، فيحلق بها يوم النحر، و بذبح هديه، و يرمي جمرة العقبة.

ثم إن شاء أتى مكة ليومه أو لغده، فطاف طواف الحج و صلى ركعتيه، و سعى سعيه، و طاف طواف النساء، و صلى ركعتيه، ثم عاد إلى منى لرمي ما تخلّف عليه من الجمار.

و إن شاء أقام بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر، و مثله يوم الثاني عشر، ثم ينفر

بعد الزوال. و إن أقام إلى النفر الثاني، جاز أيضا. و عاد إلى مكة للطوافين و السعي.

و هذا القسم فرض من كان بين منزله و بين مكة اثنا عشر ميلا فما «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الحج ثلاثة أصناف حج مفرد و قران و تمتع بالعمرة الى الحج و بها أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الفضل فيها و لا نأمر الناس إلا بها».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 358

زاد من كل جانب، و قيل: ثمانية و أربعون ميلا (111)،

______________________________

(111) البحث في حج التمتع في جهتين:

الأولى: هل أنه فرض تعييني على البعيد عن مكة بالمسافة المعيّنة، أو انه فرض تخييري، فيجوز للبعيد الإتيان بغيره.

الثانية: في تحديد مقدار البعد عن مكة المعتبر في مشروعية حج التمتع.

أما الجهة الأولى:

فقد ادعي الإجماع على أنه فرض تعييني على النّائي عن مكة لا يجوز له العدول منه إلى غيره إلا لضرورة.

فقد حكى فى «المدارك «1»» عن «التذكرة «2»» هذا المضمون، كما حكى: عن «المنتهى «3»»: «انه مذهب فقهاء أهل البيت». و استدل علماؤنا قدّس سرّهم بالآية و الروايات الكثيرة مستظهرين منها ذلك بنحو لا يقبل التشكيك.

لكن التحقيق عدم دلالة الآية و الروايات على المدعى و بعض الروايات لا يخلو عن غموض.

أما الآية، فهي قوله تعالى: فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 158، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 169، ط مؤسسة آل البيت عليهم

السّلام.

(3)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 659، طبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 359

..........

كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ ... «1».

و لا يخفى أن صدرها غير ظاهر في الالزام بحج التمتع، بل ذكر بنحو الموضوع لوجوب الهدي. هذا مع أنه قد يدعى بعدم ظهوره في عمرة التمتع، بل هو ظاهر في الانتفاع بالعمرة- يعني بثوابها إلى وقت الحج-.

فالمراد به: من جاء بالعمرة و استمر إلى وقت الحج متمتعا بثوابها. فلا ترتبط بما نحن فيه اصلا. و قد فسرت بذلك حملا للفظ التمتع على معناه اللغوي لا الاصطلاحي.

و أما ذيلها أعني قوله تعالى: ذٰلِكَ لِمَنْ ... فهو بحسب ظهوره الأولي إشارة إلى الحكم بلزوم الصوم أو التفريق المذكور و أنه يختص بمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام، و لو سلم أنه يرجع إلى قوله فَمَنْ تَمَتَّعَ ... بدعوى أن «ذٰلِكَ» إشارة إلى البعيد فيناسب لرجوعه إلى الصدر، فلا ظهور له في تعين التمتع على النائي، بل هو ظاهر في اختصاص مشروعية التمتع بالنائي و عدم مشروعيته لغيره. مع أن الالتزام به ينافي ما ورد في بعض النصوص «2» من جواز التمتع للمكي لو خرج الى ما قبل الميقات.

هذا بالنظر الى نفس الآية مع قطع النظر عن النصوص.

و أما النصوص، فهي و إن كانت ظاهرة بدوا في الالزام بحج التمتع، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة لأن اللّه تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فليس لأحد إلا أن يتمتع لأن اللّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به

السنة من

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 196.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 7: من أبواب اقسام الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 360

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «1»».

و روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحج فقال: «تمتع ثم قال:

إنا إذا وقفنا بين يدي اللّه تعالى قلنا: يا ربّنا، أخذنا بكتابك و قال النّاس رأينا رأينا و يفعل اللّه بنا و بهم ما أراد «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من حج فليتمتع إنا لا نعدل بكتاب اللّه و سنة نبيّه «3»».

و غير ذلك من النصوص، فان ظاهر قوله عليه السّلام: «دخلت العمرة في الحج» و «ليس لأحد إلا أن يتمتع» و «تمتع» و «فليتمتع» هو لزوم التمتع و تعينه.

لكن الشي ء الملحوظ في هذه النصوص و غيرها أنها واردة في مقام بيان ما يستفاد من الآية و تعليل الحكم بها، و قد عرفت أن المستفاد من الآية لا يزيد على أصل مشروعية حج التمتع لا لزومه.

و لا يمكننا أن ندعي أن التعليل يرجع إلى التعبد بالمراد بالآية و كشفهم (عليهم السلام) عن المراد الواقعي و ان لم يكن ظاهرا من الكلام. و ذلك لان ظاهر تعليلهم بالآية و بيان ثبوت الحكم في القرآن، بل صريح ذلك هو الاحتجاج على العامة و إلقاء الحجة عليهم في إنكارهم حجّ التمتع تبعا لتحريم عمرة، و بيان أنهم تركوا القرآن و السنة و عملوا برأيهم. و من الواضح أنه إنما يصحّ الاحتجاج عليهم بما هو ظاهر من القرآن- إذ لا يعترف العامة بثبوت حق التشريع و التعبد للأئمة الأطهار عليهم السّلام مع أنه لا

معنى للاحتجاج مع ذلك-. و قد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من أبواب اقسام الحج، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 14.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 361

..........

عرفت أن الآية لا ظهور لها في أكثر من مشروعية حج التمتع لا الالزام به.

إذن، فهذه الروايات و غيرها بقرينة ورودها مورد الاحتجاج لا تكون ظاهرة في أكثر من مشروعية التمتع دون الالزام به، فالمراد من «دخلت العمرة في الحج» أنها شرعت فيه لا أنها لازمة فيه.

و أما الأمر به، فهو لا يدل على الالزام بعد وروده مورد توهم الحظر و عدم المشروعية. مع أن رواية معاوية بن عمار لا ظهور لها فى الوجوب بعد عموم الموضوع للحج الواجب و المندوب.

و أما التأكيد عليه، فيمكن أن يكون لأجل التأكيد على مشروعيته أو لأجل أفضليته، كما ورد في رواية معاوية، عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «التمتع أفضل الحج و به نزل القرآن و جرت السنة».

و قد يستدل على الوجوب برواية معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الواردة في بيان كيفية حج النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد الهجرة بعشر سنين و هي رواية مفصلة نذكر منها محل الحاجة: «... ثم خرج (يعني النبي صلّى اللّه عليه و آله) حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر و عزم (أحرم) بالحج مفردا و خرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصفّ الناس له سماطين فلبّى بالحج مفردا و ساق الهدي ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه ثم أتى جبرئيل و هو على المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلا سائق هدي

... فلمّا وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالمروة بعد فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «إن هذا جبرئيل (و أومأ بيده إلى خلفه) يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحلّ ...»، فقال له سراقة بن مالك بن خثعم الكناني: «يا رسول اللّه، علّمنا ديننا كأنما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب اقسام الحج، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 362

..........

خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟» فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «بل هو للأبد إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه بعضها إلى بعض» و قال:

«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ... الحديث».

و قد وردت في حكاية هذه الواقعة روايات متعددة:

و في بعضها أن النّاس أحرموا بالحج لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة، إلا أن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله أمرهم ان يحلّوا و يجعلوها عمرة.

و في بعضها أن جبرئيل نزل عليه بهذه الآية: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ «1»، فقال صلّى اللّه عليه و آله: دخلت العمرة في الحج هكذا إلى يوم القيامة و شبك أصابعه.

و في بعض آخر أنه نزل قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

و على كل، فالذي يستظهر من هذه النصوص وجوب التمتع، لظهور لفظ:

«الأمر» في الوجوب، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».

و لكن هذه الواقعة المروية لا تخلو عن غموض، فان الحج المأتي به ...

إن كان حج قران بالمعنى المعروف لدى العامة اليوم

و هو الاتيان بالحج و العمرة بنية واحدة مع عدم الاحلال بينهما، لم يكن معنى لترتيب دخول العمرة في الحج على الأمر بالاحلال، إذ العمرة ثابتة و قد أتى بها، و الاحلال لا يلازم وجوبها.

و إن كان المأتي به حج إفراد، فتقديم السعي على الحج قد لا يلتزم به و الطواف محل كلام، و الظاهر أن المسلمين جاءوا بالكل بعنوان الفريضة لا الاستحباب.

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 196.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 363

..........

لكن يمكن أن يدعى أن الحج كان إفرادا، و تقديم السعي لا مانع منه، فبعد الفراغ أمرهم النبي صلّى اللّه عليه و آله بالاحلال و جعلها عمرة، فكان ذلك منشئا للسؤال عن أن هذه العمرة المترتبة على الاحلال هل هي وظيفة هذا العام أو إلى الأبد، فأجاب صلّى اللّه عليه و آله بانها إلى الأبد و قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة.

لكن لا ظهور له في الوجوب لوجهين:

أحدهما: جواز العدول من الافراد إلى التمتع اختيارا، فلعل العدول كان لجوازه لا للزومه. نعم، لو لم يكن العدول جائزا إلا في حال الضرورة دلّ العدول فيما نحن فيه على لزومه و إلا لم يكن جائزا.

الثاني: أنه من المقطوع به أنه كان في المسلمين الذين حجوا مع الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في هذه الواقعة من أتى بحجة الاسلام. و من الواضح أن التمتع لو سلم وجوبه، فهو لخصوص من لم يحج حجة الاسلام، أما الحج الندبي فيجوز فيه جميع الاقسام. و عليه فأمره بالعدول لا يمكن أن يكون إلزاميا لشموله من لا يكون الحكم في حقه واجبا قطعا.

و بالجملة، لا ظهور في هذه الرواية في الوجوب.

و يتحصل لدينا:

أنه لا نستطيع فهم الوجوب التعييني من الآية الكريمة و الروايات، بل المقدار المتيقن و الظاهر منها هو مشروعية حج التمتع لا غير.

الجهة الثانية:

في حد البعد المعتبر في مشروعية أو وجوب حج التمتع. و فيه قولان:

الأول: أنه اثنا عشر ميلا من كل جانب من مكة.

الثانية: أنه ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب منها.

و يتمسك للأول بوجوه:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 364

..........

الأول: أن الحكم في الآية الكريمة معلّق على غير الحاضر و هو المسافر، إذ يقابل الحاضر المسافر و حدّ السفر أربعة فراسخ و هي اثنا عشر ميلا.

الثاني: الاصل، فان الدليل دل بإطلاقه على لزوم حج التمتع و القدر المتيقن خروجه من الدليل ما بعد بمقدار اثني عشر ميلا، فيبقى الباقي تحت إطلاق الدليل.

الثالث: وجود ما دل على أن حد البعد ثمانية عشر ميلا، فهو ينفي ما دل على أن حده ثمانية و أربعون لدلالته على المشروعية ما بين الثمانية عشر و الثمانية و الأربعين ميلا.

فيثبت القول بالاثني عشر ميلا للاجماع المركب و يحمل الثمانية عشر على التقريب و الثمانية و الاربعون على التلفيق من الجهات الاربع.

و أما القول الثاني، فيتمسك له بالروايات الدالة عليه، ك:

رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام قول اللّه عز و جل في كتابه: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة «1»».

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «سألته

عن قول اللّه: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ قال: ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة، قال: قلت: فما حدّ ذلك؟ قال: ثمانية و أربعين ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من أبواب أقسام الحجّ، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 365

..........

فان هاتين الروايتين ظاهرتان بل صريحتان في كون الحد ثمانية و أربعين ميلا، فما زاد من كل جانب كذات عرق و عسفان. و المراد بدون عسفان في الرواية الثانية بحسب الظاهر أن الثمانية و أربعين ميلا دون هذا المكان و دون ذات عرق. و عليه، فيكون المقصود بقوله في الاولى «ذات عرق و عسفان» بيان المنفي لا النفي جمعا بينهما بل هو الظاهر.

و على كل، فدلالة الروايتين على هذا القول لا تشوبها شائبة و ليس في النصوص لتحديد البعد بالاثني عشر ميلا عين و لا أثر. فمن العجيب صدور الفتوى به من بعض اكابر الاصحاب كصاحب الشرائع «1».

فان هاتين الروايتين تقيدان الاطلاق لو كان، كما أنهما تبينان المراد بالحاضر، فلا وجه لمقابلته بالمسافر و الرجوع إلى تحديد المسافر بالأربعة فراسخ، مع أن المسافر عرفا يصدق على أقل من هذه المسافة، و التحديد بالاربعة فراسخ وارد في خصوص وجوب القصر، فلا وجه للتعدي منه إلى غيره.

و أما ما دل على التحديد بالثمانية عشر ميلا، فهو رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ قال: «من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها و

ثمانية عشر ميلا من خلفها و ثمانية عشر ميلا عن يمينها و ثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرّ و أشباهه «2»».

و هي إنّما تعارض ما دل على التحديد بثمانية و أربعين ميلا بحسب مفهومها و

______________________________

(1)- المحقق، جعفر بن الحسن: شرايع الاسلام، ج 1: ص 267، ط مؤسسة المعارف اسلامية.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من أبواب أقسام الحج، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 366

فإن عدل هؤلاء إلى القران أو الإفراد في حجة الاسلام اختيارا لم يجز، و يجوز مع الاضطرار (112).

إلا فمنطوقها ينفي المتعة عمن بعد بثمانية عشر ميلا، فلا تعارض غيرها.

و الجمع بينهما بتقييد مفهوم هذه الرواية بروايتي زرارة لعمومه و خصوصها. أو نقول إنه لا مفهوم لها و لو بملاحظة روايتي زرارة و أنها مسوقة لبيان أحد أفراد من لا متعة له و ليست مسوقة لتحديد من يشرع في حقه المتعة.

و هناك من النصوص ما دل على التحديد بما دون المواقيت، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في حاضري المسجد الحرام قال: ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة «1»».

و هي بظاهرها تعارض روايتي زرارة، إذ من المواقيت ما يبعد باكثر من الثمانية و أربعين ميلا، كمسجد الشجرة و الجحفة.

و الجمع بينها و بين روايتي زرارة إما بتقييد المواقيت بخصوص من بعد منها عن مكة بمقدار ثمانية و أربعين ميلا و هو كما يقال: ذات عرق و قرن المنازل.

فتأمل.

أو بتقييد المسافة بخصوص ثمانية و أربعين ميلا، لان دلالتهما على نفي المتعة عما زاد عن الحد المزبور إلى الميقات بالإطلاق، فيقيد بظهور رواية

زرارة صريحا في تحديد المقدار للبعد بالحد المزبور. فلاحظ.

و بالجملة، المتعين بحسب المستفاد من النصوص هو القول الثاني.

______________________________

(112) تضمنت هذه العبارة حكمين:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من أبواب أقسام الحج، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 367

..........

أحدهما: عدم جواز العدول اختيارا إلى القران أو الافراد لمن وظيفته حج التمتع.

و الآخر: جوازه مع الاضطرار.

أما الحكم الأول: فقد ادعى فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه عليه، و علّله بأنهم مأمورون بغيرهما في حال الاختيار، و نحو هذا التعليل موجود في كلام غيره.

و لكن الذي يظهر لنا أنه بعيد عن محط النظر في الحكم، إذ ليس المنظور هو إجزاء العمل المأتي به بعد العدول في النية عن المأمور به، فانه ممّا لا إشكال في عدمه. و إنما المنظور هو صحة العمل بعد العدول و كونه عملا صحيحا و إن كان مما لا يتحقق به الامتثال عن الأمر الواقعي.

و تحقيق الكلام فيه: أنه إن قلنا بان حج التمتع يختلف في واقعه عن غيره و لا طريق إلى امتثاله إلا بقصده بعنوانه، نظير الاختلاف في صلاة الظهر و العصر، فلا إشكال في عدم صحة العمل المعدول إليه، لانه قد جاء ببعضه بقصد التمتع، فلا يمكن أن يقع امتثالا عن الامر بالافراد أو القران لانه عمل آخر غيرهما، فيكون الحج المعدول إليه ناقصا فيبطل.

و إن لم نقل بذلك، لعدم الدليل عليه، كما دلّ على ذلك في صلاتي الظهر و العصر، و أنه عمل واحد:

فإن قلنا بأنه يكفي في تحقق الامتثال الإتيان بالعمل بنحو عبادي و لو باضافته إلى المولى من طريق غير الطريق المضاف به إلى المولى واقعا، صحّ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر

الكلام، ج 18: ص 10، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 368

و شروطه أربعة: النيّة (113)، و وقوعه في اشهر الحج، و هي شوال و العمل، لأنه «1» و إن جاء ببعض العمل بقصد الأمر بالتمتع لا الامر بغيره لكنه يصح أن يكون امتثالا للأمر بغيره لاتيانه بعنوان حسن.

و إن لم نقل بذلك و اعتبرنا في تحقق الامتثال إضافته إلى المولى من الطريق المضاف إليه واقعا بطل العمل، إلا أن يكون قد قصد به الجامع بين الامرين، كالمصلحة أو المحبوبية من دون أن يقصد خصوص الأمر بالتمتع، فان العمل يصح لإضافته إلى المولى من طريق مضاف إليه واقعا و هو المحبوبية. فتدبر جيّدا.

و أما الحكم الثاني: فهو مما لا اشكال فيه بحسب النص و الفتوى، لكن وقع الكلام في تحديد الاضطرار من جهة الوقت و تشعّبت فيه الاقوال و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى، فانتظر.

______________________________

(113) اختلفت عبارات الاصحاب في بيان المقصود بالنية، فمنهم من فسرها بنية الاحرام، و منهم من فسرها بنية مجموع أفعال الحج.

و لكن الظاهر أن المقصود نيّة التمتع بالعمل في قبال غيره من أصناف الحج. و الدليل عليه ما ورد مما ظاهره وجوب نية التمتع بالعمل، كرواية البزنطي: قلت

______________________________

(1)- التزم سيدنا الاستاذ- دام ظله- بذلك في مباحث الاصول. لكنه انما التزم بصحة العمل و سقوط الأمر إذا كان مضافا واقعا بالطريق الذي اضافه قصدا كما في موارد التداخل، فقصد احد الامرين يكفي في سقوط الآخر. اما إذا لم يكن مضافا واقعا بل تخيلا كما في صورة توهمه الأمر فلا يقع صحيحا الابناء على كون الانقياد من صفات الفعل و هو لا يلتزم به و

ما نحن فيه من قبيل الثاني، إذ ما جاء به ليس متعلقا للأمر بالتمتع واقعا بل تخيلا.

فالتفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 369

ذو القعدة و ذو الحجة، و قيل: و عشرة من ذي الحجة، و قيل: و تسعة من ذي الحجة، و قيل: إلى طلوع الفجر من يوم النحر. و ضابط وقت الانشاء، ما يعلم انه يدرك المناسك (114).

لأبي الحسن علي بن موسى عليه السّلام: «كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال عليه السّلام: لبّ بالحج و إنو المتعة ... «1»». و تفسيرها بغير ذلك لا يخلو من نظر ظاهر كما بيّن ذلك.

______________________________

(114) أما وقوع الحج، فلا إشكال فيه للآية و السيرة القطعية بل الضرورة.

و أما وقوع العمرة فيه، فيدل عليه النصوص، ك:

رواية سعيد الاعرج: «من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة و إنما الاضحي على أهل الأمصار «2»».

و رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-. «... و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنما هو مجاور أفرد العمرة- الحديث «3»».

ثم إنه وقع الكلام في أشهر الحج و أنها ما هي؟ فقيل: إنها شوال و ذو القعدة و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 4.

الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 285/ المسألة 93.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من ابواب اقسام الحج، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 10: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 370

و أن يأتي بالحج و العمرة في سنة واحدة (115).

ذو الحجة. و قيل: إنها شوال و ذو القعدة و العشر الأول من ذي الحجة. و قيل:

غير ذلك.

و من الواضح أنه لا يترتب أي أثر عملي على تحقيق ذلك، لانّ المقصود: إن كان تحديد وقت إنشاء الحج، فهو لا يتحقق بما بعد العاشر من ذي الحجة.

و إن كان تحديد وقت الإتيان ببعض أفعال الحج، فلا إشكال في صحة الإتيان ببعضها إلى آخر ذي الحجة. و لأجل ذلك قيل إن النزاع لفظي.

______________________________

(115) ادعي عدم الخلاف فيه و استدل له بوجوه:

الأول: ما مرّ من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «دخلت العمرة في الحج». فقد ادعي تبادرها إلى ذلك.

و فيه: أن قوله صلّى اللّه عليه و آله لا يدل إلا على حصول الارتباط بينها بحيث يكون أحدهما بدون الآخر لغوا، و تكون العمرة جزءا للحج أما لزوم التوالي بينهما بمعنى إيقاعهما في سنة واحدة فلا دلالة له عليه. و لو قيل إنها تتكفل ترتيب آثار الحج و أحكامه على العمرة بعنوان الحكومة على ما يتكفل إثبات الاحكام، فهو لا ينفع في اثبات الدعوى، إذ غاية ما يثبت به ترتب أحكام الحج على العمرة كوقوعها في أشهر الحج. و لا يثبت به اعتبار وقوعهما في سنة واحدة كما هو واضح.

الثاني: ما دل على عدم جواز خروجه من مكة بعد العمرة و أنه مرتهن بالحج لارتباط الحج بالعمرة، كرواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قلت له:

كيف أتمتع؟ قال تأتي الوقت فتلبّي- إلى أن قال:- و ليس لك أن تخرج من مكة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1،

ص: 371

..........

حتى تحج «1»»، و نحوها غيرها.

و فيه: أن هذه النصوص لا دلالة لها على المدعى فإنها تدل على لزوم البقاء بمكة حتى يؤدي الحج، أما أنه يلزمه أداؤه في هذه السنة، فلا دلالة لها على ذلك، سواء كان النظر فيها بيان عدم جواز الخروج تكليفا أو بيان عدم جوازه وضعا يعني إنه مانع عن صحة الحج فان مانعيته لا تلازم اعتبار الاتيان به في سنة العمرة و لذا يكون مانعا حتى لو اراد أداءه في هذه السنة، و هو واضح جدا.

الثالث: ما دل على جواز الخروج للمتمتع ما لم يخف فوت عرفة، فانه لو لا لزوم الاتيان بالحج في سنة العمرة لم يكن معنى لتحريم الخروج لاجل فوات عرفة و هو، كرواية أبان بن عثمان، عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا أن يأبق غلامه، أو تضل راحلته فيخرج محرما و لا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة «2»».

و الإنصاف أنها لا تدل على المدعى، فان غاية ما تدل عليه هو لزوم ايقاع الحج في سنة العمرة و هو كما يلازم عدم مشروعية العمرة في غير سنة الحج يلازم أيضا فورية الحج في سنة العمرة، فلا تدل على الثاني على بطلان العمرة لو خالف و لم يسارع. و المدعى هو عدم مشروعية العمرة في غير سنة الحج.

و بتعبير آخر: المدعى شرطية وقوعهما في سنة واحدة لا لزومه. فالتفت.

الرابع: ما دل «3» على فوات العمرة بزوال يوم التروية أو غروبه أو نحو ذلك، فانه ظاهر في عدم مشروعية العمرة مع عدم إدراك الحج، و إلا لم يكن وجه

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من أبواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 21: من ابواب اقسام الحج، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 372

..........

للحكم بفوات العمرة بقول مطلق.

و هذا الوجه استدل به صاحب المستند قدّس سرّه «1»؛ و هو غير صحيح كسوابقه، و ذلك لان هذه النصوص تحتمل وجوها ثلاثة:

أحدها: نفي مشروعية العمرة لضيق الوقت عن أدائها مع الحج من جهة أنها بدونه لا تكون مشروعة.

الآخر: تحديد وقت العمرة بالوقت الخاص بمعنى أن ما بعده غير قابل لإيقاع العمرة فيه نظير عدم قابلية رمضان لغير صومه من أفراد الصوم.

الثالث: ترجيح الحج على العمرة من باب ترجيح الواجب أو أفضل المستحبين، فيصح أن تنفى بلحاظ المزاحمة مشروعية المتعة و صحتها. فالدليل نفسه ينفي المشروعية للمزاحمة لا أنه يكشف عن عدم المشروعية بدون الحج كما عليه الأول.

و لا يخفى أنها إنما تدل على المدعى لو كانت ظاهرة في الوجه الأول. و أما على الوجهين الاخيرين، فلا دلالة لها على المدعى، إذ على الثاني لا ترتبط بما نحن فيه، إذ ما نحن فيه ما لو أدى العمرة في وقتها المشروع لها و أخّر الحج، لا إذا لم يأت بالعمرة. و على الثالث، فهي غاية ما تدل على أهمية الحج و نفي مشروعية العمرة مع المزاحمة، فلا يشمل صورة ما لو جاء بالعمرة قبل هذا الوقت.

و بالجملة، أنها على الوجه الثالث تدل على نفي مشروعية العمرة في خصوص مورد المزاحمة إما لاجل لزوم الحج أو لأهميته لو كان مستحبا، فلا تشمل صورة عدم التزاحم، و ليست تدل على عدم مشروعية العمرة بدون الحج

______________________________

(1)- و الظاهر ان صاحب المستند

يختار القول المشهور و هو الزوال من يوم عرفة، فليراجع «مستند الشيعة» (ج 11: ص 232).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 373

و إن يحرم بالحج له من بطن مكة، و أفضلها المسجد و أفضله المقام، ثم تحت الميزاب (116)، فلو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر في سنتها كما هو مقتضى الوجه الأول.

و من الواضح أنه مع تعدد المحتملات لا وجه لحملها على الأول، بل هي ظاهرة في الثاني لنسبة الفوات فيها إلى العمرة. مع أنه لو اريد بها الاول لناسب التعبير بفوات الحج التمتعي المقصود أداؤه، إذ لا موضوعية للعمرة. فتدبّر.

و المتحصّل: أن هذه الوجوه لا تنهض لاثبات المدعى، نعم يمكن التمسك به بما قيل:

من أن العبادات توقيفية. فمع الشك في المشروعية يرجع الى أصالة عدمها و ليس لدينا إطلاق يتكفّل مشروعية الحج بسائر أفراده كي يكون حاكما أو واردا على الأصل.

مضافا إلى إشعار ذلك من الواقعة المحكية عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله حين سأله سراقة و أجابه صلّى اللّه عليه و آله بان هذا العمل في كل عام، فانه لا يخلو من إشعار في أن العمرة و الحج في كل عام عام و لا يشرعان منفصلين.

و من ما ورد «1» في الجواب عن السؤال عن حقيقة المتعة، بأنها الإحرام من الميقات إلى أن يوجب الإهلال بالحج بعد التقصير يوم التروية، فإنها لا تخلو عن إشعار بان الحج في سنة العمرة. فتدبر جيدا و تأمل.

______________________________

(116) هذا الحكم متفق عليه. و تدل عليه رواية الحلبي،- في حديث- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... قلت من أين يهلون (يعني المتمتعين) بالحج فقال: من مكة نحوا

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 8/ باب 5: من أبواب أقسام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 374

الحج لم يجز له التمتع بها، و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج؛ و لم يلزمه الهدي (117).

ممن يقول الناس «1»».

و بها يرتفع ظهور ما ورد في الأمر بالاحرام من المسجد الحرام في الالزام، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل ثم البس ثيابك و ادخل المسجد- إلى أن قال:- ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام أو في الحجر ثم أحرم بالحج «2»».

بل يرفع ظهورها في الوجوب رواية عمرو بن حريث الصيرفي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق «3»».

______________________________

(117) البحث في أمرين:

الأول: في صحة العمرة عمرة مفردة و عدم صحتها.

الثاني: في لزوم الهدي و عدمه.

أما الهدي، فهو غير لازم، لانه من توابع حج التمتع و المفروض عدم وقوعه منه بعد عدم صحة العمرة المتمتع بها عمرة تمتع.

و أما وقوع العمرة عمرة مفردة و عدمه، فالكلام فيه، تارة بحسب مقتضى القاعدة. و أخرى بحسب النص الخاص.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، باب 21: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 375

..........

أما مقتضى القاعدة، فقد ذهب صاحب المدارك رحمه اللّه «1» إلى أنه البطلان، فلا تقع عمرة تمتع لفقد شرطها و لا عمرة مفردة لعدم نيتها و قصدها. فما يدعى وقوعه لم يقصد و

ما قصد لم يقع. و تبعه في ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه «2».

و التحقيق: أنه البطلان على بعض محتملاتها و الصحة على بعض آخر.

بيان ذلك: أن محتملات العمرة ثلاثة:

الأول: أن تكون كل من عمرة التمتع و العمرة المفردة مشتملة على خصوصية قصدية لا تصح بدونها، نظير صلاة الظهر و العصر.

الثاني: أن تكون عمرة التمتع متعلقة للأمر الضمني لانها من أجزاء الحج.

الثالث: أن تكونا حقيقة واحدة و إطلاق عمرة التمتع بلحاظ ارتباط حج التمتع بها بخلاف العمرة المفردة. فالاختلاف في الاسم بلحاظ ارتباط الحج بها و عدمه. و هذا الاحتمال احتمله فى «الجواهر «3»» في غير هذه المسألة.

فعلى الاحتمال الاول، تبطل العمرة و لا تقع عمرة مفردة لعدم قصدها، و هكذا الحال ...

على الاحتمال الثاني، إذ لم يقصد الأمر الاستقلالي المتعلق بالعمل و إنما قصد الأمر الضمني و هو غير موجود على الفرض.

و أما على الاحتمال الثالث- و هو الأقرب بحسب الأدلة-، فتصح لوحدتهما واقعا و أمرا، و اشتراط إحداهما بأشهر الحج لا يعني وقوع التباين بينهما بل يرجع إلى اشتراط الحج بالعمرة في زمان خاص.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 171، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 19- الطبعة الاولى.

(3)- قد يستظهر منه الاحتمال من طي كلامه قدّس سرّه في «جواهر الكلام» (ج 18: ص 20).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 376

..........

و أما النصوص، فقد ذهب فى «الجواهر «1»» إلى دلالة رواية الأحول على صحة العمل عمرة مفردة. و هي روايته، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج. قال: يجعلها عمرة «2»».

و أيدها برواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة و إنما الأضحى على أهل الأمصار «3»».

لكن الظاهر أن كلتا الروايتين لا تدلان على المدعى.

أما رواية الأحول، فلان «فرض الحج» يحتمل فيه وجوه ثلاث:

الأول: أن يلتزم على نفسه إتيان الحج في غير أشهر الحج، فمثل هذا عليه عمرة مفردة لعدم مشروعية الحج في غير أشهره.

الثاني: أن يحرم بالحج في غير أشهره، فمثله عليه العدول إلى العمرة المفردة لعدم مشروعية الحج.

الثالث: أن يعتمر في غير أشهر الحج عمرة التمتع، فتكون عمرته مفردة.

و هي إنما تدل على المدعى على الاحتمال الثالث، لكنه خلاف الظاهر جدا، لانه يتوقف على أن يكون معنى الفرض هو الاتيان و معنى الحج هو العمرة المتمتع بها، و جعلها عمرة بمعنى عمرة مفردة و كله خلاف الظاهر، فهي أجنبية عما نحن فيه بالمرة.

و أما رواية الأعرج، فلا ظهور لها في صحة عمرته عمرة مفردة، بل غاية ما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 19، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب اقسام الحج، ح 7.

(3)- المصدر، باب 10: من ابواب اقسام الحج، ح: 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 377

..........

تدل عليه صيرورة حجه مفردا و عدم لزوم الدم عليه، و هو لا يلازم كون عمرته مفردة بل يلازم نفي صحة عمرة التمتع منه كما لا يخفى. فالتفت.

ثم إنك عرفت أن شرائط التمتع أربعة، و يقع الكلام

في إضافة شرط خامس و هو وقوع العمرة و الحج من شخص واحد.

فلو نذر حج التمتع و اعتمر ثم مات قبل الحج، فهل تكفي الاستنابة عنه في الحج خاصة أو تجب الاستنابة عنه في الحج و العمرة؟

و لم يتعرض لذلك أحد- كما فى «الجواهر «1»»- و الظاهر اعتبار ذلك لظهور الأدلة في كونهما مما لا بدّ أن يصدران من شخص واحد.

و هل يعتبر وقوعهما معا عن شخص واحد أو يجوز الاتيان بالعمرة عن شخص و الحج عن آخر؟

ذهب بعض العامة إلى اعتبار وحدة المنوب عنه. و التحقيق عدم اعتباره لا بحسب القاعدة و لا بحسب النص الخاص.

أما بحسب القاعدة «2»، فلأنه إما أن تكون العمرة و الحج عملين مستقلين أو عملا واحدا اعتبارا. فإن كانت العمرة عملا مستقلا غير الحج، فلا مانع من ايقاع أحدهما عن شخص و الآخر عن غيره. و إن كانا عملا واحدا، فلا دليل على ارتباطهما بنحو لا يجوز التفريق بينهما في النيابة، إذ غاية الدليل ارتباطهما بمعنى وقوع الحج مع العمرة لا أكثر.

و أما بحسب النص، فلوجود النصّ الدال على عدم اعتبار وحدة المنوب عنه و هو رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل يحج

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 20، الطبعة الاولى.

(2)- يكفى في عدم المشروعية عدم الدليل على المشروعية بهذه الكيفية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 378

و الإحرام من الميقات مع الاختيار. و لو احرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزيه. و لو دخل مكة باحرامه، على الأشبه وجب استئنافه منها (118). و لو تعذر ذلك، قيل يجزيه، و الوجه أنه يستأنفه

حيث امكن- و لو بعرفة- إن لم يتعمد ذلك.

عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم، المتعة له و الحج عن أبيه «1»». و دلالتها على المدعى ظاهرة «2».

______________________________

(118) توضيح الكلام: أنه لو أحرم من غير مكة لم يجز لعدم الأمر به و وجب استئنافه من مكة، و لو تعذر عليه العود إلى مكة لاستلزامه فوات الحج، فهل يكتفي باحرامه أو يلزمه استئنافه من موضع الامكان مع الاضطرار؟

نسب الاحتمال الأول الى الشيخ فى «الخلاف «3»»، و قيّده بما إذا كان عن نسيان و نحوه. و ظاهر المتن «الشرائع» لزوم الاستئناف و ظاهره اختصاص الحكم بغير العامد، أما العامد فيبطل حجه سواء كان عالما أو جاهلا بالحكم، و الظاهر أن الحكم يشمل العامد عن جهل فهو يشمل مطلق موارد العذر، و لا يشمل العالم العامد، فانه يبطل حجه. و حملت العبارة على ذلك.

و على كل، فالصحيح هو لزوم تجديد الاحرام لمطلق ذوي العذر لدلالة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 27: من ابواب النيابة، ح 1.

(2)- لكن حملها السيد الخوئي على إرادة الانتفاع بالثواب من مادة التمتع في قوله: «أ يتمتع» كما هو معناها لغة لا عمرة التمتع لعدم تعارف اطلاق التمتع بقول مطلق على العمرة فقط.

(معتمد العروة الوثقى، ج 2: ص 261).

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 379/ المسألة 31، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 379

..........

النصوص عليه، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا؟ و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال عليه السّلام: إن كان

عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه. فان لم يكن عليها وقت «مهلة» فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها «1»».

و رواية الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؛ فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج «2»».

و نحوهما رواية زرارة و علي بن جعفر عليه السّلام و عبد اللّه بن سنان و سورة بن كليب، فراجع.

و هذه النصوص ظاهرة في أن المناط هي عدم الإحرام من الميقات لعذر، كما أن ظاهرها لزوم إنشاء الإحرام من موضع الإمكان مع الاضطرار، فلا يكتفي بما سبق من إحرامه.

و قد استدل الشيخ على دعواه بالأصل- و يريد به أصالة الصحة- و بمساواة ما فعله لما يستأنفه في كون كل منهما من غير مكة.

و فيه: أن الاصل لا مجال له بعد أن علم بفساد الاحرام لعدم موافقته للأمر الثابت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 4.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 380

و هل يسقط الدم و الحال هذه؟ فيه تردد (119)

و دعوى المساواة تندفع: بأن ما دل على جواز إنشاء الاحرام من غير مكة للمضطر إنما دل على مشروعيته في مورد التعذر و الاضطرار لا قبله، فالدليل يقتضي الاجتزاء بالإحرام الواقع في غير موضعه عند التعذر، بل يقتضي مشروعية إنشاء الإحرام في غير موضعه عند التعذر. فتدبر و التفت جيدا.

______________________________

(119) المشار إليه باسم الإشارة ما إذا لم يتمكن من الرجوع الى مكة و جدّد إحرامه من

موضع التعذّر. إذ لا وجه لسقوط الدم و التردد فيه إذا رجع إلى مكة و أحرم منها لانه كسائر أفراد حج التمتع.

و وجه التردد في سقوط الدم في الصورة المزبورة هو التردد في أن لزوم الهدي لأجل جبر عدم الإحرام من الميقات أو أنه حكم تعبدي و إن كانت الحكمة فيه الجبر؟. فعلى الأول يسقط الدم فيما نحن فيه. و على الثاني لا يسقط.

و ربما يقال: إنه لا وجه للتردد و سقوط الدم على كلا الاحتمالين فيه، إذ لا يكون الإحرام من الميقات مع تعذر الرجوع إلى مكة.

و لكننا نقول: بانه يمكن أن يكون قد خرج إلى الميقات و أحرم منه أو مرّ عليه محرما عند تعذر رجوعه إلى مكة فيتجه الترديد و تظهر الثمرة. فتأمل «1».

______________________________

(1)- اشارة إلى اتجاه الإيراد على إطلاق التردد و عدم تخصيصه، فهو وارد على المتن في الجملة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 381

و لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج (120)، لأنه صار مرتبطا به، إلا على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة. و لو جدّد عمرة تمتع بالأخيرة.

______________________________

(120) محتملات المسألة ثلاثة:

الأول: حرمة الخروج نفسيا و هو القول المشهور.

الثاني: كراهة الخروج و هو المنسوب إلى ابن ادريس «1».

الثالث: كون النهي إرشاديا للزوم إدراك الحج و عدم التخلف عنه و تفويته.

و يدل على الأوّل رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبّي- إلى أن قال:- و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج «2»». و نحوها روايته الاخرى.

و رواية على بن جعفر عليه السّلام، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل

قدم متمتعا، ثم أحل قبل يوم التروية أله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها «3»».

و يدل على الثاني رواية الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمتع بالعمرة الى الحج يريد الخروج إلى الطائف، قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها إلّا محرما و لا يتجاوز الطائف إنها قريبة من مكة «4»» بناء

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 633، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(3)- المصدر، ح 11.

(4)- المصدر، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 382

و لو دخل بعمرته إلى مكة، و خشي ضيق الوقت (121).

على ظهور «ما أحبّ» في الكراهة و به يحمل ما دل على النهي على الكراهة جمعا.

و أما الثالث، فأحسن ما يدل عليه رواية معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «تمتع فهو و اللّه، أفضل؛ ثم قال: إن أهل مكة يقولون: أن عمرته عراقية و حجته مكية كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج حتى يقضيه «1»».

______________________________

(121) هذا الحكم فى الجملة ممّا لا إشكال فيه لدلالة النصوص الكثيرة على أن من خاف فوت الحج جاز له العدول إلى الافراد، بلا اختصاص له بالمرأة الحائض، و إنما الاشكال في تحديد وقت فوات العمرة و لزوم العدول إلى الافراد.

و قد عدّ الأقوال فى «المستند «2»» خمسة:

الأول: أن حدّ التمتع زوال الشمس من يوم التروية، فاذا زالت قبل انتهاء أعمال العمرة عدل إلى الافراد.

الثاني: أن حدّه غروب الشمس من يوم التروية.

الثالث: أن حدّه

زوال الشمس من يوم عرفة.

الرابع: أن حدّه خوف فوت اختياري عرفة بلا تحديد بزمان معين.

الخامس: أن حدّه خوف فوت اضطراري عرفة.

و منشأ إختلاف الأقوال هو إختلاف الروايات الواردة في الباب، إذ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من اقسام الحج، ح 2.

(2)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 222، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 383

..........

وردت الروايات بمضمون كل قول.

أما القول الأول: و هو المحكي عن والد الصدوق «1» و المفيد «2»، فقد وردت بمضمونه رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر عليه السّلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى عليه السّلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون، ثم يحرمون بالحج، فقال: زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح فقال: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها، للحج؟ فقال: لا، هي على إحرامها. فقلت فعليها هدي؟ فقال: لا إلا أن تحبّ أن تطوّع؛ ثم قال: أما نحن فاذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا العمرة «3»».

و أما رواية عجلان المشار إليها في هذه الرواية فهي روايته عن الصادق عليه السّلام: «متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: تسعى بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها فان طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج و خرجت إلى منّي

فقضت المناسك كلها ... «4»».

______________________________

(1)- حكي عنه في الحدائق الناظرة، ج 14: ص 328.

(2)- الظاهر انّ هذه الحكاية ليست موافقة للمحكى عنه و الذي عثرنا في المقنعة انّ رأيه موافق لقول الثانى. (المقنعة، ص 431، ط مؤسسة النشر الاسلامي).

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب اقسام الحج، ح 14.

(4)- المصدر، ج 9/ باب 84: من ابواب الطواف، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 384

..........

و قال فى «المستند «1»»: «و المراد من قوله في الصحيحة- يعنى صحيحة ابن بزيع- فقال: لا- بعد ذكر الراوي رواية عجلان- يعني ليس مطلق يوم التروية و إنما زوال شمسه».

و أما القول الثاني: و هو المنقول عن الصدوق فى «المقنع «2»» و المفيد فى «المقنعة «3»»-، فقد وردت بمضمونه:

رواية العيص بن القاسم، «4» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة فقال: [لا، خ] له ما بينه و بين غروب الشمس و قال قد صنع ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما أنت بحجك «5»». و غيرهما من الروايات يدل عليه.

و أما القول الثالث: و هو مختار الشيخ فى «المبسوط «6»» و «النهاية «7»» و مختار صاحب المدارك «8» و المستند «9» و غيرهم-، فقد وردت بمضمونه رواية

______________________________

(1)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 223، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: المقنع في فقه (سلسلة الينابيع الفقهية، ج 7: ص 34).

(3)- المفيد،

محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 431، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- وسائل الشيعة 8/ باب: 20 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 10.

(5)- المصدر، ح 12.

(6)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 364، الطبعة الاولى.

(7)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 247، الطبعة الاولى.

(8)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 176، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(9)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 232، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 385

..........

جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر «1»».

و أما القول الرابع: و هو المحكي عن «الغنية «2»» و «المختلف «3»» و «الدروس «4»» و ظاهر «الجواهر «5»»-، فقد وردت بمضمونه رواية الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي أن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، قال: يدع العمرة فاذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه «6»».

و استدل عليه برواية يعقوب بن شعيب الميثمي، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين «7»»، لكنها لا ظهور لها في ما نحن فيه، بل ظاهرها جواز تأخير إحرام الحج عن يوم التروية لا غير.

و أما القول الخامس- و هو مختار الحلي «8»-، فقد يستدل له بما دل على إدراك الحج

بادراك موقف عرفة الاضطراري، كما قد يستدل له برواية الميثمي بدعوى أن المراد من الموقفين أعم من الاختياري و الاضطراري، فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 15.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن يحيى: غنية النزوع، ص 171، الطبعة الحجرية.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 1: ص 219، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 335، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 29، الطبعة الاولى.

(6)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من اقسام الحج، ح 6.

(7)- المصدر/ باب 20: من اقسام الحج، ح 5.

(8)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 582، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 386

..........

هذه هي أقوال المسألة و أدلتها نقلناها عن «المستند «1»» باختصار، و قد اختار صاحب المستند الرأي الثالث «2» و قد نفى القولين الأولين بعد الحكم بشذوذهما و معارضة رواياتهما بروايات الاقوال الأخرى.

و لا يخفى أن مقتضى المعارضة تساقط كلا الدليلين لا أحدهما، فاختياره القول الثالث مع أن رواياته طرف المعارضة لا يخلو عن غرابة.

و قد نفى صاحب الجواهر «3» غير مختاره بالشذوذ، و ظهور جملة من رواياته في عدم الصحة، كرواية العيص فانها تقول: «و هكذا صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»، مع أن الرسول الاعظم صلّى اللّه عليه و آله لم يحج حج التمتع أصلا، و لكنه وجّهها بعد ذلك بامكان أن يكون المقصود انه صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بذلك.

و مع هذا التوجيه الذي صدر منه لا وجه لطرح الرواية.

و تحقيق الحال

بأن يقال: أن ما دل على تحديد المتعة بين التروية بقول مطلق مستفيض، كرواية إسحاق بن عبد اللّه، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة إنما المتعة إلى يوم التروية «4»»، و مثلها غيرها. فهو مقطوع الصدور.

نعم، اختلفت بعض الروايات في تحديد يوم التروية بالزوال و الغروب فيتعارضان و يتساقطان و يرجع إلى العام الفوق.

و في قباله رواية واحدة تدل على التحديد بزوال يوم عرفة و هى لا تصلح

______________________________

(1)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 222، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- المصدر، ص 232.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 34، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب اقسام الحج، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 387

..........

لمناهضة الروايات المحددة بيوم التروية لاستفاضتها.

لكن ما دل على مشروعية المتعة بما بعد التروية مستفيض أيضا، ك:

رواية هشام بن سالم، و مرازم، و شعيب- كلهم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،: «في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف و يسعى- [ثم يحل، خ ل]، ثم يحرم و يأتي منى فقال: لا بأس «1»».

و رواية محمد بن ميمون، قال: «قدم أبو الحسن عليه السّلام متمتعا ليلة عرفة فطاف و أحل و أتى جواريه ثم أحرم بالحج و خرج «2»».

و رواية سهل بن زياد «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع دخل يوم عرفة قال متعته تامة إلى أن يقطع التلبية».

و رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى».

و رواية محمد بن

مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال: إلى السحر من ليلة عرفة «4»»، و غيرها مثلها.

و عليه، فيقع التعارض بين هذين الطائفتين، و لا يمكننا الجمع بين هاتين الطائفتين بحمل التحديد بيوم التروية على نفي الكمال لا نفي المشروعية، و إن كان هو الظاهر بحسب النظر الأولي، لشيوع مثل هذا الاستعمال في نفي الكمال، و بقرينة قوله عليه السّلام- في رواية ابن بزيع-: «أما نحن فاذا رأينا هلال ذي الحجة ...»،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 388

..........

إذ هي ظاهرة في نفي الكمال. إذ ورد في بعضها الأمر بالحج الافرادي مع أنه لا يشرع مع كون فرضه حج التمتع و إمكان الاتيان به.

فالمتعين الجمع الدلالي بحمل الامر بالحج الافرادي في يوم التروية على الوجوب التخييري لان دلالته على التعيين بالإطلاق و هو لا يناهض النص على المشروعية بعد التروية، و عليه فيكون مخيّرا بين الفردين.

و هذا الوجه هو المتعين، إذ به تنحل مشكلة تعارض الروايات، و قد نقله في «المدارك «1»»، عن الشيخ، و لكن خصّه بالمستحب و ذكر أن به يجمع بين الروايات و لا يطرح أحدها. ثم استحسنه و قوّاه، كما نقله فى «الجواهر «2»» عن بعض متأخري المتأخرين و لم يرتضه.

و أما رواية التحديد بزوال يوم عرفة، فهي تحمل على الطريقية و الإرشاد إلى إدراك الموقف الركن الاختياري لغلبة فواته بعد الزوال لبعد المسافة، جمعا بينها و بين ما دلّ على انقلاب الحج إفرادا إذا خشي فوات الموقف الاختياري، و بها

تحمل روايات إدراك الموقف على إرادة الركن منه لا الواجب لفوات الواجب إذا كان عند الزوال بمكة.

و أما القول الخامس، فلا دليل عليه، إذ ما استدل به عليه لا يخلو عن خدشة و إشكال كما لا يخفى على المتأمل. إذ رواية الميثمي قد عرفت عدم ظهور ارتباطها بما نحن فيه مع ظهور الموقف في الاختياري منه، و الروايات الدالة على إدراك الحج بادراك الموقف الاضطراري لعرفة أجنبية عن صحة العمرة و التأخر الاختياري عن إدراك اختياري عرفة لاجل إتيان أعمال العمرة.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 178، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 35، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 389

جاز له نقل النيّة إلى الإفراد (122)، و كان عليه عمرة مفردة. و كذا الحائض و النفساء (123).

ثم إنه يقع الكلام في إجزاء الحج الافرادي عن حجة الاسلام، فنقول:

إن كان ظاهر الأدلة أن حج الإفراد وظيفته الاضطرارية الثابتة لأجل الاضطرار، كان مجزيا لاجزاء المأمور بالأمر الاضطراري.

و إن كان ظاهرها أنه لا طريق إلى الإحلال من إحرامه إلا الإتيان بحج الإفراد لعدم صحة العمرة لو جاء بها، فلا يقتضي ذلك الإجزاء.

هذا و لكن هذا الكلام إنما يتأتّى لو فرض وجود إطلاق يدل على لزوم حج التمتع بقول مطلق، و ليس الأمر كذلك. و عليه فالقدر المتيقن من دليله غير هذه الصورة، فالنتيجة حينئذ نتيجة الإجزاء. فلاحظ و تدبر و اللّه سبحانه ولي التوفيق.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 389

______________________________

(122) المقصود من جواز العدول إلى الإفراد أحد وجهين:

الأول: التخيير بين العدول إلى الافراد و بين البقاء على التمتع و قضاء العمرة بعد الحج كما يجي ء هذا الاحتمال في الحائض.

الثاني: لزوم العدول و التعبير بالجواز لأجل أنه يساوق الوجوب بلحاظ انحصار طريق الاحلال من إحرامه في حج الافراد، فيتعين.

(123) في هذا الفرع أقوال ثلاثة:

الأول: و هو المشهور، بل ادعي عليه الاجماع انقلاب حجها إلى حج افراد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 390

..........

الثاني: و هو المنسوب إلى علي بن بابويه «1»، و أبي الصلاح الحلبي «2»، و ابن الجنيد «3» بقاؤها على متعتها و تسعى و تحرم بالحج و تقضي طواف العمرة بعد الحج.

الثالث: التخيير بين العدول إلى الافراد و البقاء على التمتع.

و يستدل للأول بروايات منها:

رواية جميل بن دراج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر و تخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة- قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة «4»». و منها:

رواية إسحاق ابن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات؛ قال: تصير حجة مفردة. قلت: عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه و هي أضحيتها «5»».

و يستدل للثاني: بروايات منها:

رواية العلاء بن صبيح، و عبد الرحمن بن الحجاج، و عليّ بن رئاب، و عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين

التروية فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين

______________________________

(1)- حكاه عنه الشهيد في «الدروس الشرعية» (ج 1: ص 406).

(2)- ابو الصلاح، تقي الدين: الكافي في الفقه، ص 218، ط اصفهان.

(3)- حكاه عنه العلامة في «مختلف الشيعة» (ص 340).

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

(5)- المصدر، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 391

..........

الصفا و المروة، ثم خرجت إلى منى فاذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت ... «1»». و يدل على المدعى غيرها، ك:

رواية أبي بصير، و عجلان أبي صالح، و الكاهلي فراجع.

و أما القول الثالث، فحجّته الجمع بين هذه الاخبار بحملها على التخيير لكون التعارض بين اطلاق كل منهما الدال على التعيين.

و لكنه غير صحيح، لاباء رواية إسحاق بن عمار عن الحمل على التخيير لانها صريحة في التعيين، لان التعبير ب: «تصير» لا يقبل ذلك و ليس هو نظير الأمر في ظهوره بالإطلاق في التعيين.

و قد حمل البعض الروايات الدالة على لزوم العدول إلى الافراد على ما إذا كانت حائضة قبل الإحرام. و ما دلّ على لزوم البقاء على المتعة على ما إذا حاضت بعد الاحرام، و جمع بين النصوص بهذا الجمع.

و هو غير صحيح، لظهور رواية إسحاق بن عمار في حدوث الحيض بعد الإحرام لا قبله.

و عليه، فلا يمكن الجمع الدلالي بينهما، فتستقر المعارضة بينهما، و ليس هناك ما يرجح إحدى الطائفتين على الاخرى- و فتوى المشهور لا تصلح للترجيح-، فيتعين التخيير بين الطائفتين و إن كان الأحوط الأخذ

بروايات الافراد لكثرة القائل بها.

و بالجملة، فما نختاره هو التخيير في المسألة الأصولية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 84: من ابواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 392

إذا منعهما عذرهما عن التحلل، و إنشاء الإحرام بالحج، لضيق الوقت عن التربص، و لو تجدد العذر و قد طافت اربعا، صحت متعتها (124).

______________________________

(124) كما هو المشهور بين الاصحاب- كما فى «المدارك «1»»- و قد استدل له ب:

رواية أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ، قال: «حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج الى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر «2»».

و رواية إبراهيم بن أبي إسحاق، عن سعيد الاعرج، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام «عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة، ثم طمثت قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة و ذلك، لانها زادت على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج و ليس عليها عمرة «3»». و مثلها روايته عن سعيد الأعرج، لكن ليس فيها و ليس عليها عمرة.

و أضاف فى «الجواهر «4»» إلى الاستدلال بهذه الروايات الاستدلال بما دل على تمامية الطواف و الاعتداد به إذا تم منه أربعة أشواط، كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 182، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل

الشيعة، ج 9/ باب 86: من ابواب الطواف، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 40، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 393

..........

المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فاذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ... «1»». و مثلها غيرها.

لكن صاحب المدارك «2» ذهب إلى بطلان متعتها على القاعدة، لعدم إتيانها باعمال العمرة تماما قبل الحج و لرواية محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل، متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر- الحديث «3»». فان موضوع الحكم بذهاب المتعة فرض الحيض قبل الإحلال، فيعم بإطلاقه صورة الاتيان بأربعة أشواط من الطواف و عدمه.

و أما الروايات الخاصة المستدل بها، فقد نفاها باعتبار ضعف سندها للارسال و جهالة «4» المرسل.

و عليه، فلا وجه لما فى «الجواهر «5»» من اعتراضه على «المدارك» بأنه اجتهاد في مقابل النص، إذ عرفت أن النص المذكور لم يعتبره صاحب المدارك سندا.

و أما ما أضافه صاحب الجواهر إلى الاستدلال من الروايات الدالة على الاعتداد بالطواف، فهي أجنبية عما نحن فيه، لانها واردة في نفي اعتبار الموالاة لضرورة بعد تجاوز النصف.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 85: من ابواب الطواف، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 182، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 21: من ابواب اقسام الحج، ح 14.

(4)- لم يشر صاحب المدارك إلى رواية الأعرج مع أنها مسندة و لعله لاجل جهالة ابراهيم في سندها فتعلم المناقشة فيها من المناقشة في غيرها بجهالة المرسل. فالتفت.

(5)-

النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 41، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 394

و أتت بالسعي و بقية المناسك، و قضت بعد طهرها ما بقي من طوافها.

و اذا صحّ التمتع سقطت العمرة المفردة (125).

أما اعتبار وقوع أعمال العمرة قبل الحج، فلا نظر فيها لنفيه، فالمتجه هو التزام صاحب المدارك لانه مقتضى القاعدة و رواية محمد بن إسماعيل.

و لو سلم بتمامية العمرة بتجاوز النصف، فمع عدم تجاوزه و الاتيان بثلاثة أشواط أو أقل، فهل يلحق بصورة التجاوز، أو لا؟

قد يدعى الالحاق استنادا إلى رواية محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما؛ قال:

تحفظ مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى «1»».

و هذه الرواية لا ظهور لها في المدعى، بل هي ظاهرة في نفي اعتبار الموالاة لا جواز تأخير الطواف عن الحج.

فالمرجع هو القاعدة و هي تقتضي إلحاق هذه الصورة بصورة عدم الإتيان بالطواف أصلا و قد تقدّم حكمه، مضافا إلى التعليل الوارد في مرسلة إبراهيم من أنها زادت على النصف فانه يدل على أنه لو لم تزد لم تتم متعتها.

______________________________

(125) بناء على وجوب العمرة المفردة في العمر مرة، كالحج، بمقتضى الآية الكريمة: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ «2» المفسرة بلزوم الإتيان بكلّ منهما، و سيأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 85: من ابواب الطواف، ح 3.

(2)- سورة البقرة، 2: 196.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 395

[الإفراد]

و أما الإفراد:

و صورة الافراد (126): أن يحرم من الميقات، أو من حيث يسوغ له

الإحرام بالحج، ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها، ثم يمضي إلى المشعر فيقف به، ثم الى منى فيقضي مناسكه بها، ثم يطوف بالبيت و يصلي ركعتيه، و يسعى بين الصفا و المروة، و يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه. و عليه عمرة مفردة بعد الحج (127)،

و الوجه في سقوطها عنه دلالة النصوص عليه، ك:

رواية يعقوب بن شعيب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة الى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة «2»».

______________________________

(126) يتضح ذلك فيما يأتي.

(127) ظاهره لزوم إيقاع العمرة المفردة بعد الحج، لكن ذكر في «الجواهر «3»» أنه سيأتي منه ما يدل على جواز التقديم. فمراده أنه يجوز إيقاعها بعد الحج في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من ابواب العمرة، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 71، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 396

و الإحلال منه، يأتي بها من أدنى الحلّ (128). و يجوز وقوعها في غير أشهر الحج (129). و لو أحرم بها من دون ذلك، ثم خرج إلى أدنى الحل، لم يجزه الإحرام الأول (130)، و افتقر إلى استئنافه.

و هذا القسم أو القران، فرض أهل مكة و من بينه و بينها دون اثني عشر ميلا من كل جانب. فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز (131).

قبال عمرة التمتع التي يجب

تقديمها عليه. و أما وجوبها و ارتباط الحاج بها بمعنى أنه هل يجب على المفرد في حج الاسلام العمرة و لو كان قد اعتمر قبل الاستطاعة أولا؟ و هكذا لزوم الفورية فيها و تحديد الفورية، سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى. فانتظر.

______________________________

(128) يعني حدود الحرم، كالتنعيم و الجعرانة و الحديبية. و يجوز الاحرام لها من المواقيت، أما غير الميقات و أدنى الحل فلا، لأصالة عدم المشروعية.

(129) المقصود بالحكم هو العمرة التي يجب الإتيان بها في الحج. و سيأتي منه لزوم إيقاعها فورا و هو ينافي جواز وقوعها في غير أشهر الحج إلا ان يريد من الجواز هو الوضعي، فلا ينافي وجوب الفورية لصيرورته آثما بالتأخير ليس إلّا.

أما مشروعية وقوعها في غير أشهر الحج فهو من المسلمات لإطلاق أدلتها.

(130) لعدم مشروعيته من غير أدنى الحل، فيبطل.

(131) قال صاحب المدارك «1» إنه مذهب الاصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 189، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 397

و هل يجوز اختيارا؟ قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الأكثر (132)، استدل عليه مضافا إلى العمومات بفحوى ما دل على جواز عدول المتمتع إلى حج الافراد مع الضرورة فان الضرورة إذا كانت مسوغة للعدول من الافضل إلى المفضول كانت مسوغة للعكس بطريق أولى.

و يتحصل أن الأدلة ثلاثة:

الأول: دعوى الاجماع. و هي إن تمت لا تصلح دليلا لعدم إحراز كونه إجماعا تعبديّا بعد وجود غيره من الأدلة.

الثاني: العمومات و لعل المراد بها ما دل على جواز عدول المفرد إلى التمتع، و لكنه قاصر عن إفادة المدعى، لأنه إنما يدل على مشروعية

العدول أما إجزاء التمتع لمن وظيفته الافراد فلا دلالة له عليه.

الثالث: الاولوية المزبورة، و هي ممنوعة لا شاهد لها فهي بالقياس أشبه.

ثم إنه بناء على تقديم العمرة المفردة اختيارا على الحج يشكل تحقق الاضطرار.

______________________________

(132) المقصود هو إتيان من وظيفته الافراد بحج التمتع اختيارا.

و الوجه عدم الجواز، لما تقدّم «1» من نفي مشروعية المتعة لأهل مكة و غيرهم ممن كان دون حدّ التمتع.

و قد استدل مدعي الجواز بوجوه:

الأول: الإجماع، و هو واضح البطلان بعد وجود المخالف، بل فى المتن أن

______________________________

(1)- تقدم في تحديد البعد المعتبر في التمتع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 398

..........

الأكثر على عدم الجواز.

الثاني: أن حج التمتع عبارة عن حج الإفراد و زيادة، فلا يمنع من العدول لأنه جاء باعمال حج الإفراد.

و فيه:

أولا: أنه يمكن أن يكون الاختلاف بين نوعي الحج، كالاختلاف بين صلاة الظهر و العصر و الصبح في كون كل منهما مشتملا على عنوان قصديّ، فقصد غيره لا يحققه.

و ثانيا: أن هناك أمرا معتبرا في حج الإفراد و هو الإحرام من الميقات، أو من دويرة أهله، مع أن إحرام حج التمتع من مكة، فهما يختلفان في هذا الأمر.

الثالث: ما دل من النصوص على جواز تمتع المكي و هو رواية عبد الرحمن بن الحجاج «1»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل و كان الاهلال أحب إليّ».

كما تدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين، عن أبي الحسن عليه السّلام. فلاحظها.

و لا يخفى

أنها تختص بمن كان مسافرا من مكة و مرّ ببعض المواقيت حين رجوعه و هو مما سيأتي الكلام فيه.

و محل الكلام- كما في «الجواهر «2»»- من كان في مكة و أراد الحج، و هي لا تدل على جواز التمتع له، فالتمسك بعمومات ما دل على نفي المشروعية لأهل مكة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ج 8/ باب 7: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 49، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 399

و لو قيل: بالجواز لم يلزمهم هدي (133). و شروطه ثلاثة: النيّة (134). و ان يقع في أشهر الحج (135)،

و نحوهم متعين.

______________________________

(133) لعله «1» لاجل دعوى كون الهدي جبرا لعدم الاحرام من الميقات المنتفي في الفرض، لأنّ ميقات أهل مكة نفس مكة و قد أحرموا منه الحج فلا موضوع للجبر.

و فيه:

أولا: أن دليل الهدي لا ظهور له في ذلك بل هو ظاهر في كونه حكما تعبّديا على من أتى بحج التمتع.

و ثانيا: أن التعليل أخص من المدعى، إذ قد يكون منزله الميقات، أو غير مكة فيفوته الإحرام من المكان المفروض عليه. فلاحظ.

(134) اعتبارها واضح لاجل أنه عبادة، فيعتبر فيه النية.

(135) لدلالة الآية عليه و هي قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ «2» و سيأتي ما يدل على لزوم وقوع الاحرام في أشهر الحج، و لو لم يكن جزءا للحج و كان شرطا.

______________________________

(1)- لعلّه- أيضا- لما في رواية الاعرج من ان الاضحى على أهل الامصار. فراجع.

(2)- سورة البقرة، 2: 197.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 400

و ان يقعد احرامه من ميقاته، أو من دويرة أهله ان كان منزله دون الميقات

(136).

[القران]

و أما القران:

و أفعال القارن و شروطه كالمفرد، غير انه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه (137).

______________________________

(136) كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

(137) هذا هو المشهور و في مقابله قول آخر يحكى عن ابن أبي عقيل «1» و هو أن القارن معتمر أولا و لا يحل من العمرة حتى يفرغ من الحج.

و يدل على القول المشهور النصوص الكثيرة المصرحة بعدم الفرق بين حج الإفراد و القران إلّا بسياق الهدي، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ... الحديث «2»».

و رواية منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يكون القارن إلا بسياق الهدي و عليه طوافان بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة، كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي «3»». و نحوهما غيرهما، فراجع مضانّها.

و قد استدل للقول الآخر بوجوه:

______________________________

(1)- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 4: ص 24.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب اقسام الحج، ح 6.

(3)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 401

..........

الأول: ما روي من حج النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنه لم يذكر فيها أنه اعتمر بعد الحج، بل كانت عمرته قبل الحج و لم يتحلل من إحرامه منهما، لكنه سائق هدي فلم يفترق حجه من حج غيره من المسلمين الذي جعله حج تمتع إلا بعدم التحلل، خصوصا بملاحظة قوله صلّى اللّه عليه و آله دخلت العمرة في الحج.

الثاني: رواية «العلل»، عن الفضيل بن عياض، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل أبو عبد اللّه عليه

السّلام عن الاختلاف في الحج فبعضهم يقول: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مهلا بالحج و قال بعضهم مهلا بالعمرة و قال: بعضهم خرج قارنا و قال: بعضهم ينتظر أمر اللّه عز و جل، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: علم اللّه عز و جل إنها حجة لا يحج بعدها، فجمع اللّه له ذلك كلّه في سفرة واحدة، ليكون جميع ذلك سنّة لأمته، فلمّا طاف بالبيت و بالصفا و المروة، أمره جبرئيل أن يجعلها عمرة إلّا من كان معه هدي، فهو محبوس على هديه، لا يحلّ لقوله عز و جل: حتّى يبلغ الهدي محلّه فجمعت له العمرة و الحج ... «1»».

الثالث: ما في المرسل «2» من إنكار عثمان على عليّ امير المؤمنين عليه السّلام، لانّه قرن بين الحج و العمرة بقوله: لبيك بحجة و عمرة معا.

الرابع: رواية الحلبي المتقدمة إذ فيها: «أيما رجل قرن بين الحج و العمرة فلا يصلح إلّا أن يسوق الهدي قد أشعره أو قلّده، و الإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة، حتى يدميها، و إن لم يسق الهدي فليجعلها متعة».

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: علل الشرائع، ج 2: ص 118/ ح 3، ط دار الحجّة.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 21: من ابواب الاحرام، ح 7.

البيهقي، احمد بن حسين: السنن الكبرى، ج 4: ص 352، ط دار المعرفة.

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 85/ المسألة 282.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 402

..........

و جميع هذه الوجوه محل خدشة:

أما الأول: فعدم ورود ما يدل على عدم الاعتمار بعد لا يدل على أن حج القران كالتمتع، كيف و صريح النص أنه نوى الإفراد، فمن

الممكن أن يكون قدّم عمرة حج الإفراد، أو لم يأت بالعمرة أصلا، لكون حجه استحبابيّا.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «دخلت العمرة في الحج» ينظر فيه إلى حج الناس، بعد ما أمرهم بجعل أعمالهم عمرة، فلا دلالة له إلّا على ارتباط حج التمتع بها.

و أما الثاني: فالرواية ضعيفة السند مفككة التعبير مما و قد يدّعى أن المضامين ليست من الامام عليه السّلام.

و أما الثالث: فقد روي المرسل بنحوين، احدهما: إنكار عثمان على عليّ عليه السّلام- كما فى «الجواهر «1»»-. و الآخر على العكس- كما فى «المدارك «2»»-، فعلى الأول: يمكن أن يكون إنكار عثمان على الإمام عليه السّلام لأجل أنه جاء بحج التمتع، فعدل عنه ظاهرا بهذا اللفظ و هو لا يدل على القران في العمرة كيف و هذا اللفظ مما يقال في إحرام حج التمتع.

و على أي حال، فالرواية مرسلة مروية من طرق العامة. و أنه قال فى «المدارك «3»» أنها موجودة في كتبنا.

و أما الرابع: و هو عمدة الوجوه، لصحة سند الرواية فقد حكي عن الشيخ رحمه اللّه «4» توجيهها بان المراد القران بين الحج و العمرة باللفظ بان يقول: «إن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 52، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 194، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- المصدر، ص 195.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 42، ح 124.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 403

..........

لم يكن حجة فعمرة». فينوي الحج، فان لم يتم له الحج جعلها عمرة مبتولة، و أيد ذلك بما ورد من استحباب الاشتراط المذكور.

و هو بعيد عن ظاهر لفظ

الرواية. و لذلك وجهها فى «المدارك «1»» بان أقصى ما تدل عليه هذه الرواية أنه من قرن بين الحج و العمرة في النية يلزمه السياق، و لا يلزم من ذلك وجوب تقديم العمرة على الحج، و لا عدم التحلل منها إلا بالتحلل من الحج، كما ذكره ابن أبي عقيل «2» خصوصا مع التصريح في أول الرواية بعدم الفرق بين القران و الافراد إلا بالسياق.

و وجهها فى «الجواهر «3»»: بأن المراد أنه لا يصلح القران بجمع الحج و العمرة، إذ ليس القران إلا أن يسوق الهدي لا كما يصفه العامة من القران الذي هو الجمع بينهما باحرام و احد.

أقول: صريح صدر الرواية- كما عرفت- عدم الفرق بين حج القران و الإفراد إلا بالهدي. و عليه، فلا بد من حمل الذيل على بعض المحامل، فلا يهمنا تعيين هذه الوجوه أو ذكر غيرها. فالتفت.

ثم إن إحرام القران يتحقق بالتلبية و الاشعار و التقليد و هذا الحكم لا إشكال فيه لدلالة النصوص عليه، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، و الاشعار، و التقليد؛ فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «4»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 194، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- حكي عنه كما في «مختلف الشيعة»، ج 4: ص 24.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 55، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 20.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 404

و إذا لبّى استحب له اشعار ما يسوقه من البدن (138)، و هو أن يشق سنامه من الجانب الأيمن، و يلطّخ

صفحته بدمه (139). و إن كان معه بدن دخل بينها، و اشعرها يمينا و شمالا (140).

و التقليد: أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا، قد صلى فيه. و الإشعار و التقليد للبدن. و يختص البقر و الغنم بالتقليد. و لو دخل القارن أو المفرد مكة، و أراد الطواف جاز (141)،

______________________________

(138) ذكر فى «المدارك «1»» أنه لا دليل على ذلك سوى إطلاقات ما دل على استحباب الاشعار.

و فيه: أنه لا اطلاق لدينا في ذلك، بل كل النصوص واردة في بيان كيفية الاشعار أو نحو ذلك من الجهات. و لعله يجي ء بعض الكلام فيه فيما بعد.

(139) كيفية الإشعار بهذا النحو مما تدل عليه النصوص «2» مجموعا فراجعها.

(140) كما تدل عليه رواية جميل «3».

و الأمر سهل فيه و في التقليد و شئونه فلا نطيل فيه الكلام لاستحبابهما و قلة الابتلاء به.

(141) الكلام في موردين:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 194، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 405

..........

الأول: في جواز الطواف للمفرد و القارن إذا دخلا مكة قبل الحج.

الثاني: في جواز الطواف للمتمتع بعد إحرامه للحج.

أما جواز الطواف الواجب للمفرد و القارن و تقديمه على الحج، فهو مما لا إشكال فيه بحسب النصوص و إن ادعي الاجماع على لزوم الترتيب و تأخير طواف الحج على أعماله، و لكن الاجماع لم يثبت. و أما النصوص فهي:

رواية حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج أ يعجل طوافه أو يؤخره؟ قال: «هو و اللّه، سواء عجّله أو أخّره «1»».

و رواية زرارة، قال:

سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: «سواء «2»».

و روايته الاخرى قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال: «يقدمه، فقال: رجل إلى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك، كان إذا قدم أقام بفخّ حتى إذا رجع [ر ا ح، خ ل] الناس إلى منى راح معهم. فقلت له: من شيخك؟ فقال: علي بن الحسين عليه السّلام. فسألت عن الرجل فإذا هو أخ علي بن الحسين عليه السّلام لأمه «3»».

و رواية إسحاق بن عمار- في حديث- قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: «لا، إنما طواف النساء بعد ما يأتي من منى «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 406

..........

و رواية حماد قد يدعى أنها غير ظاهرة في السؤال عن التقديم على أعمال الحج، بل يمكن أن يكون السؤال فيها عن لزوم الفورية و عدمها بعد الفراغ عن أعمال منى. و لكن لو سلم إجمالها فهي تحمل على التقديم لا المسارعة بقرينة الروايات الاخرى، فان روايتي زرارة الثانية و إسحاق بن عمار صريحتان في ذلك، و رواية زرارة الاولى ظاهرة لظهور الدخول إلى مكة في الدخول قبل الحج، و ظهور لفظ التقديم في الاتيان قبل الحج، إذ التقديم ظاهر في القبلية لا مجرد المسارعة.

و عليه، فمقتضى هذه النصوص هو الالتزام بجواز إتيان المفرد و القارن بطواف حجه قبل أن يأتي باعمال الحج الأخرى.

و لا معارض لها، فيتعين الأخذ بها.

و أما جواز تقديم طواف الحج للمتمتع، فالنصوص على طوائف ثلاث:

الأولى: ما دل على جواز التقديم بقول مطلق، ك:

رواية ابن بكير و جميل- جميعا- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه في الحج، فقال: هما سيّان قدمت أو أخرت «1»».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع ثم يحل بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى؟ فقال: «لا بأس «2»».

و نحوها رواية علي بن يقطين «3» عن أبي الحسن عليه السّلام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 407

..........

الثانية: ما دل على عدم جواز التقديم، و هو رواية أبي بصير قال: «قلت:

رجل كان متمتعا و أهل بالحج؟ قال: لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات فان هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف «1»».

الثالثة: ما دل على جواز التقديم في موضوع خاص و هو المضطر، كالشيخ الكبير و الحائض، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير، و المرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى «2»».

و رواية إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير، و المريض، و المرأة، و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى «3»».

و رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو

امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟ فقال:

«نعم، من كان هكذا يعجّل «4»».

و قد ذهب فى «المدارك «5»» إلى الجواز عملا بالطائفة الاولى من النصوص، أما رواية أبي بصير فقد ذهب إلى ضعف سندها لضعف جملة من رجاله. و لم يتعرض للطائفة الثالثة بقليل و لا كثير و لم يثبت إجماع قطعي على خلافه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب اقسام الحج، ح 5.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 198، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 408

..........

و في قباله التزم صاحب الجواهر «1» بعدم الجواز اختيارا تبعا للأصحاب، بدعوى أن ضعف رواية أبي بصير منجبر بعمل الأصحاب. مع أن مفهوم نصوص الطائفة الثالثة يقيّد إطلاق الطائفة الاولى.

و فيه: أما انجبار ضعف رواية أبي بصير فغير مسلم، إذ لو فرض جابرية عمل المشهور، فلا يحرز استناد المشهور في العمل إليها بعد وجود دعوى المفهوم للروايات الأخرى.

و أما دعوى المفهوم، ففيها أن روايتي الحلبي و اسماعيل لا مفهوم لها سوى مفهوم اللقب و هو غير ثابت. و أما رواية إسحاق، فالشرط مذكور في كلام السائل و لا ظهور للفظ «من» الوارد في كلامه عليه السّلام في كونه للشرط.

هذا، و لكن الانصاف ظهور هذه الطائفة في اختصاص الحكم بالمضطر، و لكن هذا لا يقتضي تقديمها على الطائفة الاولى لوجوه ثلاثة:

الأول: ظهور الطائفة الاولى في كون السؤال عن الحكم بلحاظ العنوان الأولي و هو عنوان المتمتع لا العنوان الثانوي و هو عنوان المضطر، فظهور الطائفة الثالثة يصادم ظهور الطائفة الاولى في كون الحكم

بلحاظ العنوان الأولي لا الثانوي.

الثاني: ظهور الطائفة الاولى في التخيير بين التقديم و التأخير كما هو ظاهر قوله: «هما سيّان»، مع أن المضطر الذي يعلم بفوات الطواف عليه لو أخّر يلزمه التعجيل. فتقييد الطائفة الاولى بالثالثة يقتضي إلغاء هذا الظهور أيضا.

الثالث: ما يظهر من التعليل في رواية إسحاق المذكورة في المورد الاول من قوله عليه السّلام: «إنما طواف النساء بعد ما يأتي من منى»، فان ظاهر عمومه و حصره

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 62، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 409

..........

جواز الاتيان بغير طواف النساء قبل المجي ء من منى للحاج المتمتع.

فهذه الوجوه الثلاثة تقضي بالتصرف بظهور الطائفة الثالثة بحملها على بيان لزوم التعجيل للمضطر أو رجحان التعجيل له في قبال غيره الذي لا يرجح له أحدهما أو يرجح له التأخير. إذ لا نصوصية لها في موردها مع مصادمة ظهورها لجملة من الظهورات.

و لعل ما ذكرنا هو الوجه في استيضاح صاحب المدارك للعمل بالطائفة الاولى و عدم المعارض لها. فتدبر.

هذا كله بالنسبة إلى الطواف الواجب. أما الطواف المستحب، فقد ذهب صاحب المدارك «1» إلى جوازه للمفرد و القارن للاصل الخالي عن المعارض، و ذكر فى «الجواهر «2»» أن المراد بالاصل المطلقات الدالة على رجحان الطواف.

أقول: إن كان البحث في مشروعية الطواف لاحتمال تقييد رجحانه بغير هذا المورد كان لما ذكره صاحب الجواهر وجه، إذ المطلقات تتكفل إثبات رجحانه مطلقا و لا مقيد لها، و يتعين أن يكون نظر المدارك إليها.

و أما إذا كان البحث- كما هو الظاهر- في مشروعية الطواف لاحتمال عدم مشروعيته لإخلاله بالاحرام، فلا وجه للتمسك بالمطلقات، لعدم النظر فيها إلى هذه الجهة

قطعا، بل يتعين أن يكون المراد بالاصل في كلام المدارك هو الاصل العملي أعني: أصالة البراءة من تقييد الاحرام بعدم الطواف قبل الحج، فيثبت عدم مانعية الطواف به فيكون مشروعا. فلاحظ.

و أما الطواف المستحب للمتمتع بعد إحرامه للحج قبل الخروج إلى منى.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 197، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 58، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 410

..........

ففيه قولان أشهرهما المنع- كما فى «المدارك «1»»-. و استدل له برواية الحلبي قال: «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام يطوف بالبيت؟ قال: نعم، ما لم يحرم».

و اختصاصها بالمتمتع يبتني على استظهار إرادة إنشاء الاحرام و إحداثه من قوله: «يحرم»، لا إرادة كونه في حال الاحرام، و استظهار إرادة إنشائه من مكة لا الأعم منها و غيرها. و إلا فلو اريد منه كونه في حال الاحرام، يعني ما لم يكن محرما، أو اريد ما لم يحدث إحرامه من المكان الموقت له لم يكن له ظهور في خصوص المتمتع بل في خصوص غيره على الاول. و فى الأعم منه و من غيره على الثاني. و كلا الاستظهارين محلّ تأمّل.

و على كل حال، فلو سلم اختصاصها بالتمتع فهي معارضة ب:

رواية إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: ... و سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج عليه شي ء؟

«فقال: لا «2»».

و رواية عبد الحميد بن سعيد، عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد إحرامه و

هو لا يرى أن ذلك لا ينبغي أ ينقض طوافه بالبيت إحرامه فقال: «لا، و لكن يمضي على إحرامه «3»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 198، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب اقسام الحج، ح 7.

(3)- المصدر، ج 9/ باب 83: من ابواب الطواف، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 411

لكن يجدّد أن التلبية عند كل طواف لئلا يحلّا على قول (142).

______________________________

(142) قد عرفت جواز الطواف الواجب و المندوب للقارن و المفرد. و قد وقع الكلام في لزوم التلبية بعد الطواف. و في المسألة أقوال:

الأول: لزوم التلبية لكل منهما و بدونها يحلان و ينقلب حجهما عمرة. و هو قول الشيخ فى «النهاية «1»» و موضع من «المبسوط «2»» على ما قيل.

الثاني: أن المفرد يحل بترك التلبية دون القارن و هو المنسوب إلى الشيخ فى «التهذيب «3»».

الثالث: أن التلبية تلزم القارن دون المفرد و هو المحكي عن المرتضى «4» و المفيد «5» و لم يتعرضا للاحلال و عدمه.

الرابع: أن التحلل يحصل بالنية دون الطواف و لا يجب تجديد التلبية و هو اختيار المتن و ابن إدريس «6».

و قبل بيان منشأ كل قول ينبغي ذكر روايات الفرع المزبور و هي كثيرة:

فمنها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني اريد الجواز بمكة فكيف أصنع؟ قال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها بالحج. فقلت له: كيف أصنع إذا دخلت مكة اقيم إلى التروية

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 172، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1:

ص 311، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 44، الطبعة الاولى.

(4)- المرتضى، علي بن الحسين: جمل العلم و العمل، ص 104 (سلسلة الينابيع الفقهية، ج 7).

(5)- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 391، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي.

(6)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 496، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 412

..........

لأطوف بالبيت؟ قال: تقيم عشرا لا تأتي الكعبة إنّ عشرا لكثير إنّ البيت ليس بمهجور، و لكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين الصفا و المروة قلت له:

أ ليس كل من طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ؟ فقال: إنك تعقد بالتلبية.

ثم قال: كلما طفت طوافا و صليت ركعتين فاعقد طوافا بالتلبية «1»».

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال: نعم، ما شاء و يجدد التلبية بعد الركعتين و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية «2»».

و منها: رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحل، أحب أو كره «3»».

و مثلها رواية ابن بكير بزيادة «إلّا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدي و أشعره و قلده «4»».

و منها: رواية معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لبّى بالحج مفردا فقدم مكة و طاف بالبيت و صلّى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة قال: فليحل و ليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدي «5»».

و منها

رواية يونس بن يعقوب، عمن أخبره عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 312/ المسألة: 2546.

(5)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب اقسام الحج، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 413

..........

طاف بين هذين الحجرين الصفا و المروة أحد إلا أحلّ إلا سائق هدي «1»».

و منها: رواية أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة فقال: إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له «2»».

و منها: رواية زرارة قال «جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السّلام و هو خلف المقام فقال: إني قرنت بين حجة و عمرة فقال له: هل طفت بالبيت؟ فقال: نعم، فقال:

هل سقت الهدي؟ فقال: لا قال: فأخذ أبو جعفر عليه السّلام بشعره و قال: أحللت، و اللّه «3»».

و منها: رواية الفضل بن شاذان المروية فى «العلل»، عن الرضا عليه السّلام- في حديث-. «... إنما امروا بالتمتع الى الحج لانه تخفيف ... و أن لا يكون الطواف بالبيت محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلّا لعلة فلو لا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف لانه إن طاف أحلّ و أفسد إحرامه و يخرج منه قبل أداء الحج ... الحديث «4»».

و منها: رواية زرارة «5»، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام- في حديث-. «... قلت فما الذي يلي هذا؟

قال: ما يفعله الناس اليوم يفردون الحج فإذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلّوا و إذا لبّوا أحرموا فلا يزال يحل و يعقد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب اقسام الحج، ح 6.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- المصدر/ باب 2: من ابواب اقسام الحج، ح 27.

(5)- المصدر/ باب 4: من ابواب اقسام الحج، ح 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 414

..........

حتى يخرج إلى منى بلا حج و لا عمرة». و نحوها رواية عمر بن أذينة «1».

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل أفرد الحج فلما دخل مكة طاف بالبيت، ثم أتى أصحابه و هم يقصرون فقصر معهم ثم ذكر بعد ما قصر إنه للحج مفرد فقال ليس عليه شي ء إذا صلى فليجدد التلبية «2»».

و منها: رواية ابراهيم بن ميمون، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال: قل لهم إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا و ليطوفوا بالبيت و بين الصفا و المروة ثم يطوفوا فيعقدوا بالتلبية عند كل طواف ... «3».

و منها: رواية صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه السّلام:

«إن ابن السراج روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل بالحج، ثم يدخل مكة فطاف بالبيت سبعا و سعى بين الصفا و المروة فيفسخ ذلك و يجعلها متعة فقلت له: لا فقال: قد سألني عن ذلك فقلت له: لا و له أن يحل و يجعلها متعة ... «4»».

هذا مجموع الروايات و الاحتمالات في مؤثرية الطواف ثلاثة:

الأول: انقلاب الحج

إلى عمرة بالطواف و صيرورة الحج تمتعيا.

الثاني: الاحلال من الاحرام بالطواف و انعقاده بالتلبية.

الثالث: الاحلال منه بالطواف إذا لم يلبّ، فيكون عدم التلبية قيدا في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب اقسام الحج، ح 18.

(2)- المصدر، ج 9/ باب 11: من ابواب التقصير، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 4.

(4)- المصدر/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 415

..........

الاحلال. و أما اختصاص الحكم بالمفرد أو القارن أو عمومه لهما فقد عرفت الكلام فيه.

و في قبال هذه الاحتمالات مذهب المتن و هو عدم تأثير الطواف في الاحلال و إنما الاحلال يكون بالنية. و هو مذهب صاحب الجواهر «1».

و الذي يظهر من الروايات من الاحتمالات الثلاثة هو الثاني و بالخصوص رواية العلل المعبرة بفساد الاحرام بالطواف.

و لكن صاحب الجواهر ذهب إلى لزوم التصرف في ظهور الروايات- بعد تسليمه في نفسه- لقرائن كثيرة:

منها: ما في رواية معاوية بن عمار من تعميم الأمر بالتلبية للمفرد و القارن بقوله: «يعقدان ما أحلّا بالتلبية» بضميمة ما سيأتي من بيان استحباب التلبية للقارن، فيكون ذلك قرينة على استحبابها للمفرد أيضا في هذه الرواية للأمر لهما بلفظ واحد، و يكون ذلك قرينة على إرادة الاستحباب من سائر الروايات.

و منها: شدة استبعاد الاحلال قهرا بالطواف و هو مما تدل عليه الروايات.

و منها: أن انعقاد الاحرام أمر لا بدّ و أن يتحقق بالقصد و النية، لانه عبادة، مع ظهور بعض الروايات في انعقاد الاحرام بالتلبية قهرا.

و منها: ما دل على حصر الاحلال بالتقصير، فيدور الأمر بين تقييده بهذه النصوص و بين التصرف فيها بحملها على غير ظاهرها.

و منها: أن

تبدل الحج إلى التمتع موجود في روايات العامة مما يؤيد حملها على التقية أو غيره من المحامل خصوصا بملاحظة اختلافها في تعيين حد التلبية بين ما بعد الطواف و ما بعد صلاته و ما بعد السعي مما يكشف عن عدم تحقق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 70، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 416

..........

الاحلال، و إلا فلا معنى للسعي بدون إحرام لو كان يحلّ بالطواف و يلتفت إلى حكمه بعد السعي.

و الإنصاف أن شيئا مما ذكره لا يصلح لصرف ظهور الروايات- لو سلم في نفسه-.

أما الأولى: فلا تفيد استعمال الصيغة في الطلب الندبي، بل يمكن أن تكون مستعملة في النسبة الطلبية الناشئة عن إرادتين إحداهما حتمية و الثانية غير حتمية، نظير قول الآمر: «اغتسل للجنابة و الجمعة». فالطلب المتعلق بأمرين في استعمال واحد لا ينافي وجوب أحدهما و استحباب الآخر- كما حقق في الاصول-، و بالأخص على مذهب النائيني رحمه اللّه «1» الذي يرى خروج الوجوب و الندب عن مدلول الكلام.

و أما الثانية: فيدفعها أنه لا وجه لاستبعاد الاحلال العمدي بعد ما كان الاحرام أمرا جعليا بيد الشارع سواء قلنا إنه ذو حقيقة منحازة عن أعمال الحج يترتب عليه آثار شرعية، كالطهارة. أو قلنا إنه لا حقيقة له إلا الشروع في الحج، كالاحرام في الصلاة- كما يذهب إليه صاحب المستند «2»-.

و أما الثالثة: فما يظهر منه انعقاد الاحرام بالتلبية قهرا ليس إلا رواية أبي بصير لقوله عليه السّلام فيها: «و إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له «3»»، فإنه ظاهر في عدم الالتفات إلى كون التلبية سببا للتجديد.

______________________________

(1)- الكاظمي، الشيخ

محمد علي: فوائد الاصول، ج 1: ص 136، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 282، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب اقسام الحج، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 417

..........

و لكن الإنصاف أنه لا دلالة لها على ذلك، بل هي في مقام نفي مشروعية المتعة بعد التلبية لاجل انعقاد الاحرام من جديد بها. أما أن انعقاد الاحرام بها قهري و لو مع عدم القصد، فهو أجنبي عن مفاد الرواية. فيتبع في اعتبار النية فيه و عدمه دليله.

هذا مع ما سيأتي من عدم ظهورها في كون التلبية سببا لتجديد الإحرام، فهي أجنبية عما نحن فيه بالمرة.

و أما الرابعة: فيدفعها: أن روايات الحصر تقيّد بهذه النصوص، و لا وجه للتصرف فيها و عدم تقييد الاطلاق دليل الحصر.

و أما الخامسة: فيدفعها: أن وجود مضمون الروايات في نصوص العامة لا يسوّغ حملها على التقية، و لا إختلاف في الروايات من جهة حد التلبية، بل الاختلاف فيها في السؤال، و هو لا يدل على إختلاف التحديد، مع ما ستعرف من توجيهها بنحو يرفع التنافي بينها.

و قد ذكر قدّس سرّه غيرها من القرائن المرتبطة بنفي احتمال تبدل الحج إلى تمتع من عدم كون الفرض في بعض الاحيان هو التمتع و عدم مشروعيته و نحو ذلك، و هو لو تم فانما ينفي الاحتمال الأول لا أنه يوجب صرف الروايات عن ظاهرها و حملها على خلافه.

و بالجملة، إذا ثبت للروايات ظهور في تحقق الاحلال بالطواف، فلا وجه لرفع اليد عنه بهذه القرائن. فينبغي لنا تصفح الروايات و معرفة مقدار دلالتها و عموم الحكم فيها

للقارن و المفرد. فنقول:

أما رواية عبد الرحمن بن الحجاج، فهي تدل على تحقق الاحلال بمجرد الطواف و صلاته و إن ورد في كلام السائل ما يدل على ارتكاز تحقق الاحلال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 418

..........

بعد الطواف و السعي، لكن قوله عليه السّلام: «كلما طفت طوافا و صليت ركعتين» بعد السؤال المزبور يكشف عن عدم دخالة السعي في الاحلال خصوصا مع تعرض الامام عليه السّلام لصلاة الطواف مما يكشف عن كونه في مقام التحديد، و يكشف ذلك أن ذكر السعي في كلام السائل لغلبة وقوعه بعد الطواف. و ظاهر هذه الرواية كون موضوعها المفرد.

و أما رواية معاوية بن عمار، فهي ظاهرة في تحقق الاحلال بالطواف و لزوم تجديد التلبية بعد ركعتيه، كما أنها شاملة للمفرد و القارن صريحا.

و أما رواية زرارة، فهي ظاهرة في تحقق الاحلال بالطواف و السعي، لكن بقرينة ما تقدّم يحمل ذكر السعي على كونه غالبيا. و هي بإطلاقها تشمل جميع أفراد الحج.

و أما رواية معاوية بن عمار الثانية، فهي لا ترتبط بما نحن فيه، بل ترتبط بجواز العدول من الافراد إلى التمتع، و إن كانت ظاهرة في عدم تحقق الإحلال بطوافه، و لكن تحمل بقرينة ما دل صريحا على تحقق الاحلال على الامر ببقائه على الاحلال.

و أما رواية يونس بن يعقوب، فهي ظاهرة في تحقق الاحلال بالسعي لغير القارن، و هو مما لا يلتزم به أحد و لا يقول به فقيه. فلعل ذكر السعي بالخصوص من باب ملازمته للطواف و عدم مشروعيته بدونه، فتأمل.

و أما رواية أبي بصير، فهي تتكفل نفي مشروعية المتعة بعد التلبية و السؤال عن ذلك و لا دلالة لها على تحقق الاحلال،

إذ يمكن أن تكون التلبية مؤكدة للإحرام لا مجدّدة.

و أما رواية زرارة الثانية، فهي لا تخلو عن غموض، إذ المقصود من أخذ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 419

..........

بشعره أنه عليه السّلام أخذ بشعر الرجل بقصد التقصير و جعلها عمرة، فالتقصير لا بدّ له من نية فنفس أخذه عليه السّلام بدون إلفات سابق لا يحقق الاحلال، و إن كان المقصود أخذ بشعره الكريم نفسه تعجبا أو تأسفا، فلا وجه للتعجب أو التأسف بعد إمكان عقد الاحرام بالتلبية فعلا. و على كل فهي مختصة بغير القارن.

و أما رواية «العلل»، فهي ظاهرة في تحقق الاحلال بالطواف لغير المتمتع.

و أما رواية ابن بكير، فهي ظاهرة في تحقق الاحلال لغير القارن.

و أما رواية ابراهيم بن ميمون، فهي ظاهرة في لزوم التلبية عند كل طواف.

و إطلاقها من حيث الصلاة و عدمها يقيد بما دل على كون التلبية بعد الصلاة.

و أما رواية صفوان، فالكلام فيها هو الكلام في رواية معاوية الثانية.

و أما رواية معاوية بن عمار الثانية، فهي و إن كانت ظاهرة في وجوب التلبية لكن قوله عليه السّلام: «إذا صلى ...» لم يعرف وجهه، إذ الظاهر أنه جاء بجميع أعمال العمرة بخيال أنه متمتع، فالتعليق على الصلاة مع وقوعها لا يعرف وجهه.

و أما رواية زرارة الثالثة، فهي ظاهرة في تحقق الإحلال بالطواف، و التجديد بالتلبية.

و بالجملة، فيتحصل مما ذكرناه حول دلالة هذه الروايات تحقق الاحلال بالطواف و ركعتيه و انعقاد الاحرام بالتلبية.

و هذا الحكم ثابت للمفرد بلا كلام، لاختصاص بعض الروايات به و لشمول إطلاق غيرها له من دون مقيد.

و أما القارن، فاطلاق بعض الروايات يشمله لكن صريح بعضها عدم تحقق الاحلال منه بالطواف، كرواية ابن

بكير و يونس بن يعقوب، كما أنه ظاهر روايتي معاوية و زرارة الثانيتين. و لا معارض لها سوى حسنة معاوية بن عمار

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 420

..........

الأولى.

فلا وجه لحمل الأمر فيها على الاستحباب، إذ التعارض بين إثباتها الاحلال و نفي غيرها له، و لا يمكن الجمع بين النفي و الاثبات.

و عليه، فيتعين القول بالتخيير بينهما- يعني في المسألة الاصولية-، فيمكن الالتزام بروايات عدم الاحلال، فتتجه فتوى صاحب الرياض «1» باحلال المفرد دون القارن. و أما القول بالعكس، فلا وجه له ظاهر اصلا.

و أما المتمتع، فاطلاق بعض الروايات يشمله، و لكن لم يتعرض له الاصحاب أصلا و لعل الوجه فيه أحد أمرين:

الأول: أنه لا معنى لانقلاب حجّه إلى تمتع بعد ما كان هو متمتعا، فالكلام الذي يجري في المفرد و القارن لا يتأتّى بالنسبة إليه.

الثاني: رواية ابن بكير بناء على أن المراد بمن اعتمر في عامه من جاء بعمرة التمتع كناية عنه. فلاحظ.

و على كل، فالروايات المطلقة شاملة لحج التمتع، فمع عدم ثبوت التقييد لا محيص عن الالتزام بالمطلقات.

ثم إنه هل يجوز الطواف المستحب من جهة مانعيته للاحرام، أو لا؟

الظاهر جوازه لصراحة بعض النصوص فيه، كرواية عبد الرحمن بن الحجاج، و حسنة معاوية بن عمار، و رواية ابراهيم بن ميمون، كما أن بيان الاحلال بالطواف و لزوم التلبية من دون تعرض للنهي عنه أصلا مما يظهر في جوازه. نعم، رواية العلل ظاهرة في الحرمة لكنها لا تصلح لمعارضة هذه النصوص، فتدبر.

______________________________

(1)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 159، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 421

..........

يبقى في المقام شي ء و هو بيان

المراد من قول الماتن: «و الحق أنه لا يحل إلّا بالنية».

فقد استظهر المحقق الشيخ علي «1» أن المراد أنه لا يتحقق الاحلال بالطواف إلا بنيته، و يورد عليه:

أولا: ما ذكره المحقق المزبور من أن نية التحلل لا تتحقق، لان الطواف إذا قصد به التحلل يكون محرما و حرمته تستلزم فساده، فلا يتحقق به الاحلال لانه ليس طوافا مشروعا.

و ثانيا: أن اعتبار النية لا دليل عليه أصلا، إذ ظاهر الروايات تحقق التحلل بالطواف، فمع العمل بها لا وجه لاعتبار نية التحلل فيه.

و لكن هذين الوجهين إنما يردان بناء على ما استظهره المحقق من عبارته.

و أما بناء على ما استظهره صاحب المدارك «2» من المراد أنه لا يحل إلا بنية العدول إلى العمرة. فالمعنى أن المفرد لا يتحلل قبل إكمال أفعال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة، فيتحلل مع العدول باتمام أفعالها.

و عليه، فلا يتحقق التحلل بالنية إلا في مورد يسوغ له العدول فيه الى العمرة- بناء على هذا-.

لا يتم هذان الوجهان، لبعدهما عن مراد المتن و عدم ارتباطهما به. هذا مع ما في الأول من الاشكال في نفسه، إذ لم تثبت حرمة الطواف المحلل بل عرفت جوازه بصريح النصوص.

______________________________

(1)- المحقق الثالث، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 173، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- العاملي، السيد علي: مدارك الاحكام، ج 7: ص 202، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 422

و قيل إنما يحل المفرد دون السائق. و الحق أنه لا يحل أحدهما الا بالنيّة، لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف. و يجوز للمفرد إذا دخل مكة، أن يعدل إلى التمتع (143).

ثم إن الحكم المزبور

لا يختص بالطواف المندوب لعموم الأدلة كما لا يخفى.

______________________________

(143) هذا الحكم فى الجملة مما لا إشكال فيه و تدل عليه النصوص، كما روي في حج النبي صلّى اللّه عليه و آله مع أصحابه حيث أمرهم بالعدول الى التمتع و كرواية معاوية بن عمار المتقدمة في التعليقة السابقة.

و لكن الإشكال في اختصاص هذا الحكم بالمندوب أو عمومه للواجب بالأصل- كحجة الاسلام-، أو بالعرض- كالمنذور و شبهه-.

ثم إنه ذكر فى «المدارك «1»» أن العدول إنما يتحقق إذا لم يكن ذلك في نية المفرد ابتداء و إلا لم يقع الحج من أصله صحيحا، لعدم تعلق النية بحج الافراد فلا يتحقق العدول عنه كما هو واضح.

و ناقشه فى «الجواهر «2»» بمنع توقف العدول على ذلك و بمنع انحصار الحكم في العدول و بظهور رواية عبد اللّه بن زرارة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أقرئ مني على والدك السلام- إلى أن قال:- و عليك بالحج أن تهل بالافراد و تنوي الفسخ إذا قدمت مكة فطفت و سعيت فسخت ما أهلت به و قلبت الحج عمرة- إلى أن قال:- فكذلك حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 72، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 205، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 423

و لا يجوز ذلك للقارن (144).

يفسخوا ما أهلّوا به و يقلبوا إلى عمرة ... الحديث «1»». فانها ظاهرة في كون نية الفسخ ص الاثناء من بداية العمل.

أقول: إنه و إن لم يؤخذ في موضوع الحكم العدول،

لكن أخذ في موضوعه التلبية بالحج مفردا. و مع الالتفات إلى أنه سينوي المتعة فى الاثناء لا يمكن أن يتحقق منه نية الافراد لعلمه بعدم كونه حج إفراد.

و عليه، فلا يتحقق موضوع الحكم و هو التلبية بالحج مفردا.

بل هكذا الأمر حتى مع تخيله صحة نية الافراد و لو كان سيعدل في الاثناء، إذ لو ينو حج الافراد حقيقة، بل ما هو بنظره حج إفراد، فهو نوى حج الافراد التخيلي.

و أما رواية عبد اللّه بن زرارة، فهي تحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون قدوم مكة قيدا لنية الفسخ.

الثاني: أن يكون قيدا للفسخ لا لنيته بان تتحقق النية من أول العمل.

و هي إنما تدل على المدعى على الاحتمال الثاني لا الأول، و هو لا دليل عليه، بل يشهد للأول ذيل الرواية، إذ أمره صلّى اللّه عليه و آله لاصحابه كان بعد قدومهم مكة لا من حين ابتداء العمل.

______________________________

(144) للنصوص الكثيرة الدالة على ذلك، كنصوص حجة النبي صلّى اللّه عليه و آله و عدم عدوله لأجل كونه قارنا. و كرواية معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب اقسام الحجّ، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 424

..........

عن رجل لبّى بالحج مفردا فقدم مكة و طاف بالبيت و صلى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة، قال: «فليحل و ليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن لبّى حتى يبلغ الهدي محله «1»».

و هذا مما لا كلام فيه: إنما الكلام فيما إذا فقد الهدي لموت أو ضياع، فهل يستطيع العدول و الاحلال أولا؟.

قد يدعى أن مقتضى التعليل «2»

الوارد في النصوص لعدم إمكان إحلال القارن بان إحلاله ببلوغ الهدي محله، ارتفاع المانع بفقد الهدي لارتفاع العلة.

و تنظر فيه فى «الجواهر «3»». و لعلّ الوجه في توقفه هو أن جواز الاحلال يتوقف على أمرين: مشروعية الاحلال في نفسه و عدم المانع منه.

و هذه الروايات إنما تتكفل نفي قابلية المورد للاحلال و وجود المانع بوجود الهدي. ففقدان الهدي إنما يلازم قابلية المورد أما مشروعيته فتحتاج الى دليل خاص لانه على خلاف القاعدة و لا دليل على جواز الاحلال في هذا الحال.

فلاحظ و تدبر.

ثم إن صاحب الجواهر تعرض في المقام الى ذكر فروع كثيرة و بما أن التعرض إليها سيكون في محلها أو كلنا ذكرها إليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب اقسام الحجّ، ح 11.

(2)- كما يظهر من رواية معاوية و عبد اللّه بن زرارة المتقدمتين.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 74، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 425

و المكّي اذا بعد عن أهله، و حج حجة الاسلام على ميقات، أحرم منه وجوبا (145).

______________________________

(145) الكلام في جهات ثلاثة:

الاولى: في لزوم الإحرام من الميقات. و يدل عليه ما ورد من النصوص من أن هذه المواقيت مواقيت لأهلها، و من مرّ عليها من غير أهلها، كرواية صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «... فكتب: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت المواقيت لاهلها و من أتى عليها من غير أهلها «1»».

الثانية: في جواز التمتع له. و يدل عليه روايتا عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان.

و عليه، فلا وجه لما عن ابن أبي عقيل «2» من التزامه بعدم مشروعية التمتع له استنادا الى

الآية الكريمة، إذ الآية تقيد بهاتين الروايتين كما لا يخفى.

الثالثة: في اختصاص المشروعية بالمستحب أو عمومها للواجب و المستحب.

و قد ذهب فى «الرياض «3»» إلى اختصاصها بالحج المستحب، لان هذه الطائفة الدالة على المشروعية معارضة بما دل على نفي مشروعية المتعة لأهل مكة.

و النسبة بينهما العموم من وجه، لاختصاص طائفة المنع بالفرض و عمومها لمن كان في مكة و خارجها. و اختصاص هذه الطائفة بمن كان خارج مكة و عمومها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 15: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 4: ص 33.

(3)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 144، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 426

..........

للفرض و المستحب، فمورد المعارضة هو الاتيان بالفرض لمن كان خارج مكة، و الترجيح لطائفة المنع لموافقة الكتاب و الكثرة. و مع فرض التساوي يتساقط الدليلان و المرجع هو الأصل و هو يقتضي الاشتغال لو جاء بالتمتع للشك في فراغ الذمة به، و المتيقن غيره.

و ناقشه فى «الجواهر «1»» بان الترجيح لطائفة الجواز، لفتوى المشهور بها، مع أن المنساق من روايات المنع غير الفرض. و مع تساوي الطائفتين، فالتخيير هو الموافق للأصل، و مع التساقط فالمرجع إطلاق أدلة وجوب الحج النافي لأخذ إحدى الخصوصيتين.

و تحقيق الكلام أن يقال: إن إحدى روايتي الجواز ظاهرة في كون موضوعها الحج الاستحبابي. و الاخرى و إن كانت مطلقة لكن يبعد إرادة العموم منها لاستبعاد عدم أداء المكي فريضة الحج قبل سنة خروجه بعد سهولته عليه، فالقدر المتيقن منها هو الحج الاستحبابي. و الآية الكريمة مطلقة من حيث الوجوب و الاستحباب، و الروايات واردة في بيان

معنى الآية و إيضاح المقصود منها، و حيث دلت الآية بظهورها على نفي صرف الوجود من المشروعية الملازم لنفي مطلق الافراد، و لم يتوجه النفي لافراد المشروعية أولا و بالذات، فان الظاهر من مثل التعبير ب: «لا متعة له» هو نفي صرف الوجود كما تشهد له الاستعمالات العرفية، لاجل ذلك كانت روايتا الجواز معارضة لها لاثباتها المشروعية و لكن لاجل أنّ موضوعها أخص من موضوع الآية و هو خصوص من خرج من مكة، تقيّد الآية بها و تثبت بها مشروعية الحج لهذا الموضوع، و قد عرفت أن القدر الثابت منه هو المشروعية بنحو الاستحباب، أما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 81، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 427

و لو أقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه، و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الاسلام (146).

الوجوب فلا تتكفله هذه الروايات، كما لا تنفيه الآية إذ قد عرفت انتقاض شمولها لهذا الموضوع لانها تنفي صرف الوجود و قد ثبت له و لا تنفي أفراد المشروعية كي يكون ثبوت أحدها غير مناف لانتفاء الآخر.

و عليه، فان كان هناك اطلاق يدل على مشروعية الحج بقول مطلق لكل أحد، تعين الأخذ به و الالتزام بمشروعية الحج التمتعي الواجب للمكي الخارج عن مكة، و إن لم يكن إطلاق كان المورد من مصاديق دوران الأمر بين التعيين و التخيير الشرعيين، فيبتني حكمه على ما يلتزم في تلك المسألة من براءة أو اشتغال، و الذي اخترناه «1» هو الثاني.

و من هنا ظهر حكم معارضة هاتين الروايتين لما ورد من الروايات في نفي المتعة مما لا ظهور له

في تفسير الآية. إذ هي و إن لم تكن في مقام التفسير لكن لسانها لا يختلف عن غيرها مما يتكفل نفي صرف الوجود فلاحظ. و هذا هو المتجه في التحقيق.

و أما ما ذكره صاحب الجواهر، فهو لا يخلو عن مناقشة لا تخفى على المتأمل. فتأمل.

______________________________

(146) الكلام في جهتين:

الجهة الأولى: في أن من كان فرضه التمتع و أقام بمكة مدة لا تستلزم انقلاب

______________________________

(1)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الاصول، ج 1: ص 499، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 428

..........

فرضه و أراد الاتيان بحج الاسلام، فمن أي موضع يلزمه الاحرام؟.

الجهة الثانية: في تحديد مقدار الاقامة الموجبة لانقلاب فرضه.

أما الجهة الاولى:

فتحقيق الكلام فيها أن الروايات الواردة على أنحاء ثلاثة:

الأول: ما يدل على لزوم الخروج إلى ميقات بلده و هو رواية سماعة عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج قال: نعم يخرج إلى مهل أرضه فيلبّي إن شاء «1»».

الثاني: ما يدل على لزوم الخروج إلى مطلق الميقات و هو:

رواية حريز- عمن أخبره- عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي، فاذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له أن يحرم من مكة، و لكن يخرج الى الوقت و كلّما حوّل رجع إلى الوقت «2»».

و رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال:- في حديث- «... و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنما هو مجاور أفرد العمرة، فان هو أحب أن يتمتع في أشهر

الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) إلى الحج ... «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8: من ابواب القسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 10: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 429

..........

و رواية إسحاق بن عبد اللّه «1»: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المعتمر (المقيم) بمكة يجرّد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ قال: «يتمتع أحب إليّ و ليكن إحرامه مسيرة ليلة أو ليلتين».

الثالث: ما يدل على الخروج من الحرم و هو:

رواية الحلبي، عن الصادق عليه السّلام: «... فاذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال يخرجون من الحرم. قلت: من أين يهلون بالحج قال: من مكة نحوا ممن يقول الناس «2»».

و رواية حماد، عن الصادق عليه السّلام: «... قلت: فان مكث الشهر قال يتمتع قلت:

من أين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم ... «3»».

و رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-. «... من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها، ثمّ يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر إلى البيت، ثم يطوف بالبيت و يصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام، ثم يخرج إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحلّ، ثم يعقد التلبية يوم التروية «4»».

و رواية عمر بن يزيد «5» التي ذكرها فى «الجواهر» و لكنها تختص بالعمرة.

و من جهة إختلاف الروايات اختلفت الاقوال.

و المشهور هو القول الأول، لرواية سماعة و يعضدها ما دل على تعيين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 4:

من ابواب اقسام الحج، ح 20.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 7.

(4)- المصدر/ باب 8: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 22: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 430

..........

المواقيت لأهلها و المفروض أنه من أهل الميقات الخاص فلا يجوز له الاحرام من غيره.

و الى هذا القول ذهب فى «الجواهر «1»»، بدعوى انجبار ضعف رواية سماعة بعمل المشهور، و عملا بروايات تعيين المواقيت لأهلها.

و أما القول الثاني الذي يستدل له بما تقدم من الروايات و بما دل على جواز الاحرام من الميقات لمن مرّ عليه من غير أهله، فقد نفاه بان لفظ «الوقت» في رواية حريز يحتمل أن يراد به الميقات المعهود. مع أنه مطلق يقيّد برواية سماعة. و أما دعوى دلالة النصوص على جواز الإحرام لمن مرّ على الميقات من غير أهله، فهي لا تنفع في إثبات المدعى، لانها لا تشمل من قصد من مكة الذهاب إلى غير ميقاته، بل تختص بمن جاء من خارج مكة قاصدا مكة فمرّ عليها.

و أما القول الثالث، فقد نفاه بندرة القائل به مع أن رواياته مطلقة تقيد برواية سماعة. هذا ملخص ما جاء في الجواهر.

و تحقيق الكلام: أن الاصل العملي يقتضي الاحرام من ميقات أرضه و ذلك لأن الاحرام إما أن يكون أمرا وضعيا نظير الطهارة بالنسبة إلى الصلاة، و إما أن تكون حقيقته الدخول في عمل الحج فتترتب عليه أحكامه.

فعلى الأول، يشك في تحققه بالعقد من غير ميقات أرضه و الأصل عدمه، لكون الشك في المحصل.

و على الثاني، يشك في تحقق عنوان الدخول في الحج بالعقد

من غير ميقات أرضه، لاحتمال دخالة عقده من ميقات أرضه فيه و لا محرز لثبوته، فالأصل عدمه. و لا يمكننا ترتيب آثاره عليه من صحة الطواف و نحوه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 86، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 431

..........

و بالجملة، فعنوان الدخول عنوان وجودي يشك في تحققه و لم يثبت أنه عنوان لواقع الاتيان باعمال الحج كي يكون الاتيان بالتلبية بضميمة أصالة البراءة من تقيدها بميقات أرضه محققا للدخول. فالتفت. هذا بالنسبة إلى الأصل العملي.

أما بالنسبة إلى الدليل الخاص، فرواية سماعة الدالة على الاحرام من مهل أرضه ضعيفة السند و انجبارها بعمل المشهور مخدوش صغرى، لاحتمال استناد المشهور إلى أدلة تعيين المواقيت لأهلها- كما استند إليها قدّس سرّه- لا إلى هذه الرواية.

و كبرى، لعدم ثبوت جابرية عمل المشهور لدينا.

و أما روايات تعيين المواقيت لأهلها، فهي تعمّم الحكم إلى مطلق من مرّ على الميقات، فاذا صدق المرور صح الاحرام منها، فللمقيم أن يخرج و يجاوز أحدها ثم يرجع إليه فيصدق المرور فيحرم منه.

و عليه، فدليل القول الأول غير ناهض.

أما القول الثاني، فدليله ما عرفت من الروايات و مناقشة رواية حريز باحتمال العهد.

تندفع: بعدم الشاهد عليه أصلا، مع أنه مناقشة لخصوص رواية حريز، أما غيرها فلا تتأتى فيها هذه المناقشة للتصريح فيها بمجاوزة ذات عرق و عسفان و بمسيرة ليلة أو ليلتين.

و قد يدعى أن هذه الطائفة معارضة بما دل على أن إحرام أهل كل قطر من موضع معين و النسبة بينهما العموم من وجه، لاختصاص هذه الطائفة بمن كان في مكة و اختصاص تلك بميقات خاص.

و تندفع هذه الدعوى:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج،

ج 1، ص: 432

..........

أولا: بان لسان هذه الطائفة لسان الحاكم على تلك الأدلة لانها ناظرة إليها و قد فرض فيها تشريع الميقات و الاحرام منه، فلا وجه لملاحظة النسبة بينهما.

و ثانيا: أن الطائفتين متباينتان موضوعا، فان هذه الطائفة تختص بمن كان في مكة و تلك الطائفة ناظرة إلى عدم جواز المرور بالميقات من غير إحرام و العبور عليه محلّا، فهي ناظرة إلى من كان خارج مكة و عبر عليها متوجها إلى مكة لا مطلق العراقي مثلا. فلاحظ.

و لعلّ هذا هو مراد صاحب الجواهر قدّس سرّه مما تقدّم في مناقشته للقول الثاني.

نعم، يعارض روايات القول الثاني روايات القول الثالث لان ظاهرها الاكتفاء بمجرد الخروج من الحرم، فلا وجه لجعل النسبة بينهما نسبة الاطلاق و التقييد بدعوى أن الخروج إلى الحرم مطلق يقيد بالميقات، لظهورها في أن مجرد الخروج منه يكفي في صحة الاحرام، لكن الحق أنها لا تصلح للمعارضة لعدم العمل بها من الاصحاب مطلقا سوى ابن إدريس على ما حكي عنه «1»، فاما أن تطرح أو تحمل على صورة الاضطرار و التعذر.

يبقى في المقام شي ء و هو أنه هل يعتبر في استطاعة المقيم- مع عدم انتقال فرضه- استطاعته من بلده أو من محلّه فعلا؟.

ذهب فى «المسالك «2»» إلى أن المعتبر هو استطاعته من البلد.

و الحق خلاف ذلك، لما عرفت من أن المأخوذ شرطا هو الاستطاعة

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 529 ط مؤسسة النشر الاسلامي.

و الظاهر ان الحكاية لا تطابق المحكي و رأيه رأي المشهور.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 207، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 433

..........

العرفية، فكل

ما صدق ذلك و تحقق وجب الحج. نعم، لو كان مقتضى الدليل اعتبار استطاعة خاصة للنائي كان مقتضى إطلاقه أو عمومه اعتبارها فيما نحن فيه و لكن ذلك مما لا دليل عليه. فالتفت.

و أما الجهة الثانية:

فالاقوال فيها مختلفة:

فقول يذهب إلى أن انتقال الفرض لا يتحقق إلا بمجاورة ثلاث سنين و هو المحكي عن الاسكافي «1» و «النهاية «2»» و «المبسوط «3»» و الحليّ «4».

و قول يذهب إلى أنه لا يتحقق إلا بمجاورة سنتين و الدخول في الثالثة و هو المشهور و اختيار المتن.

و قول يذهب إلى أنه لا يتحقق إلا بمجاورة سنة واحدة فقط و هو اختيار «الجواهر «5»». و النصوص في المقام مختلفة و إليك نصها:

رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكة بأي شي ء يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع «6»».

و رواية محمد بن مسلم- عن أحدهما عليهما السّلام- قال: «من أقام بمكة سنة فهو

______________________________

(1)- الاسكافي، ابن جنيد: الفتاوى، ص 97، ط مطبعة العلمية.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 206، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 308، الطبعة الاولى.

(4)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 522، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 89، الطبعة الاولى.

(6)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 8 و 9: من ابواب اقسام الحج، ح 3 و 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 434

..........

بمنزلة أهل مكة «1»».

و رواية الحسين بن

عثمان- و غيره عمن ذكره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«من أقام بمكة خمسة أشهر فليس له أن يتمتع «2»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له «3»».

و رواية عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فاذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع «4»».

و رواية الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها، قال: اذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة فاذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم ...». و نحوها رواية حمّاد «5».

و رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة يعنى يفرد الحج مع أهل مكة و ما كان دون السنة فله أن يتمتع «6»».

هذه جملة النصوص و هي كما ترى مختلفة المفاد، فانها أربع أقسام:

فقسم يدل على نفي التمتع لمن أقام خمسة أشهر، و هو مرسلة الحسين بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 3 و 2 و 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- المصدر، ح 7.

(6)- المصدر، ح 8.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 1، ص: 435

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 1، ص: 435

..........

عثمان.

و قسم يدل على نفيه لمن أقام ستة أشهر و هو رواية حفص بن البختري.

و قسم يدل على نفيه لمن أقام سنة و هو رواية محمد بن مسلم و الحلبي و حماد و عبد اللّه بن سنان.

و قسم يدل على نفيه لمن أقام سنتين و هو رواية زرارة و عمر بن يزيد و الحلبي و حمّاد.

و أما تخصيص النفي بمن أقام ثلاث سنين، فلا شاهد له من الروايات و لاجل ذلك لا اعتبار بالقول به.

و أما طريق الجمع بين النصوص المختلفة، فالتحقيق فيه أن يقال: إن رواية نفي التمتع لمن أقام خمسة أشهر مرسلة، فلا اعتبار بها، كما أنها رويت في بعض النسخ ستة أشهر. و أما رواية حفص الدالة على نفي التمتع لمن أقام أكثر من ستة أشهر فهي تامة السند، و تعارض ما دل على مشروعيته لمن أقام أكثر من ستة أشهر كرواية عمر بن يزيد، و لا يمكن الجمع العرفي بينهما لما قرّر من أن مدلولي الروايتين إذا كان هو النفي و الاثبات نظير «يعيد» و «لا يعيد» كانا متعارضين عرفا و إن كان أحدهما نصا في مدلوله و الآخر ظاهرا فيه.

و ما نحن فيه كذلك لان رواية حفص تنفي التمتع لمن أقام أكثر من ستة أشهر و رواية عمر بن يزيد تثبته، فلا طريق للجمع الدلالي بينهما. و مقتضى القواعد مع عدم المرجح هو التخيير بين الروايتين، فللفقيه الأخذ باحداهما.

لكن الذي يوهن رواية حفص هو عدم وجود القائل بمضمونها أصلا مما يوجب القطع او الاطمئنان بعدم صحتها.

و أما روايات السنة، فهي تعارض رواية عمر بن يزيد الدالة على جواز

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 1، ص: 436

..........

التمتع إلى سنتين، و طريق الجمع بينها هو التخيير في المسألة الفرعية. و ذلك لان رواية عمر نص في جواز التمتع الى سنتين و روايات السنة ظاهرة في تعيين عدم التمتع، لانّ ظاهر الأمر بالصنع كأهل مكة هو التعيين، فيتقيد إطلاقه الدال على التعيين برواية عمر و تكون النتيجة هو التخيير بين التمتع و غيره لمن أقام سنة إلى سنتين، و لم تتكفل روايات السنة نفي التمتع كي يشكل الجمع بينها عرفا، بل تكفلت للأمر بالصنع كما يصنع أهل مكة و هو ظاهر بإطلاقه في التعيين، فيرفع اليد عنه لورود الدليل النص على خلافه. و أما بعد إتمام السنتين فيتعين عليه الافراد او القران بمقتضى النصوص.

هذا هو التحقيق في كيفية الجمع بين النصوص و لعل التخيير الذي ذكرناه هو المراد من قول «المدارك «1»» بعد ذكر النصوص: «و يمكن الجمع بينها بالتخيير بعد السنة و الستة أشهر بين الفرضين».

و لكن عرفت أن التخيير لا وجه له بين روايتي حفص و عمر، إلا بنحو التخيير في المسألة الاصولية بناء على حجية كلا الخبرين في أنفسهما.

و قد ذكر للجمع بين هذه النصوص وجهان آخران:

الأول: ما ذكره صاحب الجواهر «2» من أن النصوص المتكفلة للترديد بين السنة و السنتين بأو، يراد بها الاكتفاء بالدخول في الثانية لا إتمامها، إذ لا معنى لها إلا ذلك، لان المفروض هو الاكتفاء بالسنة بحسب نفس الرواية فلا خصوصية للسنتين، و بقرينة هذه الروايات تحمل روايات السنتين، كرواية زرارة و عمر بن يزيد على إرادة الدخول في سنتين.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 210، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام،

ج 18: ص 89، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 437

..........

و على هذا يصحّ ما ذكره الشهيد «1» من ظهور اعتبار إقامة سنة من أكثر النصوص، إذ يمكن أن يكون مراده ظهور ذلك بعد الجمع المذكور، و أما روايات الستة أشهر فيمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان ستة أشهر أو الدخول في الشهر السادس أو على اعتبار مضي ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن. و بذلك اختار القول بالاكتفاء باقامة سنة و قال بعد تحقيقه المتقدم: «و بذلك بان لك قوة هذا القول المزبور و ان قلّ القائل به صريحا بل لم نعثر عليه».

و فيه: أن حمل نصوص الترديد- على ما ذكر- لا شاهد له عرفا و ليس هو بظهور ثانوي للفظ كي يحمل عليه جمعا، و ما هو الوجه في إبقاء لفظ «أقاموا» على ظاهرها بالإضافة إلى السنة و حملها على غير ظاهرها بالإضافة الى السنتين مع أنه كلام واحد.

و منه يظهر أنه لا وجه لحمل نصوص السنتين على إرادة الدخول، إذ هو لا يتلاءم مع لفظ المجاورة و الاقامة بنحو من الانحاء خصوصا مع رواية عمر بن يزيد بلفظ «جاوز» بالزاء المعجمة. فلاحظ.

الثاني: ما نقله فى «الجواهر» عن «كشف اللثام «2»» من أن المراد من السنتين سنتا الحج بمعنى مضي زمان يسع حجتين و هو سنة نظير ما يقال من أن شهر الحيض ثلاثة عشر يوما.

و هذا الوجه كسابقة في الضعف، إذ لا أثر في حمل السنة أو السنتين على

______________________________

(1)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 331، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- الفاضل الهندي،

الشيخ بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 64، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 438

..........

خلاف ظاهره من مضي المدة المعهودة و جعل المراد منه سنة الحج، إذ الملحوظ في الحكم هو نفي التمتع بعد مضي السنة، فلو اريد من السنة سنة الحج فلا تنتفي عنه مشروعية التمتع إلا بعد مضي زمان يسع حجا واحدا، و هذا يلازم بقاء المدة المعهودة للسنة، إذ بعد مضي الحج لا معنى لنفي مشروعية التمتع إلا بلحاظ الحج القابل و هو يلازم البقاء سنة. و هكذا الحال بالنسبة إلى السنتين، فان تعليق الحكم على مضي سنتي الحج لا أثر له إلا بلحاظ الحج الثالث و هو يلازم البقاء سنتين بالمعنى المعهود لهما.

إذن، فهذا الحمل لا أثر له في جعل المدة هي السنة أصلا. هذا مع أن سنتي الحج أكثر من السنة المعهودة. نعم، هي سنة تقريبية كما لا يخفى.

ثم انه لا وجه للتفكيك بحمل السنة على المعنى المعهود و السنتين على سنتي الحج. فالتفت و تدبّر.

فالجمع الصحيح ما ذكرناه و هو الذي أشار إلى بعضه في المدارك كما عرفت.

يبقى في المقام أمور:

الأمر الاول: هل يعتبر في الاقامة المحددة نية التوطن في مكة و قصد المكث فيها إلى آخر عمره أو يعتبر عدم النية أو لا يعتبر شيئا منهما؟. وجوه:

ذكر فى «المدارك «1»»: أن مقتضى كلام الاصحاب هو الثالث، كما أنه مقتضى إطلاق النص. و نفى الاحتمال الثاني بان إطلاق النص يدفعه.

و الحق أن الوجه الثاني غير بعيد عن ظاهر النصوص، و ذلك لان الظاهر من النصوص أن الحكم بعدم التمتع لمن أقام المدة المحددة تخصيص لعمومات

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7:

ص 210، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 439

..........

مشروعية التمتع للنائي و إلحاق للمقيم بأهل مكة و تنزيله منزلتهم، فقد فرض فيها السؤال عن أهل مكة أولا ثم السؤال عن القاطنين فيها مما يدل على أن القاطن ليس من أهل مكة، و هذا إنما يفرض إذا لم تكن الاقامة بقصد التوطن الدائمي، و إلا كان مضي ستة أشهر كافيا في كونهم من أهل مكة عرفا و شرعا، فلا وجه لجعلهم قسيما لأهل مكة و تخصيص الحكم بالاقامة سنة أو سنتين.

و بالجملة: فالقول الثاني قريب من ظاهر الروايات، فلا وجه لنفيه بإطلاق النص.

نعم، بعض نصوص الباب ليس فيها المقابلة المزبورة و لكن تحمل على غيرها مما يشتمل على المقابلة لوحدة المراد و العلم بان ما يراد من المقيم و القاطن في روايات المقابلة هو المراد منه في غيرها. فالتفت.

الأمر الثاني: هل يعتبر في انتقال الفرض تجدد الاستطاعة بعد الاقامة المحدّدة، فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض و ان طالت المدة أولا يعتبر ذلك؟.

ذهب الشهيد فى «المسالك «1»» إلى الأول، إذ مع سبق الاستطاعة يستقر التمتع في الذمة.

و لكنه قد يمنع بان ما يستقر في الذمة هو أصل الحج أما خصوصية التمتع فلا استقرار لها في الذمة بعد ورود هذه الادلة الحاكمة الدالة على تبدل الفرض، فيكون المورد نظير تبدل وظيفة التمام الى القصر عند السفر أثناء الوقت.

الأمر الثالث: هل يترتب على الاقامة المذكورة جميع آثار أهل مكة و أحكامهم أولا؟.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 208، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 440

و لو لم يتمكن

من ذلك، خرج الى خارج الحرم. فان تعذر، احرم من موضعه. فان دخل في الثالثة مقيما، ثم حجّ، انتقل فرضه الى القران او الافراد. و لو كان له منزلان بمكة و غيرها من البلاد، لزمه فرض أغلبهما عليه (147).

الظاهر هو الثاني، لكون المنظور هو نفي التمتع لا غير و لا إطلاق في دليل «1» التنزيل و المتيقن منه ذلك.

و عليه، فلو اعتبر في استطاعة النائي ما لا يعتبر في استطاعة المكي فلا بد من تحققه في وجوب الحج عليه، و لكن عرفت أن المعتبر في باب الاستطاعة هو الاستطاعة العرفية مطلقا فلا تظهر الثمرة في باب الاستطاعة فلاحظ.

الأمر الرابع: هل يلحق بالنائي المقيم في مكة- في انتقال الفرض- المكي المقيم في خارجها فينتقل فرضه إلى التمتع مع مضي المدة المعينة، أو لا؟

لا وجه لالحاقه به بعد اختصاص موضوع الأدلة بالنائي المقيم في مكة، فانه قياس و بطلانه واضح.

______________________________

(147) هذا الحكم مستنده رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «... أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة قال: فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله «2»». و عبارة الكتاب كعبارة الرواية تحتمل وجهين:

الأول: أن يراد بالغلبة الغلبة في السكنى و الاقامة، فأي البلدين تكون

______________________________

(1)- كرواية محمد مسلم.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 441

و لو تساويا كان له الحج بأيّ الأنواع شاء (148).

الاقامة فيه أكثر يثبت له حكمه و فرضه.

الثاني: أن يراد بها الغلبة في الاسم و لو مع قلة السكنى فيه، فأي البلدين ينسب إليه الشخص يثبت له فرضه.

و الذي تظهر فيه العبارة هو الثاني، لظهور

لفظ «الغالب عليه» فيه، إذ لا يعبّر عن الغلبة في السكنى بالغلبة عليه.

و قد أبدى صاحب الجواهر «1» كلا الاحتمالين و لم يرجح أحدهما على الآخر:

و حمل فى «المدارك «2»» عبارة الكتاب على الاوّل ابتداء و لم يذكر الاحتمال الثاني، و لكن عرفت ظهورها في الثاني و مع التشكيك تكون الرواية مجملة، فالمرجع هو الأصل الأولي. و سيتضح حكمه مما سيأتي في بيان حكم مورد الشك فى الغلبة و التساوي.

______________________________

(148) تحقيق الكلام في هذا الفرع: أنه مع التساوي:

إما أن نقول بشمول دليلي حج التمتع و حج الافراد أو القران لهما، لانه يصدق عليه أنه من أهله ليس حاضري المسجد الحرام فيشمله دليل حج التمتع، كما يصدق عليه أنه من أهل مكة فيشمله دليل حج الافراد أو القران.

و إما أن نقول بعدم شمول الدليلين له، لظهور كون موضوعهما من له

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 92، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 211، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 442

..........

اختصاص بالبعد أو القرب، فموضوع دليل حج التمتع من كان أهله غير حاضري المسجد الحرام بالخصوص، و موضوع دليل غيره من كان من أهل مكة بالخصوص، فلا يشمل أحد الدليلين ذا المنزلين و الاهلين.

فعلى الأول، يكون مقتضى الدليلين وجوب كلا الحجين و لكن حيث يعلم بعدم وجوب أكثر من حج واحد يقع التعارض بين الدليلين للعلم الاجمالي بعدم عموم أحدهما واقعا للمورد و مقتضى القاعدة هو تساقطهما، فيكون حكم المورد على هذا القول حكمه على القول الآخر.

و محصل الكلام فيه: على القول الآخر أنه حيث يعلم بعدم سقوط التكليف

بالحج عن هذا الشخص فيعلم اجمالا بوجوب إحدى الحجتين عليه. و الحكم هو التخيير. لانه إما أن يكون هناك إطلاق يدل على وجوب الحج بقول مطلق من دون تعيين نحو خاص منه فيؤخذ به و مقتضاه التخيير. و إما أن لا يكون هناك إطلاق فمقتضى الاصل العملي هو التخيير، لان العلم الاجمالي لا يدور بين وجوب كل منهما كي يقال أن مقتضاه الاحتياط بالجمع ليتحقق امتثال الواجب الواقعي، بل هو يدور بين أطراف ثلاثة، وجوب كل منهما بنحو التعيين و وجوبهما بنحو التخيير. و مع كون أحد الاطراف هو الوجوب التخييري بين أفراد الحج لاحتماله وجدانا لا يكون مقتضى العلم الاجمالي هو الاحتياط للتمكن من نفي خصوصية التعيين و كلفته بالبراءة. فيتعين التخيير عملا.

و لكن قد ادعي وجود المطلقات الدالة على أن الاصل في الحج هو التمتع فان تمت فهو المتعين، و لا مجال حينئذ للأصل العملي و إلا كان الاتيان بحج التمتع أحوط و أولى خروجا عن خلاف من ذهب إلى تعينه.

هذا كله في حكم الأغلبية و التساوي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 443

..........

أما مع الشك في أغلبية أحد الوطنين، فيمكن إجراء أصالة عدم غلبة كل منهما على الآخر، و لا تعارضهما أصالة عدم التساوي لانه حادث أيضا، لعدم كونه موضوع الأثر إذ الاثر مرتب على الغلبة، فاذا نفيت بالاصل نفي أثرها.

فيكون للمورد حكم التساوي و قد تقدّم.

و فائدة الأصل هو أنه لو لم يجر و بقي الشك على حاله فمع احتمال أغلبية أحدهما المعيّن يدور أمره بين التعيين و التخيير، فيلزمه الاحتياط.

ثم إنه لو علم إجمالا باغلبية أحدهما غير المعين بحيث كان يعلم بعدم التساوي، لم يجر حينئذ أصل

عدم الغلبة في كل منهما، فيعلم إجمالا بوجوب أحد الفردين عليه فيلزمه الاحتياط بالجمع.

و لا يرد على الاحتياط العلم بعدم وجوب أكثر من حج واحد، إذ وجوب كلا الفردين عليه بحكم العقل لادراك الواجب الواقعي الواحد. نظير الاحتياط باتيان صلاتين مع العلم بعدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

هذا كله إذا كان مستطيعا لكلا الحجين. أما إذا كان مستطيعا لاحدهما كما لو كان مستطيعا لحج الافراد دون التمتع، فالحكم فيه: أنه:

إن كان لدينا إطلاق يدل على وجوب الحج على المستطيع إليه يلزمه الاتيان بحج الافراد لاستطاعته إليه.

و إن لم يكن إطلاق و التزامنا بالتخيير من جهة الاصل العملي، فلا علم إجمالي بالتكليف فعلا لاحتمال كون وظيفته الحج الذي لم يستطع إليه، بل يكون الشك شكا في التكليف. فالمرجع أصل البراءة، كما ذهب إليه صاحب المسالك «1». و ذهب إلى الأول صاحب الجواهر «2».

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 210، ط مؤسسة المعارف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 94، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 444

..........

و لا يخفى أن المقصود بالاستطاعة هو الاستطاعة العرفية، كما تقدّم، فلا وجه للتمثيل بعدم الاستطاعة إلى حج التمتع بعدم ملكية ما يستطيع به الرجوع الى بلده، و ذلك لانه لا ينفى الاستطاعة العرفية لحج التمتع إلا في صورة واحدة.

بيان ذلك: أن لدينا صورا ثلاث:

الأولى: أن يكون نائيا عن مكة و لم يكن مالكا لما يستطيع به الذهاب و الرجوع الى محله و يبقى في حالة عسر و مشقة.

الثانية: أن يكون نائيا و لم يكن مالكا لما يستطيع به الرجوع إلى بلده على كل تقدير ذهب إلى مكة أم

لم يذهب.

الثالثة: أن يكون في مكة أو قريبا منها و يملك مقدار حج الافراد دون التمتع بان لم يكن لديه ما يكفيه للخروج إلى الميقات.

و ما يصلح مثالا لما نحن فيه هو الصورة الثالثة، أما الاولى فمقتضاها عدم الاستطاعة لكلا الحجين عرفا و إن كان يملك مقدار حج الافراد. و أما الثانية فمقتضاها الاستطاعة عرفا إلى كلا الحجين، إذ لا يرد عليه من قبل أحدهما عسر و حرج.

ثم إنه ينبغي البحث- في البلد الذي يريد الرجوع إليه و الذي يلزم أن يكون مستطيعا الرجوع إليه- في أن المقصود منه هل هو البلد النائي أو البلد الذي ينوي الاقامة فيه. فلعله لا يريد الرجوع إلى البلد النائي فلا يعتبر قدرته على الرجوع إليه. فلا وجه لاغفال هذه الجهة.

يبقى البحث في أمرين:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 445

و يسقط الهدي عن القارن و المفرد وجوبا (149)، و لا يسقط التضحية استحبابا، و لا يجوز القران بين الحج و العمرة بنيّة واحدة (150).

الأول: في اعتبار إباحة الوطن الذي يسكن فيه و عدم اعتبارها.

و الذي نراه وجيها هو الثاني، لعدم الموجب لاعتبار إباحته بعد صدق الوطن عليه و صيرورة المكلّف من أهله و لو كان مغصوبا.

الثاني: هل يعتبر في الاقامة و التوطن الذي هو موضوع التفاضل أن يكون في حال البلوغ أولا؟.

الوجه أنه لا يعتبر لصدق التوطن في غير حال البلوغ و نسبة الشخص الى الوطن و لو بلحاظ سكناه فيه حال عدم بلوغه. نعم، يعتبر التمييز ليتحقق منه قصد التوطن المقوّم لصدق الوطن، إذ بدونه لا يتحقق القصد فلا يصدق الوطن.

فالتفت.

______________________________

(149) هذا الحكم لا إشكال فيه و سيأتي تحقيق الكلام فيه إن شاء اللّه

تعالى.

(150) وقع الكلام بين المتعرضين لكلام المتن في تحقيق ما هو نظره فيه.

فذهب فى «المدارك «1»» إلى أنه إشارة إلى خلاف ابن أبي عقيل «2» في حقيقة القرآن حيث ذهب الى أن حقيقته الجمع بين الحج و العمرة بنية واحدة من دون تحلل في البين، و قد تقدم الكلام فيه في مسألة الفرق بين القران و الافراد.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 212، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- حكاه في مختلف الشيعة، ج 4: ص 24.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 446

..........

و ذهب فى «الرياض «1»» الى إختلاف المسألتين و أن مورد هذه المسألة مشروعيّة القران بهذا النحو أو عدمها، و مورد تلك الفرق بين القران و الافراد من دون نظر الى حكم هذه الصورة.

و ذهب فى «الجواهر «2»» إلى أنه بيان لحرمة هذا النحو من باب أنه تشريع، فأصل عدم المشروعية مفروغ عنه في تلك المسألة.

و نقل للكاشف اللثام كلاما يشتمل على تصوير الموضوع بصورة يرجع في الحقيقة الى التفصيل بين الصور في الحكم، فانه قال «3»: «و التحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن و أن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما أو على أنه محرم بهما الآن و لكن الافعال متمايزة، إلا أنه لا يحل إلا بعد إتمام مناسكهما جميعا أو على أنه محرم بالعمرة أولا مثلا ثم بالحج بعد إتمام افعالها من غير إحلال في البين، فهو فاسد مع احتمال صحة الأخير بناء على أن عدم التحلل غير مبطل بل يغلب [يقلب] العمرة حجا».

و الذي يبدو لنا أن جميع هذه التوجيهات غير وجيهة:

أما الأول، فلانه تكرار بلا موجب.

و أما

الثاني، فلان البحث في المسألة السابقة عن تحديد القران المشروع لا أصل القران. و عليه، فقد علم حكم هذا النحو مما سبق.

و أما الثالث، فلبعد أن يتكفل المتن بيان مصاديق التشريع فان حرمة

______________________________

(1)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 176- ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 97، الطبعة الاولى.

(3)- الفاضل الهندي، الشيخ بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 69، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 447

و لا ادخال احدهما على الآخر، و لا بنيّة حجتين و لا عمرتين (151) [على سنة واحدة] و لو فعل، قيل: ينعقد واحدة، و فيه تردد.

التشريع- كبرويا- مما لا إشكال فيه لدى الاصحاب.

فالمتجه أن يقال: أن النظر الى بيان عدم صحة هذا العمل و هذا النحو من القران من جهة ان إحرام الحج و إحرام العمرة حقيقتان مختلفتان بالقصد، كاختلاف صلاتي الظهر و العصر.

و عليه، فلا يصح الاتيان بالعملين باحرام واحد يقصد فيه كلاهما، لعدم صحة الاحرام مع عدم قصد أحدهما المعين بخصوصه، نظير الإتيان بصلاة واحدة يقصد بها الظهر و العصر.

و منه يظهر الكلام في إدخال أحدهما في الآخر بمعنى قصد الآخر قبل إكمال الأول، إذ يعتبر استمرار القصد في إحرام كل منهما فاذا قصد كلاهما في الاثناء بطل الاحرام لما عرفت. و لأجل ذلك يبطل كلا العملين. فلا وجه للتمسك في بطلانهما بالاجماع بعد دعوى مساعدة القواعد الأولية على صحة العمل الأول، لان القصد في الاثناء يكون لغوا، فلا يستلزم بطلان العمل، لما عرفت من أن مقتضى القاعدة بطلان العملين. نعم لو لم يلتزم باختلاف الاحرامين و التزم بانهما حقيقة

واحدة و عمل واحد لم يجر الكلام السابق. فتدبر.

و اعلم أن الكلام في هذه الفروع يكون على طبق القواعد، إذ لا نص في خصوصها. فالتفت.

______________________________

(151) لا يخفى انه لا مجال لما تقدم هنا لعدم كون الاختلاف بين الحجتين و العمرتين- من سنخ واحد- بالقصد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 448

..........

و عليه، فالمتجه أن يقال:

إن قصد باحرامه امتثال الأمر المتعلق بحجتين أو عمرتين بنحو التقييد كان باطلا إذ لا أمر كذلك. و عليه، فيبطل العملان.

و إن قصد به امتثال الأمر المتعلق بحجة واحدة و لكنه قصد في نفس الوقت بالبقاء على إحرامه للحج الثاني و عدم تجديد إحرام آخر له لم يبطل العمل الاول إذ لا وجه لبطلانه، نعم يبطل الثاني لاخلاله بالاحرام المعتبر له.

و لعلّ الوجه في التردد ما ذكرناه و احتمال أن القصد بالنحو الأول. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 449

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 451

* كلمة التقديم 11

الركن الاول: فى المقدمات المقدمة الاولى: فى معنى الحج 13

وجوب الحج مرة واحدة 14

فورية وجوب الحج 18

بيان صور ترك الحج إلى الموت 18

حكم تأخير الحج عن عام الاستطاعة 19

المطلق يقتضي التضييق 20

التخيير فى اختيار الرفقة 23

اسباب وجوب الحج 27

المقدمة الثانية: فى الشرائط 29

الشرط الأول: البلوغ و كمال العقل 30

حج الصبي لا يجزى عن حجة الإسلام 32

اجزاء حج الصبي أو المجنون لو بلغ، أو كمل، و أدرك المشعر 32

احتمالات ثلاث في من أدرك الشعر فقد أدرك الحج 34

لو التزم بالاجزاء فهل يلزمه تجديد النية 36

اعتبار استطاعة الصبي

لو بلغ فى الاثناء في وجوب الحج عليه 37

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 452

مشروعية حج الصبي و إحرامه 40

اعتبار إذن الأبوين ما في مشروعية حج الولد المميز 41

مشروعية إحرام الولي بالصبي غير المميّز 42

شمول الحكم المذكور الصبي و الصبية 42

عدم اختصاص الحكم المذكور بالولي 42

فى نفقة الحج الصبي 44

الشرط الثاني: الحرية 47

الشرط الثالث: الزاد و الراحلة 48

دلالة آية «مَنِ اسْتَطٰاعَ» على اعتبار الراحلة 49

تقييد الوجوب بالاستطاعة 51

بيان المراد من الاستطاعة المأخوذة فى الروايات 52

هل يختص اعتبار الزاد و الراحلة النائي أو لا؟ 56

هل يعتبر وجود الراحلة و توفرها بالنسبة إلى الذهاب و الاياب 56

بناء على اعتبار الراحلة لو ذهب ماشيا و حج هل يسقط عنه حج الإسلام؟ 57

ثمرة القول في اعتبار الاستطاعة العرفية 58

الاستطاعة تتحقق بمجرد التمكن أو يحتاج إلى التملك الفعلي 59

الاستطاعة المأخوذة في موضوع وجوب الحج هي الاستطاعة حدوثا و بقاء 62

وقت وجوب الحج 63

وجوب بذل مال أكثر لتحصيل مقدمات الحج عند عدم الإضرار 63

المراد بالزاد و الراحلة 65

اعتبار الاستطاعة من إمكانه 67

اعتبار نفقة العود 69

ما يستثنى من الاستطاعة 71

تقديم الحج على الزواج 73

إذا كان له دين يفي بالحج 74

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 453

تصوير مانعيّة الدين عن الحج 76

دعوى تقديم اداء الدين و المناقشة فيها 79

مقتضى الروايات فى الباب 81

كلام المحقق النائيني رحمه اللّه في تقديم وجوب الدين و المناقشة فيه 82

لا فرق في مانعية الدين لو حصل قبل الاستطاعة، أو بعدها

83

إذا كان عليه خمس أو زكاة 84

فيما إذا كان عليه دين مؤجل 85

في وجوب الفحص عن الاستطاعة و عدمه 87

وجوب الحج مع الشك في بقاء ماله 88

جواز تعجيز نفسه عن الاستطاعة قبل السير 90

تنبيه: مقتضى اطلاق الآية هو حصول الوجوب بمجرّد الاستطاعة المالية 92

حكم الجاهل بالاستطاعة 89

حكم الحج الندبي عند الغفلة بالاستطاعة 95

كفاية الملكيّة المتزلزلة فى الاستطاعة و عدمها 98

ما إذا تلف مئونة عوده بعد تمام الأعمال 100

عدم اعتبار الملكيّة فى الزاد و الراحلة 102

تزاحم النذر و الحج 105

تزاحم النذر و المعلق و المشروط مع الحج 106

الاستطاعة البذليّة 110

منع الدين عن الوجوب فى الاستطاعة البذلية 112

حكم الهبة و الوصية للحج 112

حصول الاستطاعة بالزكاة، أو الخمس 114

عدم اجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام 115

بملاحظة القواعد الاوليّة مقتضى الروايات فى الباب 116

حكم رجوع الباذل عن بذله قبل و بعد الإحرام 117

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 454

حكم رجوع الباذل في اثناء الطريق 121

عرض الحج لأحد الشخصين 121

حكم ثمن الهدى فى الحج البذلي 122

البذل لا يغير وظيفة المكلف 123

لزوم تقديم الحج عند تخيير الباذل بينه و بين الزيارة 126

رجوع الباذل عن بذلة في أثناء الحج 127

وجوب الحج مع تعدد الباذل 128

وجوب الإتمام عند عدم كفاية المبذول 128

عدم وجوب الحج لو قال الباذل اقترض و على دينك 128

ما لو انكشف بعد الحج كون المال المبذول منصوبا 130

حصول الاستطاعة بإجارة نفسه و عدمه 131

عدم إجزاء حج النيابي عن حجة الإسلام 132

اشتراط نفقة العيال

فى الاستطاعة 135

اعتبار الرجوع إلى كفاية 136

عدم جواز أخذ الولد من مال والده للحج 139

حكم أخذ الوالد من مال ولده للحج 139

مقتضى الروايات جواز تصرف الأب في مال الابن 140

عدم وجوب صرف خصوص ماله فى الحج 142

اعتبار الاستطاعة البدنية، و الزمانية، و السبرية 143

عدم وجوب الحج عند استلزامه الضرر المالي 145

ما إذا اعتقد البلوغ، أو الحرية، أو عدمها فحج ثم بان الخلاف 145

ما إذا اعتقد انه مستطيع فحج أو اعتقد أنه غير مستطيع فلم يحج ثم بان الخلاف 146

إذا اعتقد عدم الضرر، أو عدم الحرج فحج، أو اعتقدهما فلم يحج ثم بان الخلاف 146

إذا اعتقد عدم المنع الشرعي فحج أو اعتقد وجود المنع فلم يحج ثم بان الخلاف 147

عدم إجزاء الحج مع عدم الاستطاعة المالية 148

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 455

عدم إجزاء الحج المستلزم لترك واجب عن حجة الإسلام 150

لزوم الاستنابة عند وجود المانع من مرض أو عدو 151

عدم ظهور و النصوص المذكورة فى الباب في لزوم الاستنابة 157

حكم الحج النيابي مع اليأس بعد زوال العذر 157

التفصيل فى لزوم دفع المال و عدمه بصورة الاجحاف و عدمه 158

عدم وجوب قبول الهبة للحج 158

اعتبار ظن السلامة بالطريق 161

حكم من مات بعد الإحرام و دخول الحرام و الجهات المتصورة فيه 162

حكم ما إذا استكملت الشرائط و أهمل 167

عود القدرة الفعلية بعد انتفاءها يوجب الحج، أم لا؟ 168

هل الكافر يجب عليه الحج، أم لا؟ 172

عدم صحة الحج من الكافر 174

ما لو احرم في حال كفره ثم أسلم 178

لو احرم مسلما، ثم ارتد، ثم تاب لم يبطل إحرامه 180

حكم المخالف إذا استبصر 181

مستثنيات صحة جمع المخالف 185

حكم من حكم بكفره من المسلمين 187

إجزاء الحج متسكعا مع وجود الشرائط 189

أفضلية الحج ماشيا 189

وجوب قضاء حج من استقر في ذمته ثمّ مات 191

توزيع التركة بالحصص على الدين و أجرة مثل الحج 192

مقتضى القواعد عند تزاحم الدين و أجرة الحج 192

مناقشة فى القول بالتوزيع بالحصص 193

كفاية الحج الميقاتي عن الميّت أو عدمها 194

طوائف خمس من الأخبار تدل على الحج البلدي 196

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 456

المراد من البلد هو بلد السكنى 200

من استقر عليه الحج ليس له أن يحج تطوعا 202

من استقر عليه الحج ليس له أن يحج عن الغير 203

مقتضى روايات الباب 204

عدم اشتراط وجود المحرم فى النساء 206

فى الاختلاف بين الزوج و الزوجة فى الأمان و عدمه 208

اشتراط إذن الزوج في حج الزوجة التطوعي 209

المطلقة الرجعية كالزوجة 211

القول في شرائط ما يحب بالنذر و اليمين و العهد 212

معرفة حقيقة النذر و اليمين و الحلف 212

ما يشرط فى الناذر 214

عدم صحة نذر الصبي 215

اشتراط العقل و الإسلام فى الناذر 216

مناقشة في ما استدل بها من الوجوه للزوم إذن الزوج في نذر الزوجة 217

عدم اشتراط إذن الوالد لنذر الولد 221

الأقوال في يمين الزوجة و الولد 222

اشتراط القصد فى الناذر 228

شرائط النذر 229

الاول: أن يكون نذر برّ أو زجر 229

الثانى: لزوم اللفظ و عدم الاكتفاء بالوعد القلبي 230

الثالث: التعليق 231

روايات استدل بها على عدم لزوم التعليق 231

مناقشة فى الاستدلال المزبور 233

الرابع: قصد القربة 235

الخامس: أن يكون شرط النذر راجحا 238

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 457

شرائط متعلق النذر 240

الأوّل: الرجحان و ما استدل على لزومه 240

روايتان استدل بهما على انعقاد النذر فى المباح و المناقشة فى الاستدلال 241

لزوم الوفاء بالنذور بخصوصية المنذورة 243

الشرط الثاني: أن لا يكون محللا للحرام 247

الاستدلال برواية إسحاق بن عمار على الشرط المذكور 247

الشرط الثالث: اعتبار القدرة العقلية 249

نصوص تقتضي اعتبار القدرة الشرعية 250

استدراك: عدم صحّة النذر في حال الغضب 252

روايتان في باب النذر موضوعهما الغضبان 252

ثمانية كلام السيد الاصفهاني رحمه اللّه في عدم اعتبار قول «للّه» 254

ثمانية كلام السيد الاصفهاني رحمه اللّه في عدم اختصاص الصحة بالإنشاء بالعربيّة 255

ثمانية كلام السيد الاصفهاني رحمه اللّه في عدم انعقاد النذر لو لم يبرز الالتزام للّه بالقول 255

عدم الوافقة معه رحمه اللّه فى الاستشكال في انعقاد النذر لو قال: نذرت للّه أن أصوم 255

ما ذكره رحمه اللّه من عدم صحة نذر الزوجة مع منه الزوج لا يخلو من إشكال 256

التزام رحمه اللّه بانعقاد نذر الزجر عن معصية أو مكروه 257

صحة نذر المباح عند السيد الاصفهاني رحمه اللّه 257

لزوم صلاحيّة المعلق عليه في نذر الشكر لان يشكر 258

كون المعلق عليه صالحا لأن يزجر في نذر الزجر 258

تعين المنذور لو نذره في زمان معين 258

شرائط النذر: كمال العقل و الحرية 260

مقتضى نذر الحج مطلقا 261

قضاء الحج المنذور من أصل التركة 262

لو نذر الحج

أو أفسده و هو مغصوب 266

ما إذا نذر الحج و نوى حجة الإسلام أو نوى غيرها 266

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 458

ما إذا نذر الحج في عام الاستطاعة 267

ما إذا نذر الحج و أطلق بالنسبة إلى حجة الاسلام و غيرها 269

نذر الحج ماشيا 271

مبدأ المشي يتبع القصد 272

حكم مواضع العبور غير القابلة للمشي 272

حكم ما إذا ركب طريقة أجمع 273

حكم ما إذا ركب بعض طريقه 276

حكم ما إذا عجز عن المشي في بعض الطريق أو في جميعه 277

تحقيق في معنى النيابة 279

المختار في معنى النيابة 282

تحقيق النيابة فى التكاليف الشرعية 283

اشكال آخر في صحة النيابة فى العمل العبادي 287

عدم صحة نيابة الكافر 289

اعتبار الإيمان فى النائب و المنوب عنه 290

جواز نيابة المؤمن عن الأب المخالف 291

نيابة المميز عن غيره 293

اعتبار نية النيابة و تعيين المنوب عنه بالقصد 294

عدم صحة الحج النيابي، أو التطوعي عمن استقر عليه الحج 295

نيابة الرجل عن المرأة، أو بالعكس 296

مقتضى روايات نيابة الصرورة 297

نصوص تدل على جواز نيابة الصرورة 297

نصوص تدل على جواز نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة 300

موت النائب بعد الإحرام 303

موت النائب قبل الإحرام و دخول الحرم 304

تقسيط الأجرة فى الغرض المذكور 304

الاستدلال بموثّقة اسحاق بن عمار لإجزاء عمل النائب لو مات بعد الإحرام و 306

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 459

حكم ما لو مات النائب بعد الاستنابة و قبل أداء أيّ عمل 307

اشتراط التعيين من القران، أو الإفراد، أو

التمتع 308

حكم ما لو شرط الحج من طريق معين 310

تزاحم الإجارتين ثبوتا 313

مقتضى مقام الثبوت 313

و لو صد قبل الإحرام و دخول الحرم استعيد من الجرة بالنسبة المختلف 317

حكم ما لو قصرت الأجرة 319

حكم النيابة عن الحاضر فى الطواف 320

طواف الحامل يحتسب لنفسه 324

التبرع بالحج عن الميت و الحي 325

وجوب الحج من قابل ما لو افسد النائب حجه 327

استحقاق الأجرة عند الإتيان بالحج 327

إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل 331

بطلان الإجارتين مع اقتران العقدان 333

صحّة الإجارة الأسبق 334

لا قضاء على النائب مع الحصر و التحلل بالهدى 336

استحباب ذكر المنوب عنه و اعادة المخالف حجّه إذا استبصر 338

انصراف الأجرة إلى أجرة المثل عند عدم التعيين 339

إخراج الأجرة من الثلث 341

حكم ما لو أوصى الميت أن يجتمع عنه كل سنة بقدر معين فقصر 345

دعوى صرفه في وجوه البر 347

حكم صرف المال الودعي فى الحج 348

حكم نقل نية الإحرام فى الأثناء 351

حكم قبول الأجير مع تعيينه 353

إخراج الأجرة من أصل المال في خصوص حجة الاسلام 354

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 460

إخراج حجة المنذورة من الثلث 355

أقسام الحج 356

التمتع فرض تعييني مع البعيد أم تخييري 358

ظهور النصوص في الزام حج التمتع للنائي 359

مناقشة فى الاستظهار المذكور 360

الاستدلال برواية معاوية بن عمار على اللزوم و المناقشة فيه 361

تحرير البعد المعتبر في مشروعيّة أو وجوب حج التمتع 363

لا يجوز العدول إلى غير إلّا مع الاضطرار 366

وقت حج التمتع 368

لزوم وقوع العمرة و الحج في سنة

واحدة، أو شرطية 370

محل إحرام المتمتع 373

حكم ما لو أحرم بالعمرة التمتع في غير أشهر الحج 374

حكم ما لو أحرم للحج من غير مكة 378

سقوط الدم في هذه الحال 380

ارتباط عمرة المتمتع بحجّه 381

الأقوال في تحديد وقت فوات العمرة و لزوم العدول إلى الإفراد 382

إجزاء الحج الإفرادي عن حجة الإسلام 389

هل جواز النقل يدل على التخيير، أو لزوم العدول 389

حكم الحائض و النفساء 389

حكم ما لو طاقت اربعا ثمّ حاضت 392

صورة حج الإفراد 395

جواز العدول من الإفراد إلى التمتع اضطرارا لا اختيارا 398

لزوم سياق الهدى عند الإحرام للقارن 400

استحباب الإشعار بعد التلبية للقارن 404

جواز الطواف للمفرد و القارن إذا دخلا مكة قبل الحج 404

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 1، ص: 461

جواز تقديم طواف الحج للمتمتع 405

حكم تقديم طواف المستحب للقارن و المفرد 406

حكم طواف المستحب للمتمتع بعد إحرامه للحج 407

لزوم التلبية للمفرد و القارن بعد كل طواف 411

روايات الباب 412

دعوى صاحب الجواهر رحمه اللّه في عدم مؤثرية الطواف فى الإحلال و المناقشة فيها 415

تحقق الإحلال بالطواف بمقتضى الروايات 417

بيان مراد المحقق قدّس سرّه من قوله: «الحق، انه لا يحل إلّا بالنية» 421

حكم عدول المفرد إلى التمتع بعد دخوله مكة 422

عدم جواز عدول القارن إلى التمتع بعد دخول مكة 423

مواقيت لمن مر عليها 425

أقوال ثلاث في موضع احرام المقيم بمكة 427

تحديد مقداد الإقامة الموجبة لانقلاب فرض المقيم 428

تقسيم النصوص الوارد فى الباب إلى أقسام أربعة 433

كلام صاحب الجواهر رحمه اللّه فى الجمع بين

النصوص 436

كلام كاشف اللثام فى الجمع المذكور 437

عدم اعتبارية التوطن في مكة فى الإقامة المحدّدة 438

عدم اعتبار تجديد الاستطاعة بعد الإقامة في انتقال الفرض 439

عدم ترقب جميع آثار أهل مكة على المقيم 439

حكم من له منزلان بمكة و غيرها مع الغلبة و التساوى حكم 442

حكم القران بين الحج و العمرة بنية واحدة 445

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

الجزء الثاني

[تتمة الركن الأول في المقدمات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[المقدمة الرابعة: فى المواقيت]

اشارة

المقدمة الرابعة: فى المواقيت و الكلام في أقسامها و أحكامها،

[أما أقسامها: المواقيت ستة]
اشارة

أما أقسامها: المواقيت ستة (152):

[لاهل العراق: العقيق]

لاهل العراق: العقيق (153).

______________________________

(152) و عدّها البعض خمسة و آخرون سبعة و غيرهم عشرة و خامس أحد عشر. و الاختلاف ناشئ من إختلاف الملحوظ فى العدّ، و لذلك كان الأمر سهلا.

و قد بيّن فى «الجواهر «1»» وجه تشعّب الاقوال في تعدادها، فراجع.

و المهمّ تحقيق حال كل ما ذكر جواز الاحرام منه و مشروعيته فيه.

(153) هذا فى الجملة مما لا إشكال فيه للنصوص «2» الكثيرة، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها إلا و أنت محرم، فانه وقّت لأهل العراق و لم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 102، الطبعة الاولى.

(2)- باب 1: من ابواب المواقيت و غيره من الأبواب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 8

..........

يكن يومئذ «1» عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لاهل اليمن يلملم، و وقّت لاهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لاهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله «2»». و نحوها غيرها.

و إنما الكلام فيه في جهتين:

الاولى: في تحديد مبدأه و منتهاه، فقد قيل في مبدئه أنه المسلخ و قيل أنه دون المسلخ ستة أميال. كما اختلف في أن منتهاه ذات عرق أو غمرة. و الوجه في وقوع الاختلاف فيهما هو إختلاف النصوص.

و عليه، فمع عدم الاطمئنان بمبدئه و منتهاه فالاحتياط متعين، فلا بد من الاحرام من موضع يعلم أنه من العقيق.

الثانية: في أفضلية الاحرام

من أوله و هو أمر مسلم بين الاصحاب.

فقد قال فى «الجواهر «3»»: «و دليل الافضلية الاخبار و الاجماع»،

و التحقيق: أنه إن تم دليل معتبر فهو، و إلا بني الحكم بالاستحباب على قاعدة التسامح في أدلة السنن.

أما ما دل من الاخبار على الأفضلية، فهو مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام:

«وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوّله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخره ذات عرق و أوّله أفضل «4»». و نحوها رواية يونس بن يعقوب «5».

______________________________

(1)- توقف العامة في توقيت العقيق لاهل العراق لعدم اسلامهم في زمانه صلّى اللّه عليه و آله.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 2.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 104، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب المواقيت، ح 4.

(5)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 9

و افضله المسلخ (154)، و يليه غمرة، و آخره ذات عرق.

[لأهل المدينة مسجد الشجرة]

و لأهل المدينة مسجد الشجرة (155)، و عند الضرورة الجحفة.

______________________________

(154) بالحاء المهملة بمعنى الموضع العالي، أو بالخاء المعجمة، بمعنى موضع النزع، فالتسمية على هذا متأخرة عن جعله ميقاتا.

ثم إنه وقع الكلام في الاكتفاء بالظن في تعيين العقيق، فذهب البعض الى الاكتفاء به و لعلّ مستندهم رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الاعراب عن ذلك «1»». و لكن لا ظهور لهذه الرواية فى التعبد بقول الاعراب، بل من الممكن أن يكون لاجل أنه يفيد اليقين أو الاطمئنان، لان قولهم كذلك لعدم الداعي لهم على الكذب، نظير قول القائل: «إذا لم تعرف منزلي

فاسأل صاحب الدكان»، فالتفت.

(155) هذا ممّا لا إشكال فيه لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية معاوية ابن عمار المتقدمة.

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث الى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم «2»».

و رواية على بن رئاب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاوقات التي وقّتها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 10

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للناس فقال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لاهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و وقّت لأهل اليمن قرن المنازل، و لاهل نجد العقيق «1»»، و مثلها غيرها.

و بعض هذه النصوص و إن كانت ظاهرة في كون الميقات ذا الحليفة لا خصوص مسجد الشجرة، إلا أنها محكومة لما دلّ من النصوص على أن مسجد ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، ك:

رواية على بن رئاب المتقدمة.

و رواية الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الاحرام من مواقيت خمسة- الى أن قال:- و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج ... «2»».

و رواية «الامالى»: «... و وقّت لاهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة «3»».

و مثلها رواية المقنع «4».

و عليه، فما فى المتن هو المتعين.

يبقى الكلام في جهتين:

إحداهما: فى الجنب

الذي لا يتمكن من الغسل و الحائض بعد الطهر و قبل الغسل مع عدم التمكن من التأخر إلى أن يرتفع العذر و إلا فلا تتأتّى فيه الطرق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من ابواب المواقيت، ح 7.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 3.

(3)- الصدوق، محمد بن علي: الامالي، ص 518/ المجلس 93.

(4)- الصدوق، محمد بن علي: المقنع فى الفقه (سلسلة الينابيع الفقهية، ج 7: ص 20).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 11

..........

إلا بمجموعها. فقد وقع البحث في حكمه بالنسبة الى الاحرام.

فله طرق خمسة محتملة:

الأول: أن يحرم من الجحفة.

الثاني: أن يحرم حال الاجتياز.

الثالث: أن يحرم مما يحاذي الميقات.

الرابع: أن يحرم من المسجد بعد التيمم.

الخامس: أن يحرم مما قبل المسجد بالنذر.

و لو انسدت هذه الطرق الخمسة، فهل يسقط عنه الحج أو يحرم من غير المسجد؟

مقتضى القاعدة سقوط الحج عنه، لعدم استطاعته، لعدم دليل على مشروعية الاحرام من غير المسجد. و ليس في الالتزام بسقوطه عنه منافاة لاجماع أو ضرورة. و على كل حال فيقع الكلام في كل طريق من هذه الطرق.

أما الاحرام قبل المسجد بالنذر، فسيأتي الكلام فيه. هذا مع اجتماع شرائط صحة النذر، و أما مع فقد بعضها، فلا موضوع له فيما نحن فيه.

و أما التيمم و الدخول الى المسجد و الاحرام منه. فقد أدعي جوازه تمسكا بما دل على أن التراب أحد الطهورين، فانه بإطلاقه يدل على مشروعية التيمم في كل مورد لا يتمكن من الغسل فيه.

و لكن قد ناقشنا في محله في دلالة هذا النص على المدعى. و ذكرنا أن غاية ما يدل عليه تنزيل التراب منزلة الماء في مورد مشروعية التيمم لا غير، هذا مع الاشكال

في مشروعية الوضوء و غيره إذا كانت الغاية مما يتوقف جوازه على الطهارة من دون أن يكون في نفسه مطلوبا، كمس كتابة القرآن، و منها الدخول

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 12

..........

فى المسجد، إلا أن يلتزم باستحبابه.

نعم، يمكن التيمم لاجل الصلاة، فيجوز له أن يدخل المسجد و يمكث فيه إذا قلنا بان المتيمم لغاية يترتب عليه جميع آثار المتطهر.

و أما الاحرام من محاذي الميقات، فمع تمكنه منه لا بأس به بناء على جواز الاحرام من المحاذي لمن لم يتمكن من الاحرام من الميقات و سيأتي الكلام فيه.

و أما الاحرام في حال الاجتياز، فمع التمكن منه فهو يتوقف على وجود بابين له، إذ في صدق الاجتياز على الدخول و الخروج من باب واحد من دون توقف نظر.

و أما الاحرام من الجحفة، فهو يتوقف على أن تكون الجحفة ميقاتا اختياريا لأهل المدينة، إذ مع عدم كونه كذلك و كونه ميقاتا لهم في حال الضرورة لا يشرع له الاحرام منها، لعدم إطلاق للضرورة بحيث يشمل ما نحن فيه، بل هو يختص بالعليل و المريض و نحوهما.

و عليه، فيقع الكلام في أن الجحفة ميقات اختياري لأهل المدينة أو لا؟

و هي الجهة الثانية من الكلام، فنقول: وردت بعض النصوص الظاهرة في كون الجحفة ميقاتا اختياريا آخر لأهل المدينة، ك:

رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من أين هو؟ فقال:

أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة ... «1»».

و رواية معاوية بن عمار: «أنه سأل

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من أهل المدينة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 13

..........

أحرم من الجحفة، فقال: لا بأس «1»».

و رواية الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما «2»».

فان الظاهر من رواية علي بن جعفر أنها بيان للمواقيت بلحاظ العنوان الاولي، و لا وجه للتفكيك بين الجحفة و غيرها لوحدة السياق.

كما أن الظاهر من رواية معاوية بلحاظ الاطلاق أو ترك الاستفصال «3» هو شمول الحكم لمورد الاختيار.

و هكذا الحال في رواية الحلبي، فان مقتضى إطلاق المجاوزة شمولها بصورة الاختيار.

و دعوى أنها لا تدل إلا على كون الجحفة ميقاتا فى الجملة، فمن الجائز أن تكون ميقاتا حال الضرورة فقط.

لا وجه لها، فانها خلاف ظاهر النصوص على ما عرفت، مع أن أدلة المواقيت ليس إلّا هذه الروايات و نحوها مع أنه يتمسك بها في موارد الشك.

فالتفت.

نعم، قد يدعى رفع اليد عن ظهور هذه النصوص لروايتين «4»:

إحداهما: رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي؟ قلت: قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب المواقيت، ح 3.

(3)- الترديد ينشأ من احتمال كون القضية حقيقية، فيتمسك بالإطلاق. و احتمال كونها شخصية، فيتمسك بترك الاستفصال اذ لا معنى للاطلاق فيها، كما لا يخفى. (المقرر)

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/

باب 6: من ابواب المواقيت، ح 4 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 14

..........

الشجرة؟ قال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بادناهما و كنت عليلا».

و الأخرى: رواية أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون و قد رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة».

فانهما دالتان على تقييد الاحرام من الجحفة بحال الضرورة و يضم إليهما فتوى معظم الاصحاب.

و لكن الانصاف أن الرواية الاولى لا دلالة لها على التقييد، بل هي للدلالة على الاطلاق أقرب، فان قوله عليه السّلام: «الجحفة أحد الوقتين» ظاهر في أن لاهل المدينة ميقاتين.

نعم، قوله عليه السّلام: «و كنت عليلا» لا ينسجم مع قوله السابق، و لكن يمكن أن يكون دفعا للسؤال عن عدم إحرامه من المسجد لافضليته إما لبعده أو التأسي بالرسول صلّى اللّه عليه و آله فكأنه عليه السّلام صار في مقام دفع الايراد عليه من كلتا الجهتين عدم المشروعية و الافضلية.

و لو لم تكن ظاهرة فيما نقوله، فلا ظهور لها في كون الجحفة ميقاتا اضطراريا.

و قوله عليه السّلام: «و كنت عليلا» بيان لكونه مصداق الاضطرار، فتكون الرواية مجملة.

و أما الرواية الثانية، فهي ظاهرة فى المدعى لكنها ضعيفة السند.

و دعوى: انجباره بفتوى المشهور.

تندفع: بانه لم يعلم استناد المشهور إليها بعد وجود دعوى إجمال روايات التوقيت و الأخذ بالقدر المتيقن، و وجود الرواية الأولى مع الاشكال في أصل كبرى جابرية عمل المشهور لضعف السند. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 2، ص: 15

..........

ثم إنه قد يدعى دلالة رواية معاوية بن عمار «1» على عدم جواز الاحرام من غير مسجد الشجرة و هي روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها إلا و أنت محرم- الحديث». و مثلها غيرها. فراجع.

و لكن في دلالتها منع، إذ الظاهر من النهي فيها هو النهي الارشادي إلى عدم مشروعية الاحرام إلا من مسجد الشجرة- كما هو الحال في سائر النواهي الواردة فى المركبات الاعتبارية- و ليس المراد منها حرمة الاحرام من غير المسجد.

و عليه، فدلالتها على حد دلالة سائر الروايات الدالة على كون الميقات هو المسجد مقتصرة عليه، إذ هما تتفقان فى الدلالة على أن مبدأ الاحرام هو مسجد الشجرة و عدم مشروعية الاحرام مما قبله و بعده.

و قد عرفت أن الروايات الدالة على كون الجحفة ميقاتا اختياريا تقيّد تلك الروايات، و بها يرفع اليد عن الاطلاق الدال على التعيين. فالحال مع هذه الرواية كذلك لانها تدلّ بإطلاقها على عدم مشروعية الاحرام من الجحفة، فتقيد بما ظاهره مشروعية الاحرام منها.

و بالجملة: ليس لهذه الرواية مفاد آخر غير مفاد ما دلّ على توقيت مسجد الشجرة و قد عرفت كيفية الجمع بينها و بين نصوص توقيت الجحفة. فلاحظ.

ثم إن صاحب الجواهر «2» ذهب إلى أن الجحفة ميقات اختياري بطريق غير تلك الروايات- إذ هو التزم بالتصرف بتلك الروايات و تقييدها برواية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 112، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 2، ص: 16

[لأهل الشام الجحفة]

و لأهل الشام الجحفة (156).

الحضرمي-، و هو: أن روايات المواقيت تدل على أن الميقات ميقات لاهله و لمن يمر عليه من غير أهله، فاذا فرض أن المدني جاوز مسجد الشجرة بلا إحرام اختيارا و وصل الى الجحفة صدق عليه أنه مرّ على الجحفة فجاز أن يحرم منه.

نعم، يحرم عليه- تكليفا- عدم الاحرام من مسجد الشجرة و الجواز عليه من دون إحرام لأجل رواية معاوية بن عمار.

و من الغريب منه أنه مع التزامه بذلك أخيرا كيف يذهب إلى التصرف في ظهور الروايات الدالة على توقيت الجحفة اختيارا لأجل رواية الحضرمي الضعيفة السند؟

و أما ما ذكره أخيرا، فمع الغض عما حققناه أولا، فصحته تبتني على شمول دليل المرور لكل أحد حتى من مرّ على ميقات قبله و هو أول الكلام، إذ لدعوى انصرافه عن من مرّ على ميقات قبله مجال واسع. مع أنه لو كان شاملا له يقيّد بما دل على عدم مشروعية الاحرام من غير مسجد الشجرة و هو رواية معاوية بن عمار التي عرفت ظهورها في نفي المشروعية لا إثبات الحرمة التكليفية، كما ذهب إليه قدّس سرّه. فلاحظ و تدبر.

ثم إنه لا يخفى أنه لا تشكيك في موقع مسجد الشجرة و الجحفة لعدم ظهور التشكيك فيه على مرّ الزمن مع توفّر الداعي إلى ظهوره لو كان مما يدل على أن موقعها هو المحل المعروف فعلا.

______________________________

(156) كما تدل عليه النصوص المتقدمة و غيرها. نعم، في بعضها أنه وقّت الجحفة لأهل المغرب، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 17

[لأهل اليمن يلملم]

و لأهل اليمن يلملم (157).

[لأهل الطائف قرن المنازل]

و لأهل الطائف قرن المنازل (158). ز ميقات من منزله أقرب من الميقات منزله (159).

______________________________

(157) كما تدل عليه النصوص السابقة، و قد اختلف في تحديده، فقيل إنه جبل، و قيل إنه الوادي. فمع عدم الوثوق باحد القولين يتعين الاحتياط.

(158) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار، و في بعضها أنه ميقات أهل نجد. و في بعضها أنه ميقات أهل اليمن. فلاحظ.

(159) هذا الحكم مما لا إشكال فيه لدلالة النصوص «1» الكثيرة عليه، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة.

و روايته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله».

و رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله» و نحوها غيرها.

و إنما الكلام في جهتين:

الأولى: في أن المراعى فى القرب مكة أو عرفات؟ و احتمل بعضهم التفصيل بين العمرة، فيراعى فيها القرب إلى مكة لانها المقصد. و الحج، فيراعى فيه القرب الى عرفات لانه المقصد.

و لا يخفى أنه لا وجه لهذا الاحتمال أو الترديد بعد تصريح النصوص بكون المراعى فى القرب مكة- كما رأيت- فانه اجتهاد في مقابل النص؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب المواقيت، ح 3- 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 18

..........

هذا، مع أنه لا ظهور للنصوص في كون المناط هو القرب و البعد، بل هي ظاهرة في كون المناط عدم العبور على الميقات لان منزله دونه و وراءه في قبال ما كان منزله قبله و سابقا عليه و هذا لا ينافي كونه أبعد عن مكة كما لو كان منزله وراء الميقات

لكنه منحرف عن خطّه انحرافا يوجب أبعدية مسافته إلى مكة من مسافة الميقات.

الثانية: في حكم أهل مكة من حيث إحرامهم، و قد حكي عن ظاهر الاكثر أن إحرامهم من مكة.

و الانصاف أن هذه الروايات لا تشمل أهل مكة، لعدم صدق عنوان: «من كان منزله دون الوقت الى مكة» عليهم.

و قد ادعي دلالة بعض الروايات على الحكم المزبور، كالمرسل «1» سئل الصادق عليه السّلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: «من منزله»، فانه بإطلاقه شامل لأهل مكة.

و لكن لا اعتبار بهذه الرواية لارسالها. و مثلها النبوي الذي ذكره فى «الجواهر «2»»: «فمن كان دونهن فمهلّه من أهله».

و قد يدعى أن إحرامهم من أدنى الحل لما ورد «3» فى المجاور من أنه يحرم من أدنى الحل بضميمة شمول الحكم للمجاور الذي ينتقل فرضه إلى فرض أهل مكة و هو من:

رواية أبي الفضل، قال: «كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب المواقيت، ح 6.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 115، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 6 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 19

..........

أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح- الحديث».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج».

و لكن لا يمكن الاستدلال

بهما على المدعى لاختصاص موضوعهما بالمجاور و لم يعلم أن الحكم فيه لأجل كونه بمنزلة أهل مكة، بل يمكن أن يكون لخصوصية فيه. و صيرورته بمنزلة أهل مكة في عدم مشروعية التمتع له لا يقتضي اشتراكهما في سائر الاحكام.

و أما رواية حريز- عمن أخبره- عمن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي فاذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصراف من عرفة فليس له أن يحرم من مكة و لكن يخرج الى الوقت و كلما حوّل رجع الى الوقت «1»».

فهي و إن كانت ظاهرة في لزوم إحرام المكي من الميقات لتفريعه عدم جواز الاحرام من مكة للمقيم على كونه مكّيا، لكن لا يصلح الاعتماد عليها لارسالها.

و جملة القول: هو أن النصوص الدالة على كون المنزل ميقاتا لا تشمل بظاهرها الأولي أهل مكة، إلا أن يدعى- كما في «المستند «2»»- دلالة رواية معاوية بن عمار المتقدمة: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله» على أن إحرام أهل مكة من منازلهم، لان معناها أن من كان منزله خلف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب المواقيت، ح 9.

(2)- النراقي، مولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 187، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 20

..........

هذه المواقيت من طرف مكة و لا شك أن أهل مكة كذلك.

بل ادعى فى المستند إمكان دعوى دلالة غيرها من النصوص على ذلك، بأن يفسر نحو قوله عليه السّلام: «من كان منزله دون الميقات إلى مكة» بان المراد من كان منزله في جميع ذلك

الموضع المبتدئ بدون الميقات المنتهي بمكة. و ذهب الى أن لفظ الأقربية إلى مكة لم يرد في كلام الاطياب عليهم السلام بل ورد في كلام الاصحاب.

فمن وافق «المستند» في استظهاره، فهو في راحة و قرار. و من لم يوافقه بدعوى أن عنوان من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكة لا يشمل أهل مكة كما هو واضح. كما أن ظاهر قوله «الى مكة» بيان جهة المنزل إذ دون الميقات له جهتان، فلا تشمل أهل مكة لا أنه بيان لشمول الحكم لأهل مكة فتكون إلى بمعنى حتى العاطفة. و- من لم يوافقه- على ذلك:

فان اعتمد على المرسلتين السابقتين اللتين أطلق فيهما التعبير بخلف المواقيت و توافقهما رواية رياح، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنا نروي بالكوفة أن عليّا صلوات اللّه عليه قال: إن من تمام الحج و العمرة أن يحرم الرجل من دويرة أهله، فهل قال هذا عليّ عليه السّلام؟ فقال: قد قال ذلك أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمن كان منزله خلف المواقيت- الحديث «1»».

و إن لم يعتمد على هذه النصوص للتشكيك «2» في شمول «خلف المواقيت»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب المواقيت، ح 4.

(2)- لم يرتض السيد الاستاذ دام ظله هذا التشكيك- و قد كنت اتخيّل انه ينبي عليه- بل ذهب الى ان ظاهر الرواية إرادة ما خلف المواقيت من جهة مكة لانها في مقام بيان حكم من لم يمر على المواقيت، فلا يمكن ان يريد بها خلف المواقيت من الجهة المعاكسة لمكة. و اذا كان المراد بها ما عرفت كان اطلاقها شاملا لاهل مكة. و عمدة المناقشة في هذه الروايات ضعف سند الاخيرة و ارسال الاولتين.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 21

..........

لاهل مكة بعد العلم بضرورة إضافة هذا التعبير الى مكان، فلعل المراد به «خلف المواقيت إلى مكة» فيكون مؤداها مؤدى غيرها، فلا بد من سلوك طريق الاحتياط فيخرج الى الجعرانة فيحرم منها و يجدد إحرامه في مكة جمعا بين الاحتمالين.

هذا، و يمكن استفادة أن كون إحرام أهل مكة من منازلهم أمر مفروغ عنه من رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة، حيث جاء فيها: «أن سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟

قلت له: هو وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: و أي وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين و مرجعه من الطائف. فقال: إنما هذا شي ء أخذته عن عبد اللّه بن عمر، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج. فقلت: أ ليس قد كان عندكم مرضيا؟ فقال: بلى، و لكن أ ما علمت أن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرموا من المسجد فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء و أن هؤلاء قطنوا مكة فصاروا كأنهم من أهل مكة و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت- الحديث». فان الذي يظهر من المحاجة بين الامام عليه السّلام و سفيان أن الإحرام من مكة للحج أمر مفروغ عنه و السؤال عن خصوصية المجاورين حتى يؤمرون بالاحرام من الجعرانة.

و الخلاصة: أن إحرام أهل مكة من مكة مما لم يقم عليه دليل قطعي يصح الاستناد إليه و جميع ما ذكر لا يفى بذلك و إن استلزم حصول

الظن. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 22

و كل من حج على ميقات لزمه الاحرام منه. و لو حج على طريق لا يفضي الى احد المواقيت، قيل: يحرم اذا غلب على ظنّه محاذاة اقرب المواقيت الى مكة (160).

______________________________

(160) حمل صاحب المسالك «1» العبارة على إرادة بيان حكم من لم يمر على ميقات و لم يحاذ ميقاتا، و ان مثل هذا يحرم من مكان يبلغ ما بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و اقرب المواقيت. و حملها غيره على ما هو الظاهر منها من إرادة بيان حكم من لم يمرّ على ميقات فيحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

و لعل الوجه في حمل المسالك العبارة على خلاف ظاهرها أنه لا دليل على ما يتكفله ظاهرها من الحكم.

و أي المعنيين كان مقصود الماتن فهو لا يهم. و إنما المهم تحقيق كل منهما فلدينا فرعان:

الفرع الأول: ما ذهب إليه بعض «2» من: أنه لو لم يمرّ على الميقات أحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة و يستدل له بالأصل. فان أصل البراءة ينفي وجوب الاحرام مما قبل تلك المسافة لدوران الأمر بين الأقل و الأكثر.

و أما أصل المحاذاة، فيدل عليها النص و هو رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- و هو الماتن و الشهيد الثاني قدّس سرهما كما فى «مسالك الافهام» (ج 2: ص 216).

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 23

..........

فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1»». و نحوها روايته الاخرى.

و يناقش هذا القول: بان الاصل المزبور لا مجال له هنا، بل المحكّم هو أصالة الاشتغال، سواء قلنا بان الاحرام أمر وضعي مسبب عن العمل الخاص، كالطهارة المسببة عن الوضوء، فيكون الشك شكا فى المحصّل. أو قلنا إنه عبارة عن الدخول في عمل الحج، فيشك في تحققه بعقد الاحرام من محاذي أقرب المواقيت و الأصل عدمه لانه أمر وجودي.

نعم، لو قلنا بان الاحرام عبارة عن نفس الدخول في عمل الحج و قلنا بان الدخول فيه ليس إلا الاتيان بأعماله أمكن إجراء البراءة من لزوم العقد من محاذاة أبعد المواقيت لانه شك في تكليف زائد، و تحقق الاحرام بالعقد من محاذاة أقرب المواقيت للشروع به في أعمال الحج و لكنه تقدير بعيد. و سيأتي إنشاء اللّه تعالى بيان حقيقة الاحرام، فانتظر.

و أما النص، فهو ظاهر في لزوم الاحرام من محاذاة أبعد المواقيت، إلا أن يلتزم بان ذكر محاذاة المسجد لعله من جهة عدم محاذاته لغيره فى الطريق المألوف في ذلك العهد. أو من جهة عدم خصوصية للمسجد بل من باب أنه ميقات بضميمة أن ميقات أهل المدينة أحد المحلّين من الجحفة و مسجد الشجرة، فله الاحرام من محاذي الجحفة.

ثم إن الرواية و إن كانت موضوعها محاذاة مسجد الشجرة، إلا أن التعدي منها لمطلق محاذاة الميقات من جهة العلم بعدم الخصوصية و أن الحكم لعنوان محاذاة الميقات بقول مطلق.

نعم، القدر المتيقن من النص أن الحكم ثابت لخصوص من يأتي من طريق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 7: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 24

..........

أرض الميقات، لكنه ينحرف عنه إلى ما لا يمرّ على الميقات دون مطلق المحاذاة و لو كان قد جاء من غير طريق المدينة- مثلا-، لاختصاص موضوعها بالاول. و لا يمكننا دعوى العلم بعدم الخصوصية لاحتمال الخصوصية، إذ المرور بطريق أهل الميقات حيث إنه يعين الاحرام منه، فالاكتفاء بمحاذاته لا يلازم الاكتفاء بمحاذاته و لو مرّ بطريق غير أهل الميقات.

و بالجملة، فالنص قاصر عن شمول هذه الصورة.

الفرع الثاني: ما ذهب إليه بعض «1» من انه لو لم يمر على الميقات و لا ما يحاذيه أحرم من محل بينه و بين مكة ما بين الميقات و بين مكة و هو مرحلتان.

و وجّهه أن هذه المسافة لا يجوز قطعها بدون إحرام، و لزوم الاحرام مما قبلها ينفى بأصل البراءة، و لا يلزم الاحرام من الميقات لظهور أدلته في أن لزوم الاحرام منه لمن أتى عليه.

و فيه: ما عرفت من أن الاصل يقتضي الاشتغال إلا على تقدير بعيد. و عدم جواز قطعها بدون إحرام لا دليل عليه إذا لم يمرّ على ميقات أصلا.

و عليه، فمقتضى الاحتياط أن يحرم من الميقات أو ما يحاذيه بان يذهب إليهما.

و الاحرام من أدنى الحل- كما التزم به بعض «2»- لا دليل على مشروعيته.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: هل يصح الاحرام مما يحاذي الميقات لو مرّ على طريق يفضي الى الميقات؟

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 417، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 25

..........

الظاهر العدم، لظهور دليل المحاذاة في سلوك طريق غير طريق الميقات. و منه تعرف أنه

لا يصح بدليل المحاذاة إحرام الجنب و الحائض من حذاء مسجد الشجرة لو أتوا عليه. و قد مرّ الكلام فيه في أول بحث المواقيت.

الثاني: في الاكتفاء بالظن و تأثيره في الإجزاء.

فقد ذهب قسم من الفقهاء «1» الى الاكتفاء بالظن بدليل نفي العسر، لعسر تحصيل العلم و تمسكا بالاصل.

و لا يخفى أنه لو سلم صغرويا، فلا يقتضي دليل نفي العسر حجية الظن. و قد يدعى إجزاؤه عند انكشاف الخلاف. و هكذا الحال بالنسبة الى الأصل.

و تحقيق الكلام: أنه إما أن نقول باعتبار الظن من باب أنه طريق يكشف عن الواقع و حجة عليه، و الدليل عليه دليل الانسداد لانسداد باب العلم غالبا.

أو نقول باعتباره من باب ظهور دليل المحاذاة في إرادة المحاذاة الظنية فيكون الظن جزء الموضوع و وجهه عدم إحراز المحاذاة الدقية غالبا.

فعلى الأول: لا وجه لدعوى الاجزاء لو انكشف الخلاف سواء كان قبل الوصول إلى المحاذاة الواقعية أو بعدها، لما تقرر في محله من الاصول من عدم إجزاء الاوامر الظاهرية.

و عليه، فلا وجه لما ذهب إليه فى «الجواهر «2»» من الاجزاء باعتبار أنه مقتضى القاعدة.

و على الثاني: فلا معنى لانكشاف الخلاف لثبوت موضوع الحكم سابقا. و مقتضى الدليل عدم الفرق بين ارتفاع الظن و العلم بعدم المحاذاة قبل المحاذاة

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 117، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 26

..........

الواقعية أو بعدها، إلا أن يدعى قصور الدليل عن اعتبار المحاذاة المظنونة إذا انكشف الخلاف قبل المحاذاة الواقعية.

هذا و لكنه لا دليل على اعتبار الظن باحد الوجهين، لعدم الدليل عليه

لامكان تحصيل العلم، فان حصل فهو المتّبع و إلا فيتعين الاحتياط.

الثالث: فيمن حج عن طريق الجوّ، فانه يقع البحث في أنه هل تحقق المحاذاة فى الجوّ أولا؟ و الظاهر أنه لا تتحقق المحاذاة إلا باحد وجهين:

الأول: أن نقول بان الميقات من تخوم الارض إلى عنان السماء، فاذا مرّ على المدينة مثلا فقد حاذى مسجد الشجرة.

و لكن هذا القول لا وجه له، إذ لم يثبت هذا المعنى إلا فى الكعبة الشريفة، أما غيره فلا يتبعه من الفضاء إلا ما يعد من حريمه أو ما يقبل الانتفاع به عرفا.

الثاني: أن يمرّ على الميقات نفسه بان يكون فوقه و نقول بصدق المحاذاة المعتبرة عليه.

و لكنه موضع تأمل، إذ من المحتمل قويا كون المحاذاة لا تصدق إلا إذا كان المحاذي عن يمين المحاذى أو شماله فلا تصدق فيما إذا كان تحته. كما أنك عرفت أن المتيقن من دليل المحاذاة هو المحاذاة الناشئة عن سلوك طريق أهل الميقات مع الانحراف عنه، و هو لا يشمل ما إذا كان فى الطائرة مع البعد الكبير بين الطائرة و الميقات. كما أنه لا يصدق الاتيان على الميقات بالمرور فوقه حتى يكون مشمولا لدليل الاحرام منه لمن أتى عليه.

و لو قلنا- تنزلا- بصدق المرور به، فالمجاوزة غير محرمة تكليفا، لما عرفت من أن النهي الوارد عن المجاوزة محمول على النهي الارشادي لانه الظاهر في باب المركبات و في خصوص المقام لتفريعه على قوله عليه السّلام: «من تمام الحج و العمرة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 27

و كذا من حج فى البحر. و الحج و العمرة متساويان [يتساويان، خ ل] في ذلك (161).

أن تحرم من المواقيت ... «1»». و مرجع

النهي الارشادي الى عدم صحة الاحرام من غير الميقات، و واضح إرادة طبيعي الميقات أو أحدها لا جميعها، فاذا جاوز أحدها و أحرم من الأخر صح إحرامه.

نعم، لو كان تحريميا كان دالا على حرمة مجاوزة كل ميقات لعدم امتناع إرادة العموم الاستغراقي.

و عليه، فلا إشكال فيمن مرّ على جوّ المدينة قاصدا جدة ثم مكة أن يحرم من الجحفة. خصوصا بعد ما عرفت أنها ميقات اختياري لأهل المدينة.

و جملة القول: أنه لا نجد فرقا بين ذهاب الحاج من جدة إلى مسجد الشجرة أو إلى الجحفة أو غيرهما.

نعم، لو ورد المدينة أمكن الذهاب إلى لزوم إحرامه من المسجد و عدم جواز ركوبه الطائرة منها إلى جدة و الاحرام من الجحفة لما ورد من النص «2» في ذلك، هذا بناء على ان الجحفة ليست ميقاتا اختياريا و إلا جاز الاحرام منها، و قد تقدم الكلام فيه، فراجع.

______________________________

(161) يعني في لزوم الاحرام من الميقات.

و قد ذهب الاصحاب إلى أن المفرد و القارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 8: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 28

و يجرّد [تجرّد، خ ل] الصبيان من فخّ (162).

لزمهما الخروج إلى أدنى الحل فيحرمان منه، و استدل له ببعض النصوص، و تحقيق ذلك نوكله إلى بحث العمرة، فانتظر.

______________________________

(162) اختلف في جواز الاحرام بالصبيان من فخ.

فذهب جمع إلى جوازه و منهم صاحب المدارك «1» و يستدل له برواية أيوب أخي أديم، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام من أين يجرّد الصبيان؟ قال: «كان أبي يجردهم من فخ «2»». و مثلها رواية علي بن

جعفر عليه السّلام. فان ظاهر التجريد هو الاحرام بهم على سبيل الاستعمال الكنائي.

و لكن استقرب فى «الجواهر «3»» عدم الجواز و جعله الاقوى، لاطلاق ما دلّ على لزوم الاحرام من الميقات، و احتمال أن يكون المراد بالتجريد معناه المطابقي بان يكون اللازم فى الصبيان الاحرام بهم من الميقات و لكن لا يجردون من ثيابهم إلا في فخ لغلبة الضعف فيهم المانع من تحملهم البرد و نحوه.

و يقرب «4» ذلك ما سيأتي فى الضعيف من ذلك. فانه يمنع من استقرار ظهور التجريد في معناه الكنائي، خصوصا بملاحظة أن «فخ» لا تكون على سائر الطرق الموصلة الى مكة.

و دعوى: إن حكم من يأتي على غير طريقها الاحرام من أدنى الحل

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 227، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 18: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 121، الطبعة الاولى.

(4)- سيأتى من سيدنا الاستاذ دام ظله خلافه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 29

[أما أحكامها ففيه مسائل]
اشارة

و أما أحكامها ففيه مسائل:

[الأولى: من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد احرامه]

الاولى: من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد احرامه (163)، إلا لناذر بشرط أن يقع احرام الحج في اشهره، أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب و خشي تقضّيه (164).

لا شاهد عليها.

و بالجملة، فلا يمكننا الجزم بظهور النص في جواز تأخير الاحرام الى «فخ» بل إرادة جواز تأخير لبس المخيط منه قوية جدا.

______________________________

(163) لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية ابن اذينة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الاحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها ... «2»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «و ليس لاحد أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فانما مثل ذلك مثل من صلّى فى السفر اربعا و ترك الثنتين «3»».

(164) أستثني من الاحرام قبل الميقات صورتان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب المواقيت، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 30

..........

الصورة الأولى: ما إذا نذر الاحرام قبل الميقات، فانه يشرع له ذلك لدلالة النصوص عليه، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة؟ قال: «فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال «1»».

و بعد ورود النصوص الدالة على المشروعية التي منها الصحيح، فلا مجال للتشكيك في ذلك أو منع ذلك

بانه يتنافى مع اشتراط رجحان متعلق النذر في انعقاده، فانه اجتهاد في قبال النص.

مع أنه لا إشكال من هذه الجهة، إذ قد تصدى الاعلام إلى نفيه، فراجع بعض مباحث العموم فى الاصول.

ثم إن ظاهر النصوص مشروعية الاحرام قبل الميقات بالنذر بمعنى القبلية المكانية دون الزمانية، إذ لا دليل على مشروعيته، فلا يصح إحرام عمرة التمتع قبل أشهر الحج.

و هل يلحق بالنذر العهد و اليمين؟ الظاهر عدم الالحاق لانه حكم على خلاف القاعدة الأولية. و القدر المتيقن من النص بل ظاهره أن موضوعه النذر دون غيره. فلا يثبت الحكم لغير. نعم، رواية أبي بصير مطلقة و لكنها ضعيفة السند. كما أن الظاهر من النصوص نذر الاحرام المتعارف التام دون الناقص، كنذر الاحرام بالطائرة قبل الميقات. فلاحظ.

و هل يشترط تعيين المكان أو لا، فيشرع الاحرام لو نذر قبل الميقات بقول مطلق؟

الظاهر الثاني لظهور عدم خصوصية لنذر الاحرام من المكان الخاص و إنما الموضوع الاحرام مما قبل الميقات. و هو محطّ السؤال و المنظور فيه. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب المواقيت، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 31

..........

الصورة الثانية: ما إذا أراد إدراك عمرة رجب و خاف فوت الشهر اذا لم يحرم قبل الميقات، فانه يشرع له الاحرام قبل الميقات لدلالة النص عليه، ك:

رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال «هلال شعبان» قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الاحرام الى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: «يحرم قبل الوقت لرجب فان «فيكون» لرجب فضلا و هو الذي نوى «1»».

و رواية معاوية

بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا أن يخاف فوت الشهر فى العمرة «2»».

و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في مطلق العمرة في كل شهر بلحاظ أن لكل شهر عمرة، و لكن ذكر صاحب الجواهر «3» أنه لم يجد عاملا بها، مع احتمال كون اللام للعهد و المعهود هو شهر رجب لتعارف العمرة فيه، مضافا الى التعليل الوارد في رواية إسحاق من أن لرجب فضلا الظاهر في اختصاص الحكم برجب دون غيره.

و بالجملة، من مجموع ذلك لا يحصل لنا الاطمئنان بإطلاق الرواية.

ثم إنه لا يتعين عليه تأخير الاحرام الى آخر الشهر لاطلاق النصّ فله الاحرام من أي موضع شاء إذا تحقق موضوعه و هو خوف عدم إدراك العمرة لو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب المواقيت، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 124، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 32

[الثانية: اذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد احرامه]

الثانية: اذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد احرامه (165)، و لا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الاحرام من رأس، و لو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات (166).

أخره الى الميقات.

______________________________

(165) لظهور ما تقدّم من النصوص في عدم مشروعيته، فراجع.

(166) لا يخفى أنه لا يشرع الاحرام من غير الميقات من الامكنة السابقة عليه و المتأخرة عنه لما دل من النصوص عليه.

و لو لم يتمكن من تجريد ثيابه أو غيره من محرمات الاحرام أو واجباته من الميقات لعلة، فالاقوال فيه ثلاثة:

الأول: أنه يحرم من محل زوال

العذر و لا يلزمه العود الى الميقات.

الثاني: ما عن ابن إدريس «1» و قوّاه فى «الجواهر «2»» من لزوم نيّة الاحرام و التلبية من الميقات ثم التجريد عند زوال العذر.

الثالث: ما فى المتن من أنه يعود الى الميقات مع الامكان، فان تعذّر أحرم من موضعه إن لم يكن دخل مكة و إلا خرج الى حدود الحرم إن أمكن.

و يستدل للأول بروايتين:

الأولى: رواية أبي شعيب المحاملي، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام،

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 527، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 125، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 33

..........

قال: «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه الى الحرم «1»» بضميمة استظهار أن تأخير إحرامه الى الحرم إذا استمر العذر، فالرواية تدل على أن العذر مسوّغ لتأخير الاحرام حتى يصل الى حدود الحرم.

و الثانية: رواية صفوان بن يحيى، عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام- في حديث-:

«... فكتب إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات إلا من علة «2»».

و يستدل للثاني بوجهين:

الأول: قاعدة الميسور، فانها تقتضي مشروعية الاحرام الناقص.

الثاني: رواية الحميري: «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء، و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه فى الجواب:

يحرم

من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فاذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره «3»».

و يستدل للثالث بروايات، منها: رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم، فقال: «يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 15: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب المواقيت، ح 10.

(4)- المصدر/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 34

..........

و يمكن مناقشة استدلال الوجه الأول:

أما رواية المحاملي، فلضعف سندها بالارسال و إن كانت دلالتها «1» لا بأس بها.

و أما رواية صفوان، فهي إنما تدل على جواز الاحرام من بعد الميقات لمن فيه علة، لما عرفت من حمل النهي فيها عن المجاوزة على الارشاد الى عدم صحة الاحرام من غير الميقات لا التحريم و مع التمكن من العود الى الميقات لا يصدق أنه ذو علة، فلا يكون الاحرام من غير الميقات لعلة.

كما أنه يمكن مناقشة استدلال القول الثاني:

أما قاعدة الميسور، فلأنه لو سلم تماميتها فهي إنما تجري في مورد يكون غير المتعذر معظم الاجزاء بحيث يعدّ ميسورا من المعسور، و مجرد النية و التلبية في الاحرام ليست كذلك كما لا يخفى جدا. مع أنه لو كان يتمكن من العود الى الميقات بعد ارتفاع عذره، لم تجر في حقه قاعدة الميسور، لتمكنه من الإحرام التام من الميقات.

و أما مكاتبة الحميري، فمع الغض عن سندها لا تدل على المدعى لوجهين:

الأول: أن موضوعها

مورد التقية و لا وجه للتعدي منه إلى غيره لاجل ثبوت أحكام ثانوية في باب التقية لا تثبت في غيرها من موارد الأعذار.

الثاني: أنها ظاهرة في تحقق افعال الاحرام كلها فى الميقات لان ذات عرق من العقيق كما تدل عليه كثير من النصوص. نعم، يتخلل بينها فصل و تقع بنحو التدريج، و هذا لا يرتبط بما نحن فيه اذ محل الخلاف فيما نحن فيه هو إتيان سائر

______________________________

(1)- دلالة رواية المحاملي مخدوشة لتعليقها الحكم على الخوف فمع تمكنه من الرجوع لا خوف فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 35

..........

أفعال الاحرام بعد تجاوز الميقات. فدلالة الرواية على جواز التفكيك و الفصل في نفس الميقات لا يدل على المدعى.

و أما القول الثالث، فهو المتعين للأخذ به لا لأجل ثبوت الحكم فى الناسي فيثبت لمطلق ذوي الاعذار- كما ذكره فى «المدارك «1»» و استشكل فيه فى «الجواهر «2»» بانه قياس-، بل لأجل المطلقات، كرواية الحلبي المتقدمة و نحوها رواية على بن جعفر، فان موضوعها مطلق التارك للاحرام، و إن لم تشمل العامد لا عن عذر انصرافا أو إجماعا، كما سيأتي الكلام فيه.

و لكن الإشكال في هذه المطلقات و غيرها مما ورد في خصوص الجاهل و الناسي: أن الحكم فيها بالاحرام من مكانه أو من الحرم مترتب على تعذر الرجوع إلى الميقات لأجل خوف فوت الحج و لأجل عدم الوقت لادراكه لو ذهب الى الميقات، فلا تشمل ما لو كان عذره غير ذلك من مرض أو منع حكومة أو خوف عدو و نحو ذلك مع توفر الوقت في نفسه.

و يمكن التخلص عن هذا الاشكال: بان المانع من الرجوع إذا كان عقليا أو شرعيا أمكنه البقاء

في مكانه حتى يضيق الوقت فيحرم منه لانطباق موضوع الحكم المذكور عليه.

و لا يرد أن الظاهر من مثل ذلك ما إذا كان الاضطرار و التضيق طبعيا لا اختياريا، إذ مع المانع العقلي من الرجوع أو الشرعي منه لا يعدّ الاضطرار اختياريا. و إن عدّ في مورد المنع الشرعي، فهو مما لا ينصرف عنه الدليل كما سيتضح.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 231، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 127، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 36

..........

نعم، قد يشكل الحال فيما كان المانع عرفيا كما لو كان الرجوع حرجيا، فان البقاء و عدم الذهاب الى الميقات حتى يضيق الوقت- في هذا الحال- يعدّ من الاضطرار الاختياري.

لكنه يندفع: بان موضوع الحكم فى الدليل أعم من الاضطرار الطبيعي و غيره و إنما اختص بالطبيعي بدعوى انصراف الدليل، و هو إنما ينصرف عن الاضطرار الاختياري إذا كان قادرا عرفا على عدم حصوله أما مع عدم القدرة العرفية كموارد العسر و الحرج فلا ينصرف عنها الدليل و إن كان الاضطرار بالاختيار.

و عليه، فعموم الدليل بالنسبة إليه محكم. فلاحظ و التفت فانه لا يخلو عن دقة.

و بالجملة: نستطيع إثبات الحكم لسائر موارد الاعذار بهذه المطلقات بهذا الاسلوب.

ثم إنه لو لم يتمكن من العود إلى الميقات و كان يتمكن من العود الى ما قبله لزمه العود إلى ما يمكنه، لرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: «ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم؛ فقال

عليه السّلام: إن كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه فان لم يكن عليها وقت «مهلة» فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها «1»». فانها تقيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 37

فإن تعذر، جدد الاحرام حيث زال. و لو دخل مكة خرج إلى الميقات. فإن تعذر، خرج إلى خارج الحرم. و لو تعذر أحرم من الروايات المطلقة الدالة على الاحرام من مكانه عند تعذر الرجوع إلى الميقات من دون تقييد بتعذّر العود إلى ما دونه. و هي و إن كان موضوعها صورة الجهل لكن يتعدى منها إلى غيرها للعلم بعدم الخصوصية. فلاحظ.

الحاق:

فى المغمى عليه عند الميقات، نقل صاحب المدارك «1» عن المحقق رحمه اللّه فى «المعتبر «2»» أنه ذهب إلى أن من زال عقله باغماء و شبهه سقط عنه الحج و لو أحرم عنه رجل جاز. و استحسنه فى «المدارك».

و لكن وقع الكلام في أن المشروع هو الاحرام به أو الاحرام عنه. ثم وقع الكلام في إجزاء حجه كذلك عن حجة الاسلام.

أقول: لا مجال لهذا البحث و شئونه بعد أن كان حكما على خلاف القواعد الاوليّة، فيحتاج كل شأن فيه إلى دليل خاص. و النص الوارد في شأن المغمى عليه روايتان مرسلتان لا يعتمد عليهما في مخالفة القاعدة و هما روايتا جميل بن دراج. فلاحظ.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 231، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 809، ط مؤسسة سيد الشهداء.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 38

مكة، و كذا لو ترك الاحرام ناسيا (167)،

______________________________

(167) لدلالة النصوص الخاصة عليه، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: قال أبي: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فان خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1»».

ثم إنه أوقع البحث هنا فيما لو نسي إحرام الحج، فهل له الاحرام من المشعر لو ذكره هناك أو ليس له إلا الاحرام من عرفات؟ و هذا البحث ليس محله هاهنا و قد تقدم بعض الكلام فيه في مسألة الكافر لو أسلم في أثناء وقت الحج فراجع.

كما لا مجال للبحث هاهنا عمن نسي الاحرام حتى انقضى الحج بأعماله، فانه مورد دليل خاص و سيجي ء البحث فيه إن شاء اللّه تعالى في محله.

و أعلم أنه في حكم الناسي الجاهل لما ورد من النصوص فيه، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع الى الوقت أن يفوته الحج؛ فقال: «يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «2»».

نعم، ظاهر رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل أن يدخله قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فان ذلك يجزيه إن شاء اللّه، و إن رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فانه أفضل «3»» عدم وجوب الرجوع الى الميقات.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر،

ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 39

أو لم يرد النسك (168).

و لكنها ضعيفة السند، فلا تدعو الى التصرف في ظهور نصوص الوجوب.

______________________________

(168) يعني: أنه إذا تجدد له إرادة النسك لزمه الاحرام من الميقات لو أمكنه و إلا فمن مكانه، فإن من لم يكن مريدا للنسك لا يجب عليه الإحرام من الميقات إذا مرّ عليه كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و استدل لكلتا الصورتين- أعني ما إذا تمكن من الاحرام من الميقات و ما إذا لم يتمكن- بإطلاق رواية الحلبي المتقدمة فيمن ترك الاحرام لعذر.

و تمكن المناقشة فى الاستدلال بها بان ظاهر قوله فى السؤال: «رجل ترك الاحرام ...» إرادة الترك في ظرف وجوب الاحرام عليه و ثبوته في حقه و لو بنحو الاقتضاء، أما من لم يكن عليه الاحرام واجبا لفقدان موضوعه و هو إرادة النسك، فلا يشمله السؤال. و لفظ «ترك» و إن كان عامّا في نفسه لكنه منصرف عن مثل هذه الصورة. و دعوى ذلك غير مجازفة.

و استدل للصورة الثانية- أعني ما إذا لم يتمكن من العود إلى الميقات- بفحوى ما دل على الحكم فى الناسي، إذ مثل هذا الشخص أولى بالتخفيف من الناسي لإمكان تحفظ الناسي، فجواز إحرام الناسي من موضعه يدل بالفحوى على جواز ذلك لهذا الشخص. و قد صرح بهذا الاستدلال في «المدارك «1»» و تبعه عليه فى «الجواهر «2»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 234، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 132، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 40

و كذا المقيم بمكة إذا كان فرضه التمتع (169)،

أما لو أخره عامدا لم يصح احرامه حتى يعود الى الميقات، و لو تعذر لم يصحّ احرامه (170).

و فيه: أن هذا إنما يتم لو علم أن ملاك الحكم فى الناسي هو التخفيف و الامتنان عليه فيقال إن هذا أولى بالعذر، و لكن لا دليل على ذلك، فلعل ثبوت الحكم فى الناسي لخصوصية لا ثبوت لها في محل الكلام. فالتفت.

______________________________

(169) قد تقدّم الكلام فيه مفصلا فراجع.

ثم اعلم أن ظاهر الروايات المطلقة و الواردة فى الناسي و الجاهل بل صريحها وجوب العود إلى ميقات أهل بلاده، لكن لا يلتزم بهذه الخصوصية للعلم بعدم كون المقصود تخصيص الحكم به و إنما ذكر لأنه الفرد الغالب و المتعارف لكل شخص، إذ الغالب في كل شخص الاحرام من ميقات بلاده و الحج على طريقها. فالتفت.

(170) لو لم يحرم من الميقات عمدا مع إرادة النسك، فان تمكن من الرجوع الى الميقات فهو، و إلا فهل يجوز له الاحرام من موضعه كمن أخر إحرامه لعذر أو لا يصح إحرامه إلا من الميقات؟

ذهب الاصحاب إلى الثاني، و الّذي يمكن به تصحيح احرامه من غير الميقات وجهان:

الأول: دعوى عدم شرطية الاحرام من الميقات لمن تعذر منه ذلك و لو كان التعذر عن اختيار.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 41

..........

و الجواب عنها واضح، لاطلاق دليل الشرطية فان قوله عليه السّلام: «ان من تمام الحج و العمرة ان يحرم ...» مطلق، بل حتى لو كان الدليل بلسان الأمر، فانه يشمل صورة التعذّر. و لا يصغى الى ما قيل من اختصاص الأمر بحال القدرة، لما بيّن في محله من ان مثل هذه الاوامر إرشاد لا يعتبر في صحته القدرة على متعلقه.

الثاني: اطلاق رواية

الحلبي المتقدمة فيمن ترك الاحرام حتى دخل الحرم، و لا مجال للتوقف عنها سوى دعوى انصراف السؤال عن التارك عمدا و هي دعوى بلا شاهد. فالصناعة تقضي بصحة احرامه و لم يستبعده فى «المدارك «1»».

فلاحظ.

ثم إن صاحب «المسالك «2»» ذهب: إلى انه مع تعذر رجوعه يبطل نسكه و وجب عليه قضاؤه و ان لم يكن مستطيعا للنسك، بل كان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم فان ذلك موجب للاحرام، فاذا لم يأت به وجب قضاؤه.

و أورد عليه: ان ذلك انما يتم لو جاء باعمال الحج بدون احرام لما دل على وجوب قضاء الحج الفاسد الظاهر في كون افساد الحج موضوعا لوجوب القضاء، أما لو لم يأت بأي عمل، فلزوم القضاء عليه يحتاج إلى دليل و ليس لدينا ما يدل عليه.

تنبيه: لا يخفى ان موضوع الروايات المتقدمة و المطلقة و الواردة فى الناسي و الجاهل الدالة على الحكم المزبور من دخل الحرم او مكة بغير احرام. فالحكم فيها بصحة الاحرام من موضعه لو تعذر عليه الرجوع لا يقتضي ثبوت الحكم

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 235، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 222، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 42

[الثالثة: لو نسي الاحرام و لم يذكر حتى اكمل مناسكه]

الثالثة: لو نسي الاحرام و لم يذكر حتى اكمل مناسكه، قيل:

يقضي ان كان واجبا، و قيل: يجزيه و هو المروي (171).

فيما لو لم يدخل الحرم بعد، و تعذر عليه الرجوع الى الميقات، فلا اقتضاء فيها لصحة الاحرام من موضعه كما عليه الفتوى. لاحتمال خصوصية لدخول الحرم.

و لو تنزلنا عن ذلك، فيحتمل ان تكون صحة الاحرام من موضعه خصوصية

فى الحرم لا مطلقا. فيحتمل ان يكون احرام مثل هذا الشخص من حدود الحرم لا من مكانه- كما قد يدعى ظهوره من صحة الاحرام من أدنى الحل من هذه النصوص-.

و بالجملة، فلا وجه للفتوى المزبورة لمن لم يصل الحرم بعد، فاما أن نقول بصحة احرامه من أدنى الحل لو دلّ دليل على صحة الاحرام منه بقول مطلق. أو نقول بعدم صحة حجه لعدم تمكنه من الاحرام الصحيح. فتدبر فان هذا المعنى مغفول عنه في كلمات الاصحاب.

______________________________

(171) مقتضى القواعد الأولية بطلان الحج بدون احرام، لان فقدان الشرط او الجزء موجب لبطلان العمل و عدم وقوعه صحيحا.

لكن ذهب جمع من الاصحاب رحمهم اللّه «1» الى الاجتزاء بالحج بدون احرام اذا كان عدم احرامه عن نسيان و استدل له بوجوه:

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 211، الطبعة الاولى؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 314، الطبعة الاولى؛ المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 810، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام؛ الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 46، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 43

..........

كقاعدة رفع الحرج بعد ان كان النسيان كالطبيعة الثانية للانسان.

و الاجماع على عدم فوات الحج بفوات شرطه او جزئه نسيانا إلا فى الموقفين، و لذا لا يبطل الحج بنسيان الطواف.

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. قال: اذا قضى المناسك كلها فقدتم حجه «1»».

و مرسلة جميل بن دراج، عن أحدهما عليهما السّلام: «في

رجل نسي ان يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى قال: تجزيه نيته اذا كان قد نوى ذلك فقدتم حجه و ان لم يهل ... «2»».

و عمدة الوجوه رواية علي بن جعفر، إذ قاعدة رفع الحرج لا تثبت الاجزاء، بل تنفي وجوب القضاء ما دام حرجيا. ثم ان الحرج فى القضاء أول الكلام. كما ان كون النسيان طبيعة ثانية لا يلازم غلبة النسيان في الاحرام بل المقصود به الغلبة بنحو عام.

و أما الاجماع، فلم يثبت بل كل جزء و شرط له حكمه الخاص من دليله الخاص، كما سيتضح إن شاء اللّه تعالى.

و اما رواية جميل، فهي مرسلة ليست بحجة، و لم يثبت عمل المشهور بها- لو سلم أنه جابر لضعف السند-، لاحتمال استنادهم الى رواية ابن جعفر أو غيرها من الوجوه.

إذن، فالعمدة هو رواية علي بن جعفر عليه السّلام، فانها تامة السند لكن موضوعها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب المواقيت، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 44

..........

الجاهل، فثبوت الحكم بها للناسي الذي هو محل الكلام يتوقف:

إما على ادراج الناسي فى الجاهل موضوعا بدعوى ان الجهل عبارة عن عدم العلم و الناسي ليس بعالم قطعا.

أو ادراجه فيه حكما بدعوى عدم خصوصية للجاهل.

و كلاهما محل نظر:

أما الأول: فلاحتمال ان يدعى ان الجاهل ظاهر- وضعا او انصرافا- في غير العالم مع الالتفات، فالتقابل بينهما تقابل العدم و الملكة، فلا يشمل الناسي لغفلته.

و أما الثاني: فدعوى عدم الخصوصية لا دليل عليها. فاثبات الحكم للناسي مشكل، فالمتيقن من الخروج عن القاعدة هو الجاهل.

ثم إن الاصحاب رحمهم اللّه أوقعوا الكلام في حقيقة الاحرام و

هل هو مجرد النية أو هي مع التلبية أو هما مع لبس الثوبين، أو هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة و التلبية هي الرابطة لهذا التوطين نسبتها إليه كنسبة التكبيرة الى الصلاة؟

وجوه و سيأتي تحقيق ذلك مع بيان ان الاحرام هل هو أمر وضعي أولا عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

و قد نقل عن المحقق الثاني قدّس سرّه «1» انه التزم بان المنسي ان كان نية الاحرام لم يجز و ان كان المنسي التلبية أجزأ.

و قد يوجّه هذا الالتزام بان الحكم لما كان على خلاف القاعدة اقتصر فيه على القدر المتيقن و هو صورة ما اذا نسي غير النية فان القدر المتيقن من الفتوى.

______________________________

(1)- المحقق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 162، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 45

..........

كما ان مقتضى مرسلة جميل ذلك كما لا يخفى.

و يشكل: بان من التزم بالحكم في صورة نسيان الاحرام يلتزم به في صورة نسيان النية لدخولها في الاحرام قطعا و الدليل مطلق كما لا يخفى.

و أما رواية جميل و علي بن جعفر عليه السّلام فظاهرهما ترك النية، لأن من كان يجهل الاحرام أو نساه فظاهر حاله انه لم يأت بالنية و لا التلبية و لا لبس الثوبين. و من الواضح انه اذا أجزأ العمل بترك الجميع فاجزاؤه بترك البعض أولى، و هذا المعنى ذكره فى «المدارك «1»» و تبعه فى «الجواهر «2»».

و رواية جميل و ان كانت ظاهرة فى التقييد بالاتيان بالنية، لكنها مرسلة و لم يثبت انجبار هذا الحكم فيها بعمل المشهور و ان كانت منجبرة من حيث أصل الحكم.

و بالجملة، ان التزمنا برواية

علي بن جعفر و شمولها للناسي فلا وجه لتفصيل المحقق الثاني رحمه اللّه و إلّا فلا ثبوت لأصل الحكم فى الناسي كما عرفت.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 239، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 135، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 47

[الرّكن الثّاني: في أفعال الحج]

اشارة

الرّكن الثّاني:

في أفعال الحج و الواجب اثنا عشر (172): الاحرام؛ و الوقوف بعرفات؛ و الوقوف بالمشعر؛ و نزول منى؛ و الرمي؛ و الذبح؛ و الحلق بها أو التقصير؛ و الطواف؛ و ركعتاه؛ و السعي؛ و طواف النساء؛ و ركعتاه.

و يستحب أمام التوجه (173): الصدقة؛ و صلاة ركعتين؛ و ان يقف

______________________________

(172) ستعرف حكم كل من هذه الأمور و غيرها كل على حدة، كما ستعرف ما هو ركن منها يبطل الحج بتركه سهوا و عمدا، و ما يبطل بتركه عمدا، و ما لا يبطل بتركه عمدا و سهوا، و قد عرفت حال الاحرام و انه مما يبطل الحج بتركه عمدا و نسيانا و لا يبطل بتركه جهلا.

(173) لا يهمنا كثيرا البحث فيما ذكره قدّس سرّه من مستحبات السفر لعدم شبهة الوجوب فيها، فمن اراد الاطلاع فليراجع المطوّلات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 48

على باب داره؛ و يقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله و آية الكرسي كذلك؛ و أن يدعو بكلمات الفرج و بالادعية المأثورة؛ و أن يقول اذا جعل رجله بالركاب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه و باللّه و اللّه اكبر»؛ فاذا استوى على راحلته، دعا بالدعاء المأثور.

[القول فى الإحرام]

اشارة

القول فى الاحرام

[و النظر في مقدماته، و كيفيته، و أحكامه]
اشارة

و النظر في مقدماته، و كيفيته، و أحكامه

[أما مقدماته:]

أما مقدماته:

و المقدمات كلّها مستحبة، و هي: توفير شعر رأسه من أول ذى القعدة (174).

______________________________

(174) نسب إلى الشيخ قدّس سرّه فى «الجمل «1»» و ابن ادريس «2» رحمه اللّه و سائر المتأخرين القول بالاستحباب.

و استظهر من الشيخ قدّس سرّه فى «النهاية «3»» و «الاستبصار «4»» و المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة «5»» القول بالوجوب.

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: الجمل و العقود (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 227.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 522، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 171، الطبعة الاولى.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 161، الطبعة الاولى.

(5)- المفيد، محمد بن محمد النعمان: المقنعة، ص 67، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 49

..........

و تردد صاحب المدارك «1» فى المسألة بعد مناقشته لدليل الاستحباب.

و مما ظاهره الوجوب باعتبار ظهور الأمر فيه رواية ابن سنان (مسكان) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأخذ من شعرك و انت تريد الحج في ذي القعدة و لا فى الشهر الذي تريد فيه الخروج الى العمرة» و غيرها كثير بألسنة مختلفة، راجع.

و لكن في قبال هذه المجموعة روايات «2» دالة على جواز أخذ الشعر، ك:

رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحج؟ فقال: لا بأس به ...».

و رواية محمد بن خالد الخزّاز قال: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين اريد الخروج- يعنى إلى مكة- للاحرام».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى

بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل اذا همّ بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: لا بأس».

و قد نوقش في رواية سماعة سندا و دلالة، لعدم ظهور حلق القفا في حلق الرأس لو لم يكن ظاهرا في خلافه، و لكن في غيرها كفاية و بها يتصرف في ظهور الطائفة الاولى و يحمل على الاستحباب.

و قد اقتصر صاحب المدارك «3» على ذكر رواية سماعة و ناقشها و هو في غير محله بعد وجود غيرها.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 4: من ابواب الاحرام، ح 3 و 5 و 6.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 50

إذا اراد التمتع (175)، و بتأكد عند هلال ذى الحجة (176)، على الأشبه.

و أن ينظف جسده، و يقصّ أظفاره، و يأخذ من شاربه، و يزيل الشعر عن جسده و ابطيه مطليا (177)، و لو كان قد أطلى أجزأه، ما لم يمض خمسة عشر يوما.

و الغسل للاحرام (178)، و قيل: إن لم يجد ماء يتيمم له. و لو اغتسل و أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم اكله و لا لبسه، أعاد الغسل

______________________________

(175) لا تقييد بذلك فى النصوص بل موضوعها الحج.

(176) هذا مما لا أثر له فى النصوص.

(177) وردت في ذلك نصوص كثيرة و ظاهرها الوجوب لظهور الأمر فيه و لا معارض لها أصلا، و لكن لم يلتزم أحد به، بل التزم الكل بالاستحباب و هو يكفى في وهن ظهورها. فراجع.

(178)

لا اشكال في أصل مشروعية الغسل للاحرام، فانه مما تدل عليه النصوص الكثيرة و انما الخلاف في وجوبه و استحبابه.

فذهب أكثر الاصحاب إلى استحباب الغسل و عدّ من الاغسال المسنونة في بابها، و حكي عن ابن أبي عقيل «1» التزامه بالوجوب.

و الذي تدل عليه بعض النصوص هو الوجوب، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق- الى أن قال:-

______________________________

(1)- حكى عنه العلامة قدّس سرّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 50).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 51

..........

ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «1»»، فان ظاهر الأمر الوجوب. كما ان الوجوب ظاهر ما يأتي فيما لو احرم بدون غسل من الأمر باعادة الاحرام، فانتظر.

و الذي يرفع به عن ظاهر الأمر هو التسالم من الاصحاب على عدم وجوبه، يضاف إليه ان لو كان واجبا، لظهر و بان، لتوفّر الدواعي الى نقله و التنبيه عليه لكثرة الابتلاء به.

و بالجملة، ان حصل الجزم او الاطمئنان بذلك فهو و إلا فدعوى الوجوب غير مجازفة و لا أقل من عدم ترك الاحتياط بالاتيان به.

ثم إنه يقع الكلام في فروع:

الأول: في بدلية التيمم عنه مع عدم التمكن من الماء، و قد ذهب البعض «2» الى مشروعية التيمم بدعوى اطلاق دليل البدلية، كقوله عليه السّلام: «التراب أحد الطهورين «3»».

و فيه: ان هذا المضمون ظاهر في تنزيل التيمم منزلة الوضوء او الغسل في مورد يشرع فيه، فتترتب عليه جميع آثار الوضوء او الغسل لا انه يتكفل تشريع التيمم في كل مورد يشرع فيه الوضوء أو الغسل. إذن فلا دليل على مشروعية التيمم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من

ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 314، الطبعة الاولى.

ابن البراج عبد العزيز. المهذب 1/ 219- طبعة مؤسسة النشر الاسلامي.

العلامة الحلي الحسن بن يوسف. منتهى المطلب 2/ 673- الطبعة الحجرية.

(3)- لم نعثر على الرواية بهذا المضمون و الرواية هكذا: «... إن التيمّم احد الطهورين» (وسائل الشيعة، ج 1/ باب 23: من ابواب التيمم، ح 5).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 52

..........

الثاني: لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز أكله او لبسه للمحرم هل عليه اعادة الغسل؟

ظاهر بعض النصوص ذلك، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «اذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل ان يلبّى فعليه الغسل «2»».

و لكن يعارضها رواية علي بن عبد العزيز، قال: «اغتسل أبو عبد اللّه عليه السّلام للاحرام بذي الحليفة؛ ثم قال لغلمانه: هاتوا ما عندكم من الصيد حتى نأكله فاتى بحجلتين فأكلهما قبل ان يحرم «3»». و هي و ان اختصت بالأكل لكنها ترفع ظهور رواية معاوية فى الوجوب بالنسبة إلى اللبس- أيضا- كي لا يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى. نعم، رواية محمد بن مسلم لا معارض لها، فتدبر.

الثالث: هل يجوز تقديم الغسل على الميقات، أو لا؟ لا اشكال في جوازه إذا خاف عوز الماء فى الميقات، لرواية هشام بن سالم قال: «ارسلنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد ان نودعك فارسل

إلينا ان اغتسلوا بالمدينة فاني اخاف ان يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة ... «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 13: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب الاحرام، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 7.

(4)- المصدر/ باب 8: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 53

..........

و أما مع عدم الخوف، فظاهر بعض النصوص جوازه- أيضا-، كرواية الحلبي، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه، فقال:

«يجزيه ذلك ... «1»». و نحوها روايته الاخرى و غيرها.

و لا مقيّد لهذه النصوص سوى إشعار في رواية هشام و هو لا يصلح للتقييد كما لا يخفى.

و يشهد له ما ورد في بعض النصوص من الاكتفاء بغسل اليوم لجميع اليوم و غسل الليلة لجميع الليلة مع ان الغالب عدم التأخر فى الميقات كثيرا، فانه يكشف عن عدم خصوصية للمكان و انما المنظور جهة الزمان. فتدبر.

الرابع: لو نام بعد الغسل، فظاهر بعض النصوص «2» لزوم الاعادة، كرواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل ان يحرم، قال: عليه إعادة الغسل». و نحوها رواية علي بن أبي حمزة.

لكن يشكل دلالتها على اللزوم بعد ورود ما دلّ على الاكتفاء بغسل الليل لليل جميعه، مع ان الغالب النوم في أثناء الليل، فلعل المقصود بها استحباب الاعادة لعدم كمال الغسل المتعقب بالنوم فيستحب اعادته تحصيلا للكامل.

هذا اذا قلنا باستحباب الغسل للاحرام. و ان قلنا بوجوبه، فيكون المقصود بها الاستحباب لا اللزوم، لصحته في نفسه مع النوم.

هذا، مع ورود ما دل على نفيه مع النوم، كرواية عيص

بن القاسم، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 54

استحبابا، و يجوز له تقديمه على الميقات، اذا خاف عوز الماء فيه، و لو وجده استحب له الاعادة. و يجزي الغسل في أول النهار ليومه، و في أول الليل لليلته ما لم ينم. و لو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر، تدارك ما تركه و أعاد الاحرام (179).

قبل ان يحرم، قال: «ليس عليه غسل «1»»، فانها إما لنفي لزوم الغسل- بناء على وجوبه- في نفسه فتحمل غيرها على الطلب الندبي، او لبيان تأدية المستحب بالغسل المتعقب بالنوم- بناء على استحبابه- فتحمل غيرها على الطلب تحصيلا للكامل من المستحب.

______________________________

(179) الأصل فيه رواية الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، قال: كتبت الى العبد الصالح، أبي الحسن عليه السّلام رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: «يعيده «2»».

و لا يخفى ان ظاهر هذه الرواية- كما أشرنا إليه فيما تقدم- وجوب الاعادة، و هو- أعني الاعادة- لا يتلاءم إلا مع شرطية الغسل للاحرام، إذ الاحرام مما لا يقبل الابطال حتى يعاد، لان الاحلال منه يتحقق بأمور معلومة و ليس بنقض النية و نحوها.

و من هنا يظهر انه لا وجه لتنظير المقام باستحباب استئناف الصلاة لو ذكر في اثنائها عدم اتيانه بالاقامة لقابلية الصلاة للابطال و الاعادة، فلا يتّجه الأمر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 10: من

ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 20: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 55

و أن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها. و إن لم يتفق (180) صلى للاحرام ست ركعات، و أقله ركعتان. يقرأ في الاولى: «الحمد» و «قل يا أيها الكافرون» و فى الثانية: «الحمد» و «قل هو الله أحد»، و فيه رواية اخرى.

و يوقع نافلة الاحرام تبعا له- و لو كانت وقت فريضة- مقدّما للنافلة ما لم تتضيق الحاضرة.

باعادة الاحرام إلا اذا كان من اوّل الأمر باطلا.

كما أنه لا وجه لما ذكره فى «الجواهر «1»» من انه نظير إعادة الصلاة جماعة لو صلاها فرادى، إذ المفروض في باب الصلاة انه قد جاء بالصلاة أولا تامة، و ليس كذلك فيما نحن فيه.

و بالجملة، المسألة مثار البحث، و قد عرفت ان الاعادة لا تتلاءم إلا مع شرطية الغسل للاحرام، فتكون هذه الرواية دليلا على لزوم الغسل.

و لو ثبت بنحو قطعي عدم وجوب الغسل، فاما ان تطرح هذه الرواية أو تحمل على إرادة إعادة صورة الاحرام لا واقعه، لانه لا يقبل الابطال كي يعاد، فلاحظ.

______________________________

(180) لا يخفى أن مشروعية الصلاة للاحرام فى الجملة أمر لا يقبل الانكار، لتظافر النصوص فيه بمختلف ألسنتها، بل ظاهر بعضها لزوم كون الاحرام بعد

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 187، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 56

..........

الصلاة، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا أردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصّل ركعتين ثم أحرم في دبرها «1»».

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 56

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فان كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و ان كانت نافلة صليت ركعتين و احرمت في دبرهما ... «2»».

و رواية الحسن بن سعيد المتقدمة فى الغسل بالتقريب المتقدم.

و لكن ظاهر بعض النصوص الاجتزاء بالاحرام عقيب الفريضة وحدها، فالفتوى المذكورة في صلاة ست ركعات قبل الفريضة، ثم اتيان الفريضة، ثم الاحرام لا دليل عليه معتبر، بل ظاهر رواية معاوية خلافه، لان ظاهرها لزوم كون الاحرام عقيب النافلة او الفريضة بلا فصل بينهما.

و بالجملة، فظاهر هذه النصوص و غيرها كون الاحرام دبر صلاة إما نافلة أو فريضة. أما الجمع بينهما بالنحو المزبور فى المتن و غيره من كتب الفقه، فلا دليل عليه سوى رواية مروية في «فقه الرضا» لا يعتمد «3» عليها.

ثم إنه هل تشرع نافلة الاحرام في وقت الفريضة، أو لا؟ بمعنى أنه هل هناك ما يدل على مشروعية صلاة الاحرام في وقت الفريضة أو ان دليلها يختص بغير وقت الفريضة لانه القدر المتيقن منه؟

الحق انه لا دليل على ذلك، إذ ما يتوهم دلالته من النصوص على ذلك هو:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 1.

(3)- فقه الرضا [المنسوب الى الامام الرضا عليه السّلام] (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 57

..........

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-

في حديث- قال: «و أعلم انه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار «1»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «خمس صلوات لا تترك على حال، اذا طفت بالبيت، و اذا أردت ان تحرم ... «4»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمس صلوات تصليها في كل وقت منها صلاة الاحرام «5»».

و رواية ادريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: «يقيم الى المغرب. قلت: فان أبى جمّاله ان يقيم عليه؟ قال: ليس له ان يخالف السنّة. قلت: أله ان يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب إلي قلت: كم أصلي اذا تطوعت؟ قال: أربع ركعات «6»».

و رواية ابن فضّال، عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر/ باب 19: من ابواب الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 58

..........

الاوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: «لا ينتظر حتى تكون الساعة التي تصلي فيها «1»» و انما قال:

«ذلك مخافة الشهرة «2»».

و لكن في دلالة الجميع على المدعى نظر بل منع.

أما رواية عمر بن يزيد، فغاية ما تدل عليه الوسعة في كون الاحرام عقيب الفريضة أو النافلة، أما ظرف مشروعية النافلة فلا تتكفل بيانه، بل يمكن دعوى أنها لا تدل على مشروعية النافلة للاحرام، إذ يمكن أن يراد من النافلة فيها الصلاة المستحبة بالعناوين المختلفة، و لو بعنوان نفس الصلاة، فلا تدل على استحباب صلاة بعنوان الاحرام.

و أما رواية ابي بصير الأولى، فاطلاقها لا بأس به يشمل وقت الفريضة، إلا انها ضعيفة السند.

و أما رواية معاوية بن عمار، فموضوعها غير وقت الفريضة، بل يمكن دعوى دلالتها على نفي المشروعية في وقت الفريضة تمسكا بمفهوم الشرط، و إن ادعى صاحب الجواهر «3» ان مقتضى مفهومها الجمع بين الفريضة و صلاة ركعتين لكنه واضح المنع.

و أما روايته الاخرى، فهي تنافي رواية عمر بن يزيد و غيرها مما دل على جواز الاحرام عقيب الفريضة، فتحمل- خلافا لظاهرها و وحدة السياق- على كون المقصود بيان لزوم كون الاحرام عقيب الصلاة أيّ صلاة كانت، فيرتفع التنافي بينهما، و عليه فلا تدل على المدعى كما لا يخفى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 19: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 194، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 59

..........

و منه يظهر الحال في رواية أبي بصير الثانية.

و أما رواية إدريس، فهى انما تدل على المدعى لو كان المشار إليه بقوله عليه السّلام:

«و تأخير ذلك أحب إليّ» هو التطوع بالصلاة كما استقربه صاحب الجواهر «1».

و لكن في ظهورها تأمل، إذ من المحتمل قويّا كون المشار إليه

هو الاحرام، فلا دلالة لها على المدعى حينئذ، لان محبوبية تأخير الاحرام لأجل عدم الشهرة و هو كما يلازم عدم مشروعية التطوّع في وقت الفريضة يلازم مشروعيته أيضا، فلا دليل على أحدهما.

و أما رواية ابن فضّال، فهي تحتمل وجهين: أحدهما: النهي عن الانتظار الى وقت الفريضة و هو لا يتلاءم مع قول الراوي او الصدوق، لان فيه الشهرة لا في تركه. الآخر: النهي عن الاحرام عصرا و الأمر بالانتظار، فيكون قوله:

«ينتظر حتى ...» جملة مستأنفة لا مدخول لا. و على كلا الوجهين فهي أجنبية عن المدعى.

و اذا ظهر عدم الدليل على مشروعية صلاة الاحرام وقت الفريضة، فلا يتّجه ما جاء فى المتن و غيره من جواز صلاة الاحرام في وقت الفريضة و اتيان الفريضة بعدها.

مع انه يتنافي مع ما يظهر من النصوص، من كون الاحرام عقيب الفريضة او النافلة كما لا تصل النوبة الى دعوى عدم مشروعية التطوع في وقت الفريضة، و ان أدلته حاكمة على دليل المشروعية المطلق الشامل بإطلاقه وقت الفريضة، كي يقال في مقام دفعها ان دليل نفي مشروعية التطوع ناظر الى النوافل المبتدأة لا ذوات الاسباب كنافلة الاحرام. فانه لا موضوع الى جميع ذلك. نعم، لا بأس

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 195، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 60

[أما كيفيته:]
اشارة

و أما كيفيته:

فتشتمل على واجب، و مندوب (181).

بالاتيان رجاء بركعتين بعد الفريضة فان كانت مشروعة فهو و إلا فلا يضر الفصل بها بين الاحرام و الفريضة. و قد التزم بذلك في «كشف اللثام «1»».

و خلاصة الكلام: ان المستفاد من بعض ما ذكرنا من النصوص و غيرها لزوم كون الاحرام عقيب الصلاة،

كما يظهر منها انه مما عليه السيرة و العمل و انه أمر مفروغ عنه، فلا وجه للتشكيك حينئذ بواسطة اعراض الاصحاب و نحوه فتدبر.

و أما استحباب كونه عقيب صلاة الظهر، فلما ورد من احرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله عقيبها، كما ورد بيان أفضليته في بعض النصوص، كرواية عبيد اللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلا ان أفضل ذلك عند زوال الشمس «2»».

و من هذه الرواية و غيرها مما دلّ على جواز الاحرام في كل وقت لا يبقى مجال توهم لزوم كون الاحرام عقيب صلاة الظهر و لا يظن توهمه من أحد.

______________________________

(181) قبل التعرض لفروع الاحرام ينبغي ذكر حقيقة الاحرام و معرفتها. و الاحتمالات الموجّهة فيه أربعة:

الأول: انه مجرد التلبية، لاطلاق الاحرام عليها في بعض النصوص.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 253، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 15: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 61

..........

الثاني: انه ليس له حقيقة منحازة عن اعمال الحج، بل يتحقق بالدخول فى الحج و لكنه ليس هو الحج، بل هو أمر انتزاعي عن ثبوت النواهي المعهودة.

فاحرام الحج كاحرام الصلاة ليس شيئا غير الصلاة، بل هو مما ينتزع عن محرمات الصلاة، و شأن التلبية شأن التكبير، فكما ان احرام الصلاة يتحقق بالتكبير كذلك احرام الحج يتحقق بالتلبية. فالاحرام للحج ينتزع عن موضوعية الشخص للتحريم بالدخول فى الحج و عند التلبية، فهو نظير ما يقال فى الملكية من انها منتزعة عن الاحكام التكليفية.

و قد اختار هذا الرأي صاحب الجواهر «1» ناسبا له إلى بعض الافاضل و

مدعيا ظهور النصوص فيه.

الثالث: انه أثر وضعي للاعمال المخصوصة، كالطهارة المسببة عن الوضوء.

و لعل الوجه فيه ما ورد من التعبير فى النصوص بعدم التحلل إلا بالتقصير، و ما دلّ على عدم انتقاضة، فانه ظاهر في أنه أمر استمراري ثابت.

الرابع:- و هو المختار- انه عبارة عن البناء و الالتزام النفسي بترك المنهيات- كالالتزام النذري- المستتبع لاعتبار الشارع كونه كذلك و عدم تمكنه من التحلل.

و يدفع الاول: بإطلاق الاحرام على ما قبل التلبية فى النصوص، كرواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الاحرام و لم يلبّ؟ قال: «ليس عليه شي ء «2»». و غيرها كثير، فراجع.

و بما ورد من التعبير بنقض الاحرام، فانه ظاهر في أنه معنى استمراري،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 199، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 62

..........

كرواية النضر بن سويد، عن بعض أصحابه، قال: «كتبت إلى أبي ابراهيم عليه السّلام:

رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب: نعم، أو لا بأس به «1»».

و يدفع الثاني: بذلك.

و بأخذ الاحرام في موضوع النواهي المعهودة، كما لا يخفى على من راجع النصوص، و هو يتنافي مع كونه منتزعا عنها، و بنظير ذلك ينفى كون الملكية منتزعة عن الاحكام التكليفية، إذ هي مأخوذة في موضوعها.

و بالتعبير بنسيان الاحرام و الجهل به مع فرض دخوله فى الحج فانه لا معنى له على هذا الوجه، بل الظاهر من استقصاء النصوص أنّ الاحرام

غير الحج قطعا. فالتفت.

و يدفع الثالث: بإطلاق الاحرام على ما قبل التلبية بضميمة ما يظهر من النصوص من عدم ثبوت أي أمر شرعي قبلها، و تمكنه من العدول و النقض و اتيان ما لا يحل للمحرم قبلها.

و بإطلاق الاحرام في مورد بطلانه كالاحرام قبل الميقات.

و الأثر الوضعي كالطهارة غير قابل للصحة و الفساد بل للوجود و العدم لبساطته.

فيتعين الوجه الرابع، و هو الموافق لظهور النصوص في كونه عملا اختياريا مباشريا و كونه من اعمال الشخص نفسه، لا من مجعولات الشارع، فانه ظاهر اسناد الاحرام للشخص نفسه و ليس هو إلا الالتزام النفسي، و هو يتحقق قبل التلبية، فيصدق تحقق الاحرام قبلها. كما انه يقبل النقض و يتصف بالصحة و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 63

[أ- فالواجبات ثلاثة:]
اشارة

أ- فالواجبات ثلاثة:

[الأول: النيّة]

الاول: النيّة و هو أن يقصد بقلبه الى امور أربعة (182): ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقربا، و نوعه من تمتع او قران او افراد، و صفته من وجوب أو ندب، و ما يحرم له من حجة الاسلام أو غيرها.

الفساد بلحاظ ترتّب الاحكام الشرعية عليه، كما يصح أخذه في موضوع الاحكام و يتعلق به النسيان و الجهل.

و بضميمة ما دل على عدم ترتّب الاحكام قبل التلبية نستكشف أنه بالتلبية يلزم احرامه و لا يكون له نقضه بعد ما كان له ذلك قبلها.

كما انه نستكشف مما دل على عدم قابليته بعد التلبية للنقض و التحلل إلا بمحلل خاص أنه أمر استمراري غير اختياري، فليس هو إلّا أن يقال: ان هذا الالتزام يصير موضوعا عند التلبية لاعتبار الشارع الالتزام بنحو الاستمرار و إلزام المكلّف به بحيث لا يمكنه التخلف عنه.

و بالجملة، ما ذكرناه لا ينافي ظاهر النصوص. و أما اطلاق الاحرام على التلبية في بعض النصوص فهو مسامحة باعتبار انها سبب تحقق الاعتبار المستمر و هو كثير، كما يطلق الطهارة على الوضوء و الوضوء على الطهارة.

______________________________

(182) لا اشكال في اعتبار اصل النية في الاحرام، فانه كما عرفت هو الالتزام و القصد، فبدون النية لا إحرام.

و أما اعتبار قصد القربة فيه، فهو من المسلّمات التي لا خلاف فيها، و يظهر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 64

..........

من بعض النصوص، كما ورد في رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اردت الاحرام و التمتع فقل: ... أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب ... «1»».

و أما اعتبار قصد الصفة، فهو مما لا اشكال في عدمه

كما حقق أخيرا في الأصول.

و أما اعتبار قصد النوع من حج أو عمرة، و من تمتع أو قران أو إفراد، و من حج اسلام أو غيره، فالتحقيق فيه: ان الاحرام إن كان شرطا فلا وجه لاعتباره لعدم تأتي الوجهين الآتيين فيه، بل يكون حاله حال الوضوء يجوز له الاتيان به بأيّ غاية او بنحو الاستحباب- بناء على ما حققناه فى الاصول «2» فى المقدمات العبادية من انها متعلقة للأمر الاستحبابى-. ثم يجوز له الاتيان بغاية اخرى لحصول شرطها كما لا يخفى.

نعم، لو كان الاحرام اثرا وضعيا كان مجرد التشكيك في اعتبار قصد النوع في صحته كافيا في لزومه لكون الشك في المحصّل، و هو مجرى الاحتياط.

و لكن عرفت بطلان هذا الاحتمال. هذا، و لكن الشرطية ممنوعة لوجهين:

الأول: إطلاق الاهلال بالحج الّذي معناه الشروع فيه على الاحرام و هو لا يصح إلا اذا كان جزء للحج.

الثاني: ما ورد في بعض النصوص من السؤال عن كيفية دخوله الى مكة متمتعا أم مفردا، و هو لا معنى له إذا لم يكن الاحرام جزء، إذ لم يبدأ في اعمال الحج قبل الدخول الى مكة فلم يتلبس به بعد كي يسأل عن نحو ما تلبس به.

و عليه، فيتعين ان يكون جزء. و إذا كان جزء فالوجه في اعتبار قصد النوع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الاصول، ج 2: ص 244، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 65

..........

أحد أمرين:

الأمر الأول: ان هذه الاعمال أمور قصدية تتقوم بالقصد نظير الظهر و العصر. و يستدل على ذلك بوجوه ثلاثة:

أولها: ما ورد من صحة العدول من بعضها

الى الآخر، كالعدول من الافراد الى التمتع و بالعكس، فان ذلك ظاهر في تباين العملين لتقوّم العدول بالاثنينية و هو لا يتحقق الا بالقصد. و من مثل ذلك استفيد مباينة صلاة الظهر لصلاة العصر.

ثانيها: ما ورد من استحباب اشتراط الاحلال و صيرورتها عمرة ان لم تكن حجة، فانه ظاهر في مباينة العملين.

ثالثها: ما ورد من الأمر بنية المتعة، كرواية احمد بن محمد، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام: «كيف أصنع اذا أردت ان أتمتع؟ فقال: لبّ بالحج و انو المتعة ... «1»».

و لكن شيئا من هذه الوجوه لا تفي بالدعوى:

أما روايات العدول، فلانها إنما تدل على المدعى لو لم يكن هناك فرق ظاهري بين الاعمال، كما هو الحال بالنسبة إلى صلاة الظهر و العصر، فيكشف عن وجود خصوصية قصدية تكون منشأ الفرق. و لكن الحال فيما نحن فيه ليس كذلك لاختلاف هذه الاعمال بالاجزاء و الشرائط، فاعمال التمتع ليست كاعمال الافراد و القران و العمرة المفردة.

و منه يظهر الاشكال فى الوجه الثاني.

و أما ما ورد من الأمر بنية المتعة، فلا ظهور له فى المدعى، إذ من المحتمل قويّا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 66

..........

كون المراد به الارشاد إلى أولوية الاضمار لأجل التقية فقد ورد بيان محبوبية الاضمار و عدم اظهار المتعة.

الأمر الثاني:- مما استدل به على اعتبار قصد النوع- ان الاعمال اذا كانت متعددة و الاوامر كذلك لم يكن طريق إلى تعيين أحدها في مقام الامتثال إلا بقصد النوع و إلا لم يتعين الاحرام امتثالا لأحدها لانه ترجيح بلا مرجح.

و هذا الوجه يبدو من كلام

صاحب الجواهر «1» أولا و أخيرا، و قد تعرض الى الوجه الأول في ضمن كلامه.

و هو لا ينهض على المدعى، فانه لا يتأتى في صورة وحدة الأمر لتعين أحد الافراد عليه، كما لو تعين عليه حج التمتع حجة الاسلام، فانه لا تعدد للأمر كي يتردد العمل في مقام الامتثال بين الأوامر.

كما انه في صورة تعدد الأمر يمكن للمكلّف أن لا يقصد أحد الانواع حال احرامه، بل يقصد باحرامه امتثال الأمر الذي سيختار امتثاله عند وصوله الى مكة مثلا، فانه اذا عيّن بعد ذلك عمله وقع الاحرام امتثالا لذلك الأمر لتعيّنه في علمه تعالى.

و النتيجة: انه لا دليل على اعتبار قصد النوع، فيجوز الاتيان بالاحرام بداعي الأمر الذي سيختار امتثاله بعد ذلك و له صرفه إلى إيها شاء.

و قد نسب ذلك إلى العلامة قدّس سرّه فى «التذكرة «2»» و «المنتهى «3»» و ذهب إليه

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 202، الطبعة الاولى.

(2)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 233، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 675، الطبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 67

و لو نوى نوعا و نطق بغيره عمل على نيته (183)، و لو أخلّ بالنيّة عمدا أو سهوا لم يصح احرامه (184).

فى «المدارك «1»» و نسبه فى «الجواهر «2»» إلى بعض الاكابر.

______________________________

(183) لا دليل على اعتبار اللفظ و ان ورد به الأمر لكنه ظاهر في بيان مشروعيته بقرينة ما ورد من جواز النية، كرواية حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: «إني أريد أن اتمتع بالعمرة

إلى الحج فكيف أقول؟ قال:

تقول: اللهم إني اريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك. و ان شئت أضمرت الذي تريد «3»». بل ورد ما يدل على استحباب الاضمار، كرواية اسحاق بن عمار انه سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام، قال: «اصحاب الإضمار أحب إليّ فلبّ و لا تسم شيئا «4»».

و عليه، فالمدار على النية لا على اللفظ سواء وافق النية أم خالفها.

(184) المراد بالنية:

إن كان هو الالتزام و القصد المقوّم للاحرام، فبطلانه بتركها عمدا أو سهوا لا كلام فيه لعدم الاتيان بالاحرام بدونها.

و إن اريد بها نية التقرب، فبطلانه واضح مع تركها لكونه عباديا.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 258، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 205، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 68

و لو أحرم بالحج و العمرة و كان في اشهر الحج (185)، كان مخيّرا بين الحج و العمرة، اذا لم يتعين عليه احدهما. و ان كان في غير اشهر الحج تعين للعمرة. و لو قيل بالبطلان في الاول و لزوم تجديد النيّة، و أما اذا أريد من النية نية النوع، فان قلنا بانه يعتبر قصد النوع لاجل أنه عمل قصدي كان العمل باطلا لعدم اتيانه بالاحرام المطلوب. و إن كان اعتباره لاجل لزوم التعيين في مقام الامتثال، فبناء على ما ذكرناه في تقريب عدم لزوم القصد لا موجب للالتزام ببطلانه، لانه يتعين قهرا إذا كان ما بذمته معينا لتمامية اركان الامتثال.

و إن كان ما بذمته متعددا صح

أيضا، لتعينه إذا تعقّبه اعمال أحد الانواع، لانه قصد به امتثال الأمر الواقعي و هو مع تعقبه باعمال الحج التمتعي- مثلا- لا تعدد له، إذ الاحرام المتعقّب بعمل حج التمتع مأمور بأمر واحد واقعا. فلاحظ جيدا و تدبر.

______________________________

(185) إذا كان المقصود امتثال الأمر المتعلق بالاحرام للحج و العمرة- بنحو الوحدة- كان احرامه باطلا لعدم ثبوت الأمر بذلك. و عليه، فلا وجه لما جاء فى المتن لان ما قصد لا ثبوت له واقعا و ما له ثبوت واقعا لم يقصد.

و ان كان قصده امتثال الأمر الواقعي و نوى ذلك من جهة الاشتباه فى التطبيق صح.

و أما ما ورد فى النصوص من قصد الحج و العمرة و قصة الامام عليه السّلام مع عثمان فهو ناظر الى حج التمتع في قبال غيره لا ناظر الى الحج و العمرة باحرام واحد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 69

كان اشبه. و لو قال: كاحرام فلان، و كان عالما بما ذا احرم صحّ، و إن كان جاهلا، قيل: يتمتع احتياطا (186).

______________________________

(186) لا يخفى أنه ينبغي ايقاع الكلام في صورة الجهل دون صورة العلم، إذ مع العلم يتعلق القصد بالنوع بلا ريب، و لا يكون التلفظ إلا تعبيرا عن متعلق القصد لا أنّ القصد يتعلق بواقع اللفظ على ما هو عليه- كما هو الحال في صورة الجهل-.

و عليه، فنقول بناء على ما عرفت من عدم لزوم قصد النوع و كفاية التعين الواقعي يصح إحرامه لتعينه واقعا.

و قد استدل عليه بما ورد «1» عن الامام امير المؤمنين عليه السّلام حين قدم من اليمن من أنه أحرم كاحرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله مع عدم علمه عليه السّلام باحرامه صلّى

اللّه عليه و آله.

و ناقشه فى «الجواهر «2»»: بانه معارض بما ورد من أنه كان عالما بكيفية احرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و انه ساق من الهدي أربعا و ثلاثين. و لو سلّم عدم علمه، فهو حكم وارد في خصوص الامام عليه السّلام، فلعله من مختصاته عليه السّلام، فالتعدي منه الى غيره مشكل، و يؤمي إليه افتخاره عليه السّلام بانه ذبح هديه الرسول صلّى اللّه عليه و آله إذ لو لا اختصاصه لما اتّجه افتخاره.

و يؤيّده عدم سياقه عليه السّلام الهدي حال إحرامه مع أنه يشترط في حج القران ذلك.

و أنت بعد أن عرفت صحة الاحرام بحسب القواعد الأولية، فلا يهمنا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب اقسام الحج، ح 32.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 211، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 70

..........

التعرض الى تحقيق الحال في هذه الواقعة.

هذا إذا انكشف له حال من علّق إحرامه على إحرامه أما لو لم ينكشف له الحال لموت أو غيبة.

فنسب الى الشيخ قدّس سرّه «1» أنه يتمتّع احتياطا، لانه ان كان متمتعا فقد وافق و إن كان غيره، فالعدول عنه جائز.

و ناقشة فى «الجواهر «2»»:

أولا: بان العدول من حج الإفراد انما صح بحسب دليله و هو القدر الثابت منه صورة علمه بانه حج افراد، لظهور النص في ذلك، فانه قضية السؤال بقوله:

«رجل لبّى بالحج مفردا ...».

و ثانيا: بأنه إنما يصح العدول مع عدم تعيّنه عليه. و قد يستشكل فيه ...

ثالثا: بانه يحتمل ان يكون الشخص المفقود أحرم بالعمرة المفردة و لا دليل على جواز العدول منها الى الحج.

و فيه: أن دليل جواز العدول

ظاهر في كون موضوعه حج الافراد من دون تقييد له بصورة العلم.

و أما دعوى عدم صحة العدول مع التعيّن، فهى و ان كانت تامة لكنه لا يتلاءم مع الفرض الذي نحن فيه، إذ من المستبعد جدا ان ينوي غيره مع تعينه عليه، فنفس ترديده كاشف عن عدم تعينه.

و أما العمرة المفردة، فقد تقدمت الاشارة إلى أنها لا تختلف حقيقة و أمرا عن عمرة التمتع و الفرق بالتسمية بلحاظ تعقّب العمرة بالحج.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 317، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 212، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 71

و لو نسي بما ذا أحرم، كان مخيّرا بين الحج و العمرة، اذا لم يلزمه أحدهما (187).

نعم، يبقى احتمال ان المفقود نوى القران، و لكنه حيث لم يسق الهدي معه- لعدم فرضه- يستكشف انه خارج عن موضوع الترديد، إلا أن يكون المحرم قد احتمل ذلك، فساق الهدي رجاء، ففي مثل ذلك يشكل الأمر.

______________________________

(187) التحقيق في باب العدول أن نقول: إن افراد الحج إن كانت مختلفة بالقصد كاختلاف الظهر و العصر لم يصح العدول من أحدها الى الآخر إلا بدليل خاص، و ان كانت مختلفة بالذات و الكيفية- كما هو الصحيح- من دون دليل على الاختلاف بالقصد ...

فتارة: يقصد المكلف باحرامه امتثال الأمر الواقعي من حيث انه أمر واقعي من دون لحاظ خصوصية. ففي مثل ذلك يصح عدوله من عمل إلى آخر، لانه اذا عقّب احرامه بما يوجب تعيين الأمر الواقعي المقصود و رفع الابهام واقعا لم يكن وجه لعدم الصحة، لتعين الأمر الواقعي المقصود امتثاله بالاحرام، فان الأمر المتعلق بالاحرام المتعقب

باعمال حج الافراد- مثلا- واحد متعين.

و أخرى: يقصد المكلف امتثال الأمر المعين ثم يبدو له العدول.

فان التزمنا بما التزم به الفقيه الهمداني «1» و غيره من عدم توقف الامتثال على اضافة العمل من طريق الامر الذي يقصد امتثاله، بل تكفي اضافته الى المولى من أي طريق يكون مع كونه حسنا، صح العدول من الافراد الى التمتع و بالعكس، لانه جاء بالاحرام مضافا الى المولى، فيصح إحرامه.

______________________________

(1)- الهمداني، الفقيه آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 2: ص 155، الطبعة الجديدة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 72

..........

و ان لم نلتزم بذلك، بل قلنا كما يظهر من صاحب العروة «1» بتوقف الامتثال على قصد الأمر الذي يراد امتثاله و اسقاطه لم يصح العدول فيما نحن فيه.

و من هنا يظهر الحال في صورة النسيان، فان الغالب فى المكلّفين قصد الامر الواقعي بما هو أمر واقعي و ان قصد الاتيان بالعمل الخاص لكن المقصود امتثال الأمر الواقعي.

فمع تعين احد الافراد عليه لزمه قصده فعلا، فان كان هو المقصود أولا فلا اشكال و إلا فقد عرفت انه يصح العدول من فرد إلى آخر.

و إن لم يتعين عليه أحدها كان مخيرا بين الأفراد، لصحة اتيانه بكل منها و امكان عدوله من أحدها الى الآخر. و قد عرفت ان الاتيان بجميع اعمال أحد الافراد يعين الأمر الواقعي الذي يقصد امتثاله بالاحرام.

و أما اذا كان العدول على خلاف القاعدة، فان كان عليه فرض معيّن لا يصح غيره كان مقتضى قاعدة التجاوز الحكم بثبوته. و لا يقاس المورد بباب الصلاة حيث يحكم ببطلانها مع الشك فى المقصود بها، لان النية معتبرة في باب الصلاة بالنسبة الى جميع افعالها فاحراز تحققها سابقا لا

ينفع في احراز ما هو شرط اللاحق، بخلاف باب الحج فان النية معتبرة في حال الحدوث فقط، و لذا لو نوى العكس لاحقا لم يبطل احرامه. و لو كان يصح منه المتعدد كان مخيرا لا من جهة أنه كان كذلك قبل الشروع، لأن التخيير قبل الشروع لا يلازم التخيير استمرارا و بعده لاختلاف الموضوع و اعتبار التحلل عنه من الاحرام بالعمل الذي أحرم له، بل من جهة عدم تمكّنه من الاحتياط و الجمع بين الاعمال، بضميمة العلم بعدم كون حكمه البقاء محرما الى الأبد، فتكون وظيفته التخيير

______________________________

(1)- اليزدي، الفقيه السيد كاظم: العروة الوثقى/ فصل في شرائط الوضوء: المسألة 28.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 73

[الثاني: التلبيات الأربع]

الثاني: التلبيات الاربع (188)

بحكم العقل.

هذا تحقيق الكلام في صورة النسيان و به تظهر المناقشة لكلمات الاعلام فى المقام.

______________________________

(188) الكلام فى التلبية من جهات:

الأول: فى وجوبها، و هو مسلّم بين الاصحاب لا يعرف فيه مخالف أو مشكك.

و لا ظهور للنصوص فيه، فإن ظاهرها مشروعيتها لا اكثر و ان كان بعضها بلسان الامر، فان مثل قوله عليه السّلام: «لبّ بالحج و إنو المتعة «1»» لا يدل على الوجوب، لانه في مقام بيان كيفية التلبية المشروعة. و هكذا مثل قوله عليه السّلام- في رواية الحلبي- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فاذا استوت بك فلبّه «2»»، فانه محمول على الاستحباب للتسالم على عدم لزوم التلبية فى البيداء و دلالة النصوص عليه.

نعم، رواية معاوية بن عمار «3» المفصّلة ظاهرة في لزوم التلبية فانه عليه السّلام بعد ان بيّن صورة التلبية قال فيها: «... و اعلم أنه لا بد من

التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد ...»، فيمكن الاعتماد عليها فى الفتوى بالوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 35: من ابواب الاحرام، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 74

..........

و يتأيد بارتكاز وجوبها و الاتيان بها بهذا العنوان بين المسلمين جميعا.

الثانية: في عدم انعقاد الاحرام إلا بها، فانّه مسلم، فيجوز الاتيان بمحرمات الاحرام قبل التلبية من دون أي بأس، لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الاحرام و لم يلبّ، قال: «ليس عليه شي ء «1»».

و روايته الاخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الاحرام ثم خرج فأتى بخبيص فيه زعفران فأكل منه «2»».

و بهذه النصوص يرفع اليد عن ظاهر رواية احمد بن محمد، قال: سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للاحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهلّ بالاحرام، قال: «عليه دم «3»» لصراحتها و تظافرها فان امكن الجمع فهو و إلا فتطرح.

و لكن وقع الكلام في انه هل يحتاج إلى تجديد الاحرام، أو لا؟

ذهب السيد المرتضى قدّس سرّه «4» إلى لزوم تجديده، و هو الصحيح، لما ورد في بعض النصوص من التعبير بالانتقاض الظاهر فى البطلان، كرواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: «ما تقول في رجل تهيأ للاحرام و فرغ من كل شي ء إلا الصلاة و جميع الشروط إلا انه لم يلب أله أن ينقض ذلك و

يواقع النساء فقال: نعم، «5»».

و لان الاحرام كما عرفت هو الالتزام النفسي بترك المنهيات، ففعلها ينافي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 14.

(4)- علم الهدى، السيد المرتضى: الانتصار (سلسلة ينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص 119.

(5)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 75

..........

الالتزام. و انما دلّ الدليل على عدم قابليته للنقض بعد التلبية الذي يستكشف منه اعتبار الشارع استمرار الالتزام كما تقدم لا قبلها.

و من هنا يظهر ما فى «الجواهر «1»» من أن الاتيان بالمنافي لا يقتضي الابطال كما هو الحال فيما لو أتى به بعد التلبية.

و أما ما ذكره فى «المدارك «2»» و تبعه فى «الجواهر «3»» من أن متعلق الالتزام هو ترك المنهيات بعد التلبية.

ففيه: ان الالتزام بالترك المستقبل لا يصحح صدق الاحرام فعلا فانه منتزع عن تحريم هذه الافعال على نفسه، و هو فعلا لم يحرمها عليه، بل حرّمها فى المستقبل، مع ان المفروض صدق الاحرام قبل التلبية.

ثم إنه يظهر أثر ذلك في ما لو نذر الاحرام قبل الميقات و قلنا بان مكان التلبية هو الميقات و ما بعده لا ما قبله، فانه اذا فعل ما ينافي الاحرام في طريقه قبل التلبية كان عليه العود إلى مكان النذر و الاحرام منه على المختار، و لم يكن عليه العود على مختار الجواهر.

هذا و لكن الذي يظهر من بعض النصوص مشروعية التلبية في مكان الاحرام أيّا كان، فله التلبية قبل الميقات اذا نذر الاحرام منه و ينعقد احرامه بها.

و مما ذكرنا يظهر ان التزام المسلمين بالتلبية لا يكشف عن لزومها

بتقريب انها لو لم تكن لازمة لم يكن داع لتحريم المحرمات على أنفسهم و تقيّدهم بتركها.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 232، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 273، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 232، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 76

..........

فان هذا التقريب يندفع: بان التزامهم يمكن ان يكون لأجل عقد احرامهم بحيث لا ينتقض بفعل المحرم كي يحتاجون الى العود الى الميقات لتجديد احرامهم. فتدبر.

الثالثة: هل الواجب التلبيات الأربع أم الخمس أم الست؟ الصحيح هو الأول لصراحة رواية معاوية بن عمار في ذلك. و عليه فما يظهر منه وجوب الخمس من النصوص يحمل على الاستحباب جمعا، و أما احتمال وجوب الست فلا شاهد عليه.

الرابعة: في صورة التلبية، فان فيها احتمالات متعددة:

منها: ما فى المتن من أنها: «لبّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك».

و منها: هذه الصورة باضافة «أن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك».

و منها: جعل هذه الاضافة بين التلبيتين الثالثة و الرابعة.

و الصحيح هو ما فى المتن لظاهر رواية معاوية ابن عمار حيث جاء فيها:

«التلبية ان تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك [لبيك، خ ل] ذا المعارج لبيك ...، ثم قال عليه السّلام: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع «1»» فانه ظاهر في ما ذكرناه،

هذا، مع دلالة رواية عمر بن يزيد على عدم اعتبار هذه الاضافة فقد جاء فيها: «تقول: لبيك اللهم لبّيك لبيك لا شريك لك لبيك. لبيك

ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك «2»».

فما يظهر من رواية عاصم بن حميد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 77

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبّى بالاربع فقال: لبيك اللهم لبّيك [اللهم لبيك، خ ل] لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك [لبيك خ ل] ... «1»» يحمل على الاستحباب مع انه لا ظهور له ان جميع ذلك هو التلبيات الاربع بل غاية ما يدل على انه لبى بها، فتدبر.

و بذلك يلغو أثر البحث في ان لفظ «لك» مقدم على لفظ «الملك» أو مؤخر أو انه مكرر قبله و بعده.

الخامسة: في أن المعتبر فيها خصوص هذه الصيغة؟ أو يجوز ما يؤدي معناها و لو بلفظ غير عربي؟

الظاهر من النصوص وجود خصوصية لهذا اللفظ و اعتبار خصوص هذه الصيغة. و منه يظهر ثبوت خصوصية للتلفظ، فلا يجزى عقد القلب بمؤداها.

ثم إنه هل يعتبر مضافا إلى التلفظ قصد المعنى او يكفي قراءتها و لو مع عدم فهم المعنى؟

الظاهر من الأمر بالتلبية بلفظ «لبّ» و نحوه اعتبار قصد المعنى لان الظاهر كون المطلوب واقع التلبية.

و لكن يضعفه انه من المحتمل قويا ان يراد بالتلبية هذه الصيغة للتعبير بها عنها، فيكون المطلوب التلفظ بهذه الالفاظ. و قد عرفت انه لا دليل صريح على وجوبها كي يعرف الظاهر منه. فيتعين الاحتياط بقصد المعنى، و مع عدم التمكن من فهم

المعنى يأتي بالتلبية لفظا و يستنيب من يستطيع قصد المعنى.

السادسة: في حكم الأخرس. و قد جاء في رواية السكوني، عن أبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من ابواب الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 78

..........

عبد اللّه عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءة القرآن فى الصلاة تحريك لسانه و اشارته باصبعه «1»».

و فيها مضافا الى عدم تصور الاشارة الى بعض المعاني إلا بنحو مضحك أنها ضعيفة السند.

و قد ورد في رواية زرارة: «ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبي فاستفتى له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر له ان يلبّى عنه «2»». و لكنها ضعيفة السند أيضا.

فالمتعين إما سقوط التلبية عنه لقصور دليل وجوبها أولا و عدم التمكن منها ثانيا، أو الاحتياط بالاشارة بما يمكن و الاستنابة.

هذا، اذا لم يقم دليل عام على لزوم الاستنابة في جميع اعمال الحج غير المقدورة و إلا تعيّنت الاستنابة.

السابعة: في مقارنة التلبية النية، فقد ادّعاه بعض «3». و لعلّ الوجه فيه هو: ان الظاهر لزوم الاحرام من الميقات و كون المقصود الاحرام بجميع شئونه، فلا بد من اتيان التلبية مع النيّة.

و فيه: ان صريح كثير من النصوص جواز تأخير التلبية عن الميقات بل استحبابه فى الجملة. فلاحظ «4».

و قد اطال صاحب الجواهر قدّس سرّه «5» في بيان ذلك و اعترف أخيرا بعدم الاثر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

الشهيد الاول محمد بن علي اللمعة الدمشقية 2/ 229، ط النجف الاشرف.

(4)- وسائل

الشيعة/ باب 34: من أبواب الاحرام.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 222، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 79

..........

فيه بناء على ان المعتبر فى النية هو الداعي لا الاخطار.

الثامنة: في لزوم تاخير التلبية عن الميقات.

ظاهر بعض النصوص ذلك، كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا صليت عند الشجرة فلا تلّب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «1»».

و ظاهر بعضها التفصيل بين الراكب و الماشي، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ان كنت ماشيا فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء «2»».

و ظاهر بعضها جواز التلبية فى المسجد للراكب، كرواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت له اذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة قال: أي ذلك شاء صنع «3»».

فالمتعين حمل الأمر الوارد بالتأخير بالخصوص على الاستحباب خصوصا بقرينة ما ورد «4» من أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله إنما لبى فى البيداء لاجل تعليم الناس كيفية التلبية الظاهر في انه غير لازم مع أنه كان راكبا.

و ظهور رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هينهة [هنيئة] فاذا استوت بك الارض ماشيا كنت او راكبا فلبّ «5»» في تساوي الراكب و الماشي فى الحكم، بضميمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 35: من ابواب الاحرام، ح

4.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 80

فلا ينعقد الاحرام لمتمتع و لا لمفرد الا بها، و بالاشارة للأخرس مع عقد قلبه بها. و القارن بالخيار (189). إن شاء عقد احرامه بها، و ان شاء قلّد أو اشعر، على الاظهر. و بأيهما بدأ كان الآخر مستحبا.

و صورتها أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. و قيل يضيف الى ذلك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك، و قيل:

بل يقول: لبيك، اللهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، و الاول أظهر.

و لو عقد نيّة الاحرام، و لبس ثوبيه ثم لم يلبّ، و فعل ما لا يحل للمحرم فعله، لم يلزمه بذلك كفارة اذا كان متمتعا أو مفردا. و كذا لو كان قارنا و لم يشعر و لم يقلّد.

عدم لزوم التأخير للماشي للنص. فلاحظ جيدا.

______________________________

(189) لا اشكال في كون كل واحد من الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية في عقد الاحرام به، ل:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يوجب الاحرام ثلاثة اشياء التلبية و الاشعار و التقليد فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1»».

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «يقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 20.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 81

..........

الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «1»».

و غيرهما من النصوص «2».

و قد وقع الكلام في لزوم التلبية بعدهما تكليفا، و مقتضى اطلاق دليل وجوبها- لو تمّ-

ذلك، و عليه السيرة كما هو ظاهر فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله لانه لبّى و لا بدّ أن يكون قد أشعر لانه مستحب.

و لا منافي له سوى ما يحتمل من ان تنزيل الاشعار و التقليد منزلة التلبية ظاهر في انهما كالتلبية وضعا و تكليفا.

و لكنه يندفع بان ظاهر التنزيل هو التنزيل بلحاظ الحكم الوضعي لا التكليفى، إذ لو كان الاشعار واجبا بنحو التخيير لكان الأنسب التعبير بانه بدل التلبية لا بمنزلته، هذا مع ظهور ذلك في رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين ثنتين ثم اشعر اليمنى ثم اليسرى و لا يشعر ابدا حتى يتهيأ للاحرام لانه اذا أشعر و قلّد و جلّل وجب عليه الاحرام و هي بمنزلة التلبية «3»»، فان ظاهره ان المنظور فى التنزيل هو جهة انعقاد الاحرام به، فلاحظ.

و بالجملة، فمقتضى دليل وجوب التلبية وجوبها مطلقا، كما ان النص صريح في مشروعيتها بعد الاشعار و هو رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة- إلى أن قال:- ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الايمن من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 11.

(2)- المصدر، ح 1 و 2 و 3 و 4.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 82

[الثالث: لبس ثوبي الإحرام]
اشارة

الثالث: لبس ثوبي الاحرام و هما واجبان (190).

سنامها ثم قل: بسم اللّه اللهم منك و لك اللهم تقبل مني، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه «1»».

و أما الاشعار بعد التلبية، فلا دليل

على استحبابه، إذ لا دليل على استحبابه بقول مطلق، فالقدر المتيقن من دليله ما قبل التلبية.

نعم، التقليد بعد الاشعار مستحب، لظاهر رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «البدن تشعر فى الجانب الايمن و يقوم الرجل فى الجانب الايسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلى فيها «2»».

و اما الاشعار بعد التقليد، فلا دليل على استحبابه أيضا، فتدبر.

______________________________

(190) لا خلاف في أصل وجوب لبس الثوبين و لكن لا مستند له من النصوص سوى رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق- الى ان قال:- ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «3»».

و لكن يوهن ظهورها فى الوجوب عطف اللبس على ما لا يجب قطعا، كالسواك و طلي العانة و قص الاظفار.

و على كل حال، فلا يسعنا التشكيك في وجوبه بعد كونه امرا مرتكزا و عليه العمل، و ان كان يضعف ذلك ان ارتكازه من باب تعارف لبسهما بعد نزع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ج 9/ باب 6: من ابواب الحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 83

فلا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبسه فى الصلاة (191).

المخيط و عدم البقاء عاريا. و لاجل ذلك توقف في «كشف اللثام «1»» عن الحكم بوجوبهما ما لم يقم اجماع عليه لعدم المستند فيه غيره.

و لو تم وجوبه، فهو ظاهر في كونه وجوبا شرطيا كما هو الظاهر في مطلق الأوامر في باب المركبات فبدون اللبس لا يصح الاحرام، فلا وجه لما فى «الجواهر «2»» من انه واجب نفسي فلا

يضر تركه في صحة الاحرام.

ثم إن الظاهر لزوم لبس ثوبين احدهما يكون ازارا و الآخر رداء لانه مورد السيرة العملية، كما هو ظاهر ما دل «3» على جواز لبس القباء مقلوبا لو لم يكن لديه رداء و ظاهر السؤال عن جواز التردي «4» بثوبين فان ظاهرهما لزوم الرداء في حد ذاته.

و بالجملة، لزوم التعدّد لا اشكال فيه.

______________________________

(191) مقتضى ذلك عدم جواز الاحرام فى الحرير للرجل و الذهب له- أيضا- و الميتة و المغضوب و ما لا يؤكل لحمه و النجس و الحاكي للعورة.

و التحقيق: ان عدم جواز الاحرام في مثل الحرير مما دل دليل عام على حرمة لبسه على القاعدة، إذ حرمته تقيد أدلة الشرطية، كما هو الحال في باب الصلاة، فلا نحتاج فيها الى دليل خاص.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 273، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 234، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام.

(4)- المصدر/ باب 30: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 84

..........

و منه يعلم الحال فى الميتة لو دل دليل على حرمة استعماله مطلقا.

و أما النجس، فيدل على عدم جواز الاحرام فيه ...

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها قال: لا بأس بذلك اذا كانت طاهرة «1»».

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال:

لا يلبسه حتى يغسله و احرامه تام «2»». و المراد من تمامية احرامه عدم انتقاضه بنزع الثوب حتى يغسله لا

انه لا ينتقض اذا عصى و لبسه نجسا و لم يغسله، كما استظهره فى «الجواهر «3»»، فانه خلاف الظاهر لانه ليس محط النظر فى السؤال.

و قد شكك فى «المدارك «4»» في دلالة هذه الرواية بان مقتضاها عدم جواز لبس النجس في مطلق حال الاحرام و هو بعيد للاتفاق على عدم وجوب تطهير البدن و التفكيك بينهما مستبعد.

أقول: لم يثبت لدينا ظهور الملازمة بين وجوب تطهير الثوب و تطهير البدن لدى الاصحاب كي يكشف اتفاقهم على عدم وجوب تطهير البدن عن اعراضهم عن العمل بهذه الرواية، بل لعل البعض منهم لا يرى ذلك.

و عليه، فان لم تثبت الملازمة فلا اشكال. و ان ثبتت كانت هذه الرواية دليلا على وجوب تطهير البدن، و لا ينافيه الاتفاق لما عرفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 30: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 241، الطبعة الاولى.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 275، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 85

..........

كما انه لا مجال للتشكيك في دلالة هذه الرواية بانها واردة مورد توهم المنع لاجل تخيل ان النجاسة كالوسخ تكره ازالته، إذ التعبير ظاهر في الالزام كما لا يخفى.

و عليه، فلا اشكال في لزوم طهارة ثوبي الاحرام و هو- أيضا- مقتضى مفهوم «1» رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه «2»». كما سيظهر.

و أما الاحرام فيما لا يؤكل لحمه و فى الحاكي، فلا دليل على عدم جوازه سوى رواية حريز بمفهومها.

و تحقيق الحال فيها: انها تحتمل وجوها

ثلاثة:

الأول: ان يكون المراد من قوله: «كل ثوب تصلي فيه» الثوب الذي تجب الصلاة فيه، فيختص موضوعها بالساتر لانه الّذي تجب الصلاة فيه فقط.

و عليه، فتكون دالة على جواز الاحرام بالساتر فقط، فتعارض ما دل على لزوم الرداء.

الثاني: ان يكون المراد منه الثوب الذي تشرع الصلاة فيه، فتكون دالة على اعتبار جميع شرائط اللباس الوجودية و العدمية، و منها عدم كونه من غير مأكول اللحم و عدم كونه نجسا.

الثالث: ان يكون المراد منه الثوب الذي تشرع الصلاة فيه بما انه ثوب، فلا تدل إلا على اعتبار الطهارة لأنها هي المعتبرة فى الثوب بعنوانه و إلا فغيرها غير معتبر فى الثوب بما انه ثوب، و لذا لا تجوز الصلاة في شعر غير المأكول لو كان

______________________________

(1)- ثبوت المفهوم للرواية بلحاظ «الفاء» الظاهر فى الترتيب و التعليق.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 27: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 86

و هل يجوز الاحرام فى الحرير للنساء (192)؟ قيل: نعم، لجواز لبسهن له فى الصلاة، و قيل: لا، و هو أحوط.

على الثياب.

و الظاهر منها هو الثالث، لأخذ الثوب فى الموضوع الظاهر في دخله فى الحكم. فلا يبقى هناك دليل على اعتبار عدم كونه من مأكول اللحم. و أما الاحتمال الاول فضعيف جدا. فتدبر.

______________________________

(192) ما يدل على جواز لبس الحرير للنساء:

رواية حريز المتقدمة بناء على الاحتمال الثاني.

و رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم، لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك «1»».

و رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

«سألته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2»».

و في قبال هذه النصوص نصوص أخرى تدل على المنع عن لبس الحرير بقول مطلق أو اذا كان خالصا، ك:

رواية عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام المرأة المحرمة تلبس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 87

..........

ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «1»».

و رواية اسماعيل بن الفضيل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: «لا و لها ان تلبسه في غير احرامها «2»».

و رواية ابي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هى محرمة فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت: أ تلبس الخز قال: نعم، قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان تحرم المرأة فى الذهب و الخز و ليس يكره الا الحرير المحض «4»».

و رواية سماعة، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير فقال: «لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فاما الخز و العلم فى الثوب فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس و

تلبس الخز، أما إنهم يقولون: أن فى الخز حريرا و انما يكره المبهم «5»».

و بهذه النصوص يقيد اطلاق رواية حريز مضافا الى ما تقدم من ظهورها في اعتبار الطهارة فقط. كما يخصص بها عموم رواية النضر مع أنها ضعيفة السند.

و أما رواية يعقوب فلا صراحة لها في كون موضوعها المرأة المحرمة، فيحتمل ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 9.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 88

..........

يكون السؤال عن جواز لبس الحرير للمرأة بقول مطلق.

نعم، قد يستظهر ذلك من السؤال عن زر القميص لانه يحتمل التحريم في حال الاحرام فقط، فاذا تمّ كانت الرواية ظاهرة فى الحلية حال الاحرام فتعارض بالمجموعة الكبيرة الدالة على المنع. و الترجيح لطائفة المنع للاطمئنان بصدورها.

و لا مجال للجمع الدلالي بينهما بدعوى أن رواية يعقوب نص فى الحلية و غيرها ظاهر فى التحريم، فيحمل على الكراهة.

إذ هي و ان كانت نصا فى الحلية في حد ذاتها لكنها بلحاظ حال الاحرام ليست كذلك، إذ استفادة ورودها في حال الاحرام من ظهور الأزرار فهى ظاهرة فى الحلية حال الاحرام، فلا يمكن الجمع، فتطرح.

هذا، مع انه لو سلمت دلالتها على المدعى و كانت نصا قيدت بما تكفل التفصيل بين الحرير المخلوط و الخالص، لانها مطلقة من هذه الجهة و به ترفع اليد عن اطلاقات المنع.

و عليه، فالحق «1» هو التفصيل بين الحرير المخلوط، فيجوز. و الخالص، فلا يجوز. هذا بالنسبة الى الانثى.

أما الخنثى المشكل، فحيث انها- مع غض النظر عن الحج- تعلم اجمالا بثبوت تكليف في حقها إما تكليف الرجل أو تكليف المرأة

كان عليها الاحتياط، فلا يجوز لها لبس الحرير احتياطا، لكن هذا لا ينفعنا في تحريم لبس الحرير عليها في حال الاحرام لو كانت استفادة مانعيته من باب أصل تحريمه كما تقدم، لعدم العلم بحرمته شرعا بل هو حرام عليها عقلا من باب الاحتياط. و يشكل

______________________________

(1)- هذا كله يبتنى علي القول بانقلاب النسبة فتأمل تعرف. (المقرر).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 89

و يجوز أن يلبس المحرم اكثر من ثوبين (193).

استفادة المانعية من تحريمه عقلا.

و عليه، فان قام لديها علم اجمالي بثبوت تكليف ما بلحاظ الحج إما تكليف الرجل او المرأة تعيّن عليها الامتناع عن لبس الحرير لانه طرف العلم الاجمالي و إلا فأصالة البراءة تنفيه. هذا اذا التزم بجواز لبس الحرير للمرأة و إلا فهو حرام على الخنثى بلا كلام. فلاحظ.

______________________________

(193) لا إشكال في هذا الحكم لدلالة النص عليه، ك:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قال:

«نعم، و الثلاثة ان شاء يتقي بها البرد و الحر «1»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها، قال: لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «2»». و ظاهر هذه الرواية جواز لبس اكثر من ثوبين مطلقا و لو لم يكن مضطرا إليه. و لا تصلح الرواية الاولى لتقييدها لعدم ظهورها اما من جهة تقييد الحكم بالمشيئة أو لعدم ظهور تعلق المشيئة بقوله «يتقى ...»، بل تحتمل ان يكون قوله المزبور جملة مستأنفة بيانا لحكمة اللبس الزائد في تقييد الحكم بالضرورة كما لا يخفى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 30: من ابواب الاحرام،

ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 90

و أن يبدل ثياب احرامه (194)، فاذا اراد الطواف فالافضل أن يطوف فيهما. و اذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام، و كان معه قباء، جاز لبسه مقلوبا، بأن يجعل ذيله على كتفيه (195).

______________________________

(194) تدل على هذا الحكم النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بان يغيّر المحرم ثيابه و لكن اذا دخل مكة لبس ثوبي احرامه اللذين احرم فيهما و كره ان يبيعهما «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا بأس ان يحول المحرم ثيابه «2»».

و الذي يظهر من رواية معاوية وجوب لبس الثوبين اللذين احرم فيهما اذا دخل مكة، فلا وجه لحملها على الاستحباب لعدم المعارض. و لم يثبت اعراض المشهور عنها لفتوى جماعة بالوجوب، مع ان المشهور التزموا بها من حيث السند و لذا أفتوا بالاستحباب لعدم دليل عليه ظاهرا غيره، ثم ان النص يدل على لبس الثوبين عند دخول مكة فتقييده بالطواف بلا وجه ظاهر.

(195) وقع الكلام فى المراد بالاضطرار و انه خصوص الاحتياج الى لبس القباء لاجل برد و نحوه او انه أعم من ذلك و من جهة فقد الرداء و الاحتياج إليه بدلا عن الرداء؟ كما وقع الكلام في كيفية اللبس و انه بنحو التنكيس فقط أو مع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 91

..........

قلب ظاهره باطنه أو يجوز كل منهما؟

و التحقيق: ان النصوص فى الباب على طائفتين:

إحداهما: ما هو ظاهر في لبس

القباء بدلا عن الرداء المعتبر لبسه في الاحرام فهي تتكفل حكم الاحتياج إليه من حيث الحكم التكليفى، ك:

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يلبس المحرم الخفين اذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه [عاتقه، خ ل] او قباء بعد ان ينكسه «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «و يلبس المحرم القباء اذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «2»».

و الأخرى: ما هو ظاهر في لبس القباء في حال الاضطرار الى لبسه لا من جهة عدم الرداء بل من جهة البرد، ك:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و ان اضطر الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «3»».

و نحوها رواية علي بن أبي حمزة «4».

و عليهما يحمل ما ورد مما موضوعه الاضطرار بقول مطلق مع ظهوره فيه عرفا و ان احتمل إرادة الأعم منه و من الاضطرار من جهة الحكم التكليفي و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 92

..........

البدلية عن الرداء، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «1»».

و رواية مثنّى الحنّاط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه إلا قباء فلينكسه

و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه «2»».

و مع وجود هاتين الطائفتين تعرف ان الحكم بجواز لبس القباء ثابت في كلتا الصورتين أعني صورة فقد الرداء و صورة الاضطرار الى لبسه عرفا لبرد و نحوه.

أما كيفية اللبس، فقد وردت في هذه النصوص بنحوين: أحدهما لبسه منكسا و الآخر لبسه مقلوبا بجعل ظهره باطنه. و مقتضى القاعدة لزوم الجمع بينهما، إلا ان ظاهر بعض هذه النصوص جواز عدم النكس و الاكتفاء بجعل ظاهره باطنه فقط لظهور قوله عليه السّلام فيها: «و لا يدخل يديه في يدي القباء» في جواز عدم النكس.

و عليه، فنقول: ان كانت الطائفتان في مقام بيان الجواز لا اكثر فلا دلالة لهما على الجمع، بل كل منهما يدل على جواز احدى الصورتين. و ان كانتا في مقام بيان الالزام بالكيفية- كما هو الظاهر- حصل التنافي بينهما. و كان طريق الجمع بينهما هو رفع اليد عن خصوصية التعيين في كل منهما المستفادة من الاطلاق، فتكون النتيجة هي التخيير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 93

[أما أحكامه:]
اشارة

و أما أحكامه:

فمسائل:

[الأولى: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر، حتى يكمل أفعال ما أحرم له.]

الأولى: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر، حتى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو احرم متمتعا و دخل مكة، و أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا، لم يكن عليه شي ء (196)، و قيل: عليه دم، و حمله على الاستحباب أظهر. و ان فعل ذلك عامدا، قيل: بطلت عمرته فصارت حجة مبتولة، و قيل: بقي على احرامه الاول، و كان الثاني باطلا، و الاول هو المروي.

هذا تحقيق الكلام فى المقام، كما انه ليس فى الطائفة الاولى من هذه الروايات تعرض لفقد الازار او كلا الثوبين بل موضوعها فقد الرداء فقط، فلاحظ.

______________________________

(196) لا اشكال في هذا الحكم بحسب القواعد الاولية لعدم الدليل على مشروعية الاحرام في اثناء احرام آخر و قبل إكماله.

و أما موضوع البحث الآخر و هو ما اذا أحرم بالحج قبل التقصير الموجب للاحلال من احرام العمرة المتمتع بها فله صور ثلاث:

الأولى: ما اذا كان احرامه بالحج عن نسيان للتقصير.

و الثانية: ما اذا كان احرامه عن ترك عمدي للتقصير.

الثالثة: ما اذا كان عن جهل بالتقصير.

و مقتضى القاعدة الاولية بطلان الاحرام بالحج لعدم مشروعيته في جميع هذه الصور لكن الحكم بلحاظ النص الخاص يختلف فيها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 94

..........

أما صورة النسيان: فقد ورد النص بصحة احرامه و عمرته و عدم ثبوت شي ء عليه، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل متمتع نسي ان يقصر حتى أحرم بالحج، قال: «يستغفر اللّه عز و جل «1»».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و

أحل و نسي ان يقصّر حتى خرج الى عرفات، قال: «لا بأس به يبني على العمرة و طوافها و طواف الحج على إثره «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سالته عن رجل اهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل فى الحج قال يستغفر اللّه و لا شي ء، عليه و قد تمت عمرته «3»».

نعم، في رواية اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: «الرجل يتمتع فينسى ان يقصر حتى يهل بالحج فقال عليه دم يهريقه «4»». و لكنها محمولة على الاستحباب لصراحة رواية معاوية في عدم ثبوت شي ء عليه.

و أما صورة العمد، فظاهر بعض النصوص بطلان المتعة و صحة الحج، ك:

رواية العلاء بن الفضيل، قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل ان يقصر قال بطلت متعته هي حجة مبتولة «5»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 95

..........

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع اذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل ان يقصر فليس له ان يقصّر و ليس عليه متعة «1»».

و قد ذهب البعض «2» الى بطلان الاحرام الثاني و البقاء على الأول عملا بمقتضى القاعدة الأولية، كما حملت النصوص المزبورة على صورة المتمتع الذي عدل من الافراد ثم لبّى بعد السعي فلا ترتبط بما نحن فيه.

و لكنه لا يخفى انه لا مجال للأخذ بالقاعدة بعد ورود النص على خلافها، كما ان الحمل المزبور لا شاهد له اصلا فهو تحكم في مدلول

الرواية.

ثم إنه لا يتجه إيقاع البحث في ان التقصير جزء العمرة او محلل لاحرامها، لان قيام الاجماع على عدم جواز ادخال الحج على العمرة مرجعه الى عدم مشروعية إنشاء احرام في اثناء احرام آخر، فما دام الشخص لم يتحلل من احرامه الاول قبل التقصير لم يشرع له إنشاء احرام آخر سواء كان التقصير جزءا أو محللا فانه لا اثر له اصلا. فتدبر.

و أما صورة الجهل، فلا بد من رفع اليد عن مقتضى القاعدة فيه بمقتضى هاتين الروايتين لاطلاق موضوعهما و شموله للجاهل، و لم يخرج عنه بالنص سوى الناسي و لا وجه لالحاق الجاهل به فانه قياس.

ثم إنه يقع الكلام في جهتين:

الأولى: في لزوم تجديد الاحرام، فقد ادعاه بعض «3». و لا وجه له، إذ لا دليل على انقلاب وظيفته مع بطلان احرامه بل ظاهر النص صحة احرامه و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب الاحرام، ح 5.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 581، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد/ كتاب الحج، ص 582، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 96

[الثانية: لو نرى الافراد، ثم دخل مكة]

الثانية: لو نرى الافراد (197)، ثم دخل مكة، جاز أن يطوف و يسعى و يقصر و يجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلبّ. فان لبّى انعقد احرامه. و قيل: لا اعتبار بالتلبية، و انما هو بالقصد (198).

حجه فعلا و ان بطلت متعته.

الثانية: في إجزائه عن الحج الذي بذمته. و هو المتجه لظهور كون السؤال فى النص عن وظيفته الفعلية بلحاظ ما يروم تأديته، فاجاب عليه السّلام بالصحة فلا تتجه دعوى عدم الاجزاء بعدم الدليل عليه

و منافاته للاعتبار في صورة العمد. كما لا تصل النوبة إلى التمسك بالإطلاق المقامي في اثبات الاجزاء كي يستشكل فيه بان السكوت قد يكون اعتمادا على ما هو مقتضى القاعدة من عدم الاجزاء.

______________________________

(197) قد تقدم جواز العدول من حج الافراد الى التمتع و بيان المورد الذي يصح فيه العدول. فراجع.

(198) و مما يدل على انعقاد الاحرام بالتلبية و عدم صحة العدول بعد التلبية رواية اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة، قال: ان كان لبّى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له «1»». و القول الآخر ينسب لابن ادريس «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 19: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 97

[الثالثة: اذا احرم الولي بالصبي]

الثالثة: اذا احرم الولي بالصبي، جرّده من فخ (199)، و فعل به ما يجب على المحرم و جنّبه ما يجتنبه (200). و لو فعل الصبي ما يجب به الكفارة، لزم ذلك الولي في ماله (201).

______________________________

(199) تقدم الكلام في ميقات الصبى، فراجع.

(200) لرواية زرارة، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «اذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يأمره أن يلبي و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه. قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى ابيه «1»».

و يستفاد الحكم

المزبور من غيرها فراجع وسائل الشيعة باب: 17 من ابواب اقسام الحج.

(201) الكلام في مقامين:

الأول: في انه لو فعل الصبي لما يوجب الكفارة كانت الكفارة من مال الولي.

الثاني: في بيان ان فعل الصبي هل يوجب الكفارة حتى يتحقق موضوع البحث الأول أولا يوجب، فلا موضوع له؟

أما المقام الأول، فقد مرّ تحقيق الكلام فيه في اوائل الكتاب، فراجع.

و أما المقام الثاني، فالحق فيه هو التفصيل بين ما يوجب الكفارة لو صدر عمدا و سهوا، كالصيد. و ما يوجبها لو صدر عمدا فقط. فتثبت الكفارة على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب اقسام الحج، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 98

و كل ما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية و طواف و سعي و غير ذلك (202)، و يجب على الولي الهدي من ماله- أيضا- (203)، و روي: اذا كان الصبي مميّزا جاز امره بالصيام عن الهدي، و لو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.

الصبي في الأول دون الثاني و ذلك لان اختصاص الكفارة بما لو صدر عن عمد يحتمل معه ان يكون ثبوتها لاجل حرمة العمل تكليفا و هي غير ثابتة على الصبي. بخلاف مورد عدم الاختصاص بحال العمل، فانه لا مجال لاحتمال كون السبب في ثبوت الكفارة هو الحرمة التكليفية بل مجرد تحقق العمل هو السبب، و معه لا يختلف الحال بين الصبي و غيره، فتثبت الكفارة على الصبي و بثبوتها عليه فتلزم الولي من ماله كما تقدم في رواية زرارة. و أما تسرية الحكم من الصيد الى نظائره مما يجب فيه الكفارة مطلقا فهو بالاجماع المركب.

و الى ما اخترناه ذهب

صاحب المدارك «1» و لعل الوجه فيه ما عرفت.

فتدبر.

______________________________

(202) كما تدل عليه رواية زرارة المتقدمة و غيرها، فراجع.

(203) الذي يظهر من المتن هو كون الهدي على الولي سواء كان الصبي قادرا عليه أو لم يكن قادرا، و مع العجز عنه يتعين الصيام.

و التحقيق: ان مقتضى القواعد ان الصبي اذا كان ذا مال ثبت الهدي عليه و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 286، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 99

..........

يرجع به على الولي، لما تقدم فى الكفارة. و أما اذا لم يكن الصبي واجدا للهدي و كان وليّه متمكنا عليه، فلا وجه لثبوت الهدي عليه لعدم ثبوته على الصبي، فله الانتقال الى بدل الهدي و هو الصيام.

هذا بحسب القاعدة الاولية و أما بحسب النص الخاص فلم يرد ماله ظهور فيما ذكره فى المتن، بل لا دلالة للنصوص الخاصة على اكثر مما هو مقتضى القواعد، بل هي:

ما بين ما هو ظاهر في جواز الصوم عنه عند عدم وجدان الصبي الهدي، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه «1»».

و رواية عبد الرحمن بن أعين، قال: «تمتعنا فاحرمنا و معنا صبيان فاحرموا و لبّوا كما لبّينا و لم يقدروا على الغنم قال: فليصم عن كل صبى وليّه «2»».

و بين ما لا ظهور له في احد النحوين، بل موضوعه عدم وجدان الهدي المحتمل رجوع الضمير فيه الى الصبي او الى الولي. ك:

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يصوم عن الصبي وليّه اذا لم يجد له

هديا و كان متمتعا «3»».

و رواية عبد الرحمن بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الصبي يصوم عنه وليّه اذا لم يجد هديا «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب الذبح. ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 100

[الرابعة: اذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر]

الرابعة: اذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر، و قد استدل برواية زرارة المتقدمة على التفصيل بين المميز و غيره، فيصوم الاول و يذبح على الثاني و لعلها هي الرواية المقصودة بقول الماتن: «و روى اذا كان الصبي مميزا ...». و الحق ان قوله عليه السّلام (يصوم الكبار) لا ظهور له في إرادة المميز من الصبيان. بل الظاهر من الرواية عدم وجود غنم يكفي للكل لا عدم وجود مال، فكان الجواب: ان الصبي يذبح عنه و الكبير يصوم، و لم يفرض فى السؤال وجود صبيان مميزين و غيرهم. فالمقصود بالكبار البالغون لا المميزون من الصبيان.

و بالجملة، لا ظهور للرواية فيما أفاده فى المتن من لزوم الهدي على الولي مع عدم تمكن الصبي منه، اذ موضوعها ليس عدم وجدان الهدي للصبي بل عدم وجدان الهدي الكافي للمجموع من الكبار و الصغار مع غض النظر عن وجود مال للصبي و عدمه، فمرجع الضمير في قوله عليه السّلام: «ليس لهم ما يذبحون» ليس خصوص الصغار بل مجموع الصغار و الكبار.

و بهذا المضمون الذي ذكرناه وردت رواية عبد الرحمن بن أعين، قال:

«حججنا سنة و معنا صبيان فعزت الأضاحي فاصبنا شاة بعد شاة فذبحنا لأنفسنا و تركنا صبياننا، فأتى بكير أبا عبد اللّه عليه السّلام فسأله فقال: انما كان ينبغي أن تذبحوا

عن الصبيان و تصوموا أنتم عن أنفسكم فاذا لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه «1»». فتدبر جيدا و اللّه الموفق و هو حسبنا و نعم الوكيل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 101

تحلل، و هل يسقط الهدي؟ قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الاشبه. و فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الاحصار، و قيل: يجوز التحلل من غير شرط، و الاول أظهر (204).

______________________________

(204) لا اشكال في استحباب الاشتراط لدلالة النصوص عليه، ك:

رواية فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، و مفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة «1»».

و رواية حنان بن سدير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «اذا أتيت مسجد الشجرة فافرض قلت: و أي شي ء الفرض؟ قال: تصلي ركعتين ثم تقول: اللهم إني أريد ان أتمتع بالعمرة إلى الحج، فان أصابنى قدرك فحلنى حيث حبستنى بقدرك، فاذا اتيت الميل فلبّه «2»».

و تدل عليه- أيضا- روايتا «3» معاوية بن عمار و عبد اللّه بن سنان، فلاحظهما.

و قد وقع الكلام في فائدة هذا الشرط فذهب البعض «4» الى أن فائدته سقوط الهدي و التحلل بدونه بمجرد الاحصار.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 23: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 1 و 2.

(4)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 533، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

علم الهدى السيد مرتضى. الانتصار/ سلسلة ينابيع الفقهية 7/ 128.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 102

..........

بيان ذلك: ان ما تفيده الآية الكريمة: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «1» انه لا يجوز لمن أحصر التحلل من احرامه إلا بالهدي، ففائدة الاشتراط صحة التحلل بدون الهدي، بل له ان يتحلل بمجرد الاحصار، و يستدل له بوجوه:

الأول: الاجماع، فقد ذكر فى «المدارك «2»» نقل السيد المرتضى و ابن ادريس اجماع الفرقة.

الثاني: انه معنى الشرط بضميمة امضاء الشارع لهذا الشرط كما يقتضيه دليل مشروعيته و الأمر به.

الثالث: النص و هو: رواية ذريح المحاربي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل متمتع بالعمرة الى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: «أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم أن يحله من احرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه؟ فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلّا لا إحرام عليه ان اللّه أحق من و في بما اشترط عليه. قال: فقلت: أ فعليه الحج من قابل؟ قال:

لا، «3»».

و رواية البزنطي، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله؟ و أي شي ء عليه؟ قال: «هو حلال من كل شي ء، فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم، من جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال: أما

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 196.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 102

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 289، ط مؤسسة آل البيت

عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 24: من ابواب الاحرام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 103

..........

بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ ... «1»»

و هذه الوجوه كلها قابلة للمناقشة:

أما الاجماع، فهو غير محصل كما انه ليس تعبديا.

و أما انه معنى الشرط، فغير مسلم، إذ الشرط لا يقتضي ذلك، بل مقتضاه صحة الاحلال عند الاحصار و عدم لزوم البقاء محرما الى ارتفاع العذر و اداء الاعمال، أما ان الاحصار سبب تام للاحلال فهو أجنبي عن مفاد الشرط. و لذا ورد هذا التعبير فى الروايات في مورد عدم الاشتراط، كقوله عليه السّلام في رواية زرارة: «هو حل اذا حبسه اشترط أم لم يشترط «2»».

و أما رواية البزنطي، فلا دلالة لها على المدعى لاطلاق صدرها، و أما ذيلها فلا يدل على ان موضوع الحكم هو صورة الشرط، إذ لعل المقصود بالاستفهام بيان معقولية هذا الأمر في نفسه- أعني: الاحلال عند الاحصار- و انه مما يطلب من اللّه تعالى، لا انه أمر غير ممكن التحقيق. فالرواية على عدم هذه الفائدة أدل و ظاهرة في عدم الهدي مطلقا، فلاحظ.

و أما رواية ذريح المحاربي، فوجه دلالتها على المدعى حكم الامام عليه السّلام بالاحلال مع سكوته عن لزوم الهدي الكاشف عن عدم لزومه و إلا لبيّنه.

و لكن يمكن ان يقال: انه عليه السّلام ليس في مقام بيان الوظيفة الفعلية بجميع خصائصها، بل الظاهر من الجواب ان السؤال كان عن جواز الاحلال عند الاحصار او لزوم التوقف و البقاء الى زمان ارتفاع العذر، فكان جوابه عليه السّلام بالاحلال فعلا و عدم الانتظار الى زوال العذر، فهو ليس في

مقام البيان إلا من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحصار و الصد، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 104

..........

هذه الجهة. أما شرائط التحلل فهو ليس في مقام بيانها كي يكون سكوته عن لزوم الهدي كاشفا عن عدم لزومه.

و لو فرض انه كانت في مقام البيان من هذه الجهة أيضا، فسكوته لا يكشف عن عدم لزوم الهدي، إذ لعله عليه السّلام اعتمد على ظهور الحكم من الآية الكريمة فلا يحتاج الى بيانه.

و لعله لأجل هذه المناقشات ذهب البعض «1» الى عدم سقوط الهدي تمسكا بإطلاق الآية و بما ورد عن الامام الحسين عليه السّلام من احلاله- عند احصاره- بالهدي «2».

و لكن دلالة ما ورد عنه عليه السّلام تتوقف على تمامية أمور كلها محل توقف و اشكال:

أحدها: ان لا يكون عليه السّلام قد ساق الهدي، كما هو ظاهر رواية أخرى، إذ مع سياقه لا اشكال في توقف الاحلال على ذبحه و كلامنا في غير السائق.

الثاني: ان يكون قد اشترط، و لم يثبت ذلك. و لا دليل على انه يلزمه الاتيان بجميع المستحبات قبل إمامته، و لو سلم فلم يثبت عدم المانع من اتيانه هذا المستحب.

الثالث: ان يكون هديه بنحو اللزوم بدعوى عدم الفصل بين المشروعية و الوجوب، و لكنه لم يثبت ذلك فقد يكون ذلك بنحو الاستحباب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 261، الطبعة الاولى.

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف 1/ 445، المسألة: 324.

العلامة الحلي الحسن بن يوسف. مختلف الشيعة 4/ 344، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- لاحظ رواية معاوية بن عمار باب 1: من ابواب الاحصار

و الصد، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 105

..........

الرابع: عدم الفرق بين احرام العمرة و غيره.

ثم إن ظاهر الرواية الذبح في محل الاحصار و هو خلاف ظاهر الآية الشريفة.

و أما اطلاق الآية الكريمة، فلا بأس بالتمسك به إذا لم يقم دليل على التقييد و قد عرفت المناقشة فيه.

هذا، و لكن الانصاف دلالة رواية المحاربي على سقوط الهدي لظهورها فى الحكم بالاحلال فعلا و عدم أي شي ء عليه خصوصا بملاحظة انه عليه السّلام سأل عن الاشتراط، و لو وجب عليه الهدي لم يكن فرق بين الاشتراط و عدمه للاحلال بعد الهدي فى الحالين، فلا وجه للسؤال و تذييله بان اللّه أحق من وفى بما اشترط عليه.

و قد التزم صاحب الجواهر «1» بان فائدة الاشتراط تعجيل التحلل لا سقوط الهدي، فالهدى واجب في كلا الحالين لكنه يتحلل قبله في صورة الاشتراط و ليس له ذلك في صورة عدم الاشتراط.

و الوجه فيه: هو الالتزام بظهور رواية ذريح فى التعجيل و عدم ظهورها في سقوط الهدي، و لا مانع من التفكيك، فيرجع في لزوم الهدي الى اطلاق دليله.

و يشكل ان ذلك انما يتم لو فرض ان وجوب الهدي و التحلل به حكمان لا يرتبط احدهما بالآخر.

فيدعى: ان الرواية ظاهرة فى التحلل الفعلي. أما عدم وجوب الهدي فلا ظهور لها فيه و ليس المقام مقام بيانه، فيرجع فيه الى دليله.

و لكن الأمر ليس كذلك، فان ظاهر الآية و النصوص ان وجوب الهدي

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 263، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 106

..........

شرطي و ليس له وجوب نفسي مستقل عن وجوبه الشرطي، فاذا

فرض ظهور الرواية في تحقق الاحلال بدون الهدي كان ذلك مقتضيا لعدم وجوب الهدي و سقوطه بالاشتراط.

و بالجملة، فالالتزام بظهور الرواية فى التحلل بدون الهدي يقتضي الالتزام بسقوط الهدي. فتدبر جيدا.

ثم انه قد أشرنا الى وجود ما يدل على تحقق التحلل اشترط أم لم يشترط، كرواية زرارة المتقدمة و رواية حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، قال: «هو حل حيث حبسه قال أم لم يقل «1»».

و المقصود بهذه النصوص:

تارة: يكون تحقق الاحلال الفعلي الفوري بمجرد الحبس.

و أخرى: يكون تحقق الاحلال بنحو الاجمال و عدم البقاء محرما الى وقت ارتفاع العذر.

و لا بد ان تحمل على الثاني لانها على الأول تصادم صريح القرآن الدال على اشتراط بلوغ الهدي محله. و حملها على المعنى الثاني لا يتنافي مع فورية التحلل عند الاشتراط اذا دلّ عليه الدليل كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في الاشتراط و أثره، يبقى الكلام في بعض خصوصياته نوكله الى محله في مبحث الاحصار و الصد. فانتظر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 25: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 107

[الخامسة: اذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه فى القابل إن كان واجبا]

الخامسة: اذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه فى القابل إن كان واجبا، و يسقط إن كان ندبا (205).

[ب: و المندوبات]

ب: و المندوبات 1- رفع الصوت بالتلبية للرجال (206).

______________________________

(205) ما ذكره فى المتن حكم على طبق القاعدة، اذ لا وجه لتوهم لزوم الحج من قابل بمجرد الاحلال بالحصر. و قد وردت النصوص مختلفة:

فمنها: ما ظاهره وجوب الحج، كرواية أبي بصير (يعنى ليث بن البختري) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط فى الحج أن يحلّه حيث حبسه أ عليه الحج من قابل؟ قال: «نعم، «1»». و يدل عليه غيرها.

و منها: ما ظاهره عدم وجوب الحج، كرواية ذريح المحاربي المتقدمة.

و منها: ما ظاهر التفصيل بين الحج المندوب، فلا يجب. و حجة الاسلام فيجب عليه الحج فى القابل و هو مرسلة المفيد قدّس سرّه «2» في «المقنعة».

(206) كما ورد به النص، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن كنت ماشيا فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء «3»». و يستفاد ذلك من غيرها.

و قد يتوهم: ظهور النص فى الوجوب لظهور الأمر فيه و لا ينافي ذلك الامر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحصار و الصد. ح 4.

(2)- المصدر/ باب 1 الاحصار و الصد، ح 6.

(3)- المصدر/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 108

2- و تكرارها عند نومه و استيقاظه (207)، و عند علوّ الآكام و نزول الاهضام؛ فان كان حاجا فالى يوم عرفة عند الزوال، و ان كان معتمرا بمتعة فاذا شاهد بيوت مكة (208)، و إن كان

بعمرة مفردة، قيل:

كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم، أو مشاهدة الكعبة، و به فى التلبية المستحبة، إذ لا يتنافى الوجوب الشرطي مع الاستحباب.

و يندفع: بانه ورد في بعض النصوص إنشاء الأمر الاستحبابي بالتلبية بالأمر بالجهر بها، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا أحرمت من مسجد الشجرة فان كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد تقول: لبيك- الى ان قال:- و اجهر بها كلما ركبت و كلما نزلت و كلما هبطت واديا او علوت أكمة او لقيت راكبا و بالاسحار «1»»، فانه لا أمر بالتلبية في مجموع هذه الموارد بغير هذه الصيغة- أعني: قوله «و اجهر بها»-.

و من الواضح ان الاستحباب مولوي، فلا بد ان يكون الأمر بالجهر مولويا لا شرطيا، و إذا كان مولويا كان استحبابيا لوروده في مورد الاستحباب.

______________________________

(207) يدل على بعضه رواية عمر بن يزيد المتقدمة. و على غيره النصوص الاخرى.

(208) الروايات «2» الواردة في مكان قطع التلبية للمعتمر بمتعة مختلفة التعبير، فورد:

في بعضها القطع عند مشاهدة بيوت مكة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 43: من ابواب الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 109

قيل: ان كان ممن خرج من مكة للاحرام، فاذا شاهد الكعبة، و إن كان ممن احرم من خارج، فاذا دخل الحرم، و الكل جائز.

3- و يرفع صوته بالتلبية، اذا حج على طريق المدينة، اذا علت راحلته البيداء، فان كان راجلا فحيث يحرم. و يستحب التلفظ بما يعزم عليه، و الاشتراط ان يحله حيث حبسه؛ و ان لم يكن حجة فعمرة. و ان يحرم فى الثياب القطن، و

أفضله البيض. و اذا حرم بالحج من مكة، رفع صوته بالتلبية، اذا اشرف على الأبطح.

[تروك الاحرام: و هي محرمات و مكروهات.]
اشارة

و يلحق بذلك:

تروك الاحرام:

و هي محرمات و مكروهات.

[أ- فالمحرمات:]
اشارة

أ- فالمحرمات:

و في بعضها القطع عند عروش مكة و هي ذي طوي.

و في بعضها اذا نظر إلى ذي طوي.

و في بعضها حين يدخل الحرم.

و في بعضها تحديد البيوت بعقبة المدنيين.

و هي ان كانت متحدة المئال، فلا اشكال و ان كانت مختلفة فى البعد و القرب كان طريق الجمع هو الحمل على تعدد المراتب في عدم المشروعية، فلاحظ «1».

______________________________

(1)- ثم ان سيدنا الاستاذ دام ظله أهمل الكلام عن باقي المستحبات لسهولة الخطب فيها، فلا حاجة للاطالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 110

عشرون شيئا:

[1- فصيد البرّ اصطيادا، أو أكلا]

1- فصيد البرّ اصطيادا، أو أكلا؛ و لو صاده محل، و اشارة و دلالة، و إغلاقا و ذبحا (209).

______________________________

(209) لا اشكال في حرمة الصيد بمعناه المصدري.

و فى ا «المدارك «1»»: «هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب». و تدل عليه الآية الكريمة: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «2» و لا اشكال في حرمة ذبحه و قتله للآية الكريمة: و لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3»، كما لا اشكال في عدم اختصاص التحريم بنفس الاصطياد بل يحرم الاشارة إليه و الدلالة عليه و كل ما يؤدي الى الاصطياد.

و قد وجّه ذلك باعتبار دلالة الآية عليه فان الظاهر منها بدوا و ان كان هو الأكل، كما هو مقتضى حذف المتعلق و اضافة الحكم الى العين، لكن بضميمة فتوى الكل على تحريم هذه الشئون يعلم ان المراد بالآية الأعم.

أقول: لا يحتاج الى هذا التوجيه، إذ في دلالة النصوص على العموم كفاية، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و انت حرام و لا و انت حلال فى الحرم و لا تدلن عليه

محلا و لا محرما فيصطاده. و لا تشر إليه فيستحل من اجلك فان فيه فداء لمن تعمده «4»»، فان قوله عليه السّلام:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 304، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- سورة المائدة، 5: 96.

(3)- سورة المائدة، 5: 95.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 111

و لو كان ذبحه كان ميتة حراما، على المحل و المحرم (210).

«فيستحل من اجلك» ظاهر في تحريم كل ما كان مؤديا إلى استحلال الصيد من جهته.

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء «1»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و اجتنب في احرامك صيد البر كله و لا تأكل مما صاده غيرك و لا تشر إليه فيصيده «2»».

و عليه، فسواء كان المراد بالآية الكريمة العموم أولا كان الحكم ثابتا.

و أما حرمة الصيد بمعنى المصيد، فيدل على حرمة أكله للمحرم و لو صاده محلّ النص، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و انت محرم و ان صاده حلال «3»». و نحوها روايته الاخرى.

______________________________

(210) قال فى «المدارك «4»»: «هذا الحكم مشهور بين الاصحاب». و الكلام في حرمته على المحل باعتبار ذبح المحرم له- و ليعلم ان موضوع البحث ذبيحة المحرم بلحاظ ذبح المحرم لها مع قطع النظر عن كون الذبح فى الحرم أو فى الحل-. و يدل على ما فى المتن روايتان «5»:

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 9/ باب 1 من تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب تروك الاحرام، ح 2 و 3.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 306، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- المصدر/ باب 10 من تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 112

..........

الأولى: رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «اذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة ...».

الثانية: رواية اسحاق عن جعفر عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام كان يقول: اذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم ...».

و حكي عن الصدوق قدّس سرّه «1» حليّة ذبيحة المحرم على المحل.

و يدل عليه نصوص متعددة، ك:

رواية منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال، قال: فليأكل منه الحلال و ليس عليه شي ء انما الفداء على المحرم «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا أصاب المحرم الصيد فى الحرم و هو محرم فانه ينبغي له ان يدفنه و لا يأكله أحد و اذا أصاب فى الحل فان الحلال يأكله و عليه الفداء «3»».

و تدل عليه روايته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، كما تدل عليه رواية حريز و رواية منصور ابن حازم «4».

كما تدل عليه رواية الحلبي، قال: «المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين «5»»، فان الأمر بالتصدق به ظاهر في كونه حلالا للمسكين.

و هذه النصوص تامة السند و الدلالة، فان المقصود بالاصابة بحسب

الظاهر

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 372/ ذيل مسألة 2732.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 3: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر.

(5)- المصدر/ باب 10 من تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 113

..........

هو القتل خصوصا بملاحظة ترتيب الدفن عليه أو الأكل منه، فلا وجه لتوهم ان المقصود بالاصابة أعم مما يلازم القتل و عدمه كي يدعى تقيدها بما يقابلها لو تم سندها.

و أما ما دل على التحريم فهو ضعيف السند، فلا تصلح لمعارضة هذه الطائفة من النصوص. فالقول بالجواز- خلافا للمتن- هو الوجيه و المتعين.

ثم انه لو قلنا بحرمة اللحم لو ذبحه المحرم، فهل يحرم لو أشار المحرم الى الصيد فاصطاده المحلّ و ذبحه، أو لا؟

المتعين عدم التحريم لاختصاص دليل الحرمة بصورة ذبح المحرم، و عدم صدقه على إشارة المحرم من الواضحات.

و أما صيد الحرم، فظاهر النصوص حرمته على المحل و المحرم سواء ذبحه المحرم أم المحل، ك:

رواية معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في حرمته على كل أحد اذا ذبحه المحرم.

و رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم أصاب صيدا و اهدى إليّ منه، قال: «لا، إنه صيد فى الحرم «1»».

و روايته الاخرى المتقدمة في حرمة الصيد على المحرم.

و رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصعد بصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله فى الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال «2»».

و ما ورد في تعليل حرمة حمام الحرم بانه ذبح بعد ما دخل

مأمنه، فانه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 4: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 114

و كذا يحرم فرخه و بيضه (211).

بعمومه ظاهر في حرمته مطلقا ذبحه المحرم او المحل. فلاحظ.

بل ظاهر بعض النصوص حرمة صيد الحل اذا ذبح فى الحرم، كرواية الحلبي، قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن صيد رمي فى الحل ثم ادخل الحرم و هو حي فقال:

اذا أدخله الحرم و هو حي فقد حرم لحمه و امساكه و قال: لا تشتره فى الحرم إلا مذبوحا قد ذبح فى الحل ثم دخل الحرم فلا بأس به «1»».

______________________________

(211) أما الفرخ، فهو داخل في عنوان الصيد فتشمله أدلته.

و أما البيض، فهو غير داخل فى الصيد عرفا كما هو واضح جدا إذ لا يقال:

«صاد البيض».

نعم، ورد في رواية تطبيق الصيد في الآية على أخذ البيض، فتكون دليلا حاكما و هي رواية احمد بن محمد، في قول اللّه تبارك و تعالى: تَنٰالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِمٰاحُكُمْ «2» قال: ما تناله الأيدي البيض و الفراخ، و ما تناله الرماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي «3»» و لكنها غير تامة السند، فلا تصلح للاعتماد.

نعم، يستفاد تحريم أخذ البيض مما دل على ثبوت الكفارة فيه و لكنه لا ينفع في جعله من افراد الصيد كي ترتب عليه احكامه و آثاره بل يكون محرّما كسائر محرمات الاحرام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 5: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- سورة مائدة، 5: 94.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 115

و الجراد في معنى الصيد البرّي

(212)، و لا يحرم صيد البحر، و هو ما يبيض و يفرّخ فى المياه.

______________________________

(212) الاشكال فى الجراد من جهتين:

الأولى: في انطباق عنوان الصيد على أخذه. و على تقدير انطباقه حقيقة، فقد يدعى انصرافه عنه، كما لا يعبر عن اخذ العقرب و نحوها بالاصطياد. كما يدعى انصراف غير مأكول اللحم عن مثل البق و البرغوث و القمل و نحوها.

الثانية: في انه من صيد البحر و هو حلال على المحرم.

و لكن ورد تحريمه فى النص و يظهر منه انه من صيد البر، فيرتفع الاشكال بكلتا جهتيه، و هو: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «مرّ عليّ صلوات اللّه عليه على قوم يأكلون جرادا فقال: سبحان اللّه و انتم محرمون، فقالوا: إنما هو من صيد البحر، فقال: لهم ارمسوه فى الماء إذا «1»».

و رواية زرارة، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «المحرم يتنكب الجراد اذا كان على الطريق، فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله ... «3»».

ثم انه بناء على ما سيأتي من حلية صيد البحر، فما هو الحل بالنسبة الى الجراد البحري لتصادم ما دل على حرمة الجراد مع ما دل على حلية صيد البحر؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 7: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 116

..........

و معرفة ذلك تقتضي البحث أولا في صيد البحر و تحديد المراد منه.

و قبل البحث فيه ينبغي تأسيس الأصل بالنسبة إلى ما يشك في كونه من صيد البر و البحر.

فنقول: ان كان

لدينا عام يدل على حرمة الصيد بقول مطلق و كان دليل حلية صيد البحر بمنزلة المخصص كان المرجع في مورد الشبهة المفهومية و في غير مورد القدر المتيقن من صيد البحر هو العموم. و ان لم يكن لدينا عام كذلك كان المرجع في مورد الاشتباه هو الأصل العملي.

و ظاهر «الجواهر «1»» وجود العموم و هو قوله تعالى: و لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «2».

و فيه: ان الآية الكريمة مسوقة لبيان حرمة قتل الصيد على المحرم و هو أخص من المدعى من حرمة الصيد بجميع انحائه و شئونه كما تقدم.

و أما قوله تعالى: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً فموضوعها رأسا صيد البر.

و أما النصوص، فهي و إن ورد فيها لفظ الصيد بدون تقييد لكن لا يحرز إرادة الاطلاق منها بعد بيان الحكم بالآية بعنوان صيد البر و وضوح انهم عليه السّلام في مقام بيان الحكم الواقعي الثابت فى الكتاب لا أنهم في مقام بيان حكم جديد.

و عليه، فمع الشك في مورد انه من صيد البحر أو البر، فالمرجع فيه هو الاصل العملي.

و أما صيد البحر، فلا اشكال في حليته للمحرم، للآية الكريمة أُحِلَّ لَكُمْ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 294، الطبعة الاولى.

(2)- سورة مائدة، 5: 95.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 117

..........

صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ- الآية «1»، و للنصوص الدالة على ذلك و سيأتي ذكر بعضها.

و أما تحديده، فالروايات فيه مختلفة المضمون و هي أربعة:

رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام المتقدمة فى الجراد.

و رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- و قال: «فصل ما

بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض فى البر و يفرخ فى البر فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون فى البحر و يفرخ فى البحر فهو من صيد البحر «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الجراد من البحر، و قال:

كل شي ء أصله فى البحر و يكون فى البر و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله- الحديث «3»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض فى البر و يفرخ فى البر فهو من صيد البر، و ما كان من صيد البر يكون فى البر و يبيض فى البحر فهو من صيد البحر «4»».

و لا يخفى ان ما فى المتن يوافق رواية حريز.

و هي معارضة لرواية معاوية بن عمار لانها تجعل المدار على الحياة الفعلية لا على الاصل، و رواية حريز تجعل المدار على الاصل. و اما رواية محمد بن مسلم، فهي ليست في مقام التحديد و لا يستفاد منها اكثر من اعتبار قابلية الحياة

______________________________

(1)- سورة مائدة، 5: 96.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 118

[2- و النساء وطئا]
اشارة

2- و النساء وطئا (213).

تحت الماء، كما ان رواية معاوية الاولى لا تعارض غيرها لانها تتكفل حكم صورتين مما لا اشكال فيهما و ساكتة عن غيرهما.

و بالجملة: لا يستفاد من النصوص ضابط رافع للشك، فالمرجع هو العرف، و هو يرى ان صيد البحر هو ما يعيش فى البحر.

أما غيره مما يعيش حول الماء، كطير الماء

أو يعيش فى البر و لكن أصله من البحر، فلا يحرز صدق صيد البحر عليه، فيرجع فيه الى الأصل. نعم، ورد النص فى النهى عن صيد طير الماء.

و أما الجراد، فاطلاق دليله شامل له بجميع انحائه، فلو فرض وجود جراد بريّ أصله من البحر فهو مشمول للدليل و لا حاجة الى التمسك باصل فيه حينئذ، فهو ليس كغيره من موارد الشك، فتدبر.

______________________________

(213) هذا مما لا اشكال فيه فتوى و نصا، إذ يدل عليه ما ظاهره تحريمه، و ما دل على ثبوت الكفارة فيه، و ما ورد في تفسير الرفث من انه الجماع.

فمن الأول: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل محرم واقع أهله، قال: «قد أتى عظيما «1»».

و من الثاني: رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: «ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ... «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 12: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 3 من كفارات الاستمتاع، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 119

و لمسا بشهوة (214)، و عقدا لنفسه و لغيره (215).

و من الثالث: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في بيان المراد من قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» قال: «فالرفث الجماع ... «2»». ثم انه لا فرق في حرمة الوطء بين كونه فى القبل او الدبر لاطلاق لفظ الجماع.

و أما وطئ البهيمة، فيستفاد حرمته مما يستفاد من النصوص الكثيرة

من حرمة الاستمتاع الجنسي على المحرم. و أما لفظ الجماع، فهو منصرف عن وطئ البهيمة قطعا لو لم نقل بعدم شموله له.

______________________________

(214) يدل عليه:

رواية مسمع أبي سيار، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «... و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة ... «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... قلت المحرم يضع يده بشهوة قال:

يهريق دم شاة ... «4»».

(215) لا اشكال في حرمته تكليفا و وضعا، للنصوص الكثيرة، ك:

رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس للمحرم ان يتزوج و لا

______________________________

(1)- سوره البقرة، 2: 197.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 120

..........

يزوج و ان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: «المحرم لا يتزوج و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل «2»». و غيرهما.

و يقع الكلام في جهات:

الأولى: في توكيل المحرم المحل فى العقد له. و الظاهر لحوقه بمباشرة العقد لصدق التزويج بذلك، فيحرم.

الثانية: في اجازة المحرم حال احرامه عقد الفضولي الواقع قبل الاحرام.

و تحقيق الكلام فيه: انه بناء على ان الاجازة ناقلة تكون محرمة لتحقق التزويج بها، و هكذا بناء على الكشف الحكمي أعني تحقق العقد فعلا و ترتب الآثار من السابق. و أما بناء على الكشف الحقيقي فلا تحرم الاجازة، إذ هي ليست عقدا بل كاشفة عن تحقق الزواج من حين عقد الفضولي

و ذلك لا مانع منه.

الثالثة: في توكيل الجد فى العقد لحفيده.

و قد ذهب في «القواعد «3»» الى صحته و جوازه على ما حكاه فى «الجواهر «4»»، و ذهب الى صحة العقد اذا أوقعه الوكيل و الولي محرم.

و لكنه غير وجيه، لانه يصدق أنه- أي الجد- زوج حفيده، فيكون الزواج باطلا، كما تكون الوكالة باطلة لانها على أمر باطل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 422، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 300، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 121

و شهادة على العقد و اقامة (216)،- و لو تحملها محلا- و لا بأس به بعد الإحلال.

الرابعة: فى التوكيل حال الاحرام على العقد بعده. و هو مما لا مانع منه، إذ لا يصدق التزويج على مجرد الوكالة، و تكون الوكالة صحيحة لاناطة صحتها على القدرة على متعلقها في حينه لا في حينها.

الخامسة: في ثبوت التحريم الأبدي بالتزويج حال الاحرام. و قد ادعي أنه مسلّم و النص مختلف. و قيل ان طريق الجمع هو حمل ما دل على التحريم على صورة العلم، و الكلام فيه موكول الى محله من كتاب النكاح.

ثم انه لا فرق في حرمة التزويج بين الدائم و المنقطع لصدق التزويج عليهما معا.

______________________________

(216) الشهادة لها معنيان:

أحدهما: الحضور و التحمل و منه الشهادة في باب الطلاق.

و الآخر: إقامة الشهادة، كما يقال فلان شهد بكذا.

و الظاهر من لفظ الشهادة عرفا هو المعنى الثاني لا الأول.

و عليه، فنقول: ورد النص بالنهى عن الشهادة و هو:

رواية ابن [أبي، خ ل]

شجرة- عمن ذكره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المحرم يشهد على نكاح محلين، قال: «لا يشهد، ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل «1»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 122

..........

و رواية الحسن بن علي، عن بعض اصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فان نكح فنكاحه باطل «1»».

و الظاهر منه- على ما عرفت- اقامة الشهادة. و عليه فلا دليل على حرمة تحمل الشهادة.

و مما يساعد على الجزم بإرادة إقامة الشهادة هو امران أحدهما: تعدية الشهادة ب: «على» الظاهر في الاقامة. و الآخر: تشبيه الشهادة على النكاح بالاشارة الى الصيد و هو يتلاءم مع الاقامة لاستلزامها اثبات النكاح و استقراره كاستلزام الاشارة لتحقق الصيد.

و يؤيده وجهان استحسانيان:

أحدهما: ان الشهادة بمعنى الاقامة جزء متمم لاثبات التزويج المحرّم على المحرم بخلاف التحمل.

و الآخر: ان التحمل لا دخل له أصلا فى النكاح و ليس النكاح كالطلاق في اعتبار الشهادة فيه.

و بالجملة، الاعتبار و الظهور يساعدان على تحريم اداء الشهادة لا تحملها.

و أما الاجماع، فهو لا يصلح لاثبات حرمة التحمل لوضوح ان مستنده الروايتان لا الاطلاع على رأي الامام عليه السّلام من طريق آخر. نعم، هو صالح لاثبات صدور النص؛ فانهما ضعيفتا السند و لولاه لما صح الاستناد إليهما، فالاجماع يوجب الاطمئنان او الجزم بصدور النص المزبور. و عليه، فالمتبع فى الدلالة ما يراه العرف و قد عرفته.

و لا يمكن الالتزام بإرادة معنى جامع لهما، إذ لا يتصور الجامع بين الاداء و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب

تروك الاحرام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 123

..........

التحمل، و ارادتهما معا من دون جامع تستلزم الاستعمال في اكثر من معنى و هو محال.

ثم، انه لو كان المرجع فى التحريم هو النص فيؤخذ بإطلاقه في موارد التشكيك. و أما اذا كان هو الاجماع، فهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن و يرجع في مورد الشك الى الأصل.

و من موارد التشكيك: الشك في اختصاص حرمة التحمل بما اذا كان من قصده ذكر ابتداء أو يكون حراما مطلقا و لو كان من باب الاتفاق.

و قد ذهب فى «المدارك «1»» الى الاختصاص. و ناقشه فى «الجواهر «2»» بان الدليل مطلق.

و فيه: انه انما يتم لو كان مستند المدارك النص دون الاجماع و لكن مستنده الاتفاق.

و من موارد التشكيك: الشك في اختصاص حرمة اداء الشهادة بما لو تحملها و هو محرم او عموم التحريم لصورة ما لو تحملها و هو محل. و قد نسب الى الشيخ رحمه اللّه «3» الأول.

ثم انه ذهب فى «المدارك «4»» الى انه انما تحرم إقامة الشهادة اذا لم يترتب على تركها محرّم، فلو خاف به وقوع الزنا المحرّم وجب عليه تنبيه الحاكم على ان عنده شهادة لتوقف الحكم الى احلاله، و لو لم يندفع إلا بالشهادة وجب اقامتها قطعا.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 311، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 301، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 317، الطبعة الاولى.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 312، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 124

و تقبيلا (217).

و ناقشه فى «الجواهر «1»» و لم يبين وجه المناقشة و كأنه لانه لا يجب على المكلف دفع الوقوع فى الزنا و المحافظة على الفروج.

و فيه: انه لم يثبت ان نظر المدارك الى ذلك، بل لعل نظره الى ان المستند فى التحريم هو الاجماع و القدر المتيقن منه غير هذه الصورة. فتدبر جيدا.

ثم إنه لا وجه للتوقف في جواز خطبة النساء للحرم لعدم الدليل على حرمته، فتدبر.

______________________________

(217) وقع الخلاف في أن المحرّم هل هو مطلق التقبيل أم خصوص التقبيل بشهوة؟

و لا يخفى ان موضوع البحث هو المورد الذي يقبل الانقسام عادة الى التقبيل الشهوي و غيره، كالزوجة و الأجنبية. أما ما لا يقبله عادة، كتقبيل أمه او اخته او نحوهما من المحارم، فهو غير محل البحث فانه يجوز، إذ الدليل الدال على حرمة التقبيل موضوعه تقبيل امرأته، فلا يشمل تقبيل مثل الأم قطعا، إذ ليس هو كتقبيل الاجنبية كي يدعى الجزم بعدم الفرق بينه و بين تقبيل زوجته.

مضافا الى رواية ضعيفة السند تدل على جوازه معللة بانها قبلة رحمة و هي رواية الحسين بن حماد «2»، فلاحظها.

و كيف كان: فما يدل على حرمة التقبيل و لو لم يكن عن شهوة أمران:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 302، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 125

..........

أحدهما المطلقات، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده

«1»».

و نحوها رواية زرارة و رواية الحلبي عنه عليه السّلام- في حديث- قلت: «فان قبّل. قال: هذا أشد ينحر بدنة «2»».

و رواية على بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها «3»».

و الآخر: رواية أبي سيار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا سيار، ان حال المحرم ضيقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه- الحديث «4»».

و لكن ادعي ان المنصرف من الاطلاق هو تقبيل الشهوة لانه الفرد العادي للتقبيل، بضميمة ما يستفاد من النصوص الواردة فى المس و الضم و النظر و غيرهما من ان الملاك فى المنع هو التلذذ بالمرأة.

و أما رواية مسمع، فالمراد من قوله «على غير شهوة» ليس غير مطلق الشهوة بل غير الشهوة بالحد الخاص المنتهية الى الامناء، بقرينة المقابلة، فيكون المقصود التفصيل بين من قبّل بشهوة و لم يمن و من قبّل بشهوة و أمنى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1 و 7.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 126

و نظرا بشهوة (218).

و فيه: ان دعوى الانصراف فى المطلقات و لو كانت قريبة إلا ان دعوى كون المراد من قوله «على غير شهوة» ما ذكر تحكم، فانه خلاف الظاهر.

و عليه، فالاعتماد على دلالتها متعين و يستفاد منها حكم التقبيل بشهوة من دون إمناء بالاولوية. فلاحظ.

______________________________

(218) أما النظر بلا شهوة، فلا

اشكال في حليته للسيرة إذ لم يكن البناء عملا على عدم نظر الزوج الى زوجته اذا أحرم. و للأصل لاختصاص دليل المنع بما اذا كان عن شهوة.

و أما حرمة النظر بشهوة فيدل عليه- مضافا الى ما قيل من استفادة حرمة التلذذ بالمرأة في حال الاحرام- روايات متعددة. منها:

رواية أبي سيار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ... «1»».

و رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: «عليه جزور او بقرة فان لم يجد فشاة «2»».

و لكن ادعى معارضتها بروايتين:

إحداهما: رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 127

..........

و الاخرى: رواية علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قال لامرأته او لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة:

اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها قال: لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1»».

بضميمة ملازمة النظر الى الفرج لكونه عن شهوة.

و قد حملت رواية اسحاق على صورة السهو لاختصاص دليل التحريم بصورة العمد، كما هو ظاهر ثبوت الكفارة عليه، فلا تعارض.

و اما رواية ابن يقطين فلم يعلم ان المقابلة بين النظر و غيره من الافعال كالجماع و نحوه، بل يمكن ان يكون المقصود نفي غير ذات النظر حتى جهة الشهوة

و التلذذ، و هو خارج عن محل البحث.

ثم ان صاحب الجواهر «2» ذهب الى لزوم تحكيم ما دل على التحريم و لو لم يمكن الالتزام بالحمل المتقدم لتظافره و كثرة الروايات فيه، فلا يصلح ما ذكر لمعارضته «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 4.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 305، الطبعة الاولى.

(3)- أقول: النظر بشهوة مقيد في هذه النصوص بالانزال، فلا دلالة له على حرمة النظر بشهوة في نفسه، و لعل المراد من رواية ابن يقطين انه اذا تحقق النظر بدون انزال و ليس المنظور مقابلته مع الجماع، اذ ظاهر السؤال تحقق مجرد النظر دون الجماع، فلا يتجه جواب الامام عليه السّلام إلا بإرادة عدم الانزال. و أما إرادة بالنظر بدون شهوة فهو بعيد جدا للملازمة العادية بين النظر الى الفرج و الشهوة، بل ظاهر مورد السؤال ذلك و انه لأجل التلذذ.

و أما الجواب عن الرواية المعارضة بتظافر النصوص على خلافها.

ففيه: ان موضوع النصوص المتظاهرة هو النظر الى غير أهله، فلا تعارض بينهما.

و أما الحمل على صورة السهو، فهو ينافى الظاهر لعدم ظهور لفظ «عليه» في كونه لاجل

الذنب كما لا يخفى و لذا يعبر به في كثير من موارد السهو.

نعم، قد يقال بان نفي الشي ء عليه أعم من نفي الحرمة، فمع التساقط فى المدلول المطابقي و هو ثبوت الكفارة يبقى المدلول الالتزامي، لما دل على ثبوت الكفارة و هو ثبوت التحريم على حاله. و لكن هذا يبتنى على صحة القول بالتفكيك بين المدلول الالتزامي و المطابقي فى الحجية و لا يقول به السيد الاستاذ.

هذا، و قد أفاد السيد الاستاذ دام ظله- في وجه استفادة التحريم

بانها تستفاد بطريقين:

الأول: ان في بعض روايات النظر بشهوة قيدت بالامناء او الإمذاء.

و قد وقع التسالم على عدم خصوصية الامذاء، فيكشف عن انّ تمام الموضوع هو النظر بشهوة.

الثاني: ما ورد في روايات النظر إلى غير الاهل من تعليل ثبوت الكفارة بانه نظر إلى ما لا يحل له لا من جهة الامناء، فعموم التعليل يفيد تحريم النظر بشهوة إلى الأهل أيضا.

و لكن يرد على الأول: ان ما ذكر فيه الامذاء رواية واحدة و هو رواية معاوية بن عمار (وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1) و قد تكفلت بصدرها نفي الشي ء عليه و لزوم الاستغفار، و تكفلت بذيلها الكفارة عند الامناء فقط، فهي متصادمة لا يمكن الالتزام بها الا بحمل صدرها على السهو و ذيلها على العمد فلا تفيد فى الدعوى.

و يرد على الثاني: بان الظاهر منها الحرمة من حيث النظر إلى الأجنبية، فلا تفيد حكم النظر إلى الاهل، و ذلك: لان ظاهرها ثبوت الحرمة سابقا على الكفارة، و هي ليست ناظرة الى حرمة النظر إلى الاجنبية. اذ لم يثبت حرمة النظر من جهة الاحرام بطريق آخر.

هذا مع انه عموم الحكم بالكفارة يتوقف على ثبوت تحريم النظر الأهل، و هو بعد محل تشكيك، فلا معنى لاثبات الحرمة بعموم العلة لانها تتوقف على الحرمة.

و دعوى: ان رواية النظر الى الاهل المقيدة بالامناء تدل على حرمة النظر بشهوة ضمنا فيثبت فيه الكفارة.

تندفع:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 129

و كذا الاستمناء (219).

______________________________

(219) و هو استدعاء المني. و حرمته على المحرم و لو كان حلالا في نفسه لا خلاف فيها. و يدل عليها:

رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن

عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمنى من غير جماع او يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «1»».

و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل «2»».

و بضميمة الفتوى و فهم الاصحاب و ما يستفاد من النصوص فى الموارد المختلفة من حرمة الاستمتاع الجنسي تلغى خصوصية السبب الخاص و يلتزم بحرمة الاستمناء بأي سبب كان «3».

______________________________

أولا: بان ذات النظر محرم ضمنا أيضا، فيشمله الدليل و لا يلتزم به.

و ثانيا: ان الحرمة الضمنية ثابتة عند تحقق القيد و هو الانزال و بدونه لا يكون محرما ضمنا. فالنظر بشهوة انما يكون مشمولا لعموم العلة اذا انضم إليه الامناء و لا فائدة حينئذ.

هذا مع انه يستلزم ثبوت كفارتين إحداهما على المجموع بحسب النص و الآخر على النظر بشهوة بمقتضى التعليل بضميمة حرمته الضمنية، و حيث يقطع بعدم كفارتين يتردد الأمر بين عدم شمول العلة للحرمة الضمنية او كون المحرم هو النظر بشهوة من دون خصوصية للامناء و لا مرجح لاحدهما على الآخر فلا يثبت المطلوب. (المقرر).

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 15: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1.

(3)- لا قرينة قطعية على إلغاء خصوصية سبب الاستمناء خصوصا بضميمة ما دل على عدم الكفارة إذا أمنى لاستماعه إلى الجماع مع أنه ظاهر في الاستمناء الاختياري. (المقرر)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 130

[تفريع الاول: اذا اختلف الزوجان فى العقد، فادّعى احدهما وقوعه في الاحرام و انكر الآخر]

تفريع الاول:

اذا

اختلف الزوجان فى العقد، فادّعى احدهما وقوعه في الاحرام و انكر الآخر، فالقول قول من يدّعي الاحلال، ترجيحا لجانب الصحة (220).

و أما الامناء من دون قصد، فلا يثبت به شي ء لقصور دليل الكفارة عن شمول هذه الصورة لظهور الكفارة في كونها عن الذنب و لا ذنب مع عدم القصد، و من هنا ظهر عدم تحريم الامناء لعدم كونه اختياريا.

هذا مضافا الى ما في بعض النصوص «1» من نفي الكفارة على الامناء غير الاختياري، كالناشئ من الاستماع الى ما يهيج الشهوة، فلاحظ.

______________________________

(220) تحقيق الكلام: انه قد تقرر في محله بان المنكر من وافق قوله الاصل و المدعي من خالفه. و هل المراد بالاصل هو الأصل الجاري في مصب الدعوى أو كان أثره مصبها. أو المراد به ما يعم ذلك و ما كانت نتيجته مع مصب الدعوى واحدة و إن كان أجنبيا عنه؟ فمثلا فى الفرض المذكور اذا جرى الاصل في نفي العقد بالمرة كانت نتيجته مع دعوى الفساد واحدة و ان كان غير مرتبط بنفس الدعوى إذ مدارها صحة العقد و فساده لا عدم العقد.

و الذي ثبت في محله أيضا هو الأول و ان الأصل لا بد و ان يرتبط بمصب الدعوى إما بنفس حجراه أو أثره.

و مصب الدعوى فيما نحن فيه هو ترتب الاثر على العقد الواقع و عدمه. و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 20: من ابواب كفارات الاستمتاع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 131

..........

عليه فتشخيص المنكر منهما من المدعي يتوقف على بيان ما يحتمل جريانه من الأصول المتعلقة بالدعوى.

فنقول: ما يقتضي الصحة فيما نحن فيه من الاصول اثنان:

الأول: أصالة الصحة فى العقود، فانها تجري في كل عقد شك

في صحته و فساده و لو كان منشؤه الشك في تحقق بعض اركان العقد- كما قيل- فضلا عما كان منشؤه الشك في تحقق شرائط الصحة، كما فيما نحن فيه.

الثاني: أصالة عدم تحقق الاحرام الى حين العقد، فانه يفيد نفي المانع عن صحة العقد فيترتب عليه أثره.

و قد استشكل صاحب المدارك «1» في جريان أصالة الصحة فى المقام مطلقا بدعوى أنها تختص بحال العلم، أما مع الجهل بالحكم فلا مجال لها.

و ناقشه فى «الجواهر «2»» بقوله: «و فيه: ان أصل الصحة فى العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم لاطلاق دليله. نعم، اصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم و هو غير أصالة الصحة التي هي بمعنى ترتب الاثر كما هو واضح».

و للتأمل فيما أفاده قدّس سرّه مجال واسع، إذ دليل أصالة الصحة ليس لفظيا كي يتمسك بإطلاقه، بل هو لبّي و هو بناء العقلاء- كما حققنا ذلك في محله-، و مع الشك في شموله لحالتي العلم و الجهل يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو صورة العلم، فالتمسك بأصالة الصحة مطلقا فيه توقف، بل منع لمنع قيام السيرة عليها في صورة الجهل.

و أما الاصل الآخر: فان كان الاحرام مجهول التاريخ و العقد معلومه و قلنا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 315، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 309، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 132

..........

بجريان الاصل في مجهول التاريخ كان الاصل المزبور جاريا. و هكذا إذا كان الاحرام معلوم التاريخ و العقد مجهوله و قلنا بجريان الأصل فيه. و إلا امتنع جريان الأصل.

و اذا كانا

معا مجهولي التاريخ لم يجر الأصل أيضا بناء على كون المانع من جريان الأصل في مجهولي التاريخ هو عدم شمول دليل «لا تنقض» لهما- كما عليه صاحب الكفاية «1»-. و أما بناء على كون المانع هو التعارض، كما عليه الشيخ قدّس سرّه «2»، كان الاصل المزبور جاريا لعدم جريان أصالة عدم العقد إلى حين الاحرام لانه بنفسه لا يثبت الفساد المدعى، لانه ينفي العقد لا صحته و قد عرفت عدم تأثيره فيما نحن فيه. و بلحاظ ملازمته لوقوع العقد في حال الاحرام أصل مثبت، فلا ينفع في اثبات الأثر المطلوب. فلاحظ.

هذا تحقيق الكلام بالنسبة الى الاصلين، فاذا امتنع جريانهما في مورد كان الأصل في جانب مدعي الفساد فيكون منكرا لجريان أصالة عدم ترتب الاثر على العقد.

و أما اجراء أصالة عدم العقد إلى حين الاحرام المقتضية للفساد- فلا تصل النوبة إلى أصالة الفساد لعدم جريان الأصل الحكمي مع جريان الأصل الموضوعي-، فقد عرفت ما فيه. و مثلها أصالة عدم العقد في حال الاحلال فلاحظ.

هذا تحقيق الكلام فى المقام و به يتضح بعد بعض كلمات الاعلام عن المقام و تحقيقه فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- الخراساني، المحقق محمد كاظم: كفاية الاصول، ج 2: ص 421، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الانصاري، المحقق الشيخ مرتضى: فرائد الاصول، ص 388، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 133

لكن ان كان المنكر المرأة، كان لها نصف المهر، لاعترافه بما يمنع من الوطء، و لو قيل: لها المهر كلّه كان حسنا (221).

______________________________

(221) حكي القول بتنصيف «1» المهر عن الشيخ رحمه اللّه «2» و ذكر في توجيهه امران:

أحدهما: ما فى المتن من ان اقرار الرجل بعدم الزوجية مانع له من

الوطء و اذا امتنع الوطء كان للمرأة نصف المهر، فهو كما لو طلقها قبل الدخول.

و الآخر: ان العقد انما يملك نصف المهر و النصف الآخر انما يملك بالدخول أو الموت و كلاهما منتف حسب الفرض.

و لكن كلا الوجهين ممنوعان:

أما الأول: فلانه لم يثبت كون استحقاق نصف المهر في صورة الطلاق قبل الدخول لأجل انه مانع عن الوطء كي يسري هذا الحكم الى كل مانع، بل يحتمل أن يكون ذلك لخصوصية الطلاق، فما ذكر قياس باطل، هذا مع انه قياس مع الفارق.

و أما الثاني: فلان المهر يملك بالعقد جميعه لتحقق الزوجية به و سقوط النصف في باب الطلاق قبل الدخول لدليل خاص و لولاه لم يلتزم به. و لأجل ذلك كان المتعين ما استحسنه الماتن من استحقاق جميع المهر.

و لعل مراد الشيخ قدّس سرّه ما ذكره فى «الجواهر «3»» من قوله: «بل ربما احتمل

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 311، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 318، الطبعة الاولى.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 311، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 134

..........

كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و اطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع»، و ان كان غير ظاهر من كلامه المحكي، و على كل فهو احتمال حسن، إذ لا داعي للعاقل أن لا يطلق رجاء مع انكاره الزوجية، و يخسر جميع المهر.

إلحاق: اذا حكم الحاكم بصحة العقد أو بفساده ثبت ذلك ظاهرا بمعنى ان الحكم الواقعي لا يتغير بحكم الحاكم و لزم على كل من الطرفين العمل بما يعلمه فيما

بينه و بين اللّه تعالى.

و هذا أمر لا اشكال فيه. انما الاشكال فيما ذكره صاحب المسالك «1» من ان للزوج- اذا كان مدعيا للفساد و حكم بصحة العقد- التزويج باختها و خامسة بحسب الظاهر، لانها كالأجنبية بحسب دعواه.

و علّله بانه جمع بين الحقّين و عمل في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن.

و ناقشه فى «المدارك «2»» بقوله: «أقول: ان اثبات هذه الاحكام مشكل جدا للتضاد خصوصا جواز تزويجه باختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك و هو معلوم البطلان». ثم قال: «و الذي يقتضيه النظر أنه متى حكم بصحة العقد شرعا ترتبت عليه لوازمه فيكون لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا و إن ادعت الفساد و لا يجوز له التزوج باختها و ان ادعى ذلك، لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا. و أما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله لكن لو وقع منهما أو من احدهما حكم مخالف لما ثبت فى الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك».

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 250، ط مؤسسة المعارف.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 317، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 135

[الثاني: اذا وكل في حال احرامه فأوقع]

الثاني:

اذا وكل في حال احرامه فأوقع (222).

و استجوده فى «الجواهر «1»» لكن قال: «إلا قوله: فيجوز لها المطالبة ... الخ.

ضرورة كونه منافيا لاقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة الى حقها و غير ماض في حق الغير ...».

و تحقيق الكلام بنحو يعلم الحق من هذه الكلمات و غيرها: ان حكم الحاكم- كما عرفت- انما يتكفل اثبات ما حكم به في مرحلة الظاهر من دون

تغيير الواقع فترتب عليه آثار الواقع ظاهرا، فاذا حكم بصحة العقد ظاهرا امتنع ترتيب ما ينافيه بحسب الظاهر.

نعم، من أقرّ بالفساد يؤخذ باقراره فى الحقوق الراجعة إليه لنفوذه على نفسه، فليس له حق المطالبة بحقه مع امتناع الطرف الآخر، لكن الاقرار انما يرفع الحق الثابت له و لا ينفي الحكم الشرعي المترتب على الصحة، فله ترتيبه و لو أقرّ بالفساد، فللزوج المقرّ بالفساد وطء الزوجة ظاهرا و بحسب حكم الحاكم بصحة العقد لكن ليس له المطالبة بالتمكين مع امتناع الزوجة لان التمكين حق و جواز الوطء حكم شرعي، فلا يثبت الأول بمقتضى اقراره و يثبت الثاني، إذ الاحكام لا ترتفع بالاقرار و على هذا فقس فتدبر، جيدا.

______________________________

(222) تحقيق الكلام فى الوكالة على العقد: ان الوكالة:

تارة: تكون في حال الاحرام على العقد في حاله.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 314، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 136

فان كان قبل احلال الموكل بطل، و ان كان بعده صحّ، و يجوز مراجعة المطلقة الرجعية (223).

و أخرى: تكون في حال الاحرام على العقد بعده.

و ثالثة: تكون في حال الاحلال على العقد بلا تقييد له في حال معيّن.

و لا اشكال في بطلان العقد فى الصورة الاولى لصدق التزويج معه و نسبته الى المحرم، فتشمله النصوص.

و أما الصورة الثانية، فقد عرفت انه لا وجه للتشكيك في صحة الوكالة، إذ لا يعتبر فيها إلا القدرة على الموكل عليه في حينه، كما لا يصدق عليها التزويج ما لم يقع العقد. و لو تنزلنا و قلنا ببطلان الوكالة بلحاظ اعتبار القدرة على متعلقها في حينها لا في حينه، فلا نقول ببطلان العقد لو وقع في

حال الاحلال، لانه وقع عن إذن الزوج، و لم يثبت سوى بطلان الوكالة دون الإذن.

و أما الصورة الثالثة، فالاشكال فيها لو أوقع الوكيل العقد في حال إحرام الموكّل. و قد حكم ببطلان الزواج باعتبار استناده الى الموكل و هو محرم فيبطل.

و لكن تنظر صاحب المدارك «1» في استفادة ذلك من الأخبار.

و لم نعرف الوجه في تنظره بعد اطلاق الأخبار و انطباق التزويج على المورد، فالحق ما ذهب إليه الأصحاب من البطلان.

______________________________

(223) قد يستشكل فيه بانه في حكم الزواج. و لكن لا وجه له، إذ المراجعة ليست ابتداء نكاح، إذ المطلقة الرجعية زوجة و لكن لا يترتب عليها جميع

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 317، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 137

و شراء الاماء في حال الاحرام (224).

الآثار. و متعلق النهي هو التزويج، فلا يشمل المراجعة.

______________________________

(224) إذ لا يصدق عليه التزويج الذي هو العنوان المحرم مضافا الى وجود النص الصحيح الدال على الجواز و هو رواية سعد بن سعد الأشعرى القمي، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيعها قال:

نعم، «1»».

و لا فرق بين الشراء بقصد التجارة- كما هو واضح- او بقصد الخدمة أو بقصد التسري.

و ذهب صاحب المسالك «2» الى حرمة الشراء بقصد المباشرة حال الاحرام.

و استشكل فيه فى «المدارك «3»» بانه غير منهي عنه بعنوانه، و ليس مقدمة توليدية للمباشرة، كي يحرم بحرمة المباشرة.

و هو على حق في مناقشته، و نظيره بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا الذي ورد النص بجوازه.

تذييل: لا يخفى ان بعض موارد الاستمتاع المحرّم كالتقبيل و النظر موضوعهما الرجل بنحو

لا يمكن إلغاء خصوصية الذكورة من الدليل و حمله على مطلق المكلف، إذ مثل قوله «رجل قبّل امرأته او نظر إلى امرأته» غير قابل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 252، ط مؤسسة المعارف.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 318، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 138

[3- و الطيب على العموم ما خلا خلوق الكعبة]

3- و الطيب على العموم (225) ما خلا خلوق الكعبة، و لو فى الطعام. و لو اضطر الى اكل ما فيه طيب، أو لمس الطيب، قبض على أنفه. و قيل: انما يحرم المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس، و قد يقتصر بعض على أربع: المسك، و العنبر، و الزعفران و الورس، و الأول أظهر.

للتجريد المطّرد فى النصوص، و ليس هو مثل قوله «رجل عمل كذا ...».

و مقتضى ما ذكرنا هو اختصاص الحكم المزبور بالرجل. لكن المستفاد من هذه النصوص ان هذه الاحكام بلحاظ حالة الاحرام ليس إلّا، كما انه يستفاد العموم من الدعاء الوارد في حال الاحرام و هو «أحرم لك بشري ...» فانه لا اختصاص له بالذكر دون الانثى و هو لا يتناسب مع المرأة إلا اذا حرمت عليها هذه الأمور. فلاحظ.

______________________________

(225) لا اشكال في حرمة الطيب فى الجملة نصا و فتوى. و انما الاشكال في ان المحرّم هو مطلق الطيب أو بعض انواعه؟

و من ذهب الى تخصيصه ببعض انواعه اختلفوا، فمن ذاهب الى تحريم المسك و العنبر و الزعفران و الورس. و من ذاهب الى تحريم هذه و زيادة العود و الكافور. و

النصوص على طائفتين:

إحداهما: ما ظاهره تحريم الطيب بقول مطلق، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 139

..........

الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة «1»».

و الأخرى: ما يدل على حصر الطيب المحرّم في انواع معينة و هي مختلفة في تعيين الانواع على قسمين:

أحدهما: ما يدل على حصره «2» فى المسك و العنبر و الورس و الزعفران و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و انما يحرم عليك من الطيب أربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران ... «3»».

و الآخر: ما يدل على حصره فى المسك و العنبر و الزعفران و العود و هو رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود «4»».

و قد ذهب صاحب المدارك «5» الى أن مقتضى الجمع بين هاتين الروايتين حصر المحرّم من الطيب في ثلاثة و هو ما اتفقتا عليه، و بعد ذلك قال: «و المسألة قوية الاشكال و الاحتياط للدين يقتضي تحريم الطيب لجميع انواعه».

أقول: مقتضى الجمع بين النصين هو الحكم بلزوم الاجتناب عن الخمسة.

بيان ذلك: ان النص:

تارة: يفهم منه أنه يتكفل بيان أمرين:

أحدهما: بيان انحصار الطيب في أربعة انواع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- أقول: تقدم منه دام ظله الاشكال في استفادة الهد من الرواية، فكيف

استدل به أخيرا.

(المقرر)

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(4)- المصدر، ح 15.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 322، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 140

..........

و الآخر: بيان المقصود بالاربعة.

و أخرى: يفهم منه بيان أمر واحد و هو حصر الطيب في الانواع المذكور فيه.

فعلى الاول: يكون الاختلاف بينهما في مرحلة التطبيق و إلا فهما متفقان على حرمة أربعة انواع، و مقتضاه حصول العلم الاجمالي بحرمة أحد الامرين إما الورس أو العود، و الاحتياط يقتضي بتركهما معا.

و على الثاني: يكون لكل منهما مفهوم ينفي حرمة غير الامور المذكورة و هو مفهوم الحصر فيه، فتتحقق المعارضة بين منطوق كل منهما و مفهوم الأخرى. و مقتضى الجمع هو تقييد اطلاق المفهوم بالمنطوق، و نتيجة ذلك حرمة الخمسة.

ثم انه اذا ثبتت حرمة الكافور على المحرم لورود النص في حرمته بالنسبة الى الميت في حال احرامه، فتثبت حرمته للحي بطريق أولى، كان ذلك موجبا لرفع اليد عن اطلاق المفهوم بالنسبة إليه و نتيجته ثبوت حرمة مجموع الستة.

هذا و لكن الانصاف: ان رواية ابن أبي يعفور لا ظهور لها فى الحصر كي يستفاد منها نفي حرمة غير الاربعة المذكورة، بل من المحتمل قويا أن ذكرها من باب بيان بعض مصاديق الطيب و أظهر افراده.

و أما رواية معاوية بن عمار، فهي و ان كانت ظاهرة فى الحصر لكنها ظاهرة في ثبوت الحكم للاربعة بما هي أربعة و هو يتنافي مع ما دل على حرمة الكافور لان فيه الغاء خصوصية الأربعة، و بما ان ثبوت الحكم فيه قطعي تعين رفع اليد عن ظهور لفظ «أربعة» في

كونها دخيلة في موضوع الحكم، و معه لا يبقى للرواية مفهوم يتنافي مع حرمة الطيب بقول مطلق، و يوجب تخصيصه، فتبقى المطلقات على حالها، و يتعين الالتزام بحرمة الطيب مطلقا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 141

..........

ثم ان ما يستفاد من النصوص في تحريم الطيب هو تحريم إمساسه بالبدن أو بالثياب، و تحريم أكله، و تحريم شمّه. و قد جمعتها رواية معاوية بن عمار المتقدمة بناء على ان المراد من المس التطيب ليعمّ من الثياب و البدن.

و الظاهر ان المحرّم من الشمّ مطلق افراده لا خصوص الاستشمام، كما هو ظاهر الأمر بامساك الأنف و النهي عن التلذذ بالرائحة الطيبة الوارد فى النصوص.

و ظاهر حكاية إمساك الامام عليه السّلام أنفه من الطيب حين نشر بين يديه لينظر إليه، كما وردت به رواية محمد بن اسماعيل «1».

و قد أستثني من الطيب خلوق الكعبة، فقد وردت النصوص في جواز كونه على الثياب و ابقائه، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم، قال: «لا بأس و لا يغسله فانه طهور «2»». و غيرها من النصوص.

و هي و ان كان موضوعها ما عرفت من عدم وجوب غسله كسائر انواع الطيب لكنها تدل على جواز شمّه باعتبار الملازمة عادة بين بقائه على الثوب و شمّه.

ثم انه لا يعرف المراد من لفظ: «الطهور».

و قد فسرّه فى «المستند «3»»: بان المراد به أنه طاهر دفعا لتوهم وجوب غسله لنجاسته.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 21: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 375،

ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 142

..........

و لكن هذا المعنى بعيد جدا، لعدم ورود هذا الاحتمال بالنسبة الى الكعبة.

مضافا الى كون المناسب هو التعبير بانه طاهر لا طهور الذي هو بمعنى المطهر.

و حمله فى «الجواهر «1»» على كونه المنظور فيه الطهور المأمور به في الآية الكريمة و هي قوله تعالى: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ ... «2». و ان الطهور الّذي أمر اللّه به لا يجتنب عنه.

و هو معنى لا بأس به، لكنه لا دليل عليه.

و على كل حال، فعدم فهم المراد منه لا ينافي ما نحن بصدده من استظهار جواز خلوق الكعبة للمحرم من النص. كما أنه ورد في بعض «3» النصوص استثناء خلوق القبر أيضا. و لا يعرف المراد به إذ لم يعهد وجود قبر يطلى بالخلوق يبتلى به المحرم.

ثم ان المراد بالخلوق- كما قيل «4»- من الطيب مائع فيه صفرة. و قيل «5»: انه اخلاط خاصة فيها الزعفران.

و بالجملة، فالمستثنى نوع معين لا مطلق الطيب، فيحرم على المحرم غيره من انواع الطيب اذا طليت به الكعبة. نعم، يستفاد جواز شم غيره من فحوى ما دل على جواز شم الريح الطيبة بين الصفا و المروة و هو رواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 322، الطبعة الاولى.

(2)- سورة البقرة، الآية: 125.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 21: من ابواب التروك الاحرام، ح 3.

(4)- الشرتوتي، سعيد: اقرب الموارد، ج 1: ص 297، الطبعة الاولى.

(5)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام،

ج 2: ص 253، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 143

..........

ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1»»، فانه اذا جاز ذلك فى السعي فجوازه فى الطواف بالنسبة إلى الكعبة بطريق أولى، مضافا الى غلبة العسر في التوقي عن شمّ طيب الكعبة. و ما قيل من أن إمساك الأنف يتنافى مع احترام البيت و مكانته الروحية. فتدبر.

فروع الأول:

فى النبات الطيب، و موضوع البحث ما لا يعدّ منه طيبا في نفسه و إلا دخل في عنوان الطيب فيحرم، كالزعفران.

و قد قيل انه على أقسام متعددة: فمنها: ما ينبت لرائحته و يتخذ منه الطيب، كالورد و الياسمين و نحوهما.

و منها: ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب، كالفواكه مثل التفاح و السفرجل و الأترج و الشيح و القيصوم و الإذخر.

و منها: ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب، كالريحان الفارسي و النرجس.

كما أن بعضها لا ينبت للطيب و لكن يتخذ منه الطيب، كالقدّاح.

و قد وقع الكلام في حكم كل منها، و قد عرفت ان محل البحث ما لا يعدّ منها طيبا و هو نبت، و جهة البحث هو حرمة شمّ مثل هذا النبات بأقسامه و عدم حرمته.

و منشأ الاشكال هو ان المحرّم إذا كان الطيب بعنوانه لا غير لم يدخل هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 21: من ابواب التروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 144

..........

النحو من النبات في موضوع الحرمة، لعدم صدق الطيب عليه. و ان أخذ في موضوع التحريم شمّ الرائحة الطيبة، كان شمّ النبات الطيب الرائحة محرّما مطلقا.

و الذي يظهر من بعض النصوص حرمة شمّ الرائحة الطيبة

بإطلاقه، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة «1»».

و مثلها روايته الاخرى، فان قوله عليه السّلام و أمسك على أنفك ... ظاهر في لزوم الامساك من مطلق الرائحة الطيبة و ببركة ظهوره فى الوجوب يحمل التعليل على التحريم، لعدم ظهور «لا ينبغي» في نفسه فى التحريم، بل هو ظاهر في مطلق المرجوحية.

و رواية حريز- عمن أخبره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة ... «2»».

لكن لا يمكن الالتزام بظهور مثل رواية معاوية في حرمة شمّ مطلق الرائحة الطيبة لوجوه:

الأول: ظهور روايته الاخرى في حصر المحرّم في اشياء معدودة و هي رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن، و أمسك على أنفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليها من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و أتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 145

..........

من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنه يكره

للمحرم الادهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به «1»».

فان صدر هذه الرواية كغيرها دالّ على حرمة شمّ مطلق الرائحة الطيبة، لكن ذيلها ظاهر فى الحصر في أشياء معينة، فيدل على حرمة غيرها بضميمة استفادة كون الموضوع في صدرها هو الرائحة الطيبة «2».

الثاني: أن هذه النصوص ليست مسوقة لبيان وجوب الامساك عن الشمّ كي يتمسك بإطلاقها، بل هي مسوقة لبيان وجود الفرق بين الرائحة الطيبة و المنتنة و انهما ليسا بحكم واحد بل يجب الامساك عن الطيبة دون المنتنة.

و عليه، فهي في مقام بيان أصل الوجوب، فلا اطلاق لها يشمل مطلق موارد الرائحة الطيبة.

الثالث: ما دلّ على حلية شمّ الإذخر و نحوه مما له رائحة طيبة، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و اشباهه و أنت محرم «3»».

و ما دل على جواز أكل الأترج معللا بانه ليس من الطيب بضميمة ملازمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(2)- و ليس الموضوع متعددا و هو الطيب و الدهن و الرائحة الطيبة كي يقال بان الحصر بالإضافة الى افراد الطيب فلا يرتبط بالرائحة الطيبة. و الوجه فى استفادة وحدة الموضوع هو تعدده فى الرواية الكاشف عن عدم خصوصية في كل منها مع أن استدراك الادهان كاشف عن أخذ الطيب بالمعنى الاعم، فتأمل.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 25: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 146

..........

الأكل للشم عادة فيدل على جواز الشم لانه ليس من الطيب «1»، كرواية عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال: نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الاترج طعام ليس هو من الطيب «2»».

فان وجود هذه النصوص يوجب رفع اليد عن ظهور تلك النصوص الظاهرة فى التحريم و حملها على الرجحان. فلاحظ جيدا و تدبر.

الثاني:

هل يحرم الامساك عن الرائحة المنتنة، أو لا؟

قد يقال بوجوبها- كما حكي عن الشهيد فى «الدروس «3»»- استنادا الى ظهور النصوص المتقدمة فى الحرمة لانها ظاهر النهي.

و لكن المتجه عدم دلالة تلك النصوص على التحريم، لعدم ورودها في مقام بيان الحكم ابتداء، بل في مقام توهم الحضر و تخيل وجوب الامساك عن مطلق الرائحة طيبة كانت أو منتنة.

هذا مضافا الى ظهور التعليل الوارد في ذيل تلك النصوص و هو قوله عليه السّلام:

«فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة» فيما ذهبنا إليه. و ذلك لأنه إما تعليل لمجموع الحكمين و التفرقة بين الموردين أو تعليل للحكم الأخير و هو عدم

______________________________

(1)- فهو معارض بما دل على جواز أكله و وجوب امساك الانف عن الشم، فلعل التعليل بانه ليس بطيب بلحاظ جواز الأكل لحرمة أكل الطيب لا بلحاظ مطلق احكام الطيب. فتدبر جيدا و لا تغفل. (المقرر)

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 146

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 26: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 147

..........

الامساك عن الريح المنتنة.

و لا

معنى لكونه تعليلا لأحد الامرين إلا أن يراد به بيان جهة اختصاص الوجوب في مورد دون آخر، إذ لا يصلح علة لتحريم الامساك عن الريح المنتنة كما لا يخفى، و معه يكون الكلام ظاهرا في نفي الوجوب لا غير.

و احتمال انه تعليل للحكم الأول فقط و هو وجوب الامساك عن الريح الطيبة بعيد عن ظاهر الكلام و أساليبه، فلاحظ.

و عليه، فلا دليل «1» لدينا على التحريم، فالوجه هو الجواز تحكيما للأصل.

الثالث:

قد مرّ النهي عن مس الطيب في بعض النصوص، و قد ورد فى بعض آخر «2» جواز غسل الطيب أو مسحه عن ثوبه بيده، ك:

رواية ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليه السّلام: «في محرم أصابه طيب فقال: لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله».

و روايته الأخرى عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فى المحرم يصيب ثوبه الطيب قال: لا بأس بان يغسله بيد نفسه».

و قد وقع الكلام في علاج هذه المعارضة بين الطائفتين.

______________________________

(1)- ورد هذا الحكم في بعض الروايات الخالية عن التعليل، كرواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه. (وسائل الشيعة، ج 9/ باب 24: من ابواب تروك الاحرام، ح 3)، الا أن يدعى قرينية التعليل على الحكم في هذه الرواية.

و فيه ان التعليل كما عرفت ينفي الظهور فى التحريم لا انه يعين الظهور فى الكراهة فى التعيين. فتأمل.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 148

..........

فذهب صاحب الجواهر «1»: الى عدم نهوض هذه النصوص لرفع اليد و للتصرف فى النصوص الدالة على

التحريم بقول مطلق قال: «و يمكن حملها على حال الضرورة». و استقرب ما فى «الدروس «2»» من لزوم أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة.

و التحقيق: انه لا معارضة بين الطائفتين، و ذلك لان المراد من المس ليس معناه اللغوي، بل المراد استعمال الطيب فيما اعدّ له و هو التطيب، فهو نظير قوله تعالى: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ* «3» كناية عن التصرف بالمال، و نظير ما يقال:

«لم أضع يدي في الأكل» كناية عن عدم الأكل. فالمس هاهنا كناية عن التطيب فلا معارضة بينها و بين النصوص المذكورة كما لا يخفى.

و لو أبيت عن ظهور المس في نفسه فيما ذكرنا، فنفس النصوص المذكورة قرينة على كون المراد به ذلك.

و بذلك ترتفع المعارضة و لا تصل النوبة الى طرحها أو نحوه. بهذا البيان يستفاد حرمة جعل الطيب على الثياب من النهي عن المس. فلاحظ و التفت.

الرابع:

إذا كان عنده ماء و دار أمر صرفه بين غسل الطيب الذي أصاب ثوبه به و بين صرفه فى الطهارة، كالغسل بان لم يكن كافيا إلا في أحدهما.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 323، الطبعة الاولى.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- سورة الانعام، 6: 152.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 149

..........

فقد ذهب فى «المدارك «1»»: ابتداء الى صرفه في غسل الثوب و يتيمم للطهارة لان للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب.

و ذهب فى «الدروس «2»»- كما حكي عنه فى الجواهر- الى تقديم الغسل على الطهارة الحدثية و الخبثية مع أنه لا بدل للطهارة الخبثية.

و احتمل فى «المدارك «3»»- أخيرا- تقديم الطهارة لان

وجوبها قطعي و وجوب الازالة في هذه الحال مشكوك لاحتمال استثنائه للضرورة، كما في خلوق الكعبة و طيب العطارين فى المسعى.

و فى «الجواهر «4»»: بعد ان نقل ما عرفت قال: «و لا يخفى عليك ما في ذلك كله و المتجه التخيير».

أقول: لا نعرف ما ينظر إليه صاحب الجواهر في تنظره، لكن التحقيق موافقته فى المدعى.

و ذلك: لما تقرر في موارد التزاحم من أن أحد المتزاحمين اذا كان مشروطا بالقدرة الشرعية دون الآخر قدّم المطلق على المشروط و إذا كانا معا مقيدين بالقدرة شرعا قدّم الأهم لو كان و إلا فالتخيير.

و أما عدم وجود البدل لاحدهما فهو و ان ذكر من المرجحات لكن حققنا عدمه ما لم يرجع الى أخذ القدرة شرعا و عدمه «5».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 326، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 326، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 332، الطبعة الاولى.

(5)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الاصول، ج 3: ص 47، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 150

[4- و لبس المخيط للرجال]

4- و لبس المخيط للرجال (226).

إذا عرفت ذلك، فنقول: لا اشكال في تقيد وجوب الطهارة المائية الحدثية بالقدرة شرعا. أما إزالة الطيب، فالذي يظهر من تجويز خلوق الكعبة و الطيب فى المسعى جوازه في مورد الاضطرار للعلم بعدم خصوصية لطيب المسعى و انما الملاك الاضطرار.

و عليه، فهو مقيّد بالقدرة أيضا، و لم يثبت لدينا وجه لأهمية أحدهما من الآخر و لا احتماله،

فالمتجه هو التخيير.

و أما الطهارة الخبثية فى الصلاة، فهي مقيدة بالقدرة شرعا أيضا بمقتضى دليل «1»: الصلاة لا تسقط بحال، فيتعين القول بالتخيير بينهما أيضا.

هذا تمام الكلام فى الطيب و فروعه. و هناك فروع أخرى أهملنا ذكرها لوضوح الحكم فيها و دليله.

______________________________

(226) الذي ورد فى النصوص تحريم لبس أمور خاصة «2»، كالثوب ذي الازرار و القميص و السراويل و القباء. و أما لبس المخيط بعنوانه فلم يرد في رواية.

و قد حكي عن الشهيد فى «الدروس «3»» الاعتراف بذلك. و لم ينقل عن

______________________________

(1)- لم نعثر على رواية بهذا المضمون و الّذي وجدت رواية زرارة ... و لا تدع الصلاة على حال ...- وسائل الشيعة/ باب 1: من ابواب الاستحاضة، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 35 و 44 و 45: من ابواب تروك الاحرام.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 485، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 151

..........

أحد العثور على رواية تدل على تحريم المخيط بقول مطلق.

و قد قال صاحب الوسائل رحمه اللّه «1»: «و قد نقل عن جماعة الاجماع على تحريم لبس المخيط للمحرم و الاحاديث غير صريحة فيه لكنه أحوط».

و لا يمكننا دعوى الغاء خصوصية هذه العناوين الواردة فى النصوص و ان المناط كونه مخيطا، إذ من المحتمل قويّا أن المقصود بها عدم كون المحرم بوضع منظم مرتب في لباسه، كأيامه العادية، كما يشعر به الأمر بقلب القباء لو اضطر الى لبسه و تحليل الطيلسان بشرط عدم زره.

و ممّا يساعد على التشكيك في حرمة لبس المخيط بقول مطلق و لو قلّت الخياطة اطلاق دليل اعتبار الرداء و الازار، و ما ورد

في تحليل الطيلسان بشرط عدم الزر، مع ان فيه خياطة، و هي- كما قيل- خياطة الازرار. و تجويز لبس القباء مقلوبا في حال الاضطرار- و ان كان الأخير قابلا للمنع في دلالته على جواز المخيط، فتأمل تعرف-.

و على أي حال، فيكفينا عدم الدليل على التحريم. و عليه فيجوز لبس مثل الهميان و «الفتق بند» على الأصل و لا يكون من باب الخروج عن الحكم لأجل الضرورة، و هكذا يجوز لبس الرداء المشتمل على بعض الخياطة في حاشيته. و أما الملبّد و المنسوج من دون خياطة فان كان بشكل الثوب أو القميص أو نحوه من العناوين الممنوعة شمله دليل المنع بلا حاجة الى تكلّف الحاقة بالمخيط فى الحكم، و قد نبّه على ذلك فى «المدارك «2»».

هذا، و لكن الانصاف يقضي بالالتزام بتحريم المخيط بقول مطلق و ان لم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9: ص 115/ باب 35: من ابواب تروك الاحرام.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 330، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 152

و فى النساء خلاف، و الاظهر الجواز، اضطرارا و اختيارا (227).

يكن فى النصوص له عين و لا أثر، و ذلك لاجماع المتقدمين عليه فان إجماعهم يكشف عن كون السيرة العملية في زمن المعصوم هو ترك لبس المخيط و الالتزام بذلك لأجل حرمته، و إلا فلو ثبت جوازه عملا مع عدم دليل على المنع امتنع تحقق مثل هذا الاجماع، فهذا الاجماع من الموارد التي يقطع بملازمته لرأي الامام عليه السّلام.

و يساعده ما ورد «1» فى السؤال عن الهميان و الجواب بحليته لحفظ المال لا في نفسه، فان نفس توهم السائل الحرمة لأجل

الخياطة يكفينا في اسناد المدعى.

هذا و لكن المتيقن من الاجماع هو ما اذا كانت هيئة اللباس متقومة بالخياطة لا ما اذا كانت فيه خياطة و لو في ذيوله. فتدبر.

______________________________

(227) ادعي عليه الاجماع، و نسب الخلاف إلى قول شاذ للشيخ قدّس سرّه «2»، بل ادعي انه عدل عنه في ظاهر كلامه، و تحقيق ذلك ليس بمهم لوجود النصوص الدالة على جواز ذلك للنساء، ك:

رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج، فقال: نعم، لا بأس به ... «3»».

و رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرمة أي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 47: من ابواب تروك الاحرام. لكن الظاهر كون السؤال لأجل توهم الحرمة من جهة حرمة الشدّ و العقد لا من جهة كونه مخيطا. (المقرر).

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 218، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 153

..........

شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين- الحديث «1»».

و رواية عيص بن القاسم، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين- الحديث «2»».

و رواية الحلبي: انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل، قال: «نعم، انما تريد بذلك الستر «3»».

و بهذه النصوص يرفع اليد عما دلّ على حرمة المخيط مما تقدم. و أما دعوى عدم شموله في نفسه للنساء.

ففيه: ان بعض النصوص موضوعها

«المحرم» و المراد به الجنس، و بعضها و إن كان الخطاب فيه للرجل لكنه كسائر الخطابات لا ظهور له في خصوصية الرجل.

و بعد وجود النصوص المتقدمة لا تنفع دعوى الاجماع، إذ لا يحرز انه اجماع تعبدي.

و منه تعرف ما فى «الجواهر «4»» من اتعاب نفسه الزكية في إثبات الاجماع و نفي المخالف.

ثم إنه قد أستثني القفازين من عموم الجواز للمرأة و لذلك قيل بحرمتهما.

و قد توقف فى «المدارك» «5» في ظهور النص فى التحريم، فقال: «و لو لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 50: من تروك الاحرام، ح 2.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 342، الطبعة الاولى.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 332، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 154

..........

ذلك (يريد به ظهور دعوى الاجماع من المنتهى) لأمكن القول بالجواز و حمل النهى الوارد عن لبسهما على الكراهة كما فى الحرير».

و قد نقل فى «الجواهر «1»» عن بعض متأخري المتأخرين القول بالكراهة معلّلا له بأن القفازين إمّا «2» أن يكونا من جنس الثياب، فيدخلان تحت عموم جواز الثياب كلها أو يكونا من جنس الحليّ و هي محللة اللبس مطلقا للمرأة المحرمة.

و أورد عليه: بان ما دلّ على تحريم القفازين خاص يخصص ما دلّ على حلية الثياب او الحلي بعمومه.

و قد تعرض فى «الرياض «3»» إلى هذا القول و ردّه بنفس الردّ.

و أما دعوى الكراهة لاجل وجود ما عبّر عنه بالكراهة من النصوص «4»، فردّها فى الجواهر، بان الكراهة فى النصوص غير الكراهة الاصطلاحية، بل هي أعم من

الحرمة و الكراهة الاصطلاحية. هذا مع ضعف النص المزبور سندا.

أقول: يمكن أن يكون منظور الجواهر و الرياض في بعض متأخري المتأخرين هو صاحب المدارك.

و يمكننا توجيه القول بالكراهة بوجهين:

الأول: أن قوله عليه السّلام فى النصوص: «ما خلا القفازين» و نحوه يمكن ان لا يكون المقصود به الاستثناء من الحكم، بل المقصود به تقييد موضوع الحكم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 341، الطبعة الاولى.

(2)- هذا الترديد ناش من الاختلاف في حقيقة القفازين قال فى القاموس: «... و كرمان شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، و ضرب من الحليّ لليدين و الرجلين ...».

(3)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 305، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 155

و اما الغلالة فجائزة للحائض اجماعا (228).

بالجواز، فيكون المستثنى مسكوتا عنه. نعم، ظاهر التقييد ثبوت خصوصية للقيد، و لكنها لا تلازم تحريم القفازين، إذ يكفي فى الخصوصية كراهة القفازين و إباحة غيرهما.

الثاني: أن القفازين في بعض النصوص- كرواية العيص- معطوف على الحرير، و الحرير يكره لبسه في نظر صاحب المدارك «1» فلا يفيد الاستثناء تحريم القفازين، بل ينتفى ظهوره في ذلك و كلام المدارك يشير الى ذلك فلاحظه. نعم، لا يمتنع إرادة التحريم واقعا و لكن لا دليل من الخارج عليها. فتأمل «2».

______________________________

(228) يعني: حتى ممن يرى عدم جواز لبس المخيط للمرأة.

و قد ورد النص في جوازها و هو رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة «3»». و الغلالة- كما فى «المدارك «4»»- بكسر الغين

ثوب رقيق يلبس تحت الثياب.

و مما يقرب إلى الذهن بملاحظة هذا النص حرمة لبس شي ء مخيط للمرأة المحرمة تحت ثياب إحرامها و لزوم مباشرة ثوبي الاحرام لجسدها و لذا نبّه على جوازه لخصوص الحائض باعتبار احترازها به عن تنجيس ثيابها. إذ لو لا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 332، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- قد يدعى دلالة رواية النضر على ذلك لعدم العطف، كما انه بها يرد الوجه الاول للنهي الصريح فيها عن لبسهما.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 52: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 156

و يجوز لبس السراويل للرجل، اذا لم يجد إزارا (229)، و كذا لبس طيلسان له ازرار، لكن لا يزره على نفسه (230).

التحريم مطلقا لم يتناسب تخصيص الحكم بالحائض لانه جائز لها و لغيرها. و بالجملة: ففي النص إشعار فيما ذكرنا. فتأمل.

______________________________

(229) هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء- كما فى «المدارك «1»»- و يدل عليه النص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ... «2»».

(230) للنص، كرواية يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور، فقال: «نعم، و في كتاب علي عليه السّلام لا تلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي أنه إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه «3»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و إن لبس الطيلسان

فلا يزره عليه «4»».

و أما المراد بالطيلسان، فقد ذكر صاحب المدارك «5»: انه لم يقف في كلام أهل اللغة على معنى الطيلسان. و حكي عن المسالك «6» تعريفه بأنه ثوب

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 36: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 334، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(6)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 256، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 157

[5- و الاكتحال بالسواد على قول]

5- و الاكتحال بالسواد على قول (231).

منسوج محيط بالبدن. و عرّف بغير ذلك في كتب الفقه فراجع «الجواهر «1»».

______________________________

(231) القول للشيخ رحمه اللّه فى «النهاية «2»» و «المبسوط «3»» و المفيد رحمه اللّه «4» و سلار «5» و ابن ادريس «6» و ابن الجنيد و قال الشيخ رحمه اللّه فى «الخلاف «7»» أنه مكروه. كذا فى «المدارك «8»».

و تحقيق المقام: أن بعض النصوص ظاهر في حرمة الكحل مطلقا، كرواية الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل ضرير و انا حاضر فقال أكتحل اذا أحرمت؟ قال: لا، ... «9»».

و لكن بعضها ظاهر فى الجواز فى الجملة و ذلك، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا «10»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 345، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن:

النهاية، ص 220، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى.

(4)- المفيد، محمد بن محمد بن نعمان: المقنعة، ص 432، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- سلار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم العلوية (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 238.

(6)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 546، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(7)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 398/ المسألة 106، الطبعة الاولى.

(8)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 335، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(9)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(10)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 158

..........

و قد ورد في بعضها حصر الكحل المحرم بالكحل الأسود بقصد الزينة، كرواية زرارة، عنه عليه السّلام، قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة «1»».

و موضوع الكلام هو الكحل الأسود، و قد عرفت دلالة رواية زرارة على حرمته إذا كان بقصد الزينة و يدل على ذلك رواية أبي بصير أيضا.

و لكن ورد تحريمه في بعض آخر مطلقا، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الكحل للمحرم فقال: أما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض «2»».

و رواية معاوية، عنه عليه السّلام، قال: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة «3»».

و ورد في بعضها تعليل الحكم بأنه زينة، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، أن السواد زينة «4»». و لاجل ذلك ذهب بعضهم «5» الى حرمة الكحل بالسواد مطلقا لعموم العلة و هو كونه زينة سواء كان

بداعي الزينة أم بداع آخر.

و لكن الذي نراه هو اختصاص التحريم بما إذا كان الاكتحال بداعي الزينة.

و ذلك لعدم ظهور التعليل بأنه زينة في كون التحريم للزينة الواقعية، بل يمكن أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 324، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 385، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 159

و بما فيه طيب (232).

يراد به بيان انحصار الداعي بالزينة عادة، فانه مع عدم الضرورة لا داعي له إلا الزينة، و هو استعمال متعارف، فلا ظهور له إلا فى التحريم إذا كان بداعي الزينة.

و لو سلم أنه ناظر الى الجهة الواقعية فى الكحل الأسود فيدل بظاهره على حرمة الكحل الاسود مطلقا، و لكن ظهور رواية زرارة في حصر غير الجائز فى الكحل لأجل الزينة و ظهورها في ثبوت خصوصية لداعي الزينة مقيد لعموم هذه الرواية، كما لا يخفى.

هذا كله بلحاظ حال غير الضرورة و أما بلحاظ حال الضرورة، فهو جائز بلا اشكال لورود النص بذلك كرواية معاوية المتقدمة و غيرها، فراجع.

______________________________

(232) الذي يظهر من العبارة- كما قيل- أنه لا خلاف في هذا الحكم، و تدل عليه النصوص، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يكتحل المحرم عينيه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس «1»». و رواية معاوية بن عمار المتقدمة و غيرهما.

و هذا الحكم مختص بحال عدم الاضطرار إليه. أما مع الاضطرار إليه فلا اشكال في جوازه

لعمومات رفع الاضطرار و قوله عليه السّلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه الا أحله في حال الضرورة».

و يؤيده تحليل غيره من محرمات الاحرام عند الضرورة بالنص و التسالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 160

و يستوي في ذلك الرجل و المرأة (233).

[6- و كذا النظر فى المرآة]

6- و كذا النظر فى المرآة، على الأشهر (234).

و بذلك يظهر بطلان ما ذهب إليه البعض «1» من عدم جوازه في حال الضرورة.

و لعل منشأ هذا التوهم ورود النهي عن الاكتحال بما فيه الطيب فى الحاجة، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «2»».

و لكنه غفلة عن أن موضوع النهي هو الحاجة إلى أصل الكحل لا إلى الكحل المشتمل على الطيب. فتدبره. فلا دلالة للنص على التوهم المزبور.

______________________________

(233) لعموم الدليل و لا خلاف فيه بين الاصحاب كما فى «المدارك «3»».

(234) يدل على تحريمه النص، ك:

رواية حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تنظر فى المرآة و أنت محرم فانه من الزينة «4»».

و نحوها رواية حريز «5».

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 220؛

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 336، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 161

..........

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تنظر المرأة المحرمة فى المرآة للزينة «1»».

و روايته الاخرى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينظر المحرم فى المرآة لزينة فان نظر فليلب «2»».

و لا يخفى ان التعليل بانه من الزينة تعليل تعبدي- و لعله بملاحظة كونه من مقدمات الزينة-.

ثم أن المراد:

تارة: يكون الحاقة بالزّينة مطلقا، فيكون له حكمها و هو عدم التحريم بلا قصدها.

و أخرى: يكون الحاقة بالزينة المحرمة و هي المقصودة، فيكون منزلا منزلتها. و هذا هو الظاهر لان ظاهر التنزيل بلحاظ الأثر الشرعي للمنزل عليه.

و عليه، يكون النظر محرما مطلقا عملا بعموم الدليل.

و أما تقييد الموضوع في روايتي معاوية بن عمار بما إذا كان النظر لأجل الزينة فهو لا ينافى العموم، بل يكون من موارد المطلق و المقيد المتفقين و لا دليل على وحدة الحكم فيهما، إذ لعل التقييد بلحاظ أقوائية التحريم.

و أما عموم الحكم للرجل و المرأة فهو واضح، للتنصيص على المرأة في بعض النصوص المتقدمة فلاحظ.

ثم انه لا يلحق بالمرآة سائر الاجسام الصيقلية الحاكية للصورة لاختصاص النص بها و لا وجه لدعوى عدم الخصوصية و لا سيما بملاحظة ان المتعارف في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 162

[7- و لبس الخفّين:]

7- و لبس الخفّين: و ما يستر ظهر القدم (235). فان اضطر جاز، و قيل: يشقهما، و هو متروك.

باب الزّينة هو النظر إلى المرآة و دقة حكايتها بخلاف غيرها، فانه لا يحكي عن تمام الخصوصيات. فلاحظ.

______________________________

(235) وقع الكلام في أن المحرّم هل هو خصوص الخف و الجورب أو مطلق ما يستر ظهر القدم. و الذي

ورد فيه النص تحريم الخف و الجورب بعنوانهما، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما «2»».

كما وقع الكلام في عموم الحكم فيهما للمرأة و الرجل و اختصاصه بالرجل.

فالكلام في جهتين:

الأولى: في عموم الحكم للرجل و المرأة و اختصاصه بالرجل. و تحقيق الحال فيها انه:

إن استفدنا حرمة لبس المخيط بقول مطلق للرجل من الروايات الواردة فى الموارد المختلفة بحملها على بيان الفرد الظاهر، و كان تحريم الخفين من باب أنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 163

..........

مخيط، و يلحق به ما كان مشابها له كالجورب. لم يثبت الحكم للمرأة لاستفادة حلية المخيط لها من تجويز الفرد الظاهر منه كالقميص و نحوه.

و إن استفدنا من تلك النصوص حرمة كون المحرم بنحو منظم من جهة لباسه و تحريم الخفين من هذا الباب، كان الحكم فيهما مختصا بالرجل أيضا لاستفادة حلية التنظيم فى اللباس للمرأة من تجويز الفرد الظاهر له.

و إن لم نستفد كلا الأمرين- كما هو الحق لعدم الدليل على أحدهما- و كان تحريم الخف و الجورب لموضوعيتهما، كان المتجه عموم الحكم للرجل و المرأة كسائر المحرمات لعدم الدليل على اختصاص الحكم بالرجل.

الثانية: في عموم الحكم لكل ما يستر ظهر

القدم و عدمه، و تحقيق الحال: أنه إن قلنا بتحريم الخف لكونه مخيطا أو لكونه من لبس اللباس المنظم المرتب ألحق به لبس كل ما يستر الظهر مما كان مخيطا او غيره، إلحاقا له به، كالجورب. و لكن عرفت عدم الدليل على ذلك. و النص ورد بتحريم خصوص الخف و الجورب.

فعليه، فكل مورد يشابه أحدهما بكيفيته و ساتريته يمكن دعوى اليقين بلحوقه به فى الحكم. أما ما يختلف عنهما، كلبس الحذاء الساتر للظهر من دون ساق أو نحو ذلك، فلا وجه للحوقه به.

و عليه، فلنا أن نقول بعدم تحريم كل ما يستر ظهر القدم، بل ادعي فى «الجواهر «1»» أنه يمكن دعوى اختصاص الحكم بما يستر الظهر و الباطن و الساق، فلا يحرم ما يستر الظاهر دون الباطن.

ثم انه لا اشكال في جواز لبسهما مع الضرورة، كما تدل عليه رواية الحلبي المتقدمة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 350، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 164

..........

و انما الكلام في لزوم شقهما. و الكلام في جهتين: الاولى: في أصل لزوم الشق.

الثانية: في كيفية الشق.

أما لزوم الشق، فتدل عليه روايتان «1» ضعيفتا السند و هما رواية أبي بصير و محمد بن مسلم، كما أن هناك رواية عامية تدل على وجوب قطعهما إلى أسفل الكعبين.

و لكن ذلك لا ينهض دليلا على اللزوم خصوصا بملاحظة ورود المطلقات في مورد الحاجة و عدم التقييد، فان تقييدها مع ذلك يحتاج إلى مقيد قوي الدلالة و السند.

و أما الكيفية، فالذي ورد في رواياتنا: شقّ الظهر، و الذي ورد في رواية عامية: القطع إلى أسفل الكعبين. و مقتضى الجمع هو التخيير بإلغاء خصوصية التعيين في

كل منهما المدلولة للاطلاق ببركة النص على خلافها.

و الذي يهون الخطب عدم اعتبار سند جميع هذه الروايات. فلاحظ.

ثم إنه هل يجوز للمختار لبس الخفين مع الشق أو لا يجوز؟ فهل هو كالقباء لا يجوز لبسه اختيارا حتى مع قلبه؟ فالشق يختص بحال الضرورة، أو لا؟

قد يتخيل الجواز لعدم ستره ظهر القدم فعلا، نعم، لو كان المحرم ما يستره شأنا لم ينفع الشق كما قيل.

و لكن المتجه التحريم لعدم احراز كون الملاك فى التحريم ستر ظهر القدم، مع بقاء عنوان الخف و الجورب معه، فلا يجوز لعموم الدليل.

و عليه، فلا نحتاج إلى البحث في أن المراد مما يستر ظهر القدم هل هو ما يستره فعلا أو شأنا. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 3 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 165

[8- و الفسوق:]

8- و الفسوق: و هو الكذب (236).

______________________________

(236) اختلف الاصحاب قدّس سرّه فى المراد بالفسوق، ففي المتن أنه الكذب و حكاه فى «المدارك «1»» عن الشيخ رحمه اللّه «2» و ابني بابويه «3» و «4» و جماعة. و حكي عن ابن البراج «5» أنه الكذب على اللّه و رسوله و الأئمة عليهم السّلام. و عن المرتضى رحمه اللّه «6» و ابن الجنيد «7» و جمع من الاصحاب أنه الكذب و السباب. كما حكي عن «التبيان «8»» أنه مطلق المحرمات التي نهي المحرم عنها.

و النصوص في ذلك مختلفة.

فمنها: ما يتكفل تفسير الفسوق بالكذب خاصة، كرواية زيد الشحام- المروية في «معاني الاخبار»- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال قال: «أما ألا تسمع لقوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ

فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ «9» «10»».

و منها: ما يتكفل تفسيره بالكذب و السباب، كرواية معاوية بن عمار، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 340، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 320، الطبعة الاولى.

(3)- حكاه عنه الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» (ج 2: ص 328/ ذيل ح 2587).

(4)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: المقفع فى الفقه (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 22.

(5)- ابن البراج، عبد العزيز: المهذب، ج 1: ص 221، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(6)- علم الهدى، الشريف المرتضى: جمل العلم و العمل (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 104.

(7)- حكاه عنه العلّامة قدّس سرّه في «المختلف الشيعة» (ج 4: ص 84).

(8)- الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان في تفسير القرآن، ج 2: ص 164، ط النجف الأشرف.

(9)- سورة الحجرات، 49: 6.

(10)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: معاني الاخبار، ص 294، ط مكتبة الصدوق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 166

..........

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام إلا بخير، فان من تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال اللّه عزّ و جل، فان اللّه يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1»، فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه «2»».

و منها: ما يتكفل تفسيره بالكذب و المفاخرة، كرواية علي بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث

و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه- الحديث «3»».

و التحقيق: إن لفظ الفسوق مصدر لفسق. فيكون معناه هو الخروج عن الطاعة، و المعصية. و مقتضى اطلاقه في الآية الكريمة إرادة مطلق المعصية، فمقتضاها تحريم مطلق المعصية على المحرم. و ليس فى النصوص ما يصلح لحصر المراد به بمعصية خاصة كالكذب او غيره. إذ لا ظهور للنصوص في أنها لتحديد المراد و بيان تمامه، بل هي في مقام تفسير الآية ببيان أحد الافراد الشائعة الارتكاب، لاحتمال الغفلة عن كونه مرادا لتعارفه و عدم استنكاره عرفا، إذ ليس الكذب كالزنا عرفا بلا إشكال. و مثل هذا الاستعمال شائع، فمثلا إذا قال الطبيب للمريض «كل الرّمان» فسأله المريض عنه فأشار إليه بأنه هذا مشيرا إلى ما في أحد الدكاكين، فليس معناه حصر المراد بالرمان بما في ذلك الدكان، بل

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 197.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 167

..........

المراد بيانه و تعريفه ببيان أحد مصاديقه.

و بالجملة: النصوص لا تنهض لرفع اليد عن ظهور الآية في إرادة مطلق افراد الفسق.

و عليه، فما نسب الى التبيان هو الأوجه.

و لو تنزلنا عن ذلك و قلنا بان النصوص ظاهرة في كونها في مقام الحصر و التحديد، فقد عرفت اختلاف النصوص، و وقع الاختلاف فيما هو مقتضى الجمع بين ما دل على أنه الكذب و السباب و ما دل على أنه الكذب و المفاخرة. فاذا قلنا بان المراد من

المفاخرة هو الفرد المحرّم منها بقرينة جعلها تفسيرا للفسق، فيبعد أن يراد به الأعم من الحلال و الحرام فانه خلاف الظاهر جدا، إذ لا معنى لتفسير الفسق- بما هو محلّل شرعا- لم تختلف عن السباب لان المفاخرة المحرمة هي المشتملة على السباب، فلا تعارض حينئذ.

و إن قلنا بان المراد منها مطلق المفاخرة حصل التعارض بين الروايتين.

و ذهب صاحب الجواهر «1» إلى أن مقتضى الجمع هو تقييد اطلاق المفهوم في كل منهما بمنطوق الأخرى، لان مركز المعارضة هو المنطوق و المفهوم في كل منهما.

و عليه، فيكون المحرم هو الكذب و السباب و المفاخرة، و ندّد بما فى «المدارك «2»» من ان مقتضى الجمع هو الالتزام بحرمة الكذب خاصة، فانه مما لا وجه له مع أنه لا يسمى جمعا بل هو طرح للدليلين في مورد المعارضة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 358، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 168

..........

و الذي يقتضيه التأمل هو موافقة «1» صاحب المدارك في مدعاه و إن كان كلام صاحب الجواهر جاريا على طبق القواعد الصناعية بدوا، و ذلك لان النصوص واردة في مقام تفسير الآية و بيان المراد من الفسوق في الآية. و من الواضح أنه يمتنع استعماله فى الكذب و المفاخرة أو الكذب و السباب مع المحافظة على تعدد المعنى لاستحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل لا بد من استعماله

______________________________

(1)- أقول: ما ذكره في توجيه كلام المدارك يتوجه عليه:

أولا: بان القاعدة الاولية او الثانوية في مورد تعارض الروايات و عدم المرجح ان كانت هي

التخيير فلا بد من الالتزام باحداهما فلا يتقيد الكذب، و ان كانت القاعدة هي التساقط فلا دليل على حرمة الكذب لان بيان الحكم كان بعنوان بسيط جامع و المفروض سقوطهما عن الدليلة. و لو قيل بالعلم الاجمالي بحجية احداهما كان المتقين هو الاحتياط بالجمع بين الثلاثة.

و ثانيا:- و هو المهم- ان استفادة كون موضوع الحكم في كل من الروايتين عنوان جامع بين خصوص الأمرين إنما يكون من جهة استفادة حصر المحرّم بالامرين و إلا فلعل موضوع الحكم هو الجامع بين الثلاثة، فلا يدفع هذا الاحتمال إلا أن يقال ان ظاهر الدليل هو تحرم الكذب و السباب مثلا لا غير، فلا بد أن يكون الموضوع هو الجامع بينهما، و من الواضح ان استفادة كون المحرم هو السباب و الكذب لا غير انما يكون بالمفهوم، و مع وجود دليل آخر يحرم غيره يخصص المفهوم، و تكون النتيجة هو استعمال اللفظ فى الجامع بين الثلاثة.

و بالجملة، تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر في مرحلة الكاشف عن الجامع المبهم.

فلا يتنافى مع هذا البيان.

و ثالثا: ان النصوص المحددة للمراد ان كانت محددة للمراد الاستعمالي تم ما ذكر و أما إن كانت محدودة للمراد الواقعي مع كون المستعمل فيه اللفظ في الآية هو معناه العام لم يتم البيان السابق، اذ لا يكون إرادة كل منهما من إرادة المعنيين من اللفظ استعمالا كي يكون محالا و يمكننا ان نقول انها في مقام بيان المراد الاستعمالي لانها بيان لمعنى الآية و شرح لها و لذا كانت حاكمة عليها. فتأمل جيّدا. (المقرر).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 169

[9- و الجدال]

9- و الجدال، و هو قول: «لا و اللّه»، و «بلى و

اللّه» (237).

في معنى واحد جامع بينهما.

و عليه، فكل من الروايتين تفيد إرادة معنى جامع من الفسوق يغاير الآخر، فان الجامع بين الكذب و السباب غير الجامع بين الكذب و المفاخرة لتباين السباب و المفاخرة، و اذا ثبت ذلك كان التعارض بينهما فى المنطوق رأسا لدلالة كل منهما على إرادة معنى يغاير الآخر، لا بين المنطوق و المفهوم. و مقتضاه هو التساقط و الأخذ بالقدر المتيقن و هو الكذب لتوافقهما عليه فتدبر.

هذا ما يتعلق بمعنى «الفسوق». و أما تحريمه فلا اشكال فيه للآية الكريمة فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1»، و هذا مما لا خلاف فيه.

______________________________

(237) لا اشكال في تحريم الجدال على المحرم للآية الشريفة و للنصوص الكثيرة التي ستمر عليك، و إنما الاشكال فى المراد منها.

فهل هو مطلق المخاصمة فى الكلام- كما هو معنى الجدال عرفا- أو خصوص المخاصمة مع اليمين؟

و هل المراد من اليمين مطلق القسم و لو بغير اللّه تعالى أو خصوص القسم باللّه؟

و هل المراد هو القسم باللّه بصيغة «لا و اللّه و بلي و اللّه» أو مطلق القسم به؟

ثم هل يختص الحكم باليمين الكاذب أو يعم الصادق و الكاذب؟

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 197.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 170

..........

و الذي ورد في بعض النصوص تفسير الجدال بقول «لا و اللّه و بلي و اللّه»، رواية معاوية بن عمار- في حديث-: «... و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه «1»».

و روايته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول لا لعمري و هو محرم قال: «ليس بالجدال انما الجدال قول الرجل: لا

و اللّه و بلى و اللّه، ... «2»».

و رواية علي بن جعفر قال: «سألت أخي موسى عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ ... إلى ان قال: و الجدال قول الرجل: «لا و اللّه و بلى و اللّه ...».

و الذي يمكن أن يستند إليه في اثبات تحريم مطلق الجدال ما ورد فى النصوص من أخذ عنوان الجدال في موضوع الحكم، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الجدال فى الحج فقال من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم فقيل له الذي يجادل و هو صادق؟

قال: عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «3»».

و رواية أبي بصير «4»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور».

و لكن كلاهما لا يصلحان للاستدلال، لعدم كونهما في مقام بيان تحريم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 1: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 1: من ابواب بقية الكفارات الاحرام، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 171

..........

الجدال كي يتمسك بإطلاقه، بل هما في مقام بيان التفرقة بين افراد الجدال المفروض تحريمه من حيث الكذب و الصدق أو المرة و المرات، أما ما هو الجدال المحرم فهما ليستا في مقام بيانه.

و أما الاستناد للآية بإطلاقه، فباطل قطعا للروايات الكثيرة المفسرة للجدال بأنه المخاصمة مع اليمين الخاص أو مطلق اليمين التي عرفت بعضها و ستعرف الأخرى.

إذن، فلنا أن نقول بوضوح بطلان هذا الاحتمال.

و أما احتمال إرادة مطلق اليمين، فقد يستدل عليه بروايات:

منها: رواية أبي بصير، عن أحدهما عليه

السّلام، قال: «إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم و اذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1»».

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه، و أعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به قال: و سألته عن الرجل يقول لا لعمرى و بلى لعمري؟ فقال: ليس هذا من الجدال و إنما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه «2»».

و وجه الاستدلال بها: هو التمسك بإطلاق اليمين، فيشمل كل يمين.

و يناقش: بانه لو سلم كونها في مقام بيان الجدال المحرم لا في مقام بيان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من بقية كفارات الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 172

..........

التفريق بين مورد الصدق و الكذب من الجدال المحرم و أن الجدال فى الصدق يحصل بثلاثة و فى الكذب بواحد، فهي مقيدة بما عرفته من النصوص المحدّدة للجدال بقول «لا و اللّه و بلى و اللّه».

و دعوى: انه يحتمل أن تكون هذه النصوص واردة في مقام بيان المثال و أحد أفراد اليمين بلا خصوصية للفرد الخاص.

تندفع:

أولا: بانه احتمال لا يدفع به ظاهر النصوص فى الحصر.

و ثانيا: بما دل على عدم كون القسم بغير اللّه تعالى من الجدال، كرواية معاوية المتقدمة، فانه قد نفي فيها كون قول «لا لعمرى و

بلى لعمري» من الجدال مع أنه يمين.

و أما احتمال عموم الحكم لمطلق اليمين باللّه من دون اختصاص له بالصيغة الخاصة و هي «بلى و اللّه»، فقد يستدل له مضافا إلى دعوى احتمال كون ذكر الصيغة الخاصة من باب المثال برواية أبي بصير (يعني ليث بن البخترى)، قال:

«سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله، فيقول: و اللّه لأعملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، إنما أراد بهذا اكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عزّ و جل للّه فيه معصية «1»»، فانه عليه السّلام علّل الحكم بانه أراد إكرام أخيه و لو كان الحكم مختصا بصيغة: «لا و اللّه و بلى و اللّه» لكان التعليل بان ما قاله ليس منه أنسب.

ثم إنه قد يستدل بهذه الرواية- أيضا- على اختصاص الجدال المحرّم بمورد الكذب، كما هو ظاهر الحصر فى الذيل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 173

..........

و لكن الذي نراه عدم دلالة الرواية على كلا الأمرين، فان تعليل الامام عليه السّلام لعدم الكفارة بان المورد ليس من موارد الخصومة ظاهر في اعتبار الخصومة في تحقق الجدال المحرّم لا غير، أما أن الحكم عام لمطلق اليمين فلا نظر له إليه، مع أنها غاية ما تدل على إلغاء خصوصية أداة النفي و الاثبات لا على إلغاء خصوصية علم الجلالة لاشتمال موضوع السؤال عليه و التفكيك بينهما ممكن فلاحظ.

و أما الذيل، فالذي نستفيده هو أن المشار إليه باسم الاشارة هو قوله: «و اللّه لأعملنه». و المراد أن هذا القول لا كفارة فيه لانه ليس من

موارد الخصومة. و القول الذي يكون فيه الكفارة هو الذي يقع في موارد الخصومة المحرمة و ما يكون معصية لاجل تحريمه بالاحرام. فليس القصد التفصيل بين الجدال الصادق و الكاذب، بل القصد التفكيك بين عدم الجدال، فلا حرمة. و بين الجدال المحرم فى الكتاب. و بيان أن هذا المورد ليس من موارد الجدال، لكون القصد فيه هو الإكرام لا الخصومة، و القرينة على هذا الاستظهار هو نفس مقابلة هذه الجملة مع نفي الكفارة، لأنه أراد الاكرام.

و عليه، فهي أجنبية عن محل الكلام بالمرّة، كما لا يخفى.

و لو تنزلنا و قلنا بأن المشار إليه هو الجدال المحرّم- كما هو مبنى الاستدلال-، فيكون المراد أن الجدال المحرم في الآية هو الذي يكون معصية للّه تعالى و هو مورد الكذب، فيدل على خروج الجدال الصادق عن موضوع التحريم.

و لكن وجود الروايات «1» المتعددة الدالة على ثبوت الكفارة مع اليمين الصادق- كما عرفت بعضها- ينافي هذه الرواية، و طريق الجمع الدلالي هو الالتزام بعدم حرمة اليمين الصادق و ثبوت الكفارة فيه، لأن هذه الرواية نص في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 3 و 4 و 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 174

..........

نفي التحريم و ظاهر في نفي الكفارة، و تلك النصوص نص في اثبات الكفارة و ظاهرة في عدم التحريم لملازمة نفي الكفارة لعدم التحريم ظاهرا، و مقتضى الجمع هو حمل الظاهر على النص، فتكون النتيجة ما عرفت، و قد احتملها بعض.

و لكن لا يخفى ان الظاهر الأولي أن المشار إليه هو الجدال الذي فيه الكفارة لأن السؤال عن الكفارة لا عن الحرمة، و انما التزمنا بإرادة

الاشارة إلى الجدال المحرم جمعا بين نصوصية سائر الروايات في اثبات الكفارة، فيلتزم بان الموضوع هاهنا هو الجدال المحرم كي ترتفع المعارضة، فلو لم يلتزم بذلك بدعوى أنه ليس جمعا عرفيا بل تبرعيا لأن الاشارة الى الجدال المحرّم ليس ظهورا ثانويا يمكن حمل الكلام عليه و صرفه إليه مع المعارض الأظهر، فلا محيص عن الالتزام بتعارض هذه الرواية لتلك الطائفة من الروايات لتكفلها نفي الكفارة و تكفل الطائفة اثباتها. فان كانت الروايات المثبتة للكفارة بحد الاستفاضة بحيث يطمئن بصدورها كانت محكمة، و إلّا جرت أحكام التعارض بين الخبرين فى المقام، فالتفت.

و بالجملة، أنه إذا لم يستفد من رواية أبي بصير عموم الحكم لمطلق اليمين باللّه و لو لم يكن بلفظ اسم الجلالة، فلا طريق الى اثباته سوى دعوى أن وروده فى النصوص من باب المثال، لكنها دعوى بلا دليل لكونه خلاف ظاهر أداة الحصر، مضافا إلى أن ذكره في مقام نفي حرمة مثل: «لا لعمرى ...» كما في رواية معاوية يكشف عن انّ المولى في مقام البيان، و تقييده الجدال بالصيغة الخاصة يكشف عن خصوصيتها.

يبقى الكلام في جهتين:

الأولى: في اعتبار لفظ «لا» و «بلى» في موضوع التحريم و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 175

..........

فقد يدعى ان الموضوع هو القسم و هاتان اللفظتان خارجتان عنه، و انما هما مبرزان للخصومة.

و لكنه مجرد احتمال لا دليل عليه بعد ظهور النصوص في حصر الجدال فى الصيغة الخاصة.

نعم، رواية أبي بصير فيها نوع ظهور فى الغاء الخصوصية لظهور السؤال فى المفروغية عن عدم اعتبار هاتين اللفظتين، لكون المسئول عنه خاليا عنهما و كون محط سؤاله لحوق اليمين في مورد الاكرام باليمين فى مورد الجدال،

فالأخذ بظهورها لا بأس به.

الثانية: في أن الجدال هل يتحقق باحدى الصيغتين أو يعتبر فيه كلتاهما؟

الظاهر الأول، فانه و ان ورد تحديد الجدال بهما فى النص لكن من المعلوم بحسب العادة أن كلا من طرفى الخصومة لا ينطق إلا باحداهما، لانه إما أن يكون مثبتا فيقول «بلى» أو نافيا فيقول «لا» و قسمه بكلتيهما خلاف العادة، فيرجع ذكرهما معا فى التحديد الى بيان طرفى الخصومة و المجادلة، و المنظور فيه ذلك، فتدبر جيدا.

ثم إنه لا مجال لتوهم حرمة صيغة «لا و اللّه» و «بلى و اللّه» في غير مورد الجدال و الخصومة، إذ ظاهر النصوص أنها في مقام تفسير الآية الكريمة، فتكون ظاهرة في بيان أن المقصود بعض أفراد الجدال و هو الجدال المشتمل على اليمين الخاص دون مطلق افراده، و لا ظهور لها في أن الجدال هو هذه الصيغة و لو لم تكن واقعة في مورد الخصومة. فلاحظ و التفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 176

[10- و قتل هوام الجسد]

10- و قتل هوام الجسد، حتى القمل (238).

______________________________

(238) تعرض فى المتن إلى بيان حكم قتل القمل و نحوه من الهوام و لم يتعرض الى حكم إلقائها، فالبحث يقع في كلا الأمرين: القتل و الالقاء.

أما قتل هوام الجسد، فقد ذكر فى «المدارك «1»» أن القول بتحريمه هو المشهور بين الاصحاب سواء كان على الثوب أو الجسد.

و الذي يستدل به على ذلك وجوه:

الأول: ما دل على حرمة القائها، فانه يدل بالأولوية على حرمة قتله، لان تحريمه إما لأجل حصول الراحة بإلقائه أو لأجل أنه يقتل، و على كل حال فهو يدل بالأولوية على حرمة القتل.

الثاني: عموم قوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: ثمّ «اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة ... «2»».

الثالث: الروايات الخاصة الواردة فى القمل، ك:

رواية أبي الجارود: قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: «بئس ما صنع، قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها «3»».

و رواية زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «هل يحك المحرم رأسه؟ قال:

يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ... «4»». فان الفرد المتيقن و الظاهر من الدابة هو

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 343، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 81: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 177

..........

القمّل.

و لكن جميع هذه الوجوه مخدوشة:

أما الأول: فلعدم ثبوت الأولوية بعد عدم العلم بملاك تحريم الإلقاء خصوصا بملاحظة ثبوت الكفارة في الالقاء دون القتل، فانه يكشف عن ثبوت الفرق بين الموضوعين.

و من العجيب من صاحب الجواهر «1» فى التزامه بهذا الوجه مع عدم دفعه ما ذكرناه من وجود الفرق من جهة الكفارة.

و أما الثاني: فلانصراف الدابة عرفا مع اطلاقها عن مثل القمّل، فلا يشمله الاطلاق.

و أما الثالث: فلان رواية أبي الجارود و ان كانت تامة الدلالة لكنها ضعيفة السند. و لم يثبت عمل المشهور بها- لو سلم القول بجابريته لضعف السند- لاحتمال استنادهم إلى الوجوه الاخرى.

و أمّا رواية زرارة، فلأنه لا يمكن الأخذ بمضمونها لملازمة الحك للالقاء غالبا، مع أن ظاهرها جواز ذلك إذا لم يتحقق القتل و هو ينافي ما دل على حرمة الالقاء بنحو لا يقبل

التشكيك.

ثم إنه لا يصلح الاستدلال على التحريم بما ورد في بعض النصوص «2» من التعبير ب: «لا ينبغي» لانه لا ظهور له فى التحريم، بل هو ظاهر في مطلق المرجوحيّة. فلاحظ.

إذن، فلا دليل على حرمة قتل القمل و غيره من هوام الجسد، بل ظاهر

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 367، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 178

..........

رواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام جواز قتل البرغوث و البقّ، إذ جاء فيها: «سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث اذا رآه؟ قال: نعم «1»،».

و أما رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء عليه فى القمّل ... «2»»، فلا يمكن الاستدلال بها على الجواز إلا بالالتزام بعموم الشي ء للكفّارة و التبعة الاخروية، و لكنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر في مثل هذا التعبير نفي الكفارة.

و أما إلقاء الهوام، فقد وردت النصوص بتحريمه، ك:

رواية الحسين بن أبي العلاء، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما ... «3»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم يلقى عنه الدواب كلها الا القملة فانها من جسده ... «4»».

و ما دل «5» على عدم جواز القاء الحلمة عن البعير لانها بمنزلة القملة من جسدك.

و ما دل «6» على ثبوت الكفارة في الالقاء.

و لا يعارض هذه الروايات سوى رواية مرّة- مولى خالد- قال: سألت

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 9/ باب 79: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(6)- المصدر/ باب 15: من ابواب بقية كفارات الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 179

و يجوز نقله من مكان الى آخر من جسده (239)، و يجوز القاء القراد و الحلم (240).

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة، فقال: «ألقوها أبعدها اللّه غير محمودة و لا مفقودة «1»»، فانها ظاهرة في جواز الالقاء، و لكنها إن تمت من حيث السند لا بد من طرحها أو تأويلها لمصادمتها للنصوص الكثيرة التي يحصل الاطمئنان بصدور بعضها.

و لا يمكن الجمع العرفي بحمل روايات النهي على الكراهة، لظهور قوله عليه السّلام:

«أبعدها اللّه ...» في عدم البأس فيه أصلا و هو يصادم نصوصية تلك النصوص لدلالتها على المرجوحية بلا إشكال.

______________________________

(239) لعدم الدليل على تحريمه لاختصاصه بغير ذلك، مضافا الى ما في رواية معاوية بن عمار «2» من الحكم بالجواز لقوله عليه السّلام: «... و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه».

(240) البحث فى القاء القراد و الحلمة في جهتين:

الأولى: فى القائه عن جسده.

و الثانية: فى القائه عن البعير.

أما القاؤه عن جسده، فقد ورد النص بتجويزه و هو رواية عبد اللّه بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت إن وجدت عليّ قراد أو حلمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 180

[11- و يحرم لبس الخاتم للزينة]

11- و يحرم لبس

الخاتم للزينة- و يجوز للسنّة (241)-.

أطرحهما؟ قال: نعم، و صغار لهما انهما رقيا في غير مرقاهما «1»».

و أما القاؤه عن البعير، فظاهر النصوص التفصيل بين القراد، فيجوز القاؤه.

و الحلمة، فلا يجوز، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقي الحلمة «2»».

و لكن ظاهر رواية عبد اللّه بن سعيد، قال: «سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال: فقال: يلقى عنه الدواب و لا يدميه «3»»، جواز القاء الحلمة لانها الفرد الظاهر من لفظ الدواب هاهنا كما لا يخفى.

و يمكن حملها على مورد الضرورة كما هو ظاهر قوله فى السؤال «يعالج».

فلاحظ.

______________________________

(241) الذي تدل عليه النصوص هو جواز لبس الخاتم من دون تقييد بانه للسنة، ك:

رواية نجيح، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «4»».

و رواية محمد بن اسماعيل: «رأيت العبد الصالح و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «5»». و نحوها روايته الأخرى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 79: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 46: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 181

و لبس المرأة الحليّ للزينة و ما لم يعتد لبسه منه على الأولى، و لا بأس بما كان معتادا لها، لكن يحرم عليها اظهاره لزوجها (242).

نعم، ورد النهي عن لبسه للزينة في رواية ضعيفة السند و هى رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و

سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة «1»».

و لكنها لا تصلح لتقييد المطلقات و إن ذهب المشهور إلى التقييد، لكن لم يثبت أن عملهم كان بالرواية بل لعله كان من جهة استفادتهم مما ورد فى الكحل و النظر فى المرآة تحريم مطلق ما كان بقصد الزينة.

و مما يؤيد الجواز مطلقا، عمل الامام عليه السّلام و ذلك لعدم امتياز اللبس للزينة او للسنة إلا بالقصد و هو أمر قلبي لا ظاهري، فمن البعيد- جدا- ان يتصدى الامام عليه السّلام لعمل مستنكر ظاهرا و يوجب الجرأة ممن يراه على اللبس بتخيل جوازه مطلقا، إذ ليس من المألوف سؤاله عليه السّلام من كل أحد عن قصده.

و بالجملة: الصناعة لا تساعد على التحريم لاجل الزينة، بل تقتضي الجواز بقول مطلق.

فلو استفاد أحد تحريم مطلق ما يقصد به الزينة ثبت فى الخاتم لكنه لا دليل عليه. نعم، تركه أحوط. فتدبر.

______________________________

(242) الذي عليه فتوى البعض تحريم لبس الحلي للمرأة إذا كان للزينة، او لم يكن معتادا لها لبسه، و بدون هذين القيدين يحل لبسه فيحل لها لبس المعتاد لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 46: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 182

..........

لأجل الزينة.

أقول: أما تحريم اللبس إذا كان بقصد الزينة، فما يستدل به عليه من النصوص هو رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليّا مشهورا للزينة «1»».

و لكنها تقيد الحلال بما إذا لم يكن مشهورا للزينة، و لم يقل أحد بحرمة الحليّ المشهور- بمعنى الظاهر-. و عليه فمقتضى ذلك سقوط الحديث بجميعه عن الحجية و لا معنى الالتزام به

في بعض مدلوله كما عليه الأصحاب.

و عليه، فلا دليل على تقييد ما دل على جواز لبس الحلي بقول مطلق بعدم كونه للزينة.

نعم، رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام- في حديث-: «... و لا تلبس القفازين و لا حليّا تتزين به لزوجها ... «2»» لا بأس بدلالتها على التقييد لكنها ضعيفة السند. و عليه، فان تم ما أشرنا إليه من استفادة تحريم لبس كل ما كان بقصد الزينة فهو، و إلا فالصناعة تقضي بجواز لبس الحلي بقصد الزينة. نعم، هو خلاف الاحتياط.

و أما تحريم لبس غير المعتاد، فلم يرد فى النصوص، بل الذي ورد في بعض النصوص حلية لبس ما لم تحدثه بعد الإحرام، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليّها «3»».

و به يقيّد اطلاق التحريم في مثل رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 183

..........

حديث- قال: «المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات ... «1»».

و أما رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: «تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «2»». فهي و ان كان موضوعها المعتاد لبسه، لكن لا دلالة لها على

النهي عن غيره، فإذن ما يستفاد من النصوص تحريم لبس الحلي إلا ما كانت تلبسه قبل إحرامها سواء كان للزينة أولا و سواء كان معتادا أو غير معتاد. فلاحظ جيدا.

هذا، و قد يدعى أن مقتضى ما ورد من تعليل الحكم بحرمة الاكتحال بالسواد و النظر فى المرآة بانه زينة عموم الحكم لكل ما يكون زينة، كلبس الحلي و الخاتم، فيكون لبسهما محرّما بهذا العموم.

و التحقيق: أنك قد عرفت المناقشة فيما ورد فى الكحل في دلالته على تعليل الحكم بكون الاكتحال زينة واقعية، بل استظهرنا إلى أن المقصود بالتعبير هو بيان أن المتعارف فى الكحل كونه للزينة، فيرجع الى تحريم الاكتحال إذا كان بقصد الزينة و هو لا يدل على المطلوب.

و أما ما ورد فى النظر إلى المرآة، فقد عرفت أن ظاهره الأولي تعليل الحكم بانه زينة واقعا و ان كانت المسامحة و التعبد بتطبيق الزينة على النظر فى المرآة لانه ليس زينة واقعا بل من مقدماتها غالبا، فالدليل يدل على تنزيله منزلة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 184

..........

الزينة. و هذا يدل على حرمة مطلق الزينة، فان تعليل الحكم بذلك ظاهر في حرمة الموضوع الكلي. فلو لم يدل دليل على تحريم الزينة بقول مطلق فنفس هذا التعليل يكفي فى الدلالة على الحرمة.

و لكن يمكننا أن نقول: إن المنظور فى التعليل هو التعليل بأمر واقعي- لا تعبدي- و هو أن النظر غالبا يكون لأجل الزينة باعتبار أن المرآة من مقدماتها، فيحرم النظر لأجل أن المقصود به الزينة. فلا يدل إلا على حرمة النظر إلى المرآة بقصد الزينة.

فلا يشمل ما نحن فيه. و دعوى إلغاء خصوصية هذين الموردين لا شاهد عليها و لا دليل.

و عليه، فلا دليل ينهض على حرمة كل زينة و لا كل ما قصد به التزين.

ثم إن ما يحرم على المرآة اظهاره ما تلبسه من الحلي للرجال أعم من الزوج و المحارم و غيرهم، لظهور رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في ذلك و لا وجه لتخصيص الحكم بالزوج فقط كما فى المتن.

و لا يختص تحريم الاظهار بالحلي المحللة اللبس و هي السابقة على الاحرام، بل تعم غيرها، لظهور الرواية فى العموم و أن الاظهار حرام في نفسه مطلقا، فكانه قال: لبس الحلي المزبورة حلال ما لم يصل الى الاظهار.

و عليه، ففي لبس الحلي بعد الاحرام إذا أظهرتها للزوج حرمتان حرمة نفس اللبس، و حرمة الاظهار، و إذا أظهرتها لغير المحرم ثلاث حرمات، حرمة اللبس و حرمة الإظهار الإحرامية و حرمة الاظهار للاجانب الذاتية.

هذا تحقيق الكلام في لبس الحلّي للمرأة و خصوصياته، فالتفت و اعرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 185

[12- و استعمال دهن فيه طيب]

12- و استعمال دهن فيه طيب، محرّم بعد الاحرام، و قبله اذا كان ريحه يبقى الى الاحرام (243).

______________________________

(243) الحكم بحرمة استعمال الدّهن الذي فيه طيب بعد الاحرام مما لا اشكال فيه، لأنه من استعمال الطيب و هو محرم كما تقدم.

و أما استعماله قبله و كانت رائحته تبقى إلى الاحرام فكذلك، لوجود النص الخاص الدال على حرمته معلّلا بانه تبقى رائحته الى ما بعد الاحرام، و هو ظاهر في أن استعمال الطيب محرّم على المحرم احداثا أو بقاء، فلو شكّك في قابلية ما دل على حرمة الطيب لتحريم إبقاء الطيب على المحرم فنفس هذه الرواية

تدل على هذا المطلب، مضافا إلى رواية حماد بن عثمان «1» الآمرة بنشر ثوبي الاحرام الملتقطين للرائحة من الاثواب المجمرة، لتذهب رائحتها. و فى الجملة: هذان الحكمان على طبق القاعدة و من باب حرمة أصل الطيب، و في نظرنا أنهما واضحان لا يحتاجان إلى بحث.

و أما الادّهان بما ليس فيه طيب من الأدهان الطيبة الرائحة- يعنى: غير الكريهة- فهو جائز قبل الاحرام و محرّم بعده، لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و أدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فاذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ «2»». و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 29: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 186

و كذا ما ليس بطيب- اختيارا- بعد الاحرام، و يجوز اضطرارا (244).

و بهذه الرواية يرفع اليد عن عموم رواية معاوية بن عمار «1» الظاهرة في كراهة استعمال الدهن بقول مطلق حيث ورد فيها: «... يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به» فان لفظ «يكره» فيها ظاهر فى الكراهة الاصطلاحية لوروده في مقابل تحريم الطيب بلفظ الحرمة و هو قوله: «و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنه يكره ...».

و مقتضاه كراهة استعمال الدهن بقول مطلق- و به يرفع اليد عمّا دل بظاهره على حرمة استعمال الدهن، كقوله في رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك ... «2»» و لولاه لقلنا بحرمة استعمال الدهن بكل نحو من أكل و تدهين و غيرهما مما هو من شئون الدهن.

و بالجملة، رواية الحلبي و غيرها تدل على حرمة التدهين بعد الاحرام فبها يرفع اليد عن عموم رواية معاوية، فتختص الكراهة بغير التدهين و يكون التدهين محرّما. فلاحظ.

______________________________

(244) لرواية معاوية بن عمار المتقدمة و رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا خرج بالمحرم الخراج او الدمّل فليبطه و ليداوه بسمن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 187

[13- و إزالة الشعر قليله و كثيره]

13- و إزالة الشعر قليله و كثيره (245)، و مع الضرورة، لا اثم.

أوزيت «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن محرم تشققت يداه. قال: فقال: يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2»» و غيره «3».

______________________________

(245) ادعى فى «الجواهر «4»» الاجماع بقسميه عليه، و استدل لتحريم ذلك بقوله تعالى: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5». و مفهوم قوله تعالى: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «6».

و لكن للمناقشة في دلالتهما على الحكم المزبور مجال واسع:

أما الأولى: فهي ظاهرة فى النهي الارشادي، لعدم تحقق الاحلال بحلق الرأس قبل بلوغ الهدي محله و لا ربط لها بالنهي التحريمي، فهي نظير ما يقال: لا تسلم قبل انتهاء أفعال الصلاة، في مقام بيان أنه لا يتحقق به الاحلال قبل انتهاء الافعال.

و أما الثانية: فهي ظاهرة التفرع على

الآية السابقة، فيتضح الكلام فيها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 31: من ابواب تروك الاحرام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 377، الطبعة الاولى.

(5)- سورة البقرة، 2: 196.

(6)- سورة البقرة، 2: 196.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 188

..........

و لو سلم أنها آية مستقلة، فهي تدل على حلية ما يحرم للمحرم في حال المرض و اختصاص حرمته بغير حال المرض- كما وردت بذلك بعض النصوص «1»- أما تعيين المحرّم على المحرم فهي أجنبية الدلالة عليه كما لا يخفى.

فإذن الآيتان أجنبيتان في دلالتهما عن المدعى.

و على كل حال يمكن استفادة الحكم من النصوص الدالة على تحريم إزالة الشعر فى الموارد المختلفة من البدن، ك:

رواية زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «2»».

و رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال: «لا، إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3»».

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يحتجم؟ قال: نعم، و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزه «4»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق او يقطع الشعر «5»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14:

من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب بقية الاحرام، ح 6.

(3)- المصدر/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 11.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 189

..........

رأسه؟ قال: «بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر ... «2»».

و هذه النصوص و غيرها و ان كانت واردة في موارد خاصة كالرأس و الابط و مكان المحاجم، كما انه عناوين خاصة كالحلق و النتف و القطع، لكن من مجموع ذلك يصطاد الحكم الكلي خصوصا بملاحظة تقييد جواز الحجامة بعدم حلق الشعر أو قطعه، فانه ظاهر في أنه موضوع في نفسه و إن كان موضوعه خاصا.

و أما ما دل على عدم قطع شعر اللحية، فهو ضعيف الدلالة على التحريم لعدم ظهوره فيه، كما يأتي بيانه، و معارض بما دل على الجواز. و سيأتي التعرض الى شعر اللحية مستقلا، فانتظر.

و هذا كله غير مشكل، إنما الاشكال في حكم مورد الضرورة الى الحلق فانه لا اشكال في جوازه لأجل الاضطرار، لأدلة رفع الاضطرار و العسر و الحرج، بل عدم عموم أدلة حرمة الحلق لمورد الضرورة لعدم اطلاق لدليل الحرمة بعد كونها حكما مصطادا من الموارد المختلفة.

و أما ثبوت الفدية عليه، فقيل بوجوبها استنادا إلى الآية الكريمة: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، لكن عرفت انها متفرعة على آية: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

و قد عرفت عدم تضمنها حرمة الحلق و انما الارشاد

الى عدم تحقق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 73: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 190

..........

الاحلال بالحلق قبل بلوغ الهدي محله.

و عليه، فالآية الأخرى استثناء من هذا العموم، فتكون دالة على تحقق الاحلال قبل بلوغ الهدي محله مع المرض او الأذى من الرأس و وجوب الفدية في هذا الحال، فلا ترتبط بما نحن فيه. و قد وردت بعض النصوص بهذا المضمون.

و أما تطبيق الآية على ما نحن فيه، كما في رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الانصاري و القمّل يتناثر من رأسه (و هو محرم) فقال: أ تؤذيك هوامك فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدّان و النسك شاة ... «1»».

و نحوها مرسلة الصدوق، فهو مشكل لا يمكن الأخذ بظاهره بعد أن عرفت أن الآية لا ترتبط بما نحن فيه.

و لو كانت الرواية بلسان تفسير الآية بما نحن فيه و بيان ان المراد منها ذلك لامكن الالتزام به تعبدا، و لكنها ليست بهذا اللسان.

إذن، فلا بد أن نقول- بدلالة الاقتضاء- بان الانصاري كان محصورا و قد بعث هديه و لم يلتفت الراوي الى هذه الخصوصية. أو نقول بان الرواية مجملة يردّ علمها الى أهلها.

و عليه، فلا دليل على ثبوت الفدية عند الاضطرار.

و الأصل ينفيه. و لكنه أحوط.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 191

..........

ثم إنه بناء على ثبوت الفدية، فقد حكي عن «المنتهى «1»» التفصيل بين الضرر اللاحق من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينيه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الابصار لأن الشعر أضرّ به فكان له إزالة ضرره، كالصيد إذا صاد عليه. و الضرر اللاحق غير الشعر لكن يتوقف رفعه على حلق الشعر كالقمل و الصداع من الحر، فتثبت الفدية، فانه نظير أكل الصيد فى المخمصة.

و نظيره ما فى «الدروس «2»» من أنه لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطّى عينه فأزاله، فلا فدية، و لو تأذى بكثرة الشعر فى الحرّ فأزاله فدى.

و لم يستوضح صاحب المدارك «3» ما فى المنتهى و ذهب إلى أن المتجه لزوم الفدية إذا كانت الازالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل فى الرأس مطلقا لاطلاق الآية الشريفة. و وافقه فى «الجواهر «4»».

و لكن من الممكن توجيه كلام المنتهى: بان ظاهر الآية الكريمة كون الموضوع هو الأذى فى الرأس و هو لا يعم ما إذا كان الأذى بنفس الشعر، بل يختص بما إذا كان الأذى من عارض فيه يزول بالحلق، فما ذكره فى المنتهى متجه، إذ لا دليل على ثبوت الفدية في غير هذا المورد لانحصار دليلها بالآية الكريمة.

ثم انه لو استفدنا حرمة إزالة الشعر قليله و كثيره، فلا عموم للحكم لمثل شعر اللحية الساقط بوضع اليد أو العبث بها، بل هكذا غير اللحية كالرأس. إذ غاية ما يستفاد هو حرمة النتف او القطع او الحلق بالآلة و

نحوها من الاسباب

______________________________

(1)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 793، الطبعة الحجرية.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 383، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 191

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 380، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 192

..........

المتعارفة للازالة، أما العبث المستلزم للسقوط فلا تستفاد حرمته من الموارد المختلفة.

هذا مع ما دل على الجواز، ك:

رواية الحسن بن هارون، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات، قال: إذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به فان تمرة خير من شعرة «1»» فان ظاهرها تقريره عليه السّلام لذلك و عدم ردعه عن العبث.

و رواية المفضل بن عمر، قال: «دخل الساجبي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شي ء «2»».

و أما ما دل على الإطعام، فلا ظهور له فى التحريم و لا على لزوم الكفارة بل هو ظاهر في الأمر بالإطعام من باب أنه صدقة مستحبة خصوصا بملاحظة التعليل في رواية الحسن بن هارون. و بملاحظة عدم تعيين مقدار الاطعام في بعض النصوص بل قال عليه السّلام:

«يطعم شيئا» مع أنها معارضة برواية المفضل.

فراجع تعرف.

يبقى الكلام في جهات:

الأولى: في جواز قطع المحرم شعر غيره. و أدعي الاجماع على عدم جواز إزالة شعر غيره المحرم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 193

..........

و أضاف صاحب الجواهر «1» الى الاجماع دعوى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أي مباشر كان.

أقول: محل البحث هو حرمة إزالة المحرم شعر غيره المحرم من جهة كونه محرما، بحيث لو كان محلا لم يكن عليه حراما. فمصب الحرمة المبحوث عنها هو الحالق لا المحلوق منه.

و ما ذكره من ان المفهوم من الأدلة عدم جواز وقوع ذلك من أيّ مباشر كان لا يرتبط بذلك، لانه يقتضي أن حلق الشعر المحرّم على المحرم أعم من الحلق بنفسه أم بغيره و هو صحيح لإسناد الحلق إليه، لكنه لا يثبت حرمة الحلق على الحالق بل على المحلوق منه، و لذا لو كان الحالق محلا كان حراما على المحرم المحلوق منه. فما ذكره خلط، إذ لا بد من استفادة عموم المتعلق للحلق من الدليل لا عموم جهة الصدور للمباشرة و التسبيب.

و أما الاجماع، فلا يمكن الاعتماد عليه بعد استدلال صاحب الجواهر لاحتمال استناد المجمعين إليه.

و أما أخذ المحرم من شعر الحلال، فقد ورد النص بالنهي عنه، و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «2»». و منه يمكن دعوى الاطمئنان بحرمة أخذ شعر المحرم للأولوية، فتأمل.

الثانية: لو قطع ما فيه الشعر، كما لو قطع يده النابت عليها الشعر لا اشكال في

عدم ثبوت حكم قطع الشعر لعدم صدق قطع الشعر عليه.

الثالثة: قد عرفت انه لو وضع يده على لحيته فوقع منها شعر لا اشكال في

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 381، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 63: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 194

[14- و تغطية الرأس]

14- و تغطية الرأس (246)، و في معناه الارتماس.

جوازه، و مثله في عدم الاشكال فيما لو وقع الشعر المنفصل اللاصق باللحية، لعدم صدق القطع و نحوه فيه، فالحكم فيه أوضح.

و بناء على عدم جواز قطع شعر اللحية بالعبث فيها، لو شك في ان الساقط هل كان نابتا، فانقطع. أو كان لاصقا فوقع؟

فقد استقرب فى «الدروس «1»» ثبوت الفدية، و لعله لاستصحاب عدم الانفصال الى حين وضع اليد. لكنه لا يثبت القطع و نحوه مما هو موضوع الفدية إلا بالأصل المثبت و هو غير حجة.

فالصحيح عدم ثبوتها لأصالة البراءة فتدبر جيدا. و تأمل و اللّه سبحانه الموفق.

______________________________

(246) هذا الحكم لا اشكال فيه فى الجملة، و فى «الجواهر «2»»: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

و تدل عليه النصوص الكثيرة البالغة حد الاستفاضة، ك:

رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام، قال: «المحرمة لا تتنقب لان إحرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «3»».

و رواية حريز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطّي رأسه ناسيا، قال:

______________________________

(1)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 383، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 382، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48:

من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 195

..........

«يلقى القناع عن رأسه و يلبي و لا شي ء عليه «1»».

و رواية زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «المحرم يريد أن ينام يغطّى وجهه من الذباب قال: نعم، و لا يخمر رأسه ... «2»».

و رواية الحلبي: أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغطّى رأسه ناسيا أو نائما.

فقال: «يلبّي إذا ذكر «3»».

و رواية عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لأبي و شكا إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به، فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟

قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «4»».

و الكلام يقع في جهات:

الأولى: ان المراد بالرأس هل هو منابت الشعر حقيقة أو حكما، أو أنه مطلق ما فوق الرقبة؟ ذهب لكل فريق.

و الظاهر من الأدلة هو الأول و يجدي تحقيق ذلك بالنسبة الى غير المنابت من أجزاء الرأس بناء على أن ستر البعض كستر الكل.

لكن الظاهر أنه ليس في تحقيقه مزيد أثر، إذ لا اشكال في حرمة تغطية منابت الشعر و الأذنين للدليل الخاص عليهما. و أما غيرهما فلا اشكال في عدم حرمة ستره، إذ لم يقل أحد بوجوب ستره. و السيرة على خلافه.

الثانية: هل المحرّم ستر مجموع الرأس أو يحرم ستر بعضه أيضا؟ يستدل على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 196

..........

الثاني بوجهين:

الأول: ما دل على عدم تغطية الاذنين و هو رواية

عبد الرحمن قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في اذنيه يغطّيهما؟ قال: لا «1»».

الثاني: رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة فان اطلاق قوله «ما لم يصبك رأسك» يشمل إصابة البعض.

و الأخير لا بأس بالاستدلال به. و أما الأول فهو يتوقف على استفادة أن المنع عن الأذنين لا لموضوعيتهما بل إما لاجل أنهما جزء الرأس أو لأن تغطيتهما لازمة عادة لتغطية بعض الرأس و كلاهما محل منع. أما الأول فواضح، و أما الثاني فلإمكان تغطية الأذنين وحدهما عادة.

و على كل، فقد ظهر حرمة تغطية الاذنين لهذه الرواية.

الثالثة: هل تحرم تغطية الرأس بكل شي ء و لو لم يكن معتادا، كالطين و الحناء و نحوهما. أو تختص الحرمة بالتغطية بما هو معتاد، كالثوب و القناع و الخمار و العمامة؟

ذهب فى «الجواهر «2»» إلى الأول مدعيا عدم وجدان الخلاف فيه.

و لم يستوضحه فى «المدارك «3»» بدعوى أن المنهي عنه فى النصوص تخمير الرأس و وضع القناع عليه و ستره بالثوب و نحوه لا مطلق الستر، بل لو تعلق النهي بالستر فلا بد من حمله على الفرد المتعارف.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 384، الطبعة الاولى.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 354، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 197

..........

و استدل صاحب الجواهر «1» بوجوه:

الأول: اطلاق قوله عليه السّلام «احرام الرجل في رأسه».

الثاني: ما ورد في استثناء عصام القربة، مع انه ليس مما يعتاد الستر به، فهو ظاهر في دخوله فى المستثنى منه.

الثالث: ما ورد من المنع عن تغطية

المرأة وجهها بالمروحة بناء على أنه ليس متعارفا لتساويهما في ذلك و ان اختلف موضع الاحرام.

الرابع: ما ورد من المنع عن الارتماس فى الماء و إدخال الرأس فيه بناء على أنه من باب تغطية الرأس.

و في جميع هذه الوجوه نظر:

أما الأول: فلانه لا دلالة للنص إلا على أن موضع الاحرام هو الرأس أما ما به يتحقق الاحرام و ما هو الاحرام فلا نظر للنص إليه، كما لا يخفى.

و أما الثاني: فلأن الاستدلال به يتوقف على أحد أمرين: إما كون تجويز عصام القربة من باب الاستثناء أو أنه جائز بلحاظ مورد الضرورة، فيدل على عدم جوازه في غيرها. و كلاهما محل إشكال بل منع، إذ لا ظهور للنص في كونه استثناء بل وقع مورد السؤال رأسا. كما لا ظهور له في الاختصاص بمورد الاضطرار، إذ التعليق على الاستسقاء لم يرد في كلام الامام عليه السّلام بل في كلام السائل.

فغاية ما في الأمر أن الحكم موضوعه أو القدر المتيقن منه مورد الاضطرار أما أنه مختص به لا يتعداه إلى غيره فلا دلالة للنص عليه، و هو رواية محمد بن مسلم، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 382، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 198

..........

استسقى؟ فقال: «نعم «1»،». هذا مضافا إلى أنه لم يثبت ان عصام القربة من الغطاء غير المتعارف بل هو غالبا يكون من الجلد و تغطية الرأس به متعارفة.

و أما الثالث: فلم يثبت ان التغطية بالمروحة غير متعارفة، مع انه لا دليل على تساوي الرجل و المرأة في كل محرم و

انما الاختلاف بينهما فى الموضع.

و أما الرابع: فلا ظهور للدليل في أن حرمة الارتماس من باب انه تغطية للرأس، بل يحتمل ان يكون لموضوعيته خصوصا بملاحظة عطف المحرم على الصائم، فان تحريم الارتماس ليس من باب أنه تغطية للرأس.

و عليه، فالأقرب اختصاص الحكم بالمعتاد لعدم الدليل على عموم الحكم لغيره.

ثم إنه ألحق بالتغطية الارتماس. و تحريمه لا اشكال فيه للنصوص الكثيرة الدالة عليه، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «2»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا يرتمس المحرم فى الماء و لا الصائم «3»».

و قد عرفت انه لا ظهور للنصوص في أنه في معنى التغطية، بل هو موضوع مستقل. فما ذكره فى المتن غير متجه.

ثم إنه هل تحرم إفاضة الماء على الرأس أولا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 57: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 58: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 199

..........

أما بناء على حرمة الارتماس من باب أنه موضوع مستقل، فلا دليل على تحريمه، لانه ليس ارتماسا.

و أما بناء على حرمته من باب أنه تغطية و تعميم التغطية للتغطية بغير المتعارف، فقد يتخيل أنه تغطية، إذ لا يعتبر فى التغطية ستر الرأس بحيث لا تصدق بالشفاف كالزجاج.

لكن الحق أنه لا تشمله حرمة التغطية، لظهور الدليل في حرمة التغطية المتعارفة و إن عممنا الحكم الى ما به التغطية.

و بالجملة: الحكم ثابت للتغطية المتعارفة من حيث الكيفية و ان كان عاما للتغطية بغير المتعارف.

هذا كله مع وجود النص

الخاص على جوازه و هو قاطع للخصومة، ك:

رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه من بعض «1»».

و رواية يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل فقال: «نعم، يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2»».

الرابعة: في جواز ستر الرأس باليد، و قد وجّه الجواز بوجوه:

منها: عدم صدق الستر على الستر باليد و لذا لا يجزي ستر العورة باليد فى الصلاة.

و فيه: منع ذلك كما يشهد به الوجدان و الاستعمال الكثير. و عدم إجزاء ستر العورة باليد فى الصلاة لأجل الدليل الخاص لا لأجل عدم صدق الستر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 75: من ابواب تروك الاحرام، ح.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 200

..........

و منها: بداهة جواز الوضوء في حال الاحرام مع ملازمته لستر بعض الرأس باليد بواسطة المسح.

و فيه: ان المعتبر في صدق التغطية هو الاستقرار، فستر الرأس باليد بواسطة المسح غير المستقر لا يعدّ تغطية، و لم يثبت جواز المسح بنحو الاستقرار.

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1»».

و فيه: انه لم يعلم ان المقصود في موضوع الحكم هو التغطية، بل يمكن ان يكون المراد هو التظليل، فلا يرتبط بما نحن فيه.

فالأولى ان يقال: انه لا يحرم ستر الرأس باليد لعدم كونه سترا بالمتعارف، و لو سلم عموم الحكم لتغطية الرأس لغير المتعارف فلا يشمل التغطية باليد، لان العموم المزبور فهم

من تتبع الموارد و من عدم القول بالفصل، فهو عموم اصطيادي، فلا يكون حجة في مورد الشك بل حاله حال الاجماع يؤخذ به فى القدر المتيقن.

و مع وجود القول الكثير بحلية الستر باليد لا يمكننا دعوى عدم القول بالفصل و إلغاء الخصوصية، فلاحظ و تأمل.

الخامسة: في حكم تغطية الوجه، و فى «الجواهر «2»» ان المشهور جوازه، و حكى الاجماع عليه. و الوجه في استفادة التحريم رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 387، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 201

..........

يده «1»».

و لكن في قبال هذه الرواية ذكر للجواز وجوه:

منها: قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن ميمون: «... لأنّ احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «2»»، فان التفصيل قاطع للشركة.

و منها: ما ورد من جواز مسح الوجه بالمنديل بعد الوضوء، كرواية منصور بن حازم، قال: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه «3»».

و منها: ما ورد من جواز تغطيته عند النوم من الذباب، كرواية زرارة: قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب قال:

نعم، و لا يخمر رأسه ... «4»».

و منها: ما ورد في جواز تغطيته إلى الأنف، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه، و لا بأس أن يمد المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه «5»».

و فى

الجميع نظر.

أما الأول: فلأن الظاهر من التفصيل بلحاظ موارد المشقة من الاحرام فان الغالب فى المرأة تغطيته وجهها و فى الرجل تغطية رأسه. أما وجهه فالغالب فيه ان يكون مكشوفا فلا مئونة كبيرة في تحريم ستره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 61: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(5)- المصدر/ باب 61: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 202

..........

و أما الثاني: فلأن المسح بالمنديل لا يعد تغطية عرفا، لعدم استقراره، كما انه لا ظهور له في مسح تمام الوجه دفعة واحدة بل الغالب تحقق المسح تدريجا.

و أما الثالث: فلظهورها في الجواز في مورد النوم و الضرورة و هي أذية الذباب، كما تصرح بعض النصوص في أن الذباب يمنعه من النوم.

و يمكن أن يستفاد من هذه النصوص تحريم تغطية تمام الوجه، فان السؤال بالكيفية المخصوصة ظاهر في أن المرتكز في ذهن السائل حرمة التغطية، و قد قرره عليه السّلام، فيكون هذا وجها آخر للتحريم يضاف إلى رواية الحلبي.

و أما الرابع: فهو انما يدل على جواز ستر بعض الوجه. و موضوع الكلام ستر جميعه.

و أما ما ورد من جواز نوم المحرم على وجهه، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم ينام على وجهه و هو على راحلته [زامله، زاملته خ ل] قال: لا بأس بذلك «1»»، فلا يدل على جواز التغطية لان النوم على الوجه ليس تغطية، مضافا إلى أن موضوعها خصوص مورد النوم. مع أنه يمكن أن يستفاد من السؤال المذكور أن

تحريم التغطية أمر مرتكز في ذهن السائل و قد قرره الامام عليه السّلام و لم ينبهه على الجواز، و التقرير حجة.

و عليه، فالصناعة تقتضي القول بحرمة ستر جميع الوجه للرجل، لرواية الحلبي و للتقرير المستفاد من السؤال فى الموارد المتعددة، فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 60: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 203

و لو غطّى رأسه ناسيا، ألقى الغطاء واجبا، و جدّد التلبية استحبابا (247). و يجوز ذلك للمرأة (248).

______________________________

(247) أما لزوم إلقاء الغطاء، فيقتضيه مضافا الى النص الخاص- و هو رواية حريز المتقدمة-، عموم تحريم التغطية للمحرم للابتداء و الاستدامة.

و أما استحباب التلبية، فيقتضيه روايتا حريز و الحلبي المتقدمتان، و ظاهر هما الوجوب.

و لكن قيل: انه لا قائل به، و لكن فى «الجواهر «1»» أنه حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد.

و على كل، فان حصل الاطمئنان بعدم إرادة الظهور فهو، و إلا فالمتعين القول بوجوب التلبية.

و لا يخفى انه لا وجه للاستدلال على الاستحباب بانه فعل ما يتنافي مع الاحرام، فانه وجه استحساني لا ينهض لإثبات الحكم الشرعي. فالتفت.

(248) يعني تغطية الرأس بلا خلاف، كما فى «الجواهر «2»»، لعدم ما يقتضي التحريم لاختصاص النصوص الدالة على التحريم بالرجل، إذ لا وجه لدعوى عموم لفظ «المحرم» الوارد فى النصوص المتقدمة للمرأة، فانه ظاهر فى الرجل و احتمال الخصوصية موجود.

و حمله على الجنس إنما هو في الاحكام التي لا يختلف فيها الرجل مع المرأة لا ما يحتمل فيه الاختلاف.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 204

لكن عليها أن تسفر عن وجهها (249). و لو اسدلت قناعها على رأسها الى طرف انفها جاز.

______________________________

(249) ادعى فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه على عدم جواز تغطية المحرمة وجهها، و هو فى الجملة مسلم.

و التحقيق: ان من النصوص ما ورد فى النهي عن النقاب و البرقع.

و منها ما ورد في تجويز إسدال الثوب على وجهها مع الاختلاف فيها من حيث الحد من دون تناف بينها.

و ينبغي ذكر كل الأخبار و الحديث عن كل واحد منها و هي:

رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «المحرمة لا تتنقب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «2»».

و رواية عيص بن القاسم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «كره النقاب- يعنى للمرأة المحرمة- و قال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك فانك أن تنقبت لم يتغير لونك. قال رجل: إلى أين ترخيه؟ قال: تغطي عينها قال: قلت:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 205

..........

تبلغ فمها؟ قال: نعم، «1»».

و رواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر خ)، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة محرمة

قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تطوف المرأة بالبيت و هي متنقبة «3»».

و رواية حريز، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذقن «4»».

و رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها «5»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال: «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر اذا كانت راكبة «6»».

و رواية يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه كره للمحرمة البرقع و القفازين «7»».

و رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سأله عن المحرمة فقال: إن مرّ بها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 7.

(6)- المصدر، ح 8.

(7)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 206

..........

رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «1»».

و قد ورد فى المنع عن البرقع روايات متعددة، فراجع.

أقول: الرواية الأولى تكفلت النهي عن التنقب و عللته بان إحرام المرأة في وجهها، و مقتضى التعليل عموم النهي لكنه مجمل المراد، إذ ...

يحتمل أن يراد به تعليل جهة الستر فى النقاب، فيعم الحكم كلّ ساتر.

و يحتمل أن يراد به تعليل جهة ما في لبس النقاب، من مظاهر الترفه و الجلال المرغوب عنه في حال الاحرام- كما يظهر من ملاحظة بعض الموارد كلبس المخيط-، فيعم ما يكون مثل النقاب من هذا القبيل و لا يعم كل ساتر.

و

على الأول، يتنافي مع تحليل الاسدال دون الثاني لعدم كون مظهر الاسدال من مظاهر الجلال، بل فيه من المشقة على المرأة، و بالخصوص غير المعتادة ما لا يخفى.

و أما الرواية الثانية، فقد جمعت بين كراهة النقاب و جواز إسدال الثوب، و لعل وجهه ما تقدم من أن في إسدال الثوب من المشقة في مقام النظر و المشي ما ليس فى النقاب، فتحريم النقاب من جهة الترفه. هذا مع عدم ظهور الكراهة فى التحريم.

و أما قوله عليه السّلام: «بقدر ما تبصر»، فلعل المراد منه إسدال الثوب إلى طرف الأنف الأعلى غير المانع من الابصار، و إلا فلا يظهر له وجه لو اريد منه طرف الأنف الأسفل لعدم إبصارها إلا برفع الثوب أو الانحناء برأسها و معه يتحقق الابصار و لو أسدلت الثوب الى ذقنها.

و أما الرواية الثالثة، فيمكننا ان نقول: أنها من المجملات، للأمر فيها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 207

..........

بالاسفار و تجويز ارخاء الثوب الى الأنف المنافي له، كما أنه يتنافى مع التعليل؛ بأنك إن تنقبت لم يتغير لونك، لسريانه في مورد الإرخاء لاستتارها عن الشمس و الهواء، إلا أن يقال أن لصوق النقاب بالوجه يمنع من وصول الغبار و الهواء الحار إليه دون الإرخاء، لعدم لصوقه بالوجه بنحو يمنع من تخلل الهواء و الغبار.

و أما الرواية الرابعة، فلا ظهور لها فى التحريم لأنه فعل، بل انما يدلّ على المرجوحية.

ثم إنه لم يعلم كون الاستتار بنحو التغطية، بل يمكن أن يكون بنحو التظليل الجائز للمرأة جزما.

و أما الرواية الخامسة، فهي تنهى عن التنقب و لا عموم لها.

و أما

الروايات السادسة، و السابعة، و الثامنة، فهي تدل على جواز الاسدال و الاختلاف بينها لا يوجب التنافي بينها إذ ظاهر الكل أن جميع الانحاء جائز.

و أما تقييد الإسدال في رواية معاوية بحال الركوب، فلا مفهوم له، إذ الظاهر انه تقييد الموضوع بلحاظ أن الإسدال يحتاج، إليه فى الطريق غالبا لا عند التوقف و فى الخباء.

و أما الرواية التاسعة و نحوها مما دل على كراهة او حرمة البرقع، فلا عموم له و لم يعلم أنه من جهة التغطية، بل يحتمل قويّا ان يكون وجهه ما فى التبرقع من الحشمة و الوقار و إلا فكيفية ستره لا تختلف عن ستر الثوب بالإسدال.

و أما العاشرة، فهي تقتضي جواز الستر بالثوب عند مرور الأجنبي و لا تنفي الجواز عن غير هذا المورد، كما أنها تتكفل النهي عن الاستتار بيدها من الشمس، و هو مما لا يلتزم به أحد، بل هو جائز بحسب النصوص.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 208

..........

و بالجملة، لا يمكننا أن نستفيد من هذه النصوص حرمة تغطية الوجه بقول مطلق كي نقع في مشكلة الجمع بينها و بين ما دل على جواز الإسدال الملتزم به لدى الاصحاب، بل الذي نستفيده مرجوحية أمرين لا اكثر و هما النقاب و البرقع، إذ لا عموم يدل على التحريم. كما انه يستفاد منها جواز الاسدال بقول مطلق، و أما غيرها فلا دليل على حرمته.

و اذا عرفت ذلك، فلا موقع للبحث حينئذ عن بعض الجهات المترتبة على القول بحرمة التغطية بعنوانها، كالبحث عن جواز الستر بغير المعتاد كالطين، و البحث عن جواز ستر البعض، و البحث عن جواز الستر باليد.

ثم إنه بناء على حرمة التغطية بقول مطلق يقع

التزاحم بين حرمة ستر الوجه و وجوب ستر الرأس فى الصلاة، لتوقف عدم ستر الوجه على كشف شي ء من الرأس و هو يتنافي مع وجوب ستر الرأس فى الصلاة.

و قد ذهب فى «الجواهر «1»» إلى أن المتجه هو التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهم و أسبق حقا.

و لا يخفى أنه لم يعرف ما المراد بالأسبقية هل أسبقية التشريع أم التكليف، مع أن الأسبقية ليست من المرجحات كما حققناه في باب التزاحم. و أما الأهمية فهي لو سلمت فبالنسبة إلى أصل الصلاة لا بخصوصياتها، فمن الممكن ان تكون هذه الخصوصية بلحاظ الحج أهم. فالمتجه هو التخيير بلا توقف.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 394، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 209

[15- و تظليل المحرّم عليه سائرا]

15- و تظليل المحرّم عليه سائرا (250)، و لو اضطر لم يحرم. و لو زامل عليلا أو امرأة، اختصّ العليل و المرأة بجواز التظليل.

______________________________

(250) الظاهر أن هذا القيد حقه أن يرجع لكل من التظليل و المحرم لا خصوص المحرم لجواز سير المحرم مع استقرار الظل.

و على كل حال، فقد انعقد الاجماع على حرمة التظليل فى الجملة و لم ينسب الخلاف إلا إلى الاسكافي «1» من المتقدمين و صاحب الذخيرة «2» من المتأخرين.

و معقد الاجماع هو كون المحرم في حال ركوبه تحت ظلال المحمل و نحوه و أما الخصوصيات الأخرى فهى محل كلام.

و قد استدل على تحريمه بالنصوص و هي كثيرة و يمكننا ان نوزّعها إلى طوائف:

الأولى: ما تكفل النهي عن ركوب القبة و الكنيسة، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يركب القبة؟

فقال: لا. فقلت فالمرأة المحرمة؟ قال نعم، «3»».

و

رواية هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب فى الكنسية؟ قال: «لا، و هو فى النساء جائزة «4»».

الثانية: ما تكفل النهي عن التظليل و التستر من الشمس، ك:

______________________________

(1)- حكاه عنه العلامة رحمه اللّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 83).

(2)- السبزواري، العلامة محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 598، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 210

..........

رواية إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم؟ قال: «لا، إلا مريض او من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس «1»».

و رواية إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا، إلا أن يكون شيخا كبيرا. او قال: ذا علة «2»».

الثالثة: ما ورد في مقام ردّ مثل أبي يوسف حين استهزأ بالفرق بين ظلّ المحمل و ظلّ الخباء حيث لا يجوز الأول و يجوز الثاني، من الاستدلال بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، كرواية محمد بن الفضيل و بشير [بشر، خ ل] بن اسماعيل، قال: «قال لي محمد ألا اسرك [أبشّرك، خ ل] يا ابن مثنى؟ فقلت: بلى، فقمت إليه، فقال:

دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن، ما تقول فى المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل فى الخباء؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال: يا

أبا يوسف، إن الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون إنا صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قلنا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده و اذا نزل استظل بالخباء و فى البيت و بالجدار «3»».

الرابعة: ما ورد في ثبوت الكفارة مع التظليل، ك:

رواية علي بن محمد، قال: كتبت إليه: «المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- و المصدر، ج 9/ باب 66: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 211

..........

الشمس او المطر أو كان مريضا أم لا، فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟

فكتب: يظلل على نفسه و يهريق دما إن شاء اللّه «1»».

و رواية علي بن جعفر، قال: سألت أخي عليه السّلام: «أظلل و أنا محرم؟ فقال: نعم، و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليّا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل «2»».

أقول: غاية ما نستفيده من مجموع أخبار المسألة هو تحريم ركوب مثل القبة مما يكون من مظاهر الجلال و العظمة و لزوم بروزه، أما تحريم الاستظلال بقول مطلق، فلا يستفاد من هذه النصوص.

بيان ذلك: ان معقد الاجماع كما عرفت هو حرمة كون المحرم في حال ركوبه تحت ظل المحمل و نحوه، و يبعد كون هذا لأجل حرمة التظليل، بعد الفرق بين حال الركوب و حال السير فانه يجوز أن يكون تحت ظل المحمل، و بعد الفرق

بين كون الظل على الرأس أو كونه جانبيّا فانه غير معقد الاجماع، و بعد الفرق بين كون الاستظلال بسقف المحمل المتعارف و كونه بخشبة، حيث دلّ النص على جوازه بناء على أن يكون فى المحمل خشب عريض على السقف.

و على كل، فهذه استبعادات ليس إلا و هي لا تتأتى اذا كانت حرمة الاستظلال بالمحمل من جهة العظمة و الجلال، فان الاستظلال في حال السير تحت ظل المحمل ليس من مظاهر العظمة، كما أن الاستتار الجانبي مع انكشاف سقف المحمل كذلك و هكذا الاستتار بالخشب.

و أما النصوص، فالطائفة الرابعة لا تدل على التحريم لأنها تدل على إثبات الكفارة في مورد الجواز قطعا و هو مورد الضرورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 212

..........

و أما الطائفة الثالثة: فهي واردة في مقام الاحتجاج على الخصم بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و من الواضح انه لا دلالة فيه على التحريم فلا يصح الاحتجاج به على الحرمة، فلا بد أن يكون مورد الخلاف هو الفرق بين المحمل و الخباء، أما ان الفرق هو ثبوت التحريم دون الآخر او الكراهة فلا ظهور للنص فيه.

و أما التعبير بعدم الجواز في بعض نصوص هذه الطائفة، فلا بد أن يحمل على عدم الإباحة و هو أعم من التحريم، فإذن لا تصلح هذه الطائفة للدلالة على التحريم.

و أما الطائفة الأولى: فلم يتضح أن النهي فيها عن القبة من جهة الاستظلال، بل لعله من جهة كونها من مظاهر العظمة و الجلال.

و أما الطائفة الثانية: فمن الممكن ان يراد من التظليل إيجاد ما به التظليل المستقر المعبر

عنه بالفارسية ب: «سايه بان» فيكون مساوقا للقبة، فلا يشمل الاستتار بالثوب و نحوه، لا مطلق ايجاد الظل.

ثم إنه لو فرض عمومه في نفسه، ففي الروايات ما يظهر منه عدم لزوم الترك و انما هو أمر راجح ك:

قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن المغيرة- بعد نهيه عن التظليل-: «أ ما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها «1»»، فان مثل هذا يتعارف في مقام بيان المستحبات.

و قوله عليه السّلام في رواية الحلبي- بعد سؤاله عن ركوب المحرم فى القبة-: «ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 213

..........

يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا «1»» فان ظاهره هو الكراهة لا الحرمة.

و رواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخّص فيه للرجال [للرجل، خ ل] «2»»، فانه ظاهر فى الترخيص بقول مطلق. و لا وجه لحمله على صورة الضرورة بقرينة المقابلة، إذ لعل المقابلة يمكن ان تكون بلحاظ الكراهة للرجال دون النساء. و هذه الرواية باعتبار كونها نصا فى الجواز توجب التصرف في ظهور النهي فى التحريم، و يحمل على الكراهة.

و رواية قاسم [ابن، خ ل] الصيقل، قال: «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا فى الظل من أبي جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم «3»»، فان الأشدية لا معنى لها اذا كان التظليل حراما، بل هى تتناسب مع كراهة التظليل.

و قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن المغيرة الثانية بعد

أمره بالاضحاء: «أ ما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين «4»»، فانه مما يتعارف فى الترغيب إلى المستحب لا إلى الواجب.

مع ما ورد في مكاتبة الحميري من تجويز إبقاء خشب العمارية بناء على أنه يكون عريضا بنحو يكون له ظلّ على الرأس.

و جملة القول: أنه من ملاحظة مجموع ذلك لا يمكننا الجزم بل الاطمئنان بحرمة التظليل بعنوانه. نعم، القول بكراهته لا بأس به. بل يقوى فى النظر حرمة مثل القبة مما يكون من مظاهر الجلال و العظمة، بل لا بد من البروز فيها و رفع

______________________________

(1)- المصدر، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(3)- المصدر، ح 12.

(4)- المصدر، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 214

..........

غطائها، و إن أمكن الاشكال في حرمتها أيضا باعتبار أن قوله عليه السّلام «ما يعجبني» الظاهر فى الكراهة وارد فيها.

يبقى الكلام في طائفتين يستظهر منهما الدلالة على المنع و هما ما دل على النهي عن التستر عن الشمس بثوب و نحوه أو بقول مطلق. و الأخرى ما دلّ على الأمر بالاضحاء فان ظاهره البروز للشمس أو للسماء و هو يتنافي مع التظليل.

و لكن في دلالة كلتا الطائفتين نظر.

أما ما دل على النهي عن التستر، فلأن التستر له فردان: التغطية و التظليل، و هما مختلفان حقيقة لان التغطية تتقوم بملاصقة الغطاء للمغطى نفسه أو ما يلاصقه كملاصقته للخشب المثبت على أطراف الجسم. و التظليل يتقوم بالانفصال و التجافي عن الجسم المظلل عليه. كما ان موضوع التظليل مطلق الجسد و موضوع التغطية بعضه و هو الرأس و لواحقه، كما تقدم الكلام فيه.

و عليه، فالمسئول عنه يتردد بين هذين الأمرين و لا

ظهور له في أحدهما في بعض الروايات، كرواية إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة و مقتضاه حصول العلم الاجمالي بحرمة أحد الأمرين، فلا بد من اجتناب كليهما.

لكن رواية عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكا إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: «ترى ان أستتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1»» ظاهرة في جواز التستر بمعنى التظليل و حرمة التغطية، فينحل العلم الاجمالي بها.

و لا وجه لحمل الضمير المستتر في يصبك على الظل، فانه خلاف الظاهر، بل الظاهر رجوعه إلى الثوب. و أما حملها على صورة الاضطرار الرافع للحكم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 215

..........

بلحاظ التعبير بالأذية، فيدفعه قرينتان:

إحداهما: أن التأذي من الشمس متعارف، فلعل السؤال عن أن التستر بداع رفع الأذى لا بداعي التجمل و العظمة.

و الأخرى: انه لو كان الملحوظ صورة الضرورة لم يكن وجه لاستثناء التغطية لجوازها جزما في حالة الضرورة.

و على هذا، فالرواية تدل على جواز التظليل بالثوب كما أنها تدل على جواز تظليل الرأس من استثناء الاصابة.

ثم إنه لا يمكن حمل التستر المسئول عنه على كلا فرديه، لما عرفت من اختلافهما موضوعا و لم يثبت تحريم التستر بعنوانه، بل المحرّم أو المتوهّم تحريمه هو عنوان التظليل و التغطية، فهو ملحوظ في مقام بيان حكم أحدهما. فلا يمكن ان يراد به كلاهما.

هذا مع ما عرفت من جواز التظليل بمقتضى رواية ابن سنان، فلا ينفع اثبات إرادة العموم.

و أما ما دل على الأمر بالاضحاء، فهو روايتان:

إحداهما: رواية عبد اللّه

بن المغيرة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم، فقال: «أضح لمن أحرمت له قلت إني محرور و إن الحر يشتد عليّ فقال:

أ ما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين «1»».

و الاخرى: رواية الكلابي قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: «إن علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم، فقال: إن كان كما زعم فليظلل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 216

..........

و أما أنت فاضح لمن أحرمت له «1»».

و الاولى ظاهرة في إرادة الإضحاء في قبال الدخول فى الظلال الذي هو عبارة عن ما به الظل المستقر، كالقبة و نحوها- أعني: «سايه بان»-، فيراد به عدم التخفي و البروز بقرينة مقابلته للظلال التي هي اسم لمثل الخيمة و نحوها بقرينة التعبير ب: «يضرب عليها الظلال» في بعض الروايات.

و هكذا الثاني بقرينة مقابلته مع التظليل عن البرد و هو لا يتحقق إلا بالدخول تحت الظلال، و هو لا يرتبط بالتغطية و ان ورد الأمر به في قبالها في بعض النصوص، كما لا يرتبط بالتظليل من الشمس بانحائه، إذ المراد به لزوم البروز و عدم التخفي، و لعله لأجل ما فى التخفي من العظمة و التجمل.

و لكنه بقرينة الذيل فى الرواية الأولى ظاهر في كونه امرا استحبابيا كما عرفت.

و يتلخص مما ذكرناه: انه لا دليل على حرمة التظليل بقول مطلق و لا الدخول تحت الظلال، كالدخول فى القبة و نحوها.

و يؤيده ورود تجويزه بمجرد الأذية من الشمس مع أنها أمر عادي و غالبي و لا وجه لحملها على صورة الأذية الشديدة. فلاحظ.

و لو تنزلنا، فغاية

ما يمكن استفادته تحريم الظلال لا أكثر.

و لو سلم تحريم التظليل، فيقع الكلام في جهات:

الأولى: في حرمته حال النزول و الاستقرار، فهل يجوز التظليل بالخيمة و البيت و نحوهما أم لا؟

ظاهر الروايات المتقدمة الواردة لحكاية فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله جواز ذلك، لكن

______________________________

(1)- المصدر، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 217

..........

يظهر من الكلمات أنها ضعيفة السند بحيث جبرت بالاجماع.

و هو في ما نحن فيه جابر لضعف السند، و لو لم نقل به كلية، لانه بنحو يوجب الاطمئنان، هذا مع ثبوت السيرة القطعية على ذلك، إذ لم يتعارف البقاء تحت السماء حال النزول.

الثانية: في حرمته حال السير ماشيا.

و الظاهر من بعض الفقهاء «1» جوازه و هو ظاهر رواية ابن بزيع، قال:

«كتبت إلى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب:

نعم، «2»».

و هو فى الجملة مسلّم. إنما الاشكال في جواز كون ما به الظلّ فوق رأسه، و لا يمكن الجزم بجوازه، إذ السؤال فى الروايات عن المشي تحت ظلّ المحمل لا تحت نفس المحمل. و الفرد العادي لذلك هو السير بجانبه بحيث يكون ظله على رأسه لان السير تحته نادر جدا لعدم ارتفاعه عادة بنحو يقبل السير تحته للرجل العادي. فالمتيقن هو جواز التظليل في حال السير على أن لا يكون ما به الظلّ فوق رأسه، لدخول غيره في مطلقات التحريم.

الثالثة: فيما يحرم من التظليل حال الركوب، فهل تختص بما اذا كان ما به الظل على الرأس أو تعم ما لو كان جانبيا.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 221، الطبعة الاولى؛

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى؛

الشهيد الثاني،

زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 265، ط مؤسسة المعارف الاسلامية؛ الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 378، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 218

..........

مقتضى إطلاق النهي عن التظليل حرمته مطلقا، و لا موجب لرفع اليد عن اطلاقه سوى رواية الصيقل المتقدمة الحاكية لتشديد أبي جعفر عليه السّلام بانه كان يرفع الحاجبين، فان ظاهر التشديد برفع الحاجبين كونه استحبابيا و إلا فلا معنى لكونه أشد من غيره. فمع الاعتماد على ظهور هذه الرواية فهو، و إلا فالمتجه القول بالتحريم مطلقا للمطلقات.

نعم، قد يستدل برواية الحميري، أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية او الكنيسة و يرفع الجناحين أم لا؟

فكتب إليه فى الجواب: «لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب «1»» على جواز التظليل الجانبي بضميمة ظهور الحديث في كون الجناحين من الخشب لا من القماش، و إلا لكان السؤال قاصرا عن إفادة حكم الجناحين و هو خلاف الظاهر لوقوعها موقع السؤال.

و لكن الرواية ضعيفة السند، فلا تصلح للاستدلال.

الرابعة: هل يحرم التظليل فى الليل أو لا؟

ظاهر لفظ التظليل أولا هو التظليل عن الشمس، و مقتضاه عدم الحرمة فى الليل، لكن ورد استعمال التظليل عن المطر و البرد فى الروايات مما يظهر منه أن المراد به الأعم لعدم الشمس مع المطر غالبا، خصوصا إذا اريد من التظليل الدخول تحت الظلال لا ايجاد الظل، فان الظلال اسم لما يتحقق به الظل شأنا لا فعلا و لذا يقال للخيمة أنها من الظلال و لو فى الليل.

الخامسة:

لو زامل عليلا او امرأة، فهل يجوز أن يظلل على نفسه مشاركة للعليل أو المرأة، أو لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 219

..........

يدل على عدم الجواز مضافا إلى المطلقات النص الخاص و هو رواية بكر بن صالح، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «إن عمتى معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل عليّ و عليها؟ فكتب: ظلّل عليها وحدها «1»».

نعم، مرسلة العباس بن معروف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام [الرضا عليه السّلام، خ ل] قال:

سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أله ان يستظل فقال: نعم «2»،»

تدل على الجواز، لكنها لا تصلح لمعارضة ما سبق و لتقييد المطلقات لإرسالها، و أما التصرف فيها بارجاع ضمير «له» الى العليل، او بحمل الاستظلال على الاستظلال الجانبي فهو خلاف الظاهر جدا كما لا يخفى.

السادسة: أن المستفاد من أدلة التظليل هو حرمته فى المورد الذي يكون رفع الظل فيه أمرا عاديا متعارفا لا مئونة فيه بان يكون للنقل فردان متعارفان أحدهما فيه المحمل و الآخر ليس فيه المحمل. فانه الظاهر من مورد السؤال، فانه يسأل عن التظليل و عدمه فعلا، فكأن كلاهما ميسور لديه و لا مئونة في عدم الظل من غير جهة الشمس. و أما إذا كان أمرا غير اعتيادي كما إذا انحصر الطريق الاعتيادي بما به الظل بحيث لا يسهل رفع ظلّه او يتعذر كالطائرة او السيارة، و كان تحصيل المكشوف أمرا يحتاج الى تكلّف مشقة غير اعتيادية، فلا تشمله أدلة تحريم التظليل، بحيث يلزمه ترك الطائرة الى

غيرها، أو تبديل طريقه الاعتيادي الى طريق آخر يتوفر فيه ما لا ظلّ فيه.

و عليه، فلا اشكال في نذر الاحرام قبل الميقات إذا توقف الطريق على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 68: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 220

[16- و اخراج الدم:]

16- و اخراج الدم: الا عند الضرورة (251). و قيل: يكره، و كذا قيل: في حكّ الجلد المفضي الى إدمائه، و كذا فى السواك، و الكراهية أظهر.

ركوب مثل الطائرة، إذ قد اشكل بانه نذر لغير المشروع، إذ الاحرام يتقوم بهذه التروك، فلا يتحقق القصد الى الاحرام فى النذر. و لو فرض أنه نذر غفلة، فمتعلق النذر غير مقدور عليه في ظرفه و القدرة شرط في صحة النذر.

و لا يخفى اندفاع الاشكال بجهتيه، لان التظليل في مثل الفرض مما لا دليل على تحريمه، فيكون الاحرام مقدورا، فيتحقق قصده و يصح نذره. فتدبر.

كما ظهر انه لا اشكال في الاحرام في مثل السفن البحرية إذا انحصر فيها الطريق عادة لعدم دليل على تحريم التظليل فيها. فتدبر و لاحظ.

______________________________

(251) حكى فى «الجواهر «1»» ذلك عن «المقنعة «2»» و «جمل العلم و العمل «3»» و «النهاية «4»» و «المبسوط «5»» و غيرها.

و التحقيق: انه لم يرد نص خاص يدل على تحريم إخراج الدم بهذا العنوان، و إنما ورد النهي عنه في موارد خاصة كالاحتجام و حكّ الشعر و الجسد و السواك.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 407، الطبعة الاولى.

(2)- المفيد، محمد بن نعمان: المقنعة، ص 432، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- علم الهدى، السيد مرتضى: جمل العلم و العمل (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص

105.

(4)- الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، ص 180، الطبعة الاولى.

(5)- الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 221

..........

فمما ورد فى الأول رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟

قال: «لا، إلا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1»».

و مما ورد فى الثاني رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: «بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «2»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «3»».

و مما ورد فى الثالث رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك، قال: «نعم، و لا يدمي «4»»، مضافا الى ما ورد في رواية عبد اللّه بن سعيد «5» من تجويز معالجة دبر الجمل و النهي عن إدمائه.

و يمكن الجزم بحرمة مطلق الادماء بطريقين:

أحدهما: التقييد في روايات حكّ الجسد و الشعر و السواك بعدم الإدماء، فانه ظاهر في أن الإدماء بعنوانه محرم لا الإدماء الخاص و هو الإدماء بسبب الحك و نحوه. و بضميمة العلم بعدم ثبوت حكم خاص فى الحجامة يثبت كون حرمتها من باب أنها إخراج للدم.

ثانيهما: ثبوت الحكم فى الموارد المختلفة المتعددة، فانه يعلم حينئذ بعدم خصوصية للمورد، بل موضوع الحكم مطلق إخراج الدم. و عليه، فالحق هو حرمة الإدماء بقول مطلق.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك

الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ج 9/ باب 73: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 222

..........

ثم إنه لو استفدنا تحريم الإدماء بقول مطلق. فلو دل دليل على جوازه في بعض افراده كان دليلا على انتفائها عن جميع الافراد، إذ كما أن ما يدلّ على تحريم الحجامة مثلا يدل عليها بما أنها إدماء، كذلك ما يدل على تحليلها يدل عليه بما هي إدماء.

و أما إذا لم نقل بحرمة الإدماء مطلقا، فيقتصر في دليل الجواز على مورده الخاص و يبقى غيره موضوعا للتحريم بمقتضى دليله الخاص أيضا.

و عليه، فنقول: قد ورد ما يدل على جواز الحجامة و هو رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق، أو يقطع الشعر «1»».

و قد جمع بينها و بين ما دل على التحريم بحملها على صورة الاضطرار، إذ ما دل على التحريم دال عليه في غير هذه الصورة.

و لكن هذا الجمع ممنوع، لظهور الرواية في نفي البأس عن الحجامة بعنوانها. و حملها على مورد الاضطرار ينافي ذلك، لقيام الدليل العام الدال على حلية كل ما حرم اللّه في حال الضرورة، فلا موضوعية للحجامة و لا لغيرها، فيكون حملها على مورد الضرورة موجبا للتصرف في ظهورها في دخالة الحجامة و موضوعيتها و هو أقوى من ظهور صيغة النهي فى التحريم، فحملها على الكراهة هو المتعين كما عليه المحققون.

كما أنه ورد ما يدل على جواز السواك مع الإدماء و هو رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: المحرم يستاك؟ قال: نعم،

قلت: فان أدمى يستاك قال: نعم، هو من السنة «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 223

[17- و قصّ الاظفار]

17- و قصّ الاظفار (252).

و لكن تعليلها جواز السواك بانه من السنة يعارض حمل النهي على الكراهة، فتتصادم مع أصل ظهور رواية التحريم، و بما ان الاجماع قائم على مرجوحية السواك مع الإدماء، فهو قائم على عدم العمل بهذه الرواية، فتكون مطروحة إلا أن تحمل على ان السواك سنة اقتضاء، فيخفف من شدة مفسدة الإدماء، فكأنه كان حراما و السواك خففها الى الكراهة. فتأمل «1».

و أما ما ورد «2» من جواز حكّ الجسد الأجرب و إن أدماه، فهو لا يدل على جواز الإدماء، لكون موضوعه إيذاء الجرب له. فلاحظه تعرف.

______________________________

(252) لا اشكال في حرمته.

و فى «الجواهر «3»»: «الاجماع بقسميه عليه».

و تدل عليه النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره، قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها [فليقلمها، خ ل] و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «4»».

و رواية إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل أحرم

______________________________

(1)- يمكن ارجاع قوله: «هو» الى الادماء المغروس في ذهن السائل حرمته فالامام عليه السّلام قال له: «انه سنة» يعني غير مورد للالزام. فالتفت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 411، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 77: من ابواب تروك

الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 224

..........

فنسي أن يقلّم أظفاره، قال: فقال: يدعها قال: قلت: إنها طوال قال: و إن كانت ... «1»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من قلّم أظافيره ناسيا، أو ساهيا، أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «2»». و نحوها غيرها.

و موضوع كثير من النصوص التقليم و هو أعم من القصّ الظاهر في قطعها بالمقص، فيدل على تحريم مطلق الإزالة.

ثم إنه لو تأذى بظفره، فلا اشكال في جواز قطعه فى الجملة. إنما الاشكال في حد الأذية المبيحة للقطع.

و قد يدعى أن ظاهر قوله عليه السّلام في رواية معاوية: «فان كانت تؤذيه»، هو كون مطلق الأذية موجبا لجواز القطع و لو كانت أذية قليلة.

لكن الظاهر خلاف ذلك، لان قوله عليه السّلام ورد في مقام بيان صورة عدم الاستطاعة التي قيّد بها النهي عن التقليم. و بهذه القرينة يكون ظاهرا في إرادة الأذية الموجبة لرفع التكليف لا مطلق الأذية، إذ الاستطاعة العرفية عبارة عن عدم الحرج فى الفعل، خصوصا بملاحظة ارتفاع التكليف بها في غير مورد من موارد محرمات الاحرام.

و بالجملة، تدور الأمر بين حمل الأذية على الضرورة المسوّغة للمحرم، و بين حمل الاستطاعة على عدم الأذية مطلقا.

و مما يعيّن الأول هو غلبة رفع التكليف في غير مورد بالأذية الخاصة، فانه قرينة عامة على كون المراد بالأذية هاهنا الضرورة. حتى أنه ادعي ظهور لفظ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 77: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 225

[18- و قطع الشجر و الحشيش]

18- و قطع

الشجر و الحشيش (253)، الا أن ينبت في ملكه، و يجوز قلع شجر الفواكه، و الإذخر، و النخل، و عودي المحالة على رواية.

الأذية في حد نفسه فى الضرورة، فلو لم تكن ظاهرة- كما ادعي- فلا أقل من إشعارها بذلك، فتدبر.

______________________________

(253) هذا الحكم فى الجملة مما لا اشكال فيه. و موضوعه في بعض النصوص أعم من المحرم و غيره.

و ذهب فى «الجواهر «1»» إلى قيام الاجماع بقسميه عليه.

و يدل عليه النصوص الكثيرة، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم ينحر بعيره، أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فاذا دخل فلا «2»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال: نعم، قلت: فمن الحرم؟ قال: لا، «3»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل شي ء ينبت فى الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبتّه أنت و غرسته «4»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 412، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 85: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 86: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 226

..........

و رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «أحرم اللّه حرمه أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره «1»».

و رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «لا ينزع من شجر مكة شي ء إلا النخل و

شجر الفاكهة «2»».

و غير ذلك مما يدل على حرمة قطع و قلع الشجر.

و قد وقع الاشكال في جهات:

الأولى: في أن المحرّم فى الشجر هل هو خصوص قطعها او قلعها أو أعم منهما و من انتزاع شي ء منها؟

لا دليل على حرمة انتزاع شي ء منها، إلا رواية سليمان بن خالد و مرسلة عبد الكريم «3» نحوها. و لا يمكن حملها على نزع نفس الشجرة لعدم تعارف إسناد النزع إليها بنفسها.

و لكنها ضعيفتا السند. و لا يخفى أنه لا يصدق على قطع الغصن و نحوه أنه عضد الشجر كي تشمله الروايات العامة، بل ظاهر عضد الشجر هو قطعها و لا يصدق قطعها على قطع الغصن منها.

كما أن الاختلاء نظير الاحتطاب جمع الحشيش، فلا يصدق على انتزاع وردة منه للشمّ أو عود منه للتخليل.

و أما رواية حريز، فلا اطلاق لموضوعها من هذه الجهة، بل هي في مقام

______________________________

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام 5/ 380، المسألة: 380.

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

و كلمة «إلا» موجودة في «تهذيب الاحكام».

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 227

..........

بيان شي ء آخر، كما ستعرف.

الثانية: في جواز الانتفاع بما قطعه الغير أو قطعه نفس الشخص تعمدا. و لا يخفى أن موضوع النصوص هو القلع و القطع و النزع، فلا يشمل الانتفاع بما هو مقطوع.

نعم، يمكن الاستدلال على حرمة مطلق الانتفاع برواية حريز المتقدمة، فان موضوعها النبات مطلقا، كما أنه حكم بتحريمه بقول مطلق و مقتضاه حرمة الانتفاع به.

و فيه: أن الرواية واردة في مقام تعميم الحكم الثابت المفروغ عنه لمطلق النبت و على مطلق الناس. و ليست في

مقام إنشاء حكم جديد. و المفروض أن الحكم الثابت هو حرمة القلع و نحوه ليس إلّا.

الثالثة: في حرمة نزع الحشيش مطلقا أو خصوص الرطب منه. و منشأ التشكيك هو التشكيك في معنى «الخلاء»، فقيل: أنه الحشيش الرطب. و قيل: أنه اليابس.

و عليه، فتكون هذه النصوص مجملة و القدر المتيقن منها هو الرطب. كما انه لو استظهر إرادة الرطب منه لا يمكن نفي حرمة اليابس إلا بمفهوم الوصف.

و قد يتمسك لعموم الحكم لمطلق الحشيش برواية حريز لعموم موضوعها.

لكن فيه، أولا: أن موضوعها ما ينبت و هو ظاهر عرفا فيما كان له قابلية النمو، فلا يصدق على مثل الحشيش اليابس، إلا أن يقال بقابليته للنمو لو كانت جذوره رطبة، فيختص بما كانت جذوره يابسة أيضا، فانه لا يصدق عليه النبات عرفا و ان صدق عليه حقيقة.

و ثانيا: أن الرواية ليست في مقام التعميم من جهة الموضوع، بل في مقام

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 228

..........

التفصيل فى الحكم بين ما ينبت من نفسه و ما ينبت بيد الشخص، فلا اطلاق لها من غير هذه الجهة، كما سيأتي توضيحه.

و لكن التمسك بما ورد فى النهي عن نزع الحشيش في اثبات حرمة نزع اليابس إمّا بإطلاقه او بدعوى أنه ظاهر في خصوص اليابس، كرواية محمد بن مسلم المتقدمة.

و بعد ذلك يقع الكلام فيما أستثني من عموم الحكم و هو امور:

الأول: ما ينبت فى الملك، و قد وقع الكلام في أن المستثنى هو ما ينبت في ملك الانسان من الأرض، أو أنه ما أنبته هو بحيث كان النبات ملكه و لو لم يكن في مكان يملكه. أو أنه أعم مما نبت في ملك الانسان و مما

أنبته الانسان بنفسه و لو في أرض مغصوبة؟

ظاهر بعض النصوص هو ثبوت الجواز في الأول، كرواية حماد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره فى الحرم فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها، و ان كانت طرية عليه فله قلعها «1»».

و لا يخفى أنها ظاهرة في كون موضوعها النبات فى المنزل أعم من مباشرته له أو تحققه من نفسه.

و مما يدل على الثاني رواية حريز، لكون موضوعها هو إنبات الشخص و غرسه من دون تقييد له بكونه في ملكه.

و الاقوى هو الأخير، لرواية حريز الدالة على أن موضوع الحكم ما ينبت في نفسه، فهي حاكمة على أدلة تحريم القطع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 229

..........

و حينئذ فيخصص بما دل على جواز قطع ما كان في ملك الانسان من المضرب أو المنزل أو الدار أو غيرها بإلغاء الخصوصية، و ذلك كرواية حماد المتقدمة. و كرواية اسحاق بن يزيد: أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها، قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «1»»، فان اطلاق «ما كان داخلا عليك» يشمل النبات فى المنزل و لو كان نابتا من نفسه. فلاحظ.

الثاني: عودا المحالة و الناضح.

و يدل على الأول: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «رخّص رسول صلّى اللّه عليه و آله قطع عودي المحالة، و هي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم، و الإذخر «2»».

و

على الثاني: رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «حرم اللّه حرمه ... و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «3»».

و لكن الأولى ضعيفة السند. و الثانية موضوعها حرم المدينة. و سيجي ء الكلام في حرم المدينة إنشاء اللّه تعالى و حكمه.

الثالث: الإذخر. و فيه روايات، كرواية زرارة: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«أحرم اللّه حرمه أن يختلى خلاه او يعضد شجره إلا الاذخر ... «4»».

الرابع: النخل و شجر الفواكه. و يدل عليه روايتا سليمان بن خالد و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من أبواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 230

[19- و تغسيل المحرم لو مات بالكافور]

19- و تغسيل المحرم لو مات بالكافور (254).

[20- و لبس السلاح لغير الضرورة]

20- و لبس السلاح لغير الضرورة (255)، و قيل: يكره، و هو الأشبه.

عبد الكريم المتقدمتين. و لكن عرفت ضعف سندهما مع أنهما لا تدلان إلا على جواز نزع شي ء منهما لا على جواز قلعهما او قطعهما.

فالعمدة فى الدلالة على جواز قلعهما و الاستفادة منهما هو رواية حريز المتقدمة، فان ظاهرها التفصيل بين ما ينبت من نفسه و ما ينبت بواسطة الشخص، و بضميمة ان المستثنى منه ثبوت الحرمة للناس أجمعين يثبت أن ما ينبت بواسطة الشخص ليس محرّما على الناس أجمعين. و بما ان المتعارف فى النخل و شجر الفواكه غرسه و زرعه لإنباته من نفسه، فيثبت جوازهما إذا كان كذلك. و لعل حكم الاصحاب باستثناء النخل و شجر الفاكهة مستنده ذلك لا الروايتان.

______________________________

(254) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»-.

و قد وردت فيه النصوص الكثيرة، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: «يغطي وجهه و يصنع به كما يصنع الحلال غير أنه لا يقربه طيبا «2»». و الكلام في بعض جهاته يستوفى في كتاب الطهارة.

(255) حكي عن «كشف اللثام «3»» نسبته الى المشهور.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 421، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 83: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 403، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 231

..........

و يدل عليه النصوص المتعددة، ك:

رواية ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال:

إذا خاف المحرم عدوا او سرقا

فليلبس السلاح «1»».

و روايته الاخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم اذا خاف لبس السلاح «2»». و غيرهما.

و الاستدلال بها و بغيرها على التحريم إنما هو بمفهوم الشرط.

و قد استشكل فى «المدارك «3»» في دلالة المفهوم بانه إنما يكون حجة إذا لم يظهر للتعليق فائدة غير الانتفاء عند الانتفاء و هنا ليس كذلك، إذ لا يبعد ان يكون التعليق لاجل عدم الاحتياج الى السلاح في غير مورد الخوف.

و لعله لأجل ذلك ذهب فى المتن الى أن الكراهة أشبه.

و فيه- كما فى «الجواهر»-: بان هذا احتمال لا ينفع في صرف الكلام عن ظاهره و إلا لاشكل الأمر في كثير من الموارد بمجرد احتمال وجود فائدة للشرط غير المفهوم.

ثم إن الظاهر عموم الحكم للبس السلاح و حمله، لوقوع السؤال عن الحمل.

و الجواب و ان كان بتجويز اللبس إلا أنه من باب بيان الفرد المتعارف الظاهر من الحمل، و الا لم ينسجم الجواب مع السؤال.

هذا، مع عموم قوله عليه السّلام في رواية زرارة: «لا بأس بان يحرم الرجل و عليه سلاحه اذا خاف العدو»، لبعض افراد الحمل و ان لم يشمل الحمل باليد. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 373، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 232

[و المكروهات عشرة]
اشارة

و المكروهات عشرة

[1- الإحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد]

1- الإحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد (256)، و العصفر و شبهه (257).

______________________________

(256) يدل عليه رواية الحسين بن المختار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «يحرم الرجل بالثوب الأسود؟ قال: لا يحرم فى الثوب الاسود، و لا يكفن به الميت «1»».

و لا يخفى أنه ظاهر فى الحرمة، و لا وجه لرفع اليد عن ظهوره إلا دعوى قيام الاجماع على جواز تكفين الميت بالثوب الأسود، فينتفي ظهور الكلام فى الحرمة.

لكنها انما تنفع لو كان النهي واحدا متعلقا بكلا الفعلين لا في مثل المقام مما كان هناك نهيان، فاذا قام الدليل الخارجي على عدم إرادة أحد الظاهرين لم يكن وجه للتصرف في الآخر.

نعم، لو كان الدليل على التصرف في أحد النهيين في نفس الكلام أمكن دعوى ظهور الكلام في وحدة السياق، و لكن الأمر فيما نحن فيه ليس كذلك. و أما الاجماع على الكراهة، فلا يحرز أنه تعبدي و كاشف عن رأي المعصوم.

و بالجملة، لا وجه للجزم بالكراهة، فلا أقل من التوقف و الاحتياط- لزوما- بتركه. فالتفت.

(257) لرواية أبان بن تغلب، قال «سأل [سألت، خ ل] أبا عبد اللّه عليه السّلام أخي [أمي، خ ل] و أنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 26: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 233

و يتأكد فى السواد (258).

أنا محرم [محرمة، خ ل]؟ قال: «نعم، ليس العصفر من الطيب و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس «1»».

و رواية عامر بن جذاعة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «مصبغات الثياب يلبسها المحرم؟ فقال: لا بأس به إلا المفدّم

المشهور و القلادة المشهورة «2»». و غيرهما. و هي ظاهرة فى الجواز. و الكراهية تستفاد من قوله «و لكن اكره ...»

بناء على أن لبس المعصفر و نحوه مما يوجب الشهرة. و إلا فلا دليل على الكراهة لو كان قوله المزبور راجعا الى بيان حكم على موضوع مستقل لا استدراك من جواز لبس المعصفر و تنبيه على كراهته و ان كان جائزا.

ثم ان ظاهر رواية عامر حرمة لبس المفدّم- و هو المصبوغ بالحمرة الشديدة- و لا معارض لها. و الاجماع على عدم دخل الشهرة فى القلادة فى المحرمة لا يوجب سقوط الرواية في مدلولها جميعه بل في خصوص استثناء القلادة. و التفكيك بين جمل الحديث الواحد ليس بعزيز.

و المراد بالمشهور ما يستلزم الشهرة إما لأجل أنه من لباس العز و العظمة أو لأجل أنه لباس نادر لركاكته.

______________________________

(258) لا وجه لتأكدها فيه، لانه إما أن يؤخذ بظهور رواية الحسين المتقدمة، فيحكم بالحرمة. أو يتصرف فيها، فيحكم بالكراهة و لا وجه للتأكد على كلا التقديرين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 234

[2- و النوم عليها]

2- و النوم عليها (259).

[3- و فى الثياب الوسخة]

3- و فى الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة (260).

______________________________

(259) يعني على الثياب المصبوغة بالسواد و غيره، و يستدل لم برواية المعلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كره أن ينام المحرم على فراش أصفر أو على مرفقة صفراء «1»» و نحوها رواية أبي بصير.

(260) لرواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: لا و لا أقول إنه حرام و لكن تطهيره أحب إليّ و طهوره غسله ... «2»».

و نحوها رواية العلاء بن رزين «3»، و هي ظاهرة فى الكراهة عرفا لتعارف التعبير عن الكراهة بذلك. و لا يحتاج في دعوى ظهورها فى الكراهة إلى دعوى أنها واردة بعد النهي بقوله «لا»، بل هي ظاهرة في نفسها فيها.

هذا بالنسبة إلى الاحرام بالثياب الوسخة. و أما لو توسخت في الاثناء فظاهر رواية محمد بن مسلم المتقدمة المنع عنه لقوله عليه السّلام بعد ذلك: «و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و إن توسخ إلا ان تصيبه جنابة او شي ء فيغسله».

و مقتضى العمل بظهوره القول بتحريمه، و لا أقل من الاحتياط اللزومي في تركه لو قام اجماع و شبهه على عدم الحرمة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 28: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 38: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 235

[4- و لبس الثياب المعلمة]

4- و لبس الثياب المعلمة (261).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج؛ ج 2، ص: 235

______________________________

(261) أما جواز الاحرام فيها، فهو لا اشكال فيه من جهة النصوص و الفتاوى، و مما يدل من النصوص على جوازه رواية الحلبي: أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم، فقال: «لا بأس به، «1»».

و أما كراهته، فتستفاد من رواية معاوية، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يحرم الرجل فى الثوب المعلم و تركه أحب إليّ إذا قدر على غيره «2»»، إذ قد عرفت ظهور التعبير المذكور عرفا فى الكراهة، و ان كانت الدقة في ملاحظة أفعل التفضيل و تركيب الكلام لا تساعده، بل تساعد رجحان كل من الأمرين و لكن الترك أرجح، لكن لا عبرة بالدقّة في باب الظهورات.

و معه لا حاجة في إثبات ذلك لملاحظة ورود مثل هذا التعبير بعد النهى في ما تقدم من الاحرام فى الثياب الوسخة، كما ارتكبه صاحب الجواهر «3».

كما أنه لا دلالة لرواية ليث المرادي المذكورة فى «الجواهر»، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب المعلّم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: نعم، انما يكره الملحم «4»»، على عدم الكراهة بقرينة المقابلة، لاحتمال إرادة الحرمة من الكراهة و لا ظهور لها فى الكراهة الاصطلاحية أو مطلق المرجوحية.

هذا، مع أنها مروية فى «وسائل الشيعة «5»»: «إنما يحرم الملحم» بدل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 428، الطبعة الاولى.

(4)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 336/ ح 2606.

(5)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب تروك الاحرام،

ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 236

[5- و استعمال الحنّاء للزينة]

5- و استعمال الحنّاء للزينة (262)، و كذا للمرأة و لو قبل الاحرام اذا قارنته.

«يكره»، فلا دلالة لها على المدعى أصلا.

______________________________

(262) قد يدعى تحريم استعمال الحناء بوجهين:

أحدهما: ما تقدم من تعليل تحريم الاكتحال بالسواد بأنه زينة، فان مقتضى عموم العلة ثبوت الحكم في جميع مواردها و منها استعمال الحناء.

و الآخر: رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن امرأة خافت الشقاق فارادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال:

ما يعجبني أن تفعل «1»». و وجه الاستدلال بها طريقان:

أحدهما: أن ظاهر السؤال كون استعمال الحناء محرّما و إنما يسأل عن ارتفاع الحرمة في مورد الضرورة.

الآخر: أن سؤاله عن استعمال الحناء للشقاق، فكأن استعماله لغيره كالزينة محرم في نظره.

و في قبال ذلك أدعي جوازه، لرواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الحناء فقال: إن المحرم ليمسه و يداوى به بغيره [بعيره، خ ل] و ما هو بطيب و ما به بأس «2»».

و قد حكم صاحب الجواهر «3» بتقديم هذه الرواية على عموم التعليل لان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 23: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 429، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 237

..........

النسبة و إن كانت هي العموم من وجه لكن تقدم هذه الرواية لاعتضادها بالشهرة. و فيه:

أولا: أنه لا اطلاق للرواية يشمل مورد استعمال الحناء للزينة، إذ ظاهر السؤال بقرينة التذييل بقوله «و ما هو بطيب» أنه عن حكم الحناء من

جهة أنها من افراد الطيب و عدمه. أما استعمالها للزينة فليست محط نظر السؤال و الجواب، فلا اطلاق للمسّ و لا لنفي البأس.

و ثانيا: لو سلم اطلاقها، فلا وجه لتقديمها على عموم العلة، مع أن ظهوره لفظي و ظهورها في الاطلاق إطلاقي. و الاعتضاد بالشهرة لا ينفع ما لم يوجب قوة الدلالة.

و عليه، فلا تصلح الرواية لمناهضة عموم العلة. لكن عرفت فيما تقدم الاشكال في استفادة التعليل بالزينة، و عدم استفادة عموم الحكم لكل ما قصد به الزينة، فراجع.

و لكن تبقى رواية الكناني. و دلالتها على التحريم لا بأس بها خصوصا بملاحظة كراهة الخضاب للمضطر فانه ظاهر في حرمته لغيره.

إلا انه لا يمكن الالتزام بعموم التحريم، بل يقتصر فيه على مورد الرواية و هو المرأة دون الرجل خصوصا مع احتمال أن اختصاصه بالمرأة لأجل انه يوجب الزينة فيها و تهييج القوة الشهوية لمن ينظر إليها و ليس كذلك الرجل. كما انه يقتصر فيه على ما كان قبل الاحرام لاحتمال حرمته عند احداث الاحرام لا مطلقا.

و بالجملة، القدر المتيقن من النص ذلك. و لا يمكن التعدي عن موردها لغيره، إذ لا اطلاق لها بحيث تشمل مطلق الموارد. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 238

[6- و النقاب للمرأة على تردد]

6- و النقاب للمرأة على تردد (263).

[7- و دخول الحمام]

7- و دخول الحمام (264).

______________________________

(263) قد تقدم الحديث عن النقاب فى البحث عن تغطية الوجه للمرأة. و قد عرفت أن المتيقن من أفراد التغطية من نصوص المسألة هو النقاب للنهي عنه صريحا. و انما الاشكال في عموم النهى لجميع الافراد أو اختصاص النهى به، بل ذكر فى «المدارك «1»» ان حرمته لا خلاف فيها.

و لأجل ذلك يشكل الحال في تردد المصنف رحمه اللّه في حرمته مع التزامه بلزوم اسفار المرأة.

و لعل الوجه فيه ما ورد في رواية عيص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من قوله: «... و كره النقاب ... «2»». و لكنه يبتني على ظهور لفظ الكراهة هاهنا فى الكراهة الاصطلاحية.

و ليس كذلك، إذ لا ظهور لها بنحو يصادم ظهور النهي فى التحريم كي يحمل على الكراهة. فالالتزام بحرمة التنقب هو المتعين بعد ورود النهى عنه بعنوانه.

و ذهاب البعض «3» من الأكابر إلى الكراهة لا يوجب التردد بعد الالتزام بلزوم الاسفار، فتدبر.

(264) لا اشكال في جوازه، لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 378، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: المقفع فى الفقه (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 239

[8- و تدليك الجسد فيه]

8- و تدليك الجسد فيه (265).

[9- و تلبيته من يناديه]

9- و تلبيته من يناديه (266).

«لا بأس أن يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك «1»».

و أما كراهته، فهي مقتضى رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن المحرم يدخل الحمام. قال: لا يدخل «2»»، بعد حملها على الكراهة جمعا بينها و بين رواية معاوية.

و قد ادعى فى «الجواهر «3»» عدم وجدان الخلاف فيها.

______________________________

(265) يعني فى الحمام. و النصوص ظاهرة فى الحرمة لظاهر النهي، كرواية معاوية و غيرها. و لا وجه للحمل على الكراهة إلا دعوى الاجماع على جوازه إذا كان بحيث لا يدمي و لا يقطع الشعر، و ظاهر مقعد الاجماع المزبور كونه مساوقا للحك و هو جائز قطعا للنصوص.

و لكن كونه بمعنى الحك مشكل، بل ممنوع، لعدم ظهوره فيه عرفا.

إذن، فالالتزام بكراهة التدليك خلاف الاحتياط.

(266) ظاهر النص حرمة التلبية، كرواية حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ليس للمحرم أن يلبّي من دعاه حتى يقضي إحرامه ... «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 432، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 91: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 240

[10- و استعمال الرياحين]

10- و استعمال الرياحين (267).

و لا موجب للتصرف فيه، إلا دعوى الشهرة او الاجماع على الجواز، و رواية ضعيفة ذكرها فى الجواهر منجبرة بعمل المشهور.

______________________________

(267) أو شمّها- كما فى «الجواهر «1»»-. و الى الكراهة ذهب فى «النافع «2»» و «القواعد «3»» كما حكيت «4» عن الاسكافي «5» و «النهاية «6»» و «الوسيلة «7»». و في قبال ذلك قول بالحرمة حكي عن «المنتهى

«8»» و «التذكرة «9»» و «التحرير «10»» و «المختلف «11»» و نسبه فى «الرياض «12»» الى المفيد و جماعة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 433، الطبعة الاولى.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: مختصر النافع (موسوعة الينابيع الفقهية)، ج 8: ص 670.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 471، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- و الظاهر ان الحكاية لا تطابق المحكى بالنسبة الى الاسكافي كما فى «التذكرة» و «المختلف»؛ لانهم من القائلين بالحرمة فليراجع «المختلف».

و يلزم ان تكون العبارة هكذا: و استعمال الرياحين، او شمّما و الى الكراهة ذهب فى «النافع» و «القواعد»؛ و في قبال ذلك قول بالحرمة حكى عن الاسكافي و «التذكرة» و «المختلف» و فى «التحرير» و «المنتهى» يقول بالإباحة.

(5)- حكاه عنه العلامة رحمه اللّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 71).

(6)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 219، الطبعة الاولى.

(7)- ابن حمزة، محمد بن علي: الوسيلة (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 8: ص 430.

(8)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 785، الطبعة الحجرية.

(9)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 396، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(10)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: تحرير الاحكام، ج 1: ص 113، الطبعة الحجرية.

(11)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 4: ص 72، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(12)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 348، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 241

..........

و وجه التحريم ما ورد فى النصوص من النهي عن مسّ الرياحين عطفا على مسّ الطيب، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام: «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به ... «1»» و ظاهر النهي الحرمة و لا موجب لرفع اليد عنها، إلا رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و أشباهه و أنت محرم «2»».

لكن يندفع: بان الجواز ورد على عناوين معينة فيقتصر عليها، و لفظ «اشباهه» و إن كان يفيد العموم لكن يمكن أن يريد به مشابهه في كونه نبات الصحراء، فيختص التحريم بما ينبته الآدميون من الرياحين.

و هذا التوجيه ذكره فى «المدارك «3»».

أقول: مقتضى اطلاق لفظ أشباهه إرادة كل ما يشابهه في كل شي ء لكن حيث يعلم بعدم إرادة مثل هذا الاطلاق لوضوح عدم إرادة تحليل ما يشابهه فى الجسمية، بل يراد به ما يشابهه في جهة معيّنة. و هو كما يحتمل إرادة مشابهه من جهة كونه ريحانا و ذا رائحة طيبة، كذلك يحتمل أن يراد به ما كان ريحانا خاصا و هو نبت الصحراء، أو غيره مما هو أخص منه.

و لكن الأول متعين، لانه متيقن الإرادة فيؤخذ بإطلاق لفظ «اشباهه» و يعمم الحكم لكل ريحان.

و بتعبير آخر: أن مقتضى اطلاق اللفظ تعميم الحكم لكل شبيه، كما عرفت. و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 242

[خاتمة]

خاتمة كل من دخل مكة وجب ان يكون محرما (268).

انما ترفع اليد عن هذا الاطلاق بالمقدار

المتيقن و هو الشباهة في غير الريحانية و اعطاء الرائحة الطيبة. و أما الشباهة من جهة الرائحة الطيبة، فلم يعلم عدم ارادتها من اللفظ، فيكون ظهور اللفظ الدال على ارادتها محكما و يؤخذ بإطلاقه.

و عليه، فيكون موضوع التحريم مساويا لموضوع الجواز، فتحمل روايات النهي على الكراهة جمعا.

و يؤيده ما تقدم في مبحث تحريم الطيب من دلالة رواية معاوية بن عمار على حصر المحرّم من الطيب بأربعة اشياء، بضميمة كون المراد من الطيب مطلق ذي الرائحة الطيبة، فراجع.

و عليه، فما اختاره فى المتن و تبعه عليه فى «الجواهر «1»» مصرا عليه هو المتعين بحسب الصناعة.

ثم ان المراد بالريحان و إن اختلفت فيه عبارات الاعلام الفقهاء و اللغويين و لكن يمكن أن يدعى أنه ظاهر عرفا في كل نبت لورقه و عروقه رائحة طيبة في قبال الورد الذي تكون الرائحة لورقه خاصة.

______________________________

(268) هذا الحكم لا اشكال فيه فى الجملة و نفى فى «الجواهر «2»» وجدان الخلاف فيه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 435، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 437، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 243

..........

و يدل عليه:

رواية محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: «هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا، إلا مريضا او من به بطن «1»».

و رواية علي بن أبي حمزة، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل يدخل مكة فى السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّيا و اذا خرج فليخرج محلا «2»» و غيرهما.

و يقع الكلام في جهات:

الأولى: ان موضوع الحكم هل هو دخول مكة أو دخول

الحرم أو كلاهما؟

الذي يظهر من الروايات هو الأخير، إذ من الروايات ما ظاهره لزوم الاحرام لدخول مكة و هو ما تقدم. و منها ما ظاهره لزومه لدخول الحرم، كرواية عاصم بن حميد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا إلا مريض او مبطون «3»»، و غيرها. و مقتضى ذلك كون كل من دخول مكة و الحرم موضوعا للاحرام و لا وجه لالغاء أحدهما. و يترتب على ذلك أمران:

أحدهما: انه لو دخل الحرم غير قاصد لدخول مكة لحاجة عنده لزمه الاحرام، و إن استشكل في ذلك بان الاحرام لا يلزم إلا لمن قصد مكة، للسيرة و لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و الآخر: انه لو كان في مكة و خرج منها و لم يخرج من الحرم لزمه الاحرام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 50: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 244

..........

لدخول مكة، لأنه يصدق عليه أنه يدخل الى مكة و ان لم يصدق عليه أنه يدخل الى الحرم، لكون دخول مكة موضوعا على حدة.

و منه يظهر الاشكال فيما فى «المدارك «1»»: من عدم لزوم الاحرام في هذه الصورة.

و قد ناقشه فى «الجواهر «2»»: بانه إن كان ذلك لاجماع أو لسيرة قاطعة فذاك و إلا كان منافيا لاطلاق النص و الفتوى أو عمومهما.

الثانية: في محل الأحرام لمن لم يمر على الميقات كما إذا خرج من مكة إلى ما قبل حدود الحرم، فهل يلزمه الاحرام من الميقات؟ أو يكفي احرامه من أدنى الحل أو أنه يجوز ان يحرم من مكانه؟

و تحقيق الكلام، أنه إن أستفيد

من أدلة التوقيت عمومها لكل من يريد الاحرام كان مقتضاها لزوم الذهاب الى الميقات للإحرام، إلا أن يدل دليل على مشروعية الاحرام من أدنى الحل.

و إن لم يستفد العموم بالنحو المزبور، بل غاية ما استفيد لزوم الاحرام منها لمن يمرّ عليها ممن كان يقصد مكة، فلا تشمل من كان منزله مكة.

فان دلّ دليل على مشروعية الاحرام من أدنى الحل بقول مطلق جاز الاحرام منه، و لكن لا دليل على ذلك إلا ما ورد في احرام العمرة و أنه من الجعرانة أو التنعيم و هو لا يشمل ما نحن فيه.

نعم، قد يستدل على جواز الاحرام من حدود الحرم بما دل على تشريع الاحرام لأجل الحرم، فانه ظاهر في أنه لا يجوز تجاوز الحرم من دون احرام.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 381، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 439، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 245

..........

و لكن فيه: أن ما دل عليه راجع الى بيان الحكمة لا العلة و لذا كان احرام الحج من مكة.

و عليه، فالمرجع هو الاصول العملية. فاذا قلنا بجريان البراءة مع الشك في مكان الميقات لم يتعين حدود الحرم للاحرام، بل كل مكان يشك فيه تجري البراءة من خصوصيته. فكما تجري البراءة مما قبل حدود الحرم تجري فيما بعدها إلى حدود مكة- فى الصورة المفروضة-، كما انه لو قلنا بأصالة الاشتغال كان اللازم الاحرام من أحد المواقيت، لانها القدر المتيقن للمشروعية و غيرها من الأماكن مشكوك فيه.

و بالجملة، فلا فرق بين حدود الحرم و ما بعدها من حيث الأصل العملي.

ثم إن الأصل الجاري فى المقام

هو الاشتغال لا البراءة، لأنك عرفت أن الاحرام عبارة عن الالتزام النفسي الذي يكون موضوعا للحكم الشرعي التكليفي أو الوضعي، فمع الشك في أن موضوع الحكم الشرعي هل هو خصوص الالتزام الحاصل في أحد المواقيت أو مطلق الالتزام و لو حصل في غيرها من الأماكن، لم تجر البراءة لان البراءة إنما تجري اذا كانت الخصوصية المشكوكة راجعة الى متعلق التكليف لا موضوع التكليف و ما نحن فيه من قبيل الثاني.

و عليه، فيتعين الاحرام من الميقات بمقتضى الأصل إن تمكن و إلا لحقه حكم من لم يتمكن من الاحرام من الميقات. فتدبر.

الثالثة: هل يلزم أن ينوي في احرامه لدخول مكة او الحرم الحج أو العمرة أو لا؟

ذهب صاحب المدارك «1»: الى الأول و علّله بان الاحرام عبادة و لا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 381، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 246

..........

يستقل بنفسه.

و استشكل فيه فى «الجواهر «1»»: بانه إن كان اجماعا، فذاك. و إلا أمكن الاستناد في مشروعيته بنفسه إلى اطلاق الأدلة فى المقام. و كونه جزء لا ينافى كونه مشروعا في نفسه. ثم استشهد على ذلك بما دل على علة تشريع الاحرام و أنه لاجل الحرم.

أقول: الأدلة الواردة فى المقام لا تنهض لإثبات مشروعيته بنفسه، لأنها ليست في مقام تشريع الاحرام، بل في مقام بيان شرطية الاحرام المشروع لدخول مكة، و الاحرام المشروع هو الاحرام للعمرة او الحج، إذ لا دليل يدل على كونه مشروعا في نفسه.

و أما ما استدل به من روايات تعليل تشريع الاحرام.

ففيه: مضافا إلى ضعف سند الروايات أنها لا تدل على مشروعيته بنفسه، بل تدل على تعليل تشريعه فى

المورد الذي شرع فيه. أما أن أي مورد شرّع فيه فأجنبي عن مفادها. فما أفاده فى المدارك متجه، لأن القدر المتيقن من مشروعية الاحرام هو الاحرام للعمرة او الحج.

مضافا الى ما ذكره فى «الجواهر «2»» من وجود ما يدل على عدم تحقق الاحلال منه إلا بإتمام النسك و هو يكفي في نفي استقلاله، إذ لا دليل على تحقق الاحلال بالوصول إلى مكة او بمجرد التقصير أو بغير ذلك.

الرابعة: لو عصى فترك الاحرام لدخول مكة، فهل يجب عليه القضاء أو لا؟

قد يوجّه لزوم القضاء بوجهين:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 440، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 441، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 247

..........

أحدهما: عموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته «1».

و الآخر: ما دل على لزوم القضاء لمن أفسد حجه و لو كان ندبا.

و في كلا الوجهين نظر، بل منع.

أما الأول: فلأن وجوب الاحرام هاهنا وجوب شرطي لا وجوب نفسي، إذ لم يرد الدليل بلسان أن من دخل مكة وجب عليه الاحرام كي يمكن دعوى ظهوره فى الوجوب النفسي و يكون موضوعه دخول مكة، نظير «من نظر الى الهلال وجب عليه التصدق». بل انما ورد بلسان المنع عن دخول مكة بدون احرام و ظاهره شرطية الاحرام في إباحة الدخول إلى مكة، نظير شرطية الطهارة لمسّ القرآن. فليس الإحرام هاهنا فريضة.

و أما الثاني: فلأن إفساد الحج أو الاحرام باتيان ما ينافيه مع الشروع فيه غير تركه بالمرّة، فلا يقاس عليه. فتدبر.

الخامسة: في عموم الحكم المزبور للمملوك.

و قد حكي عن الشيخ رحمه اللّه «2» عدم عمومه للمملوك، فيجوز له دخول الحرم من

غير احرام.

و استدل له فى «المنتهى «3»» بان السيد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته و لذا لم يجب عليهم حج الاسلام لذلك فعدم وجوب الاحرام لذلك أولى.

و نفى عنه البأس فى «المدارك «4»».

______________________________

(1)- ابن ابي جمهور، محمد بن علي: غوالى اللئالي، ج 2: ص 54/ ح 2143.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 425، الطبعة الاولى.

(3)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 689، الطبعة الحجرية.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 382، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 248

الا أن يكون دخوله بعد احرامه، قبل مضي شهر (269).

و لكن الحق وجود الفرق بين المورد و حج الاسلام، لاشتراط حج الاسلام بالاستطاعة و هي ترتفع بمنع السيد عن الحج، مع وجود الدليل الخاص الوارد على طبق القاعدة، و ليس الاحرام فيما نحن فيه كذلك.

هذا، مع أنه لا يتم في مورد إذن السيد للذهاب إلى مكة، إذ الاحرام ليس خروجا عن الطاعة و تصرفا في ملك المولى لأنه نية محضة. و لا دليل على تسلط المالك على الأمور القلبية للعبد.

و عليه، فالمتجه هو عموم الحكم للمملوك لعموم دليله من دون مخصص.

______________________________

(269) أستدل على هذا الحكم بما دل على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين، و ببعض النصوص، كرواية حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبّيا بالحج فلا يزال على احرامه فان رجع إلى مكة

رجع محرما ... قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو إلى نحوها بغير احرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير احرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير احرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت فأي الاحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة قال: الأخيرة هي عمرته ... «1»».

و لكن هذه الرواية أجنبية عما نحن فيه، بل هي في مقام بيان لزوم وصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 249

..........

الحج بالعمرة و عدم الفصل بينهما، فإذا استمر على خروجه شهر لغيت عمرته السابقة و عليه عمرة أخرى. فسؤال السائل: «فيدخلها محرما أو بغير احرام» ناظر الى أنه هل يلزمه الاعتمار ثانيا باعتبار تخيل أن خروجه بدون احرام للحج يوجب للغويتها أو لا يلزمه؟ فكان الجواب بان الفصل إذا زاد على الشهر وجبت العمرة ثانيا. و السؤال المتقدم و إن لم يكن له صراحة فيما ذكرنا لاحتمال ان يراد به السؤال عن الدخول محرما لاحترام مكة و الحرم، لكن من السؤال الآخر «أي الاحرامين و المتعتين ...» يعلم أن جهة السؤال ما ذكرناه و إن الاحرام لاحترام مكة أجنبي عن ذهن السائل.

و جملة القول: أن الرواية لا ترتبط بما نحن فيه من جواز ترك الاحرام لدخول مكة إذا رجع قبل الشهر، بل ترتبط بعدم لزوم عمرة التمتع لعدم لغوية الأولى إذا رجع قبل الشهر. فالتفت.

كما ذكرت في مقام الاستدلال رواية اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج

الى المدينة و إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: «يرجع إلى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فانه دخل فى الشهر الذي خرج فيه؟ قال: كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى [ملتقيا، خ ل] بعض الركبان فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «1»».

و قد اطال الكلام فى «الجواهر «2»» في هذه الرواية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 443، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 250

..........

و لكنها كسابقتها لا ترتبط بما نحن فيه، بل ترتبط بلزوم العمرة ثانيا و عدمه، فكان الجواب باعتبار الفصل بالشهر و أنه إذا رجع قبل الشهر لم يلزم الاحرام للعمرة بمقتضى المفهوم.

و أما الذيل، فهو غير واضح المراد و ارتباطه بالسؤال، و لأجل ذلك أطال الكلام فيها فى الجواهر، و لا يهمنا تحقيقه فعلا لعدم ارتباطه بما نحن فيه.

ثم إن من النصوص ما يدل على جواز الدخول إلى مكة بغير إحرام، ك:

رواية ميمون، قال: «خرجنا مع أبي جعفر عليه السّلام إلى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه، فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه- إلى أن قال:- ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام «1»».

و رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يخرج الى جدّة فى الحاجة؟ قال: «يدخل مكة بغير إحرام «2»».

و رواية ابن بكير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام: «إنه خرج إلى الربذة يشيّع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل إلى مكة حلالا «3»».

و الذي يستفاد من مجموع هذه النصوص جواز دخول مكة محلا لمن خرج من مكة و هو قاصد للرجوع إليها. و مقتضى اطلاقها عدم تقيدها بشهر أو أقل.

و بها يخرج عن اطلاق ما دل على وجوب الاحرام لدخول مكة.

نعم، هي تختص بمن كان له نحو استقرار بمكة فعلا إما لاجل أنه من سكانها أو مسافر لها فعلا، كالمسافر للحج يخرج منها و يرجع إليها و هو في حال الحج و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 251

..........

السفر. فلا تشمل من ذهب إلى بلاده و في نيته الرجوع إلى مكة فى العام الآتي، بل مثل هذا داخل في مطلقات وجوب الاحرام.

و إذا ثبت هذا الأمر- أعني: عدم وجوب الاحرام لمن كان في نيته الرجوع الى مكة- لم تكن الرواية الدالة على عدم وجوب احرام المتمتع إذا رجع قبل الشهر مخصصة للحكم العام، إذ هو حكم على طبق القاعدة، إذ المتمتع الخارج من مكة في نيته الرجوع إليها. و قد عرفت أن مثل ذلك خارج عن العمومات.

و بالجملة: الروايات المتقدمة لا تفيد تخصيصا فى العموم، لعدم ارتباطها به أولا و لخروج موردها عن موضوع العموم ثانيا، فالتفت.

ثم إنه يدل على تخصيص الحكم بعدم لزوم الاحرام لدخول مكة لقاصد الرجوع بما اذا كان دون الشهر رواية أبان بن عثمان و حفص بن البختري، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فى الرجل يخرج فى الحاجة من الحرم، قال: إن رجع فى

الشهر الذي خرج فيه دخل بغير احرام فان دخل في غيره دخل باحرام «1»».

و لكنها مرسلة فلا يعتمد عليها.

كما انه يظهر أن قوله عليه السّلام في رواية حماد بن عيسى المتقدمة: «ان رجع فى شهره دخل بغير إحرام».

و قوله في مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» «و ان علم و خرج و عاد فى الشهر الذي خرج دخل مكة محلا» و ان كان له نحو ظهور في عدم لزوم الاحرام بالمرة لا خصوص احرام العمرة المتمتع بها الذي هو موضوع الرواية، لكنه لا ينفع في اثبات التخصيص بعد أن عرفت أن موضوع الرواية قاصد الرجوع الى مكة و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 252

أو يتكرر كالحطّاب و الحشّاش (270).

هو لا يجب عليه الاحرام مطلقا قبل الشهر و بعده.

و أما رواية موسى بن القاسم «1»، عن بعض أصحابنا: أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام في عشر من شوال، فقال: «إني اريد أن أفرد عمرة هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل أن المدينة منزلي و مكة منزلي و لي بينهما أهل و بينهما أموال فقال له أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل فان لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج «2»»، فهي من الروايات الدالة على جواز الدخول بغير احرام لمن كان قاصد الرجوع الى مكة، فتضاف إليها، و لكنها ضعيفة السند بالارسال.

و بالجملة، لم يثبت إلا استثناء قاصد الرجوع الى مكة بالنحو الذي عرفت، أما التقييد بمن رجع قبل

الشهر فلا دليل عليه.

نعم، من يلتزم بعدم مشروعية العمرة بعد الأخرى قبل الشهر ثبت التقييد المزبور في مورد يتعين عليه احرام العمرة ثانيا لو اراد الاحرام. إذ لا يشرع الاحرام مستقلا كما عرفت.

و بالجملة، فالمدار فى التقييد على زمان الفصل بين العمرتين من شهر أو عشرة أيام. و الكلام فيه كالكلام فى المراد بالشهر موكول إلى محله من مبحث العمرة إن شاء اللّه تعالى. فانتظر.

______________________________

(270) يستدل على استثناء الحطّاب و نحوه من العموم المتقدم برواية رفاعة بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 253

و قيل: من دخلها لقتال، جاز أن يدخل محلا، كما دخل النبي عليه السلام عام الفتح و عليه المغفر (271).

موسى- في حديث- قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ان الحطابة و المجتلبة [و المختلبة، خ ل] أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فاذن لهم أن يدخلوا حلالا «1»».

و الانصاف: أنه يشكل استفادة حكم على خلاف العموم، لان موضوعها هم حطابة زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و عليه فاما أن يكونوا من أهل مكة أو من غيرهم. فان كانوا من أهل مكة، فقد عرفت أن من يخرج من مكة و هو يقصد الرجوع إليها لا يلزمه الاحرام. و ان كانوا من غيرهم فلم يعلم كيفية مجيئهم الى مكة، فلعل مجيئهم كان يوميا فيعسر عليهم الاحرام أو لأقل من عشرة أيام مع عدم مشروعية العمرة لاقل من عشرة. فلا تثبت الرواية حكما متيقنا أكثر من نفي الاحرام مع العسر أو لدون العشرة

و هو حكم على طبق القاعدة. فتدبر.

______________________________

(271) نسب هذا القول للشيخ رحمه اللّه «2» و ابن ادريس «3» و فى «المدارك «4»»: أنه قول مشهور بين الأصحاب.

و لكنه قول بلا دليل للعمومات المتقدمة الدالة على حرمة الدخول من دون احرام، و لم يرد إلا استثناء النبي صلّى اللّه عليه و آله في ساعة من النهار بقوله: «... و إنّما أحلت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 361، الطبعة الاولى.

(3)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 577، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 384، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 254

و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنيناه (272)، و لو حضرت الميقات، جاز لها أن تحرم و لو كانت حائضا، لكن لا تصلي صلاة الاحرام (273).

لي ساعة من النهار ... «1»»، فالتعدي عنه الى كل من يدخلها لقتال لا وجه له، كما ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يدخلها لقتال، إذ لم يكن حرب و قتال عام الفتح بل كان احتمال ذلك لوقوع الصلح مع المشركين. ثم إن المورد كان مورد خاص و هو القتال مع المشركين و في بدء الدعوة، فالتعدي منه إلى كل قتال مشكل.

______________________________

(272) لعموم الأدلة و قاعدة الاشتراك، إلا موارد التخصيص.

(273) لا اشكال في مشروعية الاحرام للحائض و لا يشترط فيه الطهر منه للنصوص الكثيرة، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تحرم و هي حائض؟ قال: «نعم، تغتسل و

تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلي «2»». و نحوها غيرها. و هي تدل على عدم مشروعية الصلاة في حقها.

إنما الاشكال في أمر و هو أنها لو كانت من أهل المدينة و جازت على مسجد الشجرة، فمن أي محل يكون إحرامها؟

و هذا الاشكال انما يكون بناء على ما هو الحق من ان الميقات هو مسجد الشجرة لا المنطقة التي يكون المسجد فيها.

______________________________

(1)- البيهقي، احمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 5: ص 177، ط بيروت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 255

..........

و قد تقدم أن قلنا بان الجحفة إن كانت ميقاتا اختياريا لأهل المدينة ارتفع الاشكال، كما انه لو لم تكن ميقاتا اختياريا لكن تمكّنت من الاحرام في حال الاجتياز فى المسجد بان كان له بابان لزمها الاحرام منه. و لو لم يكن له بابان و قلنا بحرمة الدخول و الخروج من باب واحد و لو مع عدم التوقف لعدم صدق الاجتياز، فان قلنا بجواز الاحرام من محاذي الميقات مطلقا أحرمت من محاذي مسجد الشجرة، و ان لم نقل بذلك بل قيدنا حكم المحاذاة بصورة معينة كما تقدم، فان أحرمت قبل الميقات بالنذر فهو و إلا أحرمت من الجحفة لانها ميقات اضطراري و المفروض تحقق الاضطرار. و الأحوط هو الجمع بين الاحرام منها و من محاذي مسجد الشجرة قريب منه.

هذا بلحاظ مقتضى القواعد الأولية، و لكن وردت رواية استدل بها على جواز إحرام الحائض من ذي الحليفة بلا دخول للمسجد و هي رواية يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الاحرام، قال: «تغتسل و

تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة «1»».

و قد اوّلت بإرادة المسجد الحرام من المسجد، أو إرادة الدخول الاعتيادي من الدخول فيه و هو الدخول بلا اجتياز.

أقول: لو لا احتمال إرادة المسجد الحرام لكانت دلالتها على المدعى تامة لان النهي وارد في مقام توهم الوجوب، فهو ظاهر في عدم الوجوب و اشتراط المسجد بالنسبة إلى الحائض. لكن الاحتمال المزبور يوقفنا عن الاخذ بها. فالعمل بالاحتياط متعين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 256

و لو تركت الاحرام (274) ظنا أنه لا يجوز، رجعت الى الميقات و انشأت الاحرام منه. و لو منعها مانع، أحرمت من موضعها، و لو دخلت مكة، خرجت الى ادنى الحل، و لو منعها مانع، احرمت من مكة.

[القول فى الوقوف بعرفات]

اشارة

القول فى الوقوف بعرفات (275) و النظر في: مقدمته، و كيفيته، و لواحقه

[أما المقدمة:]

أما المقدمة:

فيستحب للمتمتع أن يخرج الى عرفات يوم التروية، و بعد أن و أما ما ورد من الروايات «1» في بيان احرام أسماء مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في حال نفاسها، فلا يدل على جواز احرامها خارج المسجد، بل من الممكن أن يكون احرامها من المسجد بنحو الاجتياز، إذ ظاهر فتوى المشهور باحرام الحائض مجتازة وجود بابين للمسجد سابقا، بل من المحتمل قويا عدم وجود حائط عال للمسجد يمنع من العبور و الاجتياز. فتدبر.

______________________________

(274) تقدم الكلام في ذلك مفصّلا فراجع. و اللّه سبحانه العالم.

(275) و المراد بالوقوف هو المكث فيها سواء كان واقفا أو لم يكن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 257

يصلي الظهرين (276).

______________________________

(276) لا اشكال في جواز الخروج من مكة إلى منى قبل يوم التروية، ل:

رواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال: نعم، قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا [أو] و يتروح بذلك المكان؛ قال لا، قلت: يعجل بيوم؟ قال: نعم. قلت بيومين؟ قال:

نعم، قلت: ثلاثة؟ قال: نعم. قلت: اكثر من ذلك؟ قال: لا، «1»».

و رواية احمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابه [أنّه، خ ل] قال لأبي الحسن عليه السّلام: «يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام و ضغاط الناس؟ قال: لا بأس «2»».

و بهما ترفع اليد عن ظهور رواية علي بن

يقطين، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشّمس. و عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشيّة التروية الى أيّة ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال: ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى «3»».

فان ظاهرها لزوم الخروج عند الزوال فما بعد و لا يجوز قبله، و لكن ترفع اليد عن هذا الظهور ببركة ما تقدّم مما يدل بالصراحة على جواز الخروج قبل التروية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 258

..........

كما أن ظاهر رواية ابن يقطين جواز تأخير الخروج عن الزوال إلى الغروب- مثلا-. و عليه، فالحكم بالخروج حين الزوال حكم استحبابي.

ثم إنه وقع الكلام في أن الخروج هل يستحب بعد صلاة الظهر أو بعد صلاة الظهرين؟ بمعنى أنه يعتبر فى المستحب صلاة الظهرين أو يتحقق بمجرد الاتيان بصلاة الظهر و لو لم يصل العصر.

ففى المتن أختار الثاني، و ذهب غيره «1» إلى الأول.

و استدل على ما فى المتن برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«إذا كان يوم التروية- إلى أن قال:- ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصل المكتوبة ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و أحرم بالحج ... «2»»

فإنها ظاهرة في استحباب الاحرام بعد المكتوبة و المراد بها صلاة الظهرين، فتدل قهرا على أن الخروج بعدهما لكونه بعد الاحرام.

هذا، مضافا إلى ما ذكره العلامة رحمه اللّه «3» من استبعاد تأخير صلاة العصر مع ان الاتيان

بها فى المسجد الحرام أفضل.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الأخير: فمضافا إلى أنه وجه استحساني لا يلازم استحباب الاحرام بعد الظهرين، بل يمكن الاحرام بعد صلاة الظهر و الاتيان بصلاة العصر بعد ذلك فى المسجد تحصيلا للفضيلة.

و أما الأول: فلأنه لا ظهور للفظ: «المكتوبة» فى الظهرين، بل هي ظاهرة في

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 583، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 259

..........

إرادة صلاة الظهر.

هذا مضافا الى التصريح بكون الاحرام بعد صلاة الظهر في رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع قدم يوم التروية قبل الزوال. قال:

يطوف و يحل فاذا صلى الظهر أحرم «1»».

ثم إنه لا تنافي بين هذا النص و بين رواية ابن يقطين الظاهرة في استحباب الخروج عند الزوال، إذ ليس المراد حال الزوال بالدقة بل الحال العرفي و هو يصدق مع الاتيان بصلاة الظهر.

و بالجملة: لا دليل على ما ذهب إليه فى المتن في كون المستحب هو الخروج بعد صلاة الظهرين.

هذا بالنسبة الى الخروج و أما الاحرام، فبلحاظ الروايات الخاصة لا يمكن أن يستفاد مشروعيته من حيث المبدأ إلا قبل يوم التروية بثلاثة أيام، لما دل على جواز الخروج قبله بثلاثة أيام. و من حيث المنتهى إلا الى ما يدرك الصبح بمنى لرواية ابن يقطين المتقدمة. و أما بعد ذلك فلا دليل على مشروعيته بالخصوص، فان ثبت وجود الاطلاق او السيرة القطعية على الاحرام بعد ذلك فهو و إلا

أشكل الأمر.

و لا يجب أن يكون الاحرام عند الزوال أو بعد صلاة الظهر و إن كان ظاهر رواية ابن جعفر و معاوية اللزوم، لكن يرفع اليد عن ظهورهما فيه برواية ابن يقطين و غيرهما مما دل على الجواز قبل التروية أو في مطلق يوم التروية فالتفت.

نعم، هو مستحب في يوم التروية و في ذلك الوقت للنص. فالتفت.

ثم إنه قد يدعى معارضة رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 260

..........

كان يوم التروية فأهل بالحج- إلى أن قال:- و صلّ الظهر ان قدرت بمنى «1»» لرواية معاوية، لظهورها في استحباب الاحرام قبل الظهر كما لا يخفى.

و لكن الصحيح خلاف ذلك، لان رواية عمر إنما دلت على استحباب كون صلاة الظهر في منى من دون تعرض الحال الاحرام، و رواية معاوية تدل على استحباب كون الاحرام بمكة بعد صلاة الظهر، فكل منهما يدل على استحباب شي ء، غاية الأمر هما مستحبان متزاحمان و هو أمر ثابت في كثير من المستحبات. فلا معارضة بين النصين. فتدبر.

هذا كله بالنسبة الى غير الامام و أما الامام، فظاهر بعض النصوص تعين صلاة الظهر بمنى عليه في يوم التروية، ك:

رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الامام أن يصلي الظهر بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «2»». و نحوها رواية معاوية «3».

و في روايته الأخرى: «... و الامام يصلي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك ... «4»».

و لكن في بعضها التعبير ب: «ينبغي» و «لا

ينبغي»، و لا صراحة له في الاستحباب أو الكراهة بحيث يصلح لرفع اليد عن ظهور تلك النصوص فى الوجوب. بل لا ظهور له فيه. و عليه، فالأخذ بظهور رواية الوجوب متعين لعدم الرافع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من ابواب احرام الحج، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 4: من ابواب احرام الحج، ح 6.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 261

إلا المضطر كالشيخ الهم و من يخشى الزحام (277)، و أن يمضي الى منى، و ببيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة (278).

و المراد بالامام- على ما قيل- ليس الامام المعصوم، بل هو أمير الحاج الذي له تكاليف و شئون خاصة، و يشهد له رواية حفص المؤذن، قال: «حج اسماعيل بن علي بالناس سنة اربعين و مائة فسقط أبو عبد اللّه عليه السّلام عن بغلته فوقف عليه اسماعيل، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: سر فإن الامام لا يقف «1»». فالتفت.

هذا كله بالنسبة للمتمتع، أما القارن و المفرد، فالدليل الخاص لوقت مشروعية إحرامه من حيث المنتهى هو دليل المتمتع، لظهور ان السؤال لا يختص بالمتمتع، مع أن موضوعه لو كان هو المتمتع، لكن من المعلوم ان السؤال عن حكم الاحرام في نفسه لا خصوص احرام المتمتع. و أما وقته من حيث المبدأ ففي الروايات ما يدل على جواز الاحرام عند رؤية هلال ذي الحجة و فيها ما يدل على جواز الاحرام عند الخامس، و فيها ما يدل على التفصيل بين الصرورة و غيره في ذلك.

______________________________

(277) ظاهر العبارة عدم استحباب الخروج يوم التروية بعد الظهرين للمضطر، و الوجه فيه رواية اسحاق بن عمار المتقدمة.

(278)

ظاهر المتن و غيره هو استحباب المبيت بمنى و الذهاب إليها و لكن الذي يستفاد من كثير النصوص هو لزوم الوقوف بمنى و الذهاب إليها. و هذا المعنى يستفاد من بعض النصوص الواردة في باب استحباب كون احرام المتمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 262

..........

بالحج يوم التروية و باب عدول المتمتع الى الافراد مع ضيق الوقت. و هما بابا 20 و 21 من ابواب اقسام الحج من «وسائل الشيعة». فانه يستفاد من ملاحظة تلك النصوص ان إدراك منى و المبيت بها أمر لازم للحج و مفروغ عنه، ك:

رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل «1»».

و رواية شعيب العقرقوفي، قال: «خرجت أنا و حديد فانتهينا الى البستان يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة و طفت و سعيت و أحللت من تمتّعي ثم أحرمت بالحج و قدم حديد من الليل فكتبت الى أبي الحسن عليه السّلام استفتيه في أمرة. فكتب إليّ مره يطوف و يسعى و يحل من متعته و يحرم بالحج و يلحق الناس بمنى و لا يبيتن بمكة «2»».

و رواية أبي بكير، عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة متى تكون؟ قال: «يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما

ادرك الناس بمنى «4»».

و غيرها من الروايات الظاهرة أو المشعرة بما ادعيناه، بل يمكن ان نستفيد ذلك من روايات الباب المتقدمة قبل قليل، بل الروايات الواردة في حكم الامام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 263

..........

في منى ظاهرة في وجوب المبيت بها له، كرواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الامام أن يصلي الظهر بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «1»».

و بالجملة، إدراك منى أمر واجب بحسب مدلول النصوص، فلاحظها تعرف ذلك، و لا رافع لهذا الظهور أصلا خصوصا بعد أن كانت السيرة العملية في زمان الائمة عليه السّلام على الخروج إلى منى و عدم التخلف بمكة.

و أما وقت احرام الحج، فلم يرد تعيينه و تحديده في كثير من النصوص، لكن المقدار الذي يمكن استفادته من النصوص هو تيقن مشروعيته للمختار الى وقت ادراكه الناس بمنى و هو يكون غالبا سحر ليلة عرفة أما بعد ذلك فلا دليل على مشروعيته بالخصوص.

نعم، وردت بعض النصوص في بيان مشروعيته للمضطر الذي لم يستطع وصول مكة قبل ذلك الحين، و هذا لا ينفع في اثبات مشروعيته مطلقا. بل لعل المستفاد من بعض النصوص عدم مشروعيته بعد وقت منى، فلاحظ نصوص البابين المزبورين تعرف ما ذكرناه.

و ليس لدينا اطلاق يدل على مشروعية الاحرام في أي وقت كان. و السيرة العملية كانت على الاحرام يوم التروية و الخروج الى منى. و عليه، فيشكل تأخير الاحرام بالحج اختيارا عن ليلة عرفة.

و لو فرض عدم

تمكنه من الذهاب إلى منى، فهل يشرع له الاحرام يوم التروية و الذهاب الى عرفات أو لا يشرع لاحتمال كون صحة الاحرام يوم التروية لاجل الخروج الى منى لا مطلقا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب احرام الحج، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 264

لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس (279).

و يكره الخروج قبل الفجر إلا للضرورة كالمريض و الخائف. و الامام يستحب له الاقامة بها الى طلوع الشمس (280).

و لكن الظاهر الأول، لظهور بعض النصوص في صحة الاحرام يوم التروية من دون تعليق له على الخروج الى منى، فراجع باب 20 من ابواب اقسام الحج من وسائل الشيعة.

مع أن ما دل على جواز البدار فى الخروج لاجل الراحة قبل التروية ظاهر في صحة الاحرام و لو لم يقصد تعقيبه بعبادة من واجب او مستحب. فيدل على ان المراد بيان وقت الاحرام و عدم ارتباط وقته بعمل آخر فانتبه.

نعم، قد يشكل الفصل بين الاحرام و الخروج بما هو اكثر من المتعارف لتعارف عدم الفصل بينهما، فلا دليل على مشروعية الاحرام مع الفصل الكثير غير المتعارف.

______________________________

(279) لرواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس «1»».

(280) لرواية جميل بن دراج المتقدمة. و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من السنة أن لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب احرام الحج، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 265

و يستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج

(281)، و أن يغتسل للوقوف (282).

[أما الكيفية]
اشارة

و أما الكيفية: فيشتمل على واجب و ندب.

[أ- فالواجب]
اشارة

أ- فالواجب فالواجب: النيّة (283).

______________________________

(281) لرواية معاوية بن عمار «1».

(282) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا انتهيت الى عرفات- إلى ان قال:- فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر ... «2»» و ظاهر النص الوجوب و لا رافع لظهوره، فالتفت.

ثم إنه تعرض فى «الجواهر «3»» الى استحباب الطواف بالبيت قبل احرام الحج و القول به، و هو مما لا دليل عليه، و يبتني القول باستحبابه على قاعدة التسامح في أدلة السنن و الاكتفاء فيها بفتوى الفقيه. نعم، قد يدعى استحبابه من باب أنه تحية المسجد و هو أفضل من الصلاة و هو لا يرتبط بما نحن فيه.

و أما الطواف بعد الاحرام، فقد مرّ الكلام فيه فراجع.

(283) لا اشكال في وجوب قصد القربة لكون العمل عباديا بالاجماع و ليس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 14، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 266

و الكون بها الى الغروب (284).

فى النية بحث زائد على ما تقدم في الاحرام.

نعم، وقع البحث في وقتها و لا يخفى انه لا دليل بالخصوص على تعيين وقتها، و إنّما يدور توقيتها مدار أول وقت الواجب من الوقوف، فان كان هو الزوال اعتبر مقارنة النية له و لم يجز تأخيرها عنه. و سيأتي الكلام في تحديد أول وقت الواجب من الوقوف.

______________________________

(284) كما وردت بذلك النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إن

المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أفاض بعد غروب الشمس «1»».

و رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى تقيض من عرفات؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا و أشار بيده الى المشرق و الى مطلع الشمس «2»».

و نحوها روايته الأخرى «3». و البحث في إرادة سقوط القرص او ذهاب الحمرة هاهنا هو البحث فيه في باب الصلاة و الصوم. فليراجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 267

فلو وقف: بنمرة، أو عرنة أو ثويّة، أو ذي المجاز، أو تحت الأراك، لم يجزه (285).

______________________________

(285) لما دلت عليه الروايات من أن هذه الاماكن ليست من عرفة. و نحو ذلك مما يدل على عدم الاجزاء، ك:

رواية أبي بصير، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «ان اصحاب الاراك الذين ينزلون تحت الاراك لا حج لهم «1»».

و رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و اتّق الاراك و نمرة و هي بطن عرنة و ثوية و ذي المجاز فانه ليس من عرفة فلا تقف فيه «2»».

و هذه الرواية ترفع التردد في مثل رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز. و خلف الجبل موقف «3»»، إذ قد يتردد في أن المراد هل هو تعيين مواقع عرفات و أن هذه الاماكن أواخرها و نهايتها، أو المراد بيان ان هذه حدود عرفة

فتخرج عنها؟

ثم إنه حكي عن «كشف اللثام «4»» التوقف في صدق الوقوف بعرفة على الكون فيها راكبا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 6: ص 76، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 268

..........

و ناقشه فى «الجواهر «1»» بانه ينافى المفهوم العرفي و النصوص.

أقول: ليس المراد من الوقوف ما قد يفهم منه عرفا في بعض الاستعمالات من القيام في مقابل الجلوس و النوم، بل المراد هو السكون في مقابل الحركة.

فالمراد بالوقوف في عرفة الكون فيها و التوقف في أرضها و عدم تجاوزها الى غيرها. و من الواضح أنه كما يصدق في غير حال الركوب يصدق في حاله. بل تبادر القيام من لفظ الوقوف عرفا إنما ينشأ من بعض قرائن المقام.

هذا مضافا الى ما ورد «2» من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف على ناقته و الامام الصادق عليه السّلام كان واقفا على بغلته. فما ذكره في «كشف اللثام» ممنوع.

تنبيه: قد تقدم قريبا- في صدر الصفحة- تقريب كون الاراك و نمرة و ثوية و ذي المجاز و عرنة ليست من عرفات، و لكن الذي بدأ للنظر بعد التأمل في نصوص الباب هو خلاف ذلك، و ان هذه الاماكن من عرفات. نعم، هناك موضع يقال له الموقف و قد يعبّر عنه بلفظ عرفة هو غير هذه الاماكن. و يشهد لما ذكرناه:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا ينبغي الوقوف تحت الاراك فأما النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض الى الموقف فلا بأس».

بضميمة ما سيأتي من

لزوم الكون في عرفات من أول الزوال. فان الرواية ظاهرة في عدم البأس فى الكون تحت الاراك عند الزوال، فيدل على أنه من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 17، الطبعة الاولى.

(2)- ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج 3: ص 436، ط دار الفكر.

وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 1.

- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة: ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 269

..........

عرفات.

و رواية الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا وقفت بعرفات فادن من الهضبات و هي الجبال فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اصحاب الاراك لا حج لهم يعني الذين يقفون عند الاراك «1»».

فان الظاهر منها أن الاراك من عرفات، لظهورها في لزوم الوقوف عند الهضبات و البعد عن سائر أماكن عرفات لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله اصحاب الاراك لا حج لهم، و هو ظاهر في أن الأراك من عرفات.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و إذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل ... «2»».

فان ظاهره في ان نمرة من عرفات و انه يجوز البقاء فيها الى ما بعد الزوال. و أما قوله: «دون عرفة» فلعل عرفات جمع عرفة- كما قيل «3»- لانه يطلق على أماكن متعددة، و لكنه ظاهر عند اطلاقه فى الموقف أو مكان آخر معين. فالمراد دون الموقف أو غيره من الاماكن- و مثلها ما دل «4» على أن النبي

صلّى اللّه عليه و آله ضرب خباه بنمرة-.

و ما ورد في تحديد عرفات من التعبير بالموقف، فانه ظاهر في وجود مكان خاص من عرفة يسمى بالموقف لا أن الموقف هو عرفات لا ينقص عنها،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 11.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 1.

(3)- ياقوت الحموي، شهاب الدين: معجم البلدان، ج 4: ص 104، ط بيروت.

(4)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 540، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 270

..........

كرواية أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حد عرفات من المأزمين الى أقصى الموقف «1»».

و منه يظهر أن رواية معاوية المتقدمة: «و حد عرفة من بطن ...» ظاهرة في كون المقصود تعيين مواقع عرفة- لوحدة التعبير فى الروايتين-، مضافا إلى أن التعبير بمن و إلى في مقام الاخبار عن الحدّ ظاهر في ذلك و إلا لقال حد عرفة كذا و كذا، نعم، لو قال عرفة من كذا الى كذا لم يكن له ظهور فيما ادعيناه.

و ما ورد من تزاحم الناس على الرسول صلّى اللّه عليه و آله تخيلا منهم ان الموقف مكان ناقته فنبههم أن الموقف أوسع بالاشارة إليه، فكأن الموقف أمر مركوز في الاذهان و إلا فلا يتوهم أحد أن عرفات بهذا الضيق.

و جملة القول: أن من يلاحظ النصوص يرى أن هناك أمرين: أحدهما عرفات. و الآخر الموقف. و هو جزء من عرفات، و هذه الأماكن ليست من الموقف و لكنها من عرفات لا خارجة عنها.

و أما رواية سماعة، فهي أولا ضعيفة السند.

و ثانيا: أنها تتكفل النهي عن الوقوف في هذه الأماكن، و هو غير المتنازع فيه. و اما نفي كونها من عرفة فلعله لأجل ان عرفة اسم للموقف و لذا رتّب عليه النهي عن الوقوف مباشرة. و قد عرفت احتمال أن يكون عرفة مفرد عرفات. فتدبر.

ثم إنه إذا كانت عرفات هي الموقف و كانا متساويين، فما الفائدة في ضرب الخباء في نمرة و هي غير عرفات بعد فرض لزوم الكون في عرفات من الزوال الى الغروب ثم الافاضة بعد ذلك إلى المشعر؟ مع أن الظاهر كون ضرب الخباء في نمرة كان مألوفا. فتدبّر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 271

و لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه (286).

______________________________

(286) يدل على التفصيل بين العمد و بين الجهل و النسيان رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و ان كان متعمدا فعليه بدنة «1»».

ثم إنه هل يجب الرجوع لو التفت الناسي او علم الجاهل، وجهان مبنيان على ان الواجب هو الاستيعاب بنحو يكون كل جزء من الكون واجبا بنحو الاستغراق، فيجب العود. أو أن الواجب هو الاستيعاب بنحو يكون الاستمرار واجبا، فلا يجب العود لانقطاع الاستمرار بالافاضة فلا يكون مقدورا.

و هكذا إذا لم يكن الواجب هو الاستيعاب بل كانت تحرم الافاضة قبل الغروب، فانه لا يلزم العود أيضا لتحقق الافاضة.

نعم، لو قلنا بأن الافاضة تجب بعد الغروب لا أنها قبله محرمة وجب العود من باب مقدمة الواجب.

و لعل

ذلك مراد «الجواهر «2»» من وجوب العود مقدمة لامتثال حرمة الافاضة قبل الغروب. فلاحظ.

ثم إن الظاهر حرمة الافاضة قبل الغروب او وجوب تأخيرها بعده لا مطلق الخروج و لو لم يكن بقصد قطع العلاقة مع المكان، كما لو خرج بقصد الاحتشاش او الاحتطاب ثم الرجوع، فانه لا يقال عن ذلك إفاضة. فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 28، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 272

و ان كان عامدا جبره ببدنة، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (287)، و لو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء.

[أما أحكامه]
اشارة

و أما أحكامه:

فمسائل خمسة:

[الأولى: الوقوف بعرفات ركن]

الاولى: الوقوف بعرفات ركن، من تركه عامدا فلا حج له و من تركه ناسيا، تداركه ما دام وقته باقيا، و لو فاته الوقوف بها، اجتزأ بالوقوف بالمشعر (288).

______________________________

(287) كما هو مقتضى النص، كرواية ضريس الكناني «1» عن أبي جعفر عليه السّلام قال «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة او فى الطريق أو في أهله». و البحث في لزوم التتابع له محل آخر.

(288) المراد بالركن في باب الحج ما يبطل الحج بتركه عمدا. و يقع الكلام في حكم ترك الوقوف بعرفات عمدا و نسيانا و جهلا.

فنقول: القاعدة الأولية لا تقضي علينا ببطلان الحج لو ترك الوقوف بعرفات و لو عمدا. و ذلك لعدم الجزم بجزئية هذه الاعمال لعمل واحد هو الحج بحيث لو انتفى أحدها انتفى المركب لتكون القاعدة الاولية بطلان الحج بترك الوقوف، لكثرة الحكم بعدم البطلان بالترك المنافي للجزئية، بل يحتمل أن يكون

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب احرام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 273

..........

الحج اسما لواجبات استقلالية. و لو سلمت الجزئية، فلا اطلاق لدليل الوقوف بعرفات بحيث يشمل جميع الحالات كي يحتاج تصحيح العمل مع تركه لا عن عمد الى دليل خاص، بل دليله مجمل و القدر المتيقن منه صورة العمد، فلا يكون مقتضى القاعدة البطلان في غير صورة العمد. هذا بالنظر إلى القاعدة الأولية.

أما بالنظر الى الدليل الخاص، فأما الترك عمدا فيدل على بطلان الحج به مضافا الى التسالم القطعي ما ورد من ان اصحاب الاراك لا حج لهم

بناء على أن المراد منه بطلان الحج من جهة عدم الوقوف بعرفة كما هو الظاهر منه و المفسّر به في بعض الروايات، كما تقدم. و ليس المراد منه بيان مانعية الوقوف تحت الاراك لخصوصية فيه، كمانعية الجماع- مثلا-.

و ما ورد فيمن فاته اختياري عرفة من لزوم إتيانها ليلا و عدم تمامية الحج مع تركه و هو رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس بالمشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات من ليلته ليقف منها- الحديث «1»».

فانه يدل بالفحوى على ان الترك العمدي لاختياري عرفة ناف لتمامية الحج و مبطل له.

و أما الترك لا عن عمد، كالترك نسيانا أو جهلا أو للعجز عن الوصول عقلا. فمقتضى ما ورد من ان اصحاب الاراك لا حج لهم هو البطلان به لعمومها لمطلق الترك عمدا كان أو غيره، فلا بد في نفي بطلان الحج بالترك غير العمدي من دليل خاص. و هو أمران:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 274

..........

الأول: ما ورد من أنه إذا لم يأت الشخص إلا بعد إفاضة الناس من عرفات، فان تمكن من الوقوف بها ليلا لزمه ذلك و إلا وقف بالمشعر و تم حجّه، كرواية الحلبي المتقدمة و نحوها «1».

و لكن الظاهر من هذه النصوص أن موضوعها من لم يقف في عرفات من جهة العجز عن إدراكها لتأخر الواسطة فى النقل، فلا تشمل الناسي و الجاهل.

نعم، قد يدعى عموم

الحكم فيها لهما بواسطة ما جاء في ذيل رواية الحلبي المتقدمة من أن اللّه تعالى أعذر لعبده. لكن المناسب هو العذر من جهة الذنب لا الاجزاء مع انه لا يمكن الأخذ بعمومها من جهة الاجزاء و الإلزام منه تأسيس فقه جديد، إذ لا يلتزم احد بثبوت الاجزاء في مطلق موارد العذر، و مثله يقال فيما ورد «2» في الاغماء في رمضان ... فاللّه أولى بالعذر.

الثاني: ما ورد من أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج «3»».

فانه يدل بعمومه على تمامية الحج بادراك المشعر و لو فاته عرفات. بل ذهب فى «الجواهر «4»» إلى أنه شامل للعامد و خروجه بالاجماع نظير: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله «5»».

و فيه: ان الظاهر من هذا التعبير هو التمكن من إدراك المشعر خاصة بحيث لم يتمكن من غيرها، فلا يشمل العامد لتمكنه من ادراك عرفات. و هكذا الكلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر، ج 4/ باب 24: من ابواب من يصح منه الصوم، ح 6.

(3)- المصدر، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 35، الطبعة الاولى.

(5)- وسائل الشيعة، ج 3/ باب 30: من ابواب المواقيت لكن لم يذكر فيها لفظ الوقت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 275

..........

فيمن أدرك ركعة.

و عليه، فيشكل عموم هذه النصوص للجاهل حكما أو موضوعا، إذ هو كان يتمكن من ادراك عرفات، و لم يقف فيها لجهله، و انما تختص بصورة

العجز العقلي أو الغفلة التامة المانعة من تحقق الإرادة و الانبعاث.

و لا يختلف الحال بين الجهل عن قصور أو عن تقصير. و لو سلم عمومه للجاهل فلا يختص بالجاهل لقصور، بل يعم الجاهل عن تقصير.

و بالجملة: الحكم بعدم البطلان انما يتم في مورد لا يتمكن من إدراك غير المشعر دون غيره. و المراد من التمكن هو التمكن العرفي ككل دليل يؤخذ في موضوعه التمكن. فتدبر.

ثم يقع الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: في بيان أنه يجب الوقوف فى المكان المسمى ب: «الموقف» و المشهور به. و الوجه فيه الأمر به في بعض النصوص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ثم تأتي الموقف ... «1»». و ما ورد من أن أصحاب الاراك لا حج لهم و الأمر بالدنو من الهضاب، بضميمة أن الاراك من عرفة، و ظهور انه كان مورد السيرة من المسلمين، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

و لا يقاوم ذلك سوى ما ورد «2» من أن عرفات كلها موقف و سفح الجبل أفضل «3».

لكن النص المزبور ضعيف السند، فلا يصلح لمقاومة ما ذكر. و هذا الأمر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 14: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 16: من ابواب احرام الحج، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 11: من ابواب احرام الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 276

[الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب]

الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب، من يجزم به كل من أمعن النظر في نصوص الباب.

أما تحديد الموقف، فالظاهر أنه الطرف المتصل بنمرة، إذ كان المتعارف الانتقال من نمرة الى الموقف.

ثم إن الظاهر عدم لزوم الوقوف من أول الزوال الى

الغروب فيه، فانه لا يتلاءم مع ضرب الخباء في نمرة، إذ لا أثر له اذا فرض استمرار الوقوف فى الموقف من الزوال إلى الغروب، كما يبعده ما ورد من وقوف النبي صلّى اللّه عليه و آله على البعير فانه من البعيد جدا أن يقف من الزوال الى الغروب على البعير. مما يكشف عن أن اللازم مقدار من الوقوف بحيث يدعو و يستغفر.

الثانية: في أن الركن هو المسمى. و الذي يدل عليه ما ورد من عدم بطلان الحج بالافاضة قبل الغروب عمدا. و ما ورد من أن اصحاب الاراك لا حج لهم الذي هو دليل الركنية، فانه إنما يدل على البطلان بالوقوف تحت الاراك مستمرا، و إلا فلو وقف و لو قليلا فى الموقف لم يعد من أصحاب الأراك. و ما ورد «1» فى الموقف الاضطراري من أنه يقف قليلا.

ثم إن الظاهر اعتبار ما يصدق معه الوقوف، فالوقوف لحظة أو نحوها لا يعدّ وقوفا عرفا كما لا يخفى، فلا يجدي، فالمراد هو المسمى العرفي لا الدقي العقلي.

الثالثة: الوقوف الذي هو ركن هو الوقوف فى الموقف دون غيره من أماكن عرفة، كما يدل عليه قول صلّى اللّه عليه و آله: «أصحاب الأراك لا حج لهم» الذي هو دليل الركنية. فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 277

تركه عامدا فسد حجه، و وقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر (289).

______________________________

(289) هذه المسألة تضمنت أمرين:

أحدهما: أن مبدأ اختياري عرفة من الزوال و منتهاه غروب الشمس.

و الآخر: أن اضطرارى عرفة يستمر الى طلوع الفجر من يوم النحر.

أما الأول: فقد عرفت الوجه في تحديده بالغروب، و

أما كون بدايته الزوال فلا دليل عليه بالخصوص من النصوص. و ما يصح ان يتمسك به لذلك هو السيرة القطعية القائمة على كون الواجب هو الكون في عرفة عند الزوال، و ظهور المفروغية عن هذا المعنى عند المتشرعة.

و أما الثاني: فالذي تدل عليه النصوص هو استمرار الوقوف إلى وقت يدرك به المشعر سواء كان قبل الفجر أم بعده.

و لعل منشأ التقييد بالفجر، ما جاء في رواية الحلبي من قوله عليه السّلام: «... ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ... «1»» بناء على أن الليل اسم لما بين الغروب و طلوع الفجر.

و لكن ذلك محل كلام، إذ قد ادعي أن الليل اسم لما بين الغروب و طلوع الشمس، و يتأتى نظيره في نصف الليل المأخوذ حدا لصلاة العشاء، و أن المراد نصف ما بين المغرب و طلوع الفجر أو نصف ما بينه و طلوع الشمس؟

و الحق: انه لا يمكننا الجزم باحد الأمرين لاستعمال الليل في كلا المعنيين، و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 278

[الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة]

الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة، رجع فوقف بها، و لو الى طلوع الفجر من يوم النحر، اذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلو غلب على ظنّه الفوات، اقتصر على ادراك المشعر قبل طلوع الشمس و قد تم حجه. و كذا لو نسي الوقوف بعرفات، و لم يذكر الا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس (290).

لا قرينة هنا على إرادة أحدهما.

و أما الاستدلال على إرادة نصف ما بين المغرب و طلوع الشمس من نصف الليل بقوله تعالى: غَسَقِ اللَّيْلِ

«1»، إذ المراد به شدة الظلمة و هي إنما تكون في هذا الوقت.

ففيه: أن العرف لا يلتفت الى أشدية الظلمة في الآن الخاص، بل لا يرى فرقا فى الظلام فيما قبله و بعده بساعة مثلا، كما لا يرى فرقا في نور النهار بين ما قبل الزوال و بعده، فلا يمكن ان يقصد باللفظ ما لا يدركه العرف.

و بالجملة: لا دليل لدينا على أحد الطرفين، فالعمل بالاحتياط هنا و في كل مورد نظيره متعين.

______________________________

(290) الكلام في جهتين:

أحدهما: في تحديد موضوع الوقوف الاضطراري، و قد تقدم بيانه فى المسألة الأولى، و قد عرفت أن ظاهر النصوص الواردة كون الموضوع صورة العجز عن إدراك اختياري عرفة.

______________________________

(1)- سورة الإسراء، 17: 78.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 279

..........

الأخرى: لا اشكال بحسب النصوص في لزوم الوقوف الاضطراري إذا علم ادراكه المشعر معه، كما لا إشكال في لزومه لو ظن بادراك المشعر، كما انه لا اشكال في لزوم البقاء فى المشعر و عدم الوقوف بعرفة لو ظن فوات المشعر قبل طلوع الشمس. و إنما الاشكال و الريب في صورة التردد و الشك فهل يلزمه البقاء فى المشعر أم يلزمه الذهاب الى عرفات؟

و تحقيق الكلام: أن الحكم بلزوم الذهاب:

علّق في بعض النصوص على ادراك المشعر واقعا و هو رواية الحلبي المتقدمة.

و علّق في بعضها على المعرفة، و واضح أن الظاهر عرفا- بعد تعليقه على الواقع في غيره- لحاظ المعرفة بنحو الطريقية، لا الموضوعية.

و علّق في بعضها على الظن، كما علّق فيه لزوم البقاء على ظن عدم الادراك و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في

سفر فاذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أدرك الامام بجمع؟

فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه «1»».

و علّق في بعضها على الظن، كما علق فيه لزوم البقاء على خشية عدم الادراك و هو رواية ادريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من الجمع قبل أن يدركها، فقال: «إن ظن ان يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 290/ ح 983، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 280

..........

عرفات. فان خشي ان لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقدتم حجه «1»».

و لا يخفى حصول الخوف مع الشك- بل ادعى بعضهم حصوله عند تحقق الوهم إذا كان المطلب مهما- و عليه فمقتضاها لزوم البقاء و عدم الذهاب الى عرفات في محل الكلام.

و لكن مقتضى مفهوم رواية معاوية بن عمار لزوم الذهاب الى عرفات في مورد الشك لتعليق الحكم بالبقاء على ظن الفوات، فمع عدم الظن يلزمه الذهاب الى عرفات.

و لكن هذا المفهوم معارض بمفهوم الصدر لتعليقه الحكم بالذهاب على الظن بعدم الفوات، فمع عدم الظن يلزمه البقاء. و مع تعارضهما في نص واحد يعلم بان المورد لم يقصد فيه بيان الشرط المنحصر، و إنما قصد فيه بيان حكم الموضوعين لا أكثر، فليس للشرطين مفهوم.

و عليه، فيبقى التعليق على الخوف بلا معارض.

اللّهم

إلا أن يدعى معارضتها برواية معاوية الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع فقال: إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تمّ حجه «2»».

إذ الشرط فى الذيل بلا معارض، فلا مانع من الالتزام بمفهومه، فيعارض منطوق رواية إدريس.

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 289/ المسألة 982، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 281

[الرابعة: اذا وقف بعرفات قبل الغروب، و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال]

الرابعة: اذا وقف بعرفات قبل الغروب، و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال، صحّ حجه (291).

و لكن هذه الرواية وردت فى «الفقيه «1»» و «الكافي «2»» بتعليق الصدر على الظن أيضا، كروايته المتقدمة. و يساعده عدم التئام متن الرواية المزبور بدون الشرط.

و عليه، فالكلام فيها كالكلام في سابقتها. بل الشك يكفي في عدم الاعتماد على مفهومها، للشك في كون الصادر من الامام عليه السّلام أيّ المضمونين، فلا جزم بالمفهوم.

و عليه، فلا مانع من الأخذ برواية إدريس رحمه اللّه.

و لو تمت المعارضة، فلا طريق لدينا الى تشخيص ما يلزم المتردد الشاك، فلو بقي كان عليه الحج بمقتضى قاعدة الاشتغال.

و أما ما ذكره فى «الجواهر «3»» من لزوم البقاء امتثالا للواجب الفعلي فلا وجه له، إذ الاشكال في أصل وجوبه فعلا لاحتمال وجوب إدراك اضطراري عرفة، و ليس المورد من موارد التزاحم. فتدبر.

______________________________

(291) الكلام في فرعين:

الأول: من أدرك اختياري عرفة و لم يدرك اختياري المشعر و أدرك

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن علي:

من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 471/ ح 2995، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 4: ص 476/ ح 2، الطبعة الاولى.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 38، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 282

..........

اضطراريه.

الثاني: من أدرك اختياري عرفة خاصة و لم يدرك المشعر أصلا لا اختياريه و لا اضطراريه.

أما الأول: فلا إشكال في صحة حجه للنصوص «1» الكثيرة الدالة على أن من أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج و هي و ان كانت محل البحث في مدلولها إلا أن المورد متيقن الدخول فيها كما سيأتي.

و للنصوص «2» الواردة في خصوص المقام، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع». و نحوها روايته الأخرى.

و أما الثاني: فقد ادعي الاجماع على صحة الحج فيه، و نوقش في الاجماع- كما فى «المدارك «3»»- بوجود النافي و المتردد.

و لا يخفى أن محل البحث غير العامد، كالجاهل و الناسي و العاجز عقلا. أما العامد فلا اشكال في بطلان حجه كما سيتضح من طيّات البحث.

و قد ورد النص في صحة حج الجاهل، كرواية محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال: «في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى قال: أ لم ير الناس أ لم ينكر منى حين دخلها؟ قلت: فانّه جهل ذلك قال: يرجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف

بالمشعر، ح 6 و 9.

(2)- المصدر/ باب 21: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 7: ص 406، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 283

..........

قلت إن ذلك قد فاته قال: لا بأس به «1»». و نحوها روايته الأخرى «2» عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و قد تعدي فى الحكم من الجاهل الى الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 283

و لكن لا يمكن الاعتماد على عدم القول بالفصل هاهنا لاحتمال ان يكون له منشأ معين و هو أحد وجوه ثلاثة أو جميعها:

الأول: ما ورد من صحة حج من لم يلبث مع الناس بجمع متعمدا أو مستخفا و إن كان عليه بدنة، و هو رواية على بن رئاب: «إن الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «3»». فانه اذا كان الترك العمدي غير مضر بالحج، فالترك عن نسيان او اضطرار أولى.

الثاني: إلغاء خصوصية الجهل في هذه النصوص و استظهار أن الموضوع مطلق ذي العذر و ذكر الجهل من باب المثال.

الثالث: أولوية صحة حج الناسي و العاجز من حج الجاهل، إذ الجهل هاهنا جهل تقصير ظاهرا لانه جهل بالحكم الواجب فيه الفحص و قد قصّر فى الفحص. و إذا صح حج الجاهل المقصر فحجّ الناسي و العاجز أولى بالصحة للعذر

فيه.

و كل هذه الوجوه مخدوشة.

أما الأول: فلظهور الرواية في كون الموضوع عدم استمرار الكون فى المشعر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 26: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 284

..........

لا عدم الكون فيها بالمرة الذي هو موضوع الكلام و اللبث اليسير يكفي في إدراك الركن كما سيأتي، فصحة الحج لإدراك الركن من المشعر و الكفارة على ترك الواجب و أين هذا مما نحن فيه؟

و أما الثاني: فلا قرينة على استظهار عموم الموضوع و ظاهر النص كون الموضوع هو الجاهل بعنوانه.

و أما الثالث: فلا دليل على الأولوية غاية الأمر هي ظنية، فلا تكون معتبرة. و عليه فلا وجه للتعدي من الجاهل الى غيره.

ثم إنه قد عورضت هذه النصوص:

بما ورد «1» من أن من فاته المشعر أو المزدلفة فقد فاته الحج.

و بمفهوم: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج «2»».

و بما دل «3» على أن الوقوف بعرفة سنة و الوقوف بالمشعر فريضة، إذ المراد بالفريضة انه ركن بنحو يلزم بطلان الحج بتركه مطلقا و هو الفارق بينه و بين عرفة.

و لكن جميع ذلك لا يصلح للمعارضة: أما ما دل على أن من أدرك المشعر فقد ادرك الحج، فلو سلم أن له مفهوما باعتبار أنه مسوق في مقام التحديد، لكن عرفت أن موضوعه من لم يدرك غير المشعر أصلا، فلا يشمل مفهومه ما نحن فيه مما فرض فيه إدراك عرفة، لاتحاد موضوع المفهوم و المنطوق.

و أما ما ورد من أن من فاته المشعر فقد فاته الحج، فلاحتمال أنه وارد في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من

ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 4: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 285

..........

مورد خاص لا ابتداء، فيمكن ان يكون مفاده عين مفاد: «من أدرك المشعر ...»،

و لو سلم أنه بيان ابتدائي فهو حكم عام تخصصه الرواية الواردة في مورد الجهل، و مثله يقال في مفهوم روايات «من أدرك ...» على تقدير تسليم عموم موضوعه.

و أما ما ورد من أن الوقوف بالمشعر فريضة، فلا ظهور له في شي ء، فيمكن أن يراد به أن وجوب المشعر مما فرضه اللّه فى القرآن «1»، و وجوب عرفات مما جاء به الرسول الاعظم صلّى اللّه عليه و آله.

و لو سلم أن المراد به بيان الركنية بقول مطلق حتى في صورة العذر فهو مقيد بالنص لا أنه معارض له.

ثم إنه قد ادعي تقييد هذه النصوص- أعني نصوص الجهل- بما إذا مرّ بالمشعر و ذهب إلى منى، بمعنى: أن موضوعها ذلك، فلا تشمل من ذهب من عرفات الى منى رأسا من دون أن يمرّ بالمشعر أصلا.

و الوجه فى التقييد رواية محمد بن حكيم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلحك اللّه، الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمّال الاعرابي، فاذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت: فان لم يصلّوا فقال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد أجزأهم «2»». و نظيرها رواية أبي بصير «3». و تقييد النصوص الأخرى بها بلحاظ مفهوم قوله عليه السّلام: «فان كانوا ذكروا اللّه ...» فإنه ظاهر في أنه مع عدم

______________________________

(1)- سورة

البقرة، 2: 198.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 286

..........

ذكر اللّه فلا يجزئ.

و لكن الحق أن هذه الرواية أجنبية بالمرّة عما نحن فيه، إذ هي ظاهرة في بيان أقل ما يجزي من الوقوف بالمشعر و أنه يكتفى به بذكر اللّه تعالى و أن صحة الحج في هذا الفرض من باب إدراك اختياري المشعر لا من باب التعبد به، و أي ربط لهذا المفاد بما نحن فيه مما كان السؤال فيه من عدم الوقوف بالمزدلفة عن جهل و لذا أمره بالرجوع ابتداء. فموضوع الروايتين مختلف، فلا معنى لتقييد إحداهما بالأخرى.

و منه يظهر ما فى «الجواهر «1»» من صلاحيتها للتقييد، لكن يرفع اليد عنها لاجل عدم التزام الاصحاب به، و استلزامه الخروج عن ما نحن فيه، إذ يكون المورد من موارد إدراك الركن و هو مجز قطعا.

لما عرفت من عدم صلاحية الرواية للتقييد أصلا، و ما ذكره ليس بمحذور على تقدير صلاحيته.

و لا يمكننا دعوى ظهور روايتي الخثعمي المتقدمتين في كون موضوعهما عدم استمرار الوقوف لا عدم المرور بالمشعر بالمرة، بلحاظ التعبير بعدم المبيت الظاهر في عدم المكث لا عدم المرور بها أصلا، فلا تشمل صورة من لم يمرّ أصلا بالمشعر.

و بالجملة، يدعى أن هذه النصوص ظاهرة في أنفسها في أن موضوعها من مرّ بالمشعر، فلا يحتاج الى دعوى التقييد التي مرّ الاشكال فيها، لا يمكننا ان نقول بذلك، لورود التعبير بعدم المبيت فى الروايات الآمرة بالرجوع قبل الزوال الى المشعر، و هو ظاهر في عدم المرور أصلا بالمشعر، إذ لو كان مارا بها و أدرك

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ

محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 40، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 287

[الخامسة: اذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس]

الخامسة: اذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس، فقد فاته الحج (292)، و قيل: يدركه و لو قبل الزوال، و هو حسن.

اختياري المشعر فلا يلزمه الرجوع لإدراك اضطراريه، فلا ظهور فى التعبير بعدم المبيت فيما ادعي.

هذا، مع أمر الامام عليه السّلام بالرجوع الظاهر في كونه امرا شرطيا إرشادا لإدراك ما يصح الحج معه و هو الركن، فلا يجتمع مع فرض إدراك الركن.

و دعوى: عدم منافاة الأمر بالرجوع لفرض المرور المجرد بدون التوقف إذ لا يتحقق الركن بالمرور فقط، كما تدل عليه بعض النصوص.

تندفع: بانه لا يحتمل دخل المرور بمجرده فى الحكم بالصحة.

و عليه، فالالتزام بظهور روايات الجهل في كون موضوعها من لم يمرّ أصلا لا مانع منه.

______________________________

(292) هذه المسألة تتكفل حكم من أدرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر من حيث صحة الحج و عدمه. و قد ذكر المصنف أن فى المسألة قولين أحدهما البطلان و الآخر الصحة و هو الذي استحسنه. و قوّاه فى «الجواهر «1»».

و ما يمكن ان يستدل به من النصوص على الصحة هو:

رواية الحسن العطار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 42، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 288

..........

فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «1»».

و ما ورد «2» فى النصوص المتعدّدة من

أن «... من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ...».

و رواية عبد اللّه بن المغيرة، قال: «جاءنا رجل بمنى فقال إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا- الى ان قال:- فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج «3»».

و رواية الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرّف فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الى منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه ... «4»».

أقول: دلالة رواية العطار على المدعى لا اشكال فيها.

و أما النصوص الدالة على أن من أدرك المشعر قبل الزوال فقد أدرك الحج، فقد يخدش في دلالتها بانها ليست في مقام بيان أن من ادرك الاضطراري و لم يدرك غيره من الأعمال، كي يتمسك بها فى المورد بالأولوية- و ان كانت مخدوشة كما ستعرف-، إلا رواية جميل بن دراج فانها ظاهرة في ذلك بقرينة المقابلة بين إدراك المتعة و ادراك الحج. و انما هي في مقام بيان أن إدراك المشعر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 24: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 8.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 3: من ابواب الاحصار و الصد، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 289

..........

هذا الوقت يكفي فى إدراك المشعر فالمقابلة بين الاختياري و الاضطراري، فكأنه قال: من أدرك

المشعر قبل الزوال و لم يدركه قبل طلوع الشمس يدرك الحج من جهة إدراك المشعر، أما اعتبار ان يكون قد أدرك غيره أولا فهذا ليس في مقام بيانه، فتكون هذه النصوص أجنبية عما نحن فيه، و انما تتكفل بيان بدلية الوقوف في هذا الوقت عن الوقوف قبل طلوع الشمس.

و دعوى: اثبات المدعى بإطلاق هذه النصوص اذ هي تدل على ادراك الحج بادراك اضطراري المشعر سواء كان قد أدرك اختياري عرفة أو اضطراريه أو لم يدرك أحدهما.

مندفعة: بانها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي في مقام بيان أصل البدلية، و التعبير بادراك الحج يقصد به ادراكه من ناحية إدراك المشعر المعتبر فى الحج، أما سائر النواحي المعتبرة فهي مسكوت عنها فى البيان. فهي نظير ما يدل على بدلية التيمم عن الطهارة المائية.

أما موارد البدلية، فالدليل لا يتكفل بيانها بل يحتاج في تشخيصها عموما و خصوصا الى دليل آخر.

و أما رواية ابن المغيرة:

فان اريد من قوله «لم أدرك الناس بالموقفين» عدم ادراكه الاختياري من عرفة و من المشعر- كما يشعر به قوله (الناس)- فيدل على ما نحن فيه بالإطلاق، إذ من لم يدرك الاختياريين، له فردان: أحدهما: من أدرك اضطراري عرفة. و الآخر من لم يدرك اضطراري عرفة.

و إن اريد منه إنه وصل متأخرا عن وقت الوقوفين مع الناس، فيكون موضوعها من لم يدرك سوى اضطراري المشعر، فدلالتها على ما نحن فيه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 290

..........

بالأولوية، لأنه اذا فرض أن إدراك اضطراري المشعر وحده يصحح الحج فادراكه مع إدراك اضطراري عرفة أولى في تصحيح الحج.

و أما رواية الفضل، فموضوعها من لم يدرك إلا اضطراري المشعر بناء على

كون المراد من يوم النحر ما بعد طلوع الشمس كما هو الظاهر. و حينئذ فدلالتها على صحة الحج فيما نحن فيه بالأولوية.

و لكن الأولوية ممنوعة على اطلاقها، إذ صحة الحج في فرض فوات اختياري المشعر قهرا و اضطرارا لحبس و نحوه و إدراكه اضطراريه، لا تلازم صحة الحج في فرض فواته اختيارا بالذهاب الى عرفة لادراك اضطراريها، إذ قد تكون وظيفته الواقعية في هذا الحال هي الوقوف بالمشعر في وقته الاختياري، فتفويته و لو عن عذر يمكن ان يوجب فوات الحج، و ليس الحال كذلك فيما إذا فاته قهرا عليه و بدون اختياره. فلا وجه لدعوى الأولوية.

إذن، فالدليل على صحة الحج فيما نحن فيه ينحصر برواية العطار و رواية ابن المغيرة على الاحتمال الأول فيها الذي لعله الظاهر منها.

و قد يدعى معارضة ما دل على صحة الحج فيما لو أدرك اضطراري المشعر خاصة الذي استفيد منه حكم المقام بالاولوية بروايات أخرى دالة على عدم صحة الحج بادراك اضطراري المشعر خاصة، ك:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس فى المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 291

..........

يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «1»».

و رواية حريز،

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له: «الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «2»». و نحوها روايته الأخرى.

و رواية ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: «يقيم على احرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء ... «3»».

و رواية محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: «إذا أتى جمعا و الناس فى المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له ... «4»» و نحوها رواية ابن سنان «5».

و رواية إسحاق بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف، فقال: «له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فاذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت له: كيف يصنع باحرامه؟ قال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 292

..........

يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا

و المروة فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء أقام بمكة و إن شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و إن شاء رجع الى أهله و عليه الحج من قابل «1»».

و تحقيق الكلام في هذه النصوص و مقدار دلالتها على المدعى و تأثيرها في حكم موضوع الكلام هو أن نقول:

أما رواية الحلبي: فهي إنما تعارض ما دل على صحة الحج بادراك الاضطراري لو كان المراد بقوله «فان لم يدرك المشعر ...»- الذي هو موضع الاستشهاد في هذه الرواية- أنه لم يستطع إدراك المشعر قبل طلوع الشمس، بان قدم و قد فاته ذلك، فيكون موضوعه من قدم و قد فاتته عرفات.

و لكن ظاهرها غير ذلك، بل ظاهرها أنه لم يأت بالوقوف بالمشعر الاختياري، فمعنى الرواية: ان من قدم و قد فاتته عرفات وجب عليه الوقوف بالمشعر، فان وقف تمّ حجه، و ان لم يقف عمدا او غير ذلك فلا حج له. فموضوع الحكم من فاتته عرفات و وجب عليه الوقوف بالمشعر، و المراد بالادراك و عدم الاتيان بالوقوف و عدمه، إذ لا معنى لقوله: «و قد تم حجه إذا أدرك ...»

بعد قوله فليقف بالمشعر، إلا ان يراد به «إذا وقف بالمشعر». و حينئذ فيكون قوله: «فان لم يدرك» بمعنى «فان لم يقف» إذ ضمير «يدرك» راجع الى من وجب عليه الوقوف بالمشعر، فلا معنى لعدم الادراك إلا ما ذكرنا.

و على هذا تكون الرواية أجنبية عما نحن فيه و عن ادراك اضطراري المشعر خاصة تماما.

و أما رواية حريز: فان أراد من قوله: «فاته الموقفان جميعا» أنه لم يدرك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف

بالمشعر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 293

..........

اختياري الموقفين، فالحكم بالبطلان إذا طلعت الشمس من يوم النحر كما ينافي ما دل على صحة الحج إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة كذلك ينافي ما دلّ على صحة الحج إذا أدرك اضطراري عرفة و المشعر، لانه بإطلاقه يشمل كلا الفردين.

فهو يعارض رواية ابن المغيرة على الاحتمال الأول، لكن رواية العطار الواردة في خصوص من أدرك الاضطراريين تقيدها.

و إن اراد من قوله المزبور انه لم يصل إلا بعد فوات الموقفين، فيكون موضوعه من لم يدرك شيئا منهما سوى اضطراري المشعر، فتصادم ما دل على صحة الحج بادراك اضطراري المشعر، كرواية الفضل.

و يمكن تقديم رواية الفضل باعتبار أن موضوعها أخص و هو من فاته لاضطرار عقلي كالحبس، و موضوع هذه الرواية لم يقيّد، فيعم بإطلاقه كل من فاته سواء كان لعمد أو لغيره.

و على كل حال، فنسبة الروايات السابقة الى هذه الرواية نسبة المقيد الى المطلق.

هذا، مع ما فى التعبير فى الرواية ب: «له إلى طلوع الشمس من يوم النحر» من عدم المناسبة بينه و بين فرض كون الرجل لم يدرك الموقفين الملازم لطلوع الشمس، إلا أن يحمل قوله المذكور على بيان الحكم الكلي و تطبيقه على مورد السؤال لا بيان حكم مورد السؤال عملا. فلاحظ.

و أما رواية ضريس: فهي أجنبية عما نحن فيه مطلقا بالمرة، و ذلك لأن موضوعها المتمتع، و قد تقدم اطباق الروايات على اختلافهما على انتهاء مشروعية المتعة بزوال يوم عرفة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 294

..........

و عليه، فانقلاب التمتع الى الافراد يحتاج إلى دليل، فلعل الأمر بالطواف و السعي و التحلل باعتبار عدم كون المورد من

موارد الانقلاب و إن أمكن إدراك الحج لاعتبار خصوصية في تحقق الانقلاب إلى الافراد. و هذا لا يرتبط بصحة الحج بادراك المشعر قبل الزوال و عدم صحته.

و أما رواية ابن الفضيل: فصدرها يحتمل بدوا أن يراد به السؤال عن حدّ وقت المشعر الاختياري، فلا ترتبط بما نحن فيه. و لكن ذيلها يأبى هذا الاحتمال، فيكون صدرها ظاهرا في تحديد الوقت الذي يدرك به الحج إذا فاته بعض الأعمال و تأخر عن إدراكها، فتكون مما نحن فيه و دالة على عدم اجزاء الاضطراري للمشعر.

و لكنها رواية ضعيفة السند لا تصلح لمعارضة غيرها الدال على الصحة.

و الذي يتحصل من مجموع ما تقدم: أن دليل صحة الحج بادراك الاضطراريين لا معارض له.

و يقع الكلام بعد ذلك فيما لو أدرك خصوص اضطراري المشعر و لم يدرك غيره أصلا، و قد عرفت ان الروايات فيه مختلفة.

و قد نسب الى المشهور القول بالبطلان و اختاره فى «الجواهر «1»».

و على كل، فقد استدل على كلا القولين بروايات كثيرة، و لكن عرفت الخدشة في دلالة أكثرها، مما يدل على الصحة على ما عرفت هو رواية ابن المغيرة بالإطلاق على الاحتمال الأول فيها و بالخصوص على الاحتمال الثاني و رواية الفضل.

و في قبالهما رواية حريز و اسحاق بن عبد اللّه بعد توجيهها بما عرفت. فانها

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 45، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 295

[ب- و المندوب]

ب- و المندوب و المندوبات: الوقوف في ميسرة الجبل (293) فى السفح (294).

تدلان على البطلان و لكن رواية حريز لا تصلح لمعارضة رواية الفضل لعموم رواية حريز لما كان الفوات اختياريا و اضطراريا و اختصاص رواية

الفضل بخصوص الفوات الاضطراري، فتخصص رواية حريز و يثبت المطلوب، و لا مجال لدعوى اختصاص رواية الفضل بخصوص المحبوس لوضوح أن المقصود بالسؤال هو الاضطرار لا خصوصية الحبس.

و بالجملة، فالصناعة تقضي بصحة الحج بادراك اضطراري المشعر بخصوصه.

و من هنا ظهر ما فى «الجواهر «1»» من تقديم روايات نفي الصحة لانها أخص من روايات الصحة، لما عرفت من ان رواية الصحة أخص من رواية البطلان. فتدبر جيدا و تأمل.

______________________________

(293) يدل عليه رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قف في ميسرة الجبل فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل ... «2»». و المراد ميسرة الجبل بالنسبة الى القادم. من مكة لأنه لأمر لهذا الشخص فاطلاقه يقتضي إرادة ذلك، إذ غيره يحتاج إلى قرينة.

(294) و هو أسفله أو أصله- كما قيل-. و يدل عليه رواية مسمع، عن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 47، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 296

و الدعاء المتلقّى عن أهل البيت عليهم السّلام أو غيره من الأدعية، و أن يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين (295).

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «عرفات كلها موقف و أفضل الموقف سفح الجبل ... «1»».

______________________________

(295) لا اشكال في رجحان الدعاء و الذكر للنصوص الكثيرة الدالة على ذلك، و انما الاشكال في وجوبه فقد ادعى وجوبه و هي دعوى قريبة بلحاظ بعض النصوص «2» الآمرة به الظاهر فى الوجوب و قد حملت على الاستحباب بقرينة بعض النصوص الاخرى و هي:

رواية ابى الجارود، عن

ابى جعفر عليه السّلام، قال: «ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء موقت «3»».

و رواية عبد اللّه بن جذاعة الازدي، عن ابيه، قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقى ينظر الى الناس و لا يدعو حتى افاض الناس، قال: «يجزيه وقوفه ثم قال: أ ليس قد صلى بعرفات الظهر و العصر و قنت و دعا؟ قلت: بلى قال: فعرفات كلها موقف و ما قرب من الجبل فهو أفضل «4»».

و رواية زكريا الموصلي، قال: سألت العبد الصالح عليه السّلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعى أبيه أو بعض ولده قبل ان يذكر اللّه بشي ء أو يدعو فاشتغل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج الوقوف بالعرفة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 14: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة.

(3)- المصدر/ باب 16: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 297

..........

بالجزع و البكاء عن الدعاء ثم افاض الناس، فقال: «لا ارى عليه شيئا و قد ساء فليستغفر اللّه. أما لو صبر و احتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شي ء «1»».

و لكن جميع هذه النصوص لا تنفى الوجوب.

أما رواية ابى الجارود فهى لا تنفى لزوم الدعاء و انما تنفى تعيين دعاء معيّن خاص.

و أما رواية جذاعة» فنفيها للوجوب- المدعى- بواسطة ظهور قوله «يجزيه وقوفه» في عدم وجوب غيره.

لكن يمكننا ان نقول إن دعوى ظهورها فى الوجوب أقرب من دعوى نفيها للوجوب، بقرينة السؤال الظاهر في انه عن ترك أمر واجب، و تقرير الامام عليه السّلام

و بيان الاكتفاء بالدعاء اليسير و لو فى الصلاة.

و أما قوله: «يجزيه» فيمكن ان يراد به بيان صحة الحج لادراك الركن و هو الوقوف. و الدعاء على تقدير وجوبه ليس بركن.

و اما رواية الموصلى فدلالتها على الاستحباب بلحاظ قوله و لا ارى عليه شيئا و اما قوله: «و قد اساء ...» فهو ناظر الى الجزع، و لكن الظاهر من قوله «اساء» انه اساء في ترك الدعاء و الذكر فتكون ظاهرة فى الوجوب و أما قوله «لا أرى عليه شيئا» فيمكن ان يكون المقصود به نفي الكفارة.

و بالجملة، لو لم نقل بظهورها تين الروايتين فى الوجوب فلا أقل من احتماله احتمالا مساويا لظهورهما في عدمه فتكونان مجملتين فلا ينفعان في صرف ما دل على الوجوب عن ظاهره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 16: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 298

و أن يضرب خباءه بنمرة (296)، و أن يقف على السهل (297)، و أن يجمع رحله (298) و يسدّ الخلل، به و بنفسه (299).

و أما احتمال لزوم صرف الوقت جميعه فى الذكر و الدعاء فلا شاهد عليه أصلا من النصوص. و السيرة القطعية تنفيه فلاحظ.

______________________________

(296) تأسيا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث ضرب خباه بها، كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار و للأمر به كما تدل عليه روايته الأخرى «1»، و ان كان يحتمل ان يكون الأمر فيها في مقام توهم الحظر.

(297) يراد به مقابل الحزن لا سفح الجبل لتقدم ذكره، و قد وجه استحبابه بانه مقدمة للاجتماع و التضام المستحب فى الموقف، اذ غيره لا يتيسر فيه ذلك إلا بتكلف.

(298) علّله

فى «المدارك «2»» بكونه مساعدا على التوجه الى الدعاء.

(299) قيل: ان المقصود ان المراد به انه يأكل ان كان جائعا و يشرب ان كان عطشانا.

و قيل: ان المراد به سد الفرج الكائنة على الأرض بان لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة لتستتر الارض التي يقفون عليها، و هذا هو الظاهر من روايتى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 9: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 414، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 299

و أن يدعو قائما (300).

و يكره الوقوف في أعلى الجبل (301)، و راكبا، و قاعدا.

سعيد بن يسار و معاوية بن عمار فراجعهما «1».

______________________________

(300) لا دليل عليه من النصوص، و انما علل بانه اشق من الدعاء راكبا او جالسا و اشق الاعمال أحمزها «2».

وفية ما لا يخفى.

كما استدل عليه بالاجماع المدعى في كلام العلامة رحمه اللّه «3».

و فيه انه يشكل الاعتماد عليه بعد ما ورد «4» من وقوف حج النبي صلّى اللّه عليه و آله على ناقته، و الامام الصادق عليه السّلام «5» على بغلته.

و منه يظهر الحال في دعوى كراهة الوقوف راكبا. فتدبر.

(301) لما ورد «6» من الوقوف فيه عند الضيق فانه ظاهر فى المرجوحية عند عدمه. هذا مع دلالة رواية اسحاق بن عمار، عليه قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب أليك أم على الارض؟ فقال: «على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من ابواب احرام الحج، ح 1 و 2.

(2)- السرخسي: المبسوط، ج 30: ص 52، ط بيروت.

المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي: بحار الانوار، ج 82:

ص 229، الطبعة الاولى.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 8: ص 169، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(6)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 300

[القول فى الوقوف بالمشعر]

اشارة

القول فى الوقوف بالمشعر و النظر في مقدمته، و كيفيته

[أما المقدمة:]

أما المقدمة:

فيستحب: الاقتصاد في سيره إلى المشعر، و أن يقول اذا بلغ الكثيب الاحمر عن يمين الطريق: «اللهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلّم لي ديني، و تقبل مناسكي (302)»، و أن يؤخر المغرب و العشاء الى المزدلفة، و لو صار الى ربع الليل (303).

الارض «1»».

______________________________

(302) يدل على ذلك رواية معاوية بن عمار «2»، و ظاهرها و ان كان هو الوجوب للأمر لكن السيرة القطعية بل الضرورة قاضية بعدمه.

(303) أما التأخير: فتدل عليه:

رواية محمد بن مسلم، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا و ان ذهب ثلث الليل «3»».

و رواية سماعة، قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع فقال: «لا تصلحهما حتى تنتهى الى جمع و ان مضى من الليل ما مضى فان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 5: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 301

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما باذان واحد و اقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات «1»». و غيرهما.

و ظاهر هذه النصوص و ان كان النهي و مقتضاه عدم الصحة لو صلاهما في عرفات.

لكن الظاهر أن النهي ليس بلحاظ شرطية اصل الوقت حتى يكون دليلا على لزوم التأخير. بل بلحاظ أفضلية المبادرة إليهما، فيكون دليلا على أفضلية التأخير لا أكثر.

و يدل على عدم لزوم ايقاعهما فى المزدلفة:

رواية هشام بن الحكم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بأن

يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة «2»».

و رواية محمد بن مسلم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «عثر محمل أبي بين عرفة و المزدلفة» منزل فصلى المغرب و صلى العشاء بالمزدلفة «3»».

و رواية محمد بن سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يصلي المغرب و العتمة فى الموقف، فقال: «قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاهما فى الشعب «4»».

و روايتا هشام و محمد بن مسلم و ان كان موضوعهما المغرب فقط لكنها يدلان على ان النهي السابق وارد في قبال الأفضلية لا أكثر، اذ موضوعه المغرب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 302

و [إن، خ ل] لو منعه مانع صلى فى الطريق (304)، و أن يجمع بين المغرب و العشاء (305)، بأذن واحد و اقامتين، من غير نوافل بينهما، و يؤخر نوافل المغرب الى بعد العشاء.

و العشاء، فلا بد ان يراد به معنى واحد لا معينين.

و أما حدّ التأخير: ففي رواية محمد بن مسلم المتقدمة حدد و لو بذهاب ثلث الليل، و في رواية سماعة حدد و لو بمضي ما يمضي من الليل.

أما ذهاب ربع الليل كما فى المتن فلا أثر له فى النصوص. و هو يبتني على كون وقت فضيلة المغرب و العشاء ينتهي به، و المصنف لا يلتزم به- كما فى «الجواهر «1»»- فليس لما ذكره فى المتن وجه ظاهر.

______________________________

(304) كما تدل عليه رواية محمد بن مسلم المتقدمة.

(305) يدل على رجحان ذلك رواية سماعة المتقدمة.

و رواية الحلبي، عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام، قال: قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب و العشاء الآخرة باذان واحد و اقامتين ... «2»».

و رواية عنبسة بن مصعب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة، فقال: «صلّها بعد العشاء الآخرة اربع ركعات «3»».

و رواية منصور بن حازم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صلاة المغرب و العشاء

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 62، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 303

[أما الكيفيّة:]

و أما الكيفيّة:

فالواجب النيّة (306).

بجمع بأذان واحد و اقامتين و لا تصل بينهما شيئا و قال: هكذا صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «1»» و غيرها.

و يدل على جواز عدم الجمع و التنفل بينهما و به ترفع اليد عن ظهور ما تقدم في عدم المشروعية، رواية ابان بن تغلب، قال: «صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلّى المغرب ثم صلّى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات «2»».

لظهور النص في كون صلاته خلفه بعد سنة فى المزدلفة لا في غيرها و إلا لم يحتج ذلك الى بيان لعدم توهم غيره في غير المزدلفة.

______________________________

(306) ليس في النية هاهنا بحث جديد غير البحث فيها في سائر المقامات سوى انه لو قيل بلزوم الاخطار في نية العمل و عدم تحقق المقربية بدونه، كان اللازم الاخطار في نية الوقوف بالمشعر، و ان كان جزء، فانه و ان لم

يعتبر الاستمرار في الاظهار بالنسبة الى كل جزء جزء و باستمرار العمل.

و لكنه انما التزم بذلك فى الموارد التي قام الدليل القطعي على عدم لزوم الاخطار في الاثناء كالصلاة و الصوم، و لم يثبت ذلك فى الحج خصوصا لمثل الوقوف بالمشعر الذي يعدّ هو الركن الاساسي للحج و الذي به قوام العمل.

فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 304

و الوقوف بالمشعر (307)، و حدّه ما بين المأزمين الى الحياض، الى وادي محسّر (308)، و لا يقف بغير المشعر، و يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل (309).

______________________________

(307) هذا الحكم من الضروريات في باب الحج و لما ورد من ان الوقوف بالمشعر فريضة، و من الأمر بالوقوف به الظاهر فى الوجوب.

(308) هذا التحديد هو نص التحديد الوارد في رواية معاوية بن عمار «1»، و بنظيره حددت في غيرها من الروايات «2» الواردة في هذا الباب. و المراد بالمأزمين إما الجبلان الواقعان على جانبي الطريق الضيق او نفس الطريق بين الجبلين.

و على كل حال فلا اشكال في خروجهما عن الموقف كخروج وادي محسر و الحياض، لظهور النصوص في ذلك، و إن كان يأتي احتمال دخولها فيه فى الذهن باعتبار انه لا ظهور ل: «من و الى» في عدم دخول مدخولهما فى المحدود، فلعل التحديد بلحاظ نهاية مدخولها لا بدايته.

(309) هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب- كما فى «المدارك «3»»- و مستنده رواية سماعة قال: «قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام إذا كثر الناس بجمع و ضاقت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)-

المصدر.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 422، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 305

و لو نوى الوقوف ثم نام، أو جنّ، أو اغمي عليه، صحّ وقوفه (310)، و قيل: لا، و الأول اشبه.

عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى المأزمين «1»».

و هذا الرواية غير صريحة فى المدعى إذ يمكن أن يراد بها بيان ان المشعر ينتهي بالمأزمين لا بما قبله مما يلي منى، فلا يتحقق التحقيق على الحاج و انه للحاج ان يقف اين ما يشاء إلى المأزمين، و لذا لم يقل يرتفعون على المأزمين و إنما قال: الى. فتدبر.

______________________________

(310) هذا إذا تحقق منه الوقوف بمقدار الركن. و أما لو لم يتحقق منه ذلك بان كان نومه و جنونه مستوعبا فلا يصح وقوفه و لو كان قد نوى الوقوف قبل نومه من حين وقته، إذ لم يتحقق منه الواجب الركني العبادي، و قياسه بالصوم غير صحيح، لقيام الدليل الخاص عليه.

هذا، مع احتمال ان المطلوب فى الصوم مجموع التروك لا جميعها احتمالا قويّا، و هو يتحقق بقصد أحدها. كما تقدم تحقيقه في محله فراجع.

ثم إنه لو كان يجب عليه الوقوف أزيد من المقدار الركني لم يجز له النوم اختياريا، لعدم تحقق الواجب به بعد أن كان الواجب عباديا يتوقف على القصد المفقود في حال النوم، و لا يقاس المورد بالصوم لما عرفت. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 9: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 306

و أن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر (311).

______________________________

(311) يقع الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: في تحديد وقت الركن من الوقوف بالمشعر و

أنه هل يبتدئ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أو يبتدئ من الليل الى طلوع الشمس؟

الثانية: إنه على تقدير أن وقت الركن من الليل الى طلوع، الشمس فهل يجب الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس فيكون واجبا غير ركن أو لا يجب؟

الثالثة: انه هل يجب المبيت فى المشعر أو لا يجب؟

أما الجهة الاولى: فلا إشكال في أن امتداد الوقوف الركني الى طلوع الشمس، كما تدل عليه النصوص الكثيرة الدالة على إدراك الحج بادراك المشعر قبل طلوع الشمس، كما تقدم ذكرها.

و اما ابتداؤه فلا دليل على ان وقته من طلوع الفجر بل الذي يظهر من النصوص «1» أن الوقوف الركني يتحقق بالوقوف قبل الفجر من الليل، و سيظهر ذلك واضحا فى الكلام عن الجهتين الآخرتين.

و أما الجهة الثانية: فقد ادعي لزوم الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر و عدم جواز الافاضة منه قبل الفجر، و استدل عليه بروايات:

الأولى: رواية جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- وجهه: ما يظهر من الروايات الآتية من صحة الحج مع الإفاضة قبل الفجر و لو كان عن عمد. و منه يظهر ان الركن هو المسمّى و تحقق الوقوف و لو قليلا و لا يعتبر فيه الاستغراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 307

..........

«لا بأس أن يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا «1»». فان مفهوم الشرط فيها دال على عدم جواز الافاضة فى الليل مع عدم الخوف.

الثانية: ما ورد «2» من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله رخّص الافاضة بالليل للمرأة و المضطر، فان ظاهر الترخيص كون العمل في نفسه محرّما.

الثالثة: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أصبح

على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث شئت ... «3»»

الرابعة: رواية مسمع عن أبي إبراهيم [عبد اللّه، خ ل] عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل ان يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «4»». فان ظاهر جعل الكفارة تحقق الحرام او ترك الواجب منه.

الخامسة: رواية علي بن رئاب: ان الصادق عليه السّلام قال: «من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «5»».

و لكن للخدشة في جميع ذلك مجال.

أما رواية جميل، فهي- على تقدير دلالتها و عدم المناقشة فيها بان «اذا» لم تسق هاهنا للشرطية بل للتوقيت و تحديد الموضوع لا غير، و بان اثبات البأس بواسطة المفهوم لا يلازم الحرمة بل هو أعم منها و من الكراهة و بانها غاية ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 11: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 16: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 26: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 308

..........

تثبت حرمة الافاضة ليلا و وجوب المبيت لا وجوب الوقوف بعد الفجر- مرسلة لا تصلح للاعتماد عليها في اثبات الحكم.

و أما ما ورد من ترخيص النبي صلّى اللّه عليه و آله فهو لا يدل على التحريم بالنسبة الى غير المرأة و المضطر، إذ الترخيص كما يتناسب مع التحريم يتناسب مع الكراهة.

هذا، مع انها لا

تدل إلا على لزوم المبيت و البقاء ليلا، لا- وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر الذي هو محل الكلام.

و أما رواية معاوية بن عمار، فلا ظهور لها في ايجاب الاصباح، بل المسوق له الكلام هو الأمر بالطهارة عند الاصباح، فالأمر بالاصباح مسوق لبيان محبوبية الاصباح على طهر، لا أصل الإصباح، و هو أمر ندبي بلا إشكال، فيحتاج وجوب الاصباح الى دليل. و لذا أوردها صاحب الوسائل في باب استحباب الطهارة فى الوقوف.

و أما رواية مسمع، فلأن ظاهر قوله عليه السّلام: «و ان كان افاض ...» هو كونه تقسيما للجاهل فيكون المعنى ان الجاهل ان أفاض بعد طلوع الفجر لا شي ء عليه و ان افاض قبله فعليه شاة، لا انه بيان لحكم العامد العالم في قبال الجاهل.

و حينئذ، فلا يكون اثبات الكفارة ظاهرا فى التحريم هاهنا، و ان سلمنا ظهوره في نفسه، لان موضوعه الجاهل و هو معذور إلا ان يقال ان الجهل هاهنا عن تقصير، إذ هو الظاهر في مثل هذه الموارد للتمكن من السؤال، فيمكن أن يكشف اثبات الكفارة عن ثبوت الحكم و عدم معذوريته فيه.

و عليه، فيتم المطلوب، لكن نقول أن ظهورها فى المدعى- لو سلم- لا يناهض ظهور رواية هشام بن سالم و غيره، آ عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «فى التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و التقدم من مزدلفة الى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 309

فلو أفاض قبله عامدا (312).

منى يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس، فى الدلالة على جواز الافاضة قبل الفجر «1»».

و أما رواية علي بن رئاب، فهي انما ترتبط بلزوم المبيت

كما تقدم، هذا لو كان مفادها ما ذكرناه من تحقق الوقوف و عدم المبيت، و أما لو كان مفادها عدم تحقق الوقوف- كما استظهر ذلك منها- فبعدها عما نحن فيه أوضح.

و الّذي يتحصل بأيدينا: انه لا دليل على لزوم الوقوف بعد طلوع الفجر بل الدليل على خلافه.

و أما الجهة الثالثة: و هي المبيت ليلا، فلا دليل عليه من النصوص- أيضا- سوى رواية ابن رئاب على المفاد الذي استظهرناه منها.

هذا، و لكن الانصاف هو لزوم المبيت و الوقوف بعد طلوع الفجر الى ما قبيل طلوع الشمس، لقيام السيرة القطعية على ذلك، كما قد تظهر من النصوص كرواية مسمع و الروايات الواردة في الالزام بالوقوف ناظرة الى الالزام بما هو المعروف المتداول فلا مجال للتمسك بإطلاقها، و الالتزام بوجوب المسمى. فتدبر جيدا.

هذا هو التحقيق، و عبارة المتن بظاهرها لا تخلو عن غموض و قد أشار إليه الأعلام المحشين و لا يهمنا التعرض إليه بعد أن عرفت تحقيق الحال.

______________________________

(312) الوجه فيه رواية مسمع المتقدمة بناء على ظهورها في الاحتمال الآخر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 310

بعد أن كان به ليلا- و لو قليلا- لم يبطل حجه، اذا كان وقف بعرفات، و جبره بشاة، و يجوز الافاضة قبل الفجر للمرأة، و من يخاف على نفسه من غير جبر (313)، فلو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء (314).

و يستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر (315)، و ان يدعو بالدعاء المرسوم (316).

الذي ادعينا أنه خلاف الظاهر.

______________________________

(313) للنصوص الكثيرة كرواية علي بن أبي حمزه، عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«أي مرأة أو رجل خائف أفاض من

المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ... «1»».

(314) لادراكه الركن بالوقوف الليلي، و الكفارة تنفى بأصالة البراءة، أما اذا كان الواجب الركني هو الوقوف بعد طلوع الفجر فيشكل الأمر و يكون من مصاديق من لم يقف بالمشعر عن نسيان و سيأتي الكلام فيه.

(315) الوجه فيه هو رواية معاوية بن عمار المتقدمة لقوله عليه السّلام فيها «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ...» و قد عرفت الكلام فيها. فراجع.

(316) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار «2» و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 311

أو ما يتضمن الحمد للّه و الثناء عليه و الصلاة على النبي و آله عليهم السّلام، و أن يطأ الصرورة المشعر برجله (317)، و قيل: يستحب الصعود على قزح، و ذكر اللّه عليه.

[مسائل خمس:]
اشارة

مسائل خمس:

[الأولى: وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس]

الأولى: وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع

______________________________

(317) لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر و يستحب للصرورة ان يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله «1»».

و لا يخفى أن ظاهر النص أن المراد بالمشعر مكان خاص لا المشعر الذي يجب الوقوف فيه، لقوله «قريبا من المشعر» و لعل المراد به الجبل المسمى بقزح كما قيل «2».

و عليه، فلا يكون محل لقوله فى المتن بعد ذلك: «و قيل: يستحب الصعود على قزح».

و أما التعبير في رواية سليمان بن مهران «3» بوجوب وطء المشعر فليس المراد به الوجوب الاصطلاحي بل الوجوب بمعنى الثبوت، كما هو معناه لغة جمعا بينه و بين رواية الحلبي و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 368، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 312

الشمس، و للمضطر الى زوال الشمس (318).

[الثانية: من لم يقف بالمشعر، ليلا و لا بعد الفجر، عامدا]

الثانية: من لم يقف بالمشعر، ليلا و لا بعد الفجر، عامدا بطل حجه (319)، و لو ترك ذلك ناسيا لم يبطل، ان كان وقف بعرفات (320).

______________________________

(318) قد عرفت أن وقت الوقوف من الليل الى طلوع الشمس. و أما تحديد الاضطراري بزوال الشمس فهو الذي تدل عليه النصوص الكثيرة الدالة على إدراك الحج بادراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر التي تقدم ذكرها، و عليه الاجماع و ان كان يتوهم من كلام السيد المرتضى رحمه اللّه «1» امتداده إلى الليل لتعبيره باليوم، و

لكن قيل انه يمكن أن يكون مراده إلى الزوال لصحة التعبير مع ذلك. فلا تثبت مخالفة السيد للاصحاب.

(319) لما دل «2» على أن من فاتته المزدلفة فقد فاته الحج. و المراد بها المزدلفة المشروعة في حقه، و هو الى طلوع الشمس، إذ دليل تشريع الاضطراري لا يشمل العامد.

(320) تقدم الكلام فيما لو أدرك اختياري العرفة و لم يدرك اختياري المشعر، و ان له صورتين إحداهما انه لم يدرك المشعر اصلا و الأخرى أنه أدرك اضطراري المشعر.

و عرفت أن المختار صحة الحج فى الثانية، و عدم صحته في الأولى، إلا للجاهل دون الناسي و غيره.

______________________________

(1)- علم الهدى، السيد مرتضى: الانتصار/ المسألة 2 (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 114.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 313

و لو تركهما جميعا بطل حجه، عمدا أو نسيانا (321).

[الثالثة: من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس،]

الثالثة: من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس، صحّ حجه، و لو فاته بطل، و لو وقف بعرفات، جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال (322).

[الرابعة: من فاته الحج، تحلل بعمرة مفردة]

الرابعة: من فاته الحج، تحلل بعمرة مفردة (323).

______________________________

(321) إن كان المقصود بضمير التثنية ترك الوقوف بعرفات و المشعر، كما لعله الظاهر، فالحكم بالبطلان ظاهر. و لو كان المقصود ترك اختياري و اضطراري المشعر، فالحكم بالبطلان صحيح على المختار، و لكنه غير صحيح على مختار «الجواهر «1»» على ما تقدم، مع انه حكم هاهنا بالبطلان كما هو ظاهر عبارته.

(322) هذه المسألة تتكفل امرين:

أحدهما: بطلان الحج بادراك اضطراري المشعر خاصة، و لكن تقدم تقريب صحته.

الثاني: صحة الحج بادراك اختياري عرفات و اضطراري المشعر و هو صحيح، كما تقدم، فراجع.

(323) لا اشكال في مشروعية التحلل من إحرامه بعمرة مفردة، للنصوص «2» الكثيرة الدالة على ذلك، كرواية معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 85، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 314

..........

أدرك جمعا فقد أدرك الحج قال: و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ايما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة الى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل».

إنما الاشكال في أنه هل يلزمه ذلك أو انه له ذلك كما له البقاء محرما الى العام القابل فيحج باحرامه؟

ذهب صاحب الجواهر «1» إلى الأول و ادعى أنه لم يجد الخلاف فيه بيننا، نعم، حكي جوازه عن ابني حمزه و البراج «2»

مع عدم الاشتراط.

و يستدل على الوجوب بظهور الأمر بالعمرة في رواية معاوية و غيرها فى الوجوب.

و لكن فيه: أن هذا الأمر وارد مورد توهم الحظر، إذ المتخيل لزوم البقاء و عدم المحلّل، و معه لا يدل على اللزوم بل على أصل المشروعية، و لكن مع هذا الأقوى هو الالتزام بوجوب العمرة لا لما ذكر، بل لما ورد في بعض النصوص من التعبير ب: «هي عمرة» الظاهر في تحقق الانقلاب القهري، كرواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: «إذا أتى جمعا و الناس فى المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له ... «3»».

ثم إنه وقع الكلام في لزوم تجديد النية في احرامه و عدمه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 86، الطبعة الاولى.

(2)- لم نعثر على هذه النسبة إليهما امّا ابن حمزه فرأيه موافق للمشهور (الوسيلة/ سلسلة الينابيع الفقهية، ج 8: ص 440). و امّا ابن البراج لم يتعرض لهذه المسألة إلّا ان صاحب الجواهر نسب هذا الرأى إليهما (جواهر الكلام، ج 19: ص 86).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 315

ثم يقضيه إن كان واجبا، على الصفة التي وجبت، تمتعا أو قرانا أو افرادا (324).

فقيل: بلزوم تجديدها و هو المحكي عن الفاضل «1» في جملة من كتبه، و لعله لأجل الأمر فى النص بجعلها عمرة.

و لكن التحقيق: انه لا يلزم التجديد لما ذكرناه من ان الاحرام

حكم وضعي مسبب عن الفعل الحدوثى الواقع، و اذا وقع لم يقبل الانعدام سواء نواه أو نوى عدمه الا بسبب خاص و ليس هو فعل المكلف استمراريا كي يكونه نية العمرة فيه. نعم، يلزمه نية العمرة في الافعال المحلّلة كالطواف و غيره.

______________________________

(324) الذي يظهر من بعض النصوص هو لزوم القضاء من دون تقييد له بما اذا كان واجبا، كرواية معاوية المتقدمة و غيرها، فان ظاهر التعبير ب: «عليه الحج من قابل» لزوم الحج عليه.

كما أن ظاهر رواية ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر، فقال: «يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه (و فى «الفقيه «2»»: و يذبح شاته)، و ينصرف الى أهله إن شاء و قال:

هذا لمن اشترط على ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل «3»» التفصيل في وجوب القضاء بين صورة الاشتراط و عدمه.

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 8: ص 410، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 385/ ح 2772.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 316

[الخامسة: من فاته الحج، سقطت عنه افعاله]

الخامسة: من فاته الحج، سقطت عنه افعاله (325)، و يستحب له هذا، إذا قلنا بان مفادها ما استظهره القوم منها بان يكون المراد من قوله:

«فان عليه ...» أن عليه الحج مضافا الى التحلل بالعمرة في قبال المشترط الذي ليس عليه إلا العمرة المفردة.

و لكن

الذي نستظهره منها هو كون المراد منها التفصيل بين صورة الاشتراط و عدمه فى التحلل بالعمرة على الأول و عدم التحلل بها على الثاني، بل يبقى محرما الى العام القابل فيحج باحرامه و يتحلل بالحج، فان المشار إليه بقوله:

«هذا» هو أصل التحلل بالعمرة، لا مجرده بلا انضمامه الى عمل آخر، فيدل على أن التحلل بالعمرة لا يكون لمن لم يشترط و إنما عليه الحج من قابل. و لكن هذا الظاهر لم يلتزم به و لذا تكون الرواية على هذا من المطروحات لانها تدل على ما لا يلتزم به أحد.

و على أي حال: فظاهر النصوص لزوم الحج بان يكون فوات الحج سببا من اسباب لزوم الحج نظير الافساد و لذا لا نلتزم باجزائه عن الحج الذي بذمته لو كان.

هذا، و لعل عدم الالتزام بوجوبه هو حمل النصوص على الحكم الارشادي بان يكون مفادها أن حجه لما فات، فلا يكون إلا فى القابل فاذا أراد أن يؤديه فعليه الحج من قابل. و لكن خلاف الظاهر كما عرفت.

و على كل، فالاحتياط يلزم بالحج من قابل فتدبر.

______________________________

(325) هذا لا اشكال فيه و لانه مقتضى فوات الحج و لدلالة النص عليه بالخصوص، كرواية حريز، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 317

الاقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق، ثم يأتي بافعال العمرة التي يتحلل بها (326).

جميعا، فقال له: «الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس يوم النحو فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال:

يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان شاء أقام بمكة و ان شاء

اقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شي ء «1»». و هذا مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في سقوط الهدي فقد ادعى عدم سقوطه، لانه بمنزلة المحصور و لرواية ضريس المتقدمة- على رواية الفقيه التي عرفتها-. و لكن قياسه بالمحصور قياس مع الفارق.

و أما رواية ضريس، فقد استشكل فيها فى الجواهر «2» بان اضافة الشاة إليه تشعر بأنه كانت معه شاة عيّنها للهدي بنذر و نحوه، و لكن لا إشعار للاضافة فيما ذكره فى الجواهر، إذ يمكن ان تكون الاضافة باعتبار أنه من الواجبات عليه في نفسه و قبل الفوات، فهو نظير إضافة سائر الاعمال إليه كالعمرة و الحج و نحوهما.

و عليه، فيقرب الالتزام بلزوم الهدي عليه إذا كان متمتعا للرواية.

______________________________

(326) لرواية معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف. قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 89، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 318

[خاتمة]

خاتمة اذا ورد المشعر، استحب له التقاط الحصى منه (327).

فيها، فاذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة ... «1»».

______________________________

(327) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «2»»- و استدل له، ب:

رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الحصى التي يرمى بها الجمار، فقال تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: «خذ حصى الجمار من جمع، و إن

أخذته من رحلك بمنى أجزأك «4»».

بضميمة ما دل على الجواز من أي مكان من الحرم فان مقتضى الجمع حمل الأمر على الندب.

و لكن الانصاف أنه لا ظهور لها فى المدعى، بل غاية ما تدلان عليه جواز التقاط الحصى من المشعر و غيره من دون خصوصية فيه، إذ قوله «تؤخذ ...» و «خذ» واردان مورد توهم عدم الجواز، فهما لبيان الجواز لا غير، و انه لا فرق بين أماكن الحرم، كما انه لا ظهور في قوله «بعد ذلك» في رواية زرارة في استحباب أخذ الحصى من منى بالرتبة الثانية، بل ظاهره إرادة البعدية الزمانية بمعنى أنه بعد أن تفارق المشعر خذ الحصى من منى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 91، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 319

و هو سبعون حصاة، و لو أخذه من غيره جاز، لكن من الحرم عدا المساجد (328)، و قيل: عدا المسجد الحرام، و مسجد الخيف (329).

و بالجملة، لا ظهور للروايتين في الأمر، بل هما ظاهرتان في بيان الجواز.

______________________________

(328) لرواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك و ان أخذته من غير الحرم لم يجزئك ... «1»». و يدل عليه غيرها فراجع.

(329) حكي هذا القول عن الاكثر- كما فى «الجواهر «2»»- و قد يستدل له بعدم جواز اخراج الحصى من المسجد، و لكنه لو سلم حرمة اخراج الحصى منه فلا تقتضى حرمة الرمي به.

و دعوى أن الرمي به

يستلزم تضييعه لاختلاطه بغيره فيكون سببا توليديا لاتلافه.

تندفع: بانها أخص من المدعى، لامكان تعليم الحصى بعلامة يمكنه بها استخراجه من بين مجموع الحصى.

نعم، لو قيل بحرمة التصرف فيما هو من اجزاء المسجد إلا فيما يرجع لشئون المسجد من الصلاة و نحوها، و ليس الرمي منها، كان الرمي تصرفا محرما، فيكون المورد من موارد اجتماع الأمر و النهي.

و لكنها لا دليل عليها، إذ لا دليل على حرمة التصرف بالحصى بالرمي و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 92، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 320

و يجب فيه شروط ثلاثة: أن يكون مما يسمى حجرا، و من الحرم، و أبكارا (330).

نحوه.

و بالجملة، لا ظهور في كون الاستثناء على طبق القاعدة، و لكن النص يدل عليه و هو رواية حنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام و مسجد الخيف «1»».

______________________________

(330)

الشرط الاول: فى الحصى أن تكون مما يسمى حجرا.

و الذي يظهر من الحجر انه أعم من الحصى لانطباقه على الحجر الكبير جدا مع عدم صدق الحصى عليه، كما ينطبق على الصغير جدا و لا ينطبق عليه الحصى، و لعل مراده بالشرط المزبور مع سبق أخذ الحصى في موضوع الحكم، و هو الوارد فى النصوص، هو ما يقابل الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق، فالكلام مسوق لبيان تحديد جنس الحصى فهو تقييد فى الحصى، فلا يتمسك بإطلاقه و يحكم بجواز الرمي بالحجر الكبير.

و بالجملة، المدار على صدق الحصى إذ هو الذي ورد فى النصوص و لا

أثر للحجر فيها أصلا.

و الشرط الثاني: ان تكون من الحرم و يدل عليه رواية زرارة المتقدمة و مرسلة حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته من اين ينبغي أخذ حصى الجمار؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 321

و يستحب أن يكون برشا، رخوة (331).

قال: لا تأخذ من موضعين: من خارج الحرم و من حصى الجمار و لا بأس بأخذه من سائر الحرم «1»».

و الشرط الثالث: أن تكون أبكارا بمعنى أنه لم يرم بها الجمار رميا صحيحا، و يدل عليه مرسلة حريز المتقدمة و نحوه خبر عبد الأعلى، كما استدل عليه بالسيرة و التأسي و الاجماع.

و لكن كل ذلك لا ينهض لاثبات الشرطية، لضعف سند الروايات، و السيرة لا تدل على اللزوم، إذ يمكن ان يكون بنحو الاستحباب و عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يدل على اللزوم أيضا، و الاجماع لا يحرز كونه تعبديا بعد وجود هذه الوجوه و غيرها من الوجوه الاستحسانية التي ذكرها فى «الجواهر «2»».

و عليه، فالحكم بشرطية كونها بكرا بنحو الاحتياط لا بأس به.

ثم الظاهر أن المراد بكونها بكرا أنها لم يرم بها في ذلك العام لا مطلقا للعلم- ظاهرا- بان الحصى ينتشر في أرض منى و غيرها و لم تقم السيرة و غيرها على التثبت من عدم تحقق الرمي بهذه الحصاة فى العام الماضي. فتدبر.

______________________________

(331) لرواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حصى الجمار، قال: «كره الصم منها، و قال: خذ البرش «3»».

و الأمر و ان كان فى الوجوب لكنه محمول على الندب بقرينة السيرة العملية

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 95، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 322

بقدر الأنملة، كحيلة منطقة ملتقطة (332).

و يكره أن تكون صلبة، أو مكسّرة (333).

القطعية على خلافه و المراد بالبرش: ما كانت فيها نقط تخالف لونها، أو ما كانت متخالفة فى اللون بحيث يكون البرش بلحاظ المجموع، و فسّر بغير ذلك.

و لا يهم تحقيق ذلك بعد ما كان الحكم استحبابيا. و أما الرخوة، فيراد بها ما يقابل الصلادة و الصلابة و هو المراد بالصم المكروه.

______________________________

(332) لرواية البزنطي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «حصى الجمار تكون مثل الانملة و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء خذها كحلية منقطة ... «1»».

و يدل على الالتقاط رواية أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«التقط الحصى و لا تكسرون منه شيئا «2»».

(333) أما كراهة الصلابة فلرواية هشام المتقدمة. و أما كراهة كونها مكسرة، فلرواية أبي بصير المتقدمة و هي ظاهرة في أن الموضوع الكسر بلا خصوصية لاضافته للرامي.

هذا، و لكن الرواية ظاهرة فى النهي الظاهر في الالزام لكنها ضعيفة السند، و لم يثبت عمل الاصحاب بها، إذ من الممكن ان تكون فتواهم بالاستحباب من باب قاعدة التسامح. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 20: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 323

و يستحب لمن عدا الامام، الافاضة قبل طلوع الشمس بقليل، و لكن

لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوعها (334).

______________________________

(334) أما استحباب الافاضة قبيل طلوع الشمس فيدل عليه رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: «أي ساعة أحب أليك أن أفيض من جمع؟

قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو احب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس «1»».

و أما عدم الجواز في وادي محسر إلا بعد طلوعها، فيدل عليه رواية هشام بن الحكم، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس «2»».

هذا و لكن إذا كان المراد به ما حكم به المشهور من عدم الدخول في وادي محسر حتى تطلع الشمس فهو يتنافي مع الحكم السابق، إذ الافاضة مساوقة للخروج من المشعر و هو يساوق الدخول في وادي محسر.

و إن كان المراد به ما هو ظاهره من عدم مجاوزة و قطع وادي محسر قبل طلوع الشمس، فليس هو حكما جديدا، بل هو عبارة أخرى عن الحكم السابق، إذ الخروج من المشعر قبل الشمس بقليل يساوق عدم قطع الوادي إلا بعد طلوع الشمس، فكأنه قال يلزم ان يكون الخروج في وقت لا يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس.

و عليه، فلا موقع للبحث عن كون المراد بالنهي الحرمة او الكراهة، بل يتعين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 15: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 324

و الامام يتأخر حتى تطلع الشمس (335)؛ و السعي بوادي محسر (336)، و هو أن يقول: «اللهم سلّم عهدتي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتى، و اخلفني فيمن تركت بعدي». و لو ترك السعي فيه، رجع فسعى استحبابا (337).

إرادة

الكراهة.

______________________________

(335) لرواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي للامام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس ... «1»».

(336) لرواية معاوية بن عمار «2»، و المراد به الهرولة.

(337) لرواية حفص بن البختري «3» و غيرها «4» ...

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 15: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 13: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 14: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 325

[القول في نزول منى و ما بها من المناسك]

اشارة

القول في نزول منى «1» و ما بها من المناسك فإذا هبط بمنى، استحب له الدعاء بالمرسوم. و مناسكه بها يوم النحر ثلاثة،

[هي رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق.]
اشارة

و هي رمي جمرة العقبة (338)، ثم الذبح، ثم الحلق.

______________________________

(338) الذي يظهر من بعض العبارات قيام الشهرة على وجوب الرمي، كما يظهر من بعض العبارات عدم الخلاف فيه، بل الإجماع عليه.

و لكن لا دلالة من النصوص عليه، فإن عمدة ما سيق على إثبات الوجوب هو ما ورد فى المرأة أو الخائف الذي يفيض قبل الفجر من الأمر بالرمي الظاهر فى الوجوب، كرواية سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، معنا نساء قال: افض بهن بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ... «2»».

______________________________

(1)- كانت بداية البحث يوم الثلاثاء 27/ شعبان المعظم/ 1388 ه

(2)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 326

..........

و لا يخفى ان هذه النصوص لا تدلّ على الوجوب، إذ الأمر بها ارشادي الى ما هو المشروع و جواز اتيانه بالليل، فهو أمر في مقام بيان الجواز لأنه في مورد توهم الحظر لاحتمال عدم مشروعية الرمي الا في يوم النحر.

و أما ما دلّ «1» على الثواب على الرمي، فهو لا يدلّ على الوجوب، و انما يدلّ على مطلق الرجحان. بل لعل دلالته على الندب أقرب لتعارف الكناية عن الوجوب بثبوت العقاب على الترك.

و أما رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا تركها من

أعلاها ... «2»»، التي ذكرها فى «الجواهر «3»» من أدلة الوجوب، فلا دلالة لها على ذلك، إذ الظاهر ان الأمر بالرمي هاهنا شرطي بلحاظ الخصوصية و ليس أمرا بنفس الرمي، بل أمر بان يكون بالنحو الخاص، و هذا لا يدلّ على وجوب الرمي.

و أما الاستدلال بالتأسي على الوجوب، ففيه ما لا يخفى، إذ التأسي لا يدل على اكثر من الرجحان.

و بالجملة، فلا دلالة لما ذكر على الوجوب، بل يقوى فى النظر كونه ندبيا، للروايات الدالة على الثواب. و لعدم وقوع السؤال عن حكم تركه بالمرة عمدا أو نسيانا مما يقرب انه غير لازم و إلا لسئل عن حكم تركه، و لعدم كون تركه مما يترتب عليه شي ء من كفارة او غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 9- 3.

(2)- المصدر/ باب 3: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 102، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 327

أما الأول: [أي رمي جمرة العقبة]

أما الأول:

فالواجب فيه النيّة (339). و العدد و هو سبع (340). و القاؤها بما يسمى رميا (341). و إصابة الجمرة بها بما يفعله (342).

______________________________

(339) لأنه عمل عبادي يتوقف على نية القربة، كغيره من الاعمال العبادية.

و الكلام في اعتبار الاخطار أو كفاية الداعي هو الكلام في غيره.

(340) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»- و ليس فى النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه صريحا، و العمدة في دليله السيرة القطعية و المفروغية عن كون العدد سبعا في ارتكاز المسلمين.

و مما يمكن الاستدلال به على هذا المعنى ما ورد في بعض النصوص «2» من السؤال: «... في رجل أخذ إحدى و عشرين

حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيهن نقص ...»، فانه ظاهر في ان كون العدد سبعا أمرا معلوما مفروغا عنه.

(341) لا اشكال في ذلك لان موضوع الحكم هو الرمي فلا يتحقق بدونه.

(342) لأن الواجب هو رمي الجمرة، فلو أصاب غيرها لا يصدق الرمي، كما أنه لو أصابت الجمرة بفعل الغير لم يجز، إذ لم يتحقق الفعل منه بل من غيره.

نعم، لو وقعت على مكان أولا ثم اصابت الجمرة من دون ان تتوقف فيه بحيث تحتاج الحركة ثانيا الى فعل آخر، جاز ذلك لصدق رميه الجمرة و عليه

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 104، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 7: من ابواب العود الى منى، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 328

..........

رواية معاوية بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت انسانا او جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك «1»».

ثمّ إنه ذهب فى «الجواهر «2»» الى وجوب التفريق فى الرمي و عدم جواز رميها فى السبع دفعة. و لا دليل عليه صريحا. نعم، قد يستفاد مما ورد «3» من الأمر بالتكبير مع كل حصاة. و نفى اعتبار التعاقب في الاصابة.

فلو رمى الاولى ثم رمى الثانية فأصابت قبل الأولى حسبت اثنتين.

و فيه: ان الرمي يتقوم بأمرين: دفع الحصى بالنحو الخاص و اصابة الجمرة، فاذا اعتبرنا التعاقب في رمي الجمرة، كان من اللازم تحقق مجموع الأمرين بنحو التعاقب في كل حصاة، فلا تعد رميتين فى الفرض. فالتفت.

ثم المراد بالجمرة هل هو البناء الخاص أو موضعه أو كلاهما؟ وقع البحث فيه.

و الظاهر هو الأوّل،

لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من اعلاها ... «4»»، فإن عدم الرمي من أعلاها لا يتلائم الا مع كون الجمرة هي البناء كي نتصور المواجهة، إذ لا نتصور المواجهة بالنسبة إلى الارض، بل لا بد من الرمي من أعلاه، كما هو واضح جدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 6: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 106، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 11: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 3: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 329

فلو وقعت على شي ء و انحدرت على الجمرة جاز، و لو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز، و كذا لو شك، فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا. و لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجز.

و المستحب فيه ستة: الطهارة (343).

كما يظهر ذلك من رواية أبي غسان «1» الآتية و لكنها ضعيفة السند.

______________________________

(343) القول باستحباب الطهارة هو المشهور كما فى «الجواهر «2»»، و من النصوص ما ظاهره اللزوم، كرواية محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار فقال: لا ترم الجمار إلا و أنت على طهر «3»».

و لكن يحمل على الاستحباب جمعا بينه و بين رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و يستحب ان ترمي الجمار على طهر «4»»، فان الاستحباب و ان كان لغة أعم من الوجوب و الندب و

هكذا في اوائل زمان الشارع؛ لكن الظاهر انه في مثل زمان معاوية يطلق و يراد به ما يقابل الوجوب، كما عليه الاصطلاح الفقهاء.

و عليه، فيتصرف في ظهور رواية محمد و تحمل على الاستحباب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 5.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 107، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 330

و الدعاء عند إرادة الرمي و أن يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا (344). و أن يرميهنّ خذفا (345).

و يدلّ على الندب رواية أبي غسان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور؟ قال: «الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرك و الطهر أحب إليّ فلا تدعه و انت قادر عليه «1»»، لكنها رواية ضعيفة السند.

و من هنا يظهر ما فى «المسالك «2»» من المناقشة فى التصرف في رواية ابن مسلم بضعف رواية أبي غسان، إذ عرفت أن ما يقتضي التصرف في رواية ابن مسلم ليس رواية أبي غسان بل رواية معاوية بن عمار.

______________________________

(344) يدل على ذلك رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و تقول و الحصى في يدك اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة اللّه أكبر اللهم ادحر عني الشيطان ...- الى أن قال: و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قد عشرة أذرع أو خمسة عشر

ذراعا ... «3»».

(345) يدلّ على ذلك رواية محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

«حصى الجمار تكون مثل الانملة- إلى أن قال:- تخذفهن خذفا و تضعها على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 5.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام 2/ 293، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 3: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 331

و الدعاء مع كل حصاة (346). و أن يكون ماشيا، و لو رمى راكبا جاز (347).

الابهام و تدفعها بظفر السبابة ... «1»».

و بعد تفسير الخذف في هذه الرواية و بيان كيفية الرمي، فلا وجه و لا حاجة الى تحقيق معنى الخذف الذي اختلف فيه الفقهاء و اللغويون. فلاحظ.

______________________________

(346) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار المتقدمة.

(347) فى الروايات ما يدل على تحقق الرمي ماشيا من المعصومين عليهم السّلام، كرواية علي بن جعفر، عن أخيه، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرمي الجمار ماشيا «2»».

و منها ما يدلّ على تحققه في حال الركوب منهم عليهم السّلام، ك:

رواية احمد بن محمد بن عيسى: «انه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا «3»».

و رواية عبد الرحمن بن أبي نجران: «انه رأى أبا الحسن الثاني عليه السّلام رمى [يرمي، خ ل] الجمار و هو راكب حتى رماها كلها «4»». و مقتضى ذلك عدم خصوصية لأحدهما و جواز كل منهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 7: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 8: من ابواب رمي

جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 332

و في جمرة العقبة يستقبلها و يستدبر القبلة (348)، و غيرها يستقبلها و يستقبل القبلة.

و ما قيل من ان المشي أفضل لانه أحمز و أشق.

فيه ما لا يخفى، لأن ما ورد «1» من ان أفضل الاعمال أحمزها، انما هو بلحاظ نفس العمل لا بلحاظ اختيار النحو الشاق منه اذا كان له نحوان و إلا لكان الأفضل الذهاب الى الجمرة زحفا لانه أشق من المشي.

كما ان ما ذكره في «كشف اللثام «2»»- كما فى «الجواهر «3»»- من انه لو لا الاجماع على جواز المشي و كثرة المشاة بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لوجب الركوب، لانه رمى راكبا، و قد قال: «خذوا عني مناسككم».

غير سديد بعد وجود النصّ الدال على انه صلّى اللّه عليه و آله كان يرمي راكبا و هكذا غيره من بعض المعصومين عليهم السّلام.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 332

______________________________

(348) استدل على ذلك برواية معاوية بن عمار المتقدمة: «ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها». و لكن يشكل بانه لم يثبت أن وجهها مستقبل القبلة بحيث يكون الرامي من وجهها مستدبرا للقبلة.

هذا، مع أن المنظور في الأمر بيان رجحان او لزوم المواجهة في قبال الرمي من أعلى الجمرة، كما هو صريح الرواية، لا المراد الوجه في قبال الخلف و غيره من الجوانب.

______________________________

(1)- السرخسي: المبسوط، ج 30:

ص 252.

(2)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 6: ص 121، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 111، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 333

[و أما الثاني: و هو الذبح]
اشارة

و أما الثاني:

و هو الذبح، فيشمل على أطراف:

[الأول: فى الهدي]

الأول: فى الهدي

و هو واجب على المتمتع (349).

______________________________

(349) هذا الحكم اجماعي على ما قيل، و فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه عليه. و ذكر فى «الوسائل» نصوصا كثيرة للاستدلال على وجوب الهدي على المتمتع لكن جميعها قابل للمناقشة.

أما رواية محمد بن مسلم، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة «2»»، فدلالتها على لزوم الهدي تبتني على ظهور السؤال عن الاجزاء فى الوجوب، و ذلك مصادرة إذ السؤال عن الاجزاء لا يظهر في اكثر من مشروعية الهدي اما انه واجب او مستحب فلا ظهور له فيه. و يدل على ما ذكرنا ورود السؤال عن الاجزاء فى الاضحية في بعض النصوص في نفس الباب مع ان الاضحية مستحبة قطعا.

و أما رواية عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل اعتمر في رجب فقال: ان كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فان خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي «3»»، فلأنه لا ظهور

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 114، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 334

..........

لها في كون موضوعها المتمتع، و لو سلم فظاهرها و وقوع عمرة التمتع في غير أشهر الحج و هو غير صحيح كما تقدّم آنفا. فتكون الرواية مطروحة، إلا ان يكون المقصود الاعتمار ثانيا عمرة التمتع و لكنه خلاف الظاهر.

و أما رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يجزيه في الاضحية هديه، فهي

أجنبية بالمرة عن الدلالة على الوجوب بل هي تدل على الاكتفاء بالهدي عن الاضحية «1»».

و أما رواية الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل تمتع عن أمه و أهلّ بحجه عن أبيه قال: ان ذبح فهو خير له و ان لم يذبح فليس عليه شي ء لانه انما تمتع عن أمه و أهلّ بحجه عن أبيه «2»». فدلالتها تتوقف على استفادة مفهوم التعليل منها و انه ان كان الحج و العمرة عن واحد لزمه الهدي.

و لكن يشكل: بان حج التمتع عمل واحد لا يقبل التفكيك و التوزيع، فلا بد ان يكون المقصود من التمتع هو العمرة المفردة- مجازا كما أطلق في بعض الاخبار- و من الحج حج الافراد. و من الواضح انهما إذا كانا عن نفسه لا يجب الهدي لان الهدي انما يجب- على تقدير ثبوت وجوبه- على المتمتع لا على غيره.

هذا، مع ان ظاهر النص نفي الهدي المشروع في نفسه عن هذا المورد للعلة المزبورة و مفهومه ثبوت الهدي المشروع في غير مورد التعليل و هو أعم من اللزوم.

لكن الانصاف عدم خلو هذه الرواية عن الظهور فى اللزوم، إذ الرواية نفسها دليل تعبدي على قابلية حج التمتع للتوزيع فى النية كما ورد ذلك في غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 335

..........

رواية.

كما أنّ المنفي فيها بحسب الظاهر هو اللزوم- كما هو ظاهر قوله ليس عليه شي ء- و قد ثبت الاستحباب فى الفرض. فالمفهوم يقضي بلزوم الهدي في غيره.

و أما رواية معاوية بن عمار و نظائرها مما يتضمن ان يوم الحج الاكبر هو يوم

النحر، فلا دلالة لها على لزوم النحر، كما لا يخفى.

و أما رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور بمكة حتّى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة و انما الاضحى على أهل الامصار «1»». فتشكل دلالتها بان ظاهرها بيان ثبوت الهدي المشروع في هذا الفرض لا بيان تشريع الهدي فى الفرض كي يدعى ان ظاهرها الوجوب.

هذا، و لكن ملاحظة مجموع النصوص الواردة في الابواب المختلفة من ابواب الذبح و في ابواب اقسام الحج يلازم استظهار لزوم الهدي من النصوص و انه أمر مركوز في اذهان السائلين.

و يدل عليه رواية زرارة الواردة في بيان كيفية حج التمتع، عن أبي جعفر عليه السّلام، حيث قال عليه السّلام فيها: «و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و اوسطه بقرة و أخفضه شاة ... «2»».

و العمدة فى الدلالة على لزوم الهدي الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

و أما الاجماع، فلا حجية له، إذ لا يحرز انه تعبدي بعد وجود الآية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من أبواب أقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 5: من أبواب أقسام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 336

و لا يجب على غيره، سواء كان مفترضا أو متنفلا. و لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (350).

و النصوص. فتدبر.

______________________________

(350) على المشهور شهرة عظيمة- كما فى «الجواهر «1»»- و هو مقتضى اطلاق ما دلّ على لزوم الهدي

على المتمتع. و حكي عن الشيخ فى «المبسوط «2»» جزما.

و فى «الخلاف «3»» احتمالا عدم وجوب الهدي على المكي المتمتع استنادا الى الآية الكريمة: و ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ، لرجوع اسم الاشارة الى قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، لا الى قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ- الآية إذ المسوق له الكلام هو لزوم الهدي و التمتع اخذ بمنزلة الموضوع.

و هذا المعنى و ان كان ظاهر الكلام في نفسه لكن ينفيه الروايات «4» الكثيرة الواردة في نفي مشروعية التمتع للمكي معلّلة ذلك بالآية الشريفة فانما تقضي بان المراد من ذلك هو التمتع لا الهدي.

و الأمر الغريب هو إغفال الشيخ هذه النصوص و عدم تعرضه لها و ليست هي من المخالف للكتاب كي تطرح، لانها واردة مورد التفسير و الشرح للكتاب العزيز.

و هذا مما يوجب الوقفة فى النفس من هذا الحكم.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 115، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ص 307، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 382/ المسألة 2.

(4)- وسائل الشيعة/ باب 6: من ابواب اقسام الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 337

و لو كان المتمتع مملوكا باذن مولاه، كان مولاه بالخيار بين أن يهدى عنه و أن يأمره بالصوم (351).

______________________________

(351) بلا خلاف محقق معتد به اجده فيه عندنا- كما فى «الجواهر «1»»- و عن «المنتهى «2»» و «التذكرة «3»» الاجماع عليه. و تدل عليه النصوص المتعددة، ك:

رواية جميل بن دراج، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: «فمره فليصم و ان شئت فاذبح عنه «4»».

و رواية سعد

بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: أمرت مملوكي ان يتمتع فقال: إن شئت فاذبح عنه و ان شئت فمره فليصم «5»».

نعم، رواية علي بن ابي حمزة، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: «سألته عن غلام أخرجته معي فامرته فتمتع ثم أهلّ بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه أ فله أن يصوم بعد النفر؟ قال: ذهبت الأيام التي قال اللّه، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج.

قلت: طلبت الخير. قال: كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة و كان ذلك يوم النفر الأخير «6»».

ظاهرة في لزوم الذبح عنه، لكنها محمولة على الندب بقرينة الروايات

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 10: ص 119، الطبعة الاولى.

(2)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 3: ص 737، الطبعة الاولى.

(3)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء 8/ 346- م 586 ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من أبواب الذبح، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 338

و لو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا، لزمه الهدي مع القدرة (352)، و مع التعذر الصوم. و النية شرط فى الذبح (353).

الاخرى المخيّرة، مع انها ضعيفة السند لا تصلح للمعارضة.

______________________________

(352) لانه موضوع وجوب الهدي مع القدرة و موضوع وجوب الصوم مع عدمها، و لا تشمله هذه النصوص السابقة قطعا. و لو اعتق بعد الوقوفين و قبل الذبح، فهو مشمول للأدلة الأولية، إذ هذه النصوص لا تشمله لظهورها في كون موضوعها المملوك الذي لم يعتق بعد، كما يظهر من أمر المولى له بالصوم.

(353) لانه عمل قربي فيعتبر فيه قصد القربة.

و هل تجوز الاستنابة فيه، أولا؟

الحق جوازها لا لأجل ما ورد من جواز الذبح عن الخائف، أو المرأة، أو الصبي، فانها موارد خاصة لا يمكن استفادة حكم مطلق منها و الغاء خصوصياتها، و إنما هو لأجل ان وجوب الهدي حكم على جميع المكلفين مع قلة من يعرف الذبح منهم، بل الظاهر عرفا من الأمر بالذبح هو الأعم من المباشرة و التسبيب نظير الأمر بالبناء المطلوب فيه احداث البناء منسوبا الى المأمور سواء بالمباشرة، أم بالتسبيب.

ثم إن النية يتولاها الذابح، لان الذبح فعله الإرادي فيصح منه قصده و ترتب الداعي إليه، و لا معنى لاعتبار نية الموكّل إذ لا معنى لتعلق قصده و داعيه بفعل الغير الارادي.

نعم، يمكن تأتي القربة في قصد التوكيل منه و لكن لم يعتبره أحد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 339

و يجوز أن يتولاها عنه الذابح. و يجب ذبحه بمنى (354).

و لا تعتبر تسمية المنوب عنه فى الذبح، بل يكفي فيه نية الذبح عن موكّله بعنوان الاجمالي و لو اشتبه الذّابح فسمّى غير موكّله لم يقدح لأن العبرة بالنية. و قد ورد النص بذلك. و هو رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن الضحية يخطى الذي يذبحها فيسمّى غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟ فقال: نعم، انما له ما نوى «1»».

______________________________

(354) لا دليل عليه من النصوص سوى رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة فى العشر فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى. و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء، و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره

إلا يوم الأضحى «2»»، لكنها ضعيفة السند.

و اما رواية عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا هدي إلا من الإبل و لا ذبح الا بمنى «3»»، فلا ظهور لها فى اللزوم بقرينة الجملة الاولى المعلوم من حالها بدوا. و بمنزلة القرينة المتصلة ان المراد بها الاستحباب، فانه يوجب الاخلال بظهور الثانية فى اللزوم لوحدة الظهور عرفا من الجملتين، و ليس التصرف في الاولى بقرينة منفصلة كي لا يخلّ بظهور الثانية كما مرّ نظيره. فالتفت.

و أما رواية منصور بن حازم «4» الواردة فى الهدي الضال فسيأتي الكلام عن موضوعها إن شاء اللّه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من أبواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 28: من أبواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 340

و لا يجزي واحد فى الواجب إلا عن واحد (355).

و لا دلالة لرواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة. فقال: إن مكة كلها منحر «1»» على خلاف ما فى المتن و جواز الذبح بمكة، إذ محطة الكلام فيها هو الذبح فى المنزل حيث كان المتعارف الذبح بين الصفا و المروة.

أما المقصود من الهدي هل هو الهدي الواجب او المستحب فليس المقام مقام بيان من هذه الجهة و لا دلالة فيه على شي ء عن ذلك، فلعل المقصود به الهدي المستحب. إذن فلا دليل على أحد الطرفين و الاحتياط يقضي بما فى المتن.

و إن كان التأمل في بعض النصوص الواردة فى الابواب المتفرقة ينتهي الى استفادة الوجوب، فالتفت.

______________________________

(355) عند

المشهور، كما فى «الجواهر «2»» و يدلّ على ذلك اطلاق دليل وجوب الهدي، كالآية الكريمة المقتضي لثبوت وجوب الهدي لكل فرد بنحو العموم الاستغراقي.

و من الواضح عدم صدق الهدي على بعضه و إنما يصدق على الحيوان التام.

و قد يستدل له بما ورد «3» من انه يجزي فى الهدي شاة بناء على كون المراد بيان أقل ما يجزي من حيث النوع و الكمية. فتدل على ان أقل المجزي هو شاة واحدة كما هو ظاهر النكرة المنونة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 121، الطبعة الاولى.

(3)- انظر رواية محمد بن مسلم (وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 1).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 341

..........

أما اذا قيل انه في مقام بيان أصل الاجزاء لا أقل ما يجزي، فلا دلالة له على عدم اجزاء أقل من شاة، إذ لا مفهوم له. و هكذا اذا قيل انه في مقام بيان أقل ما يجزي من جهة النوع لا الكم في قبال الدجاج مثلا، فلا تدل على لزوم الشاة الواحدة.

و يدل على الحكم أيضا روايات اخرى، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا تجوز البدنة و البقرة إلا عن واحد بمنى «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تجزي البقرة أو البدنة في الامصار عن سبعة و لا تجزي بمنى إلا عن واحد «2»» فان الحكم بعدم الاجزاء فيها مطلق لكن القدر المتيقن منه هو عدم الاجزاء فى الهدي الواجب فهما نص فيه.

و رواية محمد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: «اما فى الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم «3»» فهذا مجموع ما يستدل به على الحكم فى المقام و لا معارض له. نعم، ورد في بعض النصوص «4» بيان إجزاء البقرة او غيرها عن متعدد، لكن بعضها موضوعه الأضحية، فتكون أجنبية عما نحن فيه. و بعضها مطلقة من هذه الناحية و لكنها تحمل على المستحب بقرينة الروايات المتقدمة التي عرفت أن القدر المتيقن منها هو الواجب. أو على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18:: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 342

..........

الأضحية بقرينة رواية الحلبي الأخيرة، أو على مورد الضرورة على ما سيأتي البحث فيه.

ثم إنه ورد بيان إجزاء البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجزي البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد «1»».

كما ورد بيان اجزائها عن جماعة فى الضرورة إذا كانوا مترافقين و هو رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الاضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد ألهم ان يذبحوا بقرة؟ قال: «لا احب ذلك إلا من ضرورة «2»».

و هاتان الروايتان إن كانتا ينظران الى موضوع واحد- كما هو الظاهر- و هو طبيعي المرافقة و الاجتماع سواء كان بوحدة الخوان أم بوحدة المضرب، فكل منهما بالنسبة الى ما ذكر فيه من القيود مقيد للاخرى لأن كل منهما يثبت بعض القيود للموضوع

الواحد و الآخر مطلق من جهته.

و عليه، فيكون الحكم هو اجزاء بقرة عن خمسة فى الضرورة مع وحدة الخوان و المضرب.

و إن كان كل منهما يتكفل حكما لموضوع يمتاز عن موضوع الآخر بان يدعى ان الموضوع فى الأولى وحدة الخوان و فى الثانية وحدة المسير و المضرب، ثبت لكل موضوع حكمه عند ثبوته و لا تعارض بينهما، إذ لا مفهوم لكل منهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18:: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 343

و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة، اذا كانوا أهل خوان واحد، و الاول أشبه. و يجوز ذلك فى الندب (356).

و لا يجب بيع ثياب التجمل فى الهدي، بل يقتصر على الصوم (357).

ينفي الحكم عن غير موضوعه. فان الظاهر أن «إذا» فى الرواية الاولى توقيتية، لا شرطية سيقت لتحديد الموضوع و بيانه لا أكثر. فالتفت.

و من هنا تعرف منشأ القول المذكور فى المتن و انه يبتني على استظهار وحدة الموضوع في كلتا الروايتين و عدم الخصوصية.

نعم، الاجزاء عن سبعة لا دليل عليه بقيد وحدة الخوان، فانه لا ذكر له إلا في رواية معاوية و قد تكفلت الاجزاء عن خمسة.

و قد ذكر فى «الجواهر «1»» الى انه لم يعرف القائل بهذا القول.

______________________________

(356) للنصوص الكثيرة المحمولة على المستحب جمعا، كما عرفت.

(357) إذا كانت ثياب التجمل ضرورية عرفا للشخص بان كان ترك التجمل موجبا لنقده و الاستنكار عليه عرفا، فعدم لزوم بيعها على القاعدة، لصدق عدم وجدان الهدي بالنسبة إليه.

و أما اذا لم تكن ضرورية له عرفا بحيث أمكنه الاستغناء عنها، فيجب بيعها على القاعدة، لصدق وجدان الهدي، و

لا يجوز له الصوم.

لكن التزم بعدم لزوم بيعها و الانتقال الى الصوم، لأجل ثبوت استثنائها في

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 122، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 344

..........

دين المخلوق مع أنه أهم بنظر الشارع من دين الخالق.

و فيه: أنه لو سلم استثناؤها في هذه الصورة في دين المخلوق، فلم تثبت الأهمية بنحو يحصل الجزم بثبوت الحكم في ما نحن فيه. و الظن به لا ينفع. و ل:

رواية علي بن أسباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

«قلت (له): رجل تمتع بالعمرة الى الحج و في عيبته ثياب له أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن. يصوم و لا يأخذ شيئا من ثيابه «1»».

و رواية ابن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه فتسوى بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممن يجب عليه، فقال: «له بد من كسر أو نفقة، قلت: له كسر او ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: و أي شي ء كسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ... «2»».

و هاتان الروايتان لا بأس بدلالتهما و الأولى و ان كانت ضعيفة السند لكن الثانية لا بأس بسندها.

و لو باع ثياب التجمل، فهو يجب عليه الهدي أو ان وظيفته الصوم فلا يجزيه الهدي؟

ذهب فى «الدروس «3»» الى اجزاء الهدي. و نوقش بان الواجب في حقه هو الصوم و لم يأت به فلا يتحقق الامتثال.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 57: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 436.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 345

و لو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه (358).

و فى «الجواهر «1»»: «لعل الاجزاء لا يخلو من قوة و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه و لو بالجمع».

أقول: المتجه هو وجوب الهدي و اجزائه لتبدل الموضوع عند ما باع ثيابه لصيرورته واجدا لثمن الهدي فيجب عليه الهدي دون الصوم، فهو نظير ما لو لم يكن لديه مال و لا ثياب تجمل، فاعطاه شخص مالا بقيمة ثياب التجمل فانه يجب عليه الهدي و لا يجوز له الصوم، كما لا يجوز ان يشتري بالمال ثياب التجمل. فالتفت.

______________________________

(358) فى «المسالك «2»»: أنه المشهور. و لكن فى «الجواهر «3»»: لم نجده لغير المصنف فى الكتابين (يعني «الشرائع» و «النافع»). و حكي عن «كشف اللثام «4»» ان المشهور الاجزاء عنه ان ذبحه بمنى.

و على كل، فيدل على الاجزاء لو ذبحه بمنى، رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: «ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه و ان كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «5»». و استدل عليه- أيضا- برواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 127، الطبعة الاولى.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 296، ط مؤسسة المعارف الإسلامية.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 127، الطبعة الاولى.

(4)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام:

ج 6: ص 176، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 28: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 346

..........

- في حديث- قال: «و قال: إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّف يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «1»».

و قد وقع الكلام بلحاظ هذه الرواية في اعتبار التعريف فى الاجزاء باعتبار ان ظهور الاوامر فى المركبات فى الشرطية، و عدم اعتباره و حمله على الندب كما ذهب إليه صاحب الجواهر تقديما لرواية منصور- مع انها مطلقة من هذه الجهة و مقتضى القواعد تقييدها برواية ابن مسلم-.

و لكن الذي أراه ان رواية محمد بن مسلم أجنبية عما نحن فيه و عن رواية منصور و لا معنى لتقييد أحدهما بالاخرى.

بيان ذلك: ان رواية منصور موضوعها هو الرجل الذي فقد الهدي و نحره الغير الظاهر في علمه بذلك و لذا يسأل عن حكمه من حيث اجزاء المنحور من قبل غيره عنه و عدمه، فهي لبيان حكم من ضل هديه و عرف أن الغير نحره. أما نحر الغير كان له بأي مجوز شرعي من قطعه بالرضا أو يأسه عن وجود صاحبه أو غير ذلك، فذلك مما لا تتعرض له الرواية بقليل و لا كثير.

و أما رواية ابن مسلم، فموضوعها هو واجد الهدي و السؤال عن تكليفه بالنسبة الى ما وجده، و قد بيّن له الامام عليه السّلام حكما على طبق القاعدة و هو التعريف حتى يحصل اليأس، إذ مع التعريف ثلاثة أيام مع اجتماع الحجيج و صغر المكان، و عدم وجدان صاحب الحاجة يكون موجبا عادة لليأس عن العثور عليه بعد ذلك عند ما يتفرق

الحجيج و يذهب كل لبلاده و شأنه.

و أما الذبح عن صاحبه، فمن باب علمه برضاه بهذا العمل القربي بعد تهيئته لذلك، فهو نظير لزوم التصدق باللقطة عن صاحب المال في سائر الموارد الذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 28: من أبواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 347

..........

يقال انه حكم على القاعدة من باب انه إحسان يصل ثوابه الى صاحب المال فهو يرضى به قطعا لأنه أقرب طرق ايصال المال إليه. و ليس فى الرواية تعرض للاجزاء عن صاحب الهدي بل هي تكفلت الأمر بالذبح لا أكثر، و ما الأثر من الحكم بالاجزاء؟ بعد فرض عدم علم صاحب المال بذلك كما هو المفروض، إذ الغرض اليأس عادة عن العثور على صاحب المال.

و بالجملة، الرواية أجنبية عما نحن فيه، إذ هي تتكفل حكم الواجد لا الفاقد، فلا تعرض لها للاجزاء فلا معنى لأخذ التعريف شرطا فى الاجزاء و لا مستحبا في هذا المقام. فالتفت و تدبر.

و عليه، فالدليل على الاجزاء ينحصر برواية منصور بن حازم.

ثم ان هناك من النصوص ما يقتضي اجزاء الهدي بمجرد سرقته أو هلاكه، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها؟ قال: «لا بأس و ان ابدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1»»، و بمضمونها روايات اخرى ضعيفة السند.

و الظاهر انه لا خصوصية للسرقة و الموت و انما الموضوع هو ذهابه من اليد سواء كان بهما أم بضياع، كما ورد التصريح به في بعض النصوص «2».

و لا يخفى ان ظاهر هذه النصوص ينافي رواية منصور بن حازم، إذ

لا معنى للتفصيل فيها فى الاجزاء بين الذبح بمنى و بمكة بعد ان كانت مجزية بضياعها كما هو ظاهر هذه الطائفة.

و لكن يمكن الجمع بان موضوع هذه الطائفة هو فوات العين بنحو لا يمكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 30: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 348

و لا يجوز اخراج شي ء مما يذبحه عن منى (359).

تحصيله، كالموت و السرقة. و موضوع رواية منصور العثور على واجد العين و تمكنه من أخذ بدلها، و الحكم بالاجزاء فى الصورة الاولى لا يلازم الحكم فى الاجزاء فى الصورة الثانية.

و عليه، فلا تنافي بين التفصيل فى الاجزاء فيها و اطلاق الحكم بالاجزاء فى الصورة الاولى. فالتفت.

ثم إنه قيّد الحكم بالاجزاء بما اذا نواه عن صاحبه، مع أن رواية منصور مطلقة من هذه الجهة. و لعلّه لاجل ظهورها في صورة النية عن صاحبه لانه المتعارف، أو لانه الجائز في حق الناحر، إذ ذبحه عن غير صاحبه لا يجوز له. كما هو ظاهر رواية ابن مسلم، أو لأجل عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة و القدر المتيقن هو صورة نية الذبح عن صاحب الهدي.

______________________________

(359) فى «المدارك «1»»: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا.

و لكن الذي يستفاد من النصوص هو عدم جواز اخراج اللحم من الهدي.

لرواية معاوية بن عمار، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي «2»».

و المناقشة: في دلالتها بانه لم يبيّن فيها ما يخرج عنه فلعل المقصود به الحرم.

تندفع: بان الظاهر من الاطلاق مع فرض ان للذبح مكانا مخصوصا و هو

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8:

ص 25، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 349

..........

منى، هو النهي عن الاخراج عن منى.

و أما إخراج غير اللحم، فلا مانع من إخراجه لعدم الدليل على حرمته، بل رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب فقال:

«تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به فى البيت و لا تعطه الجزارين ... «2»».

و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي أ يخرج شي ء منه عن الحرم؟ فقال: بالجلد و السنام و الشي ء ينتفع به ... «3»».

تدل على جواز اخراجه.

و هكذا يجوز اخراج اللحم من غير الهدي، لرواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من منى، فقال: كنا نقول لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه «4»». و هي مطلقة تشمل الهدي و غيره و لكن خرج الهدي برواية معاوية المتقدمة الأولى. هذا لو لم نقل بان ظاهر لفظ الأضحية غير الهدي.

فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 350

و يجب ذبحه يوم النحر (360)، مقدما على الحلق، فلو أخره أثم و أجزأ.

______________________________

(360)

فى «المدارك «1»» أنه قول علمائنا و اكثر العامة.

و يستدلّ عليه بوجوه:

الأول: الاجماع. و نوقش بانه ان اريد به الاجماع على ذلك في قبال تقديمه على يوم النحر، فمسلم.

و ان اريد به في مقابل تأخيره عنه، فهو ممنوع لتصريح بعض «2» بجواز التأخير. و ظاهر آخرين ذلك- راجع «الجواهر «3»»-.

و الثاني: التأسي، فان النبي صلّى اللّه عليه و آله نحر في يوم النحر بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عني مناسككم».

و فيه: مضافا الى ما يشير إليه فى «الجواهر»- من ان الذبح او النحر لا بد له من زمان يقع فيه و لم يثبت ان النحر في هذا اليوم باعتبار انه منسك، بل يمكن ان يكون من باب المسارعة الى الواجب الموسع- ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان قارنا في حجه، مع احتمال أن يكون حكما مختصا بالقارن لا ينفعنا فيما نحن فيه، بل يظهر ذلك من بعض النصوص الآتية.

الثالث: تسمية اليوم بيوم النحر، و عدم دلالته على الوجوب واضح.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 27، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- و هو الشيخ و ابن ادريس و ابن زهرة (النهاية، ص 256؛ سرائر، ج 1: ص 595؛ غنية النزوع، ص 191).

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 133، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 351

..........

و عليه، فالأصل البراءة من الخصوصية. هذا مع وجود النص الدال على جواز التضحية في غير اليوم العاشر الشامل بإطلاقه الهدي الواجب، ك:

رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و

سألته عن الأضحى في غير منى، فقال:

ثلاثة أيام ... «1»».

و نحوها رواية عمار الساباطي «2».

و رواية منصور بن حازم «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام و النحر بالامصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد» و هي ظاهرة في كون موضوعها «4» هدي المتمتع للتعرض فيها للصوم الذي هو بدل عن هدي المتمتع، و ان نوقش في دلالتها على المدعى بأنه حكم خاص لمن لم يجد الهدي و انه يجب عليه الانتظار هذا الوقت.

و في مضمونها من ان النحر بمنى ثلاثة أيام رواية محمد بن مسلم «5» و رواية كليب الاسدي «6».

و على كل، فهذه النصوص تتكفل امتداد وقت الذبح بمنى ثلاثة أيام أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- تمكن المناقشة فيها من هذه الجهة، بان المراد بالصوم ليس الصوم بدل الهدي بل مطلق الصّوم بقرينة الذيل، فهي تتكفل تحريم الصوم أيام التشريق بمنى دون الامصار.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 7.

(6)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 352

..........

أربعة و هو ينافي وجوب الذبح يوم النحر. و يؤيد ما ذكرنا انه ليس لهذا الحكم عين و لا أثر فى النصوص.

كما أن عدم الوجوب ظاهر رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل قدم بهديه فى العشر، فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و ان كان ليس بواجب فينحره بمكة ان شاء. و ان كان قد اشعره أو

قلده فلا ينحره الا يوم الأضحى «1»»، فان تعرضه للزوم النحر يوم الأضحى لهدي القران بالخصوص مع أن الموضوع فى السابق هو الهدي الواجب مطلقا، ظاهر في عدم لزومه في هدي التمتع. و انما هو من مختصات هدي القران.

و مما يدل على لزوم ذبح هدي القران يوم النحر من دون تعرض لغيره من انواع الهدي. رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخل بهديه فى العشر فان كان أشعره و قلده فلا ينحر إلا يوم النحر بمنى ... «2»».

نعم، لو ثبت وجوب الحلق يوم النحر كان ذلك دليلا على وجوب الذبح فيه لقيام الدليل على لزوم تأخير الحلق عن الذبح كما سيأتي إن شاء اللّه، و لكن لم يثبت ذلك.

ثم إنك عرفت اختلاف النصوص في تحديد وقت الذبح بين الأربعة الأيام و الثلاثة. و عليه، نقول: ان مفاد النصوص:

تارة: يكون هو مجرد تحديد الوقت، فيتحقق التعارض بينهما لأن إحداهما مضمونها ان الحد هو آخر الثلاثة و الاخرى مضمونها انه آخر الاربعة، و هما متنافيان، فيرجع فيهما الى قواعد المعارضة. نعم، هما بالنسبة الى نفي الثالث و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من أبواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 353

و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز (361).

جواز الذبح بعد الاربعة متفقان، إما بالدلالة الالتزامية على رأي الشيخ «1»- او باحدهما- على رأي الآخوند «2»- كما يحقق في محله.

و اخرى: مفادها الحكم المحدد يعني تتضمن كل من الطائفتين بيان جواز الذبح في هذه الأيام و أنها ثلاثة أو أربعة، فبالنسبة الى ذات الثلاثة أيام لا تعارض بينهما و انما

التعارض يقع بينهما فى اليوم الرابع، فان احداهما تجوزه و الاخرى تمنعه. و لكن منعها ليس بالإطلاق كي يتقيد بالاخرى، بل بنفس عنوان الثلاثة، فيكون جواز الذبح فى اليوم الرابع منافيا للعنوان فالتعارض بين النصين، فاذا تساقطا تعين القول بجواز الذبح في ثلاثة أيام لا اكثر، اذ لا تعارض بينهما بالنسبة الى الثلاثة. فالتفت.

______________________________

(361) هل المراد بالجواز، الجواز التكليفي أم الوضعي؟ وقع الكلام في ذلك و إرادة الجواز التكليفي تنافي وجوب الذبح يوم النحر الذي مرّ منه قدّس سرّه.

و على كل، فالذي تقتضيه النصوص المتقدمة أن وقت النحر أربعة أيام أو ثلاثة، فلا يجوز تأخيره عنها، و لم يدلّ دليل على جواز التأخير إلا في بعض موارد الضرورة كصورة عدم وجدان الهدي و وجدان ثمنه، كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- الانصاري، المحقق الشيخ مرتضى: فرائد الاصول، ص 439، الطبعة الاولى.

(2)- الخراساني، المحقق محمد كاظم: كفاية الاصول، ص 439، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 354

[الثاني: في صفاته]

الثاني: في صفاته و الواجب ثلاثة،

الأول: الجنس، و يجب ان يكون من النعم (362): الابل، أو البقر، أو الغنم.

الثاني: السّن. فلا يجزي من الابل الا الثني (363)، و هو الذي له خمس و دخل فى السادسة. و من البقر و المعز، ماله سنة و دخل فى الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنته.

______________________________

(362) هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء- كما فى «المدارك «1»»- و يدلّ عليه رواية زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام فى المتمتع، قال: «و عليه الهدي. قلت:

و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و آخره شاة «2»»، و السيرة القطعية

على عدم تعدي النعم فى الذبح و ظهور مفروغيته في الاذهان و الروايات.

نعم، ورد جواز التضحية بالجاموس «3».

(363) ما ذكره فى المتن من اعتبار الثني فى الهدي إلا الضأن فيجزي فيه الجذع هو مذهب الأصحاب- كما فى «المدارك «4»»-.

و نقل عن بعض لزوم الثني مطلقا، و عن آخرين اجزاء الجذع مطلقا إلا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب الذبح، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 15: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 355

..........

المعز. و بما فى المتن ورد النص، ك:

رواية العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام: «انه كان يقول:

الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثنية من المعز و الجذعة من الضأن «1»».

و رواية ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز إلا الثني «2»».

و رواية حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما يجزي من اسنان الغنم فى الهدي. فقال: «الجذع من الضأن. قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز. قلت: و لم؟ قال: لأن الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح «3»».

و هذا واضح لا اشكال فيه، انما الاشكال فى المقصود بالثني و الجذع. أما فى الإبل، فقيل: انه ما دخل فى السادسة، و هو غير مخالف فيه.

انما الاختلاف في معنى ثني البقر و المعز، فهل هو

ما دخل فى الثانية أو الثالثة؟ و الأول هو المشهور بين الفقهاء «4» و الثاني هو المشهور بين اللغويين «5».

كما وقع الاختلاف في معنى الجذع، فهل هو ما كمل له ستة أشهر، أو سبعة، أو ثمانية، أو سنة، و على الأخير لا يختلف عن ثني المعز على تفسير الفقهاء. و هو ينافي ما يظهر من رواية حماد من وجود الاختلاف بينهما فى السن.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- الفيروزآبادي، مجد الدين: القاموس المحيط، ص 1627، ط بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 356

الثالث: أن يكون تاما (364).

و على هذا، فالحكم مشكل، إذ ليس لدينا ما يرجح أحد المعاني على الآخر، فتكون النصوص مجملة من هذه الجهة و المرجع هو الأصل العملي.

و تحقيقه: انه و ان كان عنوان الثني أو الجذع اسم للحيوان بلحاظ بلوغه سنّا خاصا فالاصل يقضي الاكتفاء بالأوّل، و ذلك للعلم بوجوب الهدي البالغ حدا من الزمان و هو سنة مثلا، أما انه هل يعتبر فيه خصوصية اخرى و هي إكمال سنة اخرى أو لا؟ و الأصل البراءة من هذه الخصوصية.

و بعبارة اخرى: انه بأدلة التحديد نعلم بالتضييق في متعلق الحكم من حيث الزمان بالمقدار الأقل كسنة- مثلا- و عدم اجزاء ما دونه، اما التضييق زائدا على ذلك فهو مجهول فينفى بالبراءة.

و أما ان كان اسما بلحاظ حالة خاصة واقعية من حالاته و خصوصية من خصوصياته المتبدلة، فدار أمرها بين خصوصيتين متباينتين- كما هو الظاهر- فالأصل يقضي بعدم الاكتفاء إلا بالأكثر للشك

عند تحقق السنة في تحقق تلك الخصوصية الواقعية المستلزمة للتسمية، و مقتضى الاستصحاب عدم تحققها.

______________________________

(364) فى «المدارك «1»»: «هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء».

و قد ورد بذلك روايتان «2» نبويتان لكنهما ضعيفتا السند، فالمهم في مدرك

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 30، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 21: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 357

فلا يجزي العوراء، و لا العرجاء البيّن عرجها (365)، و لا التي انكسر قرنها الداخل (366).

هذا الحكم هو رواية علي بن جعفر «1» انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال:

«نعم، إلا ان يكون هديا واجبا، فانه لا يجوز ان يكون ناقصا». فإن إطلاق قوله:

«لا يجوز ان يكون ناقصا» يدل على اعتبار التمامية فى الهدي الواجب. و المراد به هو النقصان العرفي و هو نقصان ظاهر الحيوان بحيث يعد عند العرف ناقصا، فلا يشمل المرض او النقص الداخلي الذي لا يضر بمظهر الحيوان جزء و صفة، و عليه فيكون العور مانعا مطلقا سواء كان بانخساف العين أم ببياض فيها لانه نقص مطلقا.

و بالجملة، كل ما يعد ناقصا بنظر العرف لا يكون مجزيا.

______________________________

(365) لان العرج نقص و لا فرق بين البيّن المفسر بالمتفاحش و غيره لانه نقص مطلقا. نعم، ورد التقييد بالبيّن في احد النبويين و لكن عرفت ضعف سنده.

(366) دون الخارج لانه يعدّ من الزوائد نظير الظفر الطويل فلا يكون عدمه نقصا، هذا مع ورود النص فيه بالخصوص و هو رواية جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فى الأضحية

يكسر قرنها، قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 21: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 22: من أبواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 358

و لا المقطوعة الاذن (367). و لا الخصي من الفحول (368). و لا المهزولة، و هي التي ليس على كليتيها شحم (369).

______________________________

(367) لأنه نقص عرفا، فتشمله رواية علي بن جعفر. هذا مع رواية محمد بن ابي نصر، باسناد له عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سئل عن الاضاحي اذا كانت الاذن مشقوقة او مثقوبة بسمة، فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس «1»».

و أما مشقوقة الاذن، فمقتضى رواية البزنطي اجزائها، لكن رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الاذن مشقوقة، فقال: «ان كان شقها و سما فلا بأس، و إن كان شقا فلا يصلح «2»» ظاهرة في تقييد المشقوق المجزي بما كان لأجل الوسم، و لكن الانصاف ان ظهور «لا يصلح» فى التحريم غير مسلّم.

(368) و هو المسلول الخصية- كما فى «المدارك «3»»- و يدل على عدم اجزائه مضافا الى رواية علي بن جعفر لانه نقص، رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال:

«سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه اذا هو خصي مجبوب و لم يكن يعلم ان الخصي لا يجزي فى الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «4»».

(369) لرواية الحلبي، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا اشترى الرجل البدنة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- العاملي، السيد

محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 33، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 359

و لو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه (370).

مهزولة فوجدها سمينة فقد اجزأت عنه و ان اشتراها مهزولة فانها لا تجزي عنه «1»».

و أما المراد بالمهزولة، فقد فسرت- كما فى المتن- بانها التي ليس على كليتيها شحم. و هو وارد في رواية الفضل «2» لكنها مضمرة و ضعيفة السند، و ادعى عمل المشهور بها و هو غير جابر بنظرنا.

اذن، فالمرجع في تحديد الهزال هو العرف، و لعله هو ان تكون الشاة دون الحد المتوسط المتعارف من الشكل.

و عليه، فيكون الهزال نقصا مشمولا للرواية العامة.

______________________________

(370) ما فى المتن مضمون رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و ان اشترى اضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «3»» و نحوها رواية منصور «4» و موضوعها الهدي.

و قد استظهر بعض الفقهاء «5» ان المراد من الوجدان هو الوجدان بعد الذبح و أنه حكم على خلاف القاعدة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 16 من أبواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- هو صاحب المدارك رحمه اللّه (- مدارك الاحكام، ج 8: ص 35).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 360

و لو خرجت سمينة أجزأته، و كذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة. و لو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة

لم يجزه (371).

لكن يبعّد ذلك ان ذبح السمينة بما هي مهزولة لا يمكن ان يقصد به القربة إلا بنحو التشريع المحرم لعدم مشروعيته في نفسه. فكيف يتحقق به الاجزاء مع اعتبار قصد القربة فيه؟

و الذي نراه ان المقصود من الوجدان هو الوجدان بعد الشراء و قبل الذبح، اذ هو ظاهر الرواية، فيكون حكما على طبق القاعدة بالنسبة الى ما اذا نواها مهزولة فبانت سمينة و على خلافها بالنسبة الى ما اذا نواها سمينة فبانت مهزولة.

يبقى شي ء و هو: انه لو كان المراد هو الوجدان قبل الذبح فلا يحتاج ذلك بالنسبة الى أولى الصورتين الى بيان لوضوح الاجزاء.

و الجواب: أنه يمكن ان يكون منشؤه أحد وجهين:

أحدهما: هو تخيل لزوم قصد السمينة حال الشراء و المعاملة و في مقام دفع المال لكي لا تحصل له حالة البخل عن ذلك، فالبيان لدفع هذا الخيال و ان المعتبر هو السمن حال الذبح.

و الآخر: هو تخيل بطلان المعاملة فلا تجزي لعدم كونها مملوكة له. فكان البيان لدفع هذا التخيل و ان الشاة ملك فتجزي. فتدبر.

______________________________

(371) هذا الحكم هو مقتضى اعتبار عدم النقصان الذي هو مفاد رواية علي بن جعفر المتقدمة، إلا أن فى المقام رواية تدلّ على التفصيل بين نقد الثمن و عدمه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 361

و المستحب أن تكون سمينة، تنظر في سواد و تبرك في سواد و بالاجزاء في الأوّل دون الثاني و هي رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اشترى هديا و لم يعلم ان به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تم «1»». و أصرح منها فى التفصيل رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره. فقال: «إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره «2»».

و لكن رواها الشيخ رحمه اللّه «3» بحذف: «فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه» فتكون معارضة لرواية الحلبي. و حملها فى «التهذيب» على صورة ما اذا علم العيب قبل نقد الثمن ثم نقد الثمن بعد ذلك.

و الذي يهوّن الخطب ما قيل من عدم العمل برواية الحلبي من قبل الاكثر حتى الشيخ رحمه اللّه في باقي كتبه مما يوجب الاطمئنان بسقوطها عن الحجية و لا تصل النوبة الى الجمع و حلّ التعارض.

و إن كان الأصل و الاعتبار يساعد على كون رواية معاوية بالنحو الأول لا برواية الشيخ لعدم انتظام المعنى في نفسه على رواية الشيخ رحمه اللّه، فتأمل تعرف.

و لو سلمنا حجية الرواية، فحمل رواية معاوية- على رواية الشيخ رحمه اللّه- على الاستحباب حسن، كما فى «الاستبصار».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 24: من أبواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 269/ باب 183.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 362

تمشي في مثله (372)، أي يكون لها ظلّ تمشي فيه. و قيل: أن يكون هذه المواضع منها سودا، و أن تكون مما عرّف به (373).

______________________________

(372) ل:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد و يمشي في سواد «1»».

و رواية معاوية بن عمار- في حديث- قال: «قال أبو عبد اللّه عليه

السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة ... «2»» و غيرهما.

و قد وقع الكلام في تفسير: «تنظر في سواد و يمشي في سواد و تبرك في سواد» و المنقول فيه معان ثلاثة:

الأول: ان يكون لها ظلّ كبير تمشي فيه و تنظر فيه و تبرك فيه كناية عن كثرة السمنة.

الثاني: ان تكون هذه المواضع منها سوداء.

الثالث: ان تكون حياتها دائما فى الزرع. كناية عن كثرة السمنة- أيضا.

و الأمر سهل بعد كونه مستحبا.

(373) لرواية البزنطي: «... قال: لا يضحى إلا بما قد عرف به «3»».

و نحوها رواية ابي بصير «4» المحمولتين على الاستحباب، لرواية سعيد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 12: من ابواب الذبح، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 17: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 363

و أفضل الهدي من البدن (374)، و البقر الاناث. و من الضأن و المعز الذكران، و أن ينحر الابل قائمة (375)، قد ربطت بين الخف و الركبة، و يطعنها من الجانب الأيمن، و أن يدعو اللّه تعالى عند الذبح (376).

يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس بها عرّف أم لم يعرّف «1»».

و قيل: انه يكتفى بقول البائع في ذلك، لرواية سعيد بن يسار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرّف بها أم لا؟ فقال: إنهم لا يكذبون لا عليك ضح بها «2»».

______________________________

(374) يدل عليه رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أفضل البدن ذوات الارحام من الإبل و البقر و قد

تجزي الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة «3»». و غيرها.

(375) لرواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: و فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال: «ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف الى الركبة. و وجوب جنوبها اذا وقعت على الارض «4»». و غيرها.

(376) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا اشتريت هديك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 35: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 364

و يترك يده مع يد الذابح. و أفضل منه أن يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن.

و يستحب أن يقسمه أثلاثا، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، و قيل: يجب الأكل منه، و هو الاظهر (377)، و يكره: التضحية بالجاموس، و بالثور، و بالموجوء.

فاستقبل به القبلة و انحره او اذبحه و قل: وجهت وجهي للذي فطر ... «1»»، و مثلها رواية ابن أبي عمير و ظاهر الأمر فيهما للوجوب لو لا عدم القول به. فالتفت.

______________________________

(377) اختلفت كلمات الاصحاب قدّس سرّه في هذه المسألة و تحقيق الكلام في هذه المسألة يكون بالكلام في جهات:

الأولى: في ثبوت التقسيم الثلاثي المذكور فى المتن.

الثانية: في وجوب الأكل و التصدق.

الثالثة: انه على تقدير وجوب التصدق، فلو أتلفه فهل يثبت في حقه الضمان أو لا؟.

الرابعة: في مصرف الصدقة.

أما الجهة الاولى:

فتحقيقها انه لم يرد ذكر للتقسيم المزبور فى النصوص و ليس له عين و لا أثر إلا في روايتين:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة،

ج 10/ باب 37: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 365

..........

إحداهما: تتضمن أصل التقسيم من دون تعرض للثلث و هي ما رواه الصدوق عن علي عليه السّلام في خطبة له في الأضحى، قال: «و اذا ضحيتم فكلوا و أطعموا و اهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام «1»».

و الثانية: رواية العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال: بمكة، قلت: أي شي ء اعطى منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث «2»».

و لكن الاولى موضوعها الاضحية و الثانية موضوعها هدي العمرة، فلا تصلحان لرفع اليد عن ظهور الآية الكريمة في عدم التثليث و الروايات المطلقة. و لو سلّم ان ظاهرهما البدوي كان ما يعم الهدي، فلا بد من تخصيصه بالاضحية او غير ذلك لظهور انها ليست واردة في مقام بيان حكم تعبدي لم يبيّن فى القرآن، كما أنها ليست في مقام تفسير الآية تعبدا، فتحمل على غير مورد الآية لعدم تعرض للتقسيم المذكور فى الآية.

و جملة القول: لا دليل على التقسيم المذكور، فالمرجع هو الآية الكريمة و هي تتضمن الأمر بالأكل و اطعام البائس الفقير او القانع و المعتر.

و عليه، فيقع الكلام في وجوب الأكل- و هو الجهة الثانية:

من الكلام- فنقول: انه قد يدعى وجوبه كما فى المتن باعتبار الأمر به فى الآية و هو ظاهر فى الوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 23.

(2)- المصدر، ح 18.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 366

..........

و تندفع هذه الدعوى: بان الأمر هاهنا في مقام توهم الحظر، إذ كان الهدي

محرّما فى الجاهلية على الحاج- كما حكي عن «الكشاف «1»»- فلا ظهور له فى الوجوب بل فى الترخيص نظير: إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا. و لو لم نقل بانه في مقام توهم الحظر فهو غير ظاهر فى الوجوب- أيضا- باعتبار ان الهدي يلحظ فيه انه للفقراء، فقد تأبى النفوس المستعلية عن الاقدام على الأكل منه تعففا عن مشاركة الفقراء، و الأمر في مثل هذا المقام لا ظهور له فى الوجوب بل هو ظاهر في عدم المنع عن مشاركة الفقراء في مأكلهم.

و بالجملة، لا ظهور للأمر بالأكل فى الآية الكريمة في وجوبه و يؤيده ما ورد في بعض النصوص «2» من حكاية للأكل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من دون تعرض الى ان المسلمين تابعوه على ذلك مما يظهر انه لم يكن بواجب.

و أما اطعام البائس الفقير، فهو واجب لظهور الأمر به فى الوجوب بل ظهور كون الهدي هديا للّه في سبيله في ذلك، و ليس المراد بالاطعام الطبخ لهم بل يكفي اعطاؤهم اللحم و هم يطبخونه و يأكلونه أو يتصرفون به كيفما يشاءون.

و أما الجهة الثالثة:

فالضمان و عدمه يدوران مدار تحقيق ان الهدي بذبحه يتعين للفقراء بحيث يكون ما لهم، أو انه يملكه الذابح و لكن يجب عليه تكليفا صرفه على الفقراء؟

فعلى الأول يضمن باتلافه دون الثاني، و المستفاد من النصوص الكثيرة فى

______________________________

(1)- الزمخشري، محمود بن عمر: الكشاف، ج 3: ص 153/ سورة الحج، الآية 28.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب الذبح، ح 4.

أيضا نفس المصدر، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 2- 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 367

[الثالث: فى البدل]

الثالث: فى البدل من فقد

الهدي و وجد ثمنه، قيل: يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة، و قيل: ينتقل فرضه إلى الصوم، و هو الأشبه (378).

الابواب المتشتّتة هو الأوّل.

و عليه، فيثبت الضمان مع الاتلاف.

و أما الجهة الرابعة:

فالظاهر ان مصرف الهدي هو الفقير بقول مطلق لظهور ذكر القانع و المعتر في آية و ذكر البائس الفقير في اخرى في ان الموضوع هو الجامع و هؤلاء مصاديقه. و قد ورد فى الروايات تفسير القانع و المعتر، فراجع «1».

______________________________

(378) ذهب المشهور الى القول الأول. و حكي عن ابن ادريس «2» انه ذهب الى لزوم الصوم و وافقه المصنف فى المتن. و البحث فى المسألة تارة: بلحاظ القاعدة- اعني: الحكم الذي تتكفله الآية الكريمة-. و اخرى: بلحاظ الدليل الخاص.

أما القاعدة: فقد يتخيل ان الوجدان أعم من وجدان العين و وجدان ثمنها، إذ ليس المراد ملكية العين. و إلا لزم صدق عدم الوجدان إذا كانت العين موجودة قبل ان يشتريها اذا كان لديه ثمنها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- ابن إدريس الحلّي، أبي جعفر محمد: السرائر، ج 1: صص 592- 591.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 368

..........

و فيه: أن المراد من الوجدان هو التمكن العرفي من تحصيل الهدي في ظرف الذبح- و هو الثلاثة أيام أو الأربعة على ما تقدم- و هو يصدق مع ملكية العين أو وجدان ثمنها مع وجود العين و تمكنه من شرائها، أما وجدانه ثمن العين و عدم وجودها في هذه الأيام فلا يصدق انه واجد للهدي و متمكن منه عرفا.

و عليه، فما نحن فيه موضوع لوجوب الصوم بمقتضى الآية الشريفة.

و أما الدليل الخاص: فقد وردت روايتان تدلان على ما

ذهب إليه المشهور.

احداهما: رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: «يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك الى قابل من ذي الحجة «1»».

و الاخرى: رواية البزنطي، عن النضر بن قرواش، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن يصنع؟

قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي الى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجة. فقلت: فانه دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و أصابه بعد ذلك. قال: لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة و لو أخّره الى قابل «2»».

و لكن فى الرواية الثانية خدشتان:

أحدهما: من جهة سندها لضعف النضر بن قرواش.

و الاخرى: من جهة دلالتها، إذ فرض في موضوعها الضعف عن الصيام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 369

..........

فيصير من قبيل فاقد الطهورين.

و قد تقضي عن كلتا الخدشتين: بان المشهور عمل بها، فهو يجبر ضعف سندها، كما يكشف عن فهمهم عدم الخصوصية للضعف عن الصيام.

هذا، مع ان الرواية للبزنطي و هو من أصحاب الاجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم- كما عن الكشي «1»-.

و لكن كل ذلك لا ينفع في رفع الاشكال، لعدم الجزم بعمل المشهور بها بعد وجود الرواية الاولى التامة السند،

مع ان عملهم لا يجبر الضعف بنظرنا و لا يجدي فى الغاء الخصوصية، إذ لا حجية لفهمهم ما لم يصل الى حد القطع.

و أما رواية البزنطي له: فلم يعلم ما المراد من تصحيح ما صح عنه، فلعل المراد- كما قيل «2»- الاجماع على صحته و وثاقته لا صحة روايته و لو كان ينقل عن غير ثقة أو مجهول.

و بالجملة، ففي الرواية الاولى كفاية. و لكن قد يتوهم معارضتها برواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فان أيام الذبح قد مضت «3»»، و قد حملت على ما اذا كان قد صام الثلاثة أيام، كما تشهد به بعض النصوص.

و لكنه لا داعي الى هذا التكلف، بل موضوعها يغاير موضوع رواية حريز، فان موضوعها من لم يتمكن من الهدي في وقت الذبح، و وجد ثمنه بعد مضيّها.

______________________________

(1)- الكشي.

(2)- و هو السيد الخوئي في مقدمة رجاله (ج 1: ص 74، الطبعة الاولى).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 370

و اذا فقدهما صام عشرة أيام (379).

و أما رواية حريز، فموضوعها من كان واجدا لثمن الهدي في أيام الذبح، فلزوم الصوم في مورد رواية أبي بصير لا ينافي لزوم الاستنابة فى الذبح في مورد رواية حريز، إذ هما موضوعان متغايران. فتدبر.

______________________________

(379) للآية الكريمة: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ.

و يتحقق عدم الوجدان بفقدان العين او الثمن و عدم تمكنه عرفا من الاستدانة أو بيع

ما يزيد عن حاجته من دون حرج و عسر. و لو تمكن من بيع ما يزيد عن حاجته بثمن أقل من ثمن المثل. قيل «1»: يسقط عنه وجوب الهدي و يلزمه الصوم لأنه ضرر منفي بقاعدة نفي الضرر.

و قد ورد النص «2» بلزوم ذلك في خصوص الوضوء، فلا يتعدى عنه الى غيره.

و لكن التحقيق: انه ان كان بيعه بأقل من ثمن المثل مضرا بحاله و حرجا عليه سقط عنه الهدي و وجب عليه الصوم لصدق عدم الوجدان في حقه. و ان لم يكن مضرا بحاله لم يثبت في حقه الصوم، إذ قاعدة نفي الضرر انما تنفي- على تقدير تطبيقها- وجوب الهدي و لكنها لا تثبت وجوب الصوم، بل هو دائر مدار تحقق موضوعه، و موضوعه عدم الوجدان و هو غير صادق فى الفرض.

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 737.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 26: من ابواب التيمم، ح 2- 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 371

ثلاثة فى الحج متواليات [متتابعات، خ ل] يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة (380).

و حيث يعلم بلزوم شي ء عليه يثبت عليه الهدي لا الصوم لعدم تحقق موضوعه.

و من هنا تعرف ان الحكم الوارد في باب الوضوء حكم على طبق القاعدة، إذ موضوع التيمم عدم وجدان الماء و هو غير صادق مع تمكنه من الشراء و لو بمال كثير إذا لم يستلزم اضراره بحاله.

______________________________

(380) المراد من كون الثلاثة فى الحج أنها في ذي الحجة لا أثناء عمل الحج، كما يستفاد من النصوص المتعددة، كرواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال: يصوم

قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: «فانه قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قلت: لم يقم عليه جماله. قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟

قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل: فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ يقول: في ذي الحجة «1»».

و أما اعتبار التوالي، فهو ظاهر بعض النصوص، ك:

رواية رفاعة المتقدمة، فانه ظاهر قوله: «يومين بعده».

و رواية العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 372

..........

يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «1»»، فان ظاهر النهي عن صيام يومين قبل العيد لأجل انتفاء الموالاة.

و صريح اخرى، كرواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تصوم الثلاثة الايام متفرقة «2»»، و رواية عبد الرحمن بن الحجاج الآتية «3».

و أما صوم هذه الثلاثة فى اليوم السابع و الثامن و التاسع، فقد وردت به النصوص المتعددة، كرواية رفاعة المتقدمة.

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام فقال: لا يصوم يوم التروية و لا

يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق «4»»، و غيرها.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام فى الحج يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قال: قلت: فان فاته ذلك. قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها فى الطريق؟ قال: ان شاء صامها فى الطريق و إن شاء إذا رجع الى أهله «5»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 52: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 51: من ابواب الذبح، ح 4.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 373

و لو لم يتفق اقتصر على التروية و عرفة، ثم صام الثالث بعد النفر (381).

و قد استشكل في ذلك: بانه لا معنى للبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل مع أن الآية ظاهرة في كون الموضوع عدم الوجدان عند إرادة الذبح.

و فيه: انه بعد ورود النصوص بجواز ذلك لا مجال لهذا الاشكال. و لا ينافي ما ورد فى النصوص ما تتكفله الآية من ان الموضوع عدم الوجدان عند الذبح، إذ ذلك لا يلازم كون الصوم عند ذلك، و لا ظهور للنصوص في كون الموضوع هو عدم الوجدان في حال الصوم. بل عدم الوجدان في وقت الذبح موضوع للصوم قبل ذلك. فتدبّر.

______________________________

(381) هذا الحكم مشهور بين الاصحاب- كما فى «المدارك «1»»- و هو غير تام بلحاظ اعتبار التوالي فى الثلاثة الذي عرفت دلالة النصوص عليه.

و

لكن استدل عليه بقيام الدليل الخاص على جواز الفصل بين اليومين و الثالث بالصيد و أيام التشريق و هو روايتان:

احداهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر «2»».

و الاخرى: رواية يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 50، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 52: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 374

..........

يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق «1»».

و لكن في سندها ضعف ادعي جبره بعمل المشهور. و بذلك رفعت اليد عما ظاهره النهي عن صوم هذين اليومين قبل العيد، كروايتي العيص و عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين فى التعليقة السابقة.

و لكن الإنصاف انهما غير دالتين على اجزاء الصوم إلا في مورد الجهل، لان ظاهر السؤال فيهما هو السؤال عن الصوم الواقع (المتحقق) فهو سؤال عن حكم الجاهل بالموضوع كمن لا يعلم ان اليوم يوم تروية و تخيل انه اليوم السابع او الجاهل بالحكم. إذ العالم بالحكم لا يسأل.

و عليه، فهما لا تدلان على مشروعية الصوم للملتفت ابتداء. و لا تنافيان ظهور ما دل على النهي و التحريم، بل تدلان على انه لو وقع الصوم جهلا صح و أجزأ. فالروايتان مضافا الى ضعف سندهما ضعيفتا الدلالة على المدعى. و عليه فما هما ظاهرتان فيه لم يأخذ به المشهور.

و بالجملة، ما هما ظاهرتان فيه لم ينجبر بعمل المشهور و ما

انجبر بعمل المشهور ليس ظاهرهما. فتدبر.

ثم إنه لو جاز الفصل بالعيد. فهل يجوز الفصل بيوم عرفة نظرا الى ما دلّ على النهي عن الصوم فيه لكونه يوم دعاء؟ الظاهر العدم لاختصاص الدليل- على تقدير تماميته- بالفصل بالعيد. فلا يشمل الفصل بيوم عرفة، فيندرج تحت عموم اعتبار الموالاة.

ثم إنه هل يسوغ الفصل للمرض بحيث لا يجب عليه الاستئناف بعد زواله، أو لا يسوغ؟ قد يدعى تسويغه تمسكا بعموم: «هذا مما غلب اللّه عليه و ليس على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 53: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 375

و لو فاته يوم التروية، أخّره الى بعد النفر (382). و يجوز تقديمها من أول ذي الحجة، بعد أن تلبس بالمتعة (383).

ما غلب اللّه عز و جل عليه شي ء» الوارد فى ذيل الحكم بعدم الاستئناف لمن عليه شهران متتابعان فصام خمسة و عشرين يوما و مرض.

و لكن التمسك بعموم التعليل يستلزم تأسيس فقه جديد و لأجل ذلك لا بد من الاقتصار فيه على موارد تطبيقه لا غير، إذ يكون مما يرد علمه الى أهله. كما اشرنا الى ذلك في ما تقدم، فراجع.

______________________________

(382) ظاهر النصوص المتقدمة جواز الصوم يوم النفر و هو يوم الثالث عشر المعبّر عنه بيوم الحصبة. و يتعين الالتزام به. و الجمع بينه و بين ما دل على عدم جواز الصوم أيام التشريق هو ان النهي عن صومها مختص بمن كان في منى، فمن يخرج منها و لو في اثناء اليوم يمكن ان يكون الصوم في حقه مشروعا و هو مدلول هذه النصوص.

و عليه، فلا وجه لما حكي عن الشيخ رحمه اللّه «1» من أن ليلة الحصبة

هي ليلة الرابع عشر. إذ هو خلاف ظاهر النصوص، فانها ظاهرة في أنها ليلة الثالث عشر. فلاحظ.

(383) لرواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام، أنه قال: «من لم يجد هديا و أحب أن

______________________________

(1)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: صص 380- 370 الظاهر أن هذه النسبة لا تطابق الواقع و لم نجد لفظة (ليلة) فى العبارة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 376

و يجوز صومها طول ذى الحجة (384).

يقدّم الثلاثة الايام في أول العشر فلا بأس «1»»، و لإطلاق الآية الكريمة بضميمة ما ورد من النصوص «2» في تفسيرها بذي الحجة.

و قد استشكل في الاتيان بها قبل التلبس بالحج باعتبار انها مبدل عن الهدي و هو لا يجب قبل الحج، فلا معنى للاتيان ببدله قبل سبب الوجوب.

أقول: الذي يظهر من الآية الكريمة بدوا لزوم وقوعها فى الحج و لكن فسرتها النصوص بإرادة ذي الحجة لا نفس الحج من قوله: «فى الحج». و مقتضى اطلاق النصوص جواز الاتيان بها قبل التلبس بالحج. نعم، لا يجوز الاتيان بها قبل التلبس بالمتعة لأن ظاهر الآية ان الهدي انما يجب بعد التلبس بالمتعة لتعليق وجوبه على التمتع.

و عليه، فلا معنى للاتيان بالبدل قبل تحقق سبب وجوب المبدل منه. و هذا المعنى لا يتنافى مع صريح النصوص، بل يقيد اطلاقها لو كان.

______________________________

(384) هذا قول علمائنا- كما فى «المدارك «3»». و يدلّ عليه الآية الكريمة بضميمة ما ورد في تفسيرها بذى الحجة، كما يدلّ عليه رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فأحب ان يصوم الثلاثة الايام فى العشر الأواخر فلا بأس بذلك «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 46: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 53، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 377

و لو صام يومين و أفطر الثالث لم يجزه (385) و استأنف، الا أن يكون ذلك هو العيد، فيأتي بالثالث بعد النفر و لا يصح صوم هذه الثلاثة الا فى ذى الحجة، بعد التلبس بالمتعة. و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها، تعين الهدي (386).

______________________________

(385) لما دل على لزوم التتابع مما تقدم. و قد عرفت الكلام فيما اذا كان الثالث العيد، فلا نعيد.

(386) هذا قول علمائنا- كما فى «المدارك «1»».

و تحقيق الكلام فيه: ان مقتضى القاعدة هو سقوط كل من الصوم و الهدي بخروج ذى الحجة.

أما الصوم، فلأن زمانه ذو الحجة، فاذا فات، فات الصوم نظير كل موقت.

و أما الهدي، فلأن موضوعه الواجد فى الايام معينة و المفروض انه لم يكن واجدا.

و أما بحسب النصوص الخاصة، فقد ادعي دلالة بعض النصوص على ثبوت الهدى عليه و سقوط الصوم ك:

رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «2»».

و رواية الحلبي، قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الايام التي على المتمتع اذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله قال: يبعث بدم «3»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 55، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 47: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 378

..........

كما ادعي أن ظاهر بعض النصوص جواز الصوم بعد ذي الحجة، كرواية معاوية بن عمار، قال: حدثني العبد صالح عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع ليس له اضحية وفاته الصوم حتى يخرج و ليس له مقام، قال: يصوم ثلاثة ايام فى الطريق إن شاء و ان شاء صام عشرة في أهله «1»»، بضميمة ان الغالب كون الوصول الى بلده بعد ذي الحجة. و بذلك حملت الروايات السابقة على إرادة الكفارة بلحاظ لزوم الفورية بنحو تعدد المطلوب.

و عليه، فيجب عليه الصوم و الكفارة. و بناء على ظهور السابق فى الهدي جمع بينهما بالتخيير و انه يلزمه أحد الأمرين من الهدي و الصوم، بإلغاء خصوصية التعيين من كل منهما.

و الحق: أن رواية منصور ظاهرة في إرادة الكفارة لتعارف التعبير بذلك في موارد الكفارات، و لأن الهدي لا يتعين بالشاة، فلا وجه لتخصيصه بالذكر. و أما الأمر بذبحه بمنى، فهو غير ظاهر في إرادة الهدي، إذ كفارة افعال الحج تذبح بمنى في قبال كفارة اعمال العمرة فانها تذبح بمكة.

كما أنها ظاهرة في عدم الصوم و سقوطه عنه.

و أما رواية معاوية و نحوها، فدلالتها على مشروعية الصوم بعد ذى الحجة تتوقف على مقدمتين:

احداهما: ان لا يكون في اطراف مكة و المدينة من يعمل برأي الامام عليه السّلام، و لو بنحو الموجبة الجزئية.

و الاخرى: ان يكون قطع المسافة بين مكة و العراق مركز الشيعة، أو غيره من مراكزهم يحتاج الى انتهاء ذي الحجة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 47: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 379

و لو صامها ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة، لم يجب عليه الهدي، و كان له المضي على الصوم، و لو رجع الى الهدي، كان أفضل (387).

و لكن كلتا المقدمتين مخدوشتان لا يقبلان التسليم و بالأخص الاولى. و الذي نستظهره من هذه النصوص أنها في مقام الغاء خصوصية المكان من دون نظر الى ما يعتبر من الزمان، فالمرجع فيه القواعد.

و نتيجة ما ذكرناه: انه يسقط عنه الصوم لفوات وقته و لرواية منصور المتقدمة، و يلزمه شاة كفارة عما فوّته من الصوم.

و لا تظهر لنا فعلا ثمرة عملية على الفرق بين لزوم الشاة بنحو الكفارة، أو بنحو الهدي. فتأمل. بخلاف الحال على الرأي السابق الذي ناقشناه، فالتفت.

______________________________

(387) الكلام تارة: بحسب القاعدة الأولية. و أخرى: بحسب النص الخاص الوارد في خصوص المسألة.

أما بحسب القاعدة، فظاهر الآية الكريمة أن موضوع وجوب الصوم و سقوط الهدي هو عدم وجدان الهدي في أيام الذبح و وقته المعيّن، فوجوده في غير وقت الذبح سابقا أم لاحقا لا ينفع في نفي وجوب الصوم. و عليه ...

فإذا لم يكن واجدا للهدي في وقته ثم وجده بعد ذلك و لم يكن قد صام أصلا لم يكن عليه هدي بل يلزمه الصوم، و منه يظهر حكم من كان قد صام ثلاثة، أو أكثر.

و إن وجد الهدي في وقته وجب عليه و سقط الصوم و ان كان قد صام الثلاثة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 380

..........

أيام قبل العيد.

فالمدار في وجوب الصوم و عدمه هو فقدان الهدي في أيام الذبح المعيّنة- التي مرّ الكلام فيها- و وجدانه. هذا ما تقتضيه القاعدة.

أما النصوص، فقد ذكر لعدم سقوط الصوم لو

كان قد صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي روايتان:

إحداهما: رواية ابي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح، أو يصوم؟ قال: بل يصوم فان أيام الذبح قد مضت «1»» بضميمة حملها على من تحقق منه صوم الثلاثة أيام.

و الاخرى: رواية حماد بن عثمان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة أيام فى الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من منى. قال: أجزأه صيامه «2»».

و هاتان الروايتان ضعيفتا السند و ادعى جبرهما بعمل المشهور.

و لكن انجبارهما بعمل المشهور كما انه مخدوش كبرويا، كذلك مخدوش صغرويا، إذ لم يعلم استناد المشهور إليهما مع كونه حكما على طبق القاعدة فلعلهم استندوا الى القاعدة.

مع ان الاولى لا دلالة لها على المدعى إلا بالحمل المزبور، و هو مما لا شاهد عليه خصوصا و قد رويت «3» بطريق آخر مقيدة بعدم صوم الثلاثة أيام.

و على كل، فلا ينفعنا اثبات سندهما بعد كونهما موافقتين للقاعدة إلا في مقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 381

و صوم السبعة بعد وصوله إلى أهله، و لا يشترط فيها الموالاة على الأصح (388).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 381

معارضة ما استدلّ به على لزوم الذبح و لو كان قد صام الثلاثة أيام و هو

رواية عقبة بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا، فلما أن صام ثلاثة أيام فى الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام اذا رجع الى أهله؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الذي صامه نافلة له «1»»، و لكنها ضعيفة السند و ضعيفة الدلالة على المطلوب، إذ لم يظهر منها أنه أيسر بعد زمان الذبح. فمن الممكن أنه أيسر في وقته و قد كان صام الثلاثة أيام قبل العيد كما هو المستحب، فلا تكون مخالفة للقاعدة.

و لو سلمنا دلالتها و اعتبار سندها، فلا بد من طرحها لأنها مخالفة للكتاب، إذ ظاهر الكتاب ان عدم وجدان الهدي في وقت الذبح مسقط لوجوبه و موجب للصوم، فما يدل على ثبوته لو وجده بعد وقت الذبح و سقوط الصوم مناف له، بضميمة عدم احتمال خصوصية لتحقق صوم الثلاثة أيام منه في قبال من صام العشرة، أو لم يصم أصلا. فلا بد من طرحها بمقتضى ما دلّ على طرح الخبر المعارض للكتاب.

و من هنا ظهر ان الحكم بأفضلية الهدي لا وجه لها صحيح، إذ القاعدة تقضي بعدم اجزائه فضلا عن كونه أفضل.

______________________________

(388) الذي يدل على ان المراد من الرجوع هو الرجوع الى أهله مضافا الى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 45: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 382

..........

ظهوره من اللفظ عرفا، النص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، قال: اذا رجعت الى أهلك «1»».

و

أما اعتبار التوالي و عدمه، فالمشهور على عدمه. و يستدل عليه بإطلاق الآية الكريمة، و برواية اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبى الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد؛ قال: صمها ببغداد. قلت: أفرقها؟ قال: نعم، «2»» المنجبر ضعف سندها بعمل المشهور.

و لكن رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن صيام الثلاثة الايام فى الحج و السبعة أ يصومها متوالية، أو يفرق بينهما؟ قال:

يصوم الثلاثة (الأيام) لا يفرق بينها و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «3»» تدل على لزوم التوالي، و لكن في سندها محمد بن أحمد العلوي و هو مجهول الحال.

و لكن قيل ان العلامة رحمه اللّه «4» يصحح الروايات الواقع في طريقها، فلا بد من ملاحظة ان ذلك كان اعتمادا على توثيق السند او اعتمادا على القرائن الموجبة للوثوق بصدور الرواية لا اكثر.

ثم إنه على تقدير ان ذلك يرجع الى توثيق رجال السند، فهل مثل توثيق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 16.

(2)- المصدر/ باب 55: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 17.

(4)- القائل السيد الخوئي قدّس سرّه في «معجم رجال الحديث» (ج 15: ص 62/ سلسلة 10175).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 383

و لو [فان، خ ل] أقام بمكة، انتظر قدر وصوله إلى أهله، ما لم يزد على شهر (389).

العلامة رحمه اللّه يعتمد عليه، أو لا؟ و قبل الفحص عن ذلك يتعين الاحتياط بالمتابعة و عدم التفريق، لانها مقيدة للاطلاق

على تقدير تمامية السند، فتدبر.

______________________________

(389) البحث في جهات:

الأولى: في أن المعتبر مضي مقدار زمان وصول أهل بلده، أو مضي شهر، أو كلاهما، إذ يظهر من العبارات اختلاف الآراء.

الثانية: في مبدأ حساب الشهر، أو زمان سير القافلة، فهل هو بعد أيام التشريق، أو من دخوله الى مكة، أو من قصده الاقامة، أو غير ذلك.

الثالثة: في شمول الحكم لمن قصد الاقامة في غير مكة، كالمدينة و نحوها.

و تحقيق الجهات الثلاث يتوقف على بيان ما يستفاد من الآية الكريمة، فنقول: المستفاد منها هو لزوم الصوم عند الرجوع الى الأهل و البلد- إما بنحو الواجب المشروط أو المعلق-، فمن لم يرجع الى أهله لا تتكفل الآية بيان حكمه و ساكتة عنه سواء قصد الاقامة في مكة أو غيرها.

و قد يحتمل بعيدا فى الآية إرادة الرجوع الى مقره و مستقره لا إلى خصوص بلده. و عليه، فيشمل الحكم فيها كل بلد أقام فيه و لكن ذلك يتنافى مع الروايات الدالة على لزوم الانتظار شهرا أو مقدار مضي زمان تصل القافلة فيه البلد عادة فيما إذا قصد الاقامة بمكة، إذ مقتضى الآية على ذلك جواز الصوم بمجرد الاقامة و الاستقرار.

كما يحتمل بقرينة الروايات المزبورة أن لا يراد بالآية الرجوع الى أهله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 384

و لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم، وجب أن يصوم عنه وليّه، الثلاثة دون السبعة، و قيل: بوجوب قضاء الجميع، و هو الأشبه (390).

حقيقة، بل حكما بأن يراد بها مضي زمان بمقدار الرجوع. و على هذا، أيضا لا يختص الحكم بمن أقام في مكة فقط.

و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدا لا ظهور للروايات فيه قطعي، إذ

لم ترد في مقام بيان المقصود بالآية و تفسيرها، فيكون حمل الآية على ذلك من التفسير بالرأي. و عليه، فظاهر الآية ما عرفت.

و أما الروايات، فهي مختصة بمن يقيم في مكة، فلا تشمل غيره إذ لا وجه لالغاء خصوصية الاقامة بمكة و حملها على التمثيل، و ذلك ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و ان كان له مقام بمكة و اراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيرة الى أهله أو شهرا، ثم صام بعده «1»».

و رواية أبي بصير، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام فلما قضى نسكه بدا له ان يقيم بمكة سنة، قال: فلينتظر منهل أهل بلده فاذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الايام «2»».

و عليه، فالحكم المذكور يختص بمن أقام في مكة.

______________________________

(390) القول بوجوب قضاء الجميع حكاه فى «المدارك «3»» عن ابن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 50: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 60، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 385

..........

إدريس «1» و اكثر المتأخرين «2».

و يدل عليه ما دل على وجوب قضاء الصيام عن الميت مع فواته الشامل بإطلاقه الصوم بدل الهدي، كما يدل عليه النص الوارد في خصوص المورد، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من مات و لم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه «3»».

و حكي عن الشيخ رحمه اللّه «4» القول بلزوم قضاء الثلاثة دون السبعة استنادا الى رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع الى أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء «5»».

و يمكن الخدشة في دلالة الرواية بأن محل الكلام ما اذا تمكن من صيام السبعة، و من ذهب الى وجوب قضائها ذهب إليه في هذا الفرض لاختصاص دليل القضاء به، اما مع عدم التمكن من صيامها فلا يقول أحد بوجوب قضائها.

و عليه، فلم يعلم ان المقصود من الرواية هل هو فرض التمكن من الصيام أو عدم التمكن بل مات بمجرد الوصول الى أهله؟ و على الثاني لا تنفع فى التخصيص. و قوله: «قبل ان يصوم السبعة»، و إن كان بظهوره الأولي أجنبيا عن فرض عدم التمكن، لكن مثله يستعمل فى الكناية عن عدم ادراك زمان صوم السبعة.

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ص 139، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- كالعلامة فى «المنتهى» (ج 2: ص 746) و الشهيد فى «الدروس» (ص 128).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 48: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: التهذيب، ج 5: ص 40/ ح 118.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 48: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 386

و من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجد، كان عليه سبع شياه (391)، و لو تعيّن الهدي، فمات من وجب عليه، أخرج من أصل تركته (392).

و على كل، فالرواية مجملة من هذه الجهة، فلا تصلح لاثبات المدعى، فالالتزام بالقول الأول متعين.

______________________________

(391) المستند في ذلك، رواية داود الرقي،

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: «اذا لم يجد بدنة فسبع شياه فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله «1»». و هي ضعيفة السند مع اختصاصها بالفداء، فلا وجه للتعدي منها الى النذر، كما انه لا وجه للحكم باجزاء السبعة عن البقرة إذا وجبت باعتبار ان البدنة أهم فاذا اجزأت الشياه السبعة عنها فاجزاؤها عن البقرة من باب الأولى؛ لأنه قياس. فتدبر.

(392) هذا يبتني على كون الهدي من الحقوق المالية، و هو و ان كان غريبا اعتبارا، لكن لا طريق لدينا صناعي لاثباته من النصوص، و لو سلّم أنه كذلك فلو لم تف التركة به بسائر الديون و لم تكن حصته وافية بالهدي الكامل، فهل يشتري بها بعض الهدي لقاعدة الميسور أو يتصدق بها أو ترجع ميراثا؟

الأقوى هو الأخير، لان بعض الهدي لا يعد ميسورا من الهدي فان مقدارا من اللحم يباين الشاة. هذا مع منع الدليل على القاعدة، و لزوم التصدق به لا دليل عليه، فيعود ميراثا. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 56: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 387

[الرابع: في هدي القران]

الرابع: في هدي القران لا يخرج هدي القران عن ملك سابقه، و له ابداله و التصرف فيه، و ان أشعره أو قلده.

لكن متى ساقه، فلا بد من نحره بمنى، إن كان لإحرام الحج، و ان كان للعمرة فبفناء الكعبة بالحزورة (393).

______________________________

(393) وقع الكلام في عبارة المتن لوجود التدافع ظاهرا بين جواز ابدال هدي القران و تعيين ذبحه بمنى بعد السياق. و قد اختلفت عبارات الشرّاح و غيرهم في تفسير العبارة و توجيهها

بنحو يرتفع التنافي، و هذا لا يهمنا كثيرا.

إنما المهم بيان حكم هدي القران فان انطبق على العبارة، فهو و إلا فعلمها في صدر كاتبها، فنقول:

هدي القران ما دام لم يشعر او يقلد لا يخرج عن ملك صاحبه و له التصرف به كيفما شاء و ان عيّنه صاحبه للهدي و نادى عليه بذلك ليلا و نهارا حتى اذا كان منذورا لا بعينه، بل النذر تعلق بكلي الشاة- مثلا- فان تطبيقه المنذور على الشاة المعينة لا يعينها قبل الذبح، بل له أن يبدلها بغيرها. نعم لو نذرها بعينها تعينت.

أما اذا اشعره لم يكن له حينئذ تبديله الا في ظروف خاصة- كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى-، بل يتعين عليه ان ينحره بمكة او بمنى- على ما سيجي ء تحقيق ذلك-.

و يدل على ما ذكرناه رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 388

..........

و يجد هديه؟ قال: «ان لم يكن قد اشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها، و ان كان اشعرها نحرها «1»».

و قد استشكل صاحب المدارك «2» في دلالتها بانها تختص بموضوع خاص و هو الهدي الضال الذي وجد في منى دون مطلق الهدي المشعر.

و ردّه صاحب الجواهر «3» بانها مناقشة لا تستأهل ان تستطر، ضرورة ظهوره و صراحته في ان المدار على الاشعار و عدمه. و الحق مع صاحب الجواهر في استظهاره ما عرفت.

هذا بالنسبة الى تعين الذبح بعد الاشعار. و أما بقاؤه على ملكه و عدمه فظاهر رواية الحلبي المتقدمة خروجه عن ملكه

بالاشعار إما لمفهوم قوله: «ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله»، او لأجل انه و إن لم يكن له مفهوم باعتبار وروده فى السؤال فيكون مسوقا لبيان الموضوع.

لكن ظاهر المقابلة و ايجاب النحر عند الاشعار بعد عدم ايجابه قبله من باب انه باق على ملكه فله التصرف فيه كيفما يشاء، هو ان ايجاب النحر لانتفاء موضوع التخيير و هو الملكية الثابت قبل الاشعار، فالتفت.

و عليه، فالالتزام بخروج الهدي عن ملك سائقه بالاشعار متجه و لا محذور فيه.

و أما مكان الذبح أو النحر، فقد ذهب في المتن الى انه منى لهدي الحج و مكة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 32: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 63، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 193، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 389

..........

لهدي العمرة، و ظاهر بعض النصوص «1» انه منى للهدي الواجب و مكة ان شاء للهدي المندوب.

و لكن الأقوى أنه منى مطلقا إذا كان قد أشعره أو قلّده سواء كان هدي عمرة أم هدي حج، و سواء كان مندوبا أم واجبا ل:

رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى، و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء، و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره الا يوم الأضحى «2»»، فان ذيلها ظاهر في كونها استدراكا عن جواز ذبح المندوب بمكة كما لا يخفى، و هي و ان لم يصرح فيها بالذبح بمنى لكن قوله:

«يوم الاضحى» ظاهر في ذلك. مضافا الى رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخل بهديه فى العشر فان كان اشعره و قلّده فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى و إن كان لم يقلده و لم يشعره فلينحره بمكة اذا قدم فى العشر «3»».

و إن لم يشعره أو يقلّده، بل كان قد ساقه فقط، فمقتضى رواية ابراهيم المتقدمة التفصيل بين الواجب و المستحب، كما أن ظاهر رواية شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة ... «4»»

ان الهدي المسوق فى العمرة يذبح بمكة.

و على كل، فما يذبح بمكة لا يختص بمكان و ان كان ظاهر رواية معاوية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 390

و لو هلك لم يجب اقامة بدله، لانه ليس بمضمون. و لو كان مضمونا كالكفارات، وجب اقامة بدله (394).

اختصاصه بالجزورة و لكن يرفع اليد عنها بروايته الاخرى، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن أهل مكة انكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال: إن مكة كلها منحر «1»».

______________________________

(394) ظاهر هذا الكلام جواز ان يكون هدي القران متعلقا لحكم آخر كالكفارة أو النذر فيكون وفاء للنذر أو الكفارة، و هو ظاهر النصوص أيضا، و على كل فيدل على التفصيل المذكور في المتن النصوص المتعددة، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ قال: ان كان تطوعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء او نذرا

فعليه بدله «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل اهدي هديا فانكسرت، فقال: إن كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا و له أن يأكل منها فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «3»» و غيرها.

و بما أن الظاهر من لفظ المضمون ما كان فى الذمة في قبال المعين الشخصي، لم يشمل الحكم المنذور المعيّن بل حكمه حكم التطوع في عدم وجوب اقامة بدله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 391

و لو عجز هدي السياق عن الوصول، جاز أن ينحر أو يذبح، و يعلّم بما يدل على انه هدي. و لو أصابه كسر، جاز بيعه، و الافضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله (395).

لانه ليس بمضمون.

و بالجملة، لا يظهر من الروايات انها تتكفل حكما على خلاف القاعدة الأولية، فتدبر.

______________________________

(395) تكفل هذا الكلام الجمع بين أمرين:

أحدهما: انه لو عجز هدي السياق عن الوصول إلى محل النحر، أو الذبح جاز أن ينحر و يذبح و يعلم أنه هدي.

و الآخر: انه لو أصاب الهدي كسر جاز أن يبيعه، او يقيم بدله و الأفضل أن يتصدق بثمنه لو باعه.

و قد استشكل فى الجمع بين هذين الحكمين، إذ جواز البيع ينافي لزوم الذبح.

ثم إن الترديد بين البيع و اقامة البدل ليس له فى النصوص عين و لا أثر بل الموجود على ما ستعرف الجمع بينهما، و قد حاول بعض الشّراح «1» في توجيه العبارة و دفع التنافي بان الحكم الأوّل

لمطلق العطب و الحكم الثاني لخصوص الكسر.

و لكن هذا و ان كان ظاهر العبارة لكن لا شاهد له من النصوص، إذ ما

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 312، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 392

..........

تضمن الحكم الأوّل صرح فيه بالكسر، كما ان ما تضمن الحكم الثاني صرّح فيه بالعطب.

و على كل، فتحقيق الكلام ان يقال: إن هناك نصوصا تضمنت الحكم الأوّل، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي اذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوعا فينحره و ليأكل منه و قد أجزأ عنه بلغ المنحر او لم يبلغ فليس عليه فداء، و إن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ و عليه مكانه «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها ان قدر على ذلك، ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى يعلم من مرّ بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد و إن كان الهدي الذي انكسر و هلك مضمونا فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك. و المضمون هو الشي ء الواجب عليك في نذر أو غيره، و ان لم يكن مضمونا و إنما هو شي ء تطوع به فليس عليه ان يبتاع مكانه إلا ان يشاء ان يتطوع «2»». و نحوهما في بيان لزوم النحر غيرهما «3»، فلاحظ.

كما أن من النصوص ما ظاهره جواز البيع و لزوم التصدق

بثمنه و اقامة بدله كرواية الحلبي، قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه على هدي آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 31: من ابواب الذبح، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5 و 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 393

..........

هديا آخر «1»». و نحوها رواية محمد بن مسلم «2».

و طريق الجمع بين الطائفتين هو ان نقول: ان الطائفة الثانية تتكفل حكمين:

احدهما: جواز البيع و لزوم التصدق بثمنه. و الآخر: لزوم الهدي الآخر، و موضوعها هو الهدي الواجب.

و الطائفة الأولى تتكفل بيان لزوم النحر و إقامة البدل فى المضمون.

فان اريد من الواجب فى الطائفة الثانية ما يساوق المضمون يعني الواجب بالأصالة لا بالاشعار او التقليد.

فلا تنافي بين الطائفتين فى الحكم الآخر، إذ هما متوافقان على لزوم إقامة البدل. و أما بالنسبة الى الحكم الأول، فالجمع يكون بالحمل على التخيير بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه. و أما التطوع، فيتعين ذبحه.

و إن اريد من الواجب الأعم من الواجب بالاصل أو بالعرض لأجل الاشعار او التقليد- كما هو الظاهر في قبال هدي التمتع- فيجمع أيضا بين الطائفتين بالحمل على التخيير بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه و لا تنافي حينئذ، و لو كان الظاهر من الواجب هو الأول، فيمكن التعدي فى الحكم بجواز البيع و التصدق بثمنه الى التطوع بالاولوية. فانه اذا جاز بيع الواجب المتعين فجواز بيع المندوب أولى.

و ان كان يمكن الخدشة في ذلك بانه يمكن ان يكون لاعطاء اللحم خصوصية و بما انه حاصل

فى الواجب للزوم اقامة البدل جاز بيع المكسور فيه، أما المندوب فلا يجب إقامة البدل، فتجويز بيعه يلغي اعطاء اللحم. فالأولوية غير ظاهرة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 394

و لا يتعين هدي السابق للصدقة الا بالنذر (396).

و على كل حال، فالجمع بين الطائفتين يقتضي لزوم إقامة البدل في الواجب المندوب و التخيير مطلقا بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه.

و من هنا يظهر: ان الحكم فى المتن بأفضلية التصدق عند البيع ليس كما ينبغي، بل هو لازم بمقتضى النص، كما أن الحكم بالتخيير بين البيع و إقامة البدل لا وجه له إلا حمل الواو فى النص على معنى «أو» و هو خلاف الظاهر و لا قرينة عليه.

كما أنه لا وجه للاستشكال في جواز البيع بعد تعينه بالاشعار، فانه اجتهاد في مقابل النص. فلاحظ.

ثم إنه قد استشكل فى الحكم بلزوم ذبحه من جهتين:

إحداهما: ان مصرف الهدي الصدقة و هو لا يعلم بتحقق ذلك، إذ قد تأكله الوحوش، فكان اللازم الأمر بالانتظار مع المكنة حتى تمر قافلة اخرى.

و فيه: ان النص حاكم على مثل هذه التوقفات.

الثانية: انه كيف تعلم القافلة المارة ان هذا اللحم مذكى؟. فلا يمكنها الانتفاع به، فذبحه في الطريق و تركه اتلاف له.

و فيه: انه ورد فى النص الاعلام بالتذكية بحيث يعرف المار بواسطة ما به الاعلام- من كتابة أو نحوها- أنه قد ذكي. و ذلك يكفي في الامارية على التذكية بحكم النص. فلا يعد اتلافا للمال مع الاطلاع على الامارية فتدبر.

______________________________

(396) الظاهر من العبارة انه لا يلزم التصدق بجميع

الهدي لما سيأتي منه من استحباب التثليث نعم لو نذر التصدق به جميعه أو كان هو منذورا للصدقة تعين

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 395

و لو سرق من غير تفريط لم يضمن (397)، و لو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه (398).

لها. و قد حملت العبارة على معان اخر خلاف ظاهر العبارة جدا. و لا ثمرة في ذكرها و إن شئت الاطلاع، فراجع «الجواهر «1»».

______________________________

(397) هذا الحكم موافق للقاعدة سواء قلنا إنه بالاشعار يخرج عن ملكه أم يبقى فيه. نعم لو كان مضمونا بمعنى أنه كان مصداقا للواجب فى الذمة كالكفارة و النذر المطلق، لم يتحقق الامتثال بدون الذبح فيلزمه هدي آخر.

و قد ورد بما فى المتن بعض النصوص، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى اضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها؟ قال:

«لا بأس، و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شي ء «2»». و غيرها بناء على عموم الاضحية لما نحن فيه أو عدم الفرق بينهما.

و أما مع التفريط، فالضمان واضح مع الالتزام بخروجه عن ملكه و دخوله في ملك الفقراء.

و أما مع الالتزام ببقائه في ملكه و انما اللازم ذبحه، فالحكم بالضمان غير واضح لأنه تصرف في ملكه لا في ملك غيره و تفريط بما يملكه، فلا ضمان.

(398) لا يخفى أنه لا معنى للاجزاء بعد تعينه و عدم كونه فى الذمة، لعدم ضمانه بالتلف و ذبح الغير اتلاف له. و لكن قد ورد النص بذلك و هو رواية منصور بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 204، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج

10/ باب 30: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 396

و لو ضاع فأقام بدله، ثم وجد الاول، ذبحه و لم يجب ذبح الاخير. و لو ذبح الاخير، ذبح الاول ندبا (399)، الا أن يكون منذورا.

و يجوز: ركوب الهدي ما لم يضرّ به (400)، و شرب لبنه ما لم يضر بولده (401).

حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المتقدمة، و يمكن حملها على هدي التمتع أو على الهدي المضمون، فراجع.

______________________________

(399) ظاهر النص وجوب ذبح الأول مع ذبح الاخير لو كان قد أشعره و عدم وجوبه لو لم يكن أشعره و هو رواية الحلبي المتقدمة.

و عليه فالمدار على الاشعار و عدمه، فما أشعره منهما لزم ذبحه و لو كان كليهما و ما لم يشعره لم يجب ذبحه. فاطلاق المتن في كون ذبح الأول مندوبا مستدرك.

فتدبر.

(400) حتى لو قلنا بأنه يخرج عن ملكه بالاشعار و يدخل في ملك الفقراء لعدم منافاة الركوب لحقهم مع عدم الاضرار، نظير التصرف فى الوقف، كالمسجد فيما لا يزاحم ما وقف عليه من العبادة. هذا مع وجود النص الخاص فيه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(401) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»- و يدل عليه النص ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن البدنة تنتج

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 209، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 397

و كل هدي واجب كالكفارات، لا يجوز ان يعطى الجزار منها شيئا، و لا أخذ شي ء من جلودها، و لا أكل شي ء منها (402)، فان أكل تصدق بثمن ما أكل.

أ يحلبها؟

قال: احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا. قلت: يشرب من لبنها؟ قال: نعم، و يسقي ان شاء «1»».

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يحلب البدنة و يحمل عليها غير مضر «2»». و غيرهما.

ثم ان الحكم موافق للقاعدة بناء على عدم خروجها عن ملكه و ليس موافقا لها بناء على خروجها، كالمختار.

و هل يجب ذبح ولدها، أو لا؟ المتجه انه إن كان مولودا قبل السياق فلا يجب الا ان يقصد سوقه مع أمه و يشعره، و ان كان بعد السياق وجب ذبحه للنص، كرواية ابن مسلم المتقدمة.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ساق بدنة فنتجت، قال: «ينحرها و ينحر ولدها، و ان كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها و مكان ولدها «3»». و غيرهما.

و لا يختلف بين القول بخروجها عن ملكه بالاشعار و عدمه للنص. فتدبر.

______________________________

(402) وفاقا للمشهور- كما فى «الجواهر «4»»- و يدل على عدم جواز اعطاء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 34: من ابواب الذبح، ح 7.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 212، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 398

..........

الجزار منها في قبال عمله ..

رواية جعفر بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعطي الجزار من جلود الهدي و جلالها شيئا «1»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينتفع بجلد الاضحية و يشتري به المتاع و ان تصدق به فهو أفضل و قال

نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدنة و لم يعط الجزارين (من) جلودها و لا قلائدها و لا جلالها و لكن تصدق به. و لا تعط السلّاخ منها شيئا و لكن اعطه من غير ذلك «2»». و غيرهما.

لكن ظاهر رواية صفوان بن يحيى المروية فى «العلل» قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الرجل يعطي الاضحية من يسلخها بجلدها، قال: لا بأس به إنما قال اللّه عز و جل: فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا* و الجلد لا يؤكل و لا يطعم «3»».

و نحوها مرسلة الصدوق قدّس سرّه.

جواز ذلك و لكن ضعف سندها يمنع من الأخذ بها.

و أما اخذ الجلد، فظاهر رواية معاوية بن عمار المتقدمة جوازه و ان التصدق به أفضل. و هكذا هو ظاهر روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب فقال: «تصدق به او تجعله مصلا تنتفع به فى البيت و لا تعطه الجزارين ... «4»».

و أما أكل كل شي ء منها، فظاهر بعض النصوص النهي، ك:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: علل الشرائع، ج 2: ص 146/ باب 182.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 399

..........

رواية عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي ما يأكل منه أ شي ء يهديه في متعته أو غير ذلك؟ قال: كل هدي من نقصان الحج فلا يأكل منه و كل هدي من تمام الحج فكل «1»».

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فداء الصيد يأكل من لحمه؟

فقال:

«يأكل من اضحيته و يتصدق بالفداء «2»»، و غيرهما.

و لكن في قبالها نصوص دالة على الجواز، ك:

رواية الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون «3»».

و رواية جعفر بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البدن التي تكون جزاء الإيمان و النساء و لغيره يؤكل منها؟ قال: نعم، يؤكل من كل البدن «4»». و غيرها.

و مقتضاها حمل ما دل على التحريم على الكراهة جمعا بين النص و الظاهر.

و هذا من جهة الحكم التكليفي، و أما الحكم الوضعي أعني: ضمان ما يأكله، فهو مدلول.

رواية حريز- في حديث يقول في آخره-: «ان الهدي المضمون لا يؤكل منه اذا أعطب فان أكل منه غرم «5»».

و رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «اذا أكل الرجل من الهدي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 15.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- المصدر، ح 26.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 400

و من نذر أن ينحر بدنة: فان عيّن موضعها وجب، و ان أطلق نحرها بمكة (403).

تطوعا فلا شي ء عليه و إن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل «1»». و لا مانع من الالتزام به.

و قد حملت روايات النهي عن الاكل على الاكل بقصد عدم الضمان. و هو غير واضح.

و ما ذكرناه من طرق الجمع أفضل و أوجه عرفا. فلاحظ.

______________________________

(403) هذا هو المشهور بين المتقدمين و ورد فيه خبر اسحاق الازرق الصائغ، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر.

فقال لي: «عليه أن ينحرها حيث جعل

للّه عليه و إن لم يكن سمّى بلدا فانه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن «2»». كما استدل عليه بان البدنة اسم لما يذبح في مكة فيحمل مع عدم القرينة عليه.

و التحقيق: ان القاعدة في باب النذر تبعيته لقصد الناذر فاذا أطلق المكان و لم يعيّن كان له أن يذبحه في أي مكان شاء.

و أما الرواية، فضعيفة السند، و لا يعلم عمل المشهور بها، إذ لعل ذهابهم الى ذلك اعتمادا على ما صرح به بعض اللغويين «3» من ان البدنة اسم لما يذبح في مكة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 59: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- الشرتوني، سعيد الخوري: أقرب الموارد، ج 1: ص 34/ مادة «بدن».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 401

و يستحب أن يأكل من هدي السياق، و أن يهدي ثلثه (404)، و يتصدق بثلثه، كهدي التمتع، و كذا الاضحية (405).

الخامس: في الأضحية (406)

و وقتها بمنى أربعة أيام، أولها يوم النحر.

لا عملا بالرواية.

و هذا التصريح غير ثابت عندنا و مقتضى الشك في تعين الخصوصية اجراء أصالة البراءة منها. و لعلّه لذلك ذهب مشهور المتأخرين الى عدم تعين النحر بمكة مع الاطلاق. فتدبر.

و إن نذر هديا فالظاهر انه ظاهر فيما يذبح بمكة أو منى، فيتعين ذلك.

و أما لو نذر دما، فلا اشكال في عدم تعين ذبحه بمكة، إذ لا وجه له أصلا.

______________________________

(404) لرواية شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة. قلت: أي شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث «1»». و قد مرّ عدم مشروعية التثليث في

هدي التمتع، فراجع.

(405) لرواية الصدوق، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له: «و اذا ضحيتم فكلوا و اطعموا و اهدوا ... «2»».

(406) لا اشكال في استحباب الاضحية بل الاجماع بقسميه عليه- كما فى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 18.

(2)- المصدر، ح 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 402

و فى الأمصار ثلاثة (407).

«الجواهر «1»»- و ظاهر بعض النصوص «2» وجوبها. و لكن يرفع اليد عنه للسيرة القطعية على عدم الوجوب، مع أن وجوبها مما يعلم لو كان لكثرة الابتلاء بها.

______________________________

(407) الاجماع بقسميه عليه، كما فى «الجواهر «3»»، و يدل عليه رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟

فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال: ثلاثة أيام. فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحي فى اليوم الثالث؟

فقال: نعم «4»»، و نحوها رواية عمار الساباطي «5».

و لكن ورد في نصوص اخر أنه ثلاثة أيام في منى و يوم واحد في الأمصار ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الاضحى يومان بعد يوم النحر و يوم واحد بالامصار «6»».

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام فمن اراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام، و النحر بالامصار يوم،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 219، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 60: من ابواب الذبح، ح 5.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 223، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل

الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 403

..........

فمن اراد أن يصوم صام من الغد «1»».

و يمكن الجمع بينهما بحمل النصوص الأخيرة على بيان ما لا يشرع فيه الصوم، كما هو ظاهر رواية منصور. و حمل الأولى على بيان ما يشرع فيه التضحية. فكل من الطائفتين يتكفل بيان حكم من الحكمين، فلا منافاة بينهما.

و أما مشروعية صوم اليوم الرابع، فبلحاظ أنه يوم النفر الذي عرفت جواز الصوم فيه.

و بالجملة، للأضحى حكمان أحدهما مشروعية الذبح فيه. و الآخر عدم مشروعية الصوم فيه، فالطائفة الاولى لبيان الحكم الأول و الثانية لبيان الحكم الثاني.

و الشاهد على هذا الجمع ان الطائفة الاولى نص في كون الملحوظ فيها الحكم الأول كما لا يخفى على من لاحظ رواية علي بن جعفر. و الطائفة الثانية ظاهرة بالإطلاق فيه و المتيقن منها بيان حكم الصوم، فيحمل الظاهر على النص.

ثم إنه هل يتعين في يوم العيد وقت مخصوص أو لا؟. مقتضى اطلاق النصوص المتقدمة الثاني.

و لكن قد يظهر من رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قلت له: «متى تذبح؟

قال: اذا انصرف الامام. قلت: فاذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال: اذا استعلت الشمس «2»»، اعتبار انصراف الإمام أو استعلاء الشمس.

و لكنها محمولة على الندب و الأفضلية لوضوح جواز التأخير قطعا بمقتضى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ج 5/ باب 29: من ابواب صلاة العيد، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 404

[و يستحب الأكل من الأضحية] و لا بأس

بادخار لحمها (408).

النصوص المتقدمة و السيرة، فالسؤال عن أفضل الاوقات.

هذا، و لكن يمكن ان يدعى ان السؤال بلحاظ مبدأ الذبح، و جواز التأخير لا ينافي وجوب الذبح بعد الصلاة- نظير مبدأ زكاة الفطرة- و لا سيرة على خلافها إذ وقت الذبح غالبا بعد استعلاء الشمس، فلا وجه لحملها على الندب.

______________________________

(408) ظاهر بعض النصوص النهي عن الادخار، كرواية علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا يتزود الحاج من اضحيته و له أن يأكل منها بمنى أيامها «1»».

و لكن ظاهر نصوص اخر جواز ذلك بعد ثلاثة أيام و أنه كان منهيا عنه فى السابق ك:

رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ثم أذن لنا أن نأكل و نقدّد و نهدي الى أهلينا «2»».

و رواية أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الاضاحي بعد ثلاثة أيام ثم أذن فيها، و قال: كلوا من لحوم الاضاحي بعد ذلك و ادّخروا «3»».

و بها يرفع اليد عن النهي الوارد في رواية علي بن أبي حمزة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 41: من ابواب الذبح، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 405

و يكره أن يخرج به من منى (409)، و لا بأس باخراج ما يضحيه غيره (410).

و يجزي الهدي الواجب عن الاضحية (411)، و الجمع بينهما أفضل.

______________________________

(409) ظاهر كثير من النصوص جوازه و عدم الكراهة فيه، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من منى فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه. فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه «1»» و غيرها.

و لعل الوجه فى الكراهة رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة الناهية عن التزود الظاهر في استلزامه الاخراج من منى و بها تقيد هذه الروايات النافية للبأس و تحمل على الاخراج للفقراء خارج منى.

(410) إذ ظاهر النهي التزود من اضحيته نفسه لا اضحية غيره.

(411) لرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يجزيه في الاضحية هديه «2»». و لا ظهور للفظ الاجزاء فى الوجوب لصحة التعبير به عن المستحب.

ثم إن ظاهر الاجزاء سقوط استحباب الاضحية و تحقق امتثاله. فلا وجه لما فى المتن من ان الجمع بينهما أفضل. و لعله لأجل فهم الرخصة من لفظ الاجزاء لا العزيمة و هو خلاف الظاهر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 60: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 406

و من [لو، خ ل] لم يجد الاضحية تصدق بثمنها (412). فان اختلفت اثمانها، جمع الأعلى و الاوسط و الادنى، و تصدق بثلث الجميع.

و يستحب: أن تكون التضحية بما يشتريه. و يكره بما يربّيه (413).

______________________________

(412) لرواية عبد اللّه بن عمر، قال: «كنا بمكة فأصابنا غلاء في الاضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير فرفع هشام المكاري رقعة الى أبي الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا، ثم لم نجد بقليل و لا كثير فوقّع انظروا الى الثمن الأول و الثاني و الثالث، ثم تصدّقوا بمثل ثلثه «1»»،

و المقصود هو جمع الاثمان المتعددة و التصدق بقيمة تكون نسبتها الى المجموع نسبة الواحد الى عدد القيم، فالثلث من الثلاث و الربع من الاربع و هكذا.

و ما جاء فى المتن من ملاحظة الثلث إنما هو تبعا للرواية المختصة بالثلاث، و إلا فلا خصوصية لها. فالتفت.

(413) لرواية محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت له: جعلت فداك كان عندي كبش سمين لاضحي به فلما أخذته و اضجعته نظر إليّ فرحمته و رققت عليه ثم اني ذبحته. قال: فقال لي: ما كنت احب لك ان تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 58: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 61: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 407

و يكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي، و أن يعطيها الجزار (414)، و الأفضل أن يتصدق بها.

[الثالث: فى الحلق و التقصير]

الثالث: فى الحلق و التقصير (415)

______________________________

(414) لرواية معاوية بن عمار المتقدمة، فراجع.

و لا يخفى أن النهي عن اعطاء الجلد للجزار ظاهر فى الحرمة كما فى الهدي.

فلاحظ.

(415) الكلام في جهتين:

إحداهما: في أصل وجوب أحدهما و هو مما لا اشكال فيه فتوى و سيرة و نصا.

الاخرى: في وقته و انه هل يلزم أن يكون في يوم النحر أو يجوز تأخيره عنه؟.

نسب الى المشهور الأول، و الى أبي الصلاح «1» جواز تأخيره الى آخر أيام التشريق. و هو الأقوى بناء على ما تقدم من جواز تأخير الذبح ثلاثة أيام، بضميمة لزوم تأخير الحلق عن الذبح- كما سيأتي-، فانه يدل بالملازمة على جواز تأخير الحلق ثلاثة أيام أيضا. و لو لا هذا لا دليل على أحد الطرفين.

فالأحوط

ايقاعه يوم النحر لأن مقتضى الشك في ذلك تكليفا و إن كان هو البراءة إلا ان الأصل بلحاظ التحلل بالحلق يقتضي عدم تحقق التحلل لو أوقع في

______________________________

(1)- الحلبي، ابو الصلاح: الكافي فى الفقه، ص 201.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 408

فاذا فرغ من الذبح، فهو مخيّر، إن شاء حلق، و ان شاء قصّر و الحلق أفضل. و يتأكد في حق الصرورة، و من لبّد شعره، و قيل: لا يجزيه إلا الحلق، و الأول أظهر (416).

غير يوم النحر، إذ التحلل يترتب على الحلق المشروع، فمع الشك في مشروعية الحلق في غير يوم النحر يشك في تحقق التحلل، و مقتضى الاستصحاب هو البقاء محرما.

______________________________

(416) الكلام في مقامين:

المقام الأول: في وظيفة غير الصرورة و من لبّد شعره و المعقوص شعره. و قد ادعي الاجماع على أن الوظيفة هي التخيير بين الحلق و التقصير.

و يدل عليه رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير و ان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق فى الحج و ليس فى المتعة الا التقصير «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: من لبّد شعره او عقصه فليس له أن يقصر و عليه الحلق و من لم يلبده تخير ان شاء قصّر و إن شاء حلق و الحلق أفضل «2»». و غيرهما.

المقام الثاني: في وظيفة الصرورة و من لبّد شعره و من عقصه. فقد ذهب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7 من أبواب الحلق و التقصير، ح 8.

(2)- المصدر، ح 15.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 409

..........

جمع، بل المشهور الى ان وظيفتهم التخيير، و ذهب آخرون «1» الى ان وظيفتهم الحلق.

و التحقيق: أما الصرورة فيدل على وجوب الحلق عليه روايات «2» ك:

رواية أبي سعيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجب الحلق على ثلاثة نفر، رجل لبّد، و رجل حج بدوا لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه «3»»، بناء على ظهور الوجوب في الاصطلاحي منه.

و رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق؟ قال: إن كان قد حج قبلها فليجزّ شعره و ان كان لم يحج فلا بد له من الحلق «4»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الصرورة ان يحلق رأسه و لا يقصر انما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام «5»».

و رواية سليمان بن مهران- في حديث- انه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ألا تسمع قول اللّه عز و جل: ... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ- الآية «6» و مقصرين لا

______________________________

(1)- منهم الشيخ قدّس سرّه فى «النهاية» (ص 262) و العلامة قدّس سرّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 293).

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الحلق و التقصير.

(3)- المصدر/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

(6)- سورة الفتح، 48: 27.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 410

..........

تخافون «1»».

و هذه الروايات و إن كانت ضعيفة

السند لكنها تبلغ حد الاستفاضة و هو يكفي في اثبات المطلوب. و قد تناقش دلالتها:

بدعوى أن «عليه» لا ظهور له فى التعين لكثرة استعماله فى الندب.

أو بدعوى «أن لفظ ينبغي» الوارد في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي للصرورة ان يحلق و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق فاذا لبّد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير «2»»،

ظاهر فى الاستحباب فيكون قرينة على التصرف في ظهور غيرها من الروايات فى الوجوب.

أو بدعوى ان التعبير بالوجوب في روايتي ابي سعيد و سليمان لا ظهور له فى المعنى الاصطلاحي له.

و تندفع الدعوى الاولى: بان حمل «عليه» على الندب خلاف الظاهر و ان استعملت فيه بقرينة.

و تندفع الثانية: بان «ينبغي» لو لم تكن ظاهرة فى اللزوم فهي ظاهرة في مطلق الرجحان لا في خصوص الندب، فلا تنافي روايات الوجوب.

و تندفع الثالثة: بأن الوجوب و ان كان بمعنى الثبوت و هو أعم من الوجوب و الندب اصطلاحا لكن الثبوت بقول مطلق ظاهر فى اللابدية.

و بالجملة، فهذه المناقشات غير تامة، فيتم ظهور النصوص المتقدمة فى الوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 14.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 411

..........

لكن الانصاف: أنه يمكن المناقشة في دلالتها بما يمنع من بلوغها حد الاستفاضة.

أما رواية أبي بصير، فمن المحتمل قويا أن تكون عين روايته في مورد آخر قال: «سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال: فليرجع الى منى حتى يحلق شعره أو يقصر و على الصرورة أن يحلق

«1»»، و هي ظاهرة في ثبوت التخيير للصرورة و استحباب اختيار الحلق، لأن موضوعها الجاهل بوجوب أحد الأمرين و هذا لا يتصور إلا فى الصرورة، إذ غيره لا بد و ان يسأل عن حكم حجه السابق. و قد قرر الإمام عليه السّلام صراحة مفروغية التخيير في ذهن السائل.

و لو كوبر و ادعي دلالتها على وجوب الحلق، فهي انما تدل عليه فى الموضوع الخاص و هو الجاهل الذي ارتحل من منى، فلا إطلاق لها يشمل كل شخص.

و مع احتمال وحدة الروايتين لا يمكن البناء على استقلال تلك الرواية و امتيازها عن هذه، للزوم احراز التعدد في تحقق الاستفاضة. إذ المفروض أن الاعتماد على تلك النصوص من طريق الاستفاضة لا من طريق سند كل منها.

فلاحظ.

و أما رواية سليمان، فظاهر السؤال فيها ان وجوب الحلق أمر واضح لا اشكال فيه و هو ممنوع كما لا يخفى.

ثم إن التعليل لا يتناسب مع الوجوب الاصطلاحي، كما أن الاستشهاد بالآية الكريمة لا يعرف له وجه ظاهر بعد الترديد فيها بين الحلق و التقصير، فهي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من أبواب الحلق و التقصير، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 412

و ليس على النساء حلق، و يتعين في حقهن التقصير (417)، و يجززن منه و لو مثل الانملة.

مما يرد علمه الى أهله.

و أما رواية عمار، فدلالتها تامة، لكن لا يلتزم بمضمونها، إذ على تقدير وجوب الحلق هو ساقط عند الحرج، كغيره من أحكام الحج.

تبقى رواية أبي سعيد و هي ضعيفة السند.

هذا كله، مع ان ظاهر لفظة «ينبغي» في رواية معاوية بقرينة بيان حكم الملبّد فى الذيل بلفظ «عليه» إرادة الاستحباب، فتكون قرينة فى التصرف

فيما دل على الوجوب لو تم سنده و يحمل على تأكد الاستحباب.

و عليه، فلا دليل على لزوم الحلق على الصرورة. نعم، هو موافق للاحتياط.

و أما الملبّد و المعقوص، فيدل على لزوم الحلق عليهما رواية أبي سعيد و معاوية بن عمار و الحلبي المتقدمة و غيرها و لا معارض لها، فالالتزام بمدلولها متعين. فتدبر.

و أما أفضلية الحلق في مورد ثبوت التخيير، فيدل عليه رواية الحلبي المتقدمة و ما ورد «1» أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استغفر للمحلقين ثلاث مرات و للمقصرين مرة واحدة.

______________________________

(417) ادعي الاجماع عليه، و يدل عليه:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على النساء حلق و يجزيهن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 413

..........

التقصير «1»».

و رواية علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و تقصر المرأة و يحلق الرجل و ان شاء قصر ان كان قد حج قبل ذلك «2»».

و رواية حماد بن عمرو و انس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السّلام- في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام- قال: «يا عليّ، ليس على النساء جمعة- الى ان قال:- و لا استلام الحجر و لا حلق «3»»، و المراد به الحلق في باب الحج بقرينة مقابلته لاستلام الحجر.

و بالجملة، الحكم المذكور من المسلّمات. و قد ادعي حرمة الحلق على النساء مطلقا و لو مع الاحلال، و عليه فلا يتحقق به الامتثال لحرمته، إذ الظاهر مشروعيته فى الحج مع التمكن و مع حرمته لا تمكن منه.

ثم إنه

يجري مسمى التقصير و لا يتحدد بحد لاطلاق دليله و عدم الدليل على التقييد، فتحديده بالقبضة أو بالأنملة لا وجه له إذا صدق بالأقل منه.

و لعل في رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال له: «اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصر. قال: عليك بدنة. قال: قلت: اني لما اردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها، فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «4»».

دلالة على اجزاء الأقل، فان القرض بالاسنان عادة لا يأخذ مقدار الانملة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8 من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ج 9/ باب 3: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 414

..........

فضلا عن القبضة، فتأمل.

ثم إن التقصير انما يصدق بأخذ الشعر دون مجرد قص الاظفار كما لا يلزم قص الظفر لاطلاق الأدلة و ظهور رواية الحلبي المتقدمة في عدم اعتباره.

كما ان الظاهر كون موضوع التقصير هو الرأس لظهور الأدلة في أن موضوع الحلق و التقصير واحد و هو الرأس.

و لو حلقت المرأة فهل يجزي عن التقصير، أو لا؟ قيل: بالاجزاء لأن أول جزء من الحلق تقصير.

و لانه لم يرد في نصوص من حلق في عمرة التمتع لزوم التقصير عليه مع بيان الكفارة عليه.

و فيه: ان التقصير يباين الحلق، فانه يتوقف على ابقاء شي ء من الشعر لانه جعل الشعر قصيرا. و عدم بيان لزوم التقصير لعله لأجل الاعتماد على دليله الأولي فلا حاجة الى بيانه ثانيا.

و أما الخنثى المشكل، فيلزمها التقصير على القول بالتخيير

للرجل الصرورة و غيره.

و أما على القول بتعين الحلق على الرجل الصرورة و الملبّد و المعقوص شعره، فان كانت حرمة الحلق على النساء تشريعية فعلتهما معا بنحو الاحتياط، لتحصيل العلم بالاحلال. و إن كانت ذاتية تخيرت بين الأمرين لدوران الأمر بين الوجوب و الحرمة في كل منهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 415

و يجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج و السعي (418). و لو قدم ذلك على التقصير عامدا، جبره بشاة، و لو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء، و عليه اعادة الطوف على الأظهر.

______________________________

(418) بلا خلاف أجده فيه، كما فى «الجواهر «1»» و قد ادعي دلالة الاخبار الكثيرة عليه، و لكن توقف فيه فى «الرياض «2»» لوجود ما دل على عدم الوجوب و لأجل ذلك علّق الحكم لا على ثبوت الاجماع عليه.

و تحقيق الحال: أن ما يمكن ان يستدل به على لزوم الترتيب المزبور روايات بمضامين ثلاثة:

الاولى: رواية جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال: «لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا «3»».

الثانية: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل أن يحلق. فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة «4»».

الثالثة: رواية عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: «لا بأس به يقصر و يطوف للحج ثم يطوف للزيارة

______________________________

(1)- النجفي،

الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 238، الطبعة الاولى.

(2)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 506، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من ابواب الذبح، ح 4.

(4)- المصدر/ باب 2: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 416

..........

ثم قد أحلّ من كل شي ء «1»».

أما رواية جميل، فتحتمل وجوها ثلاثة:

الأول: ان يراد به الحرمة التكليفية بلحاظ فقدان الشرط لا بلحاظ الحرمة الذاتية لبعده جدا.

الثاني: الحرمة الارشادية الى المانعية.

الثالث: الاستحباب.

أما الاحتمال الأول، فهو يلازم الصحة لانه لو كان العمل باطلا و يتمكن من تداركه لا معنى لتحقق الحرمة، بل يكون هو كالصلاة بلا طهارة، فالتحريم ملازم لصحة العمل و كونه غير قابل للعود لكن فاتت بعض مصلحته، نظير موارد الجهر في موضع الاخفات جهلا عن تقصير.

و أما الاحتمال الثاني، فهو الظاهر في باب المركبات لكن لا يتلاءم مع ثبوت الدم عليه إذ لم يفعل عملا محرما لتمكنه من التدارك بالاعادة، فاما ان يتصرف في ظهور «لا ينبغي» بحمله على الحرمة التكليفية و هو الاحتمال الأول. أو في ظهور ثبوت الدم بحمله على الاستحباب. و مع عدم الأظهر يكون الكلام مجملا من كلتا الجهتين.

و أما رواية ابن يقطين، فهي مطلقة من حيث العلم و النسيان و الجهل، فتقيد برواية جميل، فيثبت الحكم للعالم فقط. إلا ان يدعى ان القدر المتيقن منها هو الناسي فتحمل على الاستحباب حينئذ لصراحة رواية جميل في عدم لزوم الترتيب مع النسيان، فلا دليل على لزوم الترتيب مطلقا.

و أما اعادة الطواف مع تقديمه على الحلق في صورة العمد او النسيان فبناء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج

10/ باب 4: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 417

و يجب أن يحلق بمنى، فلو رحل، رجع فحلق بها. فان لم يتمكن حلق أو قصّر مكانه، و بعث بشعره ليدفن بها (419).

على ما قربناه من عدم الدليل على لزوم الترتيب، فلا وجه له.

و أما بناء على لزومه، فقد عرفت ان غاية ما يدل عليه الدليل هو اعتباره في صورة العلم فلا يشمل صورة النسيان، لصراحة رواية جميل في عدم اعتباره، و عليه فلا وجه للالتزام بلزوم الاعادة على الناسي، إلا إطلاق رواية علي بن يقطين المقيدة برواية جميل.

و منه ظهر الحال فى الجاهل لعدم الدليل على اعتبار الترتيب في حقه كي تلزمه الاعادة لو أخل، فلا وجه لاطالة الكلام في أنه هل يلحق بالناسي بإلغاء خصوصيته أو يلحق بالعالم.

هذا كله مع وجود النصوص الكثيرة «1» الواردة في نقل فعل المسلمين الذين حجوا مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و تقديمهم ما ينبغي تأخيره و حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعدم الحرج فانها ظاهرة في نفي الإعادة عليهم. و المتيقن من تلك الموارد صورة النسيان و الجهل. فلاحظ.

و أما لزوم الدم على العامد، فقد عرفت انه مدلول رواية محمد بن مسلم و عرفت الكلام في انه يعارض ظهور لا ينبغي فى المانعية. فلاحظ.

______________________________

(419) هذه العبارة تكفلت أحكاما متعددة:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من ابواب الذبح، ح 4 و 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 418

..........

أحدها: لزوم الحلق بمنى

و لا دليل عليه من النصوص سوى ما دل على الأمر بالرجوع الى منى لمن نسي او جهل أن

يحلق بها حتى ارتحل، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى؟ قال: «يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا «1»» و غيرها.

و لكن الاستدلال بهذه النصوص مخدوش من وجهين:

الأول: ان ظاهر الأمر فيها كونه متفرعا على نحو مشروعية الحلق بمنى، فلا دلالة له على الوجوب بل هو تابع لأصله، فان كان واجبا أو مستحبا كان كذلك، فالسؤال عن فوات ما هو مشروع في حقه و الجواب بامكان تداركه بالرجوع، فلا ظهور له في وجوب الرجوع لو تركه ناسيا فضلا عن أصل وجوب الحلق بمنى.

الثاني: ما ورد من النصوص مما ظاهره عدم وجوب الرجوع، فيحمل ما دل على الوجوب في نفسه- لو سلم- على الاستحباب جمعا، و ذلك ك:

رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي أن يحلق أو يقصر حتى نفر. قال: يحلق اذا ذكر فى الطريق أو أين كان «2»».

و رواية الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره و هو حاج حتى ارتحل من منى. قال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى ... «3»» و ظهور «ما يعجبني» في عدم اللزوم مما لا ينكر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 419

..........

ثانيها: لزوم العود الى منى لو أخل بالحلق فيها

و الذي يدل عليه ما تقدم من النصوص و قد عرفت المناقشة فيه، فلا نعيد.

ثالثها: لو لم يتمكن من العود و حلق

مكانه يلزمه بعث شعره الى منى

و يستدل له بقاعدة الميسور، إذ الواجب الحلق و القاء الشعر بمنى فاذا تعذر أحد الأمرين بقي الآخر.

و ببعض النصوص ك:

رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يحلق رأسه بمكة قال: يرد الشعر الى منى «1»».

و رواية ابن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و ليحمل الشعر اذا حلق بمكة الى منى «2»».

و رواية أبي بصير «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه قال: يحلق بمكة و يحمل شعره إلى مني و ليس عليه شي ء «4»».

و في كلا الوجهين نظر.

أما قاعدة الميسور: فهي ممنوعة صغرى- مضافا إلى منعها كبرى- لأن الالقاء ليس ميسورا عرفا. بل الحلق هو الواجب لا غير و أي ربط للالقاء به.

و أما النصوص: فهي معارضة برواية الكناني المتقدمة لظهور قوله عليه السّلام: «ما يعجبني» في عدم اللزوم، فتحمل نصوص الأمر به على الاستحباب جمعا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- هذه تدل على عدم وجوب العود الى منى للحلق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 420

و لو لم يمكنه لم يكن عليه شي ء. و من ليس على رأسه شعر، أجزأه امرار الموسي عليه (420).

هذا، مع ظهور نصوص الأمر بالرد انه تابع لحكم الأصل من الحلق بمنى، فلا دلالة على اللزوم لعدم العلم بما هو الحكم في الأصل.

رابعها: لزوم دفن الشعر بمنى

و لا دليل عليه سوى بعض النصوص الظاهرة في استحبابه بلا أي اشعار في لزومه، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي بن الحسين عليهما السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ... «1»». فتدبر. فالأحكام المذكورة فى المتن كلها احتياطية.

______________________________

(420) الاقوال بالنسبة الى الاجزاء و عدمه و بالنسبة الى التفصيل بين العمرة و الحج مختلفة و الروايات الواردة فى المقام ثلاثة:

الاولى: رواية زرارة: «إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا و كان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتى له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر له أن يلبى عنه و ان يمر الموسى على رأسه فان ذلك يجزي عنه «2»».

الثانية: رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اراد أن يقصر فحلق رأسه؟ قال: «عليه دم يهريقه فاذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من أبواب الحلق و التقصير، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 11: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 421

و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق (421).

الثالثة: رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال:

«سألته عن رجل حلق قبل أن يذبح. قال: يذبح و يعيد الموسى، لان اللّه تعالى يقول: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «1»».

أما رواية زرارة فدلالتها على الاجزاء واضحة تامة. و لا وجه لما فى «الجواهر «2»» من احتمال الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا مطلق الفرض، فانه خلاف الظاهر. لكنها ضعيفة السند.

و أما رواية أبي بصير، فالأمر فيها لا دلالة له على الاجزاء بل ظهوره فى التعيين يقتضي كونه للاستحباب إذ الفرض هو التخيير بين

الحلق و التقصير.

و أما رواية عمار، فهي تتكفل حكما استحبابيا، إذ الحلق قبل الذبح مجز للنصوص الدالة عليه و سيجي ء الحديث فيه. فانتظر.

______________________________

(421) نسب وجوب الترتيب الى أكثر المتأخرين «3». و يدل عليه الآية الكريمة: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ؛ و جملة من النصوص الواردة في افاضة النساء ليلا من المشعر. و بعض النصوص الاخرى ذكرها في «الجواهر «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 245، الطبعة الاولى.

(3)- منهم البحراني رحمه اللّه فى «الحدائق الناظرة» (ج 17: ص 247) و النراقي رحمه اللّه في «مستند الشيعة» (ج 12: ص 385) و الشهيد الاول قدّس سرّه فى «اللمعة الدمشقية» (ج 2: ص 309).

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 248، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 422

فلو قدّم بعضها على بعض، أثم و لا إعادة (422).

و بالجملة، يستفاد من هذه المجموعة ان الترتيب لازم.

و لكن ذهب فى «الخلاف «1»» و «السرائر «2»» الى الاستحباب.

و لعل وجهه ما ورد «3» من نفي الحرج من قبل النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن عكس الترتيب.

لكنها منصرفة عرفا الى الناسي و الجاهل فلا تشمل العالم، و لو لم تكن منصرفة فالقدر المتيقن منها ذلك، كما أن القدر المتيقن من أدلة الترتيب هو العالم، فلا تعارض بينهما عرفا.

و قد يستند في دعوى الاستحباب إلى اجماع الأصحاب على عدم العود مع مخالفة الترتيب فانه لا ينسجم مع الوجوب الشرطي.

و فيه: ان ذلك لا يتنافى مع شرطية الترتيب لو دل الدليل على كل منهما،

بل يكون في ذات الاعمال مع عدم الترتيب مصلحة ملزمة لا يمكن معها تدارك مصلحة الاعمال مع الترتيب، نظير تقريب شمول حديث: «لا تعاد» للعامد و عدم منافاته لأدلة الجزئية و الشرطية عقلا.

______________________________

(422) بلا خلاف محقق أجده فيه- كما فى «الجواهر «4»»- و يدل عليه نفي الحرج من قبل الرسول صلّى اللّه عليه و آله المتقدم ذكره.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 412، الطبعة الاولى.

(2)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 602، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من أبواب الذبح، ح 4 و 6.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 250، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 423

[مسائل ثلاث]
اشارة

مسائل ثلاث

[الأولى: مواطن التحليل ثلاثة:]
اشارة

الأولى:

مواطن التحليل ثلاثة:

[الأول: عقيب الحلق أو التقصير]

الأول: عقيب الحلق أو التقصير، يحل من كل شي ء، الا الطيب و النساء و الصيد (423).

و قد وقع الكلام في أن وجوب الترتيب شرطي أم نفسي استقلالي. و قد ذهب صاحب الجواهر «1» الى الثاني لدعوى منافاة الشرطية مع عدم الاعادة عمدا.

و لكن عرفت عدم المنافاة، و تحقق الاثم بلحاظ تفويته المصلحة الملزمة فى الترتيب. فالالتزام بظهور الوجوب فى الوجوب الشرطي لا مانع منه كسائر الاوامر في باب المركبات.

______________________________

(423) فى النصوص ما يدل على أنه بالحلق، او التقصير يحل له كل شي ء إلا الطيب و النساء، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء و الطيب ... «2»».

و فيها: ما يدل على أنه بالحلق و التقصير يحل له الطيب، ك:

رواية سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع، قال: «اذا حلق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 250، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 424

..........

رأسه قبل ان يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النساء رددها عليّ مرتين أو ثلاثا. قال: و سألت أبا الحسن عنها قال:

نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء الا النساء «1»».

و فيها: ما يدل على جواز الطيب لغير المتمتع و عدم حليته للمتمتع كرواية محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له؟ قال:

كل شي ء الا النساء. و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل ابن عباس هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمد رأسه بالمسك قبل ان يزور «3»».

و قد وقع الكلام فى الجمع بين ما دل على حلية الطيب و ما دل على عدم حليته و قد ذكرت وجوه متعددة:

منها: حمل الدال على الحلية على غير المتمتع و الدال على عدم الحلية على المتمتع بقرينة رواية محمد بن حمران المفصلة بين الفردين.

و منها: حمل التحريم على الكراهة و هو الذي لم يستبعده صاحب المدارك «4».

و منها: حمل نصوص الجواز على التقية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 7.

(2)- المصدر/ باب 14: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 104، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 425

..........

و منها: تقييد نصوص الجواز بما اذا زار البيت فانها مطلقة من هذه الجهة فتقيد بما دل على اعتبار طواف الزيارة.

و في جميع هذه الوجوه نظر:

أما الأول: فهو لا بأس به لو لا كون موضوع بعض نصوص الحلية هو المتمتع بالصراحة، كرواية سعيد المتقدمة.

و رواية الخزاز، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بسك [بمسك خ ل] و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «1»».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج،

قال: «ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى فارسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران و كنا قد خلقنا. قال عبد الرحمن:

فأكلت أنا، و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه و قالا: لم نزر البيت. فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا. فقال لمصادف و كان هو الرسول الذي جاءنا به في أي شي ء كانوا يتكلمون؟ فقال: أكل عبد الرحمن و أبى الآخران، فقالا: لم نزر بعد البيت. فقال: أصاب عبد الرحمن. ثم قال: أ ما تذكر حين اتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي أن يأكل منه فلما جاء أبي حرّشه عليّ. فقال: يا ابه، ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد. فقال أبي: هو أفقه منك أ ليس قد حلقتم رءوسكم «2»»، و هي و إن لم يصرّح فيها بكون الموضوع هو المتمتع، لكن من البعيد جدا أن يكون الإمام عليه السّلام في كلتا سفرتيه و اصحابه غير متمتعين مع الحث الاكيد منهم على التمتع.

و أما الثالث: فهو يبتني على استقرار المعارضة و الالتزام بالترجيح في مخالفة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 14: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 426

..........

العامة و هو خلاف التحقيق.

و أما الرابع: فهو خلاف نص رواية سعيد و الخزاز و عبد الرحمن، فانها تتكفل جواز الطيب قبل الزيارة.

و أما الثاني: فتقريبه أن نصوص الجواز نص في الاباحة و نصوص الحرمة ظاهرة فيها، فتحمل على الكراهة جمعا بين النص و الظاهر.

لكن فيه: ان روايات النهي على طائفتين:

إحداهما: ما كان

بلسان النهي عن الطيب، كرواية منصور بن حازم قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئا فيه صفرة قال: لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة ... «1»».

و الاخرى: ما كان بلسان عدم حلية الطيب، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة و نحوها.

و هذا الجمع انما يتأتى بلحاظ الطائفة الاولى دون الثانية لتحقق التعارض عرفا بين قوله: «يحل له الطيب» و قوله: «و لا يحل له الطيب» نظير «يعيد» و «لا يعيد».

و مع تحقق التعارض العرفي تصل النوبة الى اجراء القواعد في باب المعارضة، و المختار هو التخيير، و الأحوط هو اختيار نصوص التحريم لشهرتها بين الأصحاب- أعني شهرة الحكم بها-. و لمخالفتها للعامة و احتمال الترجيح بها، فاذا التزم بها الفقيه كان له الحكم بحرمة الطيب بعد الحلق و قبل الزيارة.

ثم إنه قد نسب إلى ابن بابويه «2» و ولده «3» كون التحلل الأول بالرمي و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

(2)- لم نعثر على رسالته، لكن حكاه العلامة قدّس سرّه عنه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 289).

(3)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 549، مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 427

..........

خلاف النصوص المتقدمة و لا دليل عليه سوى رواية «4» ضعيفة.

ثم إن ما ذكرناه من حرمة الطيب انما هو للمتمتع؛ و أما غيره، فهو جائز له للنص المتقدم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 427

و أما الصيد، فمقتضى اطلاق النص أو عمومه حليته بالحلق، و لكن فى المتن عدم حليته به.

و يستدل على عدم حليته بوجهين:

الأول: الأصل، فان استصحاب عدم حليته أو حرمته يقتضي ذلك.

الثاني: قوله تعالى: لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و تحريم الطيب و النساء يوجب صدق المحرم على المكلف، فيشمله اطلاق الآية الكريمة.

و لكن في كلا الوجهين نظر:

أما الأصل: فلأنه لا مجال له مع العمومات المقتضية للجواز.

و أما الآية: فلعدم صدق الاحرام بحرمة الطيب و النساء و التحلل من كل شي ء كما لا يخفى.

نعم، يحرم الصيد عليه من جهة كونه فى الحرم، لكن الفرق بين الحرمة الحرمية و الحرمة الاحرامية يظهر في أكل لحم الصيد، و فيما لو خرج من الحرم لحاجة، و مضاعفة الكفارة.

و هذا- أعني التحريم من جهة الحرم لا الاحرام- هو المراد من رواية معاوية بن عمار «5» التي جاء فيها: «و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل

______________________________

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 11.

(5)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 428

[الثاني: اذا طاف طواف الزيارة]

الثاني: اذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب (424).

شي ء أحرم منه إلا الصيد»، إذ إرادة الصيد الاحرامي تتنافى مع صدر الرواية حيث حكم فيها بحلية كل شي ء الا النساء و الطيب لمن حلق أو قصّر. مع كثرة العمومات بهذا اللسان و لم يتعرض احدها للتقييد و استثناء الصيد إلا هذه الرواية.

______________________________

(424) فى «الجواهر «1»» لا أجد فيه خلافا. و تدل عليه النصوص. كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا ذبح الرجل و

حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلا النساء ... «2»». و غيرها.

ثم إنه يقع البحث في جهات:

الاولى: انه اذا فرض توقف الحل من الطيب على الطواف، فهل يكتفى بمجرد الطواف أو يعتبر فيه الاتيان بصلاة الطواف؟ قولان يبتنيان على ان المنصرف من اطلاق الطواف إرادة صلاته أيضا بلحاظ أنها كجزء من أجزائه، نظير التعقيب بالنسبة الى الصلاة.

أو انه لا ينصرف منه ذلك بلحاظ أنها مستقلة عن الطواف فاطلاق الطواف لا يشملها. و لا طريق لدينا فعلا لتعيين أحد الاحتمالين، فالاحتياط متعين.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 257، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 429

..........

الثانية: في انه هل يعتبر في حل الطيب السعي بين الصفا و المروة، او لا؟

ظاهر اطلاق بعض النصوص عدم اعتباره، كرواية منصور بن حازم: «اذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت «1»».

و لكنها تقيد بمثل رواية معاوية بن عمار المتقدمة، فيعتبر السعي في حلية الطيب. و حينئذ فيلغو النزاع الأول لاعتبار كون السعي بعد صلاة الطواف.

الثالثة: في حكم من قدّم الطواف و السعي على الوقوف، فهل يحلّ له الطيب أو يتوقف على الحلق؟. حكي الأول عن بعض «2» و استوجهه فى «المسالك «3»».

و التحقيق: انه ليس لدينا اطلاق في ان الطواف بالبيت يكون سببا لحلية الطيب. كي يتمسك بإطلاقه فى الطواف المتقدم على الوقوف. بل الثابت فى الروايات كرواية عمار المتقدمة هو

فرض الطواف بعد الحلق موجبا للتحلل من الطيب لا مطلق الطواف.

و بما انه لا يمكن الأخذ بخصوصية البعدية و إلا لزمه طواف آخر بعد الحلق لحليّة الطّيب و هو مما لا يقول به أحد، بل هو خلاف الاجتزاء بالطواف المتقدم.

فيدور الأمر بين احتمالين:

أحدهما: ان يكون موضوع التحلل من الطيب هو المجموع المركب من الحلق و الطواف من دون لحاظ البعدية، فيكون للتحلل مراتب يحقق الحلق وحده إحداها و يحقق مع الطواف مرتبة اخرى.

و عليه، فلا يتحقق التحلل من الطيب بمجرد الطواف لعدم تحقق الجزء الآخر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 12.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 456.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 326، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 430

[الثالث: إذا طاف طواف النساء]

الثالث: إذا طاف طواف النساء، حلّ له النساء (425)،

ثانيها: ان يكون الموضوع هو ذات الطواف أين ما وقع فيتحقق التحلل به خاصة و لو كان متقدما. و لا طريق لنا الى الجزم بأحد الوجهين، و تعيين الأول يحتاج الى دليل ليس بأيدينا. فالاحتياط متعين.

______________________________

(425) فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه عليه. و يدل عليه رواية معاوية بن عمار المتقدمة و غيرها.

و الكلام في اعتبار صلاته و عدمه هو الكلام في طواف الزيارة.

هذا، مع ان ظاهر رواية معاوية بن عمار اعتبار الصلاة فى التحلل في كلا الموردين و هي روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد- الى ان قال:- ثم طف بالبيت سبعة اشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صل عند مقام

ابراهيم ركعتين ... ثم اخرج الى الصفا فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة اشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به اسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه «2»».

و يقع البحث في جهات متعددة:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 258، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 4: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 431

..........

الأولى:

في انه هل يعتبر طواف النساء للنساء في حلّ الرجال لهن، أو لا؟ قد يتخيل عدم اعتباره لأجل تقييد الحل فى النصوص بحل النساء و هو يختص بالرجال بالنسبة الى النساء و لا يشمل العكس.

و فيه:

أولا: ان الملحوظ بالنساء هو الكناية عما حرّم بالاحرام من هذه الجهة و المحرّم هو الجماع على مطلق المحرم رجلا كان أو امرأة. فليس النساء بعنوانه موضوع الحكم، بل الجماع و نحوه و هو لا يختص بأحد الصنفين.

و ثانيا: وجود النص على توقف حل الرجل على المرأة على طواف النساء و هو رواية العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح، كلهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية

اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت الى منى فاذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1»».

الثانية:

في كفاية طواف الصبي المميز و غيره في حلية النساء له بعد البلوغ و عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 84: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 432

و يكره لبس المخيط، حتى يفرغ من طواف الزيارة (426).

كفايته لأجل عدم مشروعية عبادة الصبي، و عدم تحقق النية من غير المميز فيبطل طوافه فيصير الاحرام نظير الحدث الذي لا بد من رفعه بعد البلوغ لثبوته عند الصبا.

و التحقيق: انه لا وجه لهذه التعليلات العقلية بعد وجود النص على صحة الاحرام به و انه يتقي ما يتقي منه المحرم و أنه يطاف به و نحو ذلك من أحكام الحج، فانه دليل تعبدي على أن شأنه في احرامه و غيره كالبالغ. فيتحلل كما يتحلل البالغ، و كما ينعقد الاحرام بالاحرام به كذلك يتحلل بالطواف به فتدبر.

و إلا فلو فرض عدم صحة الطواف من غير المميز، فاحرامه غير صحيح أيضا فلا يلزم التحلل.

الثالثة:

فى المقصود من حرمة النساء قبل طوافه، فهل يراد به خصوص الاستمتاع أو الأعم منه و من العقد عليهن.

قد يوجّه العموم بان حذف المتعلق يفيد العموم من جهة كل محرم يرتبط بالنساء فيشمل الجماع و سائر الاستمتاعات و الزواج بهن و كل محرّم يرتبط بهن.

و فيه: أن حلية العقد حلية وضعية و حلية الاستمتاع حلية تكليفية فإرادة

[تعيين من لفظ واحد ممنوع].

______________________________

(426) لرواية ادريس القمي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان مولى لنا تمتع فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت. فقال: بئس ما صنع. قلت: أ عليه شي ء؟

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 433

..........

قال: لا، «1»»، و هي محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما دل على الجواز بالخصوص، كرواية العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «تمتعت يوم ذبحت و حلقت أ فألطخ رأسي بالحناء؟ قال: نعم، من غير أن تمس شيئا من الطيب. قلت: أ فألبس القميص؟ قال: نعم، اذا شئت. قلت: أ فأغطي رأسي؟ قال: نعم «2»».

و كذلك يكره تغطية الرأس قبل زيارة البيت جمعا بين ما دل على الجواز كرواية العلاء و ما دل على النهي، كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق قال: لا يغطي برأسه حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان ابي كان يكره ذلك و ينهى عنه. فقلنا فان كان فعل قال: ما أرى عليه شيئا و ان لم يفعل كان أحب إليّ «3»».

ثم إن هذا الحكم يختص بالمتمتع، لان موضوع روايات النهي يختص بالمتمتع فلا يشمل المفرد. مع ورود التفصيل فى النهي بين المتمتع و المفرد في رواية سعيد الاعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق رأسه أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ فقال: ان كان متمتعا فلا. و إن كان مفردا فنعم «4»».

فلا وجه لتسرية الحكم الى المفرد و الالتزام بكونه

أخف كراهة، فانه لا دليل عليه أصلا. نعم لو كان هناك اطلاق يشمل المفرد أمكن دعوى الكراهة بالنسبة إليه و حمل رواية الأعرج على بيان أخفية الكراهة، و إن أشكل ذلك بانه خلاف الظاهر، فلو كان هناك اطلاق لقيدته رواية الأعرج.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 434

و كذا يكره الطيب، حتى يفرغ من طواف النساء (427).

[الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النحر]

الثانية:

إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالافضل المضيّ الى مكة للطواف و السعي ليومه. فان أخّره، فمن غده. و يتأكد ذلك في حق المتمتع، فان أخّره أثم (428).

______________________________

(427) فانه مقتضى الجمع بين ما دل على حلية الطيب بمجرد طواف الزيارة و السعي مما تقدم، و ما دل على النهي عنه قبل طواف النساء، كرواية محمد بن اسماعيل، قال: «كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: هل يجوز للمحرم المتمتع أن يمس الطيب قبل ان يطوف طواف النساء؟ فقال: لا «1»،».

(428) الاحتمالات في وقت زيارة البيت الواجب ثلاثة:

الأول: انه يلزمه زيارة البيت يوم النحر و لا يجوز له التأخير لغير عارض و يستدل له، ب:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «2»».

و رواية منصور بن حازم، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر/ باب

1: من أبواب زيارة البيت، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 435

..........

الثاني: ما فى المتن من أفضلية الزيارة في يوم النحر و لا يجوز التأخير عن الغد. و يستدل له برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في زيارة البيت يوم النحر- قال: «زره، فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر ان تزور من يومك فانه يكره للمتمتع أن يؤخر و موسع للمفرد أن يؤخره «1»»، و نحوها روايته الاخرى «2».

الثالث: جواز تأخيره الى يوم النفر و يستدل له ب:

رواية عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح؟ قال: لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب «3»».

و رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان اخرت زيارة البيت الى ان يذهب أيام التشريق الا انك لا تقرب النساء و لا الطيب «4»».

و رواية اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الى يوم الثالث، قال: «تعجيلها أحب إليّ و ليس به بأس إن أخرته «5»».

و هذه النصوص تكون موجبة للتصرف فى النصوص المتقدمة بحملها على الاستحباب و حمل النهي عن التأخير على الكراهة.

و قد ادعي حملها على بيان حكم المفرد بقرينة ما في بعض النصوص من التفصيل بين المتمتع و المفرد فى التأخير و عدمه، كرواية معاوية بن عمار، عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 2:

من أبواب زيارة البيت، ح 8.

(3)- المصدر/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 436

و يجزيه طوافه و سعيه (429).

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما «1»».

و قد ناقشها صاحب الجواهر «2» بوجهين:

الأول: ان بعض نصوص الجواز موضوعها المتمتع بقرينة استثناء الطيب الذي عرفت انه لا يحل للمتمتع خاصة.

الثاني: أن حملها على المفرد ليس بأولى من حمل نصوص المنع على الكراهة خصوصا بعد التصريح بها في رواية معاوية المتقدمة.

أقول: الوجه الأول متين لكن الثاني ممنوع، إذ الرواية المتكفلة للتفصيل بين المفرد و المتمتع تقيّد روايات الجواز بالمفرد و روايات المنع بالمتمتع، فيختلف موضوعاهما، فلا تصل النوبة الى الجمع بالحمل على الكراهة.

و على أي حال، فالعمل بهذه الطائفة من النصوص متعين، و الالتزام بالاحتمال الثالث متجه.

______________________________

(429) يعني لو أوقعه بعد الوقت المحدد له الذي عرفت ان اكثره يوم النفر.

و هذا الحكم مشكل لو استفيد من النصوص لزوم ايقاع الطواف في أيام التشريق، إذ لا دليل حينئذ على مشروعيته بعدها.

و أما لو كان المستفاد جواز التأخير الى آخر أيام التشريق مع السكوت عما بعد أيام التشريق- كما لعله الظاهر من النصوص اذ لا يظهر اكثر من ذلك- فمقتضى أصالة البراءة نفي اعتبار الوقت الخاص، فيشرع الاتيان به بعد أيام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 265، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 437

و يجوز للقارن و المفرد تأخير ذلك، طول ذي الحجة على كراهية (430).

[الثالثة: الأفضل لمن مضى الى مكة للطواف و السعي: الغسل، و تقليم الاظفار، و أخذ الشارب]

الثالثة:

الأفضل لمن مضى الى مكة للطواف و السعي: الغسل، و تقليم الاظفار، و أخذ الشارب (431).

التشريق و يترتب عليه آثاره من التحلل لاطلاق قوله: «فاذا طاف ...» الوارد في روايات التحلل بالطواف.

______________________________

(430) قد يستدل له برواية معاوية بن عمار المتقدمة لاطلاق قوله عليه السّلام: «موسع للمفرد ان يؤخره».

و لكن الانصاف ان الملحوظ التوسعة بلحاظ الحكم الذي أثبت للمتمتع و هو لزوم او استحباب المبادرة و كراهة التأخير عن الغد.

و بعبارة اخرى: أنها في مقام نفي الحكم الثابت للمتمتع عن المفرد، اما خصوصية حكمه فليست في مقام بيانه، فلا اطلاق للرواية.

و عليه، فيشكل تأخيره عن يوم النفر إلا أن يتمسك بأصالة البراءة، كما تقدم فى المتمتع. فتدبر.

(431) لرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ثم احلق رأسك و اغتسل و قلّم اظفارك و خذ من شاربك وزر البيت ... «1»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 438

و الدعاء إذا وقف على باب المسجد (432).

و اغتسل و قلّم اظفارك و خذ من شاربك وزر البيت ... «1»».

______________________________

(432) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد قلت: اللهم أعنّي على نسكك ... «2»».

و الحمد للّه رب العالمين «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 4: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

(3)- انتهى هذا المبحث في الاثنين 28/ 12/ 1388 ه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 2، ص: 439

[القول فى الطواف]

اشارة

القول فى الطواف «1» و فيه ثلاثة مقاصد

[المقصد الأول: فى المقدمات]

الأول: فى المقدمات و هي واجبة و مندوبة.

فالواجبات: الطهارة (433).

______________________________

(433) لا اشكال بحسب الفتوى في اعتبار الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر فى الطواف الواجب و فى «الجواهر «2»»: الاجماع بقسميه عليه.

و يدل عليه من النصوص رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «3»».

و رواية محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف

______________________________

(1)- كان الشروع في يوم 17/ 1/ 1389 ق.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 269، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 38: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 440

..........

الفريضة و هو على غير طهور قال: «يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين «1»» و غيرهما.

و هذه النصوص و إن كانت واردة في خصوص الطهارة من الحدث الأصغر لكن يستفاد منها اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر باعتبار أنه ناقض للوضوء أيضا و بلحاظ الدليل الخاص يكتفى بغسل الجنابة عن الوضوء.

و قد يستدل على اعتبارها برواية علي بن جعفر، عن أخيه أبى الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو فى الطواف، قال:

يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف «2»».

و لكن يمكن المناقشة في دلالة هذه الرواية على المطلوب ببيان: أن الكون فى المسجد محرّم على الجنب و إذا حرم الكون بطل طواف الجنب و ذلك لامتناع اجتماع تحريم الكون فى المسجد و وجوب الطواف فى المسجد.

و عليه، فبطلان طواف

الجنب على القاعدة. نعم لا يبطل الطواف على القاعدة في صورة نسيان الجنابة لعدم تحريم الكون فى المسجد عليه في هذا الحال، فلا مانع من صحة طوافه.

و في هذه الصورة تظهر فائدة اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر، إذ في صورة العلم عرفت بطلان الطواف على القاعدة.

و عليه، نقول: الأمر بقطع الطواف عند تذكر الجنابة في أثناء الطواف الوارد في رواية علي بن جعفر عليه السّلام يمكن أن يكون بلحاظ عدم تمكنه شرعا من البقاء فى المسجد لأنه جنب و لزوم الخروج عليه، فيكون حكما على طبق القاعدة فلا يفيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 38: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 441

..........

اشتراط الطهارة فى الطواف. كما يمكن أن يكون بلحاظ أن الطهارة شرط و المفروض فقدانها، فيدل على اعتبارها و لا ظهور له فى الثاني.

و هكذا قوله عليه السّلام: «لا يعتد بشي ء مما طاف» يمكن أن يكون ناشئا من فقدانه للشرط و هو الطهارة من الحدث الاكبر، و يمكن أن يكون ناشئا من فوات الموالاة بالخروج من المسجد و الغسل و الرجوع للطواف، فيكون من أدلة اعتبار الموالاة بين أشواط الطواف.

و بالجملة، لا ظهور فى الرواية في إفادة شرطية الطهارة من الحدث الأكبر بعد امكان تطبيقها على القاعدة.

و أما الطواف المستحب، فلا يعتبر فيه الطهارة من الحدث الأصغر للنصوص المتعددة، كرواية محمد بن مسلم المتقدمة و بها تقيد اطلاقات ما دل على اعتبارها في الطواف بقول مطلق.

و أما الطهارة من الحدث الأكبر، فلا دليل على اعتبارها أيضا الا من جهة كونه على طبق القاعدة لحرمة الكون فى المسجد. و لكن عرفت ان مقتضى ذلك صحة

الطواف مع نسيان الجنابة.

نعم، لو التزمنا بدلالة رواية علي بن جعفر المتقدمة على شرطية الطهارة من الحدث الأكبر للطواف فهي دالة على شرطيته لمطلق «1» الطواف الواجب و المندوب، و لا مقيد لها لان النصوص المتقدمة المشار إليها إنما تتكفل نفي اعتبار الوضوء فى الطواف المستحب لا أكثر فلا تنافي اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر فيه بمقتضى اطلاق رواية علي بن جعفر عليه السّلام.

______________________________

(1)- في عمومها للطواف المندوب اشكال يظهر من ملاحظة ذيل الرواية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 442

..........

و من هنا يظهر الاشكال فى التزام صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» بدلالة الرواية على الشرطية و التزامه بعدم اعتبار الطهارة من الحدث الاكبر فى الطواف المندوب للأصل، فانه لا مجال للاصل مع اطلاق رواية علي بن جعفر عليه السّلام.

فلاحظ.

هذا مع أن إجراء الأصل مع إنكار الاطلاق يبتني على الالتزام بجريان البراءة في المستحبات. و الذي حققناه عدم جريانها فيها.

و عليه فاللازم الاحتياط فى الطواف المستحب بالنسبة الى الطهارة من الحدث الأكبر.

ثم انه ذكر صاحب الجواهر «2» أن الوضوء أفضل فى الطواف المستحب و استدل عليه برواية معاوية المتقدمة و النبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة «3»».

و يشكل بأنه قوله عليه السّلام في رواية عمار: «و الوضوء أفضل» راجع الى المستثنى منه و هو مطلق المناسك غير الطواف، لاستثناء الطواف منها.

و أما النبوي، فانما يتم الاستدلال به لو فرض عدم اعتبار الطهارة في صلاة النافلة و انما هي مستحبة فيها، كي يكون التنزيل شاملا لهذا الأثر، و الامر ليس كذلك لأن الطهارة معتبرة في صلاة النافلة، فلا يكون التنزيل ناظرا الى الطهارة لما عرفت من عدم اعتبار الطهارة فى الطواف.

إذن، فلا دليل على

أفضلية الوضوء. فتدبر.

ثم إنه في موارد اعتبار الطهارة لو لم يتمكن من الطهارة المائية هل يصح

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 269، الطبعة الاولى.

(2)- المصدر، ص 270.

(3)- البيهقي، احمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 5: ص 87، ط بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 443

و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن (434).

الطواف مع الطهارة الترابية، أو لا؟

و تحقيق الكلام في ذلك: أنه إن قلنا بان التيمم يفيد الطهارة و رافع للحدث.

و تيمم المكلف لغاية يشرع لها التيمم قطعا، كصلاة فريضة، أمكنه الطواف به لأنه متطهر فيكون طوافه مع الطهارة.

و أما لو قلنا بان التيمم غير رافع و انما هو مبيح، فلا ينفع التيمم لغاية معينة في صحة الطواف، إذ غاية ما ينفع التيمم في استباحة تلك الغاية المعينة لا الطواف إذ لا دليل على مشروعيته بالنسبة إليه، ثم أنه لو ثبت اطلاق لدليل مشروعية التيمم بحيث يشمل مثل الطواف فانما ينفع بالنسبة الى الحدث الأصغر لا الأكبر، و ذلك لأنه مع الحدث الأكبر يحرم عليه الكون فى المسجد الحرام.

و التيمم على تقدير كونه مبيحا انما يستباح به العمل الواجب المشروط بالطهارة، لا العمل المحرم بدون طهارة كمس القرآن و الدخول فى المسجد و غيرهما.

و عليه، فالتيمم يستباح به الطواف من جهة شرطية الطهارة له و لا يستباح به الطواف من جهة حرمة الكون في المسجد.

نعم، لو كان مطهرا و رافعا للحدث تم ذلك، لعدم كونه محدثا مع التيمم.

فتدبر.

______________________________

(434) العمدة في ذلك رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رأيت في ثوبي شيئا من دم و أنا أطوف قال: فاعرف الموضع ثم أخرج فاغسله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 444

و أن يكون مختونا، و لا يعتبر فى المرأة (435).

ثم عد فابن على طوافك «1»»، و هي ضعيفة السند لكن ادعي انجبارها بعمل الاصحاب و تسالمهم حتى ممن يبني على عدم العمل بأخبار الآحاد كابن ادريس، فان ذلك يوجب الاطمئنان بالصدور.

لكن التحقيق انه لم يثبت استناد الكل إليها، إذ علل بعضهم الحكم المذكور بحرمة إدخال النجاسة فى المسجد و قد علل ذلك بأن فيه هتكا للمسجد. و مع وجود هذا التعليل يحصل التشكيك فى الصغرى، هذا مع الاشكال في أصل الكبرى و هي جابرية عمل المشهور لضعف السند. و أما الاستدلال على الحكم المذكور بالنبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة» ففيه ما لا يخفى.

______________________________

(435) يدل على ذلك النص، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس أن تطوف المرأة «2»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة، فاما الرجل فلا يطوف إلا و هو مختتن «3»».

و هذا مما لا إشكال فيه. إنما الاشكال في جهات:

الاولى: فى الخنثى المشكل بناء على أنها جنس ثالث غير الرجل و المرأة، فهل يجب عليها الاختتان، أم لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 33: من أبواب الطواف، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 445

..........

التحقيق: عدم الوجوب لعدم شمول النص لها بعد اختصاصه بالرجل و المرأة، فأصالة البراءة محكمة. إلا ان صاحب الجواهر «1» التزم بعدم جريان البراءة بناء على ان الفاظ العبادات أسماء

للصحيح منها، اذ مع الشك في اعتبار الاختتان يشك في صدق الطواف بدونه و هو مورد قاعدة الاشتغال.

و هذا الأمر تعرض له في الاصول و اجيب عنه بما لا مزيد عليه و اثبت ان البراءة يمكن جريانها حتى على القول بالصحيح.

و الغريب ان صاحب الجواهر لم يذكر هذا المطلب الا هنا و التزم بالأصل في غير مورد، كما تقدم منه فى الطواف المستحب، فراجع.

الثانية: فى الصبي، فهل يجب عليه الاختتان في طوافه، أم لا؟

قد يدعى عدم اعتباره إما لأجل اختصاص موضوع الحكم بالرجل و هو غير صادق على الصبي. و إما لأجل ان دليل الشرطية هو النهي عن الطواف بدون الاختتان و النهي لا يتوجه الى الصبي.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الأول: فلأن ظاهر المقابلة بين الرجل و المرأة إرادة جنس الرجل من لفظ «الرجل» بمعنى الذكر في قبال الانثى.

و أما الثاني: فلما ذكر مكررا من أن الأوامر و النواهي الواردة في باب المركبات ظاهرة في الارشاد الى الشرطية و المانعية و ليست ظاهرة فى البعث و الزجر و التكليف.

و عليه، فهي كما تشمل البالغ تشمل غيره.

و نظير هذه الدعوى ما ادعي من سقوط الشرطية أو الجزئية مع عدم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 274، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 446

..........

القدرة إذ كان دليلها بلسان الأمر لسقوط الأمر مع عدم القدرة.

و قد اجيب عنها بما عرفت من ان الأوامر هذه إرشادية، فلا تختص بصورة التمكن.

الثالثة: مع عدم التمكن من الاختتان لضيق الوقت هل يسقط لزوم الاختتان أم يسقط الحج؟

الحق هو الثاني، لان عدم التمكن من الاختتان و هو شرط يلازم عدم تحقق الاستطاعة، فلا

يجب الحج.

و لا وجه للأول إلا ما عرفت من سقوط الأمر مع عدم التمكن، فلا دليل على الشرطية و جوابه ما عرفته قبل قليل.

ثم إنه وقع الكلام في لزوم ستر العورة فى الطواف و قد استدل له بما ورد من الروايات الكثيرة من تبليغ أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله انه: «لا يطوف بالبيت عريان «1»».

و في هذا الاستدلال نظر، اذ بين العري و كشف العورة عموم من وجه فقد يصدق ستر العورة و يصدق العري، كما إذا كان متزرا فقط بدون رداء.

و قد يصدق عدم العري و يصدق كشف العورة، كما إذا كان ساترا لجميع بدنه و كاشفا لعورته فقط.

و عليه، فهذه الروايات تفيد اشتراط ستر البدن و عدم العري، و هو مما لا بأس بالالتزام به، بل يوافق الاعتبار لما فيه من الاحترام و المحافظة على كرامة الطواف و المسجد، فيكون هذا الشرط أشبه باشتراط ستر المرأة جسمها فى الصلاة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 53: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 447

و المندوبات ثمانية: الغسل لدخول مكة (436).

______________________________

(436) وقع الكلام في أن المستحب غسلان: أحدهما لدخول الحرم، و الآخر لدخول مكة. أو انه غسل واحد يتخير في ايقاعه بين أول الحرم و أول مكة و منزله في مكة.

الذي اختاره فى «الجواهر «1»» هو الأول، فاستشهد على استحباب الغسل لدخول مكة برواية الحلبي، قال: «أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أن نغتسل من فخ قبل ان ندخل مكة «2»».

و مثلها فى الدلالة رواية عجلان ابي صالح، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا انتهيت الى بئر ميمون او بئر عبد

الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار «3»».

و استشهد على استحباب الغسل لدخول الحرم برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا انتهيت الى الحرم ان شاء اللّه فاغتسل حين تدخله و إن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة «4»».

و برواية أبان بن تغلب «5» الحاكية فعل الإمام عليه السّلام حين اراد دخول الحرم.

و ذهب فى «المدارك «6»» الى الثاني، لرواية ذريح المحاربي، قال: «سألته عن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 279، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 5: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 2: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 1: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(6)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 121، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 448

..........

الغسل فى الحرم قبل دخوله، أو بعد دخوله؟ قال: لا يضرك أي ذلك فعلت. و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس «1»»، فقد ذهب الى أن المستفاد من مجموع هذه النصوص هو استحباب غسل واحد يتخير في ايقاعه بين المواضع المذكورة فيها. نعم، يستفاد منها ان ايقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل.

و ناقشه صاحب الجواهر «2»: بان ظاهر النصوص استحباب غسلين احدهما لدخول الحرم و الآخر لدخول مكة و التخيير لا ينافي ذلك، بل ما يظهر من اجزاء غسل واحد عنهما بعد دخول مكة لا ينافى التعدد فانه من باب التداخل.

أقول: الذي يظهر من رواية ذريح

ان الغسل المشروع نفسه لا بأس بايقاعه بعد دخول الحرم و في مكة و فى المنزل بمكة، لا أنه من باب التداخل. و عليه، فلا يبقى ظهور للنصوص في تعدد الغسل المستحب، بل تكون ظاهرة في استحباب غسل يتخير في ايقاعه بين مواضع أولاها قبل دخول الحرم.

و لا صراحة لرواية الحلبي و لا لرواية عجلان في استحباب الغسل لدخول مكة بهذا العنوان كما لا يخفى.

و يتأكد ما ذكرناه بملاحظة رواية معاوية، و ان له ايقاع الغسل المشروع لدخول الحرم في بئر ميمون أو فخ أو المنزل. مع انه لا معنى لذلك لو كان الغسل لأصل الدخول لتحقق الدخول منه.

فالمستفاد من مجموع النصوص استحباب غسل واحد لدخول الحرم لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 280، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 449

فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله (437). و الأفضل ان يغتسل من بئر ميمون، أو من فخّ (438)؛ و الا ففي منزله، و مضغ الإذخر (439) و أن يدخل مكة من أعلاها (440).

بمعنى الشروع فى الدخول، بل بمعنى الكون فى الحرم، فلا ينافي ذلك تأخيره الى منزله بمكة قبلا. نعم يستحب ايقاعه قبل الدخول لرواية أبان و غيرها و لا بأس بتعدد الغسل رجاء و لكن لا يترتب عليه ما يترتب على الغسل المستحب من الطهارة و الاكتفاء به عن الوضوء لو قيل به.

______________________________

(437) لعله لاستفادته من رواية معاوية بن عمار المتقدمة و لكن لا ظهور لها في حصول العذر بل مطلق التأخير و لو كان لا عن عذر، فلاحظها.

(438) لعله لروايتي الحلبي و عجلان

المتقدمتين.

(439) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه «1»». و نحوها رواية ابي بصير «2».

(440) لرواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟ قال: ادخل من أعلى مكة و اذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة «3»»، و رواية معاوية «4» الحاكية لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 3: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 4: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 450

و أن يكون حافيا، على سكينة، و وقار (441)، و يغتسل لدخول المسجد الحرام (442) و يدخل من باب بني شيبة (443)، بعد أن يقف عندها، و يسلم على النبي عليه السّلام، و يدعو بالمأثور (444).

______________________________

(441) لرواية عجلان المتقدمة «1»، و غيرها فراجع «2».

(442) قال فى «الجواهر «3»»: «لم نعثر فى النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن «الخلاف «4»» و «الغنية «5»» من الاجماع عليه».

أقول: هذا المقدار يكفي في اثباته بعنوان الاحتياط، فلا يترتب عليه آثار الغسل المستحب.

(443) لخبر سليمان بن مهران، عن الصادق عليه السّلام- في حديث المأزمين-: «...

فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك «6»».

(444) يدل على جميع ذلك روايتا معاوية «7» و ابي بصير «8» فلاحظهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 5: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 8 و 7: من أبواب مقدمات الطواف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 280،

الطبعة الاولى.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 388، الطبعة الاولى.

(5)- الحلبي، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 169.

(6)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 9: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(7)- المصدر/ باب 8: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(8)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 451

[المقصد الثاني: في كيفية الطواف]
اشارة

المقصد الثاني: في كيفية الطواف و هو يشتمل على واجب و ندب

فالواجب سبعة: النّية (445)، و البدأة بالحجر و الختم به (446).

______________________________

(445) لا اشكال في وجوب النية و الحديث في ان المعتبر الاخطار أم الداعي هو الحديث في غيره. و الذي يقرب فى الذهن هو اعتبار الاخطار، كما حققناه في باب الصوم.

و قد يدعى ان المعتبر و إن كان هو الاخطار لكنه يكفي تحققه في أول الاحرام نظير الاكتفاء بالداعي بالنسبة الى اجزاء الصلاة عند من يعتبر الاخطار في نيتها أول العمل.

و يندفع ذلك: بان الاكتفاء بالداعي المعبّر عنه بالاستدامة الحكمية في باب الصلاة و نحوها من جهة الدليل الخاص و لا يمكن تسرية الحكم الى مثل افعال الحج مما كانت أفعالا مستقلة في أنفسها مفصولة عما بينها باعمال خارجة عن حقيقة الحج. و قد مرّ منا أنه لم يعلم ان أفعال الحج نظير اجزاء سائر المركبات الارتباطية. فراجع ابحاث الوقوف في عرفات و المشعر.

(446) هذان هما الواجب الثاني و الثالث. و يدل عليهما الاجماع، و من النص رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اختصر فى الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود الى الحجر الأسود «1»».

و الكلام يقع في جهات:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 452

..........

الاولى: في أنه هل يعتبر قصد الابتداء من الحجر الأسود أو لا يعتبر؟.

التحقيق عدم اعتباره، إذ هو شرط لا جزء. و قد حقق في محله عدم لزوم قصد القربة فى الشروط و لذا لو تحقق منه الشرط غفلة بل مع علمه بعدمه و تخيل عدم شرطيته صح العمل، فلو صلى باعتقاد انه عار جهلا بلزوم الستر و تبين أنه مستور صح عمله.

الثانية: انه هل يعتبر عنوان الابتداء من الحجر و هو الحدوث بعد العدم أو لا يلزم سوى تحقق الطواف بهذا المقدار أعني من الحجر الى الحجر و لو كان مسبوقا بمقدار من الطواف؟ لا وجه لتخيل اعتبار عنوان البدأة بحيث يخلّ به قصد الطواف سهوا مما قبل الحجر الا التعبير «بمن» فى النص و لكنه لا ينفع في اثبات ذلك إذ لا ظهور ل «من» و «الى» في ذلك بل هي ظاهرة في بيان حد الشي ء الملازم للابتداء و الانتهاء في بعض الاحيان. و يشهد لما ذكرنا استعمالهما في موارد لا يطلب فيها عنوان الابتداء بلا مسامحة و لا عناية، كما إذا قال له: «يحسن لك أن تمشي من الكوفة الى النجف»؛ فانه لا يفهم منه انه لا بد ان يكون ابتداء المشي هو الكوفة بل يصح أن يبدأ مما قبلها، بل قد لا يستفيد أن يكون اتجاه الحركة هو النجف بل أعم من ان يكون اتجاهها النجف او الكوفة، فيفهم ان المطلوب ليس إلا المشي بهذا المقدار كان الابتداء من النجف أو بالعكس.

و عليه، فلا دليل على اعتبار عنوان البدأة من الحجر الأسود، فلا يضر الابتداء مما قبله.

الثالثة: انه هل يكفي الابتداء من أول الحجر

و الانتهاء بآخره بحيث لا يتحقق الدوران بالحجر أو لا يكفي ذلك؟. ذهب صاحب المدارك «1» الى الأول

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام 8/ 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 453

..........

لصدق الطواف من الحجر الى الحجر.

و الحق الثاني، لأن المطلوب الطواف بالبيت و هو اسم المجموع و كونه من الحجر الى الحجر شرط. و مع عدم الدوران بالحجر، يبقى جزء من البيت لم يطف به، فلا يصدق الطواف بالبيت. فتدبر.

ثم إن كيفية الابتداء من الحجر حيث إنها تشكل جدا خصوصا في زماننا الذي يكثر فيه الزحام، فالأولى أن يتأخر عن الحجر ثم يبدأ بالطواف و ينوي عند ابتدائه تحقق الطواف منه عند محاذاته الواقعية للحجر من باب المقدمة العلمية، نظير غسل مقدار زائد على الوجه فى الوضوء و تستمر النية الى ان يجوز الحجر حتى يتحقق الاخطار في أول جزء من اجزاء العمل.

و عليه، فلا يلزم أن يقف محاذيا للحجر بتمام بدنه بحيث يكون كل جزء من اجزاء بدنه أو أول أجزاء بدنه محاذيا للحجر، بل قد قال صاحب الجواهر «1»:

«ربما كان اعتباره مثارا للوسواس كما أنه من المستهجنات القبيحة نحو ما يصفه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة بناء على أنه الاخطار من الاحوال التي تشبه احوال المجانين».

فرع:

لو ابتدأ الطائف سهوا بغير الحجر الأسود، ففى «القواعد «2»» لم يعتد بذلك الشوط الى أن ينتهي الى أول الحجر فمنه يبتدئ الاحتساب ان جدد النية للاتمام مع احتمال البطلان.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 290، الطبعة الاولى.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 425، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 454

و أن يطوف على يساره (447).

و قد أطال في «كشف اللثام «1»» في تحقيق هذا الفرع ببيان شقوق متعددة و علّل احتمال البطلان، و قد قال صاحب الجواهر «2» بعد ذكر كلامه الطويل: «لا يخفى عليك ان ذلك كله متعبة لا فائدة فيها». ثم ذكر ان صحة الطواف فى الفرع المذكور لأجل اتيانه بأركانه و شروطه من دون اخلال، اذ الزيادة المخلة هي الزيادة بعد اتمام الطواف لا قبله- كما يأتي تحقيقه ان شاء تعالى.

و أما احتمال البطلان، فلعله لأجل وجوب قصد البدأة بالحجر، و لم يتحقق منه. و ذكر أن الأقوى عدم اعتباره، لصدق الواجب بدونه.

أقول: الوجه في عدم وجوب قصد البدأة ما عرفته ما عرفته من أن البدأة على تقدير اعتبارها من الشروط و هي غير متوقفة على قصد القربة، كما تقدم.

______________________________

(447) هذا هو الواجب الرابع، و يدل عليه الاجماع بقسميه و ليس فى النصوص تصريح بذلك. نعم، يستفاد من بعضها ان نحو الطواف و جهته ذلك بمعنى ان الدوران على اليسار لا على اليمين.

ثم إن الدليل على هذا الحكم حيث كان هو الاجماع، فلا دلالة له على أكثر من تعيين جهة الطواف في قبال الطواف من جانب اليمين او مستدبرا أو مستقبلا البيت، و لا يدل على لزوم كون المنكب الأيسر، أو الشق الايسر مقابلا للبيت دائما كما يفعله كثير من المتشرعة في زماننا مما يؤدي الى الحرج بل إلفات النظر إليه.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 414، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 288، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 455

و أن يدخل الحجر فى الطواف (448)، و ان يكمله سبعا (449).

______________________________

(448) هذا هو الواجب الخامس، و يدل عليه الاجماع بقسميه و النصوص، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا فى الحجر، قال: يعيد ذلك الشوط «1»»، و غيرها.

ثم إنه لا يهم البحث في ان الحجر من البيت، أم من خارجه فانه لا يرتبط بالبحث المزبور الذي نحن فيه، فايقاعه بلا طائل.

ثم إنه لو طاف بينه و بين الحجر فهل يعيد طوافه بأجمعه أم يعيد الشوط نفسه؟ ظاهر النصوص الثاني، كرواية الحلبي المتقدمة.

و لكن في خبر ابراهيم بن سفيان «2» الأمر بالإعادة مطلقا، و يحمل بضميمة تلك النصوص على إرادة إعادة الشوط. فتدبر.

(449) هذا هو الواجب السادس. و يدل عليه الاجماع بقسميه و النصوص الكثيرة المستفادة منها ذلك، كرواية الحسن بن عطية، قال: «سأله سليمان بن خالد و أنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و كيف طاف ستة اشواط؟ قال: استقبل الحجر، و قال: اللّه أكبر، و عقد واحدا. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يطوف شوطا، فقال سليمان: فانه فاته ذلك حتى أتى أهله قال:

يأمر من يطوف عنه «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من أبواب الطواف، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 32: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 456

و ان يكون بين البيت و المقام (450).

______________________________

(450) هذا هو الواجب السابع، و قد قال فى «الجواهر «1»»: «لا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه و

بين البيت، بل عن «الغنية «2»» الاجماع عليه».

و ليس فى النصوص ما يدل عليه سوى رواية محمد بن مسلم، قال: «سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال: كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف. و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ و لا طواف له «3»». و هذه الرواية ضعيفة السند و لكن ادعي انجبارها بعمل الاصحاب.

و في قبالها رواية صحيحة السند تدل على جواز الطواف خلف المقام و هي رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: «ما أحب ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله؛ إلا ان لا تجد منه بدا «4»».

و نسب الى ظاهر الصدوق «5» الفتوى بمضمونه، و لكن ادعي انه مطروح من قبل الاصحاب و هو مضعف للخبر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 295، الطبعة الاولى.

(2)- الحلبي، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 172، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 28: من أبواب الطواف، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- الصدوق، محمد بن على: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 399/ ح 2809.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 457

لو مشى على أساس البيت او حائط

الحجر لم يجزه (451).

و لكن لم يثبت عمل الأصحاب بالأول و اعراضهم عن الثاني صغرى، إذ لم يكن في كلمات بعضهم تعليل الحكم به فلعله من جهة الاحتياط. كما انه لم تثبت جابرية العمل و مضعفية الاعراض كبرى.

و بالجملة، فالصناعة تدعو الى العمل برواية الحلبي، نعم الاحتياط يدعو الى العمل برواية محمد بن مسلم و ان كان فيه مخالفة للاحتياط من جهة كثرة الزحام فى الحد المزبور بحيث لا تكون حركته في بعض الاوقات إرادية، فليحتط بطوافين احدهما داخل الحد و الآخر خارجه.

و نسب الى أبي علي «1» إجزاء الطواف خارج المقام للضرورة، و لا دليل عليه ظاهر إذ رواية الحلبي ظاهرة في الاجزاء مطلقا على كراهة في حال الاختيار. فلاحظ.

ثم إن المراد بالمقام محله هذا اليوم، كما هو ظاهر رواية ابن مسلم، فلا يهمنا التعرض الى ما تعرض إليه الاعلام من ان كون المقام في هذا المحل هل هو في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله أو بعده؟. فان شئت الاطلاع، فراجع «الجواهر «2»».

______________________________

(451) للزوم ان يطوف بالبيت فان مشى على اساس البيت لم يصدق الطواف بالبيت بمجموعه.

و للزوم ان يكون يدخل الحجر في طوافه فلو مشى على حائطه لم يصدق ادخاله بمجموعه أيضا.

______________________________

(1)- لم نعثر على كتابه، لكن حكاه عنه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 183).

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 296، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 458

و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان فى الطواف الواجب (452).

______________________________

(452) على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، و استدل له من النصوص بما دل على الأمر بهما بعد الطواف، ك:

رواية

معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم عليه السّلام فصل ركعتين ... «1»».

و بما دل من النصوص الكثيرة «2» على الأمر بقضائهما لو نسيهما أو لزوم العود للاتيان بهما، و هو ظاهر في وجوبهما.

و في كلا الدليلين نظر:

أما الأول: فلعدم ظهور فى النص في الأمر بهما، بل ظاهرهما الأمر بايقاعهما فى المقام، و هذا لا يلازم وجوبهما و لا ظهور له فيه، نظير الأمر بالطهارة فى الصلاة المستحبة.

و أما الثاني: فلأن الأمر بالقضاء أو العود لا ظهور له فى الوجوب في نفسه، بل هو يتبع فى الظهور فى الوجوب و الاستحباب الأصل. فان كان الأصل مستحبا كان هو مستحبا، اذ ظاهر الأمر بالعود هو الارشاد الى إمكان تحصيل ما فاته إن واجبا أو مستحبا.

و عليه، فلا دليل لدينا على وجوب الصلاة.

هذا و لكن الحق وجود الدليل على وجوبها و هو ذيل رواية معاوية بن عمار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 459

و لو نسيهما وجب عليه الرجوع، و لو شق قضاهما حيث ذكر (453).

المتقدمة فقد جاء فيها: «و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات [أي ساعة، خ ل] شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها». و يدل عليه أيضا ما ورد من عد صلاة الطواف من فروض الحج و من عدّها مما على المتمتع من الاعمال، فراجع.

هذا، و الذي يظهر من نصوص الصلاة انها واجب مستقل عن الطواف و ليس من توابعه بحيث لا يتحقق الاحلال

المترتب عليها إلا بها. فلاحظ و تدبر.

______________________________

(453) الاحتمالات متعددة في هذه المسألة:

فاحتمال التفصيل بين صورة المشقة و عدمها فيجب عليه الرجوع فى المقام الثاني دون الاول.

و احتمال التفصيل بين صورة التعذر و عدمه، فيجب عليه الرجوع فى الثاني دون الأول.

و احتمال التفصيل بين الكون فى البلد و بين الارتحال، فيجب عليه الرجوع فى الأول دون الثاني.

و احتمال الرجوع الى المقام، فان تعذر فحيث شاء من الحرم فان تعذر فحيث أمكن من البقاع.

و احتمال لجواز الاستنابة ان خرج و شق عليه الرجوع الى المقام.

و أما الاحتمال الثاني و الرابع، فلا شاهد عليه من النصوص أصلا.

و أما الأول، فليس فى النصوص ما يمكن أن يستدل له به سوى رواية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 460

..........

أبو بصير (يعني المرادي)، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى «1» حتى ارتحل، قال: «ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه و لا آمره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «2»».

و يمكن الخدشة في الاستدلال بها انه لا ظهور لها في عدم الأمر بالرجوع عند حصول المشقة، بل هي ظاهرة في عدم تحقق الأمر بالمرة لأجل ما فيه من الكلفة و المشقة، فالمراد بالمشقة هاهنا المشقة الحاصلة عادة من التكليف لا المشقة الزائدة الرافعة للتكليف، فالرواية نظير ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لو لا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة «3»».

أما الاحتمال الثالث، فالنصوص ظاهرة فيه، ك:

رواية عمر بن البراء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن

نسي ركعتي طواف الفريضة حتى اتى منى انه رخص له أن يصليهما بمنى «4»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأله عن رجل نسي أن يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتى أتى منى؟ قال: يصليهما بمنى «5»».

و رواية أبي الصباح الكناني، قال: سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: «ان كان

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 120.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 10.

(3)- وسائل الشيعة، ج 1/ باب 3: من ابواب السواك، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 2.

(5)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 461

..........

بالبلد صلى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام فان اللّه عز و جل يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة؟ قال: «فليصلهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو فى البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «2»» و غيرها.

و أما رواية احمد بن عمر الحلال، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى أتى منى؟ قال: «يرجع الى مقام ابراهيم فيصليهما «3»»، فهي محمولة على الاستحباب بقرينة تلك النصوص.

و أما ما دل على الرجوع لو ذكر بالأبطح، كرواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سئل عن

رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «4»».

فلا ينافي ما ذكرنا، إذ الأبطح من توابع مكة فيصدق أنه بالبلد، و لو سلم أنه غير مكة فهي بالنسبة الى النصوص السابقة خاص فتخصصها بغير الأبطح.

و بالجملة، ففتوى المتن و تبعه عليه فى «الجواهر «5»» لا دليل عليها.

و أما الاستنابة، فهي جائزة مع الخروج و لو بدون مشقة، ل:

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي الطواف حتى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 16.

(2)- المصدر، ح 18.

(3)- المصدر، ح 12.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 303، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 462

و لو مات قضاهما الولي (454).

ارتحل من مكة، قال: إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما، أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه «1»».

و رواية ابن مسكان قال: «حدثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكل».

و الرواية الثانية ضعيفة السند و في الاولى الكفاية.

______________________________

(454) الكلام: تارة: في مشروعية القضاء عن الميت و اخرى في لزومه على الولي.

أما الأول: فقد يستدل له بالأولوية لجواز القضاء عن الميت فيما لا تجوز الاستنابة فيه و هو حي، فجوازه فيما تجوز فيه الاستنابة في حال حياته أولى.

و فيه: انه قياس لا شاهد عليه. فالأولى التمسك له بعموم ما دل على قضاء الصلاة الفائتة عنه- لو كان- و برواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام،

قال:

«سألته عن رجل نسي أن يصلي الركعتين؟ قال: يصلى عنه «2»»، فانها ظاهرة في كون موضوعها الميت للبناء على المجهول و عدم توجيه الخطاب إليه و لقصر المأمور به بالصلاة عنه مع انه لو كان حيّا كان مخيّرا، كما عرفت.

و برواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي، أو يقضى عنه وليه، أو رجل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 463

..........

من المسلمين «1»»، و هذه الرواية ظاهرة في مشروعية التبرع.

و لكن هل يشرع مع وجود الولي كما قد يستظهر من الترديد بأو فى النص، أو لا يشرع إلا مع فقد الولي؟. قد يقرب الثاني بملاحظة أن «يقضى عنه وليه» معطوف على «يقضي» مع انهما ليسا في مرتبة واحدة، بل يراد انه لو لم يكن موجودا فيقضي عنه وليه، و بهذه الملاحظة لا يبقى ظهور ل «أو رجل من المسلمين» في كونه في عرض قضاء الولي بل يكون احتمال أنه في طوله قويا فيكون الكلام مجملا من هذه الجهة، و القدر المتيقن هو مشروعية التبرع مع فقد الولي.

و أما الثاني: فيتمسك له بما دل على لزوم القضاء على الولي فليراجع في محله، و اما رواية عمر بن يزيد فلا ظهور لها في لزومه على الولي لعطف قضاء رجل من المسلمين عليه و هو غير واجب قطعا.

ثم إن هذا الكلام كله فى الناسي.

أما الجاهل، فهو كالناسي، لرواية جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم

بمنزلة الناسي «2»».

و أما العامد، فقد ذكر فى «المسالك «3»» ان الذي يقتضيه الأصل هو لزوم العود مع الامكان، و مع التعذر يصليهما حيث أمكن.

و استشكل فى «المدارك «4»» في الاكتفاء بالصلاة في غير محلها مع تعذر الرجوع، إذ لا دليل عليه. كما أضاف الى ذلك الاشكال في صحة ما يقع بعدها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 13.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 335، ط مؤسسة المعارف.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 136، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 464

..........

من أعمال.

و دفع صاحب الجواهر «1» كلا الاشكالين:

أما الأول: فلقيام الدليل على ان حكم الجاهل حكم الناسي، و هو يشمل الجاهل المقصر و هو كالعامد، فيثبت حكم الجاهل للعامد.

و أما الثاني: فلأن ظاهر الأدلة وجوب الصلاة بعد الطواف لا اكثر من دون دخل لها في صحة الطواف أو غيره و لذا لم يؤمر باعادة السعي و غيره مع ترك الصلاة نسيانا أو جهلا.

و في كلا وجهيه نظر:

أما الأول: فلأن الدليل- و هو الاجماع- انما قام على ان الجاهل المقصر بحكم العامد من حيث استحقاق العقاب و نحوه و هو لا يقتضي كون العامد بحكم الجاهل في مطلق الاحكام الشرعية، إذ لم يقيم الاجماع على الملازمة بينهما في جميع الآثار و الأحكام كيف؟ و لا يلتزم بصحة الاخفات في موضع الجهر عن عمد مع التزامهم بالصحة عن جهل و لو كان عن تقصير.

و أما الثاني: فلأن مقتضى لزوم الترتيب بين الصلاة و السعي انه مع الاخلال به يبطل السعي لفقدان شرطه. و

ما ورد من عدم الأمر بالاعادة في صورة النسيان لا ينهض على المدعى، إذ لعله حكم خاص بصورة النسيان و الجهل بان يكون شرطا ذكريا، نظير الترتيب بين اجزاء الصلاة.

نعم، قد يدعى ان المستفاد من موارد الحج المختلفة ان الاخلال بالترتيب لا يضر في أصل العمل، فيكون للحج حكم خاص به و قاعدة ثانوية غير القاعدة في باب المركبات. و اعتبار الترتيب بين أجزائها. فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 307، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 465

[مسائل ست]
اشارة

مسائل ست

[الأولى: الزيادة على سبع فى الطواف الواجب، محظورة]

الأولى:

الزيادة على سبع فى الطواف الواجب، محظورة (455) على الأظهر.

______________________________

(455) الزيادة تارة: تتكون ببعض الشوط و لو كانت خطوة. و اخرى: تكون شوطا واحدا بأن يأتي بثمانية أشواط. و الكلام فى الزيادة العمدية.

أما الزيادة بالنحو الأول، فالكلام فيها تارة: بحسب القواعد الأولية من دليل أو أصل. و اخرى بحسب الدليل الخاص.

أما بحسب القاعدة الأولية، فما يتوهم الدلالة على كونها مخلة في تحقق الواجب ما ورد فى النص من لزوم الطواف من الحجر الأسود الى الحجر الأسود باعتبار ظهوره فى التحديد بذلك، فلا يجوز الزيادة لعدم صدق المأمور به.

و لكن نقول: انه قد ثبت في محله في مفهوم العدد ان التحديد بالعدد و نحوه لا يفيد اكثر من التحديد بلحاظ ما هو أقل منه لا ما هو أكثر منه، فهو يعتبر بمعنى انه لا يجزي ما دونه أما ما فوقه فلا دلالة لا على نفيه.

و عليه، فمع الشك في جواز الزائد يرجع الى الأصل العملي، و مقتضاه جواز الزائد. بيان ذلك: ان الجامع يعلم تعلق الطلب به و انما يشك في اعتبار خصوصية معينة و حد خاص لا أكثر منه، فينفى بأصالة البراءة من اعتبار الخصوصية.

و نتيجة ذلك ان يكون الواجب لا بشرط من جهة الزيادة، فيجوز الاتيان بالزائد بداعي الأمر لصدق المأمور به- و هو الجامع- على مجموع العمل مع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 466

..........

الزيادة.

و لو فرض الشك في مانعية الزيادة بمعنى انها تكون مانعة عن تحقق العمل، فالأصل أيضا ينفي المانعية إذ مرجع المانعية الى أخذ عدمها شرطا فى الواجب و مع الشك فيه تجري أصالة البراءة من الشرطية.

و نتيجة ما ذكرنا: ان الزيادة فى الطواف

غير مخلة فى العمل بل يمكن قصد الأمر بها. فلاحظ. هذا بحسب القاعدة الأولية.

و أما بحسب القاعدة الثانوية، فقد يستدل على اخلال الزيادة فى الطواف ...

بالنبوي: «الطواف بالبيت صلاة»، فكما تضر الزيادة فى الصلاة تضر فى الطواف لأنه بمنزلتها في الآثار و الأحكام.

و برواية عبد اللّه بن محمد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي «1»».

و فيه: أن الاولى لا تصلح للاستدلال للشك في صدق الزيادة فى الطواف بعد جريان أصالة البراءة من الخصوصية و احتمال انطباق المأمور به على الجامع بين ما فيه الزيادة على السبعة اشواط، و خصوص السبعة.

و بذلك يخدش في دلالة الثانية مع ضعف سندها و انجبارها بعمل الأصحاب غير ثابت صغرويا، كما ستعرف ان شاء تعالى، مع أنه محل الاشكال كبرويا.

و النتيجة: انه لم يثبت ما ينفي مقتضى القاعدة الأولية، فالالتزام بها وجيه.

و أما الزيادة بالنحو الثاني، فالكلام فيها أيضا تارة بلحاظ القاعدة الأولية و اخرى بحسب القاعدة الثانوية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من أبواب الطواف، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 467

..........

أما بحسب القاعدة الأولية، فالحديث فيها هو الحديث في الزيادة بالنحو الأول بلا افتراق فلا نعيد.

و أما بحسب القاعدة الثانوية، فقد يدعى اخلال هذه الزيادة للنبوي المتقدم و رواية عبد اللّه بن محمد.

و لكن قد عرفت الخدشة في دلالتهما على ذلك. نعم وردت طائفة من النصوص فيمن طاف ثمانية أشواط بأنه يضيف إليها ستة فتصير طوافين، و بما أن الأمر في مثل ذلك ظاهر فى الشرطية لا في الأمر الاستقلالي النفسي، كانت هذه النصوص ظاهرة في

بطلان الطواف بالزيادة المذكورة لو اقتصر عليها.

و قد ورد الأمر بالاعادة في بعض هذه النصوص، ك:

رواية أبي بصير- في حديث- قال: قلت له: «فان طاف و هو متطوع ثماني مرات و هو ناس قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات، فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط «1»».

و روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتى يثبته «2»» و لكنها مروية بنحو آخر و هي «حتى يستتمه» و هي غير ظاهرة في الاعادة من رأس بل في اكمال الطواف الثاني. و عليه، فتكون مجملة من هذه الجهة.

ثم إن الأمر بالاعادة و إن كان ظاهرا فى التعيين لكنه يرفع اليد عن ذلك بالطائفة الاولى الموجبة لاكمال طوافين، فيكون المستفاد من مجموعهما ان الاقتصار على الثمانية غير مجد بل لا بد في أداء الوظيفة العملية إما من الاعادة أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من أبواب الطواف، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 468

و فى النافلة مكروهة (456).

إضافة ستة أشواط الى الشوط الزائد، فيصير المجموع طوافين.

و بالجملة، مجموع هذه النصوص يدل على اخلال الشوط الثامن فى الطواف في حدّ نفسه و لكن موضوعها الناسي، فالتعدي منها الى العامد انما يكون بالأولوية القطعية.

لكن الثابت بالأولوية هو اخلال الشوط الثامن أما علاجه بإضافة ستة أشواط فلا أولوية، فلا يثبت هذا الحكم للعامد. فلاحظ.

و قد يدعى عموم بعض النصوص الآمرة باضافة ستة للعامد في نفسها لعدم أخذ النسيان في موضوعها، و لكن لا يمكن الالتزام به لما سيجي ء من مانعية القران في طواف الفريضة و القدر المتيقن منه حال

العمد، فلا بد أن تحمل هذه النصوص على الناسي جمعا. فلاحظ و تدبر جيدا.

______________________________

(456) يعني الزيادة، و استشكل فيه فى «الجواهر «1»» بناء على مسلكه في حرمة الزيادة فى الفريضة من كونه تشريعا، فانه وجه سار فى النافلة- أيضا-، فتكون الزيادة فيها محرمة، و لكن عرفت تقريب حرمة الزيادة لا من باب التشريع.

و الوجوه المتقدمة لا تشمل النافلة، فيكون الحكم فيها بالكراهة من باب قاعدة التسامح في أدلة السنن بلحاظ ثبوت الفتوى بكراهتها فى النافلة.

ثم إنّه وقع الكلام في جواز القران بين طوافين بمعنى عدم الفصل بينهما بصلاة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 310، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 469

..........

الطواف.

و قد نسب الى أكثر علمائنا عدم جوازه في طواف الفريضة و بطلان الطواف به. و قد استشكل في ذلك:

تارة: بان القران يصدق بالطواف الثاني، فاذا حرم القران حرم الطواف الثاني فيبطل لا الأول، فلا وجه لبطلان الثاني.

و اخرى: بان الطواف الثاني حيث انه موجب لفوات الموالاة المعتبرة في صلاة الطواف فيكون منهيا عنه لان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فيبطل الطواف الثاني. و في كلا الوجهين نظر:

أما الثاني، فلما ثبت في محله من انكار استلزام الأمر بالشي ء للنهي عن ضده.

و أما الأول، فلأن النهي عن القران نهي ارشادي الى مانعيته للطواف، فيكون مانعا عن الطواف الأول فيبطله و ليس هو نهيا نفسيا متعلقا بخصوص الطواف الثاني، إذ الأصل الثانوي في الأوامر الواردة في باب المركبات هو ظهورها في الارشاد.

و على كل، فظاهر النصوص مانعية القران في طواف الفريضة دون النافلة، لرواية محمد بن ادريس عن كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه

السّلام- في حديث- قال: «و لا قران بين اسبوعين في فريضة و نافلة «1»».

و هي و ان كانت ظاهرة في النهي عن القران مطلقا لكن يرفع اليد عنه و يحمل على الكراهة ببركة ما ورد من التفصيل في بعض النصوص بين النافلة و الفريضة، كرواية زرارة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «انما يكره ان يجمع الرجل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من أبواب الطواف، ح 14.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 470

[الثانية: الطهارة شرط فى الواجب دون الندب]

الثانية:

الطهارة شرط فى الواجب دون الندب (457)، حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة، و ان كانت الطهارة أفضل.

[الثالثة: يجب أن يصلي ركعتي الطواف فى المقام، حيث هو الآن]

الثالثة:

يجب أن يصلي ركعتي الطواف فى المقام، حيث هو الآن، و لا يجوز في غيره، فان منعه زحام، صلى وراءه، أو الى أحد جانبيه (458).

بين الاسبوعين و الطوافين فى الفريضة و اما فى النافلة فلا بأس «1»» و المراد من الكراهة هاهنا هو الحرمة لا الكراهة بالمعنى المصطلح او الجامع، للاجماع على كراهة القرآن فى النافلة و لبعض النصوص الظاهرة في ذلك كالرواية المتقدمة، فلا يمكن ان يراد بالكراهة إلا الحرمة كي يصح التفكيك. فتدبر.

و قد وردت بعض النصوص في ان الامام عليه السّلام كان يقرن بين اسبوعين لكن تحمل على التقية لما ورد صريحا في بعض النصوص الاخرى من انه يفعل ذلك تقية، فالتفت.

______________________________

(457) تقدم تحقيق الكلام في ذلك في مقدمات الطواف.

(458) الكلام في مقامين:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 471

..........

الأول: في مكان صلاة الطواف في حال الاختيار.

الثاني: في مكانها مع الاضطرار كوجود الزحام.

أما المقام الأول:

فالأقوال ثلاثة:

الأول: انها عند مقام ابراهيم عليه السّلام.

الثاني: أنها لا تجب ان تكون عنده، بل تجوز في غيره و هو المحكي عن «الخلاف «1»».

الثالث: التفصيل بين طواف النساء و غيره، فيجوز إتيانهما في أي موضع من المسجد في الأول دون غيره. و هو المحكي عن الصدوقين «2».

أما القول الأول: و هو المشهور و به وردت النصوص الكثيرة. إلا أن ظاهر بعض النصوص لزوم أن تكون الصلاة خلف المقام و استشهد فيها بالآية الكريمة، ك:

رواية صفوان بن يحيى- عمن حدثه- عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام- في حديث طويل- قال: «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك

______________________________

(1)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1:/ ص 404، الطبعة الاولى.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 552. و حكاه عن والده في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 210).

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 72: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 472

..........

فائت مقام ابراهيم عليه السّلام، فصل ركعتين و اجعله إماما «1»».

و بهذه النصوص يقيد إطلاق ما ورد من ان الصلاة عند مقام ابراهيم، إذ العندية أعم من الخلف و غيره، كرواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام ابراهيم عليه السّلام ... «2»».

و عليه، فيلزم ان تكون الصلاة خلف المقام بالنحو الذي يصدق أنه عنده، جمعا بين كلا القيدين، فلا تصح الصلاة وراء المقام مع بعده عنه بنحو لا يصدق أنه عنده.

و أما القول الثالث: فذكر فى «الجواهر «3»» انه لا دليل عليه غير رواية مروية في «فقه الرضا «4»»، و هي غير حجة لعدم صحة نسبته الى الرضا عليه السّلام.

و أما القول الثاني: فقد استدل له بأصالة البراءة عن شرطية المكان الخاص و الآية لا دلالة لها على الاشتراط إذ ظاهرها كون نفس الصخرة مصلى و هو ممتنع، فلا بد ان يراد من المقام المسجد.

و هذا الوجه باطل بعد وجود

النصوص الآمرة بالصلاة خلف المقام و المفسرة للآية بذلك، فسواء كانت الآية ظاهرة أو مجملة، لا يهم ذلك بعد وجود النصوص.

و أما المقام الثاني:

فمقتضى القواعد الأولية سقوط الصلاة مع الاضطرار لتركها خلف المقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 73: من أبواب الطواف، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 316، الطبعة الاولى.

(4)- فقه الرضا عليه السّلام (سلسلة ينابيع الفقهية)، ص 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 473

..........

لفقدان الشرط، إلا انه يقطع للضرورة و الاجماع بعدم سقوطها، فيقع الكلام في مكانها.

فقد ادعي انه يصلي الى أحد الجانبين و لكنه مما لا دليل عليه سوى ما يتوهم من رواية الحسين بن عثمان، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلي ركعتي الطواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد «1»».

و لكن حيال المقام في ما نحن فيه لا يصدق إذا كانت الصلاة الى أحد جانبيه قريبا من الظلال للزوم انحرافه الى الكعبة، فلا بد أن يراد به أنه وراء المقام بعيدا عنه و في قباله.

فالمتعين لزوم أن يكون خلف المقام و إن بعد عنه تحفظا على قيد الخلفية المعتبر و ان انتفى قيد العندية للضرورة. و لا يخفى ان الانتقال الى هذه المرحلة إنما يصح إذا كان يفوت وقت الصلاة لو اراد الانتظار الى خفة الزحام و ارتفاع الاضطرار.

و اذا عرفت تحقيق المقام تعرف ما في عبارة المتن من لزوم كون الصلاة فى المقام، فلو منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه، إذ عرفت ان ظاهر النصوص لزوم كون الصلاة خلف المقام اختيارا لا أنه قيد في حال الضرورة.

________________________________________

قمّى، سيد

محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 473

فالتفت و لا تغفل.

أما أن المراد بالمقام حيث هو الآن، فيدل عليه رواية ابراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السّلام: «أ صلى ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: حيث هو الساعة «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 75: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 474

[الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم، لم يصح طوافه]

الرابعة:

من طاف في ثوب نجس مع العلم، لم يصح طوافه، و ان لم يعلم ثم علم في اثناء الطواف، أزاله و تمّم. و لو لم يعلم حتى فرغ، كان طوافه ماضيا (459).

______________________________

(459) قد تقدم منّا التشكيك في اعتبار الطهارة الخبثية فى الطواف باعتبار عدم مساعدة دليل قوي عليه، اذ غاية دليله النبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة» و رواية يونس بن يعقوب المتقدمة، و هما ضعيفتان و لم يثبت عمل المشهور بهما.

و على أي حال، فنتكلم الآن في فروع المسألة بناء على الالتزام بشرطية الطهارة الخبثية. فنقول: لو طاف فى النجس عن علم بها و بالحكم، بطل طوافه لاجل فقدان الشرط، أو وجود المانع، و قد علله فى «الجواهر «1»» و «المدارك «2»» باستلزام النهي الفساد.

و لا يخفى ما فيه. أما أولا، فلعدم اشتمال رواية يونس على النهي. و أما ثانيا فلأن النهي في مثل هذه المقامات ارشادي الى مانعية النجاسة لا مولوي ينشأ

عن المبغوضية الواقعية كي يستلزم الفساد لمنافاته القربة.

نعم، لو كان دليل مانعية النجاسة ما دل على حرمة ادخال النجس الى المسجد ببيان أنه يكون من قبيل اجتماع الأمر و النهي، إذ الأمر بالطواف فى الثوب النجس مع النهي عن ادخاله الى المسجد لا يجتمعان فهو منهي عنه، كان

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 320، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 144، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 475

..........

لما ذكراه وجه، لكن ذلك مما لا يلتزمان به و لا دليل عليه معتبر، إذ لا دليل على حرمة ادخال النجاسة غير المتعدية، فتدبر.

و لو طاف فى النجس عن جهل به و التفت بعد الطواف، فمقتضى الشرطية و إن كان بطلان طوافه لكن ذلك لو كان دليل الشرطية له إطلاق يشمل حال الجهل، و الأمر ليس كذلك، إذ النبوي يفيد تنزيل الطواف منزلة الصلاة. و من الواضح ان الطهارة شرط ذكري فى الصلاة، فلا دلالة له على أكثر من اشتراط الطهارة فى الطواف في حال العلم.

و أما رواية يونس، فهي ظاهرة في عدم مخلية النجاسة مع الجهل بها، هذا مع رواية ابن أبي نصر، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال: قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه. فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر «1»» و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة الى جميع الحالات حتى حال العمد، و لكن لم يعمل بها فيه، فالقدر المتيقن منها غير حاله فتشمل حال الجهل.

و عليه، فلا

وجه لبطلان الطواف حال الجهل لأجل قصور دليل الشرطية أولا و وجود النص على الصحة ثانيا.

هذا لو طاف مع الجهل بالنجاسة، و لو طاف عن نسيان لها فالحال كذلك لقصور دليل الشرطية مع شمول رواية البزنطي لحالة النسيان.

نعم، قد يتخيل أن مقتضى النبوي مانعية النجاسة مع النسيان إذ الحال كذلك فى الصلاة.

و لكن عرفت أن النبوي لا يصلح للاعتماد إلا بلحاظ استناد المشهور إليه،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 476

..........

و لم يثبت عمل المشهور به، بل الثابت خلافه للفتوى بعدم بطلان الطواف فى النجاسة مع النسيان مما يكشف انه لم يعمل به. فهذه هي عمدة المناقشة.

و أما المناقشة في انها لا اطلاق لها إلا من حيث اثبات أصل الشرطية لا خصوصيات الشرط، فهي كما ترى.

نعم، الظاهر أن رواية يونس بن يعقوب تشمل بإطلاقها حال النسيان فانها تثبت الشرطية لمن علم بالنجاسة مطلقا و لو نسي بعد ذلك. و عليه فمقتضاها بطلان الطواف مع النجاسة ناسيا، فاذا بنى على عمل المشهور بها تعين التمسك بإطلاقها.

و أما لو علم بالنجاسة في الأثناء، فظاهر رواية يونس بن يعقوب المتقدمة أنه يقطع الطواف ثم يخرج لغسل النجاسة و يعود فيبني على طوافه و مقتضاها صحة الطواف مع الجهل فى النجاسة و الالتفات فى الاثناء. و النبوي قاصر كما عرفت عن اثبات اعتبار الطهارة مع الجهل فيكون الطواف صحيحا من جهة اعتبار الطهارة فيه.

نعم، لو كان الوجه في اعتبار الطهارة الالتزام بحرمة ادخال النجاسة الى المسجد و لزوم اخراجها و قلنا بان ارتفاعها ظاهرا بالجهل لا يجدي في تصحيح العمل بل المبغوضية الواقعية مؤثرة في

الفساد، كان اللّازم البناء على بطلان الطواف في هذه الصورة، و لكن عرفت انه لا دليل على حرمة ادخال النجاسة الى المسجد.

و عليه، فيصح الطواف في صورة الجهل و الالتفات في الاثناء من جهة شرطية الطهارة. و لكن هناك اشكال من جهة اخرى و هي جواز قطع الطواف و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 477

..........

و قد ادعي انه لا يجوز قبل تجاوز النصف، لما ورد فى الحديث من لزوم اعادة الطواف لو كان بعد النصف.

و فيه: انه قياس، إذ قيام الدليل على مبطلية الحدث للطواف قبل النصف لا يستلزم بطلانه بالخبث.

و هناك اشكال من جهة ثالثة، و هي فقدان الموالاة المعتبرة فى الطواف بالخروج للتطهير او التبديل. و قد يدعى أن مقتضى رواية يونس جواز الفصل الكثير. لكن الحق أنها لا إطلاق لها من هذه الجهة، فانها ناظرة الى بيان عدم مانعية النجاسة أما سائر الشروط المعتبرة فى الطواف فلا نظر لها الى نفيها، فالقدر المتيقن دلالتها على جواز الخروج اذا لم تفت به الموالاة.

فلذلك لا معارضة بينها و بين ما دل على اعتبار الموالاة و عدم جواز الفصل الكثير.

و أما رواية حبيب بن مظاهر، قال: «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فاذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت ... «1»».

فهي- أيضا- غير ناظرة الى جواز الفصل الكثير، مع انها ضعيفة السند.

و نتيجة ما ذكرنا: ان الجهل بالنجاسة مع الالتفات إليها في الاثناء لا يضر من حيث شرطية الطهارة لكنه يضر من حيث اعتبار الموالاة

فى الطواف. نعم لو استطاع التطهير او التبديل بلا فوات الموالاة صح عمله.

و لا يخفى أن هذه الجهة من الاشكال لا تتأتى لو علم بالنجاسة بعد العمل. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 41: من أبواب الطواف، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 478

[الخامسة: يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة]

الخامسة:

يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة، و لو في الاوقات التي تكره، لابتداء النوافل (460).

و لو طاف فى النجاسة عن جهل بالحكم، فهو كجاهل الموضوع لقصور الدليل مع شمول مرسلة البزنطي له، فتدبر.

______________________________

(460) بلا خلاف و لا اشكال كما فى «الجواهر «1»» و استدل له بإطلاق أدلة صلاة الطواف و خصوص ما دل على الجواز في هذه المسألة، ك:

رواية رفاعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: «نعم، أ ما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب، لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم فصل ركعتين- الى ان قال:- و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات [أي ساعة، خ ل] شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما «3»» و غيرهما.

و رواية معاوية تتكفل بصراحة نفي الكراهة، فتعارضها رواية محمد بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 324، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 479

..........

مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة؟ فقال: وقتهما اذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها «1»».

و أما روايته الاخرى، قال: «سئل عن أحدهما عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال: يطوف و يصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها «2»»، فلا تعارض رواية معاوية لأن موضوعها مطلق الطواف أعم من الفريضة و النافلة، فيمكن تقييدها برواية معاوية.

و قد حملت روايته الاولى على التقية. و فيه أن ظاهر بعض النصوص ان العامة تبني على عدم الكراهة و انها لم تأخذ عن الحسنين عليهما أفضل الصلاة و السلام سوى ذلك فكيف يحمل ما دل على الكراهة على التقية؟!

فالمتعين الجمع بينهما بما فى «المدارك «3»» من ان رواية معاوية تنفي المرتبة الشديدة من الكراهة و رواية محمد بن مسلم تثبت مرتبة اخرى من الكراهة.

و الاختلاف بين النصوص نفيا و اثباتا بلحاظ تعدد المراتب فى الحكم التنزيهي غير عزيز.

هذا بالنسبة الى صلاة طواف الفريضة.

و أما صلاة طواف النافلة، فمقتضى الجمع بين مثل رواية معاوية و رواية محمد بن مسلم الثانية كراهة ايقاعها عند طلوع الشمس و عند احمرارها، و قد ورد النهي عنها بالخصوص في رواية ابن بزيع، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال: «لا، فذكرت قول آبائه ان الناس لم يأخذوا عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 7.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 147، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج،

ج 2، ص: 480

..........

الحسن و الحسين عليهما السّلام الا الصلاة بعد العصر بمكة، فقال: نعم، و لكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي ء فاجتنبه، فقلت: إن هؤلاء يفعلون، فقال: لستم مثلهم «1»». و عدم وضوح المقصود «2» من قوله: «فقلت: إن هؤلاء ...» لا يضر بدلالتها على المدعى بلحاظ صدرها.

ثم إنه قد يتخيل منافاة رواية علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ «قال: لا «3»،» لمثل رواية معاوية بن عمار.

و لكن الظاهر ان موضوعها يختلف عما نحن فيه، فان السؤال فيها عن مشروعية صلاة الطواف مع وجوب فريضة الوقت. و لا نظر لها الى كون الوقت مما تكره فيه النافلة.

ثم إنه لو التزمنا بظاهر رواية ابن يقطين تعين الحكم بعدم جواز صلاة الطواف مع عدم اتيان فريضة الوقت، و على أي حال فهو حكم آخر و لعله يأتي الكلام فيه في مجال آخر، و لا وجه لحمل النص على صورة تضيق وقت الحاضرة لعدم القرينة عليه. فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 10.

(2)- اذ لا معنى للاخبار عن فعل هؤلاء بعد فرض فعلهم قبله، ثم ما هو المراد من الجواب اعني قوله: «لست مثلهم؟!» و أي جواب هو؟ هذا مع ما في قوله: «و لكن اذا رأيت ...» من الخفاء مما لا يخفى إذ لا يمكن الالتزام بهذه الكلية مع فرض ان استنادهم فى العمل الى من يصح الاستناد إليه و هو المعصوم. فالتفت.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 11.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 481

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 483

المقدمة الرابعة فى المواقيت 7

العقيق ميقات اهل العراق 7

مسجد الشجرة ميقات اهل المدينة 9

حكم احرام الجنب الّذي لا يتمكن من الغسل 10

الجحفة ميقات اختيارى لاهل المدينة أم لا؟ 12

الجحفة ميقات اهل الشام 16

ميقات من منزله أقرب من الميقات 17

اهل مكة من حيث احرامهم 18

محاذاة اقرب المواقيت: ميقات من لم يمر على المواقيت 22

من لم يمر على الميقات و لا على محاذيه يحرم من محل بينه و بين مكة 24

حكم من حج عن طريق الجوّ 26

حكم احرام الصبيان من فخ 28

عدم انعقاد الاحرام قبل هذه المواقيت 29

نذر الاحرام قبل الميقات 30

حكم احرام من اراد درك عمرة رجب خاف فوت الشهر 31

حكم من اخر احرامه عن الميقات لمانع ثم زال العذر 32

لزوم العود الى الميقات فى الفرض المذكور 35

حكم المغمى عليه عند الميقات 37

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 484

حكم ترك الاحرام من الميقات ناسيا 38

حكم من تجدد له إرادة النسك 39

حكم من اراد النسك و لم يحرم من الميقات عمدا 40

حكم من نسبى الاحرام حتى اكمل مناسكه 42

تفضيل عن المحقق الثاني رحمه اللّه بين كون المنسى هو نية الاحرام أو التلبية 44

الركن الثانى: فى افعال الحج القول فى الاحرام 48

مستحبات الاحرام 49

الغسل للاحرام واجب أم مستحب؟ 50

بدلية التيمم عن الغسل مع عدم التمكن من الماء 51

لزوم الغسل لو اتى بما لا يجوز على المحرم او عدمه 52

تقديم الغسل على الميقات 52

عدم لزوم اعادة الغسل لو نام بعد الغسل 53

لزوم اعادة الاحرام لو اتى به من غير غسل ثم ذكر 54

لزوم الاحرام عقيب الفريضة 55

عدم مشروعية صلاة الاحرام في وقت الفريضة 56

حقيقة الاحرام 60

واجبات الاحرام: النية 63

اعتبار قصد النوع من حج او عمرة 64

حكم ما لو نوى نوعا و نطق بغيره 67

حكم الاخلال بالنية عمدا أو سهوا 67

ما لو علق نية احرامه على احرام الغير مع الجهل بالنوع 69

مناقشة صاحب الجواهر الشيخ فى العدول عن الافراد 70

ما لو نسى بما ذا احرم 71

وجوب التلبية 73

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 485

عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية 74

صورة التلبية 76

اعتبار خصوصية الصيغة المعروفة 77

لزوم تأخير التلبية عن الميقات 79

لزوم التلبية بعد الاشعار أو التقليد للقارن 80

وجوب لبس ثوبي الاحرام 82

حكم الاحرام فيما لا يجوز لبسه فى الصلاة 83

حكم الاحرام فى الحرير للنساء 86

لبس اكثر من ثوبين 89

لبس القباء للمحرم 90

كيفية لبس القباء 92

الاحرام بالحج قبل التقصير 93

انعقاد الافراد بالتلبية 96

احرام الصبي 97

هدي الصبي على الولي 98

اشتراط الاحلال عند الحصر 101

وجوه استدل بها على التحلل بمجرد الاحصار و المناقشة فيها 102

كلام صاحب الجواهر في فائدة الاشتراط و المناقشة فيه 105

وجوب الحج من القابل على المحصور 107

مندوبات الاحرام 107

تروك الاحرام: 1- صيد البر 110

حكم ذبيحة المحرم على المحل 111

حكم لحم الصيد لو اشار المحرم الى الصيد 113

حرمة فرخ الصيد و بيضه 114

جراد صيد برّى

115

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 486

تأسيس الاصل عند الشك في كون المصيد بريا بحريا 116

2- النساء وطئا و لمسا بشهوة 118

حرمة العقد على المحرم له و لغيره 119

حكم الشهادة على العقد للمحرم 121

حكم التقبيل بالشهوة 124

النظر بالشهوة 126

حرمة الاستمناء على المحرم 129

لو اختلف الزوجان فى العقد و مقتضى الاصل فيه 130

قول بتنصيف المهر عند إنكار المرأة وقوع العقد فى الاحرام 133

الوكالة فى العقد 135

حكم شراء الامة فى حال الاحرام 137

3- الطيب 138

استثناء خلوق الكعبة من الحرمة 143

حكم ثبات الطيب 143

مناقشة فيما استدل به على حرمة شم مطلق الرائحة الطيبة 144

حكم الامساك عن الرائحة المنتنة 146

كيفية الجمع بين النهي عن مس الطيب و جواز غسله بيده 147

حكم دوران الامر بين صرف الماء فى الطهارة، أو غسل الطيب 148

4- لبس المخيط للرجال 150

استثناء القفازين من عموم الجواز للمرأة 153

جواز لبس الغلالة للحائض 155

5- الاكتحال بالسواد 157

6- النظر فى المرآة 160

7- لبس الخفين 163

8- الفسوق 165

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 487

9- الجلال 169

10- قتل هوام الجسد 176

نصوص تدل على حرمة إلقاء الهوام 178

جواز القاء القراد و الحلم 179

11- لبس الخاتم للزينة 180

حكم لبس لامرأة الحلي للزينة 181

12- استعمال دهن فيه طيب 185

13- ازالة الشعر 187

ثبوت الفدية 189

حكم قطع المحرم شعر غيره 192

14- تغطية الرأس 194

ما المراد من الرأس 195

حرمة التغطية تشمل التغطية بكل شي ء أم لا 196

الحاق الارتماس بالتغطية

198

ستر الرأس باليد 199

حكم تغطية الوجه 200

جواز التغطية للمرأة 203

تغطية المرأة المحرمة وجهها 204

15- التظليل 209

المناقشة فى النصوص الدالة على التحريم 211

المناقشة فى الاستدلال على التحريم بما دل على الاضحاء 215

عدم حرمة التظليل في حال النزول و الاستقراء 216

التظليل الجانبي 217

التظليل فى الليل 218

عدم جواز تظليل زميل العليل 218

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 488

اخراج الدم 220

17- قص الاظفار 223

18- قطع الشجر و الحشيش 225

ما استثنى من حرمة القطع 228

19- تغسيل المحرم بعد الموت بالكافور 230

20- لبس السلاح 231

مكروهات الاحرام: 1- الاحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد 232

2- النوم مع الثياب المصبوغة بالسواد 234

3- الاحرام فى الثياب الوسخة 234

4- لبس الثياب المعلمة 235

5- استعمال الحناء للزينة 236

6- النقاب للمرأة 238

7- دخول الحرم 238

8- تدليك الجسد فى الحمام 239

9- تلبية من يناديه 239

10- استعمال الرياحين 240

وجوب الاحرام لدخول مكة 242

وجوب الاحرام لدخول الحرم 242

محل الاحرام لمن لم يمر على الميقات 244

لزوم نية الحج او العمرة لدخول مكة 245

حكم القضاء عند ترك الاحرام لدخول مكة 246

جواز دخول المملوك الحرم بغير احرام 247

جواز ترك الاحرام لدخول مكة اذا نوى الرجوع 248

حكم الحطاب و الحشاش 252

المرأة تحرم عند الميقات و لو كانت حائضا 254

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 489

الوقوف بعرفات 256

استحباب الخروج يوم التروية 257

استحباب الخروج بعد صلاة الظهرين 258

استحباب المبيت بمنى 261

مشروعية الاحرام في يوم التروية و الذهاب الى

عرفات 263

استحباب الاقامة فى منى الى طلوع الشمس للامام 264

واجبات الوقوف: النية 265

الكون بها الى الغروب 266

تحديد العرفات 267

الافاضة قبل الغروب ناسيا او جاهلا 271

مبدأ اختياري عرفة و منتهى اضطرارية 277

حكم الذهاب الى عرفات ما لو شك فوات المشعر قبل طلوع الشمس 279

من ادرك اختياري عرفة خاصة و لم يدرك المشعر اصلا 282

تعدية الحكم من الجاهل الى الناسي و المضطر 283

صحة جمع من ادرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر 287

روايات تدل على عدم صحة الجمع بادراك اضطراري المشعر خاصة و المناقشة فيها 290

ما لو ادرك خصوص اضطراري المشعر 294

مندوبات الوقوف: الوقوف في ميسرة الجبل فى الفسح 295

الدعاء 296

كراهة الوقوف في اعلى الجبل 299

وقوف بالمشعر 300

مستحبات اخرى للوقوف 300

واجبات الوقوف: النية 302

حد المشعر 304

ما لو جن او نام او اعنى عليه و نية الوقوف 305

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 490

تحديد وقت الركن من الوقوف بالمشعر 306

افاضة قبل الفجر 306

المبيت ليلا فى المشعر 309

استحباب الوقوف بعد صلاة الفجر 310

وقت الوقوف بالمشعر للمختار و المضطر 311

حكم من لم يقف بالمشعر اصلا 312

من فاته الحج تحلل بالعمرة المفردة 313

استحباب الاقامة لمن فاته الحج 316

استحباب التقاط الحصى بالمشعر 318

شروط ثلاثة للحصى 320

مستحباته و مكروهاته 321

استحباب الافاضة قبل طلوع الشمس لمن عد الامام 323

القول في نزول منى 325

مناسك منى: الاول الرمى 325

واجباته 327

مستحباته ستة 329

الثاني: الذبح 333

الواجب على المتمتع هو الهدى 333

وجوب الهدي على المكي المتمتع 336

تخيير المولى بين الهدي عن المملوك أو أمره بالصوم 337

النية شرط فى الذبح 338

وجوب الذبح بمنى 339

عدم اجزاء هدي واحد فى الواجب الا عن واحد 340

عدم وجوب بيع ثياب التجمل فى الهدي 343

عدم اجزاء ذبح هدي الضال عن صاحبه 345

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 491

حكم اخراج شي ء مما يذبحه عن منى 348

وقت الذبح 350

صفات الهدي 354

صفات لم تجز الهدي معها 357

مستحبات الهدي 361

تقسيمه اثلاثا 364

الثالث: فى البدل 367

حكم من فقد الهدي و ثمنه 370

لزوم توالي صوم الثلاثة 371

لزوم جعل الثالث بعد النظر لو لم يتفق التوالي 373

جواز تقديم صوم الثلاثة 375

لزوم وقوع الثلاثة في ذى الحجة 377

وجه ان الهدي بعد صوم ثلاثة ايام 379

صوم سبعة ايام و لا يشترط فيها الموالاة 381

قضاء الجميع أم خصوص الثلاثة عمن مات و لم يصم 384

الهدي من الحقوق المالية 386

الرابع: في هدي القران 387

مكان ذبح أو نحر الهدي 388

صحة جعل الهدي كفارة أو نذر 390

ما لو عجز هدى السياق عن الوصول إلى محل النحر 391

التصدق بالهدي 394

اجزاء ذبح واجد الهدي عن صاحبه 395

ركوب الهدي و شرب لبنه 396

الهدي كالكفارات 397

الخامس: فى الاضحية 401

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 492

وقتها فى الامصار ثلاثة ايام 402

جواز ادخار لحم الاضحية 404

اجزاء الهدي الواجب عن الاضحية 405

الثالث: فى الحلق و التقصير 407

الكلام في وجوبه و وقته 407

حكم الصرورة 408

تعيين التقصير على المرأة 412

وقت التقصير 415

مكان

الحلق 417

حكم من ليس على رأسه شعر 420

لزوم الترتيب بين اعمال منى 421

مواطن التحليل 423

تحليل الطيب بعد طواف الزيارة 428

تحليل النساء بعد طواف النساء 430

كراهة لبس الخيط قبل طواف الزيارة 432

وقت زيارة البيت 434

وقت زيارة البيت للقارن و المفرد 437

القول فى الطواف 437

واجباته: الطهارة 439

الطهارة واجب لطواف المستحب أم لا 441

لزوم ازالة النجاسة عن الثوب و البدن 443

عدم اعتبار الختنان فى المرأة 444

في حكم اختنان الصبي للطواف 445

لو دار الامر بين لزوم الاختتان و سقوط الحج 446

مندوبات الطواف: الغسل 447

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 493

افضلية الغسل من بئر ميمون او من فخ 449

مستحبات لدخول مكة 450

واجباته: الاوّل: النية 451

الثاني: البداءة بالحجر 452

الثالث: الختم به 452

الرابع: ان يطوف على يساره 454

الخامس: ادخال الحجر فى الطواف 455

السادس: اكمال السبع 455

السابع: ان يكون بين البيت و المقام 456

وجوب صلاة الطواف فى الطواف الواجب 458

وجوب القضاء عند النسيان 459

لزوم القضاء على الولي 462

حكم الجاهل و العامد بالصلاة 463

الزيارة فى الطواف 465

حكم الزيارة فى الطواف النافلة 468

محل صلاة الطواف في حال الاختيار 470

محل صلاة الطواف مع الاضطرار 472

الطواف في ثوب النجس 474

جواز اتيان صلاة الطواف في ايّ وقت شاء 478

الفهرس 481

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.